مختصر التحفة الاثني عشرية
تقديم
مقدمة المختصر السيد محمود شكري الآلوسي
الباب الأول في ذكر فرق الشيعة وبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم
الباب الثاني في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك
الباب الثالث في الإلهيات
الباب الرابع في النبوة
الباب الخامس في الإمامة
الباب السادس في بعض عقائد الإمامية المخالفة لعقائد أهل السنة
الباب السابع في الأحكام الفقهية
الباب الثامن مطاعنهم في الخلفاء الراشدين وسائر الصحابة المكرمين وحضرة الصديقة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين
الباب التاسع في ذكر ما اختص بهم ولم يوجد في غيرهم من فرق الإسلام
خاتمة
[ معلومات الكتاب - فهرس المحتويات ]
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
مختصر التحفة الاثني عشرية
ـ[مختصر التحفة الاثني عشرية]ـ
ألّف أصله باللغة الفارسية: علامة الهند شاه عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي
نقله من الفارسية إلى العربية: (سنة 1227 هـ) الشيخ الحافظ غلام محمد بن محيي الدين بن عمر الأسلمي
اختصره وهذبه: (سنة 1301 هـ) علامة العراق محمود شكري الألوسي
حققه وعلق حواشيه: محب الدين الخطيب
الناشر: المطبعة السلفية، القاهرة
عام النشر: 1373 هـ
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
__________
(تنبيه): بالنسخة الإلكترونية هوامش كثيرة زيادة على هوامش المطبوعة
(/)
________________________________________
تقديم
- بسم الله الرحمن الرحيم -
الحمد لك اللهم لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد فإن الإسلام امتاز على أنظمة الدين والدنيا جميعا بكماله، ووفائه بحاجة المجتمع الإنساني ليكون به سعيدا في كل زمان ومكان، كما أمتاز بحفظ الله له - في أصليه الأصيلين: القرآن الحكيم والحديث النبوي - بما لم يسبق له نظير في كل هداية عرفها البشر.
والمسلمون الأولون - الذين تولى الهادي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - تربيتهم وتوجيههم وإعدادهم للاضطلاع بمهمة الإسلام العظمى - كانوا المثل الكامل للعمل بالإسلام: في إيمانهم، وطاعتهم لله، وأخلاقهم الكريمة، وسياستهم الحكيمة، وفتوحهم الرحيمة، وتكوينهم المجتمع الإسلامي الصالح، والدولة الإنسانية المثاليّة. وقد كافأهم الله على ذلك بانتشار رسالته على أيديهم، وذيوع دعوته بين الأمم اقتداء بهم، واتباعا لهم.
ولما تخطت رسالة الإسلام حدود الجزيرة العربية المباركة - فدخلت العراق وإيران شرقا، والشام شمالا، ومصر وإفريقية غربا - كان ذلك سعادةً للخيار من أهل البلاد المفتوحة، وغذاء لعقولهم، وبهجةً وحبورا تطمئن بهما قلوبهم. وشجى للأشرار منهم، وغصةً في حلوقهم، ومبعث إحنةٍ وغلٍّ تسمّمت بهما دماؤهم وأرواحهم.
(مقدمة/3)
________________________________________
إن الأخيار من طبقات سالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، فالحسن البصري، وعبد الله بن المبارك، فمحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن، وأندادهم وتلاميذهم، استقبلوا هداية الإسلام السليمة الأصلية بأرواحهم وعقولهم، وفتحوا لها أبوابهم وصدورهم، وأحلوا لغتها محلَّ لغاتهم، وعملوا بسننها بدلا من سننهم، ونسخوا بإيمانها كل ما كانوا - أو كان آباؤهم - عليه من قبل. فساهموا في حفظ كتاب الله وسنة رسوله الأعظم، وحرصوا على فهمها كما كان يفهمها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل ومن ائتم بهم وسار على منهاجهم، حتى صاروا بنعمة الله إخوانا للمسلمين كصالحي المسلمين، وأئمة المسلمين كسائر أئمة المسلمين.
وإن الأشرار من طبقة الهُرمُزان، وعبد الله بن سَبَأ، وعبد الله بن يسار، وأبي بكر الكرُّوس، ورُشيد الهجريّ، ومحمد بن أبي زينب، والأحول الخبيث شيطان الطاق، وجهم بن صفوان، وتلميذه هشام بن الحكم الذي كان غلاما لأبي شاكر الديصاني، وهشام الآخر وهو ابن سالم الجواليقي وكان يقول إن الله جسم ذو أبعاد ثلاثة، والأحوص أحمد ابن إسحاق القمي الذي اخترع لشيعة عصره عيد بابا شجاع الدين، (1) وبنو أعين: زرارة وبكير وحمران وعيسى وعبد الجبار، والمفضل بن عمر الذي وصفه جعفر الصادق بأنه كافر ومشرك وعده قدماء الشيعة من الغلاة، ثم جاء شيعة عصرنا ينافحون عنه ويعتذرون له بأن ما كان يعده قدماؤهم غلوا أصبح اليوم من ضروريات التشيع في شكله الحاضر (انظر كتابهم تنقيح المقال للمامقاني 3: 240 - 241) وهذا اعتراف علمي في أهم كتبهم في الجرح والتعديل بأنهم الآن كلهم غلاة كما كان المفضل بن عمر الذي وصفه جعفر الصادق بالكفر والإشراك، وإعلان منهم بأن المذهب الشيعي استقر الآن على ذلك الغلو، وكل ما كان يعد في السابق غلوا فهو اليوم من ضروريات المذهب.
_________
(1) هو لقب لقبوا به أبا لؤلؤة اللعين قاتل أمير المؤمنين عمر.
(مقدمة/4)
________________________________________
إن الأشرار ممن سمينا، وألوفا كثيرة من أمثالهم، قد أبغضوا من صميم قلوبهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأحبابه وأعوانه على الحق، لأنهم أطفأوا نار المجوسية إلى الأبد، وأدخلوا إيران في نطاق دولة الإسلام، وأقاموا المسجد الأقصى على أنقاض الهيكل. فهذا (الذنب) الذي ارتكبه نحو المجوسية واليهودية أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وأبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ويزيد ومعاوية ابنا أبي سفيان، وسائر إخوانهم من الفاتحين والصالحين، لن ينساه لهم مبغضوهم من اليهود والمجوس. وقد قاوم أسلافهم زحف الإسلام وامتداد رسالته بأسلحتهم ودسائسهم جيشا لجيش، وجهادا لجهاد، ومعركة بعد معركة، حتى هزمهم الله في كل موقف، وخذلهم في كل ملحمة. فباتوا ينتظرون الفرص السانحة، ويترقبون للمسلمين الأولين ما يترقبه المبطلون لأهل الحق في كل زمان ومكان. فلما لم ينالوا منهم شيئا، وطالت عليهم خلافة أمير المؤمنين عمر، واتسعت الفتوح في زمنه، وانتشرت كلمة الإسلام في آفاق مترامية الأطراف، تآمروا حينئذ على سفك دم عمر وهو حمو رسول الله أبو أم المؤمنين حفصة، وصهر علي بن أبي طالب زوج بنته أم كلثوم الكبرى التي ولدت له ابنه زيدا وبنته رقية، وأم كلثوم بنت علي هي التي كانت في بيت أمير المؤمنين عمر لما تآمر على قتله الهرمزان وأبو لؤلؤة وغيرهما. ولا يزال الشيعة إلى اليوم مسرورين بما ساء عليا وبنته أم كلثوم وسائر أهل البيت من سفك دم أعدل من حكم في الأرض بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه في الغار المجاور لهما في المدفن النبوي الطاهر جوارا لا ينقطع في الدنيا ولا الآخرة. وقد ظن المجوس الذين قتلوا عمر أنهم قد قتلوا الإسلام بقتله، ولكنهم ما لبثوا أن علموا أنهم باءوا من هذه بمثل الذي باءوا به من تلك، وحفظ الله رسالته، وحاط دعوة الحق بعين عنايته وجميل رعايته، وعادت جيوش الإسلام في خلافة ذي النورين توغل فيما وراء إيران، وتفتح لكلمة الله آفاقا أخرى متجاوزة الحد المنيع الذي كانوا يسمونه «باب الأبواب»، فلم تكن على وج الأرض يومئذ - ولا في العصر التالية إلى يوم القيامة - رايات تخفق بالنصر والعدل والرحمة كهذه الرايات النيرة الظافرة.
(مقدمة/5)
________________________________________
حينئذ أيقن المجوس واليهود أن الإسلام إذا كان إسلاما محمديا صحيحا لا يمكن أن يحارب وجها لوجه في معارك شريفة سافرة، ولا سبيل إلى سحقه باغتيال أئمته وعظمائه. فأزمعوا الرأي أن يظاهروا بالإسلام، وأن ينخرطوا في سلكه، وأن يكونوا (الطابور الخامس) في قلعته. ومن ذلك الحين رسموا خطتهم على أن يحتموا بحائط يقاتلون من ورائه الرسالة المحمدية وأهلها الأولين، فتخيروا اسم «علي» ليتخذوه ردءا لهم. وأول من اختار ذلك لهم يهوديٌّ ابن يهودي من أخبث من ولدتهم نساء اليهود منذ عبدوا العجل في زمن موسى إلى أن اخترعوا الفكرة الصهيونية في الزمن الأخير.
نقل المامقاني في كتابهم تنقيح المقال (2: 184) عن الكشي رأس علمائهم في الجرح والتعديل ما نصه: «وذكر أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا، وكان يقول - وهو على يهوديته - في يوشع بن نون (وصي موسى)، فقال في إسلامه في علي مثل ذلك وكان (أي عبد الله بن سبأ) أول من شهر القول بإمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه (ومراد الكشي من أعداء علي إخوانه وأحبابه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، وكاشف مخالفيه وكفرهم. فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهود». انتهى كلام الكشى إمام الشيعة في الجرح والتعديل ومؤرخ الرواية والرواة في نحلتهم، وما ينبئك مثل خبير.
وعبد الله بن سبأ كان ملعونا على لسان علي بن أبي طالب سلام الله عليه، ودعوته كانت مرذولة فيما كان يدين الله به كرم الله وجهه، وقد طارد هذا الملعون وحرق بالنار من وصلت إليهم يده من أصحابه ودعاته، وهذا هو المنتظر من إمام صالح راشد طالما خطب على منبر الكوفة فقال على رؤوس الأشهاد: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر» روي ذلك عنه من ثمانين وجها ورواه البخاري وغيره، وكان كرم الله وجهه يقول «لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري». ولما بلغت الجرأة والفجور باثنين من المتسممين بسموم عبد الله بن سبأ - ويقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله - فنالا
(مقدمة/6)
________________________________________
من أم المؤمنين عائشة سلام الله عليها، أمر علي القعقاع بن عمرو - رضي الله عنهما - بأن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة، وأن يجردهما من ثيابهما ففعل. وكان ذلك بعد وقعة الجمل.
هذا هو علي في صورته التاريخية الثابتة عنه بأوثق ما ثبتت حقائق الماضي، وهو غير علي في صورته الوهمية الكاذبة التي يصوره بها الشيعة على أنه مراءٍ جبان يمدح إخوانه الصحابة تقيةً ونفاقا ويضمر لهم البغضاء حسدا وأنانية. إن عليا أسمى من ذلك وأكرم عند الله. وصورته الصادقة هي التي ثبتت برواية الصادقين عن الصادقين من رواة أئمة السنة الأعلام الذين يخافون الله واليوم الآخر ويحبون عليا وآله حبا معقولا سليما من الآفات، ويحفظون لهم كل كرامة وفضيلة. والصورة التي يصوره بها كذبا مجوس هذه الأمة وتلاميذ اليهودي عبد الله بن سبأ صورة متناقضة جمعت بين تأليه علي ونعته بأحط النعوت وأسوإها. ولم يكن كل شيعة علي في زمن علي من هذا الطراز، بل كان فيهم كرام الصحابة وصالحو المؤمنون، والتحق بهم واندس في صفوفهم الكفرة والحمقى والغلاة وضعاف العقول والكاذبون في إسلامهم، ومنهم أُتي رضوان الله عليه، وهؤلاء هم الذين عاقوا هذا الإمام الأعظم عن أن يكون كما يحبه لنفسه وما يحبه الله له من نشر دعوة الله في آفاق أخرى لم تصل إليها دعوة الإسلام، وشغلوه بحمايتهم قتلة عثمان، وإن كان طالما أعلن لعنتهم على مسمع منهم وهم في كتائب جيشه، أو في صفوف المصلين تحت منبره في مسجد الكوفة.
إن هذا الطراز الضال المريب من شيعة علي في زمن علي كثيرون وكثيرون، وهم الذين كان علي يشكوهم ويتبرأ منهم، وكتاب نهج البلاغة ملئ بذمهم والزراية عليهم. وإن موقفهم من ابنه الحسن معروف في التاريخ، حتى لقد تجرأوا على إسالة دمه من جسمه الشريف بغيا عليه ونذالة منهم وكفرا، وهم الذين أغروا أخاه الحسين ودعوه من بلده إلى بلدهم، ثم تولوا بأيديهم سفك دمه الطاهر، وبعد مقتله خرجوا يستقبلون آله بعيون باكية.
نقل علامة الشيعة في هذا العصر الشيخ هبة الدين الشهرستاني ما رواه الجاحظ عن خزيمة السدي قال: دخلت الكوفة فصادفت منصرف علي بن الحسين بالذرية من
(مقدمة/7)
________________________________________
كربلاء إلى ابن زياد، ورأيت نساء الكوفة يومئذٍ قياما يندبن متهتكات الجيوب، وسمعت علي بن الحسين وهو يقول بصوت ضئيل - وقد نحل من شدة المرض -:
«يا أهل الكوفة، إنكم تبكون علينا، فمن قتلنا غيركم؟»
ورأيت زينب بنت علي - عليه السلام -، فلم أرَ والله خفرة أنطق منها بيانا، قالت: «يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والخذل! فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنة. إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم. ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف، وملق الإماء وغمز الأعداء؟ وهل أنتم إلا كمرعي على دمنة، أو كغضة على ملحودة؟ ألا ساء ما قدمت أنفسكم. أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون؟ أي والله فابكوا، وإنكم والله أحرياء بالبكاء. فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد فزتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا».
ونقل عالمهم المامقاني في تنقيح المقال (1: 38) عن إمامهم الكشي بسندٍ رجاله كلهم من الشيعة أن بريدا العجلي قال: كنت أنا وأبو الصباح الكناني عند أبي عبد الله (أي جعفر الصادق) فقال: «كان أصحاب أبي خيرا منكم، كان أصحاب أبي ورقا لا شوك فيه، وأنتم شوك لا ورق فيه». فقال أبو الصباح: جعلت فداك، فنحن أصحاب أبيك! قال: «كنتم يومئذ خيرا منكم اليوم».
وبعده في الكتاب نفسه خبر آخر بأن أبا الصباح هذا الذي كان من كبار شيعة الصادق وأبيه الباقر قد عبث بثدي جارية ناهد خرجت له من منزل إمامه الباقر، فأنبّه على ذلك
ونقل المامقاني (2: 8) في ترجمة سدير بن حكيم الصيرفي عن آخر كتاب الروضة من (الكافي) عن المعلى قال: ذهبت بكتاب عبد السليم بن نعيم وسدير وغير واحد (أي وغير واحد من شيعة جعفر الصادق) إلى أبي عبد الله (وهو جعفر الصادق) ... فضرب بالكتاب الأرض ثم قال: «أف، أف، ما أنا لهؤلاء بإمام».
(مقدمة/8)
________________________________________
وفي ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي (10: 347) أن جعفر الصادق قال لابن السماك: «إن زرارة بن أعين من أهل النار». وزرارة بن أعين هذا ممن يروي عنهم الكليني في الكافي نصيبا كبيرا من الأحاديث التي يكذبونها على آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعتبرونها دينا.
ومن أعلامهم أبو بصير الذي كذب على جعفر الصادق فادعى أنه سمع منه قوله «وإن عندنا لمصحف فاطمة، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم هذا حرف واحد». ومع أن طائفة كبيرة من دينهم وأحاديث بُخاريهم الذي يسمونه (الكافي) مروية عن أبي بصير هذا فإن علماءهم معترفون بأن أبا بصير مطعون في دينه، لكنهم قالوا: «إنه ثقة، والطعن في دينه لايوجب الطعن!» وعلماء الجرح والتعديل عند الشيعة إذا قالوا في رجل منهم «إنه ثقة» لا يريدون من هذا الوصف أنه صادق من أهل العدالة، بقدر ما يريدون منه أنه معتصب لاتجاهاتهم، مبغض للصحابة، مجتهد في النيل منهم، والافتراء عليهم.
وإذا تتبعت تراجم أعلام الشيعة في زمن أئمتهم رأيتهم بين كذابين، وملاحدة، وشعوبيين، وفاسدي العقيدة، ومذمومين من أمتهم، أو عابثين بأثداء جواري أئمتهم، وكل ما يخطر ببالك من نقائص. وسبب ذلك أن دينهم من أصله فاسد، وهل يثمر الدين الفاسد إلا الفساد؟.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (1: 3): «إن أصل هذا المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فحرق منهم طائفة بالنار وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار، وتوعد بالجلد طائفة مغيرية فيما عرف عنه من الأخبار».
وأخرج الحافظ ابن عساكر (4: 165) أن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم قال لرجل من الرافضة: «والله لئن أمكننا منكم لنقطعن
(مقدمة/9)
________________________________________
أيديكم وأرجلكم، ثم لا نقبل منكم توبة». فقال له رجل: لم لا تقبل منهم توبة؟ قال: «نحن أعلم بهؤلاء منكم. إن هؤلاء إن شاءوا صدقوكم، وإن شاءوا كذبوكم وزعموا أن ذلك يستقيم لهم في (التقية). ويلك! إن التقية هي باب رخصة للمسلم، إذا اضطر إليها وخاف من ذي سلطان أعطاه غير ما في نفسه يدرأ عن ذمة الله. وليست باب فضل، وإنما الفضل في القيام بأمر الله وقول الحق. وأيم الله ما بلغ من التقية أن يجعل بها لعبد من عباد الله أن يضل عباد الله».
بل إن جعفرا الصادق دمغهم بكلمته المشهورة التي رواها عنه محمد بن بابويه القمي في كتاب التوحيد، وهي قوله «القدرية مجوس هذه الأمة: أرادوا أن يصفوا الله بعدله، فأخرجوه عن سلطانه». وكم له - عليه السلام - من كلمات فيهم كوى بها أجسادهم لو أن في أجسادهم حياة وشعورا.
والإمام زيد بن علي زين العابدين ابن الحسين (عم جعفر الصادق) من كبار علماء آل البيت وصلحائهم، رُوي عنه في كتاب (الحور العين) لنشوان الحميري ص 185 أن الشيعة لما قالوا له في أبي بكر وعمر «إن برئت منهما وإلا رفضناك» فقال لهم - رضي الله عنه -: الله أكبر، حدثني أبي أن رسول الله (قال لعلي - عليه السلام -: «إنه سيكون قوم يدّعون حبنا، لهم نبز يعرفون به، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون». اذهبوا فأنتم (الرافضة)!.
إن الشيعة كاذبون في مودة علي وأهل البيت، وقد تبرأ منهم علي وبنوه في مواقف لا تحصى. وإن الصالحين من أهل البيت الذين تبغضهم الشيعة وتذمهم أكثر عددا من الذين تتظاهر بحبهم وبالتشيع الكاذب لهم. ومن صالحي آل البيت الذين يبغضون الشيعة وتبغضهم الشيعة سيدنا الإمام زيد بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط - رضي الله عنه - وعن آبائه. أما أهل السنة فيرون من السنة أن يحبوا آل البيت جميعا إلا من انحرف منهم عن سنة جدهم - صلى الله عليه وسلم -، ويتحرون الأخبار الصادقة عنهم، ويعرفون لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
(مقدمة/10)
________________________________________
أقدارهم، ويضعون الناس كلهم في المواضع التي أمر الله أن يكونوا فيها، فلا يرفعونهم فوق بشريتهم، ولا يزعمون لأطفال مولودين يتبولون في حجور أمهاتهم أنهم أعلم من علماء الصحابة وهم في سن الكمال.
وهنالك ميزانان: يستعمل الشيعة أحدهما، ويستعمل أهل السنة المحمدية الميزان الآخر.
فالشيعة أبغضوا أصحاب رسول الله الذين قام الإسلام على أكتافهم، لأن الإسلام قام على أكتافهم، واخترعوا عداوة كاذبة لا أصل لها بين علي وإخوانه في الله. وافتروا على الفريقين حكايات في ذلك سودوا بها صفحات السوء من أسفارهم. وبنوا دعوتهم على أن الحب والبغض في الإسلام ليس لرسالة الإسلام نفسها، بل لأشخاص اخترعوا لهم شخصيات وهمية لا يعرفها التاريخ. ورووا - بألسنة ناس معروفين بالكذب - أقوالا وضعوها على ألسنة أولئك النفر من آل البيت لا صحة لها، ولم تصدر عنهم، وإن العقل والمنطق يكذبانها. ونقضوا قول علي كرم الله وجهه «اعرف الرجال بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال» فسنوا قاعدة «اعرف الحق بما رواه الكذبة عن رجال مخصوصين، ولا تنقد ما نسب إليهم كذبا بعرضه على ميزان الحق وقواعد المنطق». ولما انتهوا من دعوى أنهم شيعة هذا النفر القليل من آل البيت المكذوب عليهم، اخترعوا عداوة جديدة بين آل البيت أنفسهم، فتجاهلوا رقية وأم كلثوم بنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهما كانتا زوجتي أمير المؤمنين عثمان الذي بشره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشهادة وشهد له بالجنة. وزعموا أن بعض آل البيت أعداء لبعض، إلى أن أسقطوا جميع آل البيت إلا ذلك النفر القليل الذي ثبت حتى في كتب الشيعة أنه كان يلعنهم ويتبرأ منهم. فميزان الشيعة ميزان (شخصيات وهمية) زعموا لها ما ليس للبشر من صفات، وتعصبوا لما اخترعوه هم من مبادئ وعقائد تخالف مبادئ الإسلام وعقائده، رغبة منهم في تبديله والقضاء على رسالة الإسلام.
أما ميزان أهل السنة فهو قول الله عز وجل {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. فاتباع الرسول فيما جاء به هو الميزان عندهم وعند الأئمة الصالحين من
(مقدمة/11)
________________________________________
أهل البيت أيضا، فيه يعرفون عدالة المسلم وصحة إيمانه، وكلما كان المسلم أصدق اتباعا لرسول الله فيما جاء به من الله كان أصح إيمانا وأصدق إسلاما. ومقياس الاتباع عندهم اتباع كتاب الله على ما فهمه الصحابة من رسول الله، واتباع سنته الصحيحة التي لم يمحص البشر أقوال رجلٍ في التاريخ وأعماله كما محص أهل السنة أحاديث هذا النبي الكريم وراقبوا أعماله. ولم يتناول التحقيق الإنساني صدق رواة الخبار أو كذبهم، وأهليتهم لحمل هذه الأمانة أو عدم أهليتهم لذلك، كما حقق ذلك أعلام السنة المحمدية.
هذا ميزان أهل السنة، وذاك ميزان الشيعة. والتشيع معناه العصبية لأشخاص، وأقبح العصبيات العصبية لأشخاص موهومين مكذوبٍ عليهم ومخترعة لهم شخصياتٌ لا تلائم دينهم وأخلاقهم وتقواهم لله عز وجل. وأصل هذا الكتاب (أعني التحفة الاثني عشرية) ألف لعرض هذين الميزانين وبيان حقيقتهما للشيعة وأهل السنة وللناس جميعا. وقد ألفه باللغة الفارسية عند انتهاء القرن الثاني عشر الهجري كبير علماء الهند في عصره شاه عبد العزيز الدهلوي (1159 - 1239) أكبر أنجال الإمام الصالح الناصح شاه ولي الله الدهلوي (1114 - 1176) وكان شاه عبد العزيز يُعد خليفة أبيه ووارث علومه. وكان رحمه الله مطلعا على كتب الشيعة متبحرا فيها وقد اختار لهذا الكتاب مع اسمه لقبا هو (نصيحة المؤمنين، وفضيحة الشياطين)، وذكر غرضه من هذا التأليف فقال:
«هذه رسالة في كشف حال الشيعة، وبيان أصول مذهبهم، ومآخذه، وطريق دعوتهم الآخرين إلى مذهبهم. وفي بيان أسلافهم، ورواة أخبارهم، وأحاديثهم، وبيان قليل من عقائدهم في الإلهيات، والنبوات، والإمامة، والمعاد».
وقال: «إن البلاد التي نحن بها ساكنون راج فيها مذهب الاثنى عشرية حتى قل بيت من أمصارها لم يتمذهب بهذا المذهب. وأكثرهم جهلة في علم التاريخ، غافلون عن أصولهم وما كان عليه أسلافهم الكرام». ثم قال: «وقد التزمت في هذه الرسالة أن لا أنقل شيئا من حال مذهب الشيعة وبيان أصولهم والإلزامات الموجهة إليهم إلا من كتبهم
(مقدمة/12)
________________________________________
الشهيرة المعتبرة، أو الموافقة لما فيها، لأحملهم على أن تكون الإلزامات التي يوردونها يزعمهم على أهل السنة والجماعة مطابقة لما في الكتب المعتبرة عند أهل السنة وموافقة لرواياتهم الصحيحة، وبذلك تنتفي عنا وعنهم تهمة التعصب».
وقال المترجم من الفارسية إلى العربية: «إن المؤلف حيثما أطلق الكلام جعله على طريقة الشيعة ومذهبهم. (1) وما أورده عن أهل السنة قيده بهم وعزاه إليهم. ومن هذا القبيل ما ذكره في باب الإمامة (ص 124) عن اجتهاد معاوية، فقد أورده بلسان الشيعة وطريقتهم تنزلا ليقيم عليهم الحجة فيما بعد. فأصل الكلام في هذه الرسالة على قواعد الشيعة وأصولهم ورواياتهم، لتقوم الحجة عليهم بذلك»
وبعد نحو ربع قرن من تأليف الكتاب بالفارسية وانتشاره في أقطار الهند وغيرها، شعر مسلمو الهند بحاجتهم إلى ترجمته بالعربية، وأول من اقترح ذلك الحافظ محمد حيدر، وقد كاشف في ذلك عمدة الأعيان الأمير محمد عبد الغفار خان بهادر ثابت جنك ابن محمد علي خان، واختاروا لترجمته الحافظ الشيخ غلام محمد الأسلمي لتمكنه من مؤلفات الشيعة ومعرفته بموضوع الكتاب، فضلا عن إجادته اللغة الفارسية، غير أن بيانه العربي لا يزيد على ما ينتظر من مثله. وهو يقول في مقدمة ترجمته العربية: «كان البدء بها في عهد عظيم الدولة بهادر أمير الهند والا جاه». وقال في خاتمتها: «اختتمت (الترجمة العبقرية، والصولة الحيدرية) عشاء ليلة الجمعة الخامسة من شهر شعبان سنة 1227 للهجرة في بندر مدراس). ثم شكا من الناسخ الذي عهد إليه تبييض الترجمة بأنه «لم يكن يميز السين من الشين، فمسخها، ثم ألزمني تصحيحها بواسطة من لا يسعني أن أخالف له أمرا، مستعجلا فيه غاية الاستعجال، فأديته كأنه وبال»
_________
(1) وقد نبهنا على ذلك في حواشي بعض الصفحات.
(مقدمة/13)
________________________________________
وبقي الأصل الفارسي وترجمته العربية مخطوطين يتناقلهما الناسخون بالقلم، ومع ذلك عم انتشارها في مختلف البلاد، وقد تفضل العالم السلفي الوجيه الكريم الشيخ محمد نصيف عين أعيان جدة فأرسل إلي بالطائرة نسخة مخطوطة من ترجمة الأسلمي، وهي في مجلد ضخم بلغ 1051 صفحة في كل صفحة 19 سطرا، ومع أنها كثيرة الأخطاء فضلا عن عجمة مترجمها فقد نفعتني كثيرا في تصحيح هذا المختصر الذي قام به - في ختام القرن الثالث عشر الهجري - علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي، وقد أرخ ذلك السيد شهاب الدين الموصلي بقوله:
لله تحفة ذي فضل مؤلفها ... ما بين أبحاثها قد أثبت الإلفه
واليوم شكري بحمد الله أوجزها ... ملخصا فضلها من غير ما كلفه
إيجازها كان وعدا، ثم أرخه ... نقدا بإيجازه قد أتحف التحفه
ثم في سنة 1315 طبع هذا المختصر طبعا سقيما على الحجر في المطبعة المجتبائية بمدينة بومباي بالهند، فجاء كثير الأخطاء. وقد اقترح علي تحقيق هذا المختصر والعناية به والتعليق عليه صديقي العلامة السلفي الشيخ محمد نصيف - بارك الله في حياته - فقمت من ذلك بما ساعدني عليه الوقت، مستعينا بالله، ومتقربا إليه بهذا العمل الذي أرجو الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم.
ولما علم أخي مؤرخ العراق الأستاذ السيد عباس العزاوي المحامي في بغداد بقيامي على خدمة هذا المختصر للسيد محمود شكري الآلوسي رحمه الله كتب إلي يقول:
إن كثيرا من علمائنا الأفاضل «رحمهم الله تعالى» ألفوا في كشف حقيقة التشيع بعد شيخ الإسلام ابن تيمية، وأذكر منهم الآن القاضي فضل بن روز بهان فإنه ألف في الرد على (منهاج الكرامة) لابن مطهر الحلي الذي هدمه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتابه الشهير (منهاج السنة النبوية).
(مقدمة/14)
________________________________________
ومنهم ميرزا مخدوم مؤلف (النواقض).
واختصره السيد البرزنجي بكتاب (نواقض الروافض).
والشيخ علي الهيتي بكتابه (السيف الباتر).
ولأبي الثناء الشهاب الآلوسي الكبير كتاب (الأجوبة العراقية، على الأسئلة الإيرانية (1)) وهو يحتوي الأجوبة السديدة على ثلاثين مسألة مهمة في مختلف العلوم وردت من إيران فدمغها الشهاب الآلوسي بهذه الأجوبة، وقد وصف شاعر العراق السيد عبد البقي العمري الأسئلة والأجوبة بقوله:
إن السؤال والجواب مثلما ... قد قيل في التمثيل: أنثى وذكر
وللآلوسي الكبير أيضا كتاب (نهج السلامة إلى مباحث الإمامة (2)).
وله أيضا (الأجوبة العراقية، عن الأسئلة اللاهورية (3)) ذب فيه عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأجازه عليه السلطان محمود العثماني بجائزة عظيمة.
وللبندنيجي (الأجوبة على الأسئلة اللاهورية) أيضا، ومثلها للحيدري.
ومن الكتب الجيدة في هذا الباب (الصارم الحديد في الرد على ابن أبي الحديد (4)).
ورد الشيخ علي السويدي العباسي على الشيعة.
وللشيخ عثمان بن سند كتاب (الصارم القرضاب في نحر من سب أكابر الأصحاب) (5)
_________
(1) طبع سنة 1317هـ في القسطنطينية بمطبعة مكتب الصائع.
(2) نقل عنه السيد محمود شكرى الآلوسي في أوائل هذا الكتاب (مختصر التحفة الاثني عشرية). قال الأستاذ الكبير السيد محمد بهجة الأثري في (أعلام العراق): كتب منه الشهاب الآلوسي وهو مريض نحو عشرين كراسة وعاجلته المنية قبل أن يتمه.
(3) طبع سنة 1301 هـ بالمطبعة الحميدية في بغداد.
(4) انظر لابن أبي الحديد ص 9 من هذا الكتاب (مختصر التحفة الاثني عشرية).
(5) عثمان بن سند هو مؤلف (مطالع السعود) في تاريخ العراق مدة حياة داود باشا. أما كتابه (الصارم القرضاب) فقد قال عنه الأستاذ السيد محمد بهجة الأثري في ترجمة ابن سند المنشورة في أول مختصر مطالع السعود: هو كتاب في نحو ألفي بيت أو أكثر من الشعر الجزل الرائع ناقض به عبلا الخزاعي الشاعر الهجاء (وكان دعبل من شعراء الرافضة) فكال له الصاع صاعين في الدفاع عن حياض سادات المسلمين.
(مقدمة/15)
________________________________________
ومن الكتب في هذا الباب (حديقة السرائر وشرحها) لعبد الله البيتوشي الملقب بسيبويه الثاني، وهو من كبار علماء الأكراد.
أما السيد محمود شكري الآلوسي فله في الرد على الشيعة غير (مختصر التحفة الاثني عشرية) رسالة عنوانها (سعادة الدارين، في شرح حديث الثقلين). وهذه أيضا كان أصلها باللغة الفارسية وهي لمؤلف التحفة الاثني عشرية شاه عبد العزيز الدهلوي رحمه الله، وقد عربها السيد محمود شكرى وضم إليها فوائد متعلقة بحديث الثقلين، ورتبها على مقدمة ومقصد وخاتمة، فجاءت في 40 صفحة.
وله أيضا (السيوف المشرقة، مختصر الصواعق المحرقة)، وأصله للشيخ محمد خوجه نصر الله الحسيني الصديق الهندي ثم المكي، اختصره السيد محمود شكري الآلوسي سنة 1303 بعد اختصار التحفة الاثنى عشرية، وهو أكبر منها حجما بنحو الثلث.
وله أيضا كتاب (صب العذاب على من سب الأصحاب) ردًّ به على محمد الطباطبائي المتستر باسم أحمد الفاطمي في أرجوزة له تعرض فيها لأبي الثناء الشهاب الآلوسي الكبير في أجوبته على الأسئلة اللاهورية، فانتصر له حفيده السيد محمود شكري بهذا الكتاب وهو في 115 صفحة.
وبعد فإن الساهرين على حراسة التشيع لن يضروا الله شيئا، فقد تولى الله حفظ هذا الدين، وادخره لسعادة الإنسانية يوم تنشد الإنسانية سعادتها من أقرب الطرق وأسلمها، فلا تجد ذلك إلا فيما كان عليه تلاميذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتابعوهم، وتابعو التابعين لهم بإحسان. أما نشاط القوم فيما يصدرونه من كتب بذيئة ككتاب السقيفة والرد على رد السقيفة فستكون له فائدة واحدة وهي تفرغ طبقة من شباب الإسلام في أنحاء الوطن الإسلامي الأكبر لدراسة أصل التشيع وتطوره ومقاصده وأهدافه، وبراءة أهل البيت منه ومن طواغيته، إلى أن تنجلي الأمور على حقيقتها، ويبوء الكذب والباطل وأهلهما بما هم أهل له. والله ولي الصالحين.
وكتب في دار الفتح
بجزيرة الروضة * تجاه الفسطاط
في يوم الاثنين العاشر من صفر سنة 1373
محب الدين الخطيب
(مقدمة/16)
________________________________________
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
مختصر التحفة الاثني عشرية
مقدمة المختصر السيد محمود شكري الآلوسي
الحمد لله الذي ثبّت أركان الدين بأئمة أهل السنة وأعلامهم، وجعل خلفاء نبيه أتباعه في الدنيا ويوم يدعى كل أناس بإمامهم. وسلك بهم مسلك السداد، ومهد لهم طرق الهدى والرشاد. وعصمهم باتباع سنن رسوله - عليه الصلاة والسلام - من الزيغ والضلال والشبه والأوهام. والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الشريعة الغراء، الواضحة البيضاء. وعلى آله أئمة الدين، وصحابته الهادين المهديين.
وبعد فيقول المفتقر إلى الله، الملتجئ إلى ركن فضله وعلاه. خادم العلوم الدينية، في مدينة دار السلام المحمية. محمود شكري ابن السيد عبد الله الحسيني الآلوسي البغدادي، كان الله تعالى له خير معين وأحسن هادي:
إن علماء الشيعة لم يزالوا قائمين على ساق المناظرة، واقفين في ميادين المنافرة والمكابرة. مع كل قليل البضاعة، ممن ينتمى إلى مذاهب أهل السنة والجماعة. لا سيما في الديار العراقية، وما والاها من ممالك الدولة العلية العثمانية. حتى اغتر بشبههم من الجهلة الألوف، وانقاد لزمام دعواهم ممن لم يكن له على معرفة الحق وقوف. فلما رأيت الأمر اتسع خرقه، والشر تعددت طرقه. شمرت عن ساعد الجد والاجتهاد، في الذبّ عن مسلك ذوي الرشاد. ورأيت أن أؤلف في هذا الباب، كتابا مشتملا على فصل الخطاب، به يتميز القشر عن اللبان، ويتبين الخطأ من الصواب.
وقد ألف العالم العلامة والنحرير الفهامة الشيخ غلام محمد أسلمي الهندي، تغمده الله تعالى بغفرانه الأبدى. ترجمة التحفة الاثني عشرية، في الرد على فرق الشيعة الإمامية.
(1/1)
________________________________________
(1)
فوجدته كتابا انكشفت شبه المناظرين بأنوار دلائله، واندفعت شكوك المعاندين بمسلم براهينه وجلّي مسائله. قد انسد فيه دون الناقد البصير كل باب، وانهد به ركن الباطل والارتياب. فلا يستطيع الخصم أن يفوه ببنت شفة حيث أُلجم بلجام الإلزام. ولا يطيق العنود أن يفتح فمه لما حاك عليه من لثام العجز والإفحام. غير أن مؤلفه عليه الرحمة قد أطنب فيه وأطال، وكرر كثيرا من المسائل والأقوال. بعبارات ليس لها حظ من فصاحة الكلام، ولا نصيب من السلاسة والانسجام. حيث أنه ممن يتكلم بالهندية، ولم يمارس التحاطب باللغة العربية. فحداني التوفيق الإلهي إلى تلخيص ذلك الكتاب، وهداني التأييد الرباني إلى إبراز غواني معانيه بأبهى جلباب. مع ضم ما يؤدي إليه المقام، مما أفاده العلماء الأعلام. بعبارات سهلة موجزة مشتملة ينتفع بها الخاص والعام، ويتلقاها بالقبول ذوو الإنصاف من الأنام.
ولما يسر الله تعالى ما طلبته، وأجابني فيما رجوته ودعوته. سميت الكتاب (المنحة الإلهية، تلخيص ترجمة التحفة الاثني عشرية) وقدمته لأعتاب خليفة الله في أرضه، ونائب رسوله - عليه الصلاة والسلام - في إحياء سنته وفرضه. الذي راعي رعاياه بجميل رعايته، ودبرهم بصائب تدبيره وواسع درايته. وسلك أحسن المسالك في استقامة أمورهم، وصيانة نفوسهم، وحراسة جمهورهم. وخص من بينهم علماء دولته وصلحاء ملته بحسن ملاحظته وفضل محافظته، تمييزا لهم بالعناية، وتخصيصا بما يجب من الرعاية. ووضعا للأمور في مواضعها، وغصابة مواقعها. ألا وهو أمير المؤمنين، الواجب طاعته على الخلق أجمعين. سلطان البرين وخاقان البحرين، السلطان ابن السلطان السلطان الغازي عبد الحميد خان ابن السلطان الغازي عبد المجيد خان. اللهم أيده بنصرك وانصره لتأبيد ذكرك. واطمس شر سويداء قلوب أعدائه وأعدائك، ودق أعناقهم بسيوف قهرك وسطوتك. اللهم واجعل رايات أنعمه منشورة بأيدي جنوده، واحجبهم بحجب حولك وقوتك من لحظات لمعات أبصار عدوه وحسوده. وصب عليهم ميازيب التوفيق آناء ليلك وأطراف نهارك،
_________
(1) وأصل التأليف باللغة الفارسية للعلامة النحرير الشيخ عبد العزيز الفاروقي الدهلوي (انظر: أعلام العراق للعلامة السيد محمد بهجة الأثري، طبع المطبعة السلفية، ص 124)
(1/2)
________________________________________
فإنهم حماة حرم دينك وحراس أبواب شريعتك وأعظم جنودك وأنصارك. وغرضي من عرض ذلك الكتاب إلى ساحته الرفيعة العتاب، أن يذر إكسير نظره عليه، ليحل محل القبول لديه. فهناك إن شاء الله تعالى يحصل الأمل، وأحظى بما رجوته من قبول العمل وقد رتبته على تسعة أبواب، وإلى الله الزلفى وحسن المآب.
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
مختصر التحفة الاثني عشرية
الباب الأول في ذكر فرق الشيعة وبيان أحوالهم وكيفية حدوثهم وتعداد مكائدهم
اعلم أن الشيعة الذين يدعون مشايعة الأمير كرم الله نعالى وجهه ومتابعته، وحبه الذي افترضه الله تعالى على عباده، أربع فرق:
(فرق الشيعة) (الشيعة المخلصون)
الفرقة الأولى: الشيعة الأولى ويسمون «الشيعة المخلصين» أيضا، وهم عبارة عن الذين كانوا في وقت خلافة الأمير كرم الله وجهه من المهاجرين والأنصار والذين تبعوهم بإحسان، كلهم عرفوا له حقه، وأحلوه من الفضل محله ولم ينتقصوا أحدا من إخوانه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلا عن إكفاره وسبّه. بيد أن منهم من قاتل معه على تأويل القرآن كما قاتلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تنزيله، فقد كان معه - رضي الله تعالى عنه - في حرب صفين (1) من أصحاب بيعة الرضوان ثمانمائة صحابي، وقد استشهد منهم تحت رايته هناك ثلاثمائة. ومنهم من تقاعد عن القتال تورعا واحتياطا لشبهة عرضت له، لكنه مع ذلك كان قائما بمحبته وتعظيمه ونشر فضائله، وذلك لا يقصر بكثير عن القتال معه. ومن مشهوري هذا الصنف عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -. وقد زالت شبهته بعد ذلك فندم غاية الندم على قعوده وتخلفه عن الأمير كرم الله تعالى وجهه، لكن فات ذاك، وتعذر الاستدراك. وحالت المنية، دون الأمنية. وهذا يشبه من وجه ما كان من محمد بن الحنفية - رضي الله تعالى عنه - من التوقف يوم الجمل حتى قال له الأمير كرم الله تعالى وجهه: ويحك أتتوقف وأبوك سابقك؟ (2) ومنهم من غلب عليه القضاء والقدر فوقع منه ما أدى إلى قتاله،
_________
(1) قال ياقوت الحموي: «صفين: موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالس، وكانت وقعة صفين سنة 37هـ في غرة صفر بين علي - رضي الله تعالى عنه - ومعاوية». معجم البلدان
(2) تاريخ الطبري: 3/ 44
(1/3)
________________________________________
كطلحة والزبير وأم المؤمنين - رضي الله تعالى عنهم -، فهم - وإن وقع بينهم وبين الأمير ما وقع يوم الجمل - محبون له عارفون له فضله، كما أنه - رضي الله تعالى عنه - في حقهم كذلك، وليس بين ذلك وبين القتال الواقع في البين تنافٍ، لأن القتال لم يكن مقصودا، بل وقع عن غير قصد، لمكر من قتلة عثمان - رضي الله تعالى عنه - الذين كانوا بعشائرهم في عسكر الأمير، إذ غلب على ظنهم من خلوته بطلحة والزبير أنه سيسلمهم إلى أولياء عثمان، فأطاروا من نيران غدرهم شرارا، ومكروا مكرا كبارا، فأوقعوا القتال بين الفريقين، فوقع ما وقع إن شاء وإن أبى أبو الحسنين فكل من الفريقين كان معذورا، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وسيأتي تفصيل ذلك كله في باب المطاعن إن شاء الله تعالى (1) قال الجد روَّحَ الله تعالى روحَه في كتاب (نهج السلامة (2)) بعد ذلك الكلام على أن القتال لو فرض أنه كان قصدا فهو بشبهة قوية عند المقاتل أوجبت عليه أن يقاتل. فهو بزعمه من الدين ونصرة المسلمين، وليس من الغي والاستهانة بالأمير في شيء. ومتى كان كذلك فهو لا ينافي المحبة، ولا يدنس رداء الصحبة. وقد صرح بعض العلماء أن شكوى الولد على أبيه لدين له عليه قادر على أدائه ومماطل فيه ليس من العقوق، ولا يخل بما للوالد من واجب الحقوق.
وإن أبى تعصبك هذا قلنا: إن القوم - رضي الله تعالى عنهم - كانوا من قبل ما وقع من الشيعة المخلصين الأبرار، لكن لعدم الإثم وقع منهم ما غسلوه ببرد التوبة وثلج الاستغفار، ويأبى الله تعالى أن يذهب صحابي إلى ربه، قبل أن يغسل بالتوبة والاستغفار دون ذنبه. وبنحو هذا يجاب عن أصحاب صفين، من رؤساء الفرقة الباغية على علي أمير المؤمنين. فالمتلوثة سيوفهم في تلك الفتنة من الصحابة أقل قليل، ولولا عريض
_________
(1) أي في الباب الثامن
(2) نهج السلامة في مباحث الإمامة لأبي الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي مؤلف تفسير (روح المعاني). وكتابه (نهج السلامة) في الرد على الشيعة ألفه في آخر حياته وكتب منه وهو مريض عشرين كراسة ثم عاجلته المنية قبل أن يتمه.
(1/4)
________________________________________
الصحبة وعميق المحبة لدلع أفعوان القلم لسانه الطويل. فقف عند مقدارك، فما أنت وإن بلغت الثريا إلا دون ثرى نعال أولئك. نعم يلزمك أن تقول: إن الحق فيما وقع كان مع زوج البتول. انتهى ما قال، عليه رحمة المتعال. وهو كلام موجز يغني عن المطولات، ويكفي عن كثير من العبارات.
هذا واعلم أن ظهور هذا اللقب (1) كان عام سبع وثلاثين من الهجرة والله تعالى أعلم.
(الشيعة التفضيلية)
الفرقة الثانية الشيعة التفضيلية: وهم عبارة عن الذين يفضلون الأمير كرم الله وجهه على سائر الصحابة من غير إكفار واحد منهم ولا سب ولا بغض، كأبي الأسود الدؤلي الذي اشتهر - وهو الأصح بل الصحيح - أنه واضع النحو بأمر باب مدينة العلم كرم الله تعالى وجهه، وكتلميذه أبي سعيد يحيى بن يعمر أحد قراء البصرة، وكسالم بن أبي حفصة راوي الحديث عن الإمامين الباقر وابنه الصادق - رضي الله تعالى عنهما -، وكعبد الرزاق صاحب المصنف في الحديث، وكأبي يوسف يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت صاحب (إصلاح المنطق) في اللغة وكخلق آخرين، ولبعض متأخري الصوفية قدست أسرارهم كالفاضل الجامي كلمات ترشح بالتفضيل، وانسلاكهم في هذا القبيل، وكثير من العلماء يصرفها عن ذلك صيانة لأولئك الأجلة عن أن ينسب إليهم الابتداع (2) والانخزال عن «الشيعة المخلصين» من الأتباع. وقد ظهرت هذه الفرقة بعد الأولى بنحو عامين أو ثلاثة، وصح أن الأمير كرم الله تعالى وجهه أحس أيام خلافته بقوم يفضلونه على الشيخين، فكان ينهى عن ذلك حتى قال «لئن سمعت أحدا يفضلني على الشيخين - رضي
_________
(1) أي لقب «الشيعة»
(2) عبد الرحمن الجامي واقع في الابتداع من ناحية قوله بوحدة الوجود. قبل أن يقع فيه من ناحية نصبه نفسه قاضيا للحكم على سادة الأمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، - رضي الله عنهم - وألهمنا معرفة أقدار انفسنا.
(1/5)
________________________________________
الله تعالى عنهما - لأحدنه حد الفرية» (1) وهو على ما في (التحفة) ثمانون جلدة وقيل عشر، والله تعالى أعلم.
(الشيعة السبية)
الفرقة الثالثة الشيعة السبّية: ويقال لها «التبرئية» وهم عبارة عن الذين يسبون الصحابة، إلا قليلا منهم كسلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد وعمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنهم -، وينسبونهم - وحاشاهم - إلى الكفر والنفاق، ويتبرأون منهم، ومنهم من يزعم والعياذ بالله تعالى ارتداد جميع من حضر غدير خم (2) يوم قال - عليه الصلاة والسلام - «من كنت مولاه فعلي مولاه» الحديث، ولم يف بمقتضاه من بيعة الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته - عليه الصلاة والسلام - بل بايع غيره. وهذه الفرقة حدثت في عهد الأمير - رضي الله تعالى عنه - بإغراء عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني (3) كما سيأتي. وليس هو هيان بن بيان، (4) وزعمُ ذلك مكابرة وإنكار للمتواتر. ولما ظهرت أظهر الأمير كرم الله تعالى وجهه البراءة منها، وخطب عدة خطب في قدحها وذمها. وقد روى الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الزيدي (5) في آخر كتابه (طوق الحمامة في مباحث الإمامة) (6)
عن سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فأخبرت عليا كرم الله وجهه وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترأوا على ذلك، منهم عبد الله بن سبأ. فقال علي - رضي الله تعالى عنه - «نعوذ بالله، رحمهما الله» (7) ثم نهض وأخذ بيدي وأدخلني المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء فجعلت دموعه تتحادر عليها، وجعل ينظر للقاع حتى اجتمع الناس، ثم خطب فقال: «ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين، وأنا برئ مما يذكرون، وعليه معاقب. صحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحب والوفاء والجد في أمر الله، يأمران وينهيان ويغضبان في أمر الله، فقبض وهو عنهما راض، والمسلمون راضون، فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره في حياته وبعد موته، فقبضا على ذلك رحمهما الله،
_________
(1) ذكره الخطيب البغدادي في كتابه: الكفاية في علم الرواية 1/ 376 ثم قال: «قال أبو عبد الله البوشنجي هذا الحديث الذي سقناه ورويناه من الأخبار الثابتة لأمانة حمّاله وثقة رجاله وإتقان آثاريه وشهرتهم بالعلم في كل عصر من أعصارهم إلى حيث بلغ من نقله إلى الإمام الهادي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حتى كأنك شاهد حول المنبر وعلي فوقه وليس مما يدخل إسناده وهم ولا ضعف» وذكره ابن أبي عاصم في كتابه السنة 2/ 575.
(2) اسم بئر، قال ابن إسحاق: «وأصلها من خممت الماء: إذا كنسته، وهو بين مكة والمدينة على ثلاثة أميال من الجحفة». البكري، معجم ما استعجم: 2/ 510؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان: 2/ 389.
(3) أظهر عبد الله بن سبأ اليهودي الإسلام، وهو أول من طعن بالخلفاء الثلاثة - رضي الله عنهم -، وقد قال الحسن بن موسى النوبختي (من كبار علماء الإمامية) في كتابه فرق الشيعة: «فلما قتل علي - عليه السلام - افترقت التي ثبتت على إمامته وأنها فرض من الله عز وجل ورسول الله - عليه السلام - فصاروا فرقا ثلاثة»، وقال: «والسبئية أول من قال منها بالغلو، وهم أصحاب عبد الله بن سبأ اليهودي ... وحكى جماعة من أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا - عليه السلام -، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى - عليه السلام - بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في علي - عليه السلام - بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي - عليه السلام -، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه». وهذا يثبت حقيقة هذه الشخصية ودورها في الغلو، رغم أن الكثير من علماء الإمامية المتأخرين والمعاصرين حاولوا التشكيك في وجوده، لتجنب نسبة الرفض إلى اليهودية. يضاف إلى تقرير النوبختي كلام العلماء الذين كتبوا في تاريخ الفرق والمقالات. ينظر النوبختي، فرق الشيعة ص 19 - 20؛ الأشعري، مقالات الإسلاميين: 1/ 85 - 86؛ الإسفراييني، التبصير في الدين: ص 71 - 72، الشهرستاني، الملل والنحل: 1/ 155 - 156.
(4) تقول العرب لمن لا يعرف أصله أو نسبه: هو هيان بن بيان، انظر فتح الباري: 7/ 490
(5) من أكابر علماء اليمن، علوي، ولد في صنعاء سنة 669هـ؛ وتبحر في العلوم والفنون، توفي سنة 705هـ. البدر الطالع: 2/ 331؛ هدية العارفين: 1/ 820.
(6) في مكتبة الأحقاف في مدينة تريم باليمن، والمخطوط بعنوان (أطواق الحمامة في حمل الصحابة على السلامة من كتاب الانتصار في الذب عن الصحابة الأخيار للإمام المؤيد)، رقم (2707/ 2)، وهو خمس لوحات ..
(7) في الأصل: رحمنا والتصحيح من نهج السلامة
(1/6)
________________________________________
فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما إلا شقي مارق. وحبهما قربة، وبغضهما مروق» (1) الخ وفي رواية «لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل». (2) ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيره إلى المدائن وقال: لا تساكني في بلدة أبدا. (3) وهذا مما يفت بأعضاد هذه الفرقة أعني الشيعة السبية لا المخلصين. ولما ظهرت ما ارتضى الشيعة المخلصون بلقب «الشيعة» فتركوه تحرزا عن الالتباس، وكراهة للاشتراك الاسمي مع أولئك الأرجاس، ولقبوا أنفسهم بأهل السنة والجماعة. فما وقع في بعض الكتب كتاريخ الواقدي (4) والاستيعاب (5) من أن فلانا كان من الشيعة مثلا لا ينافي ما وقع في غيرها من أنه من رؤساء أهل السنة والجماعة، حيث أن المراد بالشيعة هناك الشيعة الأولى، وكان أهل السنة منهم. وكيف لا وهم يرون فرضية حب أهل البيت، وعليّ كرم الله تعالى وجهه عمادهم، ويروون في ذلك عدة أحاديث منها ما رواه البيهقي وأبو الشيخ والديلمي أن رسول الله قال «لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من نفسه» (6) وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي» (7) إلى غير ذلك مما لا يكاد يحصى أو يحصر.
وقد نسب للإمام الشافعي - وموضعه من أهل السنة موضع الواسطة من العقد - نظم كثير يشهد بما ذكرناه عن أهل السنة، ويرد به على من أنكر ذلك من جهلة الشيعة، كقوله - رضي الله تعالى عنه -:
يا أهل بيت رسول الله حبكم ... فرض من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم ... من لم يصل عليكم لا صلاة له (8)
وقوله:
إن فتشوا قلبي رأوا وسطه ... سطرين قد خُطا بلا كاتب
العلم والتوحيد في جانب ... وحب أهل البيت في جانب (9)
وقوله:
إذا ذكروا عليا أو نبيه ... وجاءوا بالروايات العليه (10)
_________
(1) المخطوط المذكور، صفحة: 1/ب.
(2) السابق
(3) الفرق بين الفرق: ص 223؛ الملل والنحل: 1/ 174.
(4) الواقدي هو أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي الأسلمي المدني، وكان كما قال الذهبي إماما بالمغازي والسير، لكنه ضعيف الحديث. تاريخ بغداد: 3/ 3؛ وفيات الأعيان: 4/ 348؛ تذكرة الحفاظ: 1/ 348.
(5) كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب، للإمام يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي المالكي، من أشهر علماء الحديث في الأندلس، توفى سنة 463هـ. ترتيب المدارك: 4/ 808؛ سير أعلام النبلاء: 18/ 154
(6) قال الهيثمي في (مجمع الزوائد: 1/ 88): «وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ لا يحتج به».
(7) الترمذي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان. ضعفه ابن الجوزي في العلل المتناهية. وهو في ضعيف الجامع: رقم 176.
(8) ديوان الشافعي: ص 106.
(9) ليسا للشافعي بل للصاحب بن عباد الوزير البويهي والشاعر الإمامي، كما في أمل الآمل: 2/ 37؛ أعيان الشيعة: 3/ 358.
(10) البيت في الديوان: إذا في مجلس نذكر عليا ... وسبطيه وفاطمة الزكية
(1/7)
________________________________________
يقال تجاوزوا يا قوم عنه ... فهذا من حديث الرافضية
برئت إلى المهيمن من أناس ... يرون الرفض حب الفاطمية (1)
وقوله:
يا راكبا قف بالمحصب من منى ... واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضا كما علم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي (2)
وقوله:
إلام أُلام وحتى متى ... أعاتب في حب هذا الفتى
فهل زوجت غيرَه فاطم ... وفي غيره هل أتى «هل أتى» (3)
إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتب الشيعة، صحت نسبته إليه أم لا. وهذا أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وهو هو بين أهل السنة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان: لولا السنتان لهلك النعمان، يريد السنتين اللتين صحب فيهما لأخذ العلم الإمام جعفر الصادق - رضي الله تعالى عنه -. وقد قال غير واحد أنه أخذ العلم والطريقة من هذا ومن أبيه الإمام محمد الباقر ومن عمه زيد بن علي بن الحسين - رضي الله تعالى عنهم -. وللأعمش وهو أحد مجتهدي أهل السنة سفر كبير في مناقب الأمير كرم الله وجهه. ويكفي في هذا الباب أن معظم طرائق أهل السنة موصولة بأهل البيت، ولا يكاد ينكر هذا الأمر إلا من ينكر الفرق بين الحي والميت. ومن الشبه من يزعم أنه لا يعد محبا لعلي وسائر أهل البيت - رضي الله عنهم - من أحب الشيخين وأضرابهما من الصحابة الذين لم يبايعوا الأمير كرم الله تعالى وجهه يوم وفاته - عليه الصلاة والسلام - حيث يزعمون أنهم أعداء الأمير، وينشدون في ذاك قول من قال:
إذا صافى صديقك من تعادي ... فقد عاداك وانقطع الكلام
_________
(1) ديوان الشافعي: ص126
(2) ديوان الشافعي: ص 89.
(3) ليسا في ديوان الشافعي.
(1/8)
________________________________________
وقوله:
صديق صديقي داخل في صداقتي ... عدو صديقي ليس لي بصديق
ولا يخفى كذب مبناه، ويشير إلى كذبه الخبر الذي قدمناه عن يحيى بن حمزة المؤيد بالله وكذا غيره من الأخبار، التي ملئت منها بطون الأسفار. ورحم الله تعالى امرءا أنصف وعرف الحق فاعترف.
(الشيعة الغلاة)
الفرقة الرابعة الشيعة الغلاة: وهم عبارة عن القائلين بألوهية الأمير كرم الله تعالى وجهه، ونحو ذلك من الهذيان. قال الجد روَّح الله روحَه: وعندي أن ابن أبي الحديد (1) في بعض عباراته - وكان يتلون تلون الحرباء - كان من هذه الفرقة، وكم له في قصائد السبع الشهيرة من هذيان، كقوله يمدح الأمير كرم الله تعالى وجهه:
ألا إنما الإسلام لولا حسامه ... كعفطة عنز أو قلامة ظافر (2)
وقوله:
يجل عن الأعراض والأين والمتى ... ويكبر عن تشبيهه بالعناصر (3)
إلى غير ذلك. وأول حدوثهم قيل في عهد الأمير بإغواء ابن سبأ أيضا، وقد قتل كرم الله تعالى وجهه من صح عنده أنه يقول بألوهيته، فلم ينحسم بذلك عرق ضلالتهم ولم ينصرم حبل جهالتهم، بل استمر الفساد، وقوي العناد {ومن يضلل الله فما له من هاد} وهذه الفرقة على قلتها بالنسبة إلى الفرق الأخرى انقسمت على ما في (التحفة) إلى أربع وعشرين فرقة:
_________
(1) عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين أبي الحديد أو حامد، من أعيان المعتزلة، قال عنه ابن كثير: شيعي غال، كانت علاقة قوية بالوزير الشعوبي ابن العلقمي، مات سنة 586هـ. البداية والنهاية: 13/ 199؛ شذرات الذهب: 6/ 281.
(2) هذا تكذيب لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»، وقائل البيت قليل أدب يبرأ الإسلام منه.
(3) وأصرح من ذلك في شرك ابن أبي الحديد ووثنيته قوله يخاطب عليا كرم الله وجهه: تقيلت أخلاق الربوبية التي ... عذرت بها من شك أنك مربوب ومنه سرق الطوفي الرافضي قوله في أبي بكر وعلي رضوان الله وسلامه عليهما: كم بين من شك في خلافته ... وبين من قيل إنه الله
(1/9)
________________________________________
(فرق الشيعة الغلاة) (السبئية)
الأولى السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ الذين قالوا: إن عليا هو الإله ولما استشهد الأمير كرم الله تعالى وجهه زعم ابن سبأ أنه لم يمت وأن ابن ملجم (1) إنما قتل شيطانا تصور بصورة عليّ، وأنه مختف في السحاب وأن الرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه ينزل إلى الأرض بعد هذا ويملأها عدلا وينتقم من أعدائه. ولهذا أن هذه الفرقة إذا سمعت صوت الرعد قالوا «عليك السلام أيها الأمير». (2) ولا يخفى أن الأمير لو كان كما زعموا لكان مقتدرا على إهلاك أعدائه بصوت شديد من الرعد وإلقاء الصواعق، فلأي شيء هذا الانتظار، مع وجود الاستطاعة والاقتدار؟ (3)
(المفضلية)
الثانية المفضلية: أصحاب المفضل الصيرفي وقد زادوا على السبئية بقولهم إن نسبة الأمير لله تعالى كنسبة المسيح، فمثله كمثله، فقد وافقوا النصارى في قولهم باتحاد اللاهوت بالناسوت، (4) وفي زعمهم أن النبوة والرسالة لا تنقطع أبدا، فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي، فإن دعا الناس إلى الهدى فهو رسول. ولذا ترى أن كثيرا منهم ادعى النبوة والرسالة. (5)
(السريغية)
الثالثة السريغية: أصحاب السريغ بفتح السين وكسر الراء المهملتين وفي آخره معجمة. ومذهبهم كمذهب المفضلية، إلا أنهم حصروا حلول اللاهوت في الناسوت في خمسة، وهم النبي والعباس وعلي وجعفر وعقيل.
(البزيعية)
الرابعة البزيعية: أصحاب بزيع بن يونس (6) الذي قال بألوهية جعفر الصادق وأنه ظهر في شخص (7) وإلا فهو في الحقيقة منزه عنه، وقالوا: إن الأئمة الآخرين لم يكونوا آلهة ولكن أوحي إليهم، وأثبتوا لهم المعراج. (8)
(السبئية)
الخامسة الكاملية: أصحاب أبي كامل، وهم يقولون إن الأرواح تتناسخ وتنتقل من بدن إلى بدن بعد خراب البدن الأول، وأن روح الله تعالى كانت في آدم ثم في شيث ثم صارت إلى الأنبياء. وهؤلاء القوم يكفرون جميع الصحابة بتركهم البيعة لعلي، ويكفرون عليا أيضا بتركه طلب حقه. (9)
(المغيرية)
السادسة المغيرية: أصحاب المغيرة بن سعد العجلي، (10) زعموا أن الله تعالى جسم،
_________
(1) عبد الرحمن بن ملجم المرادي قال عنه الذهبي: «ذاك المغتر الخارجي ليس بأهل أن يروى عنه وما أظن له رواية كان عبادا قانتا لله لكنه ختم له بشر فقتل أمير المؤمنين عليا - رضي الله عنه - متقربا إلى الله بدمه بزعمه فقطعت أربعته ولسانه وسملت عيناه ثم أحرق نسأل الله العفو والعافية». ميزان الاعتدال: 4/ 320؛ لسان الميزان: 3/ 439.
(2) الفرق بين الفرق: ص 224.
(3) ينظر الملل والنحل: 1/ 174؛ منهاج السنة النبوية: 3/ 459.
(4) اللاهوت عند النصارى إشارة إلى الله تعالى، والناسوت إشارة إلى بشرية المسيح - عليه السلام -، وقالوا باتحاد اللاهوت بالناسوت، واختلفوا في الكيفية. الفصل: 2/ 14؛ الملل والنحل: 1/ 220.
(5) ينظر: الفرق بين الفرق: ص236؛ الملل والنحل: 1/ 181.
(6) ذكره الأشعري باسم بزيغ بن موسى، وذكره ابن حزم. مقالات الإسلاميين: ص 12؛ الفصل: 4/ 142؛ الملل والنحل: 1/ 180
(7) يبدو أن العبارة ناقصة، ويعنون أن الصادق منزه عن الرؤية وأنه غير الذي يرون!
(8) مقالات الإسلاميين: 1/ 12؛ الفرق بين الفرق: ص 12؛ الملل والنحل: 1/ 180.
(9) اعتقادات فرق المسلمين: ص 60؛ الفرق بين الفرق: ص 308؛ الملل والنحل: 1/ 174.
(10) هو مغيرة بن سعيد الكوفي، قال يحيى: «كان رجلا كذابا»، وقال السدي: «قتل على ادعاء النبوة»، وقال ابن حبان: «كان من حمقى الروافض يضع الحديث»، وقال الخطيب: «كان غاليا في الرفض وله طائفة تنسب إليه»، قتل سنة 119هـ. ابن حبان، المجروحين: 3/ 7؛ ابن الجوزي، ديوان الضعفاء والمتروكين: 3/ 134.
(1/10)
________________________________________
وأن صورته صورة رجل من نور وعلى رأسه تاج من نور وله قلب تنبع منه الحكمة، وأنه لما أراد خلق العالم تكلم بالاسم الأعظم فطار ووقع تاجا على رأسه، ثم إنه كتب على كتفه أعمال الدنيا، فغضب من المعاصي حتى عرق فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والثاني عذب نير، ثم اطلع في البحر النير فأبصر ظله فانتزع بعض ظله وخلق منه الشمس والقمر وأفنى باقي ظله وقال: لا ينبغي أن يكون معي إله غيري. ثم إنه خلق الخلق كله من البحرين: الكفر من البحر المظلم، والإيمان من البحر النير، ثم أرسل إلى الناس محمدا وهم ضلال، ثم عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال وهي أن يمنعن عليا من الإمامة فأبين ذلك، (1) ثم عرضها على الناس فأمر عمر بن الخطاب أبا بكر أن يتحمل منعه من ذلك، وضمن له أن يعينه على الغدر به، بشرط أن يجعل الخلافة له من بعده فقبل منه، وأقدما على المنع متظاهرين عليه. وقوله تعالى {فحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} يعني أبا بكر. (2) وزعم هؤلاء أن قوله تعالى {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال إني برئ منك} نزلت في حق عمر وأبي بكر، وهؤلاء يزعمون أن الإمام المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، (3) وأنه حي لم يمت، وهو مقيم في جبال حاجر إلى أن يؤمر بخروجه. ومنهم من يقول إن الإمام المنتظر هو المغيرة، كذا في «أبكار الأفكار» لسيف الدين الآمدي. (4) ولم يكن هذا التفصيل في الأصل. (5)
(الجناحية)
السابعة الجناحية: أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، (6) يزعمون أن الرواح تتناسخ، وأن روح الإله تعالى كانت في آدم ثم في شيث، ثم صارت إلى الأنبياء والأئمة، حتى انتهت إلى عليّ وأولاده الثلاثة من بعده ن ثم صارت إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر وأنه حي لم يمت وأنه يجبل من جبال أصبهان، وكفروا بالقيامة واستحلوا المحرمات من الخمر والميتة وغيرها. (7)
(البيانية)
الثامنة البيانية: أصحاب بيان بن سمعان التميمي، (8) زعموا أن الإله تعالى على صورة إنسان، وأنه يهلك كله إلا وجهه لقوله {كل شيء هالك إلا وجهه} وأن روح
_________
(1) مقالات الإسلاميين: ص 7؛ الفصل: 4/ 141.
(2) وتلقف فيما بعد الإمامية هذه العقيدة عن أتباع المغيرة وأوردوها في كتبهم، فروى الصفار عن جابر عن أبي جعفر في تفسير الآية: «قال الولاية أبين أن يحملنها كفرا بها وعنادا وحملها الإنسان، والإنسان الذي حملها أبو فلان». بصائر الدرجات: 76. وهناك رواية قريبة في تفسير القمي: 2/ 198. ويعنون بأبي فلان (أبا بكر الصديق) كما صرح الفيض الكاشاني: «وحملها الإنسان يعني الأول إنه كان ظلوما جهولا». تفسير الصافي: 4/ 207.
(3) هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد الله، يروي عن جماعة من التابعين، قتل بالمدينة سنة 145هـ. الثقات: 7/ 363؛ الجرح والتعديل: 7/ 295.
(4) كتاب (أبكار الأفكار) في الكلام لسيف الدين الآمدي، قال عنه حاجي خليفة: «وهو مرتب على ثماني قواعد متضمنة جميع مسائل الأصول». كشف الظنون: 1/ 4
(5) أي التحفة الاثني عشرية التي اختصرها المصنف. وينظر اعتقادات فرق المسلمين: ص 58؛ التبصير في الدين: ص 125؛ الملل والنحل: 1/ 176
(6) قال الزبير بن بكار: «كان جوادا شاعرا، وكان قد طلب الخلافة وثار في أواخر دولة بني أمية، وتابعه جماعة»، ثم لما آل الأمر لبني العباس فسجنه أبو مسلم الخراساني، ومات في سجنه سنة 131هـ، قال ابن حزم: «وكان عبد الله بن معاوية رديء الدين معطلا يصحب الدهرية». تاريخ الطبري: 4/ 275؛ لسان الميزان: 3/ 363.
(7) اعتقادات فرق المسلمين: ص 59؛ الفرق بين الفرق: ص225؛ التبصير في الدين: ص 126؛ تلبيس إبليس: ص119.
(8) ظهر بالعراق بعد المائة وقال بألوهية علي - رضي الله عنه - وأن فيه جزءا اتحد بناسوته، ثم من بعده ابنه محمد بن الحنفية ثم في أبي هاشم ولد ابن الحنفية ثم من بعده في بيان هذا، أحرقه بالنار خالد بن عبد الله القسري. ميزان الاعتدال: 2/ 72؛ لسان الميزان: 2/ 69.
(1/11)
________________________________________
الإله تعالى حلت في علي ثم بعده في ابنه محمد بن الحنفية ثم بعده في ابنه أبي هاشم ثم بعده في بيان. (1)
(المنصورية)
التاسعة المنصورية: أصحاب أبي منصور العجلي، وهؤلاء يقولون: إن الرسالة لاتنقطع أبدا، والعلم قديم، وأحكام الشريعة كلها مخترعات العلماء والفقهاء، ولا جنة ولا نار، وأن أبا منصور هو الإمام بعد الإمام الباقر - رضي الله تعالى عنه -. (2)
(الغمامية)
العاشرة الغمامية: ويقال لها «الربيعية» أيضا، وهم يعتقدون أن صانع العالم ينزل إلى الأرض في فصل الربيع في حجاب السحاب، ويطوف حول الدنيا ثم يصعد إلى السماء، فالأزهار والرياحين والأثمار ونحو ذلك مما يظهر في الربيع بسبب ذلك النزول. (3)
(الأموية)
الحادية عشرة الأموية: (4) وهم يقولون: إن الأمير كان شريكا للنبي - عليه الصلاة والسلام - في نبوته ورسالته. (5)
(التفويضية)
الثانية عشر التفويضية: وهم يقولون: إن الله تعالى خلق محمدا وفوض غليه خلق الدنيا، وأنه الخلاق لها بما فيها. ومنهم من قال مثل هذه المقالة في علي كرم الله وجهه ومنهم من قال باشتركهما في ذلك. (6)
(الخطابية)
الثالثة عشر الخطابية: أصحاب أبي الخطاب الأسدي، (7) زعموا أن الأئمة أنبياء، وأن أبا الخطاب كان نبيا، وأن الأنبياء فرضوا على الناس طاعته. ثم زادوا وزعموا أن الأئمة آلهة، وأن أبناء الحسن والحسين أبناء الله وأحباؤه، وأن جعفرا إله، وأن أبا الخطاب أفضل منه ومن علي بن أبي طالب، ويستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم. ثم افترق هؤلاء بعد قتل أبي الخطاب، فمنهم من قال: الإمام بعد أبي الخطاب معمر، وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب، وزعموا أن الجنة هي ما ينالهم من خير في الدنيا ونعيم فيها، وأن
_________
(1) مقالات الإسلاميين: ص 5؛ الفرق بين الفرق: ص227؛ الملل والنحل: 1/ 152؛ منهاج السنة النبوية: 2/ 502.
(2) مقالات الإسلاميين: ص 9؛ اعتقادات فرق المسلمين: ص 58؛ الفرق بين الفرق: ص 234؛ الملل والنحل: 1/ 178؛ منهاج السنة النبوية: 2/ 505.
(3) عدها الأسفرايني من فرق الخطابية التي ظهرت بعد موت أبي الخطاب وكانوا يقولون: «إن جعفرا كان إلها ولم يكن جعفر ذلك الذي يراه الناس بل كان ما يراه الناس في صورة مثاله». التبصير في الدين: ص 127.
(4) في المطبوع (الإمامية)، والتصحيح من نهج السلامة والسيوف المشرقة
(5) الفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/ 87؛ فضائح الباطنية: ص71.
(6) الفرق بين الفرق: ص238؛ التبصير في الدين: ص 128؛ الصواعق المحرقة: 2/ 593؛ المواقف: ص684.
(7) هو أبو الخطاب محمد بن أبي زينب (واسمه مقلاص) الأسدي الكوفي، قال المجلسي: «كان في أول أمره من أجلاء أصحاب الصادق - عليه السلام - ثم ارتد وابتدع مذاهب باطلة ولعنه الصادق - عليه السلام - وتبرأ منه ... واختلف الأصحاب فيما رواه حال استقامته والأكثر على جواز العمل بها ... ». بحار الأنوار: 69/ 220؛ أعيان الشيعة: 2/ 348.
(1/12)
________________________________________
النار ما يصيبهم فيها من المشاق والهدم، واستباحوا المحرمات وترك الفرائض. ومنهم من قال: الإمام بعد أبي الخطاب بزيع، وأن كل مؤمن يوحى إليه، تمسكا بقوله تعالى: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله} أي يوحى من الله. وزعموا أن فيهم خيرا من جبرائيل، وميكائيل، وأنهم لا يموتون، وأن الواحد منهم إذا بلغ النهاية ارتفع إلى الملكوت. ومنهم من قال: الإمام بعد أبي الخطاب عمر بن بيان العجلي، إلا أنهم يموتون. كذا في (أبكار الأفكار). (1)
(المعمرية)
الرابعة عشرة المعمرية: أصحاب المعمر، القائلون بنبوة الإمام جعفر الصادق، وأن أبا الخطاب بعده نبي، وأن أحكام الشرع مفوضة إلى المعمر، وأن المعمر آخر الأنبياء، وقد أسقط الأحكام ورفع التكاليف. وهم قسم من الخطابية. (2)
(الغرابية)
الخامسة عشر الغرابية: وهم القائلون إن عليا كان أشبه بمحمد من الغراب بالغراب والذباب بالذباب، وأن الله تعالى بعث جبرائيل إلى علي فغلط وأدى الرسالة إلى محمد لمتشابهته به، (3) ولذلك يعنون صاحب الريش أي جبرائيل، وقد قال شاعرهم «غلط الأمين فجازها عن حيدر». (4)
(الذبابية)
السادسة عشرة الذبابية: وهم قسم من الغرابية إلا أنهم زادوا عليهم بقولهم بنبوة محمد وأنه أشبه بالإله من الذباب بالذباب. قاتلهم الله تعالى. (5)
(الذمية)
السابعة عشر الذمية: وإنما لقبوا ذلك لأنهم يرون ذم محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويزعمون أن عليا إله، وأنه بعث محمدا ليدعو إليه فادعى الأمر لنفسه. ومنهم من قال بإلهية محمد وعلي إلا أن منهم من يقدم عليا في أحكام الإلهية، ومنهم من يقدم محمدا، ومنهم من قال بإلهية خمسة أشخاص وهم أصحاب العبا (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين) وأن خمستهم شيء واحد، وأن الروح حالة فيهم بالسوية، ولا فضل لواحد على لآخر، ولم يسموا فاطمة بالتأنيث بل «فاطم» (6) ولذلك قال شاعرهم:
توليت بعد الله في الدين خمسة ... نبيا وسبطيه وشيخا وفاطما (7)
_________
(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل: 2/ 33؛ الملل والنحل: 1/ 179، منهاج السنة النبوية: 2/ 502.
(2) مقالات الإسلاميين: ص 11؛ الملل والنحل 1/ 65؛ المواقف: ص667.
(3) الفرق بين الفرق: ص237؛ التبصير في الدين: ص 128؛ المواقف: ص 673.
(4) المواقف: ص 682.
(5) الفرق بين الفرق: ص237؛ المواقف: ص681.
(6) الفرق بين الفرق: ص238؛ التبصير في الدين: ص 129؛ الملل والنحل: 1/ 176؛ المواقف: ص 673.
(7) الشهرستاني، الملل والنحل: 1/ 176.
(1/13)
________________________________________
(الاثنينية)
الثامنة عشرة الاثنينية: وهم فرقة من الذمية الذين يعتقدون إلهية محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتفصيل السابق. (1)
(الخمسية)
التاسعة عشر الخمسية: وهم أيضا فرقة من الذمية الذين يعتقدون إلهية خمسة أشخاص على ما سبق، وقد تبعنا في هذا العد صاحب الأصل، وإلا فغيره لم يذكر هاتين الفرقتين بالاستقلال. (2)
(النصيرية)
العشرون النصيرية: (3) القائلون بحلول الإله في عليّ وأولاده، ولكن يخصون الحلول بالأئمة، وقد يطلقون لفظ الإله على الأمير مجازا من باب إطلاق اسم الحال على المحل. (4)
(الإسحاقية)
الحادية والعشرون الإسحاقية: وهم يقولون: لم تخل الأرض ولا تخلو عن نبي وأن الباري حل في عليّ. ووقع الاختلاف بينهم في من حل الإله بعد عليّ. (5)
(العلبائية)
الثانية والعشرون العلبائية: أصحاب علباء بن اروع الأسدي، وقيل الأوسي، وهم قائلون بألوهية الأمير وأنه أفضل من محمد وأن محمد بايع عليا. (6)
(الرزامية)
الثالثة والعشرون الرزامية: وهم الذين ساقوا الإمامة إلى محمد بن الحنفية، ثم إلى ابنه، (7) ثم إلى علي بن عبد الله بن العباس، (8) ثم ساقوها في ولده إلى (9) المنصور، ثم ادعوا حلول الإله تعالى في أبي مسلم وأنه لم يقتل، واستحلوا المحارم، ومنهم من ادعى الإلهية في المقنع. (10)
(المقنعية)
الرابعة والعشرون المقنعية: أصحاب المقنع (11) الذين يعتقدون أن المقنع إله بعد الإمام الحسين - رضي الله تعالى عنه -، (12) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
_________
(1) وهم فرقة من الذمية. السيوف المشرقة: ص 6/أ.
(2) وهم فرقة من الذمية يعتقدون إلهية خمسة أشخاص. السيوف المشرقة: ص 6/أ.
(3) وهذه الفرقة لها بقية في ديار الشام بين حمص واللاذقية وحلب وفي شمال حلب ويتسمون الآن «العلويون»
(4) أتباع أبي شعيب محمد بن نصير. الملل والنحل: 1/ 188؛ منهاج السنة النبوية: 2/ 627؛ الجواب الصحيح: 4/ 303؛ المواقف: ص 47.
(5) الملل والنحل: 1/ 188.
(6) الملل والنحل: 1/ 175.
(7) هو أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، يقال له عبد الله الأكبر، قال ابن سعد: «كان أبو هاشم صاحب رواية وكان ثقة قليل الحديث وكانت الشيعة يلقونه ويتولونه»، أخرج له البخاري ومسلم في صحيحيهما، توفى سنة 98هـ. طبقات ابن سعد: 5/ 327؛ التاريخ الكبير: 6/ 14؛ تهذيب التهذيب: 6/ 14.
(8) قال عنه الذهبي: «الإمام القانت، ولد عام قتل الإمام علي فسمي باسمه»، قال ابن سعد: «كان ثقة قليل الحديث، لقب بالسجاد لكثرة صلاته»، ومن نسله كان خلفاء بني العباس، توفى سنة 118هـ. طبقات ابن سعد: 5/ 313؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء: 5/ 284.
(9) في المطبوع (أبي) والتصحيح من السيوف المشرقة
(10) مقالات الإسلاميين: ص 21؛ الفرق بين الفرق: ص 242؛ الملل والنحل: 1/ 153.
(11) يعرف بالمقنّع الخراساني، من أهل مرو وكان يعرف شيئا من السحر، فادعى الربوبية من طريق المناسخة، يقال إنه اتخذ قناعا من ذهب لقبحه، تبعه خلق كثير، وقتل سنة 163هـ. تاريخ الطبري: 4/ 560 وما بعدها؛ وفيات الأعيان: 3/ 263.
(12) اعتقادات فرق المسلمين: ص 79؛ الفرق بين الفرق: ص215.
(1/14)
________________________________________
(فرق الشيعة الإمامية)
ثم اعلم أن أكثر الفرق الأربع الشيعة السبية، فقد انتشرت في جميع الربع المعمور، فلا تكاد ترى بلدا إلا وهو بها مغمور، والإمامية فرقة منها، وهي أيضا فرقة كبيرة وطائفة كثيرة، وقد انقسمت إلى تسع وثلاثين فرقة.
(الحسنية)
الأولى الحسنية يقولون: إن الحسن المجتبى هو الإمام بعد أبيه علي المرتضى، والإمام من بعده الحسن المثنى بوصية له، ثم ابنه عبد الله، ثم ابنه محمد الملقب بالنفس الزكية، (1) ثم أخوه إبراهيم بن عبد الله، (2) وهذان خرجا في عهد المنصور الدوانيقي (3) ودعوا الناس إلى متابعتهما فتبعهما خلق كثير. واستشهدوا بعد حرب شديد على يد بعض أمراء الدوانقي رحمة الله عليهما. وقد ظهرت هذه الفرقة ستة مائة وخمس وتسعين.
(النفسية)
الثانية النفسية: وهي طائفة من الحسنية يقولون إن النفس الزكية لم يقتل بل غاب واختفى وسيظهر بعد. (4)
(الحكمية)
الثالثة الحكمية: ويقال لها (الهشامية) أيضا، وهم أصحاب هشام بن الحكم (5) يقولون بإمامة الحسين بعد أخيه الحسن، ثم بإمامة أولاده على الترتيب المشهور إلى الصادق، وقد ظهرت سنة مائة وتسع. (6)
(السالمية)
الرابعة السالمية: ويقال لها أيضا «الجواليقية» وهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي (7) وهم في الإمامية كالحكمية، وفي الاعتقاد مختلفون: فالحكمية يقولون: إن الله عزوجل جسم طويل عريض عميق متساوى الأبعاد غير مصور بالصور المتعارفة، وهم يقولون جسم مصور بصورة الانسان، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وقد ظهرت سنة مائة وثلاث عشرة. (8)
(الشيطانية)
الخامسة الشيطانية: ويقال لها «النعمانية» أيضا أصحاب محمد بن نعمان الصيرفي
_________
(1) هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، خرج في خلافة المنصور بالمدينة، فقتل سنة 145هـ، وادعى أعوانه عدم موته وأنه المهدي. الملل والنحل: 1/ 176 سير أعلام النبلاء: 6/ 210؛ تهذيب التهذيب: 9/ 224.
(2) قتله أيضا المنصور العباسي سنة 145هـ بعد خروجه في البصرة. الطبري، التاريخ: حوادث سنة 145؛ سير أعلام النبلاء: 6/ 218.
(3) الخليفة المنصور
(4) الفصل: 4/ 137؛ التبصير في الدين: ص 31.
(5) هو هشام بن الحكم الشيباني الكوفي، سكن بغداد، قال الحافظ ابن حجر: «كان من كبار الرافضة ومشاهيرهم يزعم أن ربه طوله سبعة أشبار بشبر نفسه»، توفي نحو 190هـ. لسان الميزان: 6/ 194، وقال عنه ابن قتيبة: «كان من الغلاة ويقول بالجبر الشديد ويبالغ في ذلك ويجوز المحال الذي لا يتردد في بطلانه ذو عقل». تأويل مختلف الحديث. وهو عند الشيعة الإمامية من أشهر رواتهم وأوثقهم، ويروون مدحه عن أئمة أهل البيت، وأن الصادق دعى له بقوله: «أقول لك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان: لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك». بحار الأنوار: 21/ 388، وأنه قال له: «هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده»، بحار الأنوار: 21/ 295. لكن هناك روايات تكذبها منها ما أخرجه الكليني عن: «علي بن حمزة قال قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن الله جسم صمدي نوري معرفته ضرورة يمنّ بها على من يشاء من خلقه، فقال - عليه السلام -: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو {ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}». الكافي: 1/ 104. والجرح مقدم على التعديل، وهذا يظهر كثرة تناقض أخبارهم. وينظر: ابن النديم، الفهرست: ص249؛ الأشعري، مقالات الإسلاميين: ص31؛ الشهرستاني، الملل والنحل: 1/ 184.
(6) مقالات الإسلاميين: 1/ 31؛ الفرق بين الفرق: ص 216؛ الملل والنحل: 1/ 72
(7) هشام بن سالم الجواليقي العلاف، زعم أن معبوده على صورة الإنسان. الفرق بين الفرق: ص216؛ الملل والنحل: 1/ 185. وهو من ثقات الرواة عن الصادق عند الإمامية قال عنه النجاشي: «ثقة ثقة». رجال النجاشي: 2/ 339، وذكره الكشي في رجاله: ص 281 ..
(8) التبصير في الدين: ص 133 تلبيس إبليس: ص 104.
(1/15)
________________________________________
الملقب بشيطان الطاق، (1) وهم يقولون بالإمامة على الترتيب المشهور إلى موسى الكاظم (2) وبالتجسيم كالسالمية. وقد ظهرت سنة مائة وثلاث عشرة أيضا. (3)
(الزرارية)
السادسة الزرارية: أصحاب زرارة بن أعين الكوفي. وهم في الإمامية كالحكمية وخالفوهم في زعمهم أن صفاته تعالى حادثة لم تكن في الأزل وقد ظهرت سنة مائة وخمس وأربعين.
(البدائية، المفوضة، اليونسية)
السابعة والثامنة والتاسعة البدائية، والمفوضة، واليونسية: أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي، (4) وكلهم متفقون على إمامة الأئمة الستة بالترتيب المشهور وزعمت اليونسية منهم أن الله سبحانه على العرش بالمعنى المعروف تحمله الملائكة. (5) والبدائية أن الله سبحانه قد يريد بعض الأشياء ثم يبدو له ويندم لكونه خلاف المصلحة، وحملت خلافة الثلاثة ومدحهم في الآيات على ذلك. (6) والمفوضة منهم من يزعم أن الله تعالى فوّض خلق الدنيا إلى محمد - عليه الصلاة والسلام -، ومنهم من يقول: إلى علي كرم الله تعالى وجهه. ومنهم من يقول إلى كليهما. (7) وقد ظهرت البدائية والمفوضة سنة ظهور الزرارية.
(الباقرية)
العاشر الباقرية: يقول إن الإمام محمد الباقر لم يمت وهو المنتظر. (8)
(الحاصرية)
الحادية عشرة الحاصرية: (9) يقولون: إن الإمام بعد محمد الباقر ابنه زكريا، وهو مختف في جبل الحاصر (10) لا يخرج حتى يؤذن له. (11)
(الناووسية)
الثانية عشر الناووسية: أصحاب عبد الله بن ناووس البصري، يقولون: إن الإمام جعفر الصادق حي غائب وهو المهدي المنتظر. (12)
_________
(1) ويسميه الشيعة «مؤمن الطاق» و «مؤمن آل محمد» وهو الذي اخترع لهم في الإمامة أن الأشخاص منصوص عليهم بأعيانهم. فقال له الإمام زيد: كيف تعرف أنت هذا وأنا لا أعرفه ولم يذكره لي أبي؟ وشيطان الطاق أيضا هو الذي زعم في الكتاب الذي ألفه في الإمامة أن الله عز وجل لم يقل (ثاني اثنين إذ هما في الغار). ينظر: اعتقادات فرق المسلمين: ص 65؛ الملل والنحل: 1/ 186؛ منهاج السنة النبوية: 2/ 227؛ لسان الميزان: 5/ 300. وهو من أوثق الرجال عند الإمامية، قال النجاشي: «فأما منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر، وقد نسب إليه أشياء لم تثبت عندنا». رجال النجاشي: 2/ 203؛ تنقيح المقال: 3/ 162.
(2) هو موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال أبو حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين، توفى سنة 183هـ. تاريخ بغداد: 13/ 27؛ سير أعلام النبلاء: 6/ 270؛ تهذيب التهذيب: 10/ 302.
(3) اعتقادات فرق المسلمين: ص 65؛ الفرق بين الفرق: ص 53؛ التبصير في الدين: ص 40؛ الملل والنحل: 1/ 186.
(4) ذكره أهل السنة في كتب الملل والنحل فقد زعم أن الله تعالى يحمله حملة عرشه. مقالات الإسلاميين: ص35؛ الفرق بين الفرق: ص 52؛ الملل والنحل: 1/ 140. أما عند الشيعة الإمامية فهو من رواتهم الثقات عن الكاظم والرضا، قال عنه النجاشي: «كان وجها في أصحابنا متقدما عظيم المنزلة»، مات سنة 208هـ. رجال النجاشي: 2/ 420؛ الخلاصة: ص 184.
(5) مقالات الإسلاميين: ص 35؛ الفرق بين الفرق: ص 52؛ الملل والنحل: 1/ 188.
(6) المواقف: ص 684.
(7) الفرق بين الفرق: ص 238؛ المواقف: ص 684.
(8) اعتقادات فرق المسلمين: ص 53؛ الفرق بين الفرق: ص 53؛ التبصير في الدين: 35؛ الملل والنحل: 1/ 165.
(9) في المطبوع (الحاضرية) والتصحيح من نهج السلامة
(10) التصحيح من نهج السلامة
(11) ينظر: المواقف: ص 680.
(12) ينظر: مقالات الإسلاميين: ص25؛ الفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/ 138؛ الملل والنحل: 1/ 166
(1/16)
________________________________________
(العمارية)
الثالثة عشر العمارية: أصحاب عمار يقولون: إن الصادق قد مات والإمام بعده ابنه محمد، وقد ظهرت سنة مائة وخمس وأربعين. (1)
(المباركية)
الرابعة عشر المباركية: من الإسماعيلية أصحاب المبارك، يعتقدون أن الإمام بن جعفر ابنه الأكبر إسماعيل ثم ابنه محمد وهو خاتم الأئمة والمهدي المنتظر. (2)
(الباطنية)
الخامسة عشر الباطنية: من الإسماعيلية أيضا يرسلون الإمامة بعد إسماعيل من جعفر في أولاده بنص السابق على اللاحق، ويزعمون وجوب العمل بباطن الكتاب دون ظاهره. (3)
(القرامطة)
السادسة عشرة القرامطة: من الإسماعيلية أيضا وهم أصحاب قرمط، وهو المبارك في قول، (4) وقال بعض العلماء اسم رجل آخر من أهل سواد الكوفة اخترع ما عليه القرامطة، وقيل هو اسم أبيه، وأما المخترع نفسه فاسمه حمدان، وكان ظهوره سنة سبعين ومائتين. وقيل إن قرمط اسم لقرية من قرى واسط منها حمدان المخترع، وهو قرمطي وأتباعه قرامطة، وكان ظهوره فيها، وقيل غير ذلك. ومذهبهم أن إسماعيل بن جعفر خاتم الأئمة وهو حي لا يموت، ويقولون بإباحة المحرمات. (5)
(الشمطية)
السابعة عشرة الشمطية: أصحاب يحيى بن أبي الشمط (6) يزعمون أن الإمامة تعلقت بعد الصادق بكل من أبنائه الخمسة بهذا الترتيب: إسماعيل ثم محمد ثم موسى الكاظم ثم عبد الله الأفطح ثم إسحاق. (7)
(الميمونية)
الثامنة عشرة الميمونية: أصحاب عبد الله بن ميمون القداح الأهوازي، (8) وهم قائلون بإمامة إسماعيل، ويزعمون أن العمل بظواهر الكتاب والسنة حرام، ويجحدون المعاد. (9)
(الخلفية)
التاسعة عشرة الخلفية: أصحاب خلف، وهم قائلون بإمامة إسماعيل ونفى المعاد كالميمونية، إلا أنهم يقولون: كل ما في الكتاب والسنة من الصلاة والزكاة ونحوها محمول على المعنى اللغوي لا غير. (10)
(البرقعية)
العشرون البرقعية: أصحاب محمد بن علي البرقعي، (11) وهم في الإمامة كمن سمعت
_________
(1) ينظر: مقالات الإسلاميين: ص28؛ الملل والنحل: 1/ 29.
(2) ينظر: مقالات الإسلاميين: ص27؛ الفرق بين الفرق: ص47؛ الملل والنحل: 1/ 168.
(3) ينظر: الفرق بين الفرق: ص265؛ الملل والنحل: 1/ 167؛ فضائح الباطنية: ص16.
(4) يقال اسمه حمدان بن الأشعث، رجل من سواد الكوفة، ظهر سنة 281هـ في خلافة المعتضد، وقويت شوكتهم وأخافوا السبيل، لهم مقالات كثيرة. تاريخ الطبري: 5/ 603؛ الكامل في التاريخ: 6/ 364.
(5) ينظر: مقالات الإسلاميين: ص26؛ الفرق بين الفرق: ص272؛ الفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/ 143.
(6) في المطبوع (الشميط) والتصحيح من نهج السلامة
(7) اعتقادات فرق المسلمين: ص45؛ الملل والنحل: 1/ 167.
(8) كان من الزنادقة فانسلك في خدمة جعفر الصادق، ثم ابنه إسماعيل، فلما مات لزم خدمة محمد، وتبنى الباطنية، تركه محدثو أهل السنة. قال البخاري والترمذي: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: واهي الحديث. اعتقادات فرق المسلمين: ص 76؛ الفرق بين الفرق: ص 267؛ تهذيب التهذيب: 6/ 44. وعند الإمامية فرغم أنه من الباطنية وإليه تنسب الميمونية، فهو من ثقات الرواة عن الباقر والصادق، مع أنه لا يقول بإمامة موسى الكاظم بعد أبيه الصادق بل بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق ثم ابنه محمد، فرجال الإمامية لفقوا من معظم الفرق الشيعية. ينظر: رجال النجاشي: 2/ 8؛ تنقيح المقال: 2/ 186.
(9) مقالات الإسلاميين: ص93؛ الفرق بين الفرق ص 75؛ الملل والنحل: 1/ 129.
(10) ينظر: مقالات الإسلاميين: ص93؛ الفرق بين الفرق: ص75؛ الملل والنحل: 1/ 130.
(11) هو محمد بن علي بن عبد الرحيم البرقعي، يعرف بصاحب الزنج، ادعى أنه من نسل زيد بن علي بن الحسين، وخرج سنة 249هـ أولا بهجر، ثم خرج بالبصرة فالتف عليه خلق من الزنج (العبيد)، وبقي مدة خمسة عشر عاما. واستمرت فتنته حتى قتل سنة 271هـ. ينظر تاريخ الطبري: 5/ 332؛ البداية والنهاية: 11/ 18
(1/17)
________________________________________
آنفا، وينكرون أيضا المعاد، ويؤولون النصوص بما تهوى أنفسهم، وينكرون نبوة بعض الأنبياء، ويوجبون لعنهم والعياذ بالله تعالى. (1)
(الجنابية)
الحادية والعشرون الجنابية: أتباع أبي طاهر الجنابي، وهم كالقرامطة في الإمامة، وينكرون المعاد والأحكام بأسرها، ويوجبون قتل من يعمل بها ولذا قتلوا الحجاج، وقلعوا الحجر الأسود، (2) وعدهم غير واحد فرقة من القرامطة، كما أنهم عدوا القرامطة فرقة من الإسماعيلية. (3)
(السبعية)
الثانية والعشرون السبعية: وهم أيضا من الإسماعيلية، يقولون: إن الأنبياء الناطقين بالشرائع سبعة: آدم وأولو العزم الخمسة والمهدي، وأن بين كل رسولين سبعة رجال آخرين يقيمون الشريعة السابقة إلى حدوث اللاحقة، وإسماعيل بن جعفر كان أحد هؤلاء السبعة، وهم المقيمون للشريعة بين محمد - صلى الله عليه وسلم - والمهدي المنتظر وهو آخر الرسول بزعمهم. وزعموا أنه لا يخلو الزمان عن واحد من أولئك الرجال. (4)
(المهدوية)
الثالثة والعشرون المهدوية: زعموا أن الإمامة بعد إسماعيل لابنه محمد الوصي، (5) ثم لابنه أحمد الوفي، (6) ثم لابنه محمد التقي، وفي بعض الكتب: قاسم التقي، (7) ثم لابنه عبيد الله (8) الرضي، (9) ثم لابنه أبي القاسم عبد الله، (10)
ثم لابنه محمد الذي لقب نفسه بالمهدي، (11) وقد
_________
(1) تاريخ الطبري: 5/ 332؛ البداية والنهاية: 11/ 18 وما بعدها.
(2) تفاقم أمرهم حتى استحلوا المسجد الحرام سنة 317هـ، فسفكوا دم الحجيج وسط المسجد حول الكعبة، وكسروا الحجر الأسود واقتلعوه من مكانه وأخذوه إلى البحرين، وبقي عندهم إلى سنة 339هـ، قال ابن كثير: «وكل ذلك من ضعف الخليفة وتلاعب الترك بمنصب الخلافة واستيلائهم على البلاد وتشتت الأمر». البداية والنهاية: 11/ 63.
(3) الفرق بين الفرق: ص267؛ منهاج السنة النبوية: 6/ 343.
(4) اعتقادات فرق المسلمين: ص80؛ تلبيس إبليس: ص125؛ منهاج السنة النبوية: 3/ 481.
(5) ومن المعروف أن محمد بن إسماعيل مات ولم يخلف ولدا، لكن يعتقد الإسماعيلية أنه ترك ابنا سماه محمدا، وهو من الأئمة (المستورين).
(6) وهو الإمام الثامن عند الإسماعيلية رغم أن محمد بن إسماعيل لم يعقب، إلا أن الإمامية والإسماعيلية أثبتوا له ولدا اسمه عبد الله أو أحمد واختلفوا في اسمه، فهو أحمد عند الإمامية وعبد الله عند الإسماعيلية الذين يعتقدون إمامته ويلقبونه بأحمد الوفي ويؤرخون ولادته بسنة 159هـ، لكنهم يعترفون بأنه يعرف بين الناس باسم عبد الله بن ميمون القداح! وكان ذلك كما ادعوا لإخفاء شخصيته كما ذكر مؤرخهم عارف تامر في تاريخ الإسماعيلية: 1/ 130. وهذا دليل صريح على فساد مذهبهم وبعدم وجود ابن أصلا لمحمد بن إسماعيل بن جعفر. فسلك القداح مقالة (غيبة الإمام) قبل الإمامية باعتباره لحل معضلة موت الإمام بلا ذرية. ومن ثم فإن الشيعة الإمامية قالوا بغيبة الإمام بعد أن مات الحسن بن علي (العسكري) بلا ذرية، وبهذا يتضح تلفيق العبيديين لنسبهم، فهم يعودون إلى القداح الفارسي مولاهم المخزومي لا إلى البيت العلوي، وهذا النسب هو ما ذهب إليه الباقلاني. ينظر: النجوم الزاهرة: 4/ 76.
(7) واسمه عند الإسماعيلية: أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل ولقبه (محمد التقي)، وهو الإمام التاسع عند الإسماعيلية ومن الأئمة المستورين عنده، ولد سنة 179هـ وفق قولهم. مات (محمد التقي) على قول مؤرخهم عارف تامر سنة 225هـ. تاريخ الإسماعيلية: 1/ 132. ولا يظهر وجود ترجمة له إلا في هذا الكتاب. وهو ابن القداح رغم ادعائه النسب العلوي.
(8) نقل الدكتور برنارد لويس في كتابه (أصول الإسماعيلية) ص 74 من الترجمة العربية على كتاب (غاية المواليد) - وهو من كتب الإسماعيليين السرية - اعترافا لهم بأن عبيد الله لم يكن علويا، ثم بسط الدكتور برنارد لويس الكلام في ص 117 وما بعدها على «الأبوة الروحانية» أو «النكاح الروحاني» عند الإسماعيلية، واستعمالهم كلمتي «أب» و «ابن» في غير معناهما الحقيقي. وهو بحث مهم فارجع إليه، ومنه تعلم أن نسب العبيديين الروحاني لمحمد بن إسماعيل، وإن كان نسبهم الحقيقي بدمائهم لميمون القداح.
(9) والمحقق أنه الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح الأهوازي، يعرف عند الإسماعيلية برضي الدين عبد الله، وهو الإمام العاشر عندهم، وفي عهده تأسس النظام السياسي للدعوة الميمونية الباطنية التي سميت لاحقا بالدعوة العبيدية (الفاطمية) فأرسل أبو عبد الله الشيعي إلى المغرب، ومات سنة 289هـ على قول الإسماعيلية. تاريخ الإسماعيلية: 1/ 133.
(10) المعروف أن الأئمة المستورين ثلاثة عند الإسماعيلية: أحمد الوفي ومحمد التقي وعبد الله الرضي، أما أبو القاسم هذا فهو اسم آخر لمحمد المهدي فهو اسمه المستور قبل أن يستولي على بعض بلاد المغرب ..
(11) أما عند ابن خلكان فاسمه أبو محمد عبيد الله الملقب بالمهدي، قال الذهبي: «أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام وأعلنوا بالرفض وأبطنوا مذهب الإسماعيلية وبثوا الدعاة يستغوون الجبلية والجهلة»، وقد مهد له أبو عبد الله الشيعي وهو من دعاة الباطنية الطريق في إفريقية، وخلصه من أسر القبائل، ويذكر ابن خلكان أن المهدي هذا قد قتل في الأسر في سجلماسة، «فخاف أبو عبد الله الشيعي أن ينتقض عليه ما دبره إن علمت العساكر بقتل المهدي، فأخرج رجلا كان يخدمه وقال: هذا هو المهدي». ومهما يكن فلا صلة له بلبيت العلوي، لكنه بويع للخلافة بالمغرب سنة 296هـ، ولما استتب له الأمر قتل أبا عبد الله الشيعي وقتل أخاه بتهمة المؤامرة، ثم بنى مدينة المهدية بإفريقية وفرغ منها سنة 308هـ، وبقي في الحكم خمسا وعشرين عاما، ومات سنة 322هـ. وفيات الأعيان: 3/ 117؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 141.
(1/18)
________________________________________
صار واليا بالمغرب، واستولى على بلاد إفريقية، وملك بنوه مصر وما حولها. ثم لابنه أحمد (1) القائم بأمر الله، ثم لابنه إسماعيل المنصور بقوة الله، (2) ثم لابنه معد المعز لدين الله، (3) ثم لابنه المنصور نزار العزيز بالله، (4) ثم لابنه أبي علي الحاكم بأمر الله، (5) ثم لأبي الحسن الظاهر بدين الله، (6)
ثم لمعد المستنصر بالله، (7) وذلك بنص الآباء بترتيب الولادة. وهذا الترتيب إلى هنا مجمع عليه عندهم.
واختلفوا بعد المنتصر لما أنه نص أولا على إمامة ابنه (8) نزار، وثانيا على إمامة ابنه أبي القاسم المستعلي بالله، (9) فبعضهم تمسك بالنص الثاني وقال إنه ناسخ للأول، فقال بإمامة المستعلي فسموا المهدوية (المستعلية) (10) ثم بإمامة ابنه المنصور الآمر بأحكام الله، (11) ثم بإمامة أخي المنصور هذا عبد المجيد الحافظ لدين الله، (12) ثم بإمامة ابنه أبي المنصور محمد الظافر بأمر الله، (13) ثم بإمامة ابنه أبي القاسم الفائز بنصر الله، (14) ثم بإمامة ابنه محمد العاضد لدين الله، (15)
وقد خرج على هذا أمراء الشام واستولوا عليه فسجنوه حتى مات وما بقي بعده أحد من أولاد المهدي داعيا للإمامة.
وبعضهم تمسك بالنص الأول وألغى الثاني فقال بإمامة نزار ويقال للقائلين بذلك «النزارية» وقد يقال لهم «الصباحية» و «الحميرية» نسبة للحسن ابن صباح الحميري (16) حيث قام بالدعوة لطفل سماه الهادي زاعما أنه ابن نزار، (17) فهو الإمام عندهم بعد أبيه، ثم ابنه الحسن، (18) وزعم هذا أنه يجوز للإمام أن يفعل ما شاء، وأن يسقط التكاليف الشرعية. وقد قال لأصحابه: إنه أوحي إلي أن أسقط عنكم التكاليف الشرعية، وأبيح لكم المحرمات، بشرط أن لا تنازعوا بينكم ولا تعصوا إمامكم. ثم ابنه محمد، (19) وكان متخلقا بأخلاق أبيه، وكذا ابنه علاء الدين محمد. (20)
وأما ابنه جلال الدين حسن ابن محمد بن الحسن (21) فقد كان متصلبا في الإسلام منكرا مذهب آبائه حسن الأخلاق آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر. وأما ابنه علاء الدين (22) فقد صار ملحدا بعد أبيه الحسن، وكذا ابنه ركن الدين. (23) وقد ظهر في زمن هذا جنكيزخان (24) فخرب مملكته وكان إذ ذاك بالري (25) وتحصن في قلعة ألموت (26) من قلاع طبرستان، (27) ولم يتم له ذلك، بل كان آخر أمره من أتباع
_________
(1) اسمه في المصادر محمد وليس أحمد. تولى بعد أبيه سنة 322هـ وتلقب بالقائم بأمر الله، حاول احتلال مصر وفشل، مات سنة 334هـ. أخبار بني عبيد: ص 53؛ الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى: 2/ 6.
(2) هو إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي، أبو طاهر المنصور، ثالث خلفاء الدولة العبيدية بالمغرب بويع سنة 336هـ، وتوفي سنة 341هـ. أخبار بني عبيد: ص53؛ وفيات الأعيان: 1/ 234.
(3) هو أبو تميم معد بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي، الملقب بالمعز لدين الله، تولى أمر بني عبيد سنة 341هـ، وانتقل إلى مصر سنة 262هـ، ووطد حكم العبيديين فيها فبنى القاهرة واستقر بها، وكانت وفاته سنة 365هـ. وفيات الأعيان: 5/ 224؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 159؛ النجوم الزاهرة: 3/ 308.
(4) هو نزار بن معد بن إسماعيل بن محمد بن عبيد الله المهدي، الملقب بالعزيز بالله، آل إليه الأمر في القاهرة سنة 365هـ، ومات سنة 380هـ. وفيات الأعيان: 5/ 371؛ أخبار بني عبيد: ص 93؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 167.
(5) سادس خلفاء العبيديين، تولى سنة 386هـ، وصفه الذهبي ب: «الرافضي بل الإسماعيلي الزنديق المدعي للربوبية ... » وقال عنه: «كان شيطانا مريدا جبارا عنيدا، كثير التلون سفاكا للدماء خبيث النحلة عظيم المكر ... كان فرعون زمانه يخترع كل وقت أحكاما يلزم الرعية بها، أمر بسب الصحابة - رضي الله عنهم -، وبكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع وأمر عماله بالسب»، تولى مصر 411هـ، ومات سنة 427هـ. سير أعلام النبلاء: 15/ 173؛ النجوم الزاهرة: 4/ 276؛ شذرات الذهب: 3/ 192.
(6) بويع وهو صبي بعد مقتل أبيه في شوال سنة 411، مات سنة 427هـ. أخبار بني عبيد: 1/ 301؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 184؛ النجوم الزاهرة: 4/ 247 ..
(7) تولى بعد أبيه وله سبع سنين، وذلك في شعبان سنة 427هـ، فامتد حكمه ستين سنة وأربعة أشهر، وخطب له بأمرة المؤمنين على منابر العراق سنة 451هـ، بعد تغلب بعض دعاة الإسماعيلية عليها وهروب الخليفة العباسي القائم بأمر الله، مات المستنصر سنة 487هـ. أخبار بني عبيد: ص 104؛ وفيات الأعيان: 5/ 229؛ سير أعلام النبلاء 15/ 186.
(8) في المطبوع (أخيه)، حيث ذكر المؤرخون للمستنصر ولدين، نزار وأحمد، وكان المستنصر عقد ولاية العهد لابنه الكبير نزار، وعندما مات المستنصر مال رجال القصر لبيعة أحمد، وبايعوه ولقبوه بالمستعلي، لكن خرج نزار إلى الإسكندرية، وبويع فيها ولقب بالمصطفى لدين الله، وتحارب الطرفان، حتى تغلبت جيوش المستعلي ودخلت الإسكندرية سنة 437هـ. النجوم الزاهرة: 5/ 143 - 145
(9) هو أبو القاسم أحمد بن معد المستنصر، ولي الأمر سنة 487هـ، قال الذهبي: «وفي أيامه وهت الدولة العبيدية واختلت قواعدها وانقطعت الدعوة لهم من أكثر مدائن الشام واستولى عليها الإفرنج وغيرهم .. »، مات سنة 495هـ. أخبار بني عبيد: ص 105؛ وفيات الأعيان: 1/ 178؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 196.
(10) وبسبب ذلك افترقت الإسماعيلية فرقتين إحداهما يرأسها في زماننا آغا خان، والأخرى وتسمى «البهرة» يرأسها طاهر سيف الدين.
(11) ولي أمر مصر وهو صغير سنة 495هـ، فاستولى الصليبيون على معظم المدن الساحلية الشامية، وصفه الذهبي ب «الرافضي الظلوم، كان متظاهرا بالمكر واللهو والجبروت» قتل سنة 524هـ من غير عقب فبويع ابن عمه عبد المجيد الحافظ لدين الله. أخبار بني عبيد: ص 105؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 197؛ شذرات الذهب: 4/ 72.
(12) عبد المجيد بن محمد بن المستنصر، ولي الأمر سنة 524هـ وكان ضعيف الرأي فتغلب على الأمر أمير الجيش أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي، وهذا على مذهب الاثني عشرية، فأصبحت الدعوة في مصر للمنتظر صاحب السرداب، ولذلك قتل على يد فارس من خاصته سنة 526هـ، فعاد الأمر إلى الحافظ، مات سنة 544هـ. سير أعلام النبلاء: 15/ 199؛ النجوم الزاهرة: 5/ 237؛ شذرات الذهب: 4/ 138.
(13) ابن الحافظ، ولي أمر مصر بعد أبيه سنة 544هـ، قال الذهبي: «وكان شابا جميلا وسيما لعابا عاكفا على الأغاني والسراري .. »، وفي عهده انقطعت دعوة الباطنية في سائر الشام والمغرب والحرمين، وبقي لهم إقليم مصر، وقد تغلب عليه وزيره العادل ابن سلار الذي كان سنيا شافعيا، ولكنه قتل، ثم قتل الظافر بعده بعام سنة 459هـ. أخبار بني عبيد: ص 106؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 205؛ شذرات الذهب: 4/ 152.
(14) بويع وهو ابن خمس سنوات بعد مقتل أبيه على يد وزيره عباس بن أبي الفتوح سنة 549هـ، وحاول الوزير الاستئثار بالأمر لكن أعوان ونساء الظافر راسلوا طلائع بن رزيك الأرمني الرافضي والي المنية، فدخل القاهرة بلا قتال فهرب عباس إلى الشام، مات الفائز سنة 555هـ. سير أعلام النبلاء: 15/ 205؛ النجوم الزاهرة: 15/ 207؛ شذرات الذهب: 4/ 222.
(15) كذا .. وعند الذهبي: هو عبد الله بن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله، أقامه طلائع بن رزيك بعد موت الفائز، فكان تحت سطوته: «لا حل لديه ولا ربط». ووصف بأنه كان «سبابا خبيثا متخلفا»، وقد قمع أمر العاضد والعبيديين على يد صلاح الدين الأيوبي الذي أزال دولة الرفض، وخلع العاضد سنة 567هـ. وفيات الأعيان: 2/ 528؛ سير أعلام النبلاء: 15/ 207؛ شذرات الذهب: 4/ 222.
(16) الحسن بن الصبّاح بن علي الإسماعيلي، من دعاة الباطنية، اتصل سنة 479هـ بالمستنصر العبيدي، وعرض عليه الدعوة لهم في خراسان، فأمده بالمال، واستولى على قلعة ألموت من نواحي قزوين سنة 483هـ. قال الذهبي: «كان من كبار الزنادقة ومن دهاة العالم»، مات سنة 518هـ، والفرقة التي أنشأها امتداد للإسماعيلية، وتعرف أيضا بالنزارية. الكامل في التاريخ: 8/ 220.
(17) عند الإسماعيلية هو علي بن نزار بن معد بن الحاكم بأمر الله منصور العبيدي، أول أئمة الإسماعيلية النزارية في قلعة ألموت، ولد ونشأ في القاهرة، وارتحل إلى ألموت فتولى إمامة الإسماعيلية بعد موت أبيه وتلقب بالهادي، وعلي هذا هو صاحب فرقة (الفدائية أو الحشاشين) كانت مهمتهم اغتيال أعداء الإسماعيلية، مات سنة 530هـ. الأعلام: 5/ 29؛ تاريخ الإسماعيلية: 4/ 187.
(18) ويلقب عند الإسماعيلية بالمهتدي، ولد سنة 503هـ، وتسلم أمور الإسماعيلية سنة 530هـ بعد موت أبيه، وكان محمد كيا بزرك هو المتصرف الحقيقي في القلعة حتى وفاة المهتدي سنة 552هـ. تاريخ الإسماعيلية: 4/ 94
(19) محمد بن كيا بزرك أميد ثالث الحجج عند الإسماعيلية، تولى الأمر بعد أبيه سنة 532هـ، وعاش حتى سنة 557هـ. تاريخ الإسماعيلية: 4/ 94.
(20) محمد بن الحسن الملقب ب (أعلا محمد)، تسلم إمامة الإسماعيلية سنة 561هـ، وكان من المتعصبين الغالين، مات سنة 607هـ. تاريخ الإسماعيلية: 4/ 95.
(21) تولى إمامة الإسماعيلية في (ألموت) بعد محمد بن الحسن (أعلا محمد) ابنه حسن المعروف بجلال الدين تولى أمر الإمامة عندهم سنة 607هـ، وكان حريصا على نشر مذهب الإسماعيلية في بلاد الشام وفارس، مات سنة 619هـ. تاريخ الإسماعيلية: 4/ 96.
(22) كان صغيرا عند مقتل والده سنة 619هـ، فتسلمت أمه أمور الإسماعيلية بالوصاية عليه، وعندما بلغ الخامسة عشر تسلم الأمر، واشتهر بالصلاح وعودته إلى دين الحق، ولذلك ذمه مؤرخو الإسماعيلية واتهموه بأنه لسبب انهيار دولتهم في قلعة (ألموت). تاريخ الإسماعيلية: 4/ 97.
(23) تسلم بعد مقتل والده سنة 653هـ، وفي عهده بدأ غزو المغول للعالم الإسلامي، حيث سيطر المغول على قلعة ألموت فأخذ ركن الدين أسيرا سنة 655هـ، فأمر بقتله إمبراطور المغول وبقتل أولاده أينما كانوا. تاريخ الإسماعيلية: 4/ 99 - 100.
(24) قائد مغولي قاد قومه التتر في فتوحات واسعة، قال الذهبي: أول مظهره سنة 559هـ، ومات سنة 624هـ. سير أعلام النبلاء: 12/ 379؛ شذرات الذهب: 5/ 113؛ دائرة المعارف الإسلامية: 22/ 234.
(25) مدينة في خراسان. معجم البلدان: 3/ 116.
(26) القلعة في جبال (البرز) شمال غربي مدينة قزوين، بناها البويهيون ثم استولى عليها الحسن بن الصباح فحصنها وجعلها مقرً أئمة الإسماعيلية. تاريخ الإسماعيلية: 4/ 92.
(27) مدينة كبيرة في خراسان. معجم البلدان: 4/ 13.
(1/19)
________________________________________
جنكيزخان، وقد انطلق معه جين عاد إلى وطنه فمات في الطريق، ثم خرج ابنه الملقب نفسه بجديد الدولة، فلما سمع به ملوك التاتار فرقوا جمعه فاختفى في قرى طبرستان حتى مات، فلم يبق من أولاده أحد مدعيا الإمامة. (1) وهذه الفرقة هي الرابعة والعشرون وكان ظهور المهدوية الجامعة للفرقتين سنة مائتين وتسع وتسعين. (2)
(الأفطحية)
الخامسة والعشرون الأفطحية: ويقال لها العمارية أيضا لأنهم كانوا أصحاب عبد الله بن عمار وهم قائلون بإمامة عبد الله الأفطح أي عريض الرجلين ابن جعفر الصادق شقيق إسماعيل معتقدين موته ورجعته إذ لم يترك ولدا حتى ترسل سلسلة الإمامة في نسله. (3)
(المفضلية)
السادسة والعشرون المفضلية: أصحاب مفضل بن عمرو ويقال لهم القطعية أيضا لأنهم قاطعون بإمامة موسى الكاظم، قاطعون بموته. (4)
(الممطورية)
السابعة والعشرون الممطورية: وهم قائلون بإمامة موسى معتقدون أنه حي وأنه المهدي الموعود، متمسكين يقول الأمير كرم الله نعالى وجهه: سابعهم قائمهم سَمِيُّ صاحب التوراة. وقيل لهم: «ممطورية» لقول يونس بن عبد الرحمن رئيس القطعية لهم اثناء مناظرة وقعت بينهما «أنتم أهون عندنا من الكلاب الممطورة» أي المبلولة بالمطر. (5)
(الموسوية)
الثامنة والعشرون الموسوية: يقطعون بإمامة موسى، ويترددون في موته وحياته ولذا لا يرسلون سلسلة الإمامة بعده في أولاده. (6)
(الرجعية)
التاسعة والعشرون الرجعية: وهم قائلون بإمامة موسى أيضا لكنهم يقولون بموته ورجعته. وهذه الفرق الثلاث يقال لها «الواقفية» أيضا لوقفهم الإمامة على موسى الكاظم وعدم إرسالها في أولاده.
(الإسحاقية)
الثلاثون الإسحاقية: يعتقدون بإمامة إسحاق بن جعفر، (7) وكان في العلم والتقوى على جانب عظيم، وقد روى عنه ثقات المحدثين من أهل السنة ك سفيان بن عيينة وغيره. (8)
_________
(1) ادعى الإسماعيلية أن ركن الدين هرب أحد أبنائه عندما فتك المغول به وبأسرته، وهو محمود وكان عمره يومئذ سبع سنوات، ولقبه شيعته بشمس الدين، وهو الإمام الخامس والعشرون عندهم، وآخر أئمتهم في قلعة (ألموت) وبسبب المغول عاش مشردا إلى أن مات سنة 711هـ بقونية. تاريخ الإسماعيلية: 4/ 96.
(2) لا يسلم الإسماعيلية بانقراض الإمامة عندهم، بل يقولون بأن الإمام شمس الدين محمود عند موته أوصى بالإمامة لابنه قاسم شاه، ومنهم من يقول لابنه مؤمن شاه، فانقسموا إلى فرقتين، ومن نسل قاسم شاه أئمة الإسماعيلية حتى الوقت الحاضر، أما الفرع الثاني الذي يتبع حفدة مؤمن شاه فقد توقف عند محمد حيدر أو محمد الباقر هو الإمام الأربعين عند من يتبعون مذهب الإسماعيلية مات في حدود 1239هـ، وانتهت عنده إمامة من يدعي إمامته من الإسماعيلية، وهم إسماعيلية الشام. ينظر تاريخ الإسماعيلية: 4/ 102 وما بعدها.
(3) ينظر: مقالات الإسلاميين: ص 28؛ الملل والنحل: 1/ 167.
(4) مقالات الإسلاميين: ص13؛ الملل والنحل: 1/ 181.
(5) مقالات الإسلاميين: ص 29؛ اعتقادات فرق المسلمين: ص54؛ الفرق بين الفرق: ص 53؛ الملل والنحل: 1/ 29.
(6) الفرق بين الفرق: ص41؛ الملل والنحل: 1/ 168.
(7) هو إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال أبو حاتم كان صدوقا. الجرح والتعديل: 2/ 215؛ الثقات: 8/ 111؛ تهذيب التهذيب: 1/ 200.
(8) الملل والنحل: 1/ 188؛ الصواعق المحرقة: 2/ 485.
(1/20)
________________________________________
(الأحمدية)
الحادية والثلاثون الأحمدية: يقولون بإمامة أحمد بن موسى الكاظم (1) بعد وفاة أبيه. (2)
(الاثنا عشرية)
الثانية والثلاثون الاثنا عشرية: وهذه في المتبادرة عند الإطلاق من لفظ الإمامية. وهم قائلون بإمامة علي الرضا (3) بعد أبيه موسى الكاظم، ثم بإمامة ابنه محمد التقي المعروف بالجواد، (4) ثم بإمامة ابنه علي النقي المعروف بالهادي، (5) ثم بإمامة ابنه الحسن العسكري، (6) ثم بإمامة ابنه محمد المهدي، (7) معتقدين أنه المهدي المنتظر، ولم يختلفوا في ترتيب الإمامة على هذا الوجه. نعم اختلفوا في وقت غيبة المهدي وعامها وسنه يوم غاب، بل قال بعضهم بموته وأنه سيرجع إلى الدنيا إذ عم الجور وفشا، والعياذ بالله تعالى من الحور بعد الكور. (8)
وقد ظهرت هذه الفرقة سنة مائتين وخمس وخمسين، وهي قائلة بالبداء (9) ولذا تراها تنادي بأعلى صوت عند زيارة روضة موسى الكاظم: (10) أنت الذي بدا الله فيه، يعنون ما كان بزعمهم من نصب أخيه إسماعيل إماما بعد أبيه وموته من قبل أن ينال الإمامة ونصب أبيه إياه إماما، وكأنهم تبعوا في ذلك البداية وأنهم قالوا بالبداء بمعنى، وقالت البدائية به بمعنى آخر.
(الجعفرية)
الثالثة والثلاثون الجعفرية: يرتبون الإمامة نحو ترتيب الاثني عشرية، بيد أنهم يقولون: إن الإمام بعد الحسن العسكري أخوه جعفر، هـ (11) وقد اتفقوا على ذلك، واختلفوا في أنه هل ولد ولد للعسكري اسمه محمد أم لا، فقال بعضهم بأنه لم يولد له، وقال آخرون ولد وعاش بعد أبيه لكنه مات صغيرا أو قتله سرا من كان في زمانه من خلفاء بني العباس، وقد علم بذلك عمه جعفر فادعى إرثه فلقبه الاثنا عشرية بالكذاب. (12)
هذا ولعل ما سمعت من اختلاف بعض الفرق يجعل كل طائفة من المختلفين فرقة، وبذلك تتم فرق الإمامية تسعا وثلاثين، فليراجع وليتأمل.
_________
(1) أحمد بن موسى بن جعفر الصادق، لم يذكره مؤرخو أهل السنة، قال العاملي: «كان كريما جليلا ورعا، وكان أبوه يحبه ويقدمه ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة، أعتق ألف مملوك، يقال خرج في عهد المأمون مع بعض أتباعه في شيراز، فقتل وليس له عقب». أعيان الشيعة: 3/ 192؛ دائرة المعارف الشيعية العامة: 2/ 680.
(2) نهج السلامة
(3) ثامن الأئمة عند الإمامية، ومن أجلاء أهل البيت، كانت علاقته قوية بالخليفة المأمون، فعهد إليه بالخلافة، لكنه توفى في حياة المأمون سنة 203هـ. وفيات الأعيان: 3/ 269؛ سير أعلام النبلاء: 9/ 387.
(4) تاسع الأئمة عند الإمامية، ولد في المدينة وكفله المأمون بعد وفاة والده ثم زوجه ابنته، ومات في بغداد سنة 220هـ. معجم الأدباء: 6/ 480؛ البداية والنهاية: 10/ 238؛ وفيات الأعيان: 4/ 175.
(5) عاشر الأئمة عند الإمامية، استقدمه المتوكل فأسكنه في مدينة سر من رأى، والتي تسمى مدينة العسكر لأن المعتصم بناها وجعل فيها العسكر، وفيها مات أبو الحسن العسكري سنة 254هـ. تاريخ بغداد: 12/ 56؛ وفيات الأعيان: 3/ 272.
(6) الإمام الحادي عشر عند الإمامية، ولد بالمدينة سنة 232هـ، وانتقل مع أبيه إلى سامراء (مدينة العسكر) فنسب إليها، توفى سنة 260هـ. وفيات الأعيان: 2/ 49؛ شذرات الذهب: 2/ 141.
(7) الإمام المنتظر عند الإمامية ويعتقدون أنه حي لم يمت منذ سنة 260هـ، رغم أن المؤرخين أثبتوا أن الحسن العسكري مات من غير عقب. وفيات الأعيان: 4/ 17 سير أعلام النبلاء:
(8) جزء من حديث أخرجه الترمذي والنسائي معناه (من الزيادة بعد النقصان)
(9) قال الطوسي: «البداء في اللغة هو الظهور ... ويستعمل في العلم بالشيء بعد أن لم يكن حاصلا وكذلك في الظن». عدة الأصول: 3/ 28. ويعني علم الله بالشي بعد أن كان جاهلا به، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وقال المرتضى الملقب ب (علم الهدى): «ويمكن أن ينص أنها حقيقة ... لأن البداء إذا كان في اللغة العربية اسما للظهور، وإذا سمينا من ظهر له من المعلومات ما لم يكن ظاهرا، حتى اقتضى ذلك أن يأمر بنفس ما نهى عنه، أو ينهي عن نفس ما أمر به، أنه قد بدا، لم يمتنع أن يسمي الأمر بعد النهي والحظر بعد الإباحة على سبيل التدريج، فإنه بداء له، لأنه ظهر من الأمر ما لم يكن ظاهرا، وبدا ما لم يكن بائنا، بمعنى البداء الذي هو الظهور والبروز حاصل في الأمرين ... ». رسائل المرتضى: 1/ 413. وينظر دائرة المعارف الشيعية: 6/ 99.
(10) يقع في وسط بغداد في جانب الكرخ، ويطوف الشيعة الإمامية حول القبر ويسجدون له ويسألونه الحاجات ....
(11) وأبو عبد الله جعفر بن علي الهادي بن محمد الجواد، يلقبه الشيعة الإمامية ب (الكذاب) لأنه أخذ ميراث أخيه الحسن بن علي العسكري وأنكر أن يكون له ولد عندما مات بلا عقب، وأهل مكة أدرى بشعابها. ورغم أنهم يعترفون بأنه شريف النسب اتهموه بالفسق والفجور وشرب الخمر كما روى المجلسي في مرآة العقول: 1/ 422، ويروون الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكذب دعواه كما في كمال الدين: ص185، توفى سنة 271هـ. عمدة الطالب: ص 199؛ دائرة المعارف الشيعية: 7/ 196.
(12) اعتقادات فرق المسلمين: ص 55؛ التبصير في الدين: ص 77.
(1/21)
________________________________________
قال الجد (1) روَّح الله روحَه في كتابه (نهج السلامة) بعد عدِّه فرق الإمامية: ثم اعلم أن الاثني عشرية المعروفين اليوم على علاتهم في الاعتقادات أهون شرا بكثير من كثير من فرق الإمامية وسائر الشيعة، فهم في معظم الاعتقاديات متطفلون على المعتزلة (2) وقول الخواجة نصير الدين الطوسي (3) المتكلم - على ما نقله عنه تلميذه ابن المطهر الحلي (4) - أنهم مخالفون لجميع الفرق في ذلك مما يتعجب منه المطلع على اعتقاداتهم، وأعجب من ذلك جعله تلك المخالفة دليلا على أنهم الفرقة الناجية.
(الشيخية أو الأحمدية)
ثم قال العلامة الجد عليه الرحمة: قد ظهرت في هذه الأعصار من الاثني عشرية طائفة يقال لهم الشيخية، وقد يقال لهم «الأحمدية»، وهم أصحاب الشيخ أحمد الأحسائي، ترشح كلماتهم بأنهم يعتقدون في الأمير كرم الله تعالى وجهه نحو ما يعتقد الفلاسفة في العقل الأول، بل أدهى وأمر. (5)
(الرشتية الكشفية)
وطائفة أخرى يقال له الرشتية، وكثيرا ما يقال لها «الكشفية»، وهو لقب لقبهم به بعض وزراء الزوراء (6) أعلى الله تعالى درجته في أعلى عليين، وهم أصحاب السيد كاظم الحسيني الرشتي، (7) وهو تلميذ الأحسائي وخريجه، لكن خالفه في بعض المسائل، وكلماته ترشح بما هو أدهى وأمر مما ترشح به كلمات شيخه، حتى إن الاثنى عشرية يعدونه من الغلاة، وهو يبرأ مما تشعر به ظواهر كلماته. قال عليه الرحمة: وقد عاشرته كثيرا فلم أدرك فيه ما يقول فيه مكفروه من علماء الاثني عشرية. نعم عنده على التحقيق غير ما عندهم في الأئمة وغيرهم مما يتعلق بالمبدأ والمعاد. ولقد وجدت أكثر ما يقرره ويحرره مما لا برهان له سوى سراب شُبه يحسبه الظمآن ماء، ولا أظن أن مخالفاته لشيخه تجعله وأصحابه القائلين بقوله فرقة غير الشيخية.
_________
(1) وهو الشهاب محمود الآلوسي صاحب تفسير (روح المعاني)
(2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (2: 24): كان قدماء الشيعة متفقين على إثبات القدر والصفات. وإنما شاع فيهم رد القدر من حين اتصلوا بالمعتزلة في دولة بني بويه
(3) كان عالما بالعلوم العقلية والفلسفة، ومن غلاة الباطنية والمقربين لهولاكو، فكان يشاوره، وهو الذي اقترح على هولاكو استباحة بغداد وإسقاط الخلافة العباسية، مات سنة 672هـ. شذرات الذهب: 5/ 339؛ مفتاح السعادة: 1/ 261؛ طبقات أعلام الشيعة: ص 12.
(4) من علماء الإمامية. ألف كتاب (منهاج الكرامة) الذي رد عليه ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية)، مات سنة 726هـ. الدرر الكامنة: 2/ 71؛ لسان الميزان: 2/ 317.
(5) تنسب إلى أحمد الأحسائي، ولد سنة 1157هـ/ 1744م في الإحساء، وانتقل إلى إيران ومات سنة 1242هـ/ 1827م، كان يعد حلوليا، ومن عبدة علي. دائرة المعارف الإسلامية: 1/ 338.
(6) والي بغداد علي رضا.
(7) من تلاميذ أحمد الأحسائي، وينسب إلى رشت بإيران، سكن كربلاء، ومذهبه امتداد لمذهب شيخه، مات سنة 1259هـ/ 1843م) دائرة المعارف الإسلامية: 1/ 448؛ الأعلام: 5/ 216.
(1/22)
________________________________________
(البابية)
ثم قال عليه الرحمة: وقد ظهرت أيضا طائفة أخرى يقال لها البابية، (1) وهم أصحاب ميرزا علي محمد الملقب بالباب، والباب واحد الأبواب، وهم أحد الأقسام السبعة لمن لا بد منه في بناء المذهب: الأول (الإمام) الذي يصل إليه علم الغيب بلا واسطة، والثاني (الحجة) الذي يقرر علم الإمام على وفق مذاق المخاطبين وقدر عقولهم وفهومهم بالبرهان والخطابة، الثالث (ذو المصة) الذي يمتص العلم من ثدي الحجة، الرابع الأبواب ويقال لهم الدعاة ولهم مراتب، وأكبرهم من يرفع درجات المؤمنين عند الإمام والحجة، وهذا الأكبر هو رابع السبعة، الخامس (الداعي المأذون) الذي يأخذ العهود والمواثيق من الناس ويفتح للطالب باب العلم والمعرفة، السادس (المكلَّب) الذي شأنه البحث والاحتجاج والترغيب في صحبة الداعي وليس له الإذن بالدعوة، وسمي بذلك على التشبيه بالكلب المعلََّم. السابع (المؤمن المتبع) الذي يؤمن بالإمام بمساعي المكلَّب والداعي.
ثم قال عليه الرحمة: وقد أظهر هذا الباب شنائع كثيرة، منها زعمه ارتفاع فرضية الصلوات الخمس، وأنه سترفع فرضية الحج، وأنه يوحى إليه. وألف كتابا زعم أنه تفسير سورة يوسف، مع أنه ليس فيه تفسير شيء من آياتها، وقد حشاه هذيانات، وحرّف فيه آيات، وزعم التحدي به، وذكر فيه أنه تحرم كتابته بالحبر الأسود المعروف، وأنه يحرم مسه لغير متظهر، إلى أمور أخرى شنيعة ينكرها عليه سائر الشيعة. وقد أرسل بعض دعاته بكتابه إلى قصبة كربلاء فزمر فيها بنغم شنائع تؤد أذن المؤمن من لو كانت عنها صماء، فرقص على زمره في المقام الحسيني جملة من جهلة شيعة العراق، وصبا إليه غير واحد من ذوي الشقاء والشقاق.
فلما سمعت عرضت ذلك لوزير الزوراء، فانتهض لإطفاء تلك الثائرة بهمته الشمّاء، وعَقدَ لحل ما عُقِدَ من المحنة مجلسا عظيما فيه علماء الاثني عشرية وعلماء أهل السنة، فكنت أنا والحمد لله تعالى المباحث ذلك الداعي إلى مهاوي الحَيْن، فلم يتفرق ذلك الجمع حتى أجمع على كفر تلك الفرقة علماء الفرقتين، فكتبوا بذلك محضرا للدولة العلية العثمانية، فبعد أيام حضر الأمر بنفي ذلك الداعي إلى
_________
(1) اشتهرت كلمة البابية عندما ادعى علي الشيرازي أنه باب العلم الإلهي وسمى نفسه بالباب سنة 1260هـ/1844م، وتقول البابية إن آخر مبشر به بعد الأنبياء والرسل رجلان عالمان وهما الشيخ أحمد الأحسائي والسيد كاظم الرشتي. دائرة المعارف الإسلامية: 3/ 227؛ تاريخ البابية: 115.
(1/23)
________________________________________
الديار الرومية (1)، فنفي وأثبت محبوسا في تكرلي طاغ، وأرغم بموته هناك أنف كل طاغ.
وأما الباب ففتح باب البغي والخروج على شاه إيران، وأمر بعض مردته بقتله غيلة ليتم له ما أضمره من الإضلال والعدوان، فلم يتيسر له ما أراد، وقتل في تبريز مع جملة من أتباعه ذوي الفساد، ولم يزل الشاه يتتبع قتل أتباع الباب بعد تعذيبهم بأنواع العذاب، والعجب أنهم يرون العذاب عذبا، فترى أحدهم يضحك والعذاب يصب على رأسه صبا.
(القرتية)
وقال عليه الرحمة أيضا: وطائفة أخرى يقال لها القرتية: أصحاب امرأة اسمها هند، وكنيتها أم سلمة، ولقبها قرة العين، لقبها بذلك السيد كاظم الرشتي في مراسلاته لها إذ كانت من أصحابه، وهي ممن قلدت الباب بعد موت الرشتي، ثم خالفته في عدة أشياء منها التكاليف، فقيل أنها كانت تقول بحل الفروج ورفع التكاليف بالكلية، وأنا لم أحس منها بشيء من ذلك مع أنها حبست في بيتي نحو شهرين، وكم بحث جرى بيني وبينها رفعت فيه التقية من البين.
والذي تحقق عندي أن البابية والقرتية طائفة واحدة، يعتقدون في الأئمة نحو اعتقاد الكشفية فيهم، ويزعمون انتهاء زمن التكليف بالصلوات الخمس، وأن الوحي غير منقطع فقد يوحى للكامل لكن لا وحي تشريع، بل وحي تعليم لما شرع قبل ولنحو ذلك، وهو رأي لبعض المتصوفة.
وأخبرني بعض من خالطهم أنهم يوجبون على من نظر أجنبية من غير قصد التصدق بمثقال من الذهب، وعلى من نظرها بقصد التصدق بمثقالين منه، وأن منهم من يحيي الليل بكاءً وتضرعا، وأنهم يخالفون الاثني عشرية في كثير من الفروع، وأنا حققت أن الاثني عشرية يكفرونهم ويبرؤن منهم، ثم إني أرى أنهم شرارة من نيران الكشفية والأحسائية، وأعظم أسباب ضلالتهم النظر في كلام الرشتي وشيخه الأحسائي مع عدم فهم مقاصدهما منه، وحمله على ما هو بعيد عن الدين المحمدي بمراحل، ولذا أكفرهم أصحاب هذين الرجلين أيضا على ما سمعته بأذني من كبارهم.
وقد قتلت هذه المرأة أيضا بعد أن بغت وخرجت على الشاه ناصر الدين في
_________
(1) أي إلى بلاد الأناضول
(1/24)
________________________________________
طهران، (1) وتتبع أصحابها بالقتل، فقتلوا إلا قليلا منهم تحصن بالتقية، والانسلاك ظاهرا في سلك الاثني عشرية، وفي قرى العراق بقية يسيرة منهم، وكم من شنيعة تروى عنهم؟ ثم إنه لا يبعد أن تظهر فرق أخرى من الإمامية بعد، نسأل الله تعالى العافية في الدين والدنيا والآخرة.
انتهى كلامه الشريف ولفظه الظريف، وهذا التفصيل مما لا تجده في كتاب، ولا تراه في باب من الأبواب، فتوجه بهمه إليه، وأقبل بجميع شراشرك (2) عليه.
مكائد الرافضة
وإذ فرغنا من عد الفرق فقد آن أن نشرع في ذكر شيء من مكائدهم، التي توصلوا بها إلى ترويج مذهبهم الباطل وإضلال العباد، وهي كثيرة جدا لا تدري اليهود بعشرها، وهذا الكتاب يضيق عن حصرها:
الأولى
فمن مكائدهم أنهم يقولون: إن أهل السنة يخالفون القرآن المجيد، فإنهم يغسلون الأرجل بدل المسح، والكتاب يدل ظاهرا على المسح. (3)
والجواب أن آية الوضوء تواترت إلينا كسائر القرآن بالقراءات السبع المتواترة، تواتر القراءتين منها ثابت بإجماع الفريقين، بل بإجماع المسلمين وهما قراءتا النصب والجر في الأرجل، وقد ثبت في أصول الفريقين أن القراءتين إذا تعارضتا في آية واحدة فهما في حكم الآيتين، وأن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وههنا كذلك إذ يمكن الجمع بينهما حسب قواعدنا بوجهين:
الأول: بحمل المسح على الغسل، قال أبو زيد الأنصاري وغيره من أئمة اللغة: إن المسح في كلام العرب قد يكون بمعنى الغسل، يقال للرجل إذا توضأ: تمسح، ومسح الله ما بك أي أزال عنك المرض، (4) فإن قال الشيعة: يلزم من ذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو ممتنع، (5) قلنا لا يلزم ذلك، فإنا نقدر لفظ امسحوا قبل أرجلكم أيضا، وإذا تعدد اللفظ فلا بأس بتعدد المعنى، فالمسح الذي يتعلق بالرؤوس حقيقي، والمتعلق بالأرجل مجازي.
الثاني: إن الجر بالجوار، وهو في التنزيل كثير الوقوع، فتأول قراءة الجر إلى قراءة النصب، وجوز سيبويه والأخفش وأبو البقاء (6) وسائر المحققين من النحاة جر الجوار في النعت والعطف، أما النعت فكقوله تعالى: {عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيم ٍ} فقد جر (أليم) بمجاورة (يوم) مع أنه نعت
_________
(1) وقامت جماعة من أتباع من ادعى أنه باب المهدي وادعى بعضهم أنه الحسن وبعضهم أنه الحسين وغيرهما، وقتل شاه إيران (ناصر الدين شاه) الباب مع بعض اتباعه سنة 1274هـ، لكن أتباعه ادعوا أنه لم يمت وأنه صعد إلى السماء. دائرة المعارف الشيعية العامة: 6/ 18؛ موسوعة الأديان والمذاهب: 3/ 294.
(2) قال ابن منظور: «شراشر وشريشر: أسماء». لسان العرب
(3) قال الحلي: «ذهبت الإمامية إلى وجوب مسح الرجلين وأنه لا يجزئ الغسل فيهما ... وقال الفقهاء الأربعة: الغرض هو الغسل، وقد خالفوا نص القرآن ... ». نهج الحق: ص 409.
(4) نقله الأنباري عن أبي زيد الأنصاري، ثم قال: «والذي يدل على ذلك قولهم تمسحت للصلاة أي توضأت، والوضوء يشتمل على ممسوح ومغسول، والسر في ذلك أن المتوضئ لا يقنع بصب الماء على الأعضاء حتى يمسحها مع الغسل؛ فلذلك سمى الغسل مسحا فالرأس والرجل ممسوحان، إلا أن المسح في الرجل المراد به الغسل لبيان السنة، ولولا ذلك لكان محتملا، والذي يدل على أن المراد به الغسل ورود التحديد في قوله إلى الكعبين، والتحديد إنما جاء في المغسول لا في الممسوح». الإنصاف في مسائل الخلاف: 2/ 610.
(5) قرر هذا الكراكجي في القول المبين في وجوب المسح على الرجلين: ص 25.
(6) عبد الحميد بن عبد المجيد، أبو الخطاب، من كبار العلماء بالعربية توفي سنة 177هـ. أنباه الرواة: 2/ 157؛ بغية الوعاة: 13/ 252.
(1/25)
________________________________________
للعذاب. (1) وأما العطف فكقوله تعالى: {وَحُورٍ عِينٍ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُونِ} على قراءة حمزة والكسائي، فإنه مجرور بمجاورة: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} مع أنه معطوف على: {ولدَانٌ مُخَلَّدُونَ}. (2) وقد وقع هذا الجر في كلام العرب العرباء أيضا، فمن ذلك قول النابغة: (3)
لم يَبقَ غير أسير (4) غَيرِ مُنْفَلِتٍ ... ومُوثَق في حِبالِ القِدّ مَكبولِ
بجر (موثق) و (مكبول) بجوار (منفلت) مع أنهما معطوفان على أسير، فلا يلتفت إلى إنكار الزجاج وقوع جر الجوار في المعطوف. (5)
وقد ذكر الشيعة في الجمع بين القراءتين وجهين أيضا: الأول أن تعطف قراءة النصب على محل رؤوسكم لا على المنصوب السابق لاستلزامه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية، فحينئذ حكم الأرجل حكم الرؤوس المعطوف عليه في المسح، الثاني أن الوارد فيه بمعنى مع، كقولهم «استوى الماء والخشبة». (6)
هذا وفي كلا الوجهين نظر من وجوه: أما الأول فلأن العطف على المحل خلاف الظاهر بإجماع الفريقين، وإن استدلوا على خلاف الظاهر بقراءة الجر فقد سبق وجه رجوعها إلى قراءة النصب، على أنها لا تدل على مدعاهم لوجود احتمال جر الجوار، وأما ثانيا فلأن استلزام الفصل بجملة أجنبية إنما يخل إذا لم تكن جملة {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} لها تعلق بما قبلها. وأما إذا قلنا إن المعنى وامسحوا بعد الغسل (برءوسكم)، فلا فصل كما هو مذهب أكثر أهل السنة من جواز المسح ببقية الغسل، ومع ذلك فلم يذهب أحد من أئمة العربية إلى امتناع الفصل بين الجملتين المتعاطفين، بل نقل أبو البقاء إجماع النحاة على جوازه. نعم توسيط الأجنبي في كلام البلغاء لا بد أن يكون لنكتة، وفائدة النكتة ههنا التنبيه على أنه لا ينبغي أن يقتصد في صب الماء على الأرجل وتغسل غسلا يقرب من المسح، وتخصيصها بالتنبيه لكونها مظنة للإسراف، وللإيماء إلى وجوب الترتيب. وأما ثالثا فلأنه لو عطف (وأرجلكم) على محل (برءوسكم)، جاز لنا أن نفهم منه معنى الغسل؛ لأن من القواعد المقررة في العربية أنه إذا اجتمع فعلان متقاربان بحسب المعنى جاز حذف أحدهما وعطف متعلق المحذوف على متعلق المذكور، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة العامري:
_________
(1) ينظر تفسير الطبري: 25/ 94؛ روح المعاني: 25/ 97.
(2) ينظر النحاس، إعراب القرآن: 3/ 324؛ البنا، إتحاف فضلاء البشر: ص 407.
(3) شاعر جاهلي
(4) في الأصل غير طريد. ينظر ديوان النابغة
(5) قال: «وإنكار الزجاج الجر بالمجاور في غير النعت، ومع العطف لا معتبر له أن ثبت بعد أن أثبته من هو أعلى كعبا منه، ومن لا يشق الزجاج غباره كسيبويه والأخفش ووافقهما جماهير أهل العربية، وورد في كلام البلغاء مع أن شهادة الزجاج لو ثبتت نفي، وشهادة جمهور أئمة العربية إثبات، وهي مقبولة، وشهادة النفي غير مقبولة، ودعوى قلة وقوعها في كلام العرب باطل، كيف وقد نص أبو البقاء وجمع من أئمة العربية على وروده في النظم والنثر كثيرا». السيوف المشرقة
(6) قرره عبد الله التستري في نهاية الإقدام: ص 427.
(1/26)
________________________________________
فَعَلا فُرُوعُ الأيْهُقَانِ وَأطْفَلَتْ ... بالجَلهَتين ظِبَاؤهَا ونَعَامُهَا
أي وباضت نعامها، فإن النعام لا تلد بل تبيض، إذ هي من الطيور وهي لا تلد إلا الخفاش.
ومنه قول الآخر: (1)
إذا ما الغانيات برزن يوما وزَجِّجْنَ الْحَوَاجِبَ والْعُيُونا
أي وكحلن العيون. ومنه قول الآخر: (2)
تَراهُ كأنَّ اللهَ يَجدَعُ أنفَه ... وعَينَيهِ إِنْ مولاهُ ثابَ له وَفْرُ
ومنه قول الأعرابي: علفتها تبنا وماء باردا، أي وسقيتها. (3)
وأما رابعا: فلأن حمل الواو على معنى مع بدون قرينة لا يجوز، ولا قرينة ههنا، بل القرينة على خلافه لما تبين من وجوه التطبيق.
هذا ولما حصل الجمع بين الفريقين ولزم الترجيح رجع المحققون إلى سنة خير الورى - صلى الله عليه وسلم - إذ هي المبينة لمعاني القرآن المجيد، وهذه واقعة جلية فقد كان - عليه الصلاة والسلام - يتوضأ في اليوم والليلة خمس مرات على رؤوس الأشهاد لأجل التعليم، ولم يروِ أحد - ولو بطريق الآحاد - أنه - عليه الصلاة والسلام - مسح الرجلين، وقد روى الجميع غسلها بروايات متواترة، وقد اعترف بذلك الشيعة إلا أنهم يقولون قد روي لنا المسح عن الأئمة، وما روى أهل السنة الغسل عن أولئك محمول على التقية. هذا مع أن روايات غسل الرجلين عن الأئمة ثابتة في كتب الإمامية الصحيحة المعتبرة بحيث لا مجال للتقية فيها، فرواية الغسل متفق عليها ورواية المسح مختلف فيها عند الشيعة مع قطع النظر عن أهل السنة، فإن بعضهم قد روى تلك الرواية وبعضهم لم يروها، وفعله - عليه الصلاة والسلام - سالم عن المعارض عند الفريقين؛ لأنه لم يروِ أحد المسح عنه - عليه الصلاة والسلام -، وظاهر أن فهم معاني القرآن كما هو مراد الله تعالى لم يكن لغير الرسول - صلى الله عليه وسلم - ففهمنا حينئذ مطابق لفهمه - عليه الصلاة والسلام -.
ولنذكر ما روي في كتبهم من روايات غسل الرجلين التي لم يصل أحد منهم للطعن فيها:
فقد روى العياشي عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا إبراهيم (4) عن القدمين، فقال
_________
(1) الراعي النميري
(2) خالد بين الطيفان. ينظر الحيوان
(3) قال سليمان بن داود البغدادي: «فهذا باتفاق علماء النحو وغيرهم دليل جواز تغاير المعطوف والمعطوف عليه في العامل، ثم قياسه صورة ما في الآية، على ما مثل به قياس مع الفارق، فإن وجود التقييد بالكعبين هو الحامل على تفسير المسح بالغسل الشبيه بالمسح ليتساوى المحدودان، وهما الأيدي والأرجل، وأيضا قراءة النصب قرينة أخرى لأنها ناصة على الغسل بعطفها الظاهر، بخلاف مثاله فإنه خال عن القرينتين، مع إن العمدة في مثل هذا المطالب، لا على اللفظ فقط، حتى يستنبط منه ليكون مشابها، بل العمدة على النقل المبين للقرآن من الشارع الذي هو المبين له، فلا يضر لو كان الكلام خاليا عن القرائن والاعتبارات فكيف بها». رسالة في الرد على الرافضة في مسح القدمين: 11/ب.
(4) في المطبوع (أبا هريرة) والتصحيح من كتب الإمامية
(1/27)
________________________________________
تغسل غسلا». (1)
وروى محمد بن نعمان (2) عن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله - عليه السلام -: «إذا نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك حتى تغسل رجليك، فامسح رأسك ثم اغسل رجليك»، (4) وهذا الحديث أيضا رواه الكليني وأبو جعفر الطوسي بأسانيد صحيحة، ولا يمكن حملها على التقية، إذ المخاطب شيعي خاص.
وروى محمد بن الحسن الصفار (5) عن زيد بن علي عن أبيه عن جده أمير المؤمنين قال: «جلست أتوضأ فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما غسلت قدمي قال: يا علي خلل بين الأصابع» (6) إلى غير ذلك من الأخبار الثابتة في كتبهم الصحيحة. (7)
وأما ما روي عن عباد بن تميم عن عمه بروايات ضعيفة أنه توضأ ومسح على قدميه فهو شاذ منكر لتفرده ومخالفته للجمهور. (8) وما روي عن أمير المؤمنين أنه مسح وجهه بيديه ومسح على رأسه ورجليه وشرب فضل طهوره قائما وقال، وقال: «إن الناس تزعم أن الشرب قائما لا يجوز وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع ما صنعت فهذا وضوء من لم يُحْدِث»، (9) فلا يجدي للشيعة نفعا ولا يكون لهم به تمسك، لأن الكلام في الوضوء من الحدث لا في مجرد التنظيف بمسح الأطراف.
وبعض الشيعة ادعوا أن المسح مذهب لجمع من الصحابة مثل عبد الله بن عباس وأبي ذر وأنس بن مالك، وهذا كذب مفترى عليهم، فإنه لم يروِ عن أحد منهم بطريق صحيح أنه جوّز المسح إلا عن ابن عباس فإنه قال: «لم نجد في كتاب الله إلا المسح ولكنهم أبوا إلا الغسل»، (10) يعني ظاهر الكتاب يوجب المسح على قراءة الجر التي كانت قراءته، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يعملوا إلا الغسل، فقوله هذا دليل صريح على أن قراءة الجر مؤولة متروكة الظاهر بعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله تعالى عنهم -، وهكذا كل ما يروونه في هذه المسألة عن أحد أئمة السنة فهو إفك وزور، فقد تبين أن هذا الكيد صار في نحرهم ودل بمخالفتهم النصوص القولية على كفرهم، {وَكَفَى اللهُ المؤْمِنِيَن الْقِتَالَ}، والحمد لله على كل حال، سوى الكفر والضلال.
الثانية
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن أهل السنة يشرعون أحكاما من عند أنفسهم، كما جعلوا القياس دليلا شرعيا ويثبتون كثيرا من الأحكام به،
والجواب أن هذا الطعن يعود حينئذ على أهل البيت، فإن الزيدية وأهل السنة يرون القياس عن الأئمة، وقد قال
_________
(1) عن علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا إبراهيم - عليه السلام - عن قول الله {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} إلى قوله تعالى: {إلى الكعبين} فقال: صدق الله، قلت جعلت فداك كيف يتوضأ؟ قال مرتين مرتين، قلت: يمسح؟ قال مرة مرة، قلت: من الماء مرة؟ قال: نعم قلت: جعلت فداك فالقدمين؟ قال: اغسلهما غسلا». تفسير العياشي: 1/ 301.
(2) المشهور بالشيخ المفيد ويعرف بابن المعلم، عاش في بغداد وكان عالم الإمامية في عصره، قال الخطيب البغدادي: «شيخ الرافضة والمتعلم على مذاهبهم صنف كتبا كثيرة في ضلالاتهم والذب عن اعتقاداتهم ومقالاتهم والطعن على السلف الماضين من الصحابة والتابعين وعامة الفقهاء المجتهدين وكان أحد الأئمة الضلال هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه»، وقال الذهبي عن كتبه: «طعن فيها على السلف». أما النجاشي فقال: «شيخنا وأستاذنا فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والرواية والثقة والعلم». مات سنة 413 هـ. رجال النجاشي: 2/ 327؛ تاريخ بغداد: 3/ 231؛ ميزان الاعتدال: 4/ 30.
(3) قال عنه النجاشي: «ثقة وجيه، روى عن أبي محمد وأبي الله عليهما السلام»، وهو من مشاهير رواة الإمامية. رجال النجاشي: 2/ 411؛ تنقيح المقال: 3/ 308.
(4) الكليني، الكافي: 3/ 35؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 99؛ الاستبصار: 1/ 74.
(5) قال النجاشي: «كان وجها في أصحابنا القميين ثقة عظيم القدر راجحا قليل السقط في الرواية» مات سنة 290هـ. رجال النجاشي: 2/ 252؛ مجمع الرجال: 6/ 189.
(6) لطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 93؛ الاستبصار: 1/ 65؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 421.
(7) وعلق الطوسي على الخبر بقوله: «فهذا الخبر موافق للعامة قد ورد مورد التقية ... ». وهذا من مغالطاته لأن التقية لا تجوز على النبي - صلى الله عليه وسلم - عندهم.
(8) قال ابن الجوزي بعد سرد روايات المسح: «ليس في هذه الأحاديث ما يصح» ثم أشار إلى الرواية عن عباد بن تميم فقال: «في إسناده ابن لهيعة وليس بشيء». العلل المتناهية: 1/ 349.
(9) أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما.
(10) ابن أبي شيبة، المصنف: 1/ 27؛ ابن ماجة، السنن: 1/ 156.
(1/28)
________________________________________
أبو نصر هبة الله بن الحسين أحد علماء الإمامية بحجية القياس، وتبعه على ذلك جماعة منهم، وقد ثبت ذلك في كتبهم أيضا بطرق صحيحة.
فمن ذلك ما روى أبو جعفر الطوسي في (التهذيب) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال: «جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تقولون في رجل يأتي أهله ولا ينزل؟ فقالت الأنصار: الماء من الماء، وقال المهاجرون: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فقال عمر لعلي - رضي الله عنهما -: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: توجبون عليه الجلد ولا توجبون عليه صاعا من الماء؟» (1) فقاس - رضي الله تعالى عنه - ههنا الغسل على الحد بالصراحة. وأجاب بعض علماء الشيعة عن هذا القياس بأن ما قال الأمير ليس بقياس، بل هو استدلال بالأولوية، يقابله في عرف الحنفية (دلالة النص) كدلالة {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} على حرمة الشتم والضرب، وهما سواء في مهمة المجتهد وغيره، وحاصل هذا التقرير أن تأثير المجامعة بلا إنزال لما ثبت في أقوى المشقتين وهو الحد كان ثبوته في أضعفهما وهو الغسل بالطريق الأولى.
وفيه خبط ظاهر لأن المساحقة موجبة للتعزير عند أهل السنة وللحد عند الإمامية، ولا توجب الغسل بالإجماع، وكذا اللواطة إن كانت بطريق الإيلاج فهي موجبة للحد عند بعض أهل السنة والإمامية وموجبة للتعزير عند غيرهم، ولا غسل على مرتكبها عند الإمامية، (2) وكذا المباشرة الفاحشة مع الأجنبية توجب التعزير ولا توجب الغسل بالاتفاق، فلم يثبت تأثير هذه الأمور في الغسل بدلالة النص أصلا فضلا عن الطريق الأولى كما ترى.
وشارح (مبادئ الأصول) (3) مع تشيعه وفرط عناده لأنه ابن المطهر الحلي (4) اعترف بان القياس كان جاريا في زمن الصحابة، وسيجيء إن شاء الله تعالى ذكر إجازة الأئمة كالباقر والصادق وزيد الشهيد أبا حنيفة بالقياس، وأما دلائل تجويز القياس وإبطال قول منكريه فمذكورة في كتب أصول أهل السنة فارجع إليها إن أردت. (5)
الثالثة
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن مذهب الاثني عشرية حق لأنهم أقل من أهل السنة وأذل منهم قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} و {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ}. (6)
_________
(1) الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 119؛ النوري، مستدرك الوسائل: 1/ 451.
(2) روى الكليني وغيره عن الصادق أنه قال: «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما، فإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها». الكافي: 3/ 47؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 125.
(3) ألفه علي بن الحسين بن علي الإمامي من تلاميذ الحلي، شارحا كتاب (مبادئ الأصول) لشيخه، وفرغ منه سنة 706هـ. الذريعة: 7/ 213
(4) الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، من أشهر علماء الإمامية. ألف كتاب (منهاج الكرامة) فرد عليه ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية)، مات سنة 726هـ. الدرر الكامنة: 2/ 71؛ لسان الميزان: 2/ 317؛ رجال المامقاني: 1/ 314.
(5) بل من علماء الإمامية من كان يقيس. حيث ذكر النجاشي في ترجمة ابن الجنيد، وهو من أشهر مؤلفيهم، بأنه كان يقول بالقياس، فقال المامقاني: «رميه بالقياس ليس قادحا في عدالته ... » فكيف يعاب على أهل السنة القياس ولا يعاب على أصحابهم؟ رجال النجاشي: 2/ 310؛ تنقيح المقال: 2/ 67.
(6) قال ابن رستم الطبري: «فإنا وجدنا الكثرة في موارد من كتاب الله تعالى هي المذمومة والقلة هي المحمودة ... »، ثم قال: «أفلا ترى أن القلة حمدت وإنما قلوا وما كانت يد الله على جماعة أهل الباطل قط، فإن زعمتم أن يد الله على من قال بقولكم فهذه شنيعة أخرى تزعمون أن يد الله على من نسب الحكم إلى غيره ... ». الإيضاح: ص 125.
(1/29)
________________________________________
والجواب أنه لا يخفى على العاقل أن في هذا التقرير تحريفا لكلام الله تعالى، فإن الله قال في حق أصحاب اليمين: {ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ}، والثلة هي الجمُّ الغفير، (1) وليس في الآية الكريمة المذكورة بيان حقيقة المذاهب أو بطلانها، بل إنما هي لبيان قلة الشاكرين وكثرة غيرهم، وكذا في قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} بيان قلة العاملين بجميع الأعمال الصالحة، كما يدل الكلام السابق على ذلك وهو قوله تعالى: {إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وليس فيها بيان حقية العقائد أو بطلانها.
وعلى تقدير تسليم كون القلة والذلة موجبة للحقية يلزم أن يكون النواصب (2) والخوارج والزيدية والأفطحية وغيرهم أحق من الاثني عشرية لأنهم أقل منهم بكثير وأذل، نعم إن العزة للمؤمنين لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} وقوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ} وقوله تعالى: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ} وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اتبعوا السواد الأعظم» (3) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على كثرة أهل الحق، فبان كيدهم وخسر هنالك المبطلون.
الرابعة
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن كبار أهل السنة وأئمتهم كأبي بكر وعمر وعثمان حرفوا القرآن، (4) وأسقطوا كثيرا من الآيات والسور التي نزلت في فضائل أهل البيت،
_________
(1) ينظر لسان العرب، مادة ثلة: 11/ 90.
(2) النواصب عند أهل السنة: هم المتدينون ببغض علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وهم طائفة من الخوارج. الرازي، كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية: ص 256؛ ابن منظور، لسان العرب، مادة نصب: 1/ 758. أما عند الإمامية فكل من خالفهم في العقيدة واستنكر بدعهم فهو من النواصب، كما نسبوا ذلك إلى الصادق أنه قال: «الناصب: من نصب لكم، وهو يعلم أنكم تولونا وأنتم من شيعتنا». بحار الأنوار: 8/ 369؛ العاملي، وسائل الشيعة: 9/ 486. ورجح الأعلمي قول الإمامية بأن الناصبي: «من نصب العداوة لشيعتهم وفي الأحاديث ما يصرح به ... » ثم أورد الرواية المنسوبة للصادق. دائرة المعارف الشيعية العامة: 18/ 30 - 33.
(3) لم يرد في الحديث لفظ اتبعوا. وقد جاء الحديث مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه ابن ماجة في سننه أنس بن مالك: 2/ 1303. وقال البوصيري في الزوائد: في إسناده أبو خلف الأعمى ... ضعيفّ. والحديث حسن موقوف كما قال سليم الهلالي في كتابه نصح الأمة: ص21.
(4) وقد ألف أحد طواغيتهم واسمه حسن بن محمد تقي النوري الطبرسي كتابا في ذلك سماه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) بلغ عدد صفحاته 400 صفحة كبيرة، وفيه مئات النصوص والنقول عن كبار طواغيتهم بدعوى أن القرآن محرف. وقد ارتكب هذا الطبرسي جناية تأليف كتابه سنة 1292 هـ في المشهد المنسوب إلى أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه بالنجف وطبع في إيران سنة 1298، وفي خزانة كتب دار الفتح نسخة منه، وإن المنافقين منهم يتظاهرون بالبراءة من هذا الكتاب تقية، ولكن هذه البراءة لا تنفعهم، لأنهم يحملون منذ ألف سنة إلى الآن أوزار النصوص والنقول الموجودة في كتبهم بهذا المعنى وقد جمعت كلها في هذا الكتاب
(1/30)
________________________________________
والأمر باتباعهم والنهي عن مخالفتهم وإيجاب محبتهم، وأسماء أعدائهم والطعن فيهم واللعن عليهم، فشق عليهم ذلك ونبض عرق الحسد منهم فتجاسروا على ذلك. (1)
ومن جملة ما أسقطوه من سورة ألم نشرح (وجعلنا عليا صهرك)، وهو يدل على تخصيص علي بكونه صهرا دون عثمان، (2) ومنها (سورة الولاية) ويزعمون أنها سورة طويلة قد ذكر فيها فضائل
_________
(1) أخرج الطبرسي وغيره عن أبي ذر: «أنه لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع علي القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علي - عليه السلام - وانصرف، ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن، فقال له عمر: إن عليا جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه من فضيحة وهتك المهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه، فدبر في قتلهِ خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، فلما استخلف عمر سألوا عليا - عليه السلام - أن يرفع إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم فقال عمر: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال: هيهات ليس إلى ذلك من سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة {إنا كنا عن هذا غافلين} أو تقولوا ما جئتنا به، إن هذا القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون الأوصياء من ولدي، فقال عمر: فهل وقتٌ لإظهاره معلوم؟ فقال - عليه السلام -: نعم إذا قام القائم من ولدي ويظهره ويحمل الناس عليه». الطبرسي، الاحتجاج: 1/ 82؛ المجلسي، بحار الأنوار: 92/ 42 تفسير الصافي، المقدمة (المقدمة السادسة): 1/ 39.
(2) روى ابن شاذان وغيره عن المقداد بن الأسود قال: «كنا مع سيدنا رسول الله وهو متعلق باستار الكعبة وهو يقول: اللهم اعضدني واشدد أزري واشرح صدري وارفع ذكري، فنزل عليه جبرئيل - عليه السلام - وقال: اقرأ يا محمد، قال وما أقرأ قال اقرأ (ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك. مع علي بن أبي طالب صهرك». فقرأها النبي صلى الله عليه وآله وأثبتها عبد الله بن مسعود في مصحفه، فأسقطها عثمان بن عفان حين وحد المصاحف». الفضائل: ص 151؛ المجلسي، بحار الأنوار: 36/ 116.
(1/31)
________________________________________
أهل البيت. (1)
والجواب أن الله تعالى قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فما كان في حماية الباري عز اسمه كيف يمكن للبشر تنقيصه وتحريفه، سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم، ونعوذ بك من الشيطان الرجيم.
الخامسة
ومن مكائدهم أن جماعة من علمائهم اشتغلوا بعلم الحديث أولا وسمعوا من ثقات المحدثين من أهل السنة فضلا عن العوام، ولكن الله سبحانه وتعالى قد تفضل على أهل السنة فأقام لهم من يميز بين الطيب والخبيث، وصحيح الحديث وموضوعه، حتى إنهم لم يخفَ عليهم وضع كلمة واحدة من الحديث الطويل. (2)
السادسة
ومن مكائدهم أنهم ينظرون في أسماء الرجال المعتبرين عند أهل السنة، فمن وجدوه موافقا لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعي إليه، فمن لا وقوف له من أهل السنة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ويعتد بروايته، كالسدي فإنهما رجلان أحدهما السدي الكبير، (3) والثاني السدي الصغير، (4) فالكبير من ثقات أهل السنة، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضي غال، وعبد الله بن قتيبة رافضي غالٍ، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة (5) من ثقات أهل السنة، وقد صنف كتابا سماه بالمعارف، فصنف ذلك الرافضي كتابا وسماه بالمعارف أيضا قصدا للإضلال.
_________
(1) سورة الولاية واردة في كتاب الطبرسي (فصل الخطاب) ص 180، وهو يقول إنها ثابتة في كتابهم الفارسي (دبستان مذاهب) لمؤلفه محسن فاني الكشميري وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة.
(2) ومثال هؤلاء جابر بن يزيد بن الحرث الجعفي الكوفي، اختلف علماء الحديث من أهل السنة فيه، فوثقه بعضهم وضعفه وتركه آخرون، فقد تركه النسائي، وقال يحيى: «لا يكتب حديثه ولا كرامة»، ونقل عباس الدوري عن زائدة قوله عن الجعفي: «بأنه كان كذابا»، مات سنة 128هـ. ميزان الاعتدال: 2/ 103. أما عند الإمامية فهو من خيرة رواتهم عن الباقر والصادق حتى قيل إنه روى عنهما سبعين ألف حديث، قال المامقاني: إن الرجل في غاية الجلالة ونهاية النبالة، وله المنزلة العظيمة عليهما السلام بل، من أهل أسرارهما وبطانتهما ومورد ألطافهما الخاصة وعنايتهما المخصوصة وأمينهما على ما لا يؤتمن عليه إلا أوحدي العدول من الأسرار ومناقب أهل البيت عليهم السلام». تنقيح المقال: 1/ 203؛ رجال النجاشي: 1/ 313.
(3) من المفسرين المشهورين بالرواية، قال الحافظ ابن حجر: «مقارب الحديث»، توفي سنة 127هـ. طبقات ابن سعد: 6/ 323؛ تهذيب التهذيب: 1/ 373.
(4) هو محمد بن مروان السدي الكوفي، قال البخاري: «لا يكتب حديثه البتة»، وقال النسائي: «متروك الحديث»، وقال الذهبي: «تركوه واتهمه بعضهم بالكذب»، مات سنة 189هـ. تاريخ بغداد: 3/ 291؛ ميزان الاعتدال: 6/ 328؛ شذرات الذهب: 1/ 325.
(5) أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، من علماء الحديث، له تصانيف، توفي سنة 276. سير أعلام النبلاء: 13/ 296.
(1/32)
________________________________________
السابعة
ومن مكائدهم أنهم ينسبون بعض الكتب لكبار علماء السنة مشتملة على مطاعن في الصحابة وبطلان مذهب أهل السنة، وذلك مثل كتاب (سر العالمين) فقد نسبوه إلى الإمام محمد الغزالي (1) عليه الرحمة وشحنوه بالهذيان، (2) وذكروا في خطبته عن لسان ذلك الإمام وصيته بكتمان هذا السر وحفظ هذه الأمانة، وما ذكر في هذا الكتاب فهو عقيدتي، وما ذكر في غيره فهو للمداهنة، فقد يلتبس ذلك على بعض القاصرين، نسأل الله عز وجل العصمة من مثل هذا الزلل
الثامنة
ومن مكائدهم أنهم يذكرون أحد علماء المعتزلة أو الزيدية أو نحو ذلك، ويقولون إنه من متعصبي أهل السنة، ثم ينقلون عنه ما يدل على بطلان مذهب أهل السنة وتأييد مذهب الإمامية الاثني عشرية ترويجا لضلالهم، كالزمخشري (3) صاحب (الكشاف) الذي كان معتزليا تفضيليا، والأخطب الخوارزمي (4) فإنه زيدي غال، وابن قتيبة صاحب المعارف الذي هو رافضي عنيد (5)، وابن أبي الحديد شارح (نهج البلاغة) الذي هو من الغلاة على قول، ومن المعتزلة على قول آخر، وهشام الكلبي (6) الذي هو من الغلاة، وكذلك المسعودي (7) صاحب (مروج الذهب) وأبو الفرج الأصفهاني (8) صاحب (الأغاني) وغيرهم، وقصدوا بذلك إلزام أهل السنة بما لهم من الأقوال، مع أن حالهم لا تخفى حتى على الأطفال.
التاسعة
ومن مكائدهم أنهم يقولون: نحن أتباع أهل البيت الذين قال تعالى فيهم {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (9) وغير الشيعة تابعون لغير أهل البيت، فلزم كون الشيعة هي الفرقة الناجية، (10) ويؤكدون ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق». (11)
والجواب أن هذا الكلام قد اختلط فيه الحق بالباطل، والرائج من القول بالعاطل: فإنا نسلم أن أتباع أهل البيت
_________
(1) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، (ت 505هـ). وفيات الأعيان: 4/ 216؛ سير أعلام النبلاء: 19/ 322؛ طبقات الشافعية الكبرى: 6/ 191.
(2) تردد معاصرو الإمامية في صحة نسبة الكتاب للغزالي كما في الذريعة: 12/ 168.
(3) ولد سنة 467هـ بزمخشر قرى خوارزم، وقدم بغداد وسمع، قال ابن خلكان: «كان إمام عصره وكان متظاهرا بالاعتزال، وله تصانيف بديعة»، وقال عنه السيوطي: «اللغوي المتكلم المعتزلي المفسر»، مات سنة 583هـ. وفيات الأعيان: 5/ 168؛ طبقات المفسرين: ص 120.
(4) كان من غلاة الزيدية، وعده الإمامية من رجالهم فذكره الخونساري، قال الذهبي في ترجمة محمد بن أحمد بن علي بن شاذان: «لقد ساق خطيب خوارزم من طريق هذا الدجال ابن شاذان أحاديث كثيرة باطلة سمجة ركيكة في مناقب علي - رضي الله عنه -»، مات الأخطب الخوارزمي سنة 567هـ. ميزان الاعتدال: 6/ 55؛ السيوطي، بغية الوعاة: ص 401.
(5) وهو غير ابن قتيبة السني كما تقدم في الصفحة السابقة
(6) هشام بن محمد بن أبي النضر بن السائب الكلبي، أبو المنذر، مؤرخ وعالم بالنسب وأخبار العرب وأيامها، قال عنه الإمام أحمد: «كان صاحب سمر ونسب ما ظننت أن أحدا يحدث عنه»، وقال ابن عساكر: «رافضي ليس بثقة». مات سنة 204هـ. الفهرست: 140؛ وفيات الأعيان: 4/ 309.
(7) أبو الحسن علي بن الحسين بن علي من ذرية ابن مسعود، قال عنه الذهبي: «كان أخباريا صاحب ملح وغرائب وعجائب وفنون، وكان معتزليا»، مات سنة 345هـ. سير أعلام النبلاء: 15/ 569.
(8) أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأموي الأصبهاني، اشتهر بكتابه الأغاني، كان من أهل الأدب والأنساب والسير، اشتهر بتشيعه وكان يأتي بأعاجيب على قول الذهبي، مات سنة 356هـ. وفيات الأعيان: 3/ 307؛ ميزان الاعتدال: 5/ 151.
(9) وهذه الآية من سورة الأحزاب نزلت في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي مقدمتهن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -
(10) كذا قال ابن رستم الطبري في آخر كتابه الإيضاح.
(11) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط وابن عدي في الكامل في الضعفاء. ضعفه ابن كثير في تفسيره وابن حجر في ذخيرة الحفاظ: 2/ 2091. وهو في ضعيف الجامع: رقم 1974.
(1/33)
________________________________________
ناجون، وأن مقلديهم هم المصيبون، ولكن أين الشيعة الطغام، من أولئك السادات الكرام والأئمة العظام؟ كما سيأتي من بيان ما لهم من الأحوال، وذكر ما اعتقدوه من الكفر والضلال، فهيهات هيهات، وقد فات عنهم ما فات، بل الحق الحقيق بالقبول أن أهل السنة هم أتباع بيت الرسول، وهم السالكون طريقتهم والمجيبون دعوتهم، والأئمة الأطهار كانوا على ما عليه أهل السنة الأخيار، كيف لا وأبو حنيفة ومالك وغيرهما من العلماء الأعلام، قد أخذوا العلم عن أولئك الأئمة العظام، والحمد لله تعالى على ذلك الإنعام.
العاشرة
ومن مكائدهم أنهم يؤلفون في الفقه كتابا وينسبونه إلى أحد أئمة أهل السنة، ويذكرون فيه بعض المفتريات مما يوجب الطعن على أهل السنة، كالمختصر المنسوب إلى الإمام مالك الذي صنفه أحد الشيعة فذكر فيه أن مالك العبد يجوز له أن يلوط به لعموم قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وقد فات ذلك صاحب (الهداية) فنسب حل المتعة إلى الإمام مالك، (1) مع أنه كذب وبهتان، بل قيل إنه [لا] يوجب الحد عليها بخلاف الأئمة الثلاثة. (2)
الحادية عشر
ومن مكائدهم أنهم يزيدون بعض الأبيات في شعر أحد أئمة أهل السنة مما يؤذن بتشيعه، كما فعلوا في ديوان حافظ الشيرازي (3) وديوان مولانا الرومي (4) والشيخ شمس الدين التبريزي (5) (قدس سرهم)، وقد ألحق بعض الشيعة المتقدمين بما نسب للإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - من الأبيات الثلاثة السابقة التي أولها:
يَا راكبا قِفْ بالمُحصَّب مِنْ مِنًى ... وَاهْتِفْ بساكنِ خَيْفهِا والنَّاهِضِ
ثلاثة أبيات أخرى تشير بتشيعه وحاشاه من ذلك وهي هذه:
قف ثم نادِ بأنني لمحمد ... ووصيه وبنيه لست بباغضِ
_________
(1) ثبت عن مالك تحريمه لهذا النكاح، فقد قال عندما سئل عن الزواج المؤقت: «النكاح باطل يفسخ وهذه المتعة وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحريمها قلت: أرأيت إن قال لها إن مضى هذا الشهر فأنا أتزوجك ورضي بذلك وليها ورضيت؟ قال: هذا النكاح باطل ولا يقام عليه». المدونة: 4/ 196.
(2) نقل عن الإمام مالك: «نكاح المتعة عامدا لا يحدون في ذلك ويعاقبون؟ قال: نعم.». المدونة: 16/ 203.
(3) شمس الدين محمد الشهير بحافظ الشيرازي، توفي سنة 792هـ. كشف الظنون: 1/ 783
(4) كان عالما بالفقه على مذهب أبي ثم ترك التدريس، وتصوف واشتغل بالسماع والموسيقى ونظم الشعر، وشعره يدل على غلوه في الاتحاد والحلول والباطنية وقد حذر منه العلماء، مات سنة 672هـ. الجواهر المضيئة: ص 367؛ الأعلام: 7/ 31.
(5) شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الله التبريزي الإيجي الشافعي، الإمام العالم، توفي بمكة سنة 880هـ. شذرات الذهب: 7/ 330.
(1/34)
________________________________________
وأخبرهم أني من النفر الذي ... لِوَلاءِ أهل البيت ليس بناقض
وقل ابن إدريس بتقديم الذي ... قدمتموه على علي ما رضي (1)
والفرق بين تلك الثلاثة وهذه مما لا يخفى على صغار المتعلمين، إذ هذه الثلاثة في غاية من الركاكة فلا يتصور صدورها عن مثل ذلك الإمام البليغ الذي له اليد الطولى في العربية، وقد نسبوا له أيضا أبياتا أخر غير التي ذكرناها سابقا مثل قولهم:
شفيعي نبي والبتول وحيدر ... وسبطاه والسجاد والباقر المجدي
وجعفر والثاوي ببغداد والرضا ... وفلذته والعسكريان والمهدي (2)
ولا يخفى بطلان ما نسب إلى ذلك الإمام على من تصفح كتب التاريخ، لأن ولادة الإمام علي ابن محمد التقي كانت سنة أربع عشر ومائتين، وولادة الإمام حسن العسكري بعد ذلك بزمن طويل، ووفاة الإمام الشافعي سنة أربع ومائتين في عهد المأمون العباسي. (3) نعم إن الإمام الشافعي قد ذكر فضائل من أدركه من أئمة أهل البيت، وهكذا شأن جميع علماء أهل السنة ولله تعالى الحمد كما سبق. (4)
الثانية عشر
ومن مكائدهم أنهم يفترون على النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه قال: «لا تُسأل شيعة علي يوم القيامة عن صغيرة ولا كبيرة، بل تبدل سيئاتهم بالحسنات»، (5) وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: لا أعذب أحدا والى عليا وإن عصاني». (6)
فاغتر بهذا بعض الجهال فهاموا في أودية الضلال، مع أنه قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه}، فقد كذبوا على النبي المختار، فليتبوءوا مقعدهم من النار.
_________
(1) ليست في ديوان الشافعي
(2) منسوبة لأبي الواثق العنبري كما في أعيان الشيعة: 2/ 442.
(3) عبد الله المأمون بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن المنصور، الخليفة العباسي الذي تولى سنة 198هـ، اشتهر باعتنائه بالعلم والعلماء لكنه تعصب لمذهب المعتزلة في القول بخلق القرآن، وفي عهده سجن الإمام أحمد، قال ابن كثير: «وقد كان فيه تشيع واعتزال وجهل بالسنة الصحيحة»، مات سنة 218هـ. سير أعلام النبلاء: 10/ 272؛ البداية والنهاية: 10/ 275.
(4) ومن هذا الباب إضافتهم إلى أبيات قليلة للفرزدق في الإمام زين العابدين أبياتا من وزنها ورويها بعضها للحزين الكناني في عبد الله بن عبد الملك بن مروان وهي في حماسة أبي تمام (2: 284)، وبعضها في نقد الشعر لقدامة (19 و 27) وبعضها في مدح بعض بني مروان أيضا أوردها الجاحظ في كتاب الحيوان (3: 152 ساسي) وفي أول الجزء الثالث من البيان والتبيين. وانظر الأغاني 14: 76 - 79 بولاق. أما الأبيات للفرزدق في زين العابدين فهي ستة لا غير في ديوانه الذي أملاه محمد بن حبيب وطبع بالفطوغراف في مونخن بألمانيا سنة 1900 وقد بسطت القول فيه بمقال مطول في جريدة (الأخوان المسلمون) اليومية بعنوان «طائرات في أسراب غير أسرابها».
(5) روى الصفار عن أبي جعفر قال: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا علي إن ربي وعدني في شيعتك خصلة، قلت: وما هي يا رسول الله؟ قال: المغفرة لمن آمن منهم واتقى، لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة ولهم تبدل سيئاتهم حسنات». بصائر الدرجات: ص 83؛ المجلسي، بحار الأنوار: 17/ 153.
(6) أخرج الكليني عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الله مثّل لي أمتي في طين وعلمني أسمائهم كما علم آدم الأسماء كلها، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرنّ لعلي وشيعته إن ربي وعدني في شيعة علي خصلة، قيل: يا رسول الله وما هي؟ قال: المغفرة لمن آمن منهم وأن لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة، ولهم تبدل السيئات حسنات». الكافي: 1/ 443.
(1/35)
________________________________________
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن فضائل أهل البيت وما روى في إمامة الأمير متفق عليه عند الفريقين، بخلاف فضائل الخلفاء الثلاثة فهي مختلف فيها، فينبغي للعاقل أن يختار ما اتفق عليه بموجب «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». (1)
والجواب أن شبهتهم هذه كشبهة اليهود والنصارى في قولهم: إن نبوة موسى وعيسى متفق عليها عند الفريقين، بخلاف نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -. والذى يزيل هذه الشبهة هو أن الأخذ بالمتفق عليه وترك المختلف فيه إنما يكون بمقتضى العقل لو لم يوجد دليل آخر، فإن وجد فلا التفات للاتفاق والاختلاف. على أن هذه الشبهة تتقلب عليه ويعود وبالها وبلاؤها على رءوسهم، كيف لا وقد تقرر عندهم من القواعد أن الروايتين عن الأئمة إن وافقت أحداهما العامة دون الأخرى فالتمسك إنما هو بالمخالفة ولو كانت ضعيفة، وهذا مصرح به في أصولهم. (2)
ومن مكائدهم أنهم ينسبون إلى الأمير من الروايات ما هو برئ منه ويحرفون ما ورد عنه، فمن ذلك (نهج البلاغة) الذي ألفه الرضي (3) وقيل أخوه المرتضى، (4) فقد وقع فيه تحريف كثير وأسقط كثير من العبارات حتى لا يكون به متمسك لأهل السنة، مع أن ذلك أمر ظاهر، بل مثل الشمس زاهر.
ومن مكائدهم أنهم ينظمون بعض الأبيات على لسان اليهود أو النصارى مما يؤذن تحقيقه مذهب التشيع، فمن ذلك ما ينسبونه إلى ابن فضلون اليهودي:
على أمير المؤمنين عزيمة ... وما لسواه في الخلافة مطمع
له النسب العايى وإسلامه الذي ... تقدم، بل فيه الفضائل أجمع
ولو كنت أهوى ملة غير ملتي ... لما كنت إلا مسلما أتشيع (5)
وكذا ينسبون إليه هذه الأبيات:
حب علي في الورى جنة ... فامحُ بها يا رب أوزاري
لو أن ذميا نوى حبه ... حُصن في النار من النار (6)
إلى غير ذلك، وسيجئ منه إن شاء الله في آخر الكتاب.
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن الشيعة أمنون من عذاب يوم القيامة ودخول النار
_________
(1) أخرج الحديث أحمد والنسائي والحاكم
(2) روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان، فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فذروه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله، فاعرضوهما على أخبار العامة [أهل السنة]، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه». المفيد، جوابات أهل الموصل: ص 47؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: 27/ 118.
(3) هو محمد بن الحسين بن موسى العلوي، المشهور بالشريف الرضي، ولد وتوفي ببغداد، قال عنه ابن حجر: «كان مشهورا بالرفض»، وإليه ينسب تأليف كتاب نهج البلاغة العاري من الأسانيد، مات في سنة 406هـ. تاريخ بغداد: 2/ 246؛ لسان الميزان: 5/ 141.
(4) هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد العلوي الشريف المرتضى، المتكلم الشيعي المعتزلي، صاحب التصانيف، عاش في بغداد، توفي سنة 436هـ. تاريخ بغداد: 11/ 402؛ لسان الميزان: 4/ 223
(5) نسب الأبيات ابن شهر آشوب المازندراني إلى بعض النصارى في كتابه مناقب آل أبي طالب: 2/ 27؛ وأخرجها ابن طاووس في الطرائف: 2/ 555.
(6) ومن كذبهم أن المازندراني نسب هذه الأبيات إلى الإمام أحمد في فضائل الصحابة والديلمي في مسند الفردوس قال: قال: عمر بن الخطاب قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حب علي براءة من النار وأنشد ... ». ثم أورد هذه الأبيات في كتابه مناقب آل أبي طالب: 3/ 9؛ وأوردها أيضا البيضاني في الصراط المستقيم: 2/ 50 وعنهما المجلسي في بحار الأنوار: 39/ 358 وليست في كتب السنة التي زعموا ..
(1/36)
________________________________________
وكل ما في القرآن من الوعيد فهو لغيرهم. (1) ولا يخفى أن عقيدتهم هذه تشبه عقيدة اليهود حيث قالوا {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}، {نحن أبناء الله وأحباؤه} ويردهم قوله تعالى {من يعمل سوءا يجز به} وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتفق على صحتها عند الفريقين. (2)
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن أهل السنة يختارون مذهب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد ويؤثرونه على مذهب الأئمة الأطهار مع أنهم أحق بالأتباع، لأنهم تربوا في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهل البيت أدرى بما فيه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إنى تارك فيكم الثَّقَلَين ما إن تمسكتم بها لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (3) وقال - صلى الله عليه وسلم - «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» (4) ولأن كمالهم وعلمهم وتقواهم من المتفق عليه عند الفريقين، فهم بالاتباع أحق، وبالاقتداء أليق. والجواب أن الإمام نائب النبي وخليفة لا صاحب المذهب، لأن المذهب طريق الذهاب الذي فتح على بعض الأمة فهم أحكام الشريعة من أصولها، ولذا احتمل الصواب والخطأ، والإمام عندكم معصوم عن الخطأ كالنبي فلا يتصور نسبة المذهب إليه، ومن ثم كان نسبة المذهب إلى الله تعالى والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام من فضول الكلام، ومعدودا من جملة الأوهام. بل فقهاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم أفضل عند أهل السنة من الأئمة الأربعة، ومع ذلك لا يعدونهم أصحاب مذاهب، بل إنما يجعلون أقوالهم وأفعالهم مدارك الفقه ودلائل الحكام، وواسطة في أخذ شريعة الرسول - عليه الصلاة والسلام -.
على أن أهل السنة هم المقتدون بالأئمة الأطهار، فإن أئمة مذاهبهم قد أخذوا العلم من أولئك الأخيار، فرتبتهم عند أهل السنة رتبة النبي والأصحاب الكبار، ولكن لا ينسبون أنفسهم إليهم، ولا يدعون أخذ العلم عنهم كما هو حالهم مع الصحابة. وتحقيق هذا المطلب أن منصب الإمام إصلاح العالم في أمر المعاش والمعاد كما هو شأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالأئمة في زمنهم اشتغلوا في ألهم من بيان ما يحصل به الشفاء من
_________
(1) أورد ذلك ابن المطهر في كتابه منهاج الكرامة بقوله: «إن الإمامية جازمون بحصول النجاة لهم ولأئمتهم قاطعون بذلك وبحصول ضدها لغيرهم وأهل السنة لا يجيزون ولا يجزمون بذلك لا لهم ولا لغيرهم فيكون اتباع أولئك أولى». ونقله عنه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: 3/ 485
(2) وقد رد ابن تيمية في منهاج السنة: 3/ 486 عليه وأوفى. ثم قال: «ففي الجملة لا يدعون علما صحيحا إلا وأهل السنة أحق به وما ادعوه من الجهل فهو نقص وأهل السنة أبعد عنه والقول بكون الرجل المعين من أهل الجنة قد يكون سببه إخبار المعصوم وقد يكون سببه تواطؤ شهادات المؤمنين الذين هم شهداء الله في الأرض». منهاج السنة النبوية: 3/ 497.
(3) رواه الترمذي 5/ 662 عن أبي سعيد الخدري وقال: هذا حديث حسن غريب وابن أبي شيبة 6/ 309 والطبراني في المعجم الصغير 1/ 232 وهو ضعيف بهذا اللفظ، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 269: «هذا حديث لا يصح أما عطية فقد ضعفه أحمد ويحيى وغيرهما وأما ابن عبد القدوس قال يحيى ليس بشيء رافضي خبيث وأما عبد الله بن داهر فقال أحمد ويحيى ليس بشيء ما يكتب منه إنسان فيه خير».
(4) تقدم ضعفه
(1/37)
________________________________________
الأمراض النفسانية ورفع المهلكات، وأحالوا الأحكام الشرعية إلى تلاميذهم وأصحابهم. فتوجهوا إلى إقامة تلك الأحكام، كما توجه الأئمة إلى العبادات والرياضات وتصفية القلوب وتعيين الأذكار وتعليم الأدعية وتهذيب الأخلاق، وإرشادهم إلى المعارف الإلهية بأخذها من كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا نقل عنهم دقائق علم الطريقة وغوامض أسرار الحقيقة، ويشير حديث الثقلين إلى ذلك، لأن كتاب الله تعالى يكفى في تعليم ظاهر الشريعة، ولا حاجة لمن له معرفة بالأصول والفقه في فهم الأحكام الشرعية منه إلى إرشاد إمام، وإنما الحاجة إليه لتعليم الأسرار الإلهية، ولهذا لم نر أحدا منهم صنف كتابا في أصول أو فروع باتفاق الفريقين، بل انتشرت روايات المسائل والأحكام عنهم في أصحابهم وصارت قواعد الاستنباط مهجورة فلابد لها من يجمعها ويحرزها ويمهد قواعد الاجتهاد ومراسمه.
والشيعة وإن كانوا يدعون ظاهرا أتباع الأئمة ولكنهم في الحقيقة يقلدون في المسائل غير المنصوصة عن الأئمة علماءهم ومجتهديهم كابن عقيل (1) والسيد المرتضى والشيخ (2) والشهيد (3) ويأخذون بأقوالهم ولو كانت مخالفة للروايات الصحيحة عن الأئمة كما سيجئ إن شاء الله تعالى من ذلك في المسائل الفقهية.
فإذا جاز عندهم تقليد مجتهديهم فيما يخالف الروايات الثابتة عن الأئمة فأي محذور يلزم أهل السنة في أخذهم بأقوال المذاهب الأربعة والاقتداء بهم مع موافقتهم لما عليه الأئمة من الأصول والقواعد، ولا محذور في المخالفة في بعض الفروع، كما أن محمد بن الحسن (4) وأبا يوسف (5) قد خالفا مقتداهما أبا حنيفة في كثير من المسائل، ومع ذلك فهما من أتباعه، وما قاله ابن الأثير الجزري (6) صاحب (جامع الأصول) أن الإمام على الرضا كان مجددا لمذهب الإمامية في القرن الثالث فمراده أن الإمامية يوصلون إليه مذهبهم المدون في ذلك القرن ويعلمونه مأخذ مذهبهم، كما ان ابن مسعود من الصحابة وعلقمة من التابعين كانا بانيين لمذهب أبي حنيفة، وأن نافعا والزهري من التابعين وابن عمر من الصحابة كانوا بانين لمذهب مالك، مع أن ما ذكره ابن الأثير بناه على زعم الإمامية ومعتقدهم بناء على ما صرح به من أنه
_________
(1) هو أبو محمد الحسن بن علي بن عيسى بن أبي عقيل العماني الحذاء، قال عنه النجاشي: «فقيه متكلم ثقة، له كتب في الفقه والكلام»، وقال عنه العاملي: «هو من قدماء الأصحاب، ويعبر عنه وعن ابن الجنيد بالقديمين، وهما من أهل المائة الرابعة». رجال النجاشي: 1/ 153؛ أعيان الشيعة: 5/ 158.
(2) الشيخ عند الإمامية محمد بن الحسن بن علي، أبو جعفر الطوسي، قال عنه السبكي: «فقيه الشيعة ومصنفهم»، قال ابن المطهر الحلي: «شيخ الإمامية ورئيس الطائفة جليل القدر عظيم المنزلة ثقة عين صدوق عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام ... قال ابن النجار أحرقت كتبه عدة بمحضر من الناس في رحبة جامع النصر واستتر خوفا على نفسه بسبب ما يظهر عنه من انتقاص السلف» توفي سنة 460هـ. رجال النجاشي: 2/ 332؛ الخلاصة: ص 148؛ لسان الميزان: 5/ 135؛ أعيان الشيعة: 9/ 159.
(3) هو أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني، له مصنفات كثيرة، حبس سنة في قلعة الشام، ثم قتل بالسيف وصلب ثم رجم ثم أحرق في دولة السلطان برقوق، بفتوى من العلماء، بسبب مقالاته الشنيعة التي بثها بين الناس، فشهد عليه جماعة وقتل سنة 786هـ، وتسميه الإمامية (الشهيد الأول). أمل الآمل: 1/ 181؛ تنقيح المقال: 3/ 191؛ معجم المؤلفين: 12/ 48.
(4) أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ أبي حنيفة، فقيه مشهور، توفى سنة 189هـ. تاريخ بغداد: 2/ 172؛ لسان الميزان: 5/ 121.
(5) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش الأنصاري، الإمام المجتهد العلامة قاضي القضاة؛ قال ابن معين: «ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث ولا أحفظ ولا أصح رواية من أبي يوسف»، توفي سنة 182هـ. تاريخ بغداد: 14/ 242؛ سير أعلام النبلاء: 8/ 536.
(6) أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، محدث ولغوي وأصولي، ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر سنة 555هـ، وانتقل إلى الموصل، وكان نسابة إخباريا عارفا بالرجال، لا سيما الصحابة، توفي سنة 606 هـ. وفيات الأعيان: 4/ 141؛ السيوطي، طبقات الحفاظ: 2/ 495.
(1/38)
________________________________________
يذكر مجددي كل مذهب على زعم أصحابه ومعتقدهم والله تعالى أعلم.
ومن مكائدهم أنهم يذكرون في كتب التواريخ حكايات موضوعة وخرافات شنيعة مما يؤيد عقائدهم الفاسدة ويروج مذاهبهم الكاسدة. فمن ذلك حكاية حليمة السعدية (1) مرضعة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قالوا: إنها قدمت على الحجاج الثقفي (2) في العراق فقال لها الحجاج: جاء بك الله إلي وقد كنت أردت أن أكلفك بالحضور لأنتقم منك. فسألته حليمة عن السبب، فقال: سمعت أنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر، فأطرقت رأسها ساعة ثم رفعته وقالت: أيها الحجاج، والله إنى لا أفضله على أبي بكر وعمر وحدهما إذ أي كمال وفضل لهما!؟ بل أفضله على آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلاة والسلام. فاشتد إذ ذاك غضب الحجاج وقال: لئن لم تثبتي هذه الدعوى لأقطعنك إربا إربا لتكوني عبرة لمن يعتبر. فقالت حليمة: أصغ إلى مقالتي واسمع دليلي وحجتي. فقال لها الحجاج: فيم تفضلين عليا على آدم وقد خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه وأسكنه الجنة وأمر الملائكة بالسجود له وكرمه بانواع الكرامات؟ فقالت حليمة بما قال الله تعالى {وعصى آدم ربه فغوى} وقد وصف عليا وأثنى عليه في سورة «هل أتى» بقوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله} الآية، ولم يسبقه أحد بالتصديق في الصلاة حيث أعطي الفقير خاتمه وهو فيها. (3)
فقال الحجاج صدقت، فبأي دليل تفضلين عليا على نوح؟ فقالت: لأن زوجة علي فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بضعة خير الخلق أجمعين زوجت تحت سدرة المنتهى بشهادة الملائكة المكرمين وإخبار الروح الأمين، وزوجة نوح كانت كافرة كما نطق به القرآن! فقال الحجاج: بما تفضلين عليا على إبراهيم خليل الرحمن؟ فقالت: إن إبراهيم قال {رب أرني كيف تحيي الموتى. قال أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} وقال علي على رءوس الأشهاد: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا. (4) ثم قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان جالسا وحوله المؤمنون والمنافقون فقال: أيها المؤمنون قد وضع لي المنبر ليلة أسرى بي فجلست عليه وجاء أبي إبراهيم فصعد المنبر وجلس عليه دون درجة
_________
(1) كذا في الأصل، وفي كتب الإمامية: حرة بنت حليمة السعدية. لا ترجمة لها، لكن أمها - إن صح الخبر - حليمة السعدية مرضعة النبي - صلى الله عليه وسلم -. الاستيعاب: 4/ 1812؛ الإصابة: 7/ 584.
(2) وسف بن عمر الثقفي المعروف بالحجاج، كان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، قال عنه الذهبي: «كان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء»، ولي ولاية العراق عشرين سنة لبني أمية، مات سنة 127هـ. وفيات الأعيان: 7/ 101؛ سير أعلام النبلاء: 4/ 343.
(3) إشارة إلى الأثر المروي عن عمار بن ياسر قال: «وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعلمه ذلك، فنزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه». أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: 6/ 218. وأخرجه الطبري عن السدي عن علي - رضي الله عنه - في تفسيره: 6/ 228. وقال ابن كثير عن طرقه: «وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها». التفسير: 2/ 72 واستعرض الطرق ابن تيمية وبين أنها ضعيفة واهية ثم قال: «أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع». منهاج السنة النبوية: 7/ 11 ..
(4) لم يخرجه أحد من أهل السنة بسند معتبر، لكن نسبها أبو نعيم إلى عبد الله بن سهل في الحلية: 10/ 202؛ ونبه القاري إلى ذلك في المصنوع: ص 149؛ أما الشيعة الإمامية فينسبونها إلى علي - رضي الله عنه - فأوردها عنه الرضي في نهج البلاغة (بشرح ابن حديد): 7/ 113، ثم نقلها أمثال المازندراني، في مناقب آل أبي طالب: 1/ 318؛ والخوارزمي، المناقب: ص 376. ومن نقلها من متأخري علماء أهل السنة فإنما نقلوها لشهرتها بين الإمامية، كما فعل السندي في حاشيته على سنن النسائي: 8/ 96.
(1/39)
________________________________________
واحدة من مجلسي، وجاء الأنبياء الآخرون أيضا وسلموا علي، حتى جئ بابن عمى علي ابن أبي طالب راكبا على ناقة من نوق الحنة وفي يده لواء الحمد وكان حوله جماعة وجوههم كالبدر مشرقة منورة فسألتي إبراهيم عن هذا الفتى أهو من النبيين؟ قلت: ما هو نبي بل هو ابن عمي علي بن أبي طالب، فسأل إبراهيم: من هؤلاء القوم الحافون من حوله؟ قلت: أولئك شيعته ومحبوه. فدعا إبراهيم حينئذ: رب أجعلني من شيعة علي، يدلك على ذلك قوله تعالى {وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم} فقال الحجاج: صدقت. فبم تفضلينه على سليمان. فقالت حليمة: إن سليمان طلب من ربه الملك والجاه والدنيا حيث قال {رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} والأمير قد طلق الدنيا حيث قال: إليك عني يا دنيا، طلقتك ثلاثا لا رجعة بعدها، حبلك على غاربك، غري غيري، ولا حاجة لي فيك». (1) قال الحجاج: صدقت، فيم تفضلينه على موسى؟ فقالت: إن موسى قد فر من مصر إلى مدين خوفا من فرعون، قال تعالى {فخرج منها خائفا يترقب} والأمير قد رقد ليلة الهجرة على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقلب مطمئن، ولو كان معه شئ من الخوف لما نام. فقال: صدقت.
ففيم تفضلينه على عيسى؟ فقالت: إن عيسى يحبس يوم الحشر في موقف الحساب فيسأله الله تعالى: هل إنه كان السبب في اتخاذ إله غير الله وعبادة غيره سبحانه ليعتذر حينئذ بما يعتذر؟ يدل على ذلك قوله تعالى {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لى به علم إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} الآية، والأمير لما قالت السبئية إنه إله غضب عليهم وأجلاهم وهددهم حتى اشتهر في مشارق الأرض ومغاربها وأظهر منهم البراءة فقال الحجاج: صدقت. وأمر لها بألف دينار وقرر لها وظيفة في كل سنة. ثم قالت يا حجاج استمع نكتة ولطيفة أخرى. إن مريم لما أخذها المخاض وقد كانت في بيت المقدس أمرها الله تعالى
_________
(1) أخرج الإمام أحمد عن مسلم بن هرمز قال: «أعطى علي الناس في سنة ثلاث عطيات ثم قدم عليه مال من أصبهان فقال: هلموا إلى عطاء الرابع فخذوا، ثم كنس بيت المال وصلى فيه ركعتين وقال: يا دنيا غري غيري، قال: وقدم عليه حبال من أرض فقال: أيش هذا؟ قال: حبال جيء بها من أرض كذا وكذا، قال: أعطوها الناس، قال فأخذ بعضهم وترك بعضهم فنظروا فإذا هو كتان يعمل فبلغ الحبل آخر النهار دراهم». فضائل الصحابة: 1/ 541؛ وأبو نعيم، حلية الأولياء: 1/ 81.
(1/40)
________________________________________
بخروجها عنه إلى الصحراء ووضع حملها تحت جذع النخلة كي لا يتلوث بيت المقدس بنفاسها. ولما أخذ المخاض أمير المؤمنين فاطمة بنت أسد (1) أوحى إليها الله: ادخلي في الكعبة وشرفي بيتي بولادة هذا المولود الشريف. فأنصف الأن، من الأفضل والأشرف من هذين المولودين؟ فدعا الحجاج لحليمة بالخير، وودعها معززة محترمة. (2) انتهت هذه الحكاية المكذوبة والقصة الأعجوبة.
ولا يخفى ما فيها من بطلان حتى على الصبيان، حيث إن حليمة كما لا يخفى على من تصفح كتب التواريخ والسير لم تدرك زمن الخلفاء الراشدين، بل قد اختلف المؤرخون في كونها أدركت زمن البعثة وآمنت بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأيضا إن الحجاج مشهور بسفك الدماء ظلما ولا سيما أهل البيت ومن له تعلق بهم لأنه كان من النواصب المظهرين لعداوة الأمير كرم الله تعالى وجهه وذريته الطاهرين - رضي الله تعالى عنهم -، ولذا قتل كثيرا من علماء أهل السنة بسبب محبتهم لأولئك الكرام، وقد أهان كثيرا من الصحابة الكرام وأهان أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) ولا يتمكن أحد من الحضور لديه من غير أن يطلب حضوره، فعلى فرض أن حليمة أدركت زمنه كيف يمكنها الوصول إليه حتى تشد الرحال للحضور بين يديه؟ ومع ذلك لم ينقل عن أحد رجوع ذلك الظالم عن بغض الأمير الذي يرى ذلك سببا لنيله الجاه الخطير. ثم إنا إذا رجعنا إلى ما نسبوه إلى حليمة من الشبهات، وهاتيك الدلائل الواهيات، وجدناها كسراب بقيعة، لا يخفى ما فيها من الأمور الشنيعة، وذلك من وجوه: أما أولا فلأن تفضيل الأمير على الأنبياء، ولا سيما على أولي العزم خلاف ما عليه العقلاء من سائر ملل الأنام فضلا عن ملة الإسلام، فإن المولى لا يصل إلى مرتبة النبي في كل شريعة من الشرائع، ونصوص الكتاب تنادى على تفضيل الأنبياء على جميع خلق الله. (4)
وأما ثانيا: فإن تلك الاحتجاجات مبنية على ملاحظة مناقب الأمير مع زلات الأنبياء، ولو لوحظت مع كمالاتهم ومناقبهم لخفيت على الناظرين، وغابت عن أعين المبصرين. ويلزم عليهم أن الأمير بل وأبا ذر وعمارا وسلمان وغيرهم من الصحابة الكرام أفضل من النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا نظر ما ورد في حقهم من الآيات المشعرة بمدحهم مع ما ورد من معاتباته - عليه
_________
(1) فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية والدة علي وإخوته، أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة، قال ابن سعد: «كانت امرأة صالحة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزورها ويقيل في بيتها». طبقات ابن سعد: 8/ 222؛ الإصابة: 8/ 60.
(2) أورد الرواية بطولها ابن شاذان فقال: «مما روي عن جماعة ثقات أنه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية .. »، الفضائل: ص 136 - 138؛ البيضاني، الصراط المستقيم: 1/ 230.
(3) روى الأعمش قال: «شكونا الحجاج بن يوسف، فكتب أنس إلى عبد الملك: إني خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين، والله لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه». تهذيب الكمال: 3/ 373؛ سير أعلام النبلاء: 3/ 402.
(4) أما عند الإمامية فعلي - رضي الله عنه - أفضل من جميع الأنبياء، والروايات في ذلك كثيرة، منها ما رواه القمي عن جابر عن أبي عبد الله: «قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء، زهراء؟ فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصار الملائكة، وخرت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي». الإمامة والتبصرة: ص 126.
(1/41)
________________________________________
الصلاة والسلام - في عدة مواضع، ولا يقول ذلك عاقل فضلا عن فاضل. وأما ثالثا فلأن آدم أبو البشر وأصل لنوع الإنسان، فكل ما يحصل لأولاده من الفضائل والأعمال الصالحة فهي عائدة إليه. نعم إن بعض أولي العزم كنبينا ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، فضلوا عليه لخصوصيات أكرمهم الله تعالى بها ذكرها سبحانه في كتابه العزيز وخطابه الوجيز. وأما رابعا فلأن الأزواج لا دخل لهن في المفاضلة، لأن الأمور العارضة لا دخل لها في الفضل الذاتي والكمال الحقيقي، وإنما المناط الأمور الذاتية والصفات الحقيقية، فتفضيل زوجة علي كرم الله تعالى وجهه على زوجة نوح - عليه الصلاة والسلام - غير مستلزم لتفضيل علي عليه. ألا ترى أن زوجة فرعون كانت أفضل من زوجة نوح ولوط، وكذا زوجة الأمير أفضل من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا قائل بالتفضيل. وأما خامسا فلأن حديث «لو كشف لي الغطاء ما أزددت يقينا» موضوع لا أصل له في كتب الحديث الصحيحة عند الفريقين. وعلى فرض تسليم صحته فهو غير مفيد للتفضيل أيضا لأن معناه: لو رفعت الأحجبة وسبحات الجلال عن وجه الواجب جل شأنه لا أزداد على اليقين الحاصل لي بوجوده وصفاته الكاملة بملاحظة الآيات على وحدانيته وكمال قدرته وإحاطة علمه. والخليل - عليه السلام - كان أعلى كعبا من الأمير في ذلك. وفي تفسير هذه الآية عدة أجوبة عن ذلك، ولا سيما في تفسير العلامة الجد عليه الرحمة عند الكلام على هذه الآية، فراجعه. (1)
وأما سادسا: فلأن عروج الأمير غير ثابت في كتبهم الصحيحة، بل الثابت خلافه، فقد روى ابن بابويه القمي (2) في كتاب (المعراج) (3) في ضمن حديث طويل عن أبي ذر أن ملائكة السماء قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا رجعت إلى الأرض فأقرأ على علي منا السلام. (4) وقال أيضا في الكتاب المذكور: والصحيح أن أمير المؤمنين ما كان ليلة المعراج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بل كان في الأرض، ولكن ارتفعت الأحجبة عن بصره فرأى وهو في الأرض ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في السماء. (5)
وأما سابعا: فلأن الأمير كان يعلم أنه صبي، وعداوة الكفار له ليست بالذات فلا طمع لهم في قتله ومع ذلك فقد أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الكفار لن يضروه، (6) فزيادة إيمانه بذلك القول كانت
_________
(1) قال الآلوسي الجد: «إن السؤال لم يكن عن شك في أمر ديني والعياذ بالله، ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء ليحيط علما بها، وكيفية الإحياء لا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها، فالخليل - عليه السلام - طلب علم ما لا يتوقف الإيمان على علمه، ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة كيف وموضوعها السؤال عن الحال، ونظير هذا أن يقول القائل كيف يحكم زيد في الناس فهو لا يشك أنه يحكم فيهم ولكنه سأل عن كيفية حكمه المعلوم ثبوته». روح المعاني: 3/ 26.
(2) محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، أبو جعفر نزيل الري، قال عنه النجاشي: «شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان»، وقال عنه الذهبي: «رأس الإمامية ... صاحب التصانيف السائرة بين الرافضة، يقال له ثلاث مائة مصنف»، مات سنة 381هـ. رجال النجاشي: 2/ 311؛ سير أعلام النبلاء: 16/ 303؛ فهرست الطوسي: ص 93.
(3) ذكره صاحب الذريعة: 21/ 236.
(4) أوردها فرات القمي في تفسيره: ص 372؛ الحسيني، تأويل الآيات الظاهرة: ص 831؛ المجلسي، بحار الأنوار: 17/ 101.
(5) وإن اختلف الإمامية في ذلك، ففي رواية نسبها الطوسي لأبي بريدة الأسلمي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أتاني جبريل فأسري بي إلى السماء، فقال: أين أخوك؟ قلت: ودعته خلفي، قال: ادع الله أن يأتيك به، فدعوت الله فإذا أنت معي، وكشط لي عن السماوات السبع والأرضين السبع حتى رأيت سكانها وعمارها وموضع كل ملك منها، فلم أر ما هنالك». الأمالي: ص 641. وأخرجها القطب الراوندي في الخرائج والجرائح: 2/ 866.
(6) روى ابن إسحاق في سيرته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي بن أبي طالب عندما أوصاه بالنوم في فراشه: «نمْ على فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم». السيرة النبوية: 3/ 8.
(1/42)
________________________________________
سببا لأطمئنانه، بخلاف موسى فإنه ما كان له شئ من ذلك، بل كان الغالب على ظنه حسب العادة أن فرعون يقتله بدل القبطي إذا رآه، وأنه أحس بمشاورة رؤساء القبط على قتله بإخبار العدول ولم يوح إليه ما يزيل خوفه، ولما تكفل له جل شأنه من مكر فرعون ذهب إليه وقال ما قال مما تعجز عنه الأبطال، وأقام مع ذلك الكافر أربعين عاما في بلدة واحدة. أما ثامنا: فلأن سليمان - عليه السلام - كما صرح به المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء والأئمة) (1) إنما طلب ذلك الملك ليكون معجزة على نبوته، وشرط المعجزة أن لا يكون للغير قدرة عليها، ولأنه يمكن أن يكون الله تعالى قد أخبره بأن حصول ذلك الملك له يكون أصلح في الدين بكثرة الطاعات والمبرات وفعل الخيرات، وإذا كان الأمر كذلك فلا منقصة ولا محذور على سليمان - عليه السلام -، ولا مزية عليه للأمير في تطليقه الدنيا. على أن طلب على أن طلب الملك لا ينافي التطليق ألا ترى إلى الأمير كرم الله وجهه أنه طلب الخلافة بعد ذلك وسعى لها سعيها حتى وقعت حروب كثيرة بسبب ذلك لأن مثل هؤلاء الرجال إنما يطلبون المال والملك للجهاد في الدين وقتال أعدائه سبحانه وقصد استئصالهم وترويج أحكام الشريعة، فإن ترك الدنيا مطلقا ليس بمحمود في الدين المحمدي ولو كان على إطلاقه موجبا للتفضيل يلزم أن يكون الرهبان وأمثالهم أفضل من سليمان ويوسف عليهما السلام معاذ الله تعالى من ذلك.
وأما تاسعا فلأن تعزير الأمير للغالين في محبته لا يوجب تفضيله على عيسى - عليه السلام - لأن المغالين في محبة الأمير كرم الله تعالى وجهه قد أظهروا الكفر والفسوق بمرأى منه ومسمع فتمكن من الانتقام منهم فعمل ما عمل به، وغلاة عيسى - عليه السلام - الذين كانوا قائلين بالتثليث ظهروا بعد أن رفع إلى السماء ولا إشكال في قوله تعالى {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} لأنه - عليه السلام - قد رد عليهم ما زعموه ووبخهم غاية التوبيخ على ما اعتقدوه، ومن أين لهم أن عيسى - عليه السلام - يُسأل والأمير كرم الله تعالى وجهه لا يسأل وقد قال تعالى {ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول
_________
(1) قال فيه: «وهو أن يكون - عليه السلام - إنما التمس أن يكون ملكه آية لنبوته ليتبين بها عن غيره ممن ليس نبيا». تنزيه الأنبياء: ص 140.
(1/43)
________________________________________
أأنتم أضللتم عبادي أم هم ضلوا السبيل} فيجيبون الله تعالى على ما يدل عليه قوله سبحانه: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء} ولا يلحقهم نقص من ذلك السؤال إذ القصد تبكيت الكفرة وإلزام أهل الضلال. وقد سأل سبحانه الملائكة مثل ذلك مع أنهم معصومون ليسوا بمحل للعتاب، قال تعالى {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}. وأما عاشرا فلأن ما ذكر في ولادة عيسى غلط محض وكذب صريح لأن الأصح أن مولده بيت لحم وفلسطين وقيل مصر وقيل دمشق ولم يقل أحد المؤرخين إن مريم قد جاءها المخاض في المسجد الأقصى ولئن سلم ذلك فمن أين علم أنها أخرجت بالوحي؟ بل إنها لما حملت بعيسى - عليه السلام - من غير أب كرهت إظهار الولادة منفردة ولذا تمنت الموت كما قال تعالى: {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} وأما القول بأنه قد أوحي إلى فاطمة بنت أسد بأن تضع في الكعبة فقول يضحك الثكلى وتضع منه الحبلى، والصحيح في ذلك أن عادة الجاهلية أن يفتح باب الكعبة في البوم الخامس عشر من رجب ويدخلون جميعهم للزيارة وكانت العادة أن النساء يدخلن قبل الرجال بيوم أو يومين وقد كانت فاطمة قريبة الوضع فاتفق أن ولدت هناك لما أصابها من شدة المزاحمة والمجاذبة وقد ورد في كتب الشيعة أن أبا طالب لما يئس من ولادتها لما زادت المدة المعلومة لما عراها من المرض أدخلها الكعبة للاستشفاء فرحمها الله تعالى بالولادة فيها ورووا عن زين العابدين أنه قال: أخبرتني زيدة بنت عجلان الساعدية عن أم عمارة بنت عباد الساعدية أنها قالت: كنت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيبا فقلت له: ما شأنك؟ قال إن فاطمة بنت أسد في شدة من الطلق وإنها لا تضع ثم إنه أخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة فدخل بها وقال: اجلسي على اسم الله فجلست وطلقت طلقة فولدت غلاما نظيفا فسماه أبو طالب عليا. (1) انتهى.
على أن ولادة الأمير في الكعبة لو أوجبت تفضيله على عيسى - عليه السلام - لأوجبت تفضيله على النبي - صلى الله عليه وسلم -
_________
(1) أخرجها عن العمدة، المجلسي، بحار الأنوار: 35/ 30.
(1/44)
________________________________________
ولا قائل بذلك من الفريقين ولأوجبت تفضيل حكيم بن حزام بن خويلد (1) ابن أخي أم المؤمنين خديجة - رضي الله تعالى عنها - على سائر الأنبياء إذ قد ولد في الكعبة أيضا. (2) وبطلان ذلك غير خفي على أحد والله يبدي الحق ويهدي إلى سواء السبيل.
ومن مكائدهم أنهم يقولون: أهل السنة رووا في كتبهم الصحيحة ما يزري بشأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من تركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الغيرة حيث يروون عن عائشة أنها قالت «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون بالدرق والحراب يوم العيد». (3) فإن في هذه الرواية إراءة اللعب وتقرير الحبشة عليها في المسجد ونظر زوجة الرسول إلى غير المحارم وأن أهل السنة يروون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «أتعجبون من غيرة سعد وأنا أغير منه والله أغير مني» (4) وأدنى الناس لا يرضى برؤية زوجته إلى الأجانب ونظرها إلى لعبهم ولهوهم فضلا عن سيد الكونين - صلى الله عليه وسلم -.
والجواب أن هذه القصة وقعت قبل نزول آية الحجاب، وكان النساء من أمهات المؤمنين وغيرهن يخرجن إذ ذاك بلا حجاب ويخدمن الأزواج ولو بحضور الأجانب باتفاق الفريقين حتى روي أن فاطمة - رضي الله تعالى عنها - كانت تغسل الجراح التي أصابته - عليه الصلاة والسلام - في غزوة أحد بمحضر سهل وجماعة من الصحابة والشيء قبل تحريمه لا يكون فعله موجبا للطعن فقد صح عند الفريقين أن سيد الشهداء حمزة وأبا طلحة الأنصاري وجماعة من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - شربوا الخمر قبل تحريمها وسكروا ووقع بينهم ما وقع ورآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تلك الحالة وسكت ولم ينكر عليهم. وأيضا أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - إذ ذاك صبية غير مكلفة فلو نظر مثلها إلى لهو فأي محذور؟ ولا سيما إذا كانت متسترة وأيضا أن لهو الحبشة ولعبهم كان لتعلم الحرب والقتال حتى روي أن الملائكة يحضرون مثل هذا اللعب فالنظر إليه ليس بحرام. وأما ما نقل من زجر عمر بن الخطاب الحبشة عن ذلك لما ظن أن فعل ذلك بحضور النبي - عليه الصلاة والسلام - من سوء الأدب ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - له «دعهم يا عمر» امتنع عن الإنكار. والعجب من الشيعة أنهم يعدون أمثال ذلك من قلة الغيرة والعياذ بالله تعالى
_________
(1) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي، تأخر إسلامه حتى الفتح، شهد حنينا وأعطي من غنائمها، وكان من العلماء بأنساب قريش وأخبارها، مات سنة 50هـ. الاستيعاب: 1/ 362؛ الإصابة: 2/ 112.
(2) عن الزبير بن بكار كما في الإصابة: 2/ 112.
(3) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «إن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي - صلى الله عليه وسلم - متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وجهه، فقال: يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منى وقالت عائشة: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسترني، وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعهم أمنا بني أرفدة يعني من الأمن». متفق عليه.
(4) قال سعد بن عبادة: «لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته مصفح فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أتعجبون من ... ». الحديث فذكره، متفق عليه.
(1/45)
________________________________________
وهم يرون عن الأئمة المعصومين وأهل البيت الطاهرين حكايات تقشعر منها جلود المؤمنين وتمجها أسماع المسلمين فقد ثبت في كتبهم الصحيحة أن أبا عبد الله - عليه السلام - قال لأصحابه وشيعته: «إن خدمة جوارينا لنا، وفروجهن لكم حلال» وذكر مقداد (1) صاحب كنز العرفان (2) الذي هو أجل المفسرين عندهم في تفسير قوله تعالى {هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} أن لوطا النبي - عليه السلام - أراد بذلك الإتيان من غير الطريق المعهود بين الناس. (3) فيا ويلهم من هذا الافتراء وسحقا لهم بسبب هذه المقالة الشنعاء.
ومن مكائدهم أنهم يقولون: إن أهل السنة يجوزون اللعب بالشطرنج مع أن كل لعب ولهو مذموم في الشرع. (4)
الجواب أن الأئمة الثلاثة أعني أبا حنيفة (5) ومالكا (6) وأحمد (7) كلهم قائلون بحرمته مطلقا ويروون آثارا على حرمته. وللإمام الشافعي فيه قولان: قول أنه مكروه بشرط أن لا يؤخر الصلاة عن الوقت المستحب ولا تترك السنن والآداب لأجله وأن لا يكون اللعب على شيء وأن لا يفوت ما يجب من خدمة الوالدين وتفقد أحوال العيال وعيادة المرضى واتباع الجنائز وأن لا يقع في اللعب نزاع وجدال وأيمان كاذبة وأن لا يكون ما يلعب به مصورا بصور الحيوانات فإن فقد شيء من هذه الشروط فهو حرام قطعا فمن أصر على فعله مع حرمته فقد ارتكب الكبيرة. (8) والقول الثاني أنه حرام كما عليه الجمهور وقد صح عن الشافعي أن رجع كما نص عليه الغزالي (9) ولكن في شروح المنهاج (10) وفتح الوهاب (11) والأنوار (12) وفتح المعين (13) وغيرهما الفتوى على القول الأولى من كونه مكروها بالشروط وحراما بفقد شرط منها. على أن لو سلمنا أن أهل السنة يجوزون اللعب به فهو من القسم المباح، إذ فيه تشحيذ الذهن، وتعليم بمخادعات الحرب وطرق الاحتراز عن مكائد الأعداء، فحكمه حكم الملاعب المباحة كالمسابقة بالخيل ورمي السهام، ونحو ذلك. والله أعلم.
ومن مكائدهم أنهم يقولون إن أهل السنة يجوزون التغني، مع أنه قد ورد النهي عنه في أحاديث كثيرة.
والجواب أن هذا محض أفتراء، وكلام أشبه شئ بالهراء. فإن الغناء عند جميع أهل السنة حرام، قال سيد الطائفة جنيد البغدادي قدس سره: إنه بطالة.
_________
(1) هو المقداد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد السيوري، أبو عبد الله الحلي، من تلامذة المقتول الأول محمد بن مكي، مات سنة 826هـ. روضات الجنات: ص 127؛ تنقيح المقال: 3/ 345؛ معجم المؤلفين: 12/ 418.
(2) سماها صاحب الذريعة (كنز العرفان في فقه القرآن). الذريعة: 18/ 158.
(3) وعمدة المقداد ما نسب الإمامية إلى الأئمة، فقد روى الطوسي والعياشي عن الرضا - عليه السلام -: «أنه سئل عن إتيان الرجل المرأة في خلفها؟ قال: أحلته آية من كتاب الله قول لوط هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، وقد علم أنهم لا يريدون الفرج». تفسير العياشي: 2/ 157؛ تهذيب الأحكام: 7/ 414.
(4) من اختراعات ابن المطهر الحلي في كتابه نهج الحق: ص 568 - 569.
(5) نقل ذلك ابن نجيم في البحر الرائق: 8/ 215؛ الدر المختار: 6/ 394.
(6) ينظر الثمر الداني: ص 715؛ التاج والإكليل: 6/ 152.
(7) ينظر المغني: 10/ 171؛ المبدع: 10/ 231.
(8) ينظر روضة الطالبين: 3/ 352؛ مغني المحتاج: 4/ 428.
(9) إحياء علوم الدين: 3/ 274.
(10) المنهاج هو (منهاج الطالبين) للنووي
(11) كتاب (فتح المعين بشرح قرة العين) في فقه الشافعية، من تصنيف زين الدين بن عبد العزيز المليباري
(12) كتاب (الأنوار لعمل الأبرار) في فقه الشافعية، تصنيف جمال الدين يوسف بن إبراهيم الأردبيلي الشافعي (ت 799هـ). كشف الظنون: 1/ 195.
(13) كتاب فتح الوهاب بشرح منهاج الطلاب، في فقه الشافعية، تصنيف زكريا بن محمد الأنصاري (ت 926هـ)،
(1/46)
________________________________________
وقال الشيخ المرزوقي الفاسي: السماع حرام كالميتة، اللهم إلا إذا كان فيه تشويق إلى العبادة وترغيب إلى الطاعة وترهيب عن النيران وعذاب الله تعالى فهو جائز عند البعض. وإن أردت تحقيق الحق في هذا المقام فارجع إلى (روح المعاني) تفسير جدنا روّح الله تعالى روحه عند الكلام على قوله تعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا أنفضوا إليها} الآية. فإنك ترى فيه ما يروى الغليل ويشفي العليل. (1) على أن الشيخ المقتول من الشيعة ذكر في كتاب (الدروس) أنه يجوز الغناء بشروطه في العرس، وتلك الشروط هي أن يكون المسمع أمرأة، وأن يكون شعرا في الهجاء. كذا في شرح القواعد). وهذا مما يقضى منه العجب ويزيد الطرب، وقد طعنوا أنفسهم وأصابهم سهمهم، وكفى الله المؤمنين والحمد لله سبحانه في كل حين.
ومكائدهم لا تحصى ولا تعد، ولا ترسم ولا تحد. والذى ذكرناه عشر من معشار وقطرة من بحار. وقد تركت كثيرا مما ذكر في أصل الكتاب، استغناء بذكر ذلك في بقية الأبواب.
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
مختصر التحفة الاثني عشرية
الباب الثاني في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك في بيان أقسام أخبار الشيعة وأحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم وما يتبع ذلك
في ذكر أقسام أخبارهم
أما أقسام (أخبارهم) فاعلم أن أصولها عندهم أربعة: صحيح وحسن وموثق وضعيف.
أما (الصحيح) فكل ما اتصل رواته بالمعصوم بواسطة عدل إمامي، (2) وعلى هذا فلا يكون المرسل والمنقطع داخلا في الصحيح لعدم اتصالهما وهو ظاهر، مع إنهم يطلقون عليها لفظ الصحيح، كما قالوا: روى ابن عمير (3) في الصحيح كذا وكذا. ولا يعتبرون «العدالة» في إطلاق الصحيح، فإنهم يقولون: رواية مجهول الحال (4) صحيحة كالحسين بن الحسن بن أبان (5) فإنه مجهول الحال نص عليه الحلي في (المنتهى) (6) مع أنها مأخوذة في تعريفه. وكذا
_________
(1) ينظر إغاثة اللهفان لابن القيم: ص 227.
(2) هذا تعريف الإمامية. قال العاملي: «الحديث الصحيح: هو ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الضابط عن مثله في جميع الطبقات». الدراية: ص 19.
(3) هو محمد بن أبي عمير زياد بن عيسى، أبو أحمد الأزدي قال عنه النجاشي: «لقي أبا الحسن موسى - عليه السلام -، وسمع منه أحاديث كناه فقال: يا أبا أحمد، وروى عن الرضا - عليه السلام -، جليل القدر عظيم المنزلة فينا، وعند المخالفين» يعني أهل السنة. ذكره ابن حجر وقال عنه: مجهول، وقد حبسه الرشيد ثم المأمون فادعى الإمامية: «أن أخته دفنت كتبه في حالة استتارها، وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب، وقيل بل تركتها في غرفةٍ فسال عليها المطر فهلكت فحدث من حفظه، ومما كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله»، مات ابن أبي عمير سنة 217هـ. رجال النجاشي: 2/ 204؛ تنقيح المقال: 4/ 113؛ الذريعة: 1/ 283؛ لسان الميزان: 5/ 331.
(4) مجهول الحال أو المستور عند أهل المصطلح: من روى عنه اثنان فأكثر، ولكنه لم يوثق. المنهل الروي: ص 66؛ تدريب الراوي: 1/ 316.
(5) ذكره الطوسي في رجاله: (ص 430)، ولم تثبت روايته عن أي من الأئمة في كتب الإمامية، وصنفه ابن داود ضمن قسم الموثقين من كتابه (ص 17)، واعترض عليه بأنه غير مذكور بمدح ولا قدح، لكن البهائي برر وجوده وغيره من المجهولين في كتب الإمامية فقال: «قد يدخل في أسانيد بعض الأحاديث من ليس له ذكر في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح، غير أن أعاظم علمائنا المتقدمين قد اعتنوا بشأنه وأكثروا الرواية عنه، وأعيان مشائخنا المتأخرين قد حكموا بصحة روايات هو في سندها والظاهر أن هذا القدر كافٍ في حصول الظن بعدالته»، وهكذا خرّج الإمامية لكثير من المجاهيل، لأن روايتهم في كتبهم كثيرة! رغم اعتراف المتقدمين أن الحسين بن الحسن بن أبان لم يلقَ أحدا من الأئمة المعصومين عندهم. أعيان الشيعة: 5/ 469.
(6) كتاب (منتهى المطلب في تحقيق المذهب) لابن المطهر الحلي (ت 726هـ)، قال الطهراني: ذكر فيه مذاهب جميع المسلمين في الأحكام وحججهم عليها والرد على غير ما يختاره، وهو مطبوع في مجلدين. الذريعة: 23/ 11.
(1/47)
________________________________________
لا يعتبر عندهم كون الراوي إماميا في إطلاق الصحيح فقد أهملوا قيود التعريف كلها.
وأيضا قد حكموا بصحة حديث من دعا عليه المعصوم بقول أخزاه الله وقاتله الله، (1) أو لعنه (2) أو حكم بفساد عقيدته أو أظهر البراءة منه. (3) وحكموا أيضا بصحة روايات المشبهة والمجسمة ومن جوز البداء عليه تعالى، (4) مع أن هذه الأمور كلها مكفرة، ورواية الكافر غير مقبولة فضلا عن صحتها، فالعدالة غير معتبرة عندهم وإن ذكروها في تعريف الصحيح، لأن الكافر لا يكون عدلا البتة.
وحكموا أيضا بصحة الحديث الذي وجدوه في الرقاع (5) التى أظهرها ابن بابويه (6) مدعيا أنها من الأئمة. ورووا عن الخطوط التي يزعمون أنها خطوط الأئمة ويرجحون هذا النوع على الروايات الصحيحة الإسناد عندهم. هذا حال حديثهم الصحيح الذي هو أقوى الأقسام الأخرى وأعلاها. (7)
وأما (الحسن) فهو عندهم «ما اتصل رواته بواسطة إمامي ممدوح من غير نص
_________
(1) من هؤلاء هشام بن الحكم، وهو من مشاهير رواتهم. روى الطبرسي عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني قال: «قلت لأبي إبراهيم - عليه السلام -: إن هشام بن الحكم زعم أن الله تعالى جسم ليس كمثله شئ، عالم سميع بصير قادر متكلم ناطق والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد، ليس شئ منها مخلوقا. فقال: قاتله الله أما علم أن الجسم محدود؟ والكلام غير المتكلم؟ معاذ الله وأبرء إلى الله من هذا القول. لا جسم، ولا صورة، ولا تحديد، وكل شئ سواه مخلوق ... » الاحتجاج: ص 385.
(2) كحال زرارة بن أعين الذي كذبه ولعنه الصادق وفق الروايات في كتب الشيعة الإمامية. روى الكشي عن زياد بن أبي الحلال قال: «قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا فقبلناه منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك، فقال: هاته، فقلت: زعم أنه سألك عن قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} فقلت: من ملك زادا وراحلة، فقال: كل من ملك زادا وراحلة فهو مستطيع، وإن لم يحج، فقلت: نعم، فقال: ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت، كذب والله كذب علي، لعن الله زرارة لعن الله زرارة، إنما قال لي من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع قلت: وقد وجب عليه فهو مستطيع ... » رجال الكشي: ص 133؛ المجلسي، بحار الأنوار: 45/ 71. فهؤلاء ثقات الرواة الذين أخذ عنهم الإمامية دينهم، كانوا يكذبون على الأئمة في حياتهم ويقولون عنهم ما لم يقولوا
(3) مثال ذلك براءة موسى الكاظم من محمد بن بشير الكوفي، فقد روى الكشي عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا الحسن موسى - عليه السلام - يقول: «لعن الله محمد بن بشير وأذاقه حر الحديد، إنه يكذب علي، برأ الله منه وبرئت إلى الله منه، اللهم إني أبرأ إليك مما يدعي فيّ ابن بشير ... ». رجال الكشي: ص 482. لكن محمد بن بشير هذا ذكره النجاشي وقال عنه ثقة في رجال النجاشي: 2/ 236.
(4) لأنهم أخذوا رواياتهم عن عدد من أصحاب تلك المقالات، فقد رووا عن شيطان الطاق وهشام بن سالم الجواليقي ومن تقدم ذكرهم.
(5) ويسمونها (التوقيعات المقدسة) وهي كتب ادعوا أنها بخط الإمام المنتظر، وأول من أظهرها في مصنف مستقل عبد الله بن جعفر بن مالك القمي وهو من شيوخهم الوجهاء، مات بعد 300هـ. رجال النجاشي: 2/ 18؛ الذريعة: 4/ 501.
(6) كذا. والظاهر أنه يعني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، أبا الحسن، قال عنه النجاشي: «شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم»، ويعد من أصحاب التوقيعات الواردة من قبل (صاحب الزمان) إلى الشيعة، وهو آخرهم، مات في سنة 328 أو 329هـ. رجال النجاشي: 2/ 89. فوفاته هي نفسها التي ذكرها الآلوسي، وهو آخر أصحاب (التوقيعات) عندهم.
(7) يشير الآلوسي إلى ترجيحات ابن بابويه القمي لهذه الرقع على أصح كتاب عنهم وهو الكافي للكليني، حيث قال ابن بابويه بعد أن أورد رواية من كتاب الكافي عن الصادق في باب (الرجل يوصي إلى رجلين) [الكافي: 7/ 47]: «لست أفتي بهذا الحديث، بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي [الغائب المنتظر]، فلو صح الخبران لكان الواجب الأخذ بقول الأخير». من لا يحضره الفقيه: 4/ 203 وهو قول علمائهم، فوافقوا ابن بابويه في مذهبه بترك روايات الكليني إذا تعارضت مع الرقع، قال الخراساني: «إن ابن بابويه كثيرا ما يطرح الروايات المذكورة في الكافي اعتمادا على التوقيعات المقدسة ... وطرح الشيخ الطوسي لأحاديث الفقيه والكافي، وكذا السيد المرتضى وغيرهما أكثر من أن يحصى». الوافية في أصول الفقه: ص 268.
(1/48)
________________________________________
على عدالته» (1) وعلى هذا فلا يكون المرسل والمنقطع داخلين في تعريف الحسن أيضا، مع أن إطلاقه عليهما شائع عندهم حيث صرح فقهاؤهم بأن رواية زرارة (2) في مفسد الحج إذا قضاه في عام آخر حسن، مع أنها منقطعة. ويطلقون لفظ الحسن على غير الممدوح (3) حيث قال ابن المطهر الحلي: «طريق الفقيه إلى منذر بن جيفر حسن» (4) مع أنه لم يمدحه أحد من هذه الفرقة.
وأما (الموثق) ويقال له «القوي» أيضا فكل ما دخل في طريقة من نص الأصحاب على توثيقه، مع فساد عقيدته وسلامة باقي الطريق عن الضعف. (5) مع أنهم أطلقوا الموثق أيضا على طريق الضعيف، كالخبر الذي رواه السكوني (6) عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين. (7) وكذا أطلقوا القوي على رواية نوح بن دراج (8) وناجية بن أبي عمارة الصيداوي (9) وأحمد بن عبد الله جعفر الحميري (10)
مع أنهم إمامية ولكنهم ليسوا بممدوحين ولا مذمومين.
أما (الضعيف) فكل ما اشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه أو مجهول الحال. (11)
واعلم أن العمل بالصحيح واجب عندهم اتفاقا، مع أنهم يروون بعض الأخبار الصحيحة ولا يعملون بموجبها، كما روى زرارة عن أبي جعفر قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «أطعموا الجدة السدس ولم يفرض الله لها شيئا» (12) وهذا خبر موثق. وروى سعد بن أبي خلف (13) عن أبي الحسن الكاظم - عليه السلام - قال: سألته عن بنات الابن والجدة فقال «للجدة السدس، والباقي لبنات الابن» (14) وهذا خبر صحيح عندهم، فهم يقولون ما لا يفعلون.
ثم اعلم أن أكثر علماء الشيعة كانوا يعملون سابقا بروايات أصحابهم بدون تحقيق وتفتيش، ولم يكن فيهم من يميز رجال الإسناد ولا من ألف كتابا في الحرج والتعديل، حتى صنف الكشي سنة أربعمائة تقريبا كتابا في أسماء الرجال وأحوال الرواة، وكان مختصرا جدا لم يزد الناظر فيه إلا تحيرا، لأنه أورد فيه أخبارا متعارضة في الحرج والتعديل ولم يمكنه ترجيح أحدها على الآخر. ثم تكلم الغضائري (15) في الضعفاء والنجاشي (16) وأبو جعفر الطوسي في الحرج وصنفوا فيه كتبا طويلة، ولكن أهملوا فيها توجيه التعارض بالمدح والقدح ولم يتيسر لهم ترجيح أحد الطرفين، ولهذا منع صاحب (الدراية) (17) تقليدهم في
_________
(1) ابن بابويه، معالم الدين: ص 215؛ الحر العاملي، الدراية: ص 21.
(2) زرارة بن أعين الكوفي، كان يقول بإمامة عبد الله بن جعفر، مات سنة 148هـ. الفرق بين الفرق: ص 52؛ منهاج السنة النبوية: 2/ 235؛ لسان الميزان: 2/ 473. وعده الكشي من أصحاب الإجماع الذين اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وشهدوا لهم بالعلم وبأنه أفقههم. رجال الكشي: ص 151؛ أعيان الشيعة: 7/ 47.
(3) الحسن عندهم كما عرفه الداماد: «هو ما اتصل سنده إلى المعصوم - عليه السلام - بإمامي ممدوح بلا معارضة ذمّ مقبول، من غير نصّ على عدالته في جميع مراتبه أو بعضها مع كون الباقي بصفة رجال الصحيح ... يطلق الحسن أيضا على ما لو كانت رواته متّصفين بوصف الحسن إلى واحد معيّن ثمّ يصير بعد ذلك ضعيفا أو مقطوعا أو مرسلا». الرواشح السماوية: ص 41؛ الوجيزة: ص 5. والتعريف واضح التناقض ..
(4) هو منذر بن جيفر العبدي، قال الخوئي: «إن المنذر بن جيفر لم يرد فيه توثيق ولا مدح ... »، ثم نقل عن الوحيد قوله «روى عنه الأجلة كصفوان وابن مغيرة، وأحمد بن عيسى». ورواية هؤلاء عنه لا يدل على عدالة ابن جيفر، وهذا ما أقر به الخوئي. معجم رجال الحديث: 19/ 361. ورغم ذلك فقد تلقى الإمامية رواية ابن جيفر بالقبول فذكره ابن داود في قسم الموثقين من كتابه: ص 320.
(5) عرفه الإمامية بقول العاملي: «الموثق: هو ما دخل في طريقه من ليس بإمامي، ولكنه منصوص على توثيقه بين الأصحاب». معالم الدين: ص 216.
(6) هو إسماعيل بن أبي زياد الشهيري (السكوني)، قال النجاشي له كتاب، وروايته عند الإمامية عن الصادق، وقد جرحه ابن المطهر الحلي في خلاصته وقال: «كان عاميا»: ص 199؛ وينظر رجال النجاشي: 1/ 109؛ تنقيح المقال: 1/ 127. وترجم له أهل السنة قال ابن حجر: «سكن خراسان، قال يحيى بن معين: كذاب، وقال أبو حاتم: مجهول ... وقال الأزدي: كذاب خبيث». لسان الميزان: 1/ 407؛ وينظر ميزان الاعتدال: 1/ 387. وليس من الشيعة، بل تركوا حديثه لكذبه، وأقر الحلي بأنه كان عاميا أي من أهل السنة. لكن لأنه مجروح من قبل أهل السنة فهذا الأمر يكفي لتوثيقه عند الإمامية، قال محمد جواد النائيني في تعليقه على ترجمة هذا الرجل في رجال النجاشي: «ذكره الذهبي وغيره من العامة [أهل السنة] وطعنوا فيه مما يكشف عن كونه من أصحابنا الإمامية!!». رجال النجاشي: 1/ 109. فهنيئا لهم به!.
(7) روى السكوني عن أبي عبد الله قال: «قال أمير المؤمنين بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا علي لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه، وايم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ذلك ولاءه يا علي». أخرجها الكليني، الكافي: 5/ 28؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 6/ 141. فهذه الرواية تنطبق عليها شروط الموثق، لكن لم يعملوا بها، وعملوا بمن هو دونها.
(8) هو نوح بن دراج النخعي مولاهم أبو محمد الكوفي القاضي، قال العجلي ضعيف الحديث، وقال الجوزفاني زائغ، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف متروك الحديث، وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات. ميزان الاعتدال: 7/ 52؛ تهذيب التهذيب: 10/ 430. وعند الإمامية هو من أصحاب الصادق، وقال عنه النجاشي: «كان صحيح الاعتقاد» (رجال النجاشي: 1/ 255)، واختلف الشيعة في كونه منهم أو من غيرهم، فوثقه ابن داود فذكره في القسم الأول، لكن قال عندي فيه توقف (رقم 5451)، وعده الطوسي من العامة [أهل السنة] (عدة الأصول: ص 379) في حين قال الخوئي: «إن الرجل شيعي صحيح الاعتقاد». معجم رجال الحديث: 20/ 198.
(9) ويسمى نجية، وهو عندهم من أصحاب الباقر أو الصادق، ذكره ابن داود في القسم الأول من خلاصته (رقم 1595) وقال عنه ليس بمعروف الحال، وتبعه ابن المطهر في خلاصته: (ص 176). لذا أقر الخوئي بأن عمارة هذا مجهول الحال. معجم رجال الحديث: 20/ 129.
(10) هو أحمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري، روى عن أبيه .. رجال النجاشي: 2/ 253، وذكره ابن داود في القسم الأول من كتابه (رقم 87) وتبعه ابن المطهر الحلي في خلاصته (رقم 38)، ولم يصرحا في كتابيهما بأي توثيق، ولذا قال الخوئي: «إن التصحيح الصادر من العلماء لا يثبت به الحسن فضلا عن الوثاقة»!. معجم رجال الحديث: 2/ 147.
(11) تعريفه عندهم: «هو ما لا يستجمع شروط الصحيح والحسن والموثّق والقوي بجرح جميع سلسلة سنده بالجوارح أو بالعقيدة مع عدم مدحه بالجوارح أو بهما معا أو جرح البعض بأحدهما أو بهما أو جرح البعض بأحد الأمرين وجرح البعض الآخر بالأمر الآخر أو بهما أو مع جرح بعض بالأمر الآخر وبعض آخر بهما معا». الداماد، الرواشح السماوية: ص 43؛ بهاء الدين العاملي، الوجيزة: ص 5.
(12) أخرجه الكليني، الكافي: 7/ 114؛ ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 4/ 282؛ الطوسي، تهذيب الحكام: 9/ 311.
(13) الكوفي، مولى بني زهرة بن كلاب يعرف ب (الزام) قال النجاشي: كوفي ثقة روى عن الصادق والكاظم. رجال النجاشي: 1/ 405؛ تنقيح المقال: 2/ 11.
(14) الطوسي، تهذيب الأحكام: 9/ 316؛ الاستبصار: 4/ 166.
(15) هو أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري، اشتهر كتابه في الرجال. كان معاصرا للطوسي. أمل الآمال: 2/ 12؛ أعيان الشيعة: 2/ 565.
(16) هو أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي الكوفي مصنف الإمامية المشهور، صاحب كتاب الرجال والموثق عندهم، مات سنة 450هـ. روضات الجنات: ص 147؛ الذريعة: 5/ 140.
(17) كتاب (الدراية في الحديث) لزين الدين العاملي. الذريعة: 8/ 56.
(1/49)
________________________________________
باب الحرج والتعديل. وفي هذا المقام فوائد تتعلق بالرواة تركناها لطولها، فراجع الأصل. (1)
(الأدلة عند الشيعة)
(تتمة): اعلم أن الأدلة عندهم أربعة: كتاب، وخبر، وإجماع، وعقل.
أما (الكتاب) فهو القرآن المنزل الذي لم يبق حقيقا بأن يستدل به بزعمهمم الفاسد، لأنه لا اعتماد على كونه قرآنا إلا إذا أخذ بواسطة الإمام المعصوم، وليس القرآن المأخوذ من الأئمة موجودا في أيديهم، والقرآن المعروف غير معتد به عند أئمتهم بزعمهم، (2) وأنه لا يليق بالاستدلال به لوجهين:
الأول لما روى جماعة من الإمامية عن أئمتهم أن القرآن المنزل وقع فيه تحريف في كلماته عن مواضعها، بل قد أسقط منه بعض السور وترتيبه هذا أيضا غير معتد به لكونه متغيرا عن أصله، (3) وما هو موجود الآن في أيدي المؤمنين هو مصحف عثمان الذي كتبه وأرسل منه سبع نسخ إلى أطراف العالم وألجأ الناس على قبوله وقراءته على ما رتبه وآذى من خالف ذلك، فلا يصح التمسك به ولا يعتمد على نظمه من العام والخاص والنص ونحوها، لأنه يجوز أن يكون هذا القرآن الذي بين أيدينا كله أو أكثره منسوخا بالآيات أو السور التي أسقطت منه أو مخصوصا بها.
الثاني أن نقله هذا القرآن مثل ناقلي التوراة والأنجيل، لأن بعضهم كانوا منافقين كالصحابة العظام والعياذ بالله تعالى، وبعضهم كانوا مداهنين في الدين كعوام الصحابة فإنهم تبعوا رؤساءهم أي بزعمهم طمعا في زخارف الدنيا، فارتدوا عن الدين كلهم إلا أربعة أو ستة، فغيروا خطاب الله تعالى، (4) فجعلوا مثلا مكان «من المرافق»: {إلى المرافق} (5) ومكان «أئمة هي أزكى»: {أمة هي أربى من أمة} (6) فكما أن التوراة والإنجيل لا يعمل بهما أصلا فكذلك هذا القرآن، وكما أن التوراة والإنجيل نسخا بالقرآن المجيد فكذلك القرآن نسخت أشياء كثيرة منه ولا يعلم نواسخها إلا الأئمة الثلاثة. (7)
وأما (الخبر) فقد مر بيانه مفصلا فتذكر. ثم إن ناقل الخبر إما من الشيعة أو غيرهم، ولا اعتبار لغيرهم أصلا لأن الصدر الأول من غيرهم الذي هو منتهى الأسانيد كانوا
_________
(1) ينظر السيوف المشرقة: لوحة 51/أ.
(2) فهناك قرآنا آخر عند القائم والمنتظر الغائب منذ أكثر من ألف ومائتين وخمسين سنة ولما يظهر لا هو ولا قرآنه، فقد أخرج الكليني عن سالم بن سلمة قال: «قرأ رجل على أبي عبد الله - عليه السلام - وأنا أسمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله - عليه السلام -: كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم - عليه السلام - قرأ كتاب الله عز وجل على حده، وأخرج (المصحف) الذي كتبه علي - عليه السلام - وقال: أخرجه علي - عليه السلام - إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله على محمد - عليه السلام - قد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم أبدا، إنما كان عليَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه». الكافي: 2/ 633.
(3) مثاله قول الفيض الكاشاني: «إن الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، وإن النور نيف ومائة آية والحجر تسعون ومائة آية ... ». تفسير الصافي: 1/ 37 - 38؛ وينظر الطبرسي، الاحتجاج: ص 53
(4) هناك روايات كثيرة عندهم منها ما روى الطبرسي عن أبي ذر قال: «لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع علي - عليه السلام - القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فتحه أبو بكر خرج أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه - عليه السلام - وانصرف ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قارئا للقرآن - فقال عمر: إن عليا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف كتابا ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتكا للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك ... ». الاحتجاج: ص 155 - 156.
(5) روى الطوسي وغيره عن الهيثم بن عروة التميمي قال: «سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن قوله تعالى: {واغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} قال: ليس هكذا تنزيلها إنما تنزيلها: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق) ... ». تهذيب الأحكام: 1/ 57؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة: 1/ 406.
(6) الكافي: 1/ 292؛ تفسير القمي: 1/ 389.
(7) أخرج البخاري بإسناده عن عبد العزيز بن رفيع قال: «دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال له شداد بن معقل: أترك النبي - صلى الله عليه وسلم - من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين، قال ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين». صحيح البخاري، في كتاب فضائل القرآن، باب من قال لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ما بين الدفتين: 4/ 1917. قال ابن حجر معلقا على الحديث: «هذه الترجمة للرد على من زعم أن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته، وهو شيء اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم أن التنصيص على إمامة علي واستحقاقه الخلافة عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ثابتا في القرآن، وأن الصحابة كتموه، وهي دعوى باطلة، لأنهم لم يكتموا: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى .. » وغيره من الظواهر التي قد يتمسك بها من يدعي إمامته، كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقه. وقد تلطف المصنف في الاستدلال على الرافضة بما أخرجه عن أحد أئمتهم، الذي يدعون إمامته، وهو محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب، فلو كان هناك شيء ما يتعلق بابيه، لكان أحق الناس بالاطلاع عليه، وكذلك ابن عباس فإنه ابن عم علي - رضي الله تعالى عنهما -، وأشد الناس له لزوما واطلاعا على حاله». فتح الباري: 9/ 65.
(1/50)
________________________________________
مرتدين ومحرفين كتاب الله تعالى ومعادين أهل بيت النبوة. (1) فلا بد أن يكون من الشيعة وبين الشيعة اختلاف كثير في أصل الإمامية وتعيين الأئمة وعددهم، ولا يمكن إثبات قول من أقوالهم إلا بالخبر، لأن كتاب الله تعالى لا اعتماد عليه، ومع ذلك فهو ساكت عن هذه الأمور، فلو توقف ثبوت الخبر وحجته على ثبوت ذلك القول لزم الدور الصريح وهو محال.
وأما (الإجماع) فباطل أيضا، لأن كونه حجة ليس بالأصالة بل لكون قول المعصوم في ضمنه، فمدار حجيته على قول المعصوم لا على نفس الإجماع، وثبوت عصمة المعصوم وتعيينه إما بخبره أو بخبر معصوم آخر، فقد جاء الدور الصريح أيضا. (2)
وأيضا إجماع الصدر الأول والثاني - يعني قبل حدوث الاختلاف في الأمة - غير معتبر، لأنهم أجمعوا على: خلافة أبي بكر وعمر، وحرمة المتعة، وتحريف الكتاب، ومنع ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغضب فدك من البتول. (3) وبعد حدوث الاختلاف في الأمة وتفرقهم بفرق مختلفة كيف يتصور الإجماع، ولا سيما في المسائل الخلافية المحتاجة إلى الاستدلال وإقامة الحجة القاطعة.
وأما (العقل) فهو باطل أيضا لأن التمسك به إما في الشرعيات أو غيرها، فإن كان في الشرعيات فلا يصح التمسك به عند هذه الفرقة أصلا، لأنهم منكرون أصل القياس ولا يقولون بحجيته. وأما غير الشرعيات فيتوقف العقل على تجريجه عن شوائب الوهم والإلف والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب والفكر في صورة الأشكال، وهذه الأمور لا تحصل إلا بإرشاد إمام، لأن كل فرقة من طوائف بني أدم يثبتون بعقولهم أشياء وينكرون أشياء اخر، وهم متخالفون فيما بينهم بالأصول والفروع، ولا يمكن الترجيح بالعقل فقط، فالتمسك إذن بقول الإمام، ومع ذلك لا يمكن إثبات الأمور الدينية بالعقل الصرف لأنه عاجز عن معرفتها تفصيلا بالإجماع. نعم يمكنه معرفتها إذا كان مستمدا من الشريعة.
_________
(1) لأن الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - باعتقاد الشيعة عدا ثلاثة منهم. روى الكليني عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: «كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ قال: المقداد وأبو ذر وسلمان الفارسي». الكافي: 8/ 245؛ المجلسي، بحار الأنوار: 22/ 333.
(2) قال المقتول الأول: «الإجماع: وهو الحجة، والمعتبر فيه قول المعصوم عندنا، وإنما تظهر الفائدة في إجماع الطائفة مع عدم تمييز المعصوم بعينه، فعلى هذا لو قدر خلاف واحد أو ألف معروفو النسب فلا عبرة بهم، ولو كانوا غير معروفين قدح بالإجماع». الفوائد والقواعد: ص 217. ومن هذا يتضح أن الإجماع عند الإمامية هو قول المعصوم، إذن هم في الحقيقة ليس عندهم إجماع؛ لأنهم لا يجمعون على شيء، وإنما الإجماع هو قول رجل واحد لا أكثر! فلو اتفق مائة من علماء الإمامية على مسألة، وعارضهم اثنين من الفقهاء عليها وكان قول المعصوم مع الاثنين، فلا يعتبر برأي المائة. معالم الدين: ص 169.
(3) لو لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - «نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة» لكان ميراثه غير منحصر في البتول بل يشاركها فيه عمه - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه ومنهن بنت أبي بكر وبنت عمر
(1/51)
________________________________________
وههنا فائدة جليلة لها مناسبة مع هذا المقام، وهي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدى أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة (1) والشيعة، وقد علم منه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمى والقدر والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفا لهما في الأمور الشرعية اعتقادا وعملا فهو ضال، ومذهبه باطل وفاسد لا يعبأ به. ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى.
وليس المتمسك بهذين الحبلين المتينين إلا أهل السنة، لأن كتاب الله ساقط عند الشيعة عن درجة الاعتبار كما سبق قريبا بيانه، وقد روى الكليني (2) عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله «إن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر الف آية» (3) وروى عن محمد بن [أبي] نصر (4) عنه أنه قال: «كان في {لم يكن} (5) اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء أبائهم». (6) وروى عن سالم بن سلمة (7) قال: «قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أسمعه حروفا من القرآن ليس مما يقرأه الناس فقال أبو عبد الله: مه، اكفف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم اقرأ كتاب الله على حده» (8)
وروى الكليني وغيره عن الحكم بن عتيبة (9) قال: قرأ علي بن الحسين (10) «وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدَّث» قال: وكان علي بن أبي طالب محدثا. وروى عن [زيد] بن الجهم الهلالي (11) وغيره عن أبي عبد الله أن {أمة هي أربى من أمة} ليس كلام الله، بل محرف عن موضعه، والمنزل «أئمة هي أزكى من أئمتكم»
وقد تقرر عندهم أن «سورة الولاية» سقطت، وكذا أكثر سورة الأحزاب فإنها كانت مثل سورة الأنعام فأسقط منها فضائل أهل البيت وأحكام إمامتهم. (12) وأسقط لفظ «ويلك» قبل قوله تعالى {لا تحزن
_________
(1) بل ضعفه الإمام أحمد وابن تيمية.
(2) الكليني عندهم كالبخاري عند المسلمين. فإذا كانت هذه أكاذيب الكليني ورجاله فكيف برواياتهم الأخرى!
(3) أخرجه الكليني، الكافي: 2/ 631. ومعلوم أن القرآن (6236) آية.
(4) التصحيح من الكافي. قال عنه النجاشي: «وكان عظيم المنزلة عندهما وله كتب»، مات سنة 221هـ. رجال النجاشي: 1/ 202؛ تنقيح المقال: 1/ 77.
(5) سورة البينة
(6) الكافي: 2/ 631؛ تفسير الصافي: 1/ 36.
(7) ذكره أبو داود في قسم الموثقين من كتابه (رقم 658). معجم رجال الحديث: 9/ 22.
(8) الكليني، الكافي: 2/ 633؛ تفسير الصافي: 1/ 36.
(9) هو أبو محمد الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي مولاهم الزيدي البتري النحاس، ذكره ابن أبي حاتم وقال عنه: «مجهول»، قال ابن الجوزي: «إنما قال أبو حاتم مجهول؛ لأنه ليس يروي الحديث، وإنما كان قاضيا بالكوفة». لسان الميزان: 2/ 336. وليس هو الحكم بن عتيبة بن سنان الكوفي الذي ذكر في كتب الرجال عند أهل السنة وحديثه مخرج في الكتب الستة كما في تهذيب التهذيب: 2/ 372. وقد خلط الإمامية بين الحكم بن النحاس قاضي الكوفة وبين ابن سنان الفقيه والمحدث، حيث قال الحلي: «مذموم كان من فقهاء العامة وكان بتريا». أعيان الشيعة: 6/ 209. ولم يخرّج أهل السنة حديثا لابن النحاس، بينما خرج له الإمامية في كتبهم الأربعة أكثر من أربعين حديثا منها ما رواه الكليني بسنده عن الحكم بن عتيبة عن الباقر أنه قال: «إن في الجنة نهرا يغتسل فيه جبرائيل - عليه السلام - كل غداة ثم يخرج منه فينتفض فيخلق الله عز وجل من كل قطرة ملكا». الكافي: 8/ 282.
(10) علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب زين العابدين أبو الحسين الهاشمي المدني - رضي الله تعالى عنه - كان مريضا يوم كربلاء فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا، روى عن أبيه وعمه الحسن وعائشة وأبي هريرة وابن عباس وآخرين قال الزهري: «ما رأيت أحدا كان أفقه من علي بن الحسين لكنه قليل الحديث»، وكان من أفضل أهل بيته وأحبهم إلى عبد الملك، وهو الإمام الرابع عند الإمامية، مات في ربيع الأول سنة 94هـ. طبقات ابن سعد: 5/ 211؛ تذكرة الحفاظ: 1/ 74؛ تهذيب التهذيب: 7/ 268.
(11) في الأصل (محمد بن الجهم) والتصحيح من الكافي.
(12) تقدم النقل من كتبهم
(1/52)
________________________________________
إن الله معنا} (1) وكذا أسقط لفظ «بعلي بن أبي طالب» بعد قوله تعالى {وكفى الله المؤمنين القتال} (2) وكذا لفظ «آل محمد» الواقع بعد «ظلموا» من قوله تعالى {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} (3) إلى غير ذلك من الهذيانات والأقوال الترهات.
وأما العترة الشريفة فهي بإجماع أهل اللغة تقال لأقارب الرجل، (4) والشيعة ينكرون نسبة بعض العترة كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (5) ولا يعدون بعضهم داخلا العترة كالعباس عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأولاده وكالزبير بن صفية عمة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل يبغضون أكثر أولاد فاطمة رضى الله تعالى عنهم ويسبونهم كزيد بن علي بن الحسين الذي كان عالما كبيرا متقيا واستشهد على يد المروانية، وكذا يحيى ابنه وكذا إبراهيم وجعفر ابني موسى الكاظم، (6) ولقبوا الثاني بالكذاب مع أنه كان من كبار أولياء الله تعالى وأخذ منه أبو يزيد البسطامي الطريقة، وأخْذه إياها من جعفر الصادق غلط. (7)
ولقبوا أيضا جعفر بن علي أخا الإمام الحسن العسكري بالكذاب، (8) ويعتقدون أن الحسن بن الحسن المثنى (9) وابنه عبد الله المحض وابنه محمدا الملقب بالنفس الزكية ارتدوا وحاشاهم من كل سوء. وكذلك يعتقدون في إبراهيم بن عبد الله وزكريا بن محمد الباقر ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (10) ومحمد بن القاسم بن الحسن (11) ويحيى بن عمر (12) الذي كان من أحفاد زيد بن علي بن الحسين، وكذلك يعتقدون في جماعة حسنيين وحسينيين كانوا قائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين، إلى غير ذلك من الأمور الشنيعة التي يعتقدونها في حق العترة المطهرة مما هو مذكور في الأصل، نعوذ بالله من جميع ذلك، ونبرأ إليه جل شأنه من سلوك هاتيك المسالك. فقد بان لك أن الدين عند هذه الطائفة الشنيعة قد انهدم بجميع أركانه وانقض ما تشيد من محكم بنيانه، حيث أن كتاب الله تعالى قد سبق لك واعتقادهم فيه وعدم اعتمادهم على ظاهره وخافيه، ولا يمكنهم أيضا التمسك بالعترة المطهرة بناء على زعمهم الفاسد من أن بعضهم كانوا كفرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الأبواب الآتية بيان مخالفتهم للثقلين في كل مسألة
_________
(1) بل زعم شيطان الطاق الذي يسمونه «مؤمن آل محمد» أن الآية كلها ليست من القرآن. انظر (الفصل) لابن حزم 4: 181 وتعليقنا على (العواصم من القواصم) ص 69
(2) تفسير القمي: 2/ 189؛ الطبرسي، جوامع الجامع: 3/ 309.
(3) تفسير القمي: 2/ 125؛ الطبرسي، جوامع الجامع: 3/ 175.
(4) قال الآلوسي: «والعترة في تفسيرها أقوال: منها عترة الرجل أقرباؤه من ولد وغيره، ومنهم من قال هم قومه دِنْيا، ومنهم من قال هم رهطه وعشيرته الأدنون من مضى منهم ومن غبر، ومنه قول أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -: «نحن عترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي خرج منها وبيضته التي تفقأت عنه، وإنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحا عن قطبها». سعادة الدارين: ص.
(5) ذكر الإمامية أن رقية وزينب لم تكونا بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - بل بنات لأخت خديجة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - تزوج خديجة وهي عذراء، كما ذكر ذلك ابن شهر آشوب المازندراني، وعزاه إلى الطوسي والمرتضى، حيث قال: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج بها [خديجة] وكانت عذراء وإن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة بنت أخت خديجة». مناقب آل أبي طالب: 1/ 137.
(6) هو جعفر بن موسى الكاظم، أبو عبد الله، لقبه الشيعة بالكذاب لادعائه الإمامة بعد أخيه الحسن، (ت 271هـ). عمدة الطالب في أنساب أبي طالب: ص199. والإمامية يروون الروايات في تكذيبه ولعنه وينسبونها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رغم أنه من سادات أهل البيت، فقد أخرج الطوسي عن أبي خالد الكابلي قال دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين فقلت له: «يا سيدي كيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟ فقال حدثني أبي عن أبيه: أن رسول الله قال: إذا ولد أبني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فسموه الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراءً على الله وكذبا عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله، المدعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه والحاسد لأخيه، ذلك الذي يكشف سر الله عند غيبة ولي الله». الاحتجاج: ص 318؛ وأخرجه أيضا القطب الراوندي، الخرائج: 1/ 268؛ المجلسي، بحار الأنوار: 50/ 277.
(7) توفي جعفر الصادق سنة 147هـ أي قبل ولادة البسطامي
(8) هو أبو عبد الله جعفر بن علي بن محمد الهادي العسكري، اتهمه الإمامية بالفسق وشرب الخمر، لأنه أخذ تركة أخيه بعد موته وأنكر أن يكون له ولد، مات سنة 271هـ. دائرة المعارف الشيعية العامة: 7/ 196. ويدعي الإمامية أنه طمع بميراث أخيه، ولذلك أخفى الحسن العسكري خبر مولد ابنه عن الناس، قال الطوسي: «لأن الحسن - عليه السلام - كان كالمحجور عليه وكان الوالد يخاف عليه لما علم وانتشر من مذهبهم أن الثاني عشر هو القائم بالأمر، لإزالة الدول فهو المطلوب لا محالة، وخاف عليه أيضا من أهله كجعفر أخيه الذي طمع في الميراث والأموال، فلذلك أخفاه ووقعت الشبهة في ولادته». الغيبة: ص 76.
(9) هو الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، أبو محمد، حدث عن أبيه وعبد الله بن جعفر، قليل الرواية مع صدقه وجلالته، كان على الصدقة في خلافة علي - رضي الله عنه -، توفي سنة 99هـ. سير أعلام النبلاء: 4/ 483؛ البداية والنهاية: 9/ 170.
(10) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، يروي عن جماعة من التابعين، قتل بالمدينة سنة 145هـ. الثقات: 7/ 363؛ الجرح والتعديل: 7/ 295.
(11) محمد بن القاسم بن الحسن بن محمد بن الحسن الزكي الثالث. عمدة الطالب. ص 157.
(12) يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، خرج سنة 250هـ بالكوفة، فتغلب على الكوفة، ودعا إلى الرضا من آل محمد وقوي أمره، وفي رجب من تلك السنة اقتتل مع الحسين بن إسماعيل، وقتل وبعث برأسه إلى الخليفة العباسي في سامراء، فقالت الجارودية، إنه لم يمت، وسيعود ليملأها عدلا كما ملئت جورا. الفصل: 4/ 137؛ الملل والنحل: 1/ 159؛ البداية والنهاية: 11/ 5.
(1/53)
________________________________________
من العقائد والفروع بحيث لا يبقى لهم مجال للإنكار، ولا يجدون سبيلا للفرار. والله يحق الحق وهو يهدي السبيل.
(في ذكر أحوال رجالهم وطبقاتهم)
وأما أحوال رجال أسانيدهم وطبقات أسلافهم، فاعلم أن أسلاف الشيعة وأصول الضلالات كانوا عدة طبقات:
الطبقة الأولى
هم الذين استفادوا هذا المذهب بلا واسطة، من رئيس المضلين إبليس اللعين وهؤلاء كانوا منافقين، جهروا بكلمة الإسلام وأضمروا في بطونهم عداوة أهله، وتوصلوا بذلك النفاق إلى الدخول في زمرة المسلمين والتمكن من إغوائهم وإيقاع المخالفة والبغض والعناد فيما بينهم، ومقتداهم على الإطلاق (عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني) الذي كان شرا من أبليس وأعرف منه في الإضلال والتضليل، وأقدم منه في المخادعة والغرور بل شيخه في المكر والشرور، وقد مارس زمانا في اليهودية فنون الإغواء والإضلال وسعى مجتهدا في طرق الزور والاحتيال فأضل كثيرا من الناس واستزل جما غفيرا فأطفأ منهم النبراس، وطفق يغير عقائد العوام ويموه عليهم الضلالات والأوهام، فأظهر أولا محبة كاملة لأهل البيت النبوي، وحرض الناس على ذلك الأمر العلي، ثم بين وجوب لزوم جانب الخليفة الحق وأن يؤثر على غيره، وأن ما عداه من البغاة، فاستحسنه جم من العوام غفير، وقبله ناس من الجهلة كثيرون، فأيقنوا بصلاحه واعتقدوا بإرشاده ونصحه. (1)
ثم فرع على ذلك فروعا فاسدة وجزيئات كاسدة فقال: إن الأمير كرم الله وجهه هو وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفضل الناس بعده وأقربهم إليه، واحتج على ذلك بالآيات الواردة في فضائله والآثار المروية في مناقبه، وضم إليها من موضوعاته وزاد عليها من كلماته وعباراته. فلما رأى أن ذلك الأمر قد استقر في أذهان أتباعه واستحكمت هذه العقيدة في نفوس أشياعه ألقى إلى بعض هؤلاء ممن يعتمد عليه أن الأمير وصي رسول الله - صلى اللهعليه وسلم -، وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - استخلفه بنص صريح، وهو قوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا} الآية، ولكن الصحابة قد ضيعوا وصيته - صلى الله عليه وسلم - وغلبوا
_________
(1) يعترف الإمامية بأن ابن سبأ أول من أظهر الطعن بالصحابة، قال الكشي: «وذكر أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون [وصي موسى]، فقال في إسلامه في علي مثل ذلك، وكان [ابن سبأ] أول من أشهر القول بإمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه [أي الصحابة]، وكاشف مخالفيه وكفرهم، فمن هنا قال من خالف الشيعة عن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهود». تنقيح المقال: 2/ 184؛ بحار الأنوار: 25/ 287.
(1/54)
________________________________________
الأمير بالمكر والزور وظلموه فعصوا الله ورسوله في ذلك وارتدوا عن الدين - إلا القليل منهم - محبة في الدنيا وطمعا في زخرفها. (1)
واستدل على ذلك بما وقع بين فاطمة - رضي الله تعالى عنها - وبين أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - في مسألة فدك (2) إلى أن انتهى الأمر إلى الصلح ثم أوصى أتباعه بكتمان هذا الأمر وعدم نسبته إليه وقال: لا تظهروا للناس أنكم أتباعي لأن غرضي إظهار الحق والهداية إلى الطريق المستقيم دون الجاه والشهرة عند الناس. فمن تلك الوسوسة ظهر القيل والقال ووقع بين المسلمين التفرق والجدال، وانتشر سب الصحابة الكرام وذاع الطعن فيهم من أولئك الطغام، حتى إن الأمير كرم الله تعالى وجهه قد خطب فوق المنبر خطبا في ذم هؤلاء القوم وأظهر البراءة منهم وأوعد بعضهم بالضرب والجلد. فلما رأى ابن سبأ أن سهمه هذا أيضا قد أصاب هدفا واختلت بذلك عقائد أكثر المسلمين اختار أخص الخواص من أتباعه وألقى إليهم أمرا أدهى من الأول وأمر، وذلك بعد أن أخذ عليهم ميثاقا غليظا أن الأمير كرم الله تعالى وجهه يصدر منه ما لا يقدر عليه البشر من قلب العيان، والأخبار المغيبات، وإحياء الموتى، وبيان الحقائق الإلهية والكونية، وفصاحة الكلام، والتقوى، والشجاعة، والكرم، إلى غير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، فهل تعلمون منشأ هذه الأمور؟ فلما أظهروا العجز عن ذلك قال لهم: إن هذه كلها من خواص الألوهية التي تظهر في بعض المظاهر ويتجلى اللاهوت في كسوة مثل أنا حي لا يموت أنا باعث من في القبور أنا مقيم الساعة ونحوها مما صدر عنه - رضي الله تعالى عنه - في غلبة الحال كما هو شأن أولياء الله (3) فلما وصلت هذه المقالة إلى
_________
(1) ويعترفون بدخوله على الأمير، حيث روى ابن بابويه القمي والطوسي عن أبي بصير ومحمد بن مسلم: «إن عبد الله بن سبأ قال يا أمير المؤمنين أليس الله في كل مكان؟ قال - عليه السلام -: بلى، قال: فلم يرفع العبد يديه إلى السماء قال: أما تقرأ: {وفي السماء رزقكم وما توعدون} ... ». من لا يحضره الفقيه: 1/ 325؛ تهذيب الأحكام: 2/ 322. وفي هذه الرواية يتضح أن هؤلاء القوم لم يكونوا زاهدين بروايات ابن سبأ إلا عندما يتعلق الأمر بنفي تهمة الرفض عنهم وبأن صاحبها هو عبد الله بن سبأ اليهودي.
(2) قال ياقوت الحموي: «فدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث، واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيها عين فوارة ونخيل كثيرة». معجم البلدان: 4/ 238.
(3) لم يثبت بالطرق العلمية والتاريخية صدور هذه الكلمات عن أمير المؤمنين كرم وجهه. ولم ينقلها عنه راو واحد تقبل روايته. وأولياء الله هم القائمون بنصر الله لأن الولاية هي النصرة. والذي يدعي صفات الله يعد من أعداء الله لا من أوليائه، وسخافات الشطح لم تكن معروفة في عصر الصحابة ولا صدرت عن أحد منهم
(1/55)
________________________________________
حضرة الأمير كرم الله تعالى وجهه أهدر دماء تلك الطائفة وتوعدهم بالإحراق في النار واستتابهم فأجلاهم إلى المدائن، فلما وصلوا إليها أشاعوا تلك المقالة الشنيعة.
وأرسل ابن سبأ بعض أتباعه إلى العراق وأذربيجان، ولما لم يستأصلهم الأمير كرم الله تعالى وجهه بسبب اشتغاله بما هو أهم من ذلك من محاربة البغاة ومهمات الخلافة راج مذهبه واشتهر وذاع وانتشر، فقد بدأ أولا بتفضيل الأمير، وثانيا بتكفير الصحابة، وثالثا بألوهية الأمير ودعا الناس على حسب استعدادهم، وربط رقاب كل من كان أتباعه من حبال الغواية، فهو قدوة لجميع الفرق الرافضة، وإن كان أكثر أتباعه وأشياعه من تلك الفرق يذكرونه بالسوء لكونه قائلا بألوهية الأمير ويعتقدون أنه مقتدى الغلاة فقط، ولذا ترى أخلاق اليهود وطبائعهم موجودة في جميع فرق الشيعة، وذلك مثل الكذب، والبهتان، وسب أصحاب الرسول وكبار أئمة الدين وحملة كلام الله وكلام الرسول، (1) وحمل كلام الله والأحاديث على غير ظاهرها، وكتم عداوة أهل الحق في القلب، وإظهار التملق خوفا وطمعا، واتخاذ النفاق شعارا ودثارا، وعد التقية من أركان الدين، ووضع الرقاع ونسبتها إلى النبي والأئمة وإبطال الحق وإحقاق الباطل لأغراض دنيوية. وهذا الذي ذكر قطرة من بحر وذرة من جبل. وإذا تفكرت في سورة البقرة وحفظت ما ذكر الله تعالى فيها من صفات اليهود الذميمة ترى جميعها مطابقة لصفات هذه الفرقة مطابقة النعل بالنعل.
الطبقة الثانية
جماعة ممن ضعف إيمانهم من أهل النفاق، وهم قتلة عثمان وأتباع عبد الله بن سبأ الذين كانوا يسبون الصحابة الكرام، وهم الذين انخرطوا في عسكر الأمير وعدوا أنفسهم من شيعته خوفا من عاقبة ما صدر منهم من تلك الجناية العظمى، وبعض منهم تشبثوا بأذيال الأمير طمعا في المناصب العالية ورفعة المراتب فحصل لهم بذلك مزيد
_________
(1) ولا زال لعن الصحابة عندهم إلى اليوم. روى الطوسي بإسناده عن الحسين بن ثوير وابي سلمه السراج قالا سمعنا: «أبا عبد الله وهو يلعن في دبر كل مكتوبة: أربعة من الرجال وأربعا من النساء التيمي والعدوي وعثمان ومعاوية وعايشة وحفصة وهند وأم الحكم أخت معاوية». تهذيب الأحكام: 2/ 321؛ وسائل الشيعة: 6/ 462.
(1/56)
________________________________________
الأمنية وكمال الطمأنينة، ومع ذلك فقد أظهروا للأمير كرم الله تعالى وجهه ما انطووا عليه من اللؤم والخبائث فلم يجيبوا لدعوته وأصروا على مخالفته، وظهرت منهم الخيانة على ما نصبوا عليه، واستطالت أيديهم على عباد الله وأكل أموالهم، وأطالوا ألسنتهم في الطعن على الصحابة. (1)
وهذه الفرقة هم رؤساء الروافض وأسلافهم ومسلَّمو الثبوت عندهم. فإنهم وضعوا بناء دينهم وإيمانهم في تلك الطبقة على رواية هؤلاء الفساق المنافقين ومنقولاتهم، فلذا كثرت روايات هذه الفرقة عن الأمير كرم الله تعالى وجهه بواسطة هؤلاء الرجال. وقد ذكر المؤرخون سبب دخول أولئك المنافقين في هذا الباب، وقالوا إنهم قبل وقوع التحكيم كانوا مغلوبين لكثرة الشيعة الأولى في عسكر الأمير وتغلبهم (2) ولما وقع التحكيم وحصل اليأس من انتظام أمور الخلافة وكادت المدة المعينة للخلافة تتم وتنقرض وتخلفها نوبة العضوض رجع الشيعة الأولى من دومة الجندل التي كانت محل التحكيم إلى أوطانهم لحصول اليأس من نصرة الدين وشرعوا بتأييده بترويج أحكام الشرعية والإرشاد ورواية الأحاديث وتفسير القرآن المجيد، كما أن الأمير كرم الله تعالى وجهه دخل الكوفة واشتغل بمثل هذه الأمور، ولم يبق في ركاب الأمير إذ ذاك من الشيعة الأولى إلا القليل ممن كانت له في دار الكوفة. فلما رأت هاتيك الفرقة الضالة المجال في إظهار ضلالتهم أظهروا ما كانوا يخفونه من إساءة الأدب في حق الأمير وسب أصحابه وأتباعه الأحياء منهم والأموات. ومع هذا كان لهم طمع في المناصب أيضا لأن العراق وخراسان وفارس والبلاد الأخرى الواقعة في تلك الأطراف كانت باقية بعد في تصرف الأمير وحكومته، والأمير كرم الله تعالى وجهه عاملهم، كما عاملوه، كما وقع ذلك لموسى - عليه السلام -، ولنبينا - عليه الصلاة والسلام -،
_________
(1) ذكر الطبري في حوادث سنة 36هـ قال: كان علي - رضي الله عنه - قد خرج إلى البصرة، فوردت إليه أنباء بأن أبا موسى الأشعري عامله عليها لا يوافقه الرأي في القتال، فألح مالك الأشتر على الأمير في الذهاب إلى الكوفة، فأذن له وهناك استغل الفرصة لإثارة أهل الكوفة على أبي موسى الأشعري، قال الطبري: «فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة، وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم، ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ... فخرج عليه غلمان لأبي موسى يشتدون ينادون: يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر، فضربنا وأخرجنا، فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر: اخرج من قصرنا لا أم لك، أخرج الله نفسك فوالله إنك لمن المنافقين قديما، قال: أجلني هذه العشية فقال: هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر، وأخرجهم من القصر وقال إني قد أخرجته فكف الناس عنه ... ». تاريخ الطبري: 3/ 25
(2) تقدم وصف الشيعة الأولى في أول الكتاب ص 3
(1/57)
________________________________________
مع المنافقين. ولما كانت الروايات من أهل السنة في هذا الباب غير معتد بها مزيد عداوتهم لفرق الشيعة على زعمهم، وجب النقل من كتب الشيعة المعتبرة مما صنفه الإمامية والزيدية. وقد سبق في أول الكتاب عند ذكر الفرقة السبيئة خطبة منقولة عن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الزيدي المذكورة في آخر كتابه المسمى (طوق الحمامة في مباحث الإمامة) فلا حاجة بنا إلى إعادتها. ولما نعي الأمير بخبر قتل محمد بن أبي بكر (1) في مصر كتب كتابا إلى عبد الله بن عباس، فإنه كان حينئذ عامل البصرة، وهو كما هو مذكور في كتاب (نهج البلاغة) الذي هو عند الشيعة أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى: (2)
«أما بعد فإن مصر قد افتتحت، ومحمد ابن أبي بكر قد استشهد، فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا وعاملا كادحا وسيفا قاطعا وركنا دافعا. وكنت قد حثثت الناس على لحاقه، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة، ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا، فمنهم الآتي كارها ومنهم المتعلل كاذبا، ومنهم القاعد خاذلا. أسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا. فوالله لولا طمعي عند لقاء العدو في الشهادة، وتوطيني نفسي على المنية، لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا ألتقي بهم أبدا». (3)
وكذا لما أُخبر بقدوم سفيان بن عوف الذي كان من بني غامد وأمير أمراء معاوية (4) وركبانه ببلد الأنبار وقتلهم أهله، خطب خطبة مندرجة فيها هذه العبارة المشيرة للإرشاد وهي: «واللهِ يميت القلب ويجلب الهم ما نرى من اجتماع
_________
(1) هو محمد بن أبي بكر الصديق، أمه أسماء بنت عميس تزوجها علي بعد وفاة الصديق فنشأ محمد في حجر علي - رضي الله عنه -، وشهد معه الجمل وصفين ثم ولاه على مصر لكن هزمه جيش عمرو بن العاص، ثم قتل في سنة 83هـ. تهذيب الكمال: 24/ 541؛ الإصابة: 6/ 245.
(2) بل إن النصوص المأثورة عن علمائهم ودعاتهم، والروايات التي اخترعوها وأثبتوها في كتبهم، تدل على أنهم ينفون صحة كتاب الله تعالى، فلم يبق لهم إلا نهج البلاغة الذي ألفه لهم الشريف الرضي وأعانه عليه أخوه المرتضى، وطريقتهما في تأليفه أن يعمدا إلى الخطبة القصيرة المأثورة عن أمير المؤمنين فيزيدان عليها من هوى الشيعة ما تواتيهما عليه القريحة من ذم إخوانه الصحابة أو غير ذلك من أهوائهم. وإن الصحيح من كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة قد يبلغ عشره أو نصف عشره، والباقي من كلام الرضي والمرتضى
(3) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 16/ 145.
(4) معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، من مسلمة الفتح، وأحد من كتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي، ولاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على الشام سنة 19هـ، وأقره عثمان - رضي الله عنه - عليه، بويع له بالخلافة سنة 41هـ في عام الجماعة، توفي سنة 60هـ. الاستيعاب: 3/ 1418؛ الإصابة: 6/ 151.
(1/58)
________________________________________
هؤلاء على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، فقبحا لكم وترحا (1) حين صرتم غرضا يرمى: يغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون. فإذا أمرتكم بالمسير إليهم في أيام الحر قلتم هذه حمارة (2) القيظ أمهلنا حتى ينسلخ عنا الحر. وإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام البرد فلتم هذه صبارة (3) القر أمهلنا حتى ينسلخ عنا البرد. كل هذا فرارا من الحر والقر، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال، لكم حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، (4) لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندما، وأعقبت سدما (5)». (6)
وأيضا يقول في هذه الخطبة: «قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحا، وشحنتم صدري غيظا، وجرعتموني نغب (7) التهمام (8) أنفاسا. فأفسدتم على رأيي بالخذلان والعصيان، حتى قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب. لله أبوهم، وهل أحد أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني، حتى لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين وها أنا ذا ذرفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع». (9)
ويقول في خطبة أخرى: «أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء. تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا حضر القتال قلتم حيدي حياد. ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم. أعاليل بأضاليل» إلخ. (10)
ويقول: «المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب. (11) ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل. أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم». (12)
وأيضا يقول في خطبة أخرى إذ استنفر الناس إلى أهل الشام: «أف لكم، لقد سئمت عتابكم، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا، وبالذل من العز خلفا؟ إذا دعوتكم إلى جهاد أعدائكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة،
_________
(1) حزنا
(2) شدة الحر
(3) شدة البرد
(4) بيوت النساء
(5) السدم: الحزن والغيظ
(6) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 2/ 74.
(7) النغب: جمع نغبة وهي الجرعة
(8) التهمام الهمّ
(9) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 2/ 75.
(10) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 2/ 111.
(11) في بعض النسخ: الأخبث
(12) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 2/ 111.
(1/59)
________________________________________
يرتج (1) عليكم حواري فتعمون، وكأن قلوبكم مألوسة (2) فأنتم لا تعقلون، ما أنتم لي بثقة سَجيس (3) الليالي، وما أنتم بركن يُمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم، وما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت من جانب آخر، وبئس لعمرُ الله سَعرُ نار الحرب أنتم، تكادون ولا تكيدون، وتنقص أطرافكم ولا تمتعضون، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون». (4)
وأيضا يقول في خطبة أخرى «منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت. لا أبا لكم، ما تنظرون بنصركم ربَّكم؟ لا دين يجمعكم ولا حمية تُحمِشُكم. أقوم فيكم مستصرخا، وأناديكم متغوثا، فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي أمرا، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة، فما يدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم (5) مرام. دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة (6) الجمل الأسر، (7) وتثاقلتم تثاقل النضو الأدبر. (8) ثم خرج إلى منكم جنيد متدائب (9) ضعيف {كأنما يساقون إلى الموت وهو ينظرون}. (10)
وأيضا يقول في ذم هؤلاء الفرقة: كم أدار يكم كما تدارى البكار العمدة (11) والثياب المتداعية إن حيضت من جانب تهتكت من جانب آخر، وكلما أطل عليكم منسر من ناسر الشام (12) أغلق كل رجل منكم بابه وانحجر انحجار الضبة في جحرها والضبع في وجارها (13)
وأيضا يقول في خطبة أخرى: من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناص، إنكم والله لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات. (14)
وهذه الخطب كلها ذكرها الرضي في نهج البلاغة، وغيره من الإمامية أيضا رووها في كتبهم.
_________
(1) يغلق
(2) أي مصابة بالألس، وهو الذهول واختلاط العقل
(3) أي للأبد
(4) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 2/ 189.
(5) في الأصل: منكم
(6) صوت يردده البعير في حنجرته وأكثر ما يكون ذلك عند الإعياء والتعب. شرح نهج البلاغة: 2/ 191
(7) الاسر الذي بكركرته دبره. شرح نهج البلاغة: 2/ 191.
(8) النضو: البعير المهزول، والأدبر الذي له دبر وهو المعقور. شرح نهج البلاغة: 2/ 300.
(9) مضطرب
(10) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 2/ 300.
(11) البكار جمع بكر: الفتيّ من الأبل. والعمِدة بكسر الميم: التي ورم داخل سنامها من الركوب وظاهره سليم
(12) أي جيش من جيوشهم
(13) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 6/ 102.
(14) نهج البلاغة (بشرح ابن أبي الحديد): 6/ 102.
(1/60)
________________________________________
وقال علي بن موسى بن طاوس (1) سبط محمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة: إن امير المؤمنين كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة، فما أجابه إلا رجلان، فيتنفس الصعداء وقال: أين يقعان! ثم قال ابن طاوس: إن هؤلاء خذلوه مع اعتقادهم فرض طاعته وأنه صاحب الحق، وأن الذين ينازعونه على الباطل. وكان - عليه السلام - يداريهم ولكن لا تجديه المداراة نفعا. وقد سمع قوما من هؤلاء ينالون منه في مسجد الكوفة ويستخفون به فأخذ بعضادتي الباب وأنشد متمثلا: (2)
هنيئا مريئا غيرَ داء مخامِر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
فيئس منهم كلهم، ودعا على هؤلاء الذين يدعون أنهم شيعة بقوله «قاتلكم الله وقبحا لكم وترحا» ونحوها. وكذا حلف على أن لا يصدق قولهم أبدا. ووصفهم في مواضيع كثيرة بالعصيان لأوامره وعدم استماعهم وقبولهم لكلامه، وأظهر البراءة من رؤيتهم. وهؤلاء لم يكن لهم وظيفة سوى الحط على حضرة الأمير كرم الله تعالى وجهه وذمهم له وحاشاه. وقد علم أيضا أن شيعة ذلك الوقت كانوا كلهم مشتركين في هذه الأحوال، وداخلين في هذه المساوئ إلا رجلين منهم، فإذا كان حال الصدر الأول والقرن الأفضل الذين هم قدوة لمن خلفهم من بعدهم وأسوة لأتباعهم ما سمعت ذكره، فكيف بأتباعهم! فويل لهم ما يكسبون
الطبقة الثالثة
هم الذي تبعوا السيد المجتبى السبط الأكبر وقرة عين التبول الإمام الحسن - رضي الله تعالى عنه -، بعد شهادة الأمير كرم الله تعالى وجهه، وبايعه منهم قدر أربعين ألفا على الموت، ورغبوه في قتال معاوية وخرجوا إلى خارج الكوفة، وكان قصدهم إيقاعه في ورطة الهلاك، وقد أزعجوه في اثناء الطريق بطلب وظائفهم منه، وظهر منهم في حقه من سوء الأدب ما ظهر، كما فعل المختار الثقفى من جر مصلاه من تحت قدمه المباركة، وهو الذي كان يعد نفسه من اخص شيعته، وكطعن آخر بالسنان فخذ الإمام - رضي الله تعالى عنه - حتى تألم منه ألما شديدا. فلما قامت الحرب على ساق وتحققت المقاتلة،
_________
(1) هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد المعروف بابن طاووس، من مشاهير علماء الإمامية ومؤلفيهم، ولي نقابة الطالبيين بعد استحلال هولاكو لبغداد بتوصية نصير الدين الطوسي، رغم أنه امتنع عنها في عهد المستنصر العباسي، مات سنة 644هـ. طبقات أعلام الشيعة: ص 116؛ الذريعة: 2/ 343؛ الأعلام: 5/ 26.
(2) روى ابن أبي الحديد أن الشعبي مر بقوم يغتابونه في المسجد فأخذ بعضاتي الباب ... الخ، والرواية ليست للأمير لأن البيت من قول كثير عزة الذي عاش في زمن بني أمية بعد وفاة الأمير.
(1/61)
________________________________________
رغبوا إلى معاوية لدنياه، وتركوا نصرة الإمام، مع أنهم كانوا يدعون أنهم من شيعته المخصوصين، وشيعة أبيه، وأنهم احدثوا مذهب التشيع وأسسوه. ذكر ذلك السيد المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء والأئمة) عند ذكر عذر الإمام الحسن عن صلح معاوية وخلع نفسه من الخلافة وتفويضها إليه. (1)
وذكر أيضا نقلا عن كتاب (الفصول) (2) للإمامية أن رؤساء هذه الجماعة كانوا يكاتبون معاوية خفيا على الخروج للمحاربة مع الإمام، بل بعضهم أراد الفتك به - رضي الله تعالى عنه -. فلما تحققت هذه الأمور عنده رضي بالصلح مع معاوية وخلع الخلافة عن نفسه. (3)
الطبقة الرابعة
هم أكثر أهل الكوفة الذين طلبوا حضرة السبط الأصغر وريحانة سيد البشر الإمام الحسين - رضي الله تعالى عنه -، وكتبوا إليه كتبا عديدة في توجيه إلى طرفهم، فلما قرب من ديارهم مع الأهل والأقارب والأصحاب وأخذت الأعداء تؤجج نيران الحرب في مقابلته، تركه أولئك الكذابون وتقاعدوا عن نصرته وإعانته، مع كثرة عدد الأعداء وقوة شوكتهم. بل رجع اكثرهم مع الأعداء خوفا وطمعا، وصاروا سببا لشهادته وشهادة كثير ممن معه وآذوه أكثر مما آذى المشركون الأنبياء، حتى مات الأطفال والصبيان الرضع من شدة العطش، وأعروا ذوات الخدر والمستورات بالحجب من بيت النبوة وأطافوهم في البلاد والقرى والبوادى، وقد نشا ذلك من غدرهم وعدم وفائهم ومخادعتهم {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}.
الطبقة الخامسة
هو الذين كانوا في زمن استيلاء المختار (4) على العراق والبلاد الأخر من تلك الأقطار، وكانوا معرضين عن الإمام السجاد لمافقته المختار، وينطقون بكلمة محمد بن الحنفية ويعتقدون إمامته، مع أنه لم يكن من أولاد الرسول ولم يقم دليل على إمامته. وهذه الفرقة قد خرجت في آخر الأمر على الدين وحادت عن جادة المسلمين بما قالوا من نبوة المختار ونزول الوحي إليه. (5)
الطبقة السادسة
هم الذين حملوا زيدا الشهيد على الخروج، وتعهدوا بنصرته
_________
(1) فقد قال المرتضى: «فأظهروا له (- عليه السلام -) النصرة وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه ... ». تنزيه الأنبياء: ص 221.
(2) كتاب (الفصول المهمة في إثبات الأئمة) لمحمد بن الحسن المعروف بالحر العاملي (ت 1104هـ)، طبع بطهران سنة 1304هـ. الذريعة: 16/ 246.
(3) تنزيه الأنبياء: ص 222.
(4) المختار بن أبي عبيد الثقفي، قال الذهبي: «الكذاب لا ينبغي أن يروى عنه شيئا لأنه ضال مضل كان يزعم أن جبرائيل - عليه السلام - ينزل عليه، وكان ممن خرج على الحسن بن علي بن أبي طالب في المداين ثم صار مع ابن الزبير بمكة فولاه الكوفة فغلب عليها ثم خلع ابن الزبير ودعا على الطلب بدم الحسين فالتفت عليه الشيعة وكان يظهر لهم الأعاجيب ثم جهز عسكرا مع إبراهيم بن الأشتر إلى عبيد الله بن زياد وقتله سنة خمسوستين ثم توجه بعد ذلك مصعب بن الزبير إلى الكوفة فقاتله فقتل المختار سنة سبع وستين»، وقال ابن حجر: «ويقال إنه الكذاب الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله يخرج من ثقيف كذاب ومبير والحديث في صحيح مسلم». ميزان الاعتدال: 6/ 386؛ لسان الميزان: 6/ 6.
(5) ويعد الإمامية الآن المختار من المناضلين ضد الباطل. أخرج الكشي عن أبي جعفر [محمد الباقر] قال: «لا تسبوا المختار فإنه قتل قتلتنا، وطلب بثأرنا، وزوج أراملنا، وقسم فينا المال على العسرة». رجال الكشي: ص 125؛ رجال ابن داود: ص 513. قال الأعلمي: «وما ورد في ذمه إنما أعداؤه عملوا له المثالب ليباعدوه من قلوب الشيعة». دائرة المعارف الشيعية العامة: 17/ 24.
(1/62)
________________________________________
وإعانته، فلما جد الآمر وحان القتال أنكروا إمامته بسبب أنه لم يتبرأ من الخلفاء الثلاثة، فتركوه في أيدي العداء ودخلوا به الكوفة فاستشهد وعاد رزء الحسين، وكنا بواحد فصرنا باثنين، ولبئس ما صنعوا معه. (1) ولو فرضنا أنه لم يكن إماما أفلم يكن من أولاد الإمام، مع أن من علم صحة نسبه وإن كان من العصاة يجب على الأمة إعانته ونصرته ولا سيما إذا كان على الحق، ولم يلزمه من عدم التبرى ذنب ولم تلحقه منه نقيصة. وقد نقل الكشي (2) روايات صحيحة عن الأئمة الأطهار تدل على أن سب الخلفاء الثلاثة لا يحتاج إليه في النجاة ودخول الجنة، وقد كان مظلوما وإعانة المظلوم واجبة وفرض عين مع القدرة عليها.
الطبقة السابعة
هم الذين كانوا يدعون صحبة الأئمة والأخذ عنهم، مع أن الأئمة كانوا يكفرونهم ويكذبونهم. ولنذكر لك نبذة يسيرة من عقائد أسلافهم حيث أن هذا الكتاب لا يسع على سبيل الاستقصاء، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله. فنقول: إن منهم من كان يعتقد أن الله تعالى جسم دو أبعاد ثلاثة، كالهشامين (3) وشيطان الطاق. (4) ومنهم من اعتقد أن الله تعالى مجوف من الرأس إلى السرة، ومنها إلى القدم مصمت، كهشام بن سالم والمثيمي. (5) ومنهم من اعتقد أنه عز اسمه لم يكن عالما في الأزل كزرارة بن أعين وبكير أعين (6) وسليمان الجعفري ومحمد بن مسلم الطلحان وغيرهم. ومنهم من أثبت له تعالى مكانا وحيزا وجهه وهو الأكثرون منهم. ومنهم من
_________
(1) أخرج ذلك الطبري حيث قال في حوادث سنة 122هـ: «اجتمعت إليه (زيد بن علي) جماعة من رؤوسائهم [أي الشيعة] فقالوا: رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر؟، قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما ما سمعت أحدا من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيرا ... ففارقوه ونكثوا بيعته وكانوا يزعمون أن أبا جعفر محمد بن علي [الباقر] أخا زيد بن علي هو الإمام، وكان قد هلك يومئذ، وكان ابنه جعفر بن محمد حيا فقالوا جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه وهو أحق بالأمر بعد أبيه ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة». تاريخ الطبري: 4/ 204؛ المنتظم: 7/ 211.
(2) هو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، صاحب كتاب الرجال، قال النجاشي: «كان ثقة عينا وروى عن الضعفاء كثيرا»، مات سنة 340هـ. رجال النجاشي: 2/ 282؛ تنقيح المقال: 2/ 92.
(3) هما هشام بن الحكم مولى كندة اتفق الشيعة الاثنا عشرية على وثاقته مع ما ترى من كفر وإلحاد، وهشام بن يالم الجواليقي مولى بشر بن مروان يقول عنه علماء الحرج والتعديل من الشيعة: إنه ثقة ثقة.
(4) ينظر اعتقادات فرق المسلمين: ص 65؛ الملل والنحل: 1/ 187.
(5) هو على بن مثيم أحد علمائهم في الكلام ويزعمون أنه اعرفهم باخبار الأئمة كان معاصرا للمأمون والمعتصم وسيأتي بعض كفره وإلحاده
(6) كانا حفيدين لقسيس نصراني اسمه سنسن في بلد الروم.
(1/63)
________________________________________
كفر بالله تعالى فلم يعتقد بالصانع القديم ولا بالأنبياء. ولا بالبعث والمعاد كديك الجن الشاعر وغيره. ومنهم من كان من النصارى ويعلن بذلك جهارا ويتربي بزيهم، ومع ذلك لم يترك صحبة قومة كزكريا بن إبراهيم النصراني (1) الذي روى عنه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في كتابه (التهذيب) ومنهم من قال في حقهم الإمام جعفر الصادق - رضي الله تعالى عنه -: يروون عنا الأكاديب ويفترون علينا أهل البيت كالتبّان (2) المكنى بأبي أحمد.
ومنهم من حذر الأئمة الناس منهم وهم نقلة الأخبار ورواة الآثار عن الأئمة العظام، روى الكليني عن إبراهيم بن محمد الخراز (3) ومحمد بن الحسين (4) قالا دخلنا على أبي الحسن الرضا فقلنا: إن هشام بن سالم والمثيمي وصاحب الطاق يقولون إن الله تعالى أجوف من الرأس إلى السرة والباقي مصمت! فخر لله ساجدا ثم قال «سبحانك، ما عرفوك ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك» (5) وقد دعا الإمام الصداق على هؤلاء المذكورين وعلى زرارة بن أعين فقال: أخزاهم الله. وروى الكليني أيضا عن علي بن حمزة (6) قال قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن الله جسم صمدي نوري معرفته ضرورية يمن بها على من يشاء من عباده. فقال: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، ولا يحد ولا يحسن ولا يحيط به شئ ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد. (7)
ومنهم من كان منكرا لموت الإمام الصادق معتقدين بانه هو المهدى الموعود به وينكرون إمامة الأئمة الباقين. وأكثر رواة الإمامية كانوا واقفيه كما لا يخفى على من راجع أسماء رجالهم حيث يقولون في مواضع شتى: إن فلانا كان من الواقفية. فهاتان الفرقتان منكرتان لعدد الأئمة وتعيين أشخاصهم، ومنكر الإمامة عند الشيعة كمنكر النبوة كافر، ومع هذا يروى علماء الشيعة عنهم في صحاحهم. (8)
ومنهم من لم يعلم إمام وقته وقضى عمره في التردد والتحير، فدخل في هذا الوعيد «من مات ولم يعرف إمام زمنه مات
_________
(1) هو زكريا بن إبراهيم الحيري الكوفي
(2) هو بنان التبان .. كان يقول في تفسير آية {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} إن إله الأرض غير إله السماء
(3) إبراهيم بن محمد الخزاز، روايته عندهم عن الرضا، لا ذكر له في كتب الرجال عند الإمامية إلا في معجم رجال الحديث للخوئي: 1/ 264.
(4) محمد بن الحسين بن سفرجلة أبو الحسن الخزار الكوفي، قال النجاشي: «ثقة من أصحابنا، عين، واضح الرواية، له كتاب فضائل الشيعة وكتاب فضائل القرآن». رجال النجاشي: 2/ 311؛ معجم رجال الحديث: 17/ 12.
(5) الكافي: 1/ 101.
(6) هو علي بن أبي حمزة البطائني أبو الحسن الكوفي، قال النجاشي: «روى عن أبي الحسن موسى، وروى عن أبي عبد الله عليهما السلام، ثم وقف، وهو أحد أعمدة الواقفة»، أي ممن توقفوا بالإمامة عند موسى الكاظم ولم يقر بإمامة الرضا ومن بعده، ومع ذلك فهم يروون عنه ويعتبرونه من خيرة رجالهم. رجال النجاشي: 2/ 69؛ تنقيح المقال: 2/ 262. وينظر لسان الميزان: 2/ 234
(7) الكافي: 1/ 101.
(8) وروايات الإمامية عن الواقفية كثيرة جدا، منهم للمثال فقط: إبراهيم بن أبي بكر بن أبي سمال، وأخوه إسماعيل كانا من الواقفية، روى الكشي عن أحمد بن محمد البزاز، قال: «لقيني مرة إبراهيم بن أبي سمال، قال: فقلت يا أبا حفص ما قولك؟ قال: قلت قول الذي تعرف، قال: فقال يا أبا جعفر إنه ليأتي علي تارة ما أشك في حياة أبي الحسن - عليه السلام -، وتارة يأتي علي وقت ما أشك في مضيه، ولكن إن كان قد مضى فما لهذا الأمر أحد إلا صاحبكم، قال الحسن: فمات على شكه» معجم رجال الحديث: 1/ 168. ومن الواقفية الذين أخذوا عنهم: الحسين بن قياما (رجال الكشي: رقم 427)، والحسين بن كيسان (معجم رجال الحديث: 7/ 72)، والحسين بن مخاريق (معجم رجال الحديث: 7/ 92)، والحسين بن موسى (معجم رجال الحديث: 7/ 105).
(1/64)
________________________________________
ميتة جاهلية» (1) كالحسن بن سماعة (2) وابن فضال (3) وعمرو بن سعيد (4) وغيرهم من رواة الأخبار.
ومنهم من اخترع الكذب وأصر على ذلك كأبي عمرو بن خرقة البصري. (5) ومنهم من طرده الإمام جعفر الصادق عن مجلسه ثم لم يجوز له مجيئه إليه كابن مسكان (6)
ومنهم من أقر بكذبه كأبي بصير. (7)
ومنهم من كان من البَدائية الغالية كدرام بن الحكم وزياد ابن الصلت وابن هلال الجهمي وزرارة بن سالم. ومنهم من كان يكذب بعضهم بعضا في الرواية كالهاشمين وصاحب الطاق والمثيمي.
(ادعاء كل فرق الشيعة أنهم على مذهب أهل البيت)
واعلم أن جميع فرق الشيعة يدّعون أخذ علومهم من أهل البيت، وتنسب كل فرقة منهم إلى إمام أو ابن إمام، ويروون عنهم أصول مذاهبهم وفروعه، ومع ذلك يكذب بعضهم بعضا ويضل أحدهم الآخر مع ما بينهم من التناقض في الاعتقادات ولا سيما في الإمامة، فذلك أوضح دليل واقوى برهان على كذب تلك الفرق كلها. وذلك لأن هذه الروايات المختلفة والأخبار المتناقضة لا يمكن ورودها من بيت واحد وإلا يلزم كذب بعضهم، وقد قال تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} وقد علم أيضا من التواريخ وغيرها أن أهل البيت ولا سيما الأطهار من خيار خلق الله تعالى بعد
_________
(1) رواية شيعية أوردها المجلسي في بحار الأنوار: 46/ 186.
(2) الحسن بن سماعة بن مهران، ذكره الكشي في رجاله (رقم 339) وقال: واقفي، وهو غير الحسن بن محمد بن سماعة. وحاول الخوئي في معجم رجال الحديث إثبات أنهما رجل واحد في كتابه معجم رجال الحديث: 5/ 344؛ لكن التصريح وقع في أصول الشيعة كما في روايات ابن مهران الجزء 5، باب نزول المزدلفة من كتاب الحج، الحديث 627، والاستبصار: الجزء 2، باب وقت الخروج إلى منى، الحديث 896. وينظر ما كتبه العاملي في أعيان الشيعة: 5/ 107.
(3) علي بن فضال بن عمر بن أيمن، مولى عكرمة بن ربعي الفياض، كان فطحيا على قولهم، قال الكشي قال من الفطحية جماعة من فقهاء أصحابنا منهم ابن فضال. رجال النجاشي: 1/ 212؛ تنقيح المقال: 1/ 193.
(4) عمرو بن سعيد المدائني، روايته عندهم عن الرضا، رغم أنه فطحي لكنهم قبلوا روايته، فوثقه النجاشي (في رجاله: 2/ 133) والطوسي (في رجاله: رقم 488)، الذي صرح بأنه فطحي حيث قال: «ذكر عمرو بن سعيد المدائني - وكان فطحيا - قال: كنت عند أبي الحسن العسكري - عليه السلام -». الغيبة: ص 349. وأقر الكشي في رجاله بأنه كان فطحيا. رجال الكشي: ص 612.
(5) هو محمد بن محمد بن النضر السكوني البصري عدة نحريرهم عبد النبي في كتابه «حاوي الأقوال» مرة في الضعفاء. ومرة في الثقات. ولما كان رجال الجرح والتعديل منهم لا يبالون بكذب رواتهم فإنهم يسكتون عن إعلان ضعف الضعيف بسبب كذبه لأن الكذب ليس عندهم من أسباب الحرج.
(6) هو عبد الله بن مسكان الكوفي مولى عنزة. زعموا أنه كان لا يدخل على الإمام جعفر الصادق شفقة أن لا يوافيه حق إجلاله
(7) في رجالهم أكثر من واحد كنيتهم «أبو بصير» منهم عبد الله بن محمد الأسدي وليث ابن البختري المرادي. وقد قال علماؤهم في الجرح والتعديل: كان الإمام جعفر الصادق يتضجر من أبي بصير ليث بن البختري ويتبرم، وأصحابه مختلفون في شأنه. قال ابن الغضائري الشيعي: وعندي أن الطعن وقع على دين ليث لا على حديثه، وهو عندي ثقة. قالوا: إن الطعن في دينه لا يوجب الطعن!
(1/65)
________________________________________
النبيين وأفضل سائر عبداه المخلصين والمقتفين لآثار جدهم سيد المرسلين، فلا يمكن صدور الكذب عنهم، فعلم أنهم بريئون مما ترويه عنهم تلك الفرق المضلة بعضهم بعضا، بل قد وضعها كل فرقة من هذه الفرق ترويحا لمذهبهم. ولذا وقع فيها التخالف. قال تعالى {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
(اختلاف أهل السنة)
وأما الاختلاف الواقع عند أهل السنة فليس كذلك لوجهين:
الأول: أنه اختلاف اجتهادي، فإنهم يعلمون من زمن الصحابة إلى زمن الفقهاء الأربعة أن كل عالم مجتهد ويجوز للمجتهد العمل برأيه المستنبط من دلائل الشرع فيما ليس فيه نص. واختلاف الآراء طبيعي لنوع الإنسان، وليس ذلك اختلاف الرواية حتى يدل على الكذب والآفتراء.
الثاني: أن اختلافهم كان في فروع الفقه لا في أصول الدين، واختلاف الفروع للأجتهاد جائز فلا يكون دليلا لبطلان المذهب، وذلك كاختلاف المجتهدين من الإمامية في المسائل الفقهية كطهارة الخمر ونجاسته وتجويز الوضوء بماء الورد وعدمه.
ولننبهك على كيفية أخذ الشيعة من أهل البيت، فاعلم أن الغلاة - وهم أقدم من جميع الفرق الشيعية وأضلهم - قد أخذوا مذهبهم عن عبد الله بن سبأ حيث موه عليهم قصدا لإضلالهم أنه أخذ ذلك عن الأمير كرم الله تعالى وجهه، وزعمت المختارية والكيسانية أنهم قد أخذوه عن الأمير والمحسنين وعن محمد بن علي وعن أبي هاشم ابنه، والزيدية عن الأمير والحسنين، وزين العابدين وزيد بن على ويحيى بن زيد، والباقرية عن خمسة أعني الأمير إلى الباقر، والناووسية عن هؤلاء الخمسة والإمام الصادق، والمباركة عن هؤلاء الستة وإسماعيل بن جعفر، والقرامطة عن هؤلاء السبعة ومحمد بن إسماعيل، والشميطية عن هؤلاء الثمانية ومحمد بن جعفر وموسى وعبد الله وإسحاق أبناء جعفر، والمهدية عن اثنين وعشرين وهم كانوا يعتقدون أن جميع سلاطين مصر والمغرب الذين خلوا من نسل محمد الملقب بالمهدي
(1/66)
________________________________________
أئمة معصومون، ويزعمون ان العلم المحيط بجميع الأشياء كان حاصلا لهم، وهؤلاء السلاطين أيضا كانوا يدعون ذلك كما تشهد لذلك تواريخ مصر والمغرب. والنزارية عن ثمانية عشر أولهم أمير المؤمنين وآخرهم المستنصر بالله.
والإمامية الاثنا عشرية عن اثني عشر أولهم الأمير وآخرهم الإمام محمد المهدي. ولا حد لعلمائهم في الكثرة، وقدمائهم المشاهير سليم بن قيس الهلالي، (1) وأبان (2) وهشام بن سالم، وصاحب الطاق، وأبو الأحوص (3) وعلي بن منصور، (4) وعلي بن جعفر، (5) وبيان بن سمعان المكنى بأبي أحمد المشهور بالجزري، وابن أبي عمير وعبد [الله] بن المغيرة (6) والنصري (7)
وأبو البصير، (8) ومحمد بن حكيم، (9) ومحمد بن فرج الرخجي، (10) وإبراهيم الخزاز، (11) ومحمد بن الحسين، (12) وسليمان الجعفري، (13) ومحمد بن مسلم وبكير بن أعين وزرارة بن أعين وأبنائهما، (14) وسماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعيسى وعثمان وعلي، وهؤلاء الثلاثة بنو فضال، (15) وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، (16) ويونس بن عبد الرحمن القمي، وأيوب بن نوح، (17) وحسن بن العباس بن الحريش، (18)
وأحمد بن إسحاق، (19) وجابر الجعفي، (20) ومحمد بن جمهور العمي، (21) والحسين بن سعيد، (22) وعبد الله (23) وعبيد الله (24) ومحمد (25)
وعمران (26) وعبد الأعلى (27) كلهم بنو علي بن أبي شعبة وأولادهم وجدهم.
وأما المصنفون من الاثني عشرية فصاحب (معالم الأصول) (28) فخر المحققين، (29) ومحمد بن على الطرازي، (30) ومحمد بن عمر الجعابي، (31) وأبو الفتح محمد بن على الكراجكي (32) والكفعمي، (33) وجلال الدين حسن بن أحمد (34) شيخ الشيخ المقتول، ومحمد بن الحسن الصفار، وأمان بن بشر البغال وعبد الكريم الخشعي، (35)
_________
(1) عدوه من أصحاب علي - رضي الله عنه - إلى الباقر، وادعوا أن الحجاج طلبه ليقتله فهرب وأوى إلى أبان بن أبي عياش، فلما حضرته الوفاة قال لأبان: «إن لك علي حقا وقد حضرني الموت يا ابن أخي أنه كان من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيت وكيت وأعطاه كتابا»، فلم يرو عن سليم بن قيس أحد من الناس سوى أبان، وذكر أبان حال شيخه فقال: «كان شيخا متعبدا له نور يعلوه»، ولذا شكك بعض علماء الإمامية بمصداقية الكتاب، فقال المفيد: «غير أن هذا الكتاب غير موثوق به ولا يجوز العمل على أكثره، وقد حصل فيه تخليد وتدليس فينبغي للمتدين أن يتجنب العمل بكل ما فيه ولا يعوّل على جملته والتقليد لروايته»، مات قيس سنة 90هـ. رجال النجاشي: 1/ 68؛ تنقيح المقال: 2/ 52؛ أعيان الشيعة: 7/ 293.
(2) أبان بن تغلب بن رياح، أبو سعيد البكري مولاهم الجريري، قال عنه النجاشي: «عظيم المنزلة في أصحابنا لقي علي بن الحسين، وأبا جعفر وأبا عبد الله عليهم السلام، وروى عنهم، وكانت له عندهم منزلة عظيمة»، وهو غير أبان بن تغلب الربعي أبي سعد الكوفي، فهذا من رجال مسلم، وأخرج له الأربعة (ترجمته في تهذيب التهذيب: 1/ 81)، فهما يختلفان في الكنية والنسب، ولم يثبت له أهل السنة رواية عن علي بن الحسين أو عن جعفر الصادق، في حين أثبتها الشيعة الإمامية، وقد حاول الإمامية ابتداءً بالنجاشي وانتهاءً بالخوئي جعلهما رجلا واحدا.
(3) أبو الأحوص داود بن أسد بن غفير البصري، قال عنه النجاشي: «شيخ جليل فقيه متكلم من أصحاب الحديث، ثقة ثقة»،. رجال النجاشي: 1/ 364؛ تنقيح المقال: 1/ 407.
(4) أبو الحسن علي بن منصور الكوفي، كان من تلاميذ هشام بن الحكم، لم يذكره الشيعة الإمامية بجرح ولا تعديل. رجال النجاشي: 2/ 71؛ معجم رجال الحديث: 13/ 201.
(5) علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، أبو الحسن سكن المدينة ونسب إليها، ذكره الإمامية من الرواة عن أهل البيت وقالوا يروي عن الصادق والكاظم والرضا، ورغم شرفه لكنهم لم يوثقوه. رجال النجاشي: 2/ 72؛ عمدة الطالب: ص 241. وذكره من أهل السنة ابن حجر وغيره، وله حديث واحد في الترمذي ذكره الترمذي واستغربه، قال الذهبي: «وحديثه هذا منكر جدا»، مات سنة 210هـ. تهذيب التهذيب: 7/ 258؛ ميزان الاعتدال: 5/ 144.
(6) في المطبوع عبد المغيرة، والتصحيح من كتب الإمامية، قال عنه النجاشي: «ثقة ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه، روى عن موسى الكاظم»، قيل إنه صنف ثلاثين كتابا. رجال النجاشي: 2/ 11.
(7) الحارث بن المغيرة النضري أو النصري، نسبه النجاشي إلى نصر بن معاوية، وقال: «بصري روى عن الباقر والصادق وزيد بن علي، ثقة ثقة، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا». رجال النجاشي: 1/ 333. ذكره الحافظ ابن حجر، لسان الميزان: 2/ 160 ..
(8) محمد بن حكيم الخثعمي، قال النجاشي: «يروي عن الصادق والكاظم، وله كتاب يرويه عنه ابنه جعفر»، ولم يذكروا له جرحا ولا تعديلا. رجال النجاشي: 2/ 257؛ تنقيح المقال: 3/ 109.
(9) محمد بن حكيم الخثعمي، قال النجاشي: «يروي عن الصادق والكاظم، وله كتاب يرويه عنه ابنه جعفر»، ولم يذكروا له جرحا ولا تعديلا. رجال النجاشي: 2/ 257؛ تنقيح المقال: 3/ 109.
(10) في الأصل (الرجعي). والتصحيح من كتبهم. الرخجي (نسبة إلى قرية أسفل بغداد)، ذكره النجاشي وقال: «يروي عن الكاظم له كتاب مسائل»، ولم يذكروا له جرحا ولا تعديلا. رجال النجاشي: 2/ 279؛ تنقيح المقال: 3/ 171.
(11) تقدمت ترجمته
(12) محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (زيد)، أبو جعفر الزيات الهمداني، قال النجاشي: «جليل من أصحابنا عظيم القدر كثير الرواية، ثقة عين حسن التصانيف مسكون إلى روايته»، قالوا بأنه عاش أكثر من 105 سنوات حيث مات سنة 262هـ. رجال النجاشي: 2/ 220؛ تنقيح المقال: 3/ 106.
(13) سليمان بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار، أبو محمد الجعفري، روى عن الرضا والعسكري، قال النجاشي: «كان ثقة وله كتاب فضل الدعاء». رجال النجاشي: 1/ 412؛ عمدة الطالب: ص 44.
(14) قال الخوئي: «وزرارة يكنى أبا علي أيضا وله عدة أولاد منهم: الحسن والحسين ورومي وعبيد وكان أحول وعبد الله ويحيى، بنو زرارة: ولزرارة إخوة جماعة منهم حمران وكان نحويا وله ابنان حمزة بن حمران ومحمد بن حمران، وبكير بن أعين يكنى أبا الجهم وابنه عبد الله بن بكير وعبد الرحمن بن أعين، وعبد الملك بن أعين وابنه ضريس بن عبد الملك، ولهم روايات كثيرة وأصول وتصانيف». معجم رجال الحديث: 8/ 225.
(15) وثقوا هؤلاء الثلاثة رغم أنهم من الأفطحية حيث روى الطوسي عن: «الحسن بن علي وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا: كيف نعمل بكتبهم؟ وبيوتنا منها ملئ فقال: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا». الغيبة: ص 389 - 390.
(16) هو أحمد بن عمرو بن أبي نصر (زيد)، أبو جعفر البزنطي الكوفي السكوني مولاهم. قال النجاشي: «لقي الرضا والكاظم وكان عظيم المنزلة عندهما وله كتب»، مات سنة 220هـ. رجال النجاشي: 1/ 202؛ تنقيح المقال: 1/ 77.
(17) أيوب بن نوح بن درّاج النخعي، أبو الحسين، قال النجاشي: «كان وكيلا لأبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام، عظيم المنزلة عندهما، مأمونا وكان شديد الورع كثير العبادة ثقة في رواياته». رجال النجاشي: 1/ 255.
(18) قال النجاشي: «يروي عن أبي جعفر، ضعيف جدا له كتاب رديء الحديث مضطرب الألفاظ»، وقال ابن حجر بعد نقل كلام النجاشي، وقيل: «إنه كان يضع الحديث» .. رجال النجاشي: 1/ 176؛ لسان الميزان: 2/ 216
(19) أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري، أبو علي القمي، كان رسول القميين إلى الأئمة، ذكره الكليني فيمن رأى إمامهم الغائب في كتاب الحجة من الكافي، وذكره الطوسي وعده من السفراء الذين وردتهم كتابات صاحب الزمان، قال: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة أصلا ومنهم أحمد بن إسحاق»!، وهو عندهم من أوثق رواتهم. رجال النجاشي: 1/ 234. الطوسي، الغيبة: ص 414.
(20) جابر بن يزيد بن الحرث الجعفي الكوفي، اختلف علماء الحديث السنة فيه، فوثقه البعض، وضعفه معظمهم وتركوه، فقد تركه النسائي، وقال يحيى: «لا يكتب حديثه ولا كرامة»، ونقل عباس الدوري عن زائدة قوله عن الجعفي: «كان كذابا»، مات سنة 128هـ. ميزان الاعتدال: 2/ 103. أما عند الإمامية فهو من خيرة رواتهم عن الباقر والصادق وقيل إنه روى عنهما سبعين ألف حديث، قال المامقاني: «إن الرجل في غاية الجلالة ونهاية النبالة، وله المنزلة العظيمة عليهما السلام بل، من أهل أسرارهما وبطانتهما ومورد ألطافهما الخاصة وعنايتهما المخصوصة وأمينهما على ما لا يؤتمن عليه إلا أوحدي العدول من الأسرار ومناقب أهل البيت عليهم السلام». تنقيح المقال: 1/ 203؛ رجال النجاشي: 1/ 313.
(21) قال النجاشي عنه: «ضعيف في الحديث فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها، روى عن الرضا - عليه السلام -». قال النائيني محقق رجال النجاشي: «مر في ترجمة ابنه محمد أنه كان أوثق من أبيه، فيستفاد منه وثاقة أبيه محمد وكونه صالحا فتدبر»!، رغم تضعيف المتقدمين له. رجال النجاشي: 2/ 225.
(22) الحسين بن سعيد بن حماد بن مهران أبو محمد الأهوازي، يروي عندهم عن الرضا، قال الكشي: «إمامي ثقة أبوه يلقب دندان». رجال النجاشي: 1/ 207. وذكره ابن حجر في لسان الميزان: 1/ 405
(23) ورد في بعض كتبهم روايات عبد الله بن علي بن أبي شعبة، لكن قرر الخوئي أنه هو نفسه عبيد الله كما في معجم رجال الحديث: 12/ 87. ويدل على ذلك قول النجاشي حين ذكر أولاد علي بن أبي شعبة أنهم: «عبيد الله وعبد الأعلى وعمران ومحمد». رجال النجاشي: 2/ 38.
(24) ذكره النجاشي وقال: «ضعيف في الحديث فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها، روى عن الرضا - عليه السلام - وله كتاب الملاحم الكبير وكتاب نوادر الحج، كتاب أدب العلم». قال النائيني محقق رجال النجاشي: «مر في ترجمة ابنه محمد أنه كان أوثق من أبيه، فيستفاد منه وثاقة أبيه محمد وكونه صالحا فتدبر»!، رغم ما قاله المتقدمون فيه! رجال النجاشي: 2/ 225.
(25) هو محمد بن علي بن أبي شعبة، أبو جعفر الحلبي، قال النجاشي: «وجه أصحابنا وفقيههم، والثقة الذي لا يطعن عليه هو وأخوته، له كتاب في التفسير»، روايته عندهم عن الباقر والصادق. رجال النجاشي: 2/ 202؛ معجم رجال الحديث: 17/ 325 ..
(26) هو عمران بن علي بن أبي شعبة، أبو الفضل الحلبي، روايته عند الإمامية عن الصادق، وثقوه حيث ذكره ابن أبي داود وابن المطهر الحلي في القسم الأول من رجالهم. خلاصة الأقوال: ص 83؛ معجم رجال الحديث: 14/ 159.
(27) عبد الأعلى بن علي بن أبي شعبة، وثقه النجاشي في ترجمة أخيه محمد بن علي. رجال النجاشي: 2/ 202؛ معجم رجال الحديث: 10/ 377.
(28) من تصنيف حسن نجل الشهيد الثاني المتوفى سنة 1011هـ. الذريعة: 14/ 70.
(29) هو أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، وهو الولد الأشهر لابن المطهر الحلي، مات سنة 771هـ. روضات الجنات: 6/ 330؛ جامع الرواة: 2/ 96؛ أمل الآمال: 2/ 260.
(30) ذكروا له كتابا واحدا هو (كتاب الدعاء والزيارة) وبه اشتهر، والكتاب في عداد المفقود، وكان الطرازي معاصرا للنجاشي المتوفى سنة 450هـ. الذريعة: 8/ 195.
(31) محمد بن عمر بن محمد التميمي البغدادي الجعابي، محدث وأخباري، قال الذهبي: «له مصنفات كثيرة وله غرائب وهو شيعي»، تولى القضاء بالموصل وتوفي ببغداد سنة 355هـ. ميزان الاعتدال: 6/ 281؛ معجم المؤلفين: 11/ 92. وذكره من الشيعة النجاشي فقال: «كان شيخ شيخنا (المفيد)». رجال النجاشي: 2/ 319؛ تنقيح المقال: 3/ 165.
(32) هو أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، قال عنه الذهبي: «شيخ الرافضة وعالمهم صاحب التصانيف»، من تلاميذه الشيخ المفيد والشريف المرتضى والطوسي، مات سنة 449هـ. سير أعلام النبلاء: 18/ 121؛ أعيان الشيعة: 9/ 401.
(33) إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل الحارثي الكفعمي العاملي، قال المجلسي: «من مشاهير الفضلاء والمحدثين والصلحاء المتورعين»، مات سنة 905هـ. أمل الآمال: 1/ 27؛ أعيان الشيعة: 2/ 184؛ تنقيح المقال: 1/ 27؛ الذريعة: 1/ 355، 1/ 356، 3/ 11.
(34) جلال الدين أبو محمد الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن جعفر بن هبة الله الربعي الحلي، قال الحر العاملي: كان فاضلا عالما، وكان على قول تلميذه المقتول: «شيخ الشيعة ورئيسهم في زمانه»، من مؤلفاته (أخذ الثأر في أحوال المختار بن أبي عبيدة) مات في حدود 766هـ. أعيان الشيعة: 5/ 16؛ الذريعة: 1/ 369.
(35) ذكره الآلوسي بعبد الرحمن، والراجح أنه عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي مولاهم الكوفي، روايته عند الشيعة الإمامية عن الصادق والكاظم، قال الطوسي: «واقفي خبيث»، وقال الكشي: «واقفي»، ومع ذلك وثقه النجاشي فقال: «كان ثقة ثقة عينا له كتاب يرويه عدة من أصحابنا»، وسماه صاحب الذريعة (كتاب الحديث)، أما المامقاني فزكاه ونفى تهمة الوقف! رجال النجاشي: 2/ 62؛ تنقيح المقال: 2/ 37؛ الذريعة: 6/ 343.
(1/67)
________________________________________
وفضل بن شاذان القمي، (1) ومحمد بن يعقوب الكليني الرازي، وعلي [بن الحسين] بن بابويه القمي، والحسين ابنه أيضا.
وهذا القمي غير القمي (2) الذي استشهد به الإمام البخاري في رواية حديث «الشفاء في ثلاث: شرطه محجم، وشربة عسل، وكية بنار» (3) وذلك في كتاب الطب من صحيحه وقال: رواه القمي عن ليث (4) عن مجاهد (5) في سند الحديث. لأن بابويه القمي الرافضي من أهل القرن الرابع وليث من أهل القرن الثاني فلا يمكن أن يرى ليثا ويروي عنه، ولو حملنا كلمة «رواه عن ليث» على الإرسال بالواسطة دون الاتصال مع خلاف دأب البخاري ومتعارفه فكيف نستشهد به مع أنه متأخر عن البخاري بزمن طويل. ولنعم ما قيل في تاريخ ولادة البخاري - رضي الله تعالى عنه - ومدة عمره:
كان البخاري حافظا ومحدثا ... جمع الصحيح مكمل التحرير
ميلاده «صدق» (6) ومدة عمره ... فيها «حميد» (7) وانقضى في «نور» (8)
وهذه جملة وقعت في البين لا تخلو عن فائدة:
ولنرجع إلى عد بقية مصنفيهم فمنهم: عبيد الله بن علي الحلبي، (9) وعلي بن مهزيار الأهوازي، (10) وسلار (11) وعلي بن إبراهيم القمي، (12) وابن براج، (13) وابن زهرة، (14) وابن إدريس (15) المفتري على الشافعي المشهور، والذى جرأه على ذلك مشاركته له في الكنية، ومعين الدين المصري، (16)
وابن جنيد، (17) وحمزة (18) وأبو الصلاح، (19) وابن المشرعة الواسطي (20) وابن عقيل (21) والغضائري والكشي والنجاشي والملا حيدر العاملي (22) والبرقي ومحمد بن جرير الطبري الآملي (23) وابن هشام الديلمي، ورجب بن محمد بن رجب البرسي، (24) إلى غير ذلك مما هو مذكور في (الترجمة العبقرية) وكذا إن أردت أسماء كتبهم فراجعها.
_________
(1) الفضل بن شاذان بن الخليل، أبو محمد الأزدي النيسابوري، قال النجاشي عنه: «روى عن الرضا والهادي، وكان ثقة أحد أصحابنا الفقهاء المتكلمين، وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن نصفه»، ثم قال: «قيل إنه صنف مائة وثمانين كتابا». رجال النجاشي: 2/ 168؛ وذكره ابن النديم، الفهرست: ص 323.
(2) هو يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري، أبو الحسن القمي، قال الطبراني: «كان ثقة»، وقال الدارقطني: «ليس بالقوي»، وذكره ابن حبان في الثقات، توفي سنة 174هـ. التجريح والتعديل: 3/ 1240؛ تهذيب التهذيب: 11/ 342. وذكره الإمامية وقالوا: لا بأس به. دائرة المعارف الشيعية: 18/ 603.
(3) أخرجه البخاري عن ابن عباس
(4) هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهري، أبو الحارث النضري، روى عن الزهري وعطاء ونافع وخلق كثير، قال يحيى بن بكير: «ما رأيت أحدا أكمل من الليث بن سعد كان فقيه البدن عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر حسن المذاكرة لم أر مثله»، توفي سنة 175هـ. تذكرة الحفاظ: 1/ 224؛ طبقات الحفاظ: 1/ 102.
(5) هو أبو الحجاج مجاهد بن جبر الإمام المخزومي مولاهم الكوفي، من كبار التابعبن،، قال الذهبي: «كان أحد أوعية العلم»، توفي سنة 103هـ. طبقات ابن سعد: 5/ 466؛ تذكرة الحفاظ: 1/ 83؛ تهذيب التهذيب: 10/ 38.
(6) بحساب الجمل 194
(7) 62
(8) 256
(9) هو عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي التيمي مولاهم الكوفي، قال النجاشي: «كان يتجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب، غلب عليهم النسب إليها ... وكانوا جميعهم ثقات، مرجوعا إلى ما يقولون، وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم، وصنف الكتاب المنسوب إليهم وهو كتاب (أبو شعبة)»، وتدعي الشيعة أنه أول مؤلفاتهم، وأنه عرض على الصادق وصححه، وسماه صاحب الذريعة ب (كتاب الفقه). رجال النجاشي: 2/ 38؛ تنقيح المقال: 2/ 240؛ الذريعة: 16/ 281.
(10) هو أبو الحسن الدروقي، قال النجاشي: «روى عن الرضا وأبي جعفر، واختص بأبي جعفر الثاني (الهادي) وتوكل له وعظم محله منه، فكانت التوقيعات تخرج باسمه من الغائب»، وأضاف: «وكان ثقة في روايته لا يطعن عليه، وصنف الكتب المشهورة»، مات بعد 230هـ. رجال النجاشي: 2/ 74؛ تنقيح المقال: 2/ 310؛ معجم المؤلفين: 7/ 247.
(11) قيل اسمه حمزة أو سالار بن عبد العزيز الديلمي، مات سنة 463هـ، من تصانيفه (المقنع في الفقه)، (الأبواب والفصول في الفقه)، (التقريب في أصول الفقه). تنقيح المقال: 2/ 42؛ أعيان الشيعة: 7/ 170؛ معجم المؤلفين: 4/ 235.
(12) هو علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، قال عنه النجاشي: «ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب، سمع فأكثر وصنف كتبا، وعمى في وسط عمره»، أخذ عنه الكليني، مات القمي سنة 329هـ. وترجم له الحافظ ابن حجر وقال: «رافضي جلد له تفسير فيه مصائب». رجال النجاشي: 2/ 86؛ معجم الأدباء: 12/ 215؛ لسان الميزان: 4/ 191؛ معجم المؤلفين: 7/ 9.
(13) هو عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز البراج الشامي، قال العاملي: «القاضي سعد الدين وجه الأصحاب وفقيهم»، وله مصنفات منها (المهذب)، (المعتمد) (الجواهر) (الكامل في الفقه)، مات سنة 481هـ. أعيان الشيعة: 8/ 18؛ روضات الجنات: 4/ 202؛ معجم المؤلفين: 5/ 262
(14) هو حمزة بن علي بن زهرة بن الحسن بن زهرة الحسيني الحلبي، قال عنه الحر العاملي: «فاضل عالم ثقة جليل القدر عظيم المنزلة، وله تصانيف تبلغ نحو العشرين»، مات سنة 585هـ. أمل الآمل: 2/ 105؛ أعيان الشيعة: 6/ 249؛ معجم المؤلفين: 4/ 80.
(15) هو أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس بن الحسين العجلي الحلي، قال عنه العاملي: «فقيه الشيعة كان من فضلاء فقهاء الشيعة والعارفين بأصول الشريعة»، وطعن به سديد الدين الحمصي الشيعي فقال: «هو مختلط لا يعتمد على تصنيفه»، من مؤلفاته (السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي)، مات سنة 598هـ. أعيان الشيعة: 9/ 12؛ أمل الآمال؛ الذريعة: 12/ 155.
(16) هو سالم بن بدران بن علي الحلي المازندي، ومن تلامذته نصير الدين الطوسي، قال عنه الحر العاملي: «كان عالما فاضلا»، له مؤلفات منها (التحرير في الفقه)، (الأنوار المضيئة)، مات نحو 670هـ .. أمل الآمال: 2/ 324؛ أعيان الشيعة: 7/ 172؛ الذريعة: 2/ 230، 2/ 441، 3/ 377، 20/ 383، 21/ 277؛ معجم المؤلفين: 4/ 202.
(17) هو محمد بن أحمد بن الجنيد، أبو علي الكاتب الأسكافي، قال النجاشي: «وجه من أصحابنا ثقة جليل القدر، صنف فأكثر، وكان يقول بالقياس»، مات في سنة 381هـ. رجال النجاشي: 2/ 306؛ تنقيح المقال: 2/ 58؛ فهرست الطوسي: ص 134.
(18) في الأصل (حمزة أبو الصلاح) والتصحيح من السيوف المشرقة (53/ أ) فهما اثنان، الأول منهما هو حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، قال النجاشي: «ثقة جليل القدر من أصحابنا كثير الرواية»، رجال النجاشي: 2/ 334.
(19) هو تقي الدين علي بن منصور بن نجم الحلبي، أبو الصلاح، قال الطوسي: «ثقة قرأ علينا وعلى المرتضى»، من مؤلفاته: (البداءة)، (غاية الإنصاف في مسائل الخلاف)، (الكافي في الفقه). أمل الآمال: 2/ 46؛ معالم العلماء: ص 29؛ الذريعة: 3/ 57، 16/ 9، 17/ 247.
(20) كذا ذكره الطهراني، وسماه العاملي بابن الشريفة، وذكرا له كتاب (اللباب) فقط. الذريعة: 18/ 273؛ أعيان الشيعة: 2/ 266.
(21) هو أبو محمد الحسن بن علي بن عيسى بن أبي عقيل العماني الحذاء، قال النجاشي: «فقيه متكلم ثقة، له كتب في الفقه والكلام»، وقال عنه العاملي: «هو من قدماء الأصحاب، ويعبر عنه وعن ابن الجنيد بالقديمين، وهما من أهل المائة الرابعة». رجال النجاشي: 1/ 153؛ أعيان الشيعة: 5/ 158.
(22) حيدر بن علي بن حيدر بن علي الحسيني المازندراني، ركن الدين الآملي، قال عنه العاملي: «فاضل عالم جليل مفسر فقيه محدث، كان من عظماء الإمامية»، ذكروا له: (المحيط الأعظم في التفسير)، (التأويلات)، (جامع الأسرار)، وكان حيا سنة 787هـ. أعيان الشيعة: 6/ 271؛ إيضاح المكنون: 2/ 192، 493؛ معجم المؤلفين: 4/ 91.
(23) قال عنه ابن حجر: «رافضي له تصانيف منها كتاب الرواة عن أهل البيت»، ورماه بالرفض الكتاني أيضا، قال ابن بابويه: «هو الآملي قدم الري وكان من جلة المتكلمين على مذهب المعتزلة، وله مصنفات»، ونقل النجاشي أن وفاته كانت سنة 310هـ، وهي سنة وفاة الطبري الإمام المشهور صاحب التفسير! وقال عنه النجاشي: جليل من أصحابنا كثير العلم حسن الكلام ثقة في الحديث له كتاب (المسترشد في الإمامة). رجال النجاشي: 2/ 289؛ لسان الميزان: 5/ 103.
(24) المعروف برضي الدين البرسي الحلي، قال العاملي: «كان فاضلا شاعرا منشئا أديبا له كتاب وفي كتابه إفراط، وربما نسب إلى الغلو»، مات نحو 813هـ. أمل الآمال: 2/ 117؛ أعيان الشيعة: 6/ 465.
(1/68)
________________________________________
واعلم أن جميع فنونهم في الكلام والعقائد والتفسير ونحوها مستمدة من كتب غيرهم. والمعتمد من كتب أخبارهم الأصول الأربعة: أحدها (الكافي) المشهور بالكليني، وثانيها (من لا يحضره الفقيه) وثالثها (التهذيب) ورابعها (الاستبصار). وصرح علماؤهم بأن العمل بكل ما في هذه الأربعة واجب، وكذلك صرحوا بأن العمل برواية الإمامي الذي يكون دونه أصحاب الأخبار أيضا واجب بهذا الشرط كما نص على ذلك أبو جعفر الطوسي والشريف المرتضى وفخر الدين الملقب بالمحقق الحلي، (1) مع أنه يوجد في تلك الكتب الأربعة من رواية المجسمة كالهشامين وصاحب الطاق، ورواية من اعتقد أن الله تعالى لم يكن عالما في الأزل كزرارة وأمثاله كالأحولين (2) وسليمان الجعفري، ورواية من كان فاسد المذهب ولم يكن معتقدا بإمام أصلا كبني فضّال وابن مهران وغيرهم، ورواية بعض الوضاعين الذين لم يخف حالهم على الشيعة كجعفر الأودي (3) وابن عياش (4) وكتاب (الكافي) مملوء من رواية ابن عياش وهو بإجماع هذه الفرقة كان وضاعا كذابا.
والعجيب من الشريف مع علمه بهذه الأمور كان يقول: إن أخبار فرقتنا وصلت إلى حد التواتر، (5) وأعجب من ذلك أن جمعا من ثقاتهم رووا خبرا وحكموا عليه بالصحة، وآخرين كذلك حكموا عليه بأنه موضوع مفترى، وهذه الأخبار كلها في صحاحهم كما أن ابن بابويه حكم بوضع ما روي في تحريف القرآن وآياته، ومع ذلك فتلك الروايات ثابتة في (الكافي) بأسانيد صحيحة بزعمهم، إلى غير ذلك من المفاسد، والله سبحانه يحق الحق وهو يهدي السبيل.
_________
(1) يدل على ذلك كتاب الحلي (مختلف الشيعة في أحكام الشريعة)، فرغم ادعائهم أن ما في الكتب الأربعة في حكم المتواتر عندهم عن (المعصوم)، لكن منها ما رواه عمار بن موسى قال: «سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة». وأخرج الرواية الكليني، الكافي: 1/ 49؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 2/ 201، قال الحلي: «وفي سنده عمار وهو ضعيف، لذا حمل الطوسي الخبر على من نسي الاستنجاء بالماء واستنجى بالحجر». مختلف الشيعة: 1/ 272، وكلام الطوسي في تهذيب الأحكام: 2/ 201. بل ضعف الحلي الأحاديث التي يطلق عليها أيضا لفظ (الصحيح) عندهم، مثال ذلك: «روى محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق - عليه السلام - عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء فتيمم وصلى هل يعيد ... الرواية؟» أخرجها الكليني، الكافي: 3/ 65؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: 1/ 149؛ ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: 1/ 105. قال الحلي: «سنده ضعيف». مختلف الشيعة: 1/ 440. وضعف الحلي أيضا أحاديث كثيرة من كتبهم الأربعة في كتابه (مختلف الشيعة)، ينظر مثلا: 1/ 448، 2/ 27، 2/ 66، 2/ 174، 2/ 293، 2/ 373، 3/ 55، 3/ 229.
(2) المعروفون بالأحول من رجال الشيعة كثيرون منهم أبو سعيد الأحول، وبكر ابن عيسى أبو زيد الأحول، وجعفر بن محمد بن يونس الأحول الصيرفي مولى بجيلة، وجعفر ابن يحيى بن سعيد الأحول، وحبيب الأحول الخثعمي، والحسين بن عبد الملك الأحول. بل إن الخبيث عدو الله شيطان الطاق كان يلقب بالأحول أيضا.
(3) لم يذكر له الشيعة جرحا ولا تعديلا. رجال النجاشي: 1/ 307؛ معجم رجال الحديث: 5/ 11.
(4) هو أحمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش بن إبراهيم الجوهري، قال النجاشي: «كان قد سمع الحديث فأكثر واضطرب في آخر عمره ... ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم أروِ عنه شيئا وتجنبته»، مات سنة 410هـ. رجال النجاشي: 1/ 225؛ تنقيح المقال: 1/ 88.
(5) كذا صرح المقتول الثاني في معالم الدين: ص 212.
(1/69)
________________________________________
( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )
مختصر التحفة الاثني عشرية
الباب الثالث في الإلهيات
وفيها مطالب
الأول (1) أن النظر في معرفة الله تعالى واجب بالاتفاق، ولكنه قد وقع الاختلاف في أن هذا الوجوب الوجوب هل هو عقلي أو شرعي، فذهب الإمامية إلى الأول قائلين ما معناه: إنه فرض على كل مكلف بحكم العقل مع قطع النظر عن حكم الله تعالى، وذلك بأن يحكم العقل على كل مكلف أن يتفكر في صفات الله تعالى ويعرفه بتلك الصفات وجوبا. وذهب إلى الثاني أهل السنة قائلين: إن الوجوب شرعي، بمعنى أن النظر في المقدمة غير واجب بدون حكم الله تعالى، وليس للعقل حكم في امر من أمور الدين. (2)
ومذهب الإمامية مخالف أيضا للكتاب والعترة: أما مخالفته للكتاب فلأنه قال: سبحانه {إن الحكم إلا لله} وقال {ألا له الحكم} وقال {لا معقب لحكمه} وقال تعالى {يفعل ما يشاء} و {يحكم ما يريد} وقال تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. إذ لو كان أمرا واجبا بحكم العقل لوقع العذاب بترك ذلك الواجب قبل بعثة الرسل، واللازم باطل فكذا الملزوم. وأما مخالفته للعترة فلأنه قد روى الكليني في الكافي عن الإمام أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال: «ليس لله على خلقه أن يعرفوه، ولا للخلق على الله تعالى أن يعرفهم». (3) فلو كانت المعرفة واجبة بحكم العقل لكانت معرفته تعالى واجبة على الخلق قبل تعريفه جل شأنه وهو خلاف قول الصادق.
واعلم أن تحقيق هذه المسالة وبيان الاختلاف الواقع فيها يتوقف على تحقيق مسألة الحسن والقبح والاختلاف الواقع فيها، فلا بد حينئذ من بيان ذلك.
فكل من الحسن والقبح يطلقان على ثلاثة معان: أحدهما كمال الشيء كالعلم ونقصانه الجهل.
وثانيهما ملائمة الطبع كالعدل والعطاء ومنافرته كالظلم والمنع ويقال لهما
_________
(1) قال ابن تيمية عن الإمامية: «وأما عمدتهم في النظر والعقليات فقد اعتمد متأخروهم على كتب المعتزلة، ووافقوهم في مسائل الصفات والقدر، والمعتزلة في الجملة أعقل وأصدق وليس في المعتزلة من يطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، بل هم متفقون على تثبيت خلافة الثلاثة» منهاج السنة النبوية.
(2) قال ابن أبي العز في بيان عقيدة أهل السنة: «ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل، فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين وإليه داعين ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين». شرح العقيدة الطحاوية
(3) الكافي: 1/ 164.
(1/70)
________________________________________
بهذا المعنى مصلحة ومفسدة.
وثالثهما استحقاق المدح والثواب والذم والعقاب عاجلا وأجلا. ولا نزاع لأحد في كونهما عقليين بالمعنيين الأولين، وإنما النزاع في كونهما عقليين أو شرعيين بالمعنى الثالث فقط، فقالت الأشاعرة إن الحسن والقبح بهذا المعنى لا غير، بمعنى أن الشرع ما لم يرد بأن هذا الفعل حسن أي مستحق فاعله للمدح والثواب، وذلك الفعل قبيح مستبدا فاعله للذم والعقاب عاجلا أو أجلا، لا يوصفان بالحسن والقبح، إذ يحكم العقل مستبدا على الأفعال بهما بهذا المعنى في خطاب الله، لعدم كون الجهة المحسنة والمقبحة في أفعال العباد عندهم مطلقا، لا لذاتها ولا لصفاتها ولا لاعتبارات فيها، بل كل ما أمر به الشارع فهو حسن وكل ما نهى عنه فهو قبيح، حتى لو انعكس الحكم لانعكس الحال كما في النسخ من الوجوب إلى الحرمة، فليس للعقل حكم في حسن الفعال وقبحها، وفي كون الفعل سببا للثواب والعقاب، بل إنما الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع، فالأمر والنهي أمارة موجبة للحُسن والقبح لا غير، وتمسكوا على ذلك بوجوه:
الأول أن الأفعال كلها سواء ليس شيء منها في نفسه يقتضي مدح فاعله وثوابه ولا ذم فاعله وعقابه، لأن اقتضاءها لما ذكر إما أن يكون لذواتها، أو لصفاتها، أو لاعتبارات فيها انفرادا واجتماعا، تعينا أو إطلاقا. فهذه ثمانية احتمالات حاضرة كلها باطلة: أما بطلان الأول فلأن فعلا واحدا قد يتصف بالحسن والقبح معا باعتبارين كلطم اليتيم ظلما أو تأديبا والقتل حدا أو سفكا. فلو كان هذا الاتصاف لذات الفعل فقط - كما هو المفروض في هذا الاحتمال - فإن كانت الذات مقتضية لهما معا لزم صدور الأثرين المتضادين من مؤثر واحد واجتماع النقيضين، أو لأحدهما مطلقا لزم تخلف المعلول عن العلة الموجبة في الآخر، وبالاطلاق تخلفهما جميعا ورجحان بلا مرجح في الاقتضاء، واللوازم كلها باطلة. وأما بطلان الثاني فلأنه إن كانت تلك الصفات لازمة للذات لزم اجتماع النقيضين مطلقا، والصدور والتخلف إن كانت العلة الموجبة لهما صفة واحدة فهو ظاهر، وإن كانت من العرض المفارق فلأن عروضها إما لذات الفعل أو لصفة أخرى لها، ولا سبيل إلى الثاني لبطلان الشبه، وكذا إلى الأول لبطلان قيام العرض بالعرض، أو لمجموعهما فينقل الكلام إل