الأحد، 21 يناير 2024

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

 مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

 

المقدمات، تقديم بقلم: زهير الشاويش

 

 

مقدمة: الإمام الألباني

 

 

باب: وصف المخطوطة

 

 

باب: موضوع الكتاب وخطورته

 

 

باب: شبهات وجوابها، الشبهة الأولى: التشبيه

 

 

الشبهة الثانية: الجهة

 

 

الشبهة الثالثة: المكان

 

 

باب: كتاب العلو

 

 

باب: تعقيب

 

 

باب: فهرس الموضوعات

===========

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

المقدمات

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم بقلم: زهير الشاويش

الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على معلم الخير سيدنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، ورضي الله عن صحابته وأتباعهم من العلماء المتقين الذين نقولا لنا هذا الدين القويم، سليما من كل زيف وتحريف، وعرفونا بصفات ربنا بما يليق بجلاله وجماله وكماله، وأوضحوا لنا سبل المعتقد، وطريق العبادة، وإقامة العدل، والتحلي بالأخلاق الكريمة، والألفاظ المهذبة. جعلنا الله من القائمين على كل ذلك في جميع أحوالنا وأقوالنا، حتى نلقى الله وهو راض عنا.

أما بعد:

فقد سبق أن طلبت من فضيلة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله- أيام عمله في المكتب الإسلامي سنة 1391هـ القيام على تخريج أحاديث كتاب "العلو" للحافظ الذهبي من ضمن مجموعة من كتب العقيدة. فوافق على ذلك مقترحا أن يختصر منه بعض الأحاديث المكررة والضعيفة والغريبة فوافق على ذلك مقترحا أن يختصر منه بعض الأحاديث المكررة والضعيفة والغربية لأسباب بينها واقتنعت بها. وهكذا كان -مما تجده في مقدمته الصفحة "5-6".

وقام الإخوة في قسم التصحيح بدمشق بنسخ المخطوطة والأصل المطبوع، وعمل الشيخ وتعليقاته، ومساعدته بالمقابلة والتصحيح.

وأرسل الكتاب إلي في بيروت، بعد أن تعذر طبعه في دمشق، فعملت على إعداده للطبع بإعادة نسخه. وجعلت المتن بحرف كبير، والتخريج بحرف أصغر، مما يسهل على القارئ الكريم معرفة درجة الحديث، والقول المناسب له في التخريج.

(1/3)

________________________________________

بسرعة. ووضعت التعليقات في هوامش الصفحات تحت الجدول.

كما أضفت بعض التعليقات، واقترحت تعديل أشياء لمصلحة رأيتها، واقتنع بها الشيخ ناصر -كما هي العادة في جميع مطبوعاتنا-.

وجرى تنضيد الكتاب في بيروت وأرسلنا التجارب إلى دمشق حيث عمل الشيخ مع الإخوة الأكارم موظفي قسم التصحيح بالمقابلة وزاد فضيلته في مقدمته أشياء وجدها مفيدة، حتى زادت المقدمة على الثمانين صفحة. وتأخر إرجاع الكتاب إلينا زمنا طويلا لظروف قاهرة، إلى أن يسر لنا الله طبعه سنة 1401=1981.

واليوم نقدم للإخوة الأحبة من المؤمنين الطبعة الثانية، مصورة عن الطبعة الأولى بطريقة "الأوفست" في أكثرها. بعد إصلاح ما ند الشيخ والإخوة من أخطاء مطبعية -مما لا يخلو منه كتاب- باذلين الجهد المستطاع، مع إعادة تنضيد بعض الصفحات والأسطر.

وقد تحمل العبء الكبير -في إعداد هذه الطبعة- الإخوة أعضاء مكتب التصحيح في بيروت -جزاهم الله الخير-.

وكنا نتمنى أن نضيف ما قد يكون عند فضيلة الشيخ ناصر من زيادات أو تصويبات ... ولكن تعذر ذلك عليه، نرجو الله أن يكون لنا وله عونا على الخير والسداد، وأن يختم لنا وله بالحسنى.

وإنني أرجو الله -سبحانه- أن يكتب لنا ولمن سبقنا من علمائنا، وكل من ساعدنا، فيما نقدم للناس، مما نحسبه خيرا لنا ولهم في دنيانا وآخرتنا. والحمد لله رب العالمين.

بيروت العاشر من صفر 1412.

20/ 8/ 1991.

(1/4)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

مقدمة: الإمام الألباني

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وصلاة الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين إلى يوم الدين

أما بعد فبين يدي القارئ الكريم مختصري للكتاب الجليل: "العلو للعلي العظيم وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها" للحافظ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز الدمشقي الأثري المعروف ب "الذهبي" وهو "كتاب العرش" الذي ذكره ابن العماد في ترجمة الحافظ من "الشذرات" "8/ 156" وكذا السفاراني في كتابه "لوامع الأسرار" ونقل عنه مرارا كما رأيته في "مختصره" 1 للشيخ العلامة محمد بن علي بن سلوم.

ويعود الفضل في إقدامي على اختصار هذا الكتاب الجليل فضلا عن نشره إلى أخي في الله تعالى الأستاذ زهير الشاويش فقد كنت في حديث علمي معه والكتب المؤلفة في العقيدة حين جاء ذكر هذا الكتاب2 فاقترح علي أن أتولى

__________

1 انظر "لوامع الأسرار ".

2 وذلك في طريقنا لأداء العمرة في رمضان سنة 1391.

(1/5)

________________________________________

تحقيقه وتخريجه فزدت عليه قائلا: واختصاره, وحذف الأخبار السقيمة منه, وبينت له ضرورة ذلك وأهميته.

وبعد التداول في ذلك, وإمعان النظر فيه اتفقنا على ذلك, وكان مما شجعني على المضي فيه أنني أعلم وجود نسخة خطية جيدة منه في المكتبة الظاهرية في دمشق يمكننا الاعتماد عليها في التحقيق.

وابتدأت العمل في اختصاره من نسخة سقيمة الطبع والتحقيق, لم يتيسر لنا يومئذ غيرها إذ كنا على سفر. حتى إذا رجعت إلى دمشق انكببت عليه تحقيقا وتخريجا وتعليقا حتى يسر الله تعالى إتمامه بمنه وفضله وكرمه.

ولما بدأت بالتحقيق كان من أول ما شرعت فيه أن قابلت المطبوعة المشار إليها بمخطوطة المكتبة واستعنت على ذلك ما توفر لدي من نسخ أخرى مطبوعة أهمها الطبعة الأولى منها وهي المطبوعة في الهند على الحجر سنة "1306", عن نسخة خطية كتبت من نسخة كتبت من خط المؤلف رحمه الله تعالى كتبها أحمد بن زيد المقدسي كما جاء في آخر النسخة الهندية.

وأما النسخ الأخرى فهي على وفق النسخ الهندية ومأخوذة عنها وهي ثلاث:

الأولى: طبعة المنار للسيد رشيد رضا رحمه الله تعالى قام بطبعها سنة "1332" وأصله فيها الطبعة الهندية, كما صرح بذلك على الوجه الأول من طبعته

الثانية: طبعة أنصار السنة المحمدية في القاهرة طبعت سنة "1357" بتعليق الأخ الفاضل الشيخ عبد الرزاق عفيفي وتصحيح الأستاذ زكريا علي يوسف.

الثالثة: نشر المكتبة السلفية المدينة المنورة. 1388" بتقديم وتصحيح الأستاذ عبد الرحمن محمد عثمان.

(1/6)

________________________________________

وهاتان الطبعتان الأخيرتان أصلهما طبعة السيد رشيد رضا وإن لم يقع التصريح بذلك منهما فإن ذلك بين جلي عند من يقابلهما بهما فإن أي نقص أو خطأ أو تحريف وقع فيها فلا بد أنك واجدها فيهما, والأمثلة على ذلك كثيرة, وإنما أكتفي هنا بمثال واحد منها وهو غريب جدا, يدلك على أهمية التحقيق أو التصحيح الذي يتبجح به بعضهم! وذلك ما نبهت عليه في آخر الكتاب تحت الترجمة "167 - الشيخ أبو البيان" فقد جاء فيها في طبعة المنار "ص342" ما نصه:

" ... الحنابلة إذا قيل لهم ما الدليل على أن القرآن "ليس" بحرف وصوت؟ "

كذا فيها زيادة "ليس" بين هلالين, وبحرف أصغر من حرف الكتاب, يشير بذلك مصحح الطبعة -ولعله غير السيد رشيد- إلى أنها زيادة باجتهاد من عنده زادها على أصله الذي هو الطبعة الهندية كما سبق وهذه في الواقع خلو منها طبقا للمخطوطة كما بينته هناك.

ثم وقع اجتهاد جديد من مصحح طبعة "الأنصار" فحذف الهلالين المحيطين بلفظ "ليس" ودخل هذا بسبب ذلك في صلب الأصل فتضاعف الخطأ لأنه مع كونه غير ثابت في الأصل كما أشار إليه السيد رشيد فهو مفسد للمعنى أيضا لأن الحنابلة يعتقدون أن القرآن بحرف وصوت كما بينته هناك, وهو الحق خلافا للأشاعرة وغيرهم.

وكما وقعت هذه الزيادة المفسدة للمعنى في الطبعة المذكورة, كذلك وقعت تماما في طبعة السلفية بالمدينة! وهذا مما ينبه اللبيب إلى مبلغ صحة قول مصحح هذه الطبعة تحت اسم الكتاب:

" قدم له وراجع أصوله " " عبد الرحمن...."

(1/7)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

باب: وصف المخطوطة

ونسختنا المخطوطة, هي فيما يبدو أقيم وأصح من مخطوطة الطبعة الهندية, فإنها مصححة ومقابلة على نسخة المصنف التي كانت بخطه, فقد جاء على هامش الوجه الأخير منها ما نصه:

" بلغ مقابلة على نسخة المصنف بخطه التي نقلت منها فصح الكلام وله الحمد والمنة ". ونحوه على هامش الوجه الثاني من الورقة "31" وغيرها من المواضع.

وناسخها عالم فاضل متدين, معروف بطلب العلم, والنسخ لنفسه ولغيره فقد جاء في آخرها ما نصه:

" علقه فقير رحمة الله وراجيها, وشفاعة نبيه مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مساعد بن أبي الليل السخاوي عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه وجميع المسلمين. والحمد لله وحده وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

وعلى الوجه الأول من الورقة الأولى منها ما نصه:

" وقد أجازني بجميع تآليف الشيخ "يعني الحافظ الذهبي" ولده شيخنا زين الدين عبد الرحمن, وقرأت عليه بقرية كفر بطنا أجزاء عدة غير ما سمعته ... وكتبه مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن بن رحمة الحميري الهواري السخاوي وذلك بقرية "الشبعا" من المرج القبلي لدمشق سنة "857" "" هجرية ".

كذا وقع بخطه 857 وهو مشكل, لأن وفاته كانت قبل ذلك بسنين, فقد ذكر السخاوي في "الضوء اللامع" "9/ 155" وابن العماد في "الشذرات "

(1/8)

________________________________________

" 7/ 143" أنه توفي سنة تسع عشرة وثمانمائة, ولعله وهم في كتبه 857 والله أعلم.

وجاء في ترجمته رحمه الله ما ملخصه:

" ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة, وطلب بعد أن كبر, فقرأ على الشيخ صلاح الدين العلائي وغيره, ومهر في الفرائض والميقات وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره ثم سكن دمشق وانقطع بقرية "عقربا", وكان الرؤساء يزرونه وهو لا يدخل البلد, مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه. وكان متدينا متقشفا سليم الباطن حسن الملبس مستحضرا الكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم. وتوفي بقرية "عقربا" شهيدا بالطاعون ".

قلت: وهذه المخطوطة وإن كانت لا تخلو من خرم وبعض الأوهام فإنا قد استفدنا منها فوائد كثيرة جدا بالنسبة للمطبوعات, والكثير منها ظاهر في هذا المختصر أيضا ولكثرتها لم أنبه إلا على بعضها, لا سيما ما كان منها متعلقا بتصحيح بعض الألفاظ أو الجمل, وأما الزيادات فقد جعلتها بين معكوفتين [] , وقد أنبه على أنها من المخطوطة, وليس ذلك دائما لأنني استفدت بعضها من مصادر أخرى وأهمها رسالة المؤلف نفسه المخطوطة, والمحفوظة في دار الكتب الظاهرية في المجموع "47 ق104-111" تحت عنوان "مختصر من الذهبية" أولهما بعد البسملة:

" فصل هذه جملة من أقوال التابعين وهو أول وقت سمعت مقالة من أنكر أن الله فوق العرش ... "

وهي مع كونها نسخة سيئة فيها أخطاء كثيرة كما يتبين لنا بعد نسخها, ومقابلتها بالأصل, فقد استفدنا منها بعض الفوائد والزيادات وتصحيح بعض الآثار كما تراه في تعليقنا على هذا المختصر ربما نبهت فيها على بعضها بقولي: "وفي مختصر المؤلف ".

(1/9)

________________________________________

ومن ذلك الجزء الأول من "كتاب الأربعين في صفات رب العالمين" للمؤلف أيضا, وهي مخطوطة منقولة من خط المؤلف أيضا محفوظة في دار الكتب أيضا تحت رقم "11 - مجموع", فقد ذكر فيها كثيرا من أقوال الأئمة الواردة في الأصل: "العلو" واستفدنا منها بعض التصحيحات لأسانيد بعض الآثار وغير ذلك.

وجملة القول أنني أرجو الله تعالى أن يكون هذا "المختصر" بما فيه من مادة علمية منقولة أقرب ما يكون مطابقة لما كانت عليه نسخة المؤلف رحمه الله تعالى لاعتمادي على المخطوطة المشار إليها وغيرها من المصادر المذكورة.

وقد جاء عنوان الكتاب في المخطوطة مخالفا بعض الشيء له في المطبوعة, ففي المخطوطة "العلو للعلي العظيم, وإيضاح صحيح الأخبار من سقيمها" وفي المطبوعة "العلو للعلي الغفار في صحيح الأخبار وسقيمها ". فآثرت ما في المخطوطة لأمرين:

الأول: أنها أصح من المطبوعة كما سبق:

والآخر: أنه جاء في خطبة الكتاب: "الحمد لله العلي العظيم", فكان ما في المخطوطة أنسب لهذا اللفظ مما في المطبوعة, على أنني أخشى أن يكون العنوان الآخر من المطبوعة قد تصرف به بعض المصححين أو غيره.

وقد التزمت في اختصاره الأمور التالية:

1- حذفت المكرر منه, وهو قليل.

2- والأحاديث الضعيفة الغرائب التي ليس لها شواهد معتبرة, تمكن تقويتها بها, على ما تقتضيه شروط التقوية المقررة في علم مصطلح الحديث. والمصنف نفسه لم يروها غالبا إلا لتزييفها والكشف عن حالتها كما قال عقب أحدها ص28 من الأصل. وقال في حديث آخر "ص45":

" رويته للتحذير منه ".

(1/10)

________________________________________

وقد يورد الحديث الضعيف وهو على علم به, لأن فيه ما يشهد له في الآيات والأحاديث الأخرى كما فعل في حديث الأطيط, فقد قال عقبة "ص39":

" وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله تعالى فوق عرشه بما يوافق آيات الكتاب ".

قلت: وأما أنا فقد جريت في هذا "المختصر" على حذفه وحذف أمثاله من الأحاديث الضعيفة, لأنها وإن كانت تتضمن بعض الحق الذي ورد في النصوص الصحيحة, فإنها على الغالب لا تخلو من زيادات إن لم تكن باطلة أو منكرة فهي على الأقل غريبة لا يوجد لها من الشواهد ما يدعمها فقد يتوهم بعض القراء من ذكرها أنها ثابتة برمتها دون أن ينتبه لكون الشاهد لها, إنما هو شاهد لبعض ما فيها كما سبق. هذا إذا صلحت النية وإلا فقد يستغلها بعض أهل الأهواء والتعصب الخبيث على أهل الحديث, ويوردها محتجا بها لصرفه دلالة الروايات الصحيحة عن الحق الذي دلت عليه وحملها على معاني باطلة اعتمادا منه على مجرد ذكر المؤلف لها, وهو إنما أوردها على سبيل الاستشهاد بها في الجملة لا في التفصيل. من أمثلة ذلك ما صنعه الكوثري المشهور بحديث الجارية الصحيح الآتي برقم "2", فإنه استغل أسوأ الاستغلال الرواية الثانية التي أوردها المصنف في الأصل عقب الحديث المذكور كشاهد لها في الجملة لا في التفصيل, فجاء الكوثري واعتمد عليها جملة وتفصيلا عازيا إياها للمصنف, موهما القارئ أنها ثابتة عنده, فضرب بها الحديث الصحيح, وأبطل بها دلالته الصريحة على مشروعية السؤال بـ"أين الله" لأنه لم يقع فيها هذا اللفظ, وإسنادها ضعيف. كما تراه مشروحا في التعليق عليه قريبا إن شاء الله تعالى.

من أجل ذلك وغيره أعرضت عن ذكر الرواية المذكورة ونحوها من الأحاديث الضعيفة, ففي ما ثبت منها خير وبركة وغنية.

3- وقد أحذف ما صرح المؤلف بثبوته أو نقله عن غيره لعلة قادحة ظهرت لي. كحديث أبي هريرة مرفوعا: "لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي النَّارِ قَالَ:

(1/11)

________________________________________

اللَّهُمَّ إِنَّكَ وَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ, وَأَنَا فِي الأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ ". قال المؤلف "ص21": "حسن الإسناد ".

وأقول: كلا, فإن فيه علتين بينتهما في "الأحاديث الضعيفة" "1216 ".

وكحديث الأوعال الذي يروى عن العباس "ص49-50", وهو مخرج في "المصدر السابق "1247 ".

إلى غير ذلك من الأحاديث الضعيفة التي سكت المصنف عنها أو بين ضعفها, أو حسن بعضها, لذاتها أو لغيرها, وهي ليست كذلك عندنا, وهو وإن كان أعرض عن بعضها كما يشعر بذلك قوله في الترجمة "152 - القاضي أبو يعلى": "وسرد كلاما طويلاً, لكنه ساق أحاديث ساقطة لا يسوغ أن يثبت بمثلها لله صفة" وإني كنت أحب له أن ينزه كتابه من الأحاديث التي يراها ضعيفة ولا سيما مما سكت عليه منها. فإن كثيرا من الأحاديث الضعيفة, لا يتنبه لأثرها السيء في الأمة إلا أفراد قليلون من أهل العلم وقد ذكرنا في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" نماذج كثيرة منها. وبينا مبلغ ضررها وغالبها لا تعلق لها بالعقيدة وإنما هي في الأحكام والأخلاق ونحوها. ومما لا شك فيه أن ما كان منها متعلقا في العقيدة قد يكون أشد ضررا من غيرها لأنها قد تفسد عقيدة بعض من لا علم عنده بالتوحيد ولوازمه أو يتخذه بعض أهل الأهواء سلاحا لمحاربة أهل التوحيد أنفسهم المثبتين لله تعالى كل صفة ثابتة في الكتاب أو السنة دون تمثيل أو تعطيل واتهامه إياهم بالتشبيه والتجسيم مع علمه تصريح أهل التوحيد بوجوب تنزيه الله تعالى عن التشبيه والتعطيل معا.

وقد أشار إلى شيء من هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, فقد قال في كتابه "مفصل الاعتقاد" "ص9-4 مجموعة الفتاوى" "من المعلوم أن أهل الحديث يشاركون كل طائفة فيما يتحلون به من صفات الكمال ويمتازون عنهم بما ليس عندهم فإن المنازع لا بد أن يذكر فيما يخالفهم فيه طريقا أخرى مثل المعقول والقياس والرأي ... وكل هذه الطرق لأهل الحديث صفوتها

(1/12)

________________________________________

وخلاصتها فهم أكمل الناس عقلا, وأعدلهم قياسا, وأصوبهم رأيا, وأصحهم نظرا, وأهداهم استدلالا وأقومهم جدلا وأتمهم فراسة ... " ثم قال "ص23":

"وإذا قابلنا بين الطائفتين -أهل الحديث وأهل الكلام- فالذي يعيب بعض أهل الحديث وأهل الجماعة بحشو القول إنما يعيبهم بقلة المعرفة أو بقلة الفهم.

أما الأول فبأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة وموضوعة, أو بآثار لا تصلح للاحتجاج.

وأما الثاني: فبأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة, بل قد يقولون القولين المتناقضين, ولا يهتدون للخروج من ذلك. والأمر راجع إلى شيئين: إما رواية "الأصل: زيادة" أقوال غير مفيدة يظن أنها مفيدة كالأحاديث الموضوعة, وإما أقوال مفيدة لكنهم لا يفهمونها إذا كان إتباع الحديث يحتاج أولا إلى صحة الحديث وثانيا إلى فهم معناه كإتباع القرآن والجهل يدخل عليهم من ترك إحدى المقدمتين ومن عابهم من الناس فإنما يعيبهم بهذا.

ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم, يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل الأصول والفروع وبآثار مفتعلة وحكايات غير صحيحة ويذكرون من القرآن والحديث ما لا يفهمون معناه وربما تأولوه على غير تأويله ووضعوه على غير موضعه.

ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف والمعقول السخيف قد يكفرون ويضللون ويبدعون أقواما من أعيان الأمة ويجهلونهم, ففي بعضهم من التفريط في الحق والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأ مغفورا وقد يكون منكرا من القول وزورا, وقد يكون من البدع والضلالات التي توجب غليظ العقوبات. فهذا لا يذكره إلا جاهل أوظالم وقد رأيت لهذا عجائب.

لكنهم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل, ولا

(1/13)

________________________________________

ريب أن في كثير من المسلمين من الظلم والجهل والبدع والفجور ما لا يعلمه إلا من أحاط بكل شيء علما, لكن كل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر, وكل خير يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم, وهكذا أهل الحديث بالنسبة إلى غيرهم ".

ثم شرع في تفصيل ذلك وبيانه بما يدل على مزية أهل الحديث على غيرهم من الفرق, فراجعه فإنك لن تراه عند غيره رحمه الله تعالى.

والمقصود من ذلك أن رواية الأحاديث الضعيفة من بعض المحدثين هو مما يعاب عليهم من قبل المخالفين لهم, وإن كان هؤلاء يفعلون ما هو أسوأ من ذلك كما أوضحه شيخ الإسلام في الكلام الذي أحلناك عليه آنفا.

ومن أشهر من أخذ ذلك عليهم في هذا العصر ويتخذه حجة في تسخيفهم وتضليلهم الشيخ الكوثري المعروف بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث ونبزه إياهم بلقب الحشوية والمجسمة, وهو في ذلك ظالم لهم مفتر ولكن -والحق يقال- قد يجد أحيانا في ما يرويه بعضهم من الأحاديث والآثار ما يدعم به فريته مثل الحديث المروي في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسني على العرش. رواه المصنف "ص74-75" عن ابن مسعود مرفوعا, وضعفه جدا بقوله: "مرسله الأحمر متروك الحديث ". ورواه "ص99" عن ابن عباس مثله موقوفاً. وقال: "إسناده ساقط وعمر بن مدرك الرازي متروك وهذا مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَيُرْوَى مرفوعا وهو باطل".

وقد خرجت الحديثين في "الضعيفة" "871 ".

وقال في ترجمة محمد بن مصعب العابد كما يأتي:

"فأما قضية قعود نبينا على العرش, فلم يثبت في ذلك نص, بل في الباب حديث واه, وما فسر به مجاهد الآية كما ذكرناه ".

قلت: ولو أن المصنف رحمه الله تعالى وقف عند هذا البيان الواضح في أنه

(1/14)

________________________________________

ليس في الباب نص ملزم للأخذ به, لكان قد أحسن, وسد بذلك الطريق على أهل الأهواء أن يتخذوا ذلك ذريعة للطعن في أهل السنة والحديث كما فعل الكوثري هنا بالذات في مقدمته لكتاب "تبين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري" "ص64" فقد قال فيهم بعد أن نبزهم بلقب الحشوية -أسوة بسلفه من الجهمية- وغيرهم1:

"ويقولون في الله مالا يجوزه الشرع ولا العقل من إثبات الحركة له "تعالى" والنقلة "ويعني بهما النزول" والحد والجهة "يعني العلو" والقعود والإقعاد ". فيعني هذا الذي نحن في صدد بيانه عدم ثبوته.

أقول: لو أن المؤلف رحمه الله وقف عند ما ذكرنا لأحسن, ولكنه لم يقنع بذلك, بل سود أكثر من صفحة كبيرة في نقل أقوال من أفتى بالتسليم بأثر مجاهد في تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسه أو يقعده على العرش. بل قال بعضهم: "أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم.." بل ذكر عن الإمام أحمد أنه قال: هذا تلقته العلماء بقبول إلى غير ذلك من الأقوال التي تراها في الأصل ولا حاجة بنا إلى استيعابها في هذه المقدمة. وذكر في "مختصره" المسمى ب "الذهبية" أسماء جمع آخرين من المحدثين سلموا بهذا الأثر ولم يتعقبهم بشيء هناك. وأما هنا فموقفه مضطرب أشد الاضطراب فبينما تراه يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد عقب قول من تلك الأقوال "ص126":

" فأبصر -حفظك الله من الهوى- كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر ... "

فأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا, ظننت أنه ينكر هذا الأثر ولا يعتقده, ويلزمه ذلك ولا يتردد فيه, ولكنك ستفاجأ بقوله "ص143" بعد أن

__________

1 انظر كلام الحافظ أبي حاتم الرازي في ترجمته "77 ".

(1/15)

________________________________________

أشار إلى هذا الأثر عقب ترجمة حرب الكرماني:

" وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة التي انفرد بها سيد البشر ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف ... ".

ثم ذكر أشخاصا آخرين ممن سلموا بهذا الأثر غير من تقدم, فإذا أنت فرغت من قراءة هذا, قلت: لقد رجع الشيخ من إنكاره إلى التسليم به, لأنه قال: إنه لا يقال إلا بتوقيف! ولكن سرعان ما تراه يستدرك على ذلك بقوله بعد سطور:

"ولكن ثبت في "الصحاح" أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم".

قلت: وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى, وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في "تفسيره" "15/ 99" ثم القرطبي "10/ 309" وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره, وساق الأحاديث المشار إليها. بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير. وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر, فقد ذكر المؤلف "ص125" أنه روي عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وعطاء بن السائب وأبي يحيى القتات وجابر بن يزيد ". قلت: والأولان مختلطان والآخران ضعيفان بل الأخير متروك متهم.

ولست أدري ما الذي منع المصنف -عفا الله عنه- من الاستقرار على هذا القول, وعلى جزمه بأن هذا الأثر منكر كما تقدم عنه, فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله عز وجل, وهذا يستلزم نسبة الاستقرار عليه الله تعالى, وهذا مما لم يرد, فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل, ولذلك ترى المؤلف رحمه الله أنكر على من قال ممن جاء بعد القرون الثلاثة: إن الله استوى استواء استقرار" كما تراه في ترجمة "140 - أبو أحمد القصاب ". وصرح في ترجمة "161-

(1/16)

________________________________________

البغوي" أنه لا يعجبه تفسير "استوى" بـ"استقر". بل إنه بالغ في إنكار لفظة "بذاته" على جمع ممن قال: "هو تعالى فوق عرشه بذاته" لعدم ورودها عن السلف, مع أنها مفسرة لقولهم باستواء الله على خلقه حقيقة استواء يليق بجلاله وكماله, واعتبرها من فضول الكلام, فانظرترجمة "136 - ابن أبي زيد" و"144 - يحيى بن عمار" و"146 - أبو عمر الطلمنكي" و"149 - أبو نصر السجزي".

وهذه اللفظة "بذاته", وإن كانت عندي معقولة المعنى, وأنه لا بأس من ذكرها للتوضيح فهي كاللفظة الأخرى التي كثر ورودها في عقيدة السلف وهي لفظة "بائن" في قولهم "هو تعالى على عرشه بائن من خلقه ". وقد قال هذا جماعة منهم كما ستراه في هذا "المختصر" في التراجم الآتية "45 - عبد الله بن أبي جعفر الرازي" و"53 - هشام بن عبيد الله الرازي" و"56 - سنيد بن داود المصيصي الحافظ" "67 - إسحاق بن راهويه عالم خراسان" وذكره عن ابن المبارك و"77 - أبو زرعة الرازي" و"87 - أبو حاتم الرازي" وحكياه عن العلماء في جميع الأمصار. و"79 - يحيى بن معاذ الرازي" و"84 - عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ و"103 أبو جعفر ابن أبي شيبة" وكل هؤلاء من القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية ثم "108 - حماد البوشنجي الحافظ" وحكاه عن أهل الأمصار "109 - إمام الأئمة ابن خزيمة ". و"125 - أبو القاسم الطبراني" و"133 - ابن بطة" و"141 - أبو نعيم الأصبهاني" وعزاه إلى السلف. و"142 - معمر بن زياد" و"155 - الفقيه نصر المقدسي" و"158 - شيخ الإسلام الأنصاري" و"164 - ابن موهب ".

قلت: ومن هذا العرض يتبين أن هاتين اللفظتين: "بذاته" و"بائن" لم تكونا معروفين في عهد الصحابة رضي الله عنهم. ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان, اقتضى ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأئمة الأعلام, بلفظ "بائن" دون أن ينكره أحد منهم.

(1/17)

________________________________________

ومثل وهذا تماما قولهم في القرآن الكريم أنه غير مخلوق, فإن هذه الكلمة لا تعرفها الصحابة أيضا, وإنما كانوا يقولون فيه: كلام الله تبارك وتعالى لا يزيدون على ذلك, وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد, لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة: إنه مخلوق, ولكن إذا نطق هؤلاء بالباطل, وجب على أهل الحق أن ينطقوا بالحق ولو بتعابير وألفاظ لم تكن معروفة, من قبل وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين سئل عن الواقفة الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق هل لهم رخصة أن يقول الرجل: "كلام الله" ثم يسكت؟ قال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت, ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا, لأي شيء لا يتكلمون؟! 1 سمعه أبو داود منه كما في "مسائله" "ص263-264 ".

قلت: والمقصود أن المؤلف رحمه الله تعالى, أقر لفظة "بائن" لتتابع أولئك الأئمة عليها دون نكير من أحد منهم, وأنكر اللفظة الأخرى وهي "بذاته" لعدم تواردها في أقوالهم. إلا بعض المتأخرين منهم, فأنكر ذلك مبالغة منه في المحافظة على نهج السلف, مع أن معناها في نفسه سليم وليس فيها إثبات ما لم يرد, فكنت أحب له رحمه الله أن لا يتردد في إنكار نسبة القعود إلى الله تعالى وإقعاده مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على عرشه ما دام أنه لم يأت به نص ملزم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم, ومعناه ليس له شاهد في السنة, ومعناه ولفظه لم يتوارد على ألسنة الأئمة, وهذا هو الذي يدل عليه بعض كلماته المتقدمة حول هذا الأثر, ولكنه لما رأى كثيرا من علماء الحديث أقروه لم يجرؤ على التزام التصريح بالإنكار, وإنما تارة وتارة, والله تعالى يغفر لنا وله.

ومن العجيب حقا أن يعتمد هذا الأثر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فإنه نقل كلام القاضي أبي يعلى فيه وبعض أسماء القائلين به, ثم قال ابن القيم رحمه الله:

__________

1 قلت: ولو أن الشيخ المقبلي تنبه لهذا لما قعقع على الإمام أحمد بما قعقع به.

(1/18)

________________________________________

" قلت: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني ومن شعره فيه".

ثم ذكره مثلما ذكره المصنف فيما يأتي في ترجمة "134 - الدراقطني" وزاد بيتا رابعا لعل المصنف تعمد حذفه:

"ولا تنكروا أنه قاعد ... ولا تنكروا أنه يقعده"!

قلت: وقد عرفت أن ذلك لم يثبت عن مجاهد, بل صح عنه ما يخالفه كما تقدم. وما عزاه للدارقطني لا يصح إسناده كما بيناه في "الأحاديث الضعيفة" "870" وأشرت إلى ذلك تحت ترجمة الدارقطني الآتية. وجعل ذلك قولا لابن جرير فيه نظر, لأن كلامه في "التفسير" يدور على إمكان وقوع ذلك كما سبق لا أنه وقع وتحقق, ولذلك قال الإمام القرطبي في "تفسيره" "10/ 311":

"وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول, وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى وفيه بعد, ولا ينكر مع ذلك أن يروى, والعلم يتأوله "

ثم بين وجه تأويله, بما لا حاجة بنا إلى ذكره والنظر فيه, ما دام أنه أثر غير مرفوع, ولو افترض أنه في حكم المرفوع, فهو في حكم المرسل الذي لا يحتج به في الفروع فضلا عن الأصول, كما ذكرت ذلك أو نحوه فيما يأتي من التعليق على قولة بعضهم: "ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بشيء"! التعليق "265".

ولعل المصنف رحمه الله تعالى يشير إلى ذلك بقوله في ترجمة "165 - القاضي العلامة أبو بكر بن العربي" وقد نقل عنه القول بهذا القعود معه على العرش: قال:

"وما علمت للقاضي مستندا في قوله هذا سوى قول مجاهد".

وخلاصة القول: إن قول مجاهد هذا -وإن صح عنه- لا يجوز أن يتخذ

(1/19)

________________________________________

دينا وعقيدة, ما دام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة, فيا ليت المصنف إذ ذكره عنده جزم برده وعدم صلاحيته للاحتجاج به, ولم يتردد فيه, فإنه هو اللائق به, وبتورعه من إثبات كلمة "بذاته" والله المستعان.

4- وحذفت أيضا ما جزمت بأنه من الإسرائيليات, ولو كان صحيح الإسناد, إلا إذا كان معناه موافقا للكتاب والسنة.

5- وتسامحت في إيراد بعض الأثار والأقوال التي في السند إلى أصحابها ضعف أو جهالة, لأنها ليست كالأحاديث المرفوعة التي يجب الاحتجاج بها واتخاذها دينا, وإنما ذكرت للاستئناس بها والاستشهاد فقط.

6- وحذفت من إسناد الحديث والأثر ما لا فائدة فيه بالنسبة لعامة القراء لا سيما في هذا "المختصر", وإنما أبقيت الضروري منه كاسم الصحابي, أو التابعي, أو غيرهما ممن نسب القول إليه في السند.

7- وقد رقمت أحاديث الكتاب وآثاره برقم متسلسل من أوله إلى آخره. وكذلك رقمت تراجم الأئمة الذين روى المصنف أو نقل عنهم القول بأن الله على العرش, رقمتها بأرقام متسلسلة, ووضعت بجانبها الأيسر بين معكوفتين [] سنة ولادة المترجم ووفاته, لأيسر بذلك على القراء متابعة تسلسل القول بذلك من إمام إلى إمام, ومن سنة إلى ما بعدها, حتى آخر القرن السادس.

8- وخرجت أحاديث الكتاب وآثاره, وعزوت كل قول من الأقوال المذكورة فيه إلى مصدره الذي عزاه المصنف إليه, مطبوعا كان أو مخطوطا بقدر الإمكان, وعلقت عليه بتعليقات مفيدة, أكثرها في تحقيق الكلام على أسانيد تلك الآثار والأقوال, للتثبت من ما صح منها نسبة إلى قائلها وما لم يصح, فتبين لنا أن أكثرها صحيح ثابت -والحمد لله- على طريقة أهل الحديث ونقدهم للأسانيد.

(1/20)

________________________________________

9- وقد رأيت من تمام الفائدة أن أضع تعليقات مفيدة على أخباره, أهمها تخريج أحاديثه وآثاره, مع ترقيمها بأرقام متسلسلة من أول الكتاب إلى آخره.

(1/21)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

باب: موضوع الكتاب وخطورته

...

موضوع الكتاب وخطورته

اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا الكتاب قد عالج مسألة هي من أخطر المسائل الاعتقادية التي تفرق المسلمون حولها منذ أن وجدت المعتزلة حتى يومنا هذا, ألا وهي مسألة علو الله عز وجل على خلقه, الثابتة بالكتاب والسنة المتواترة المدعم بشاهد الفطرة السليمة, وما كان لمسلم أن ينكر مثلها في الثبوت, لولا أن بعض الفرق المنحرفة عن السنة فتحوا على أنفسهم وعلى الناس من بعدهم باب التأويل, فلقد كاد الشيطان به لعدوه الإنسان كيدا عظيما, ومنعهم به أن يسلكوا صراطا مستقيما, كيف لا وهم قد اتفقوا على أن الأصل في الكلام أن يحمل على الحقيقة, وأنه لا يجوز الخروج عنها إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة, أو لقرينة عقلية أو عرفية أو لفظية كما هو مفصل في محله, ومع ذلك فإنك تراهم يخالفون هذا الأصل الذي أصلوه, لأتفه الأسباب, وأبعد الأمور عن منطق الإنسان المؤمن بكلام الله وحديث نبيه حقا, فهل يستقيم في الدنيا فهم أو تفاهم إذا قال قائل مثلا: "جاء الأمير" فيأتي متأول من أمثال أولئك المتأولين, فيقول في تفسير هذه الجملة القصيرة: يعني جاء عبد الأمير, أو نحو ذلك من التقدير. فإذا أنكرت عليه ذلك أجابك بأن هذا مجاز فإذا قيل له: المجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة وهي ممكنة هنا أو لقرينة لا قرينة هنا "1" سكت أو جادلك بالباطل.

__________

1 قرائن المجاز الموجبة للعدول إليه عن الحقيقة ثلاث: العقلية كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي أهلهما. ومنه: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} .

الثانية: الفوقية مثل {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} أي مر من يبني, لأن مثله مما يعرف أنه لا يني.

الثالثة: نحو "مثل نوره" فإنها دليل على أن الله غير النور.

قال أهل العلم: وأمارة الدعوة الباطلة تجردها عن أحد هذه القرائن, انظر: "إيثار الحق على الخلق" "ص166-167" للعلامة المرتضى اليماني.

(1/22)

________________________________________

وقد يقول قائل: وهل يفعل ذلك عاقل؟ قلت: ذلك ما صنعه كل الفرق المتأولة, الذين ينكرون حقائق الأسماء والصفات الإلهية من المعتزلة وغيرهم ممن تأثر بهم من الخلف, ولا نبعد بك كثيرا بضرب الأمثال وإنما نقتصد مثلين من القرآن الكريم, أحدهما يشبه المثال السابق تماما, والآخر له صلة بصلب موضوع الكتاب.

الأول: قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} فقيل في تأويلها: "وجاء ربك"! وقيل غير ذلك من التأويل. ونحو كذلك أولوا قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} . فقال بعضهم: يأتيهم الله بظلل. فنفى بذلك حقيقة الإتيان اللائق بالله تعالى بل غلا بعض ذوي الأهواء فقال: "قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ} حكاية عن اليهود, والمعنى أنهم لا يقبلون دينك إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظلل من الغمام ليروه جهرة, لأن اليهود كانوا مشبهة يجوزون على الله المجيء والذهاب"! نقله الكوثري في تعليقه على "الأسماء والصفات" "ص447-448" عن الفخر الرازي وأقره!!

فتأمل -هداني الله وإياك- كيف أنكر مجيء الله الصريح في الآيتين المذكورتين. وهو إنما يكون يوم القيامة كما جاء في تفسير ابن جرير لقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} فذكر "12/ 245-246" في قوله: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} عن قتادة وابن جريج: يوم القيامة, ونحوه عن ابن مسعود وغيره. في "الدرر المنثور" "1/ 241" وانظر كلمة الإمام ابن راهويه في إثبات المجيء في الفقرة الآتية من الكتاب "213".

فنفى هذا المتأول ببركة التأويل إتيان الله ومجيئه يوم القيامة الثابت في هذه الآيات الكريمة, والأحاديث في ذلك أكثر وأطيب, ولم يكتف بهذا بل نسب القول بتجويز المجيء على الله إلى اليهود, وأن الآية نزلت في حقهم! ضلال وكذب, أما الضلال فواضح من تحريف الآيات المستلزم الطعن في الأئمة الذين

(1/23)

________________________________________

يؤمنون بمجيء الله تعالى يوم القيامة. وأما الكذب فإن أحدا من العلماء لم يذكر أن الآية نزلت في اليهود, بل السياق يدفع ذلك, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ... } . [سورة البقرة: 208-211]

قلت: فأنت ترى أن الخطاب موجه للمؤمنين, ولذلك قال ابن جرير في تفسيره "4/ 259" لقوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُم..} :

" يعني بذلك جل ثناؤه, فإن أخطأتم الحق فضللتم عنه وخالفتم الإسلام وشرائعه من بعد ما جاءتكم حججي, وبينات هداي, واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون - فاعلموا أن الله ذو عزة ... ".

نعم قد روى ابن جرير "4/ 255" عن عكرمة قوله {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وو ... كلهم من يهود, قالوا: يا رسول الله يوم السبت كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه ... فنزلت ".

قلت: وهذا مع أنه في مؤمني اليهود لا يصح إسناده لإرساله, ولو صح لم يجز القول بأنها "نزلت في حق اليهود" لأنها تعني عند الإطلاق كفارهم, والواقع خلافه! فتأمل هذا رحمنا الله وإياك, هل تجد في هذه الآيات المصرحة بإتيان الله ومجيئه قرينة من تلك القرائن الثلاث تضطر السامع إلى فهم ذلك على المجاز لا الحقيقة؟ كلا، ثم كلا، ولكنهم لما فهموا مجئ الله تعالى مجيئا على نحو مجيء المخلوق, وهذا تشبيه حقا اضطرهم هذا الفهم الخاطئ إلى إنكاره ونسبته إلى اليهود! وصاروا إلى التأويل. وكان بوسعهم أن يثبتوا لله تعالى هذه الصفة كما أثبتها السلف دون تشبيه كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} , وإلا فهم على ذلك سيتأولون السمع والبصر أيضا, لأن الله تعالى قد أثبت للمخلوق سمعا وبصرا, في القرآن والسنة, فقد يقولون إننا إذا

(1/24)

________________________________________

أثبتنا السمع والبصر لله شبهناه بمخلوقاته! وهذا ما فعلته المعتزلة تماما, فإنهم تأولوهما بالعلم تنزيها له تعالى عن المشابهة, زعموا, وبذلك آمنوا بالطرف الأول من الآية {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ولم يؤمنوا بالطرف الآخر منها {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وأما الأشاعرة وغيرهم من الخلف, فقد آمنوا بكل ذلك هنا فجمعوا بين التنزيه والإثبات قائلين سمعه ليس كسمعنا, وبصره ليس كبصرنا. فهذا هو الحق وكان عليهم طرد ذلك في كل ما وصف الله به نفسه, فيقال: مجيئه تعالى حق ولكنه ليس كمجيئنا, ونزوله إلى السماء الدنيا حق لتواتر الأحاديث بذلك كما يأتي في الكتاب ولكن ليس كنزولنا, وهكذا في كل الصفات, ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع الأسف في كثير من الصفات, منها ما نحن فيه فتأولوه بما سبق, أو بغيره 1 ومنها الاستواء الآتي ذكره قريبا.

هذا هو المثال الأول:

وأما المثال الآخر فقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وقوله فتأولوه "الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش ". فقد تأول الخلف الاستواء المذكور في هاتين الآيتين ونحوهما بالاستيلاء وشاع عندهم في تبرير ذلك إيرادهم قول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق

بغير سيف ودم مهراق!

متجاهلين اتفاق كلمات أئمة التفسير والحديث واللغة على إبطاله, وعلى أن المراد بالاستواء على العرش إنما هو الاستعلاء والارتفاع عليه, كما سترى أقوالهم مروية في الكتاب عنهم بالأسانيد الثابتة قرنا بعد قرن, وفيهم من نقل اتفاق العلماء عليه. مثل الإمام إسحاق بن راهويه "الترجمة 67", والحافظ ابن عبد البر "الترجمة 151" وكفى بهما حجة في هذا الباب.

ومع ذلك فإننا لا نزال نرى علماء الخلف -إلا قليلا منهم- سادرين في

__________

1 انظر "الأسماء والصفات" للبيهقي "ص448-449".

(1/25)

________________________________________

مخالفتهم للسلف في تفسيرهم لآية الاستواء وغيرها من آيات الصفات وأحاديثها.

وقد يتساءل بعض القراء عن سبب ذلك فأقول:

ليس هو إلا إعراضهم عن اتباع السلف, ثم فهمهم -خطأ- الاستعلاء المذكور في الآيات الكريمة, أنه الاستعلاء اللائق بالمخلوق, ولما كان هذا منافيا للتنزيه الواجب لله اتفاقا فروا من هذا الفهم, إلى تأويلهم السابق, ظنا منهم أنهم بذلك نجوا من القول على الله تعالى بما لا يليق به سبحانه.

ولقد كان من كبار هؤلاء العلماء القائلين بالتأويل المذكور برهة من الزمن جماعة من أهل العلم. منهم الإمام أبو الحسن الأشعري كما سيأتي بيانه في ترجمته من الكتاب "120 ". ومنهم العلامة الجليل أبو محمد الجويني الشافعي والد إمام الحرمين المتوفى سنة "438" ثم هداه الله تعالى إلى اتباع السلف في فهم الاستواء وسائر الصفات, ثم ألف في ذلك رسالة نافعة1 قدمها نصيحة لإخوانه في الله كما صرح بذلك في مقدمتها. وقد وصف فيها وصفا دقيقا تحيره وتردده في مرحلة من مراحل حياته العلمية بين اتباع السلف, وبين اتباع علماء الكلام في عصره الذين يؤولون الاستواء بالاستيلاء, فقال رحمه الله تعالى "ص176-177":

"اعلم أنني كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل:

1- مسألة الصفات.

2- مسألة الفوقية.

3- ومسالة الحرف والصوت في القرآن المجيد.

وكنت متحيزا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع

__________

1 لقد نقل الشيخ أحمد بن إبراهيم الواسطي في عقيدته "النصيحة في صفات الرب جل وعلا" رسالة الإمام الجويني. حتى إن نسبتها للجويني كان الأولى, وقد استدركت ذلك في الطبعة الثانية "زهير الشاويش".

(1/26)

________________________________________

ذلك, من تأويل الصفات وتحريفها, أو إمرارها والوقوف فيها, أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل, ولا تشبيه ولا تمثيل. فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ناطقة منبئة بحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية, وكذلك في الحرف والصوت.

ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء ويؤول النزول بنزول الأمر, ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين, ويؤول القدم بقدم صدق عند ربهم, وأمثال ذلك, ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنى قائما بالذات بالأحرف بلا صوت, ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم!

وممن ذهب إلى هذه الأقوال أو بعضها, قوم لهم في صدري منزلة مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين, لأني على مذهب الشافعي -رضي الله عنه- عرفت فرائض ديني وأحكامه, فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال وهم شيوخي, ولي فيهم الاعتقاد التام, لفضلهم وعلمهم. ثم إني مع ذلك أجد في قبلي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها, وأجد الكدر والظلمة منها, وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها, فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره. المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره.

وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول, مخافة الحصر والتشبيه ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني, وأجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم قد صرح بها مخبرا عن ربه, واصفا له بها. وأعلم بالاضطرار أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحضر مجلسه الشريف العالم والجاهل, والذكي والبليد, والأعرابي والجافي, ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان يصف ربه بها, لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها, كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمين, مثل تأويلهم الاستيلاء للاستواء, ونزول الأمر للنزول, وغير ذلك. ولم

(1/27)

________________________________________

أجد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لربه من الفوقية واليدين وغيرها, ولم ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني آخر باطنة, غير ما يظهر من مدلولها, وأجد الله عز وجل يقول ... ".

ثم ذكر بعض الآيات في الاستواء والفوقية والأحاديث في ذلك, مما هو جزء يسير مما سيأتي في الكتاب ثم قال "ص181"1:

"إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلصنا من شبهة التأويل, وعماوة التعطيل, وحماقة التشبيه والتمثيل, وأثبتنا علو ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته, والحق واضح في ذلك, والصدور تنشرح له, فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة, مثل تحريف الاستواء بالاستيلاء وغيره, والوقوف في ذلك جهل وعي, مع كون أن الرب تعالى وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها, فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياها, فما وصف لنا نفسه بها إلا لنثبت ما وصف به نفسه لنا, ولا نقف في ذلك. وكذلك التشبيه والتمثيل حماقة وجهالة. فمن وفقه الله تعالى للإثبات بلا تحريف, ولا تكييف, ولا وقوف, فقد وقف على الأمر المطلوب منه إن شاء الله تعالى".

ثم شرع يبين السبب الذي حمل علماء الكلام على تأويل "الاستواء" بالاستيلاء فقال "ص181-183":

"والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء و ... هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين, فما فهموا عن الله استواء يليق به ولا ... فلذلك حرفوا الكلام عن مواضعه, وعطلوا ما وصف الله تعالى نفسه به. ونذكر بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

لا ريب أنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة والسمع,

__________

1 "مجموعة الرسائل المنيرية".

(1/28)

________________________________________

والبصر, والعلم, والقدرة, والإرادة, والكلام لله. ونحن قطعا لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض الذي يقوم بأجسامنا. وكذلك لا نعقل من السمع والبصر إلا أعراضا تقوم بجوارحنا, فكما أنهم يقولون: حياته ليست بعرض, وعلمه كذلك, وبصره كذلك هي صفات كما تليق به, لا كما تليق بنا, فكذلك نقول نحن: حياته معلومة, وليست مكيفة, وعلمه معلوم وليس مكيفا, وكذلك سمعه وبصره معلومان, ليس جميع ذلك أعراضا بل هو كما يليق به.

ومثل ذلك بعينه فوقيته واستواؤه ونزوله, ففوقيته معلومة, أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع وحقيقة البصر, فإنهما معلومان ولا يكيفان. كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به, واستواؤه على عرشه معلوم غير مكيف بحركة أو انتقال يليق بالمخلوق, بل كما يليق بعظمته, وجلال صفاته معلومة من حيث الجملة والثبوت, غير معلومة من حيث التكييف والتحديد, فيكون المؤمن بها مبصرا بها من وجه, أعمى من وجه مبصرا من حيث الإثبات والوجود, أعمى من حيث التكيف والتحديد. وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله تعالى نفسه به, وبين نفي التحريف والتشبيه والوقوف, وذلك هو مراد الرب تعالى منا في إبراز صفاته لنا, لنعرفه به, ونؤمن بحقائقها, وننفي عنها التشبيه, ولا نعطلها بالتحريف والتأويل, ولا فرق بين الاستواء والسمع, ولا بين النزول والبصر, الكل ورد به النص.

فإن قالوا لنا في الاستواء: شبهتم نقول لهم في السمع: شبهتم, ووصفتم ربكم بالعرض! فإن قالوا: لا عرض بل كما يليق به. قلنا في الاستواء والفوقية: لا حصر, بل كما يليق به. فجميع ما يلزمونا به في الاستواء والنزول واليد والوجه والقدم والضحك والتعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة والسمع والبصر والعلم. فكما لا يجعلونها هم أعراضا. كذلك نحن لا نجعلها جوارح, ولا ما يوصف به المخلوق, وليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء والنزول والوجه واليد صفات المخلوقين فيحتاجوا إلى التأويل والتحريف.

(1/29)

________________________________________

ومن أنصف عرف ما قلنا واعتقده, وقبل نصيحتنا, ودان لله بإثبات جميع صفاته هذه وتلك, ونفى عن جميعها التشبيه والتعطيل والتأويل والوقوف. وهذا مراد الله منا في ذلك؛ لأن هذه الصفات وتلك جاءت في موضع واحد وهو الكتاب والسنة, فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل وحرفنا هذه وأولناها, كنا كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض, وفي هذا بلاغ وكفاية إن شاء الله تعالى".

قلت: لقد وضح من كلام الإمام كالجويني رحمه الله تعالى السبب الذي حمل الخلف -إلا من شاء الله- على مخالفة السلف في تفسير آية "الاستواء", وهو أنهم فهموا منه -خطأ كما قلنا- استواء لا يليق إلا بالمخلوق وهذا تشبيه فنفوه بتأويلهم إياه بالاستيلاء!

ومن الغريب حقا أن الذي فروا منه بالتأويل, قد وقعوا به فيما هو أشر منه بكثير, ويمكن حصر ذلك بالأمور الآتية:

الأول: التعطيل, وهو إنكار صفة علو الله على خلقه علوا حقيقيا يليق به تعالى. وهو بين في كلام الإمام الجويني.

الثاني: نسبة الشريك لله في خلقه يضاده في أمره, فإن الاستيلاء لغة لا يكون إلا بعد المغالبة كما ستراه في ترجمة الإمام اللغوي ابن الأعرابي, فقد جاء فيها:

أن رجلا قال أمامه مفسرا الاستواء معناه: استولى. فقال لهم الإمام: اسكت, العرب لا تقول للرجل: "استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد, فأيهما غلب قيل: استولى. والله تعالى لا مضاد له". وسنده عنه صحيح كما بينته هناك في التعليق "210" واحتج به العلامة نفطويه النحوي في "الرد على الجهمية" كما ستراه في ترجمته "119".

فنسأل المتأولة: من هو المضاد لله تعالى حتى تمكن"! " الله تعالى من التغلب عليه والاستيلاء على ملكه عنه؟!

(1/30)

________________________________________

وهذا إلزام لا مخلص لهم منه إلا برفضهم لتأويلهم, ورجوعهم إلى تفسير السلف, ولما تنبه لهذا بعض متكلميهم جاء بباقعة أخرى! وذلك أنه تأول "الاستيلاء" الذي هو عندهم المراد من "الاستواء" بأنه استيلاء مجرد عن معنى المغالبة! 1.

قلت: وهذا مع كونه مخالفا لغة كما سبق عن ابن الأعرابي فإن أحسن ما يمكن أن يقال فيه: إنه تأويل للتأويل!! وليت شعري ما الذي دخل بهم إلى هذه المآزق, أليس كان الأولى بهم أن يقولوا: استعلى استعلاء مجردا عن المشابهة. هذا لو كان الاستعلاء لغة يستلزم المشابهة. فكيف وهي غير لازمة؟ لأن الاستواء في القرآن فضلا عن اللغة قد جاء منسوبا إلى الله تعالى كما في آيات الاستواء على العرش, وقد مضى بعضها, كما جاء منسوبا إلى غيره سبحانه كما قال في سفينة نوح "استوت على الجودي" وفي النبات "استوى على سوقه", فاستواء السفينة غير استواء النبات. وكذلك استواء الإنسان على ظهر الدابة, واستواء الطير على رأس الإنسان واستواؤه على السطح, فكل هذا استواء ولكن استواء كل شيء بحسبه, تشترك في اللفظ, وتختلف في الحقيقة, فاستواء الله تعالى هو استواء واستعلاء يليق به تعالى ليس كمثله شيء.

وأما الاستيلاء فلم يأت إطلاقه على الله تعالى مطلقا إلا على ألسنة المتكلمين! فتأمل ما صنع الكلام بأهله, لقد زين لهم أن يصفوا الله بشيء هو من طبيعة المخلوق واختصاصه, ولم يرضوا أن يصفوه بالاستعلاء الذي لا يماثله شيء وقد قال به السلف, فلا عجب بعد ذلك أن اجتمعوا على ذم الكلام وأهله, وتأتيك بعض النقول عنهم في الكتاب ووافقهم على ذلك بعض الخلف, فقال السبكي في مقدمة رسالة "السيف الصقيل" "ص12":

" وليس على العقائد أضر من شيئين: علم الكلام والحكمة اليونانية ...

__________

1 نقله الكوثري في تعليقه على "الأسماء والصفات" "ص406" عن ابن المعلم!

(1/31)

________________________________________

وجميع الفرق الثلاث في كلامها مخاطرة, إما خطأ في بعضه, وإما سقوط هيبته, والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون, وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة".

وبعد فإن ضرر التأويل على أهله, وحمله إياهم على الانحراف عن الشرع مما لا حدود له في نظري, فلولاه لم يكن للقائلين بوحدة الوجود اليوم وجود، ولا لإخوانهم القرامطة الباطنية من قبل, الذين أنكروا الشريعة وكل ما فيها من حقائق كالجنة والنار, والصلاة والزكاة والصيام والحج, ويتأولونها بتآويل معروفة. قال العلامة المرتضى اليماني في "إيثار الحق على الخلق" في صدد بيان قبح التأويل "ص135":

"فإن المعتزلة والأشعرية إذا كفروا الباطني بإنكار الأسماء الحسنى والجنة والنار, يقول لهم الباطني: لم أجحدها, إنما قلت: هي مجاز, مثلما أنكم لم تجحدوا الرحمن الرحيم الحكيم, وإنما قلتم: إنها مجاز! وكيف كفاكم المجاز في الإيمان بالرحمن الرحيم وهما أشهر الأسماء الحسنى أو من أشهرها, ولم يكفني في سائرها وفي الجنة والنار مع أنهما دون أسماء الله بكثير؟ وكم بين الإيمان بالله وبأسمائه والإيمان بمخلوقاته؟! فإذا كفاكم الإيمان المجازي بأشهر الأسماء الحسنى فكيف لم يكفني مثله في الإيمان بالجنة والنار والمعاد؟! ".

قلت: ونحوهم طائفة القاديانية اليوم الذين أنكروا بطريق التأويل كثيرا من الحقائق الشرعية المجمع عليها بين الأمة كقولهم ببقاء النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم متأسين في ذلك بنبيهم ميرزاغلام أحمد, ومن قبله ابن عربي في "الفتوحات المكية" وتأولوا قوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} بأن المعنى زينة النبيين وليس آخرهم! وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نبي بعدي" بقولهم: أي معي! وأنكروا وجود الجن مع تردد ذكرهم في القرآن الكريم, فضلا عن السنة وتنوع صفاتهم فيهما, وزعموا أنهم طائفة من البشر! إلى غير ذلك من ضلالاتهم, وكلها من بركات التأويل الذي أخذ به الخلف في آية الاستواء وغيرها من آيات الصفات.

(1/32)

________________________________________

وليس أدل على ضرر التأويل على أصحابه المغرمين به من القول الذي شاع بينهم ولهجت به ألسنتهم كلما أثير بحث الصفات والإيمان بها على حقائقها أو على تأويلها ألا وهو قولهم:

" مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم "

والشاب المثقف اليوم الذي لم تتلوث ثقافته الشرعية بشيء من علم الكلام ربما لا يصدق أن أحدا من الخلف يقول مثل هذا القول! وحق له ذلك لخطورته وفظاعته ولكنه -مع الأسف- هو الواقع المعروف لدى طلبة الشريعة, وإليك مثالا واحدا على ذلك مما يقرؤونه على مشايخهم قال الباجوري في حاشيته "ص55" تحت قول صاحب "الجوهرة":

وكل نص أوهم التشبيها ... أوله أو فوض ورم تنزيها

"وطريقة الخلف أعلم وأحكم, لما فيها من مزيد الإيضاح, والرد على الخصوم, وهي الأرجح, ولذلك قدمها المصنف, وطريقة السلف أسلم لما فيها من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى"!

وكلام الكوثري المشهور بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث في تعليقاته كلها يدور على هذا المعنى من التفصيل المزعوم, وفي تعليقه على "السيف الصقيل" التصريح بذلك "ص132".

وهذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة, بل في غاية الضلالة! قال ابن تيمية في "العقيدة الحموية": "كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم, وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول:

لعمري قد طفت المعاهد كلها ... وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعا كف حائر ... على ذقن أو قارعا سن نادم

(1/33)

________________________________________

وأقروا على أنفسهم بما قالوا, متمثلين به, أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم, مثل قول بعض رؤسائهم:

نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ويقول الآخر منهم:

" أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام".

ثم إذا حق عليهم الأمر لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر, ولا وقعوا من ذلك على عين وعلى أثر.

كيف يكون هؤلاء المنقصون المحجوبون الحيارى المتهوكون أعلم بالله وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار, والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل, وأعلام الهدى ومصابيح الدجى, الذي بهم قام الكتاب وبه قاموا, الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة.

ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟ أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟! "

وقال العلامة السفاريني في "شرح العقيدة" "1/ 21 - مختصره":

" فمن المحال أن يكون المخالفون أعلم من السالفين كما يقوله بعض من لا تحقيق له به ممن لا يقدر قدر السلف ولا عرف الله تعالى ولا رسوله ولا

(1/34)

________________________________________

المؤمنين به؛ حق المعرفة المأمور بها, أن طريقة السلف أسلم [وطريقة الخلف] 1 أعلم وأحكم.

وهؤلاء إنما أتوا, من حيث ظنوا أن طريق السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث؛ من غير فقه ذلك, بمنزلة الأميين أو أن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات, وغرائب اللغات.

فهذا الظن الفاسد, أوجب تلك المقالة التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر. وقد كذبوا وأفكوا على طريقة السلف, وضلوا في تصويب طريقة الخلف فجمعوا بين باطلين: الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم, والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم".

ثم استشهد على ذلك بكلام للحافظ ابن رجب في كتابه "فضل علم السلف على علم الخلف" فليراجعه من شاء.

والظن الذي أتوا منه المخالفون هو مما يكرر ذكره بعض المؤيدين لمذهب الخلف على مذهب السلف, ويتوهم صحته بعض الكتاب الإسلاميين الذين لا علم عندهم بأقوال السلف, ويسمونه بـ"التفويض", وهو مما يكثر الكوثري عزوه إليهم زورا, فيقول في تعليقه على "السيف الصقيل" "ص13": "الذي كان عليه السلف إجراء ما ورد في الكتاب والسنة المشهورة "؟ " في صفات الله سبحانه على اللسان, مع التنزيه بدون خوض في المعنى, ومن غير تعيين المراد"!

وأعاد هذا المعنى مواضع أخرى منه "ص131 و145", وجر على منواله قرينه المتعاون معه على تحريف نصوص كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي ذاك في التعليق عليه, وهذا في التقديم له في كتابه الذي سماه "فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان" أعني الشيخ سلامة القضاعي

__________

1 سقطت من "المختصر" واستدركتها من "اللوامع" "1/ 25".

(1/35)

________________________________________

العزامي, فقد ذكر نحوه في مواطن منه غير أنه قال: "أكثر السلف على الكف عن بيان المعنى المراد اللائق بالحق تعالى" كذا قال "ص94 ". ونحوه "ص81 و5", فقد نسب إلى أكثر السلف تنزههم عن بيان المعنى اللائق بالحق تعالى. فهل كان ذلك جهلا منهم بالله, أم كتما للعلم؟! فبأيهما أجاب, فهو كما قيل: أحلاهما مر. وصدق الله العظيم: {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْم} !

وجملة القول في التأويل الذي تمسك به الخلف أنه كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في منتصف قصيدته الرائعة "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية" المعروفة بالنونية:

" هذا وأصل بلية الإسلام من ... تأويل ذي التحريف والبطلان".

ثم أفاض في سرد أضراره نظما بما لا تجده عند غيره نثرا, فراجعه فإنه هام جدا. وانظرها مع شرحها للشيخ أحمد بن عيسى المسمى بـ"توضيح المقاصد وتصحيح القواعد بشرح قصيدة ابن القيم"1.

ثم إن عجبي لا يكاد ينتهي من الكوثري وأمثاله الذين ينسبون السلف الصالح في آيات الصفات إلى التفويض وعدم البحث عن المراد منها كما سبق النقل الصريح بذلك عنه فإنه إن لم يجد في قلبه من التعظيم للسلف وعلمهم ما يزعه عن التلفظ بها بما يمس مقامهم في المعرفة بالله تعالى وصفاته أفلم يقف على ما نقله العلماء عنهم من العبارات المختلفة لفظا والمتحدة معنى وكلها تلتقي حول شيء واحد وهو إثبات الصفات مع الرد على المعطلة النافين لها والممثلة المشبهين لها بصفات الخلق, وإليك بعض النصوص في ذلك مما ستراه في الكتاب في تراجمهم إن شاء الله تعالى.

1- قال الوليد بن مسلم: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد: عن الأحاديث التي في الصفات؟ فكلهم قالوا لي:

__________

" 1" في مجلدين كبيرين وهي من مطبوعات "المكتب الإسلامي".

(1/36)

________________________________________

أمروها كما جاء بلا تفسير. وفي رواية: بلا كيف.

2- قال ربيعة الرأي, ومالك وغيرهما: "الاستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإيمان به واجب".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتوى الحموية" "ص109 مطبعة السنة المحمدية".

"فقول ربيعة, ومالك: الاستواء غير مجهول ... " موافق لقول الباقين, "أمروها كما جاءت بلا كيف"؛ فإنما نفوا علم الكيفية, ولم ينفوا حقيقة الصفة. ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول" ولما قالوا: "أمروها كما جاءت بلا كيف, فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما, بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم"!

وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية, إذا لم يفهم عن اللفظ معنى, وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات.

وأيضا, فإن من ينفي الصفات الجزئية -أو الصفات مطلقا- لا يحتاج إلى أن يقول "بلا كيف" فمن قال: "إن الله ليس على العرش" لا يحتاج أن يقول "بلا كيف", فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر, فلما قالوا: "وبلا كيف".

وأيضا فقولهم "أمروها كما جاءت" يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظا دالة على معاني فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: "أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد. أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن من الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة" وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ "بلا كيف" إذا نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول".

(1/37)

________________________________________

3- قال الإمام الخطابي:

" مذهب السلف في الصفات إثباتها وإجراؤها على ظاهرها, ونفي الكيفية والتشبيه عنها".

4- قال الحافظ ابن عبد البر:

" أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة, وحملها على الحقيقة لا على المجاز, إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك. وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل منها شيئاً على الحقيقة, ويزعمون أن من أقر بها مشبه, وهم عند من أقر بها نافون للمعبود".

قلت: فهذا قل من جل النصوص التي سنراها في الكتاب, وهي كلها متفقة على أن السلف كانوا يفهمون آيات الصفات, ويفسرونها ويعينون المعنى المراد منها, على ما يليق به تبارك وتعالى.

فلماذا لا يرفع الكوثري وأمثاله من الخلف رؤوسهم إلى هذه النصوص, ويظلون يصرون على أن السلف كانوا لا يفهمونها وإنما كانوا يجرونها على ألسنتهم فقط, دون تدبر لها وبيان لمعناها؟!

والجواب: أحسن أحواله أن يكون حاله كحال الجويني الذي كان متأثرا بشيوخه من علماء الكلام, ولكنه لما كان مخلصا في علمه لله تعالى هداه الله تبارك وتعالى إلى عقيدة السلف في الاستواء وغيره مصداقا لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} , فهل كان الكوثري وأمثاله من الطاعنين في أئمة الحديث والسلف مخلصين أيضا؟

من الصعب جدا أن نجيب عن هذا بالإيجاب لكثرة ما نرى من عدائه الشديد -في كل تعليقاته- لأئمة السلف والتوحيد واستمراره على اتهامهم بالتجسيم والتشبيه وبصورة خاصة لابن تيمية منهم مع رد هذا على المجسمة

(1/38)

________________________________________

ومبالغته في سائر كتبه, فلا نكاد نراه في صدد الرد على المعطلة, إلا ويشرك معهم في الرد المجسمة, كما يعرف ذلك كل من له دراسة لكتبه رحمه

الله تعالى, ومن كلامه في هذا الصدد قوله في "الحموية" "ص160":

" فمن قال: لا أعقل علما ويدًا إلا من جنس العلم واليد المعهودين. قيل له: فكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذوات المخلوقين؟ ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته, وتلائم حقيقته فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله ودينه".

قلت: وهذا قليل من كثير من كلامه الذي يدل دلالة قاطعة على أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو منزه وليس بمشبه أو مجسم كما يفتري الكوثري. وقد نقل صديقه 1 العلامة أبو زهرة في كتابه "ابن تيمية" نصوصا كثيرة من كلام ابن تيمية في موضع الصفات الإلهية, ولخص عقيدته فيها تلخيصا جيدا لا تحامل فيه, بل إنه قد برأه مما اتهمه الكوثري فقال "ص264":

" وليس في ذلك ما يتنافى مع التنزيه, أو يخالف التوحيد, أو يثبت مشابهة بينه سبحانه وبين الحوادث ". ثم قال "ص266":

" وينتهي بلا ريب إلى أن يثبت لله سبحانه وتعالى الاستواء واليد وغير, ذلك ولكن يقول: إن هذا كله بما يليق بذاته تعالى لا نعرف حقيقته وعلينا الإيمان به"

ولكنه عاد فنقل عن كتاب "رد شبه التشبيه" لابن الجوزي كلاما له ينتصر فيه للتأويل ويرد به على من يرميهم بالتشبيه فقال أبو زهرة "ص272" عقبه: "وهو مؤدى كلامهم ومهما حاولا نفي التشبيه فإنه لاصق بهم وإذا جاء ابن تيمية من بعده بأكثر من قرن وقال: إنه اشتراك في الاسم لا في الحقيقة فإنهم إن فسروا الاستواء بظاهر اللفظ فإنه الاقتعاد والجلوس

__________

1 كما صرح به في "المذاهب الإسلامية" "ص290 ".

(1/39)

________________________________________

الجسمية لازمة لا محالة وإن فسروه بغير المحسوس فهو تأويل, وقد وقعوا فيما نهوا عنه"!

فأقول: "رويدك يا فضيلة الشيخ, فأنت تعلم أن ابن تيمية لا يفسر الاستواء بشيء مما ذكرت, وإنما بالعلو, وكتبه طافحة بذلك, فلماذا أوهمت القراء خلاف الواقع, فهلا جريت على سننك في نقل أقوال ابن تيمية وأنت تشرح عقيدته ورأيه, أم ضقت ذرعا بالتزام النقل الصحيح فأخذت تنسب إليه ما ليس بصحيح, تارة بالتلويح, كما فعلت هنا, وتارة بالتصريح كما فعلت في كتابك الآخر "المذاهب الإسلامية" إذ قلت في بحث "السلفية" والإمام ابن تيمية "ص320":

"وهكذا يثبتون كل ما جاء في القرآن والسنة عن أوصافه سبحانه.... ويثبتون الاستقرار على العرش"!

فأين رأيت ابن تيمية يقول بالاستقرار على العرش, علما بأنه أمر زائد على العلو, وهو مما لم يرد به الشرع, ولذلك رأينا مؤلفنا الحافظ الذهبي قد أنكر على بعض القائلين بصفة العلو التعبير عنها بالاستقرار كما نراه في الترجمة "158، الفقرة 322" ويقول أبو زهرة أيضا "ص322" من كتابه المذكور:

"يقرر ابن تيمية أن مذهب السلف: هو إثبات كل ما جاء في القرآن من فوقية, وتحتية, واستواء على العرش"! وقال في الصفحة التي قبلها: "فيكرر هذا المعنى فيقول مؤكدا أن الله ينزل ويكون في فوق وتحت من غير كيف"!

فأين قرر ابن تيمية وأثبت لله تعالى صفة التحتية؟! غالب الظن أن الشيخ أبا زهرة فهم من أحاديث النزول التحتية المزعومة, ثم عزا ذلك لابن تيمية كما فهم من آيات الاستواء: الاستقرار ثم عزاه إليه, وكل ذلك خطأ عليه كما يعلم ذلك من درس كتبه دراسة تفهم ووعي لا دراسة سريعة من أجل النقل عنه في ترجمته, وتسويد صفحاتها!

(1/40)

________________________________________

ومثل هذا العزو منه لابن تيمية دلني على أنه لم يفهم ابن تيمية وعقيدته وأفكاره فهما جيدا, بل لعله لم يقرأ كل ما لابن تيمية من البحث والتحقيق في المسائل التي أثارها الشيخ أبو زهرة في ما طبع من كتب ابن تيمية فضلا عن المخطوطة منها ككتابة المطبوع في المكتب الإسلامي: "شرح حديث النزول" فإن ابن تيمية رحمه الله قد قرر فيه أنه لا يلزم من نزوله تعالى أن يصير العرش فوقه تعالى, وهو تحت العرش, فإن هذا من طبيعة المخلوق, والله ليس كمثله شيء كما سيأتي الإشارة إلى ذلك في ترجمة الإمام إسحاق بن راهويه من الكتاب تعليقا على الفقرة "211"1, "1" بل قد قال ابن تيمية في "منهاج السنة" "2/ 248":

"ومن ظن من الجهال أنه إذا نزل إلى سماء الدنيا كما جاء الحديث سيكون العرش فوقه ويكون محصورا بين طبقتين من العالم فقوله مخالف لإجماع السلف مخالف للكتاب والسنة كما قد بسط في موضعه".

وإن مما يؤكد ما ذكرته من عدم فهمه لابن تيمية أنه لم يقتنع بما لخصه هو نفسه عن ابن تيمية "ص276" من كتابه "ابن تيمية" فقال:

"إن ابن تيمية يرى أن الألفاظ في اليد والنزول والقدم والوجه والاستواء على ظاهرها, ولكن بمعان تليق بذاته الكريمة كما نقلنا من قبل"

لم يقتنع بصواب رأي ابن تيمية هذا مع أنه الحق الصراح بل أخذ يرد عليه بكلام هزيل مضطرب لا طائل تحته -وهذا أحسن ما يقال فيه فقال عقبه:

"ومن هنا نقف وقفة: إن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية, ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها, وإذا أطلقت على غيرها سواء أكان معلوما أم مجهولا فإنها قد استعملت في غير معناها, ولا تكون بحال من الأحوال مستعملة في ظواهرها, بل تكون مؤولة, وعلى ذلك يكون ابن تيمية قد فر من التأويل ليقع في تأويل آخر, وفر من التفسير المجازي ليقع في تفسير

__________

1 الصفحة "181 ".

(1/41)

________________________________________

مجازي آخر "

فقل لي بربك -أيها القارئ اللبيب- هل يقول هذا في ابن تيمية عالم كأبي زهرة فهم كلام ابن تيمية الذي نقله هو نفسه أكثر من مرة كقوله أنه لا يلزم من الاشتراك في الاسم الاشتراك في الحقيقة. ويبين ذلك ما نقله "ص265" عن "التدمرية" لابن تيمية" "ص12" أنه قال:

"إذا كان من المعلوم بالضوررة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يقبل الوجود والعدم, فمعلوم أن هذا مجود وهذا موجود ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الإضافة والتخصص والتقيد فلا يقول عاقل إذا قيل له: إن العرش شيء موجود وإن البعوض شيء موجود: "إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود [وإذا قيل هذا موجود وهذا موجود فوجود كل منهما يخصه. لا يشركه غيره مع أن الاسم حقيقة في كل منهما] "1

ثم علق أبو زهرة على هذا الكلام بما يوضحه قال:

"ولذا يقول ابن تيمية في هذا المقام:

"قد سمى الله نفسه حيا فقال سبحانه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وسمى بعض خلقه حيا فقال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ} , وليس هذا الحي مثل هذا الحي لأن قوله "الحي" اسم لله مختص به وقوله "يخرج الحي من الميت" اسم للحي المخلوق مختص به وإنما يتفقان إذا أطلقا وجردا عن التخصيص ... "

فهل تجد أيها القارئ أثرا للتأويل الذي زعمه أبو زهرة في تفسيره لهذه

__________

1 زيادة من "التدمرية" ص "13-14" طبع المكتب الإسلامي.

(1/42)

________________________________________

الأسماء والآيات, أم هو يصرح بأنها كلها حقائق تناسب مع ذواتها, وتختلف حقائقها باختلاف ذواتها, غير أن ما في الأمر أن ما كان منها محسوسا فمن الممكن أن نعرف حقيقته بخلاف ما كان غائبا عنا كصفات الله تعالى بل والجنة والنار, فلا نعرف حقيقته, فقد ضرب لك أمثلة توضح للناس هذا الموضوع الخطير الذي كان الجهل به سببا كبيرا لانحراف الناس في الصفات عن طريق السلف. فنحن جميعا نقول: "الله موجود" كما نقول: "الخلق موجود ". ووجود كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما, وتقول: "الله حي" و"وأنا حي" حياة كل منهما حقيقة تتناسب مع ذواتهما, وهكذا طرد ذلك في جميع الأسماء والصفات, تجد كلام شيخ الإسلام واضحا بينا مقنعا لكل ذي لب.

وإذا كان الشيخ أبو زهرة لم يفهم كلام ابن تيمية, وبناء عليه نسب إليه التأويل خطأ, فهذا الخطب فيه سهل جدا بالنسبة لخطأ آخر في كلامه السابق فإنه إذا كان يعتقد "أن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية ولا تطلق على وجه الحقيقة على سواها, وإذا أطلق على غيرها سواء أكان معلوما أم مجهولا فإنها قد استعملت في غير معناها ... " إلخ كلامه السابق.

أقول: إذا كان الشيخ يعتقد هذا, فإن معنى كلامه -لو كان يدري ما يقول- وهو يجادل شيخ الإسلام متأثرا بعلم الكلام أن وجود المخلوق وحياته وعلمه واستواءه وغير ذلك كله حقيقة, وأما وجود الخالق سبحانه وحياته وعلمه واستواءه وغير ذلك من صفاته فهي مجاز! وليست بحقيقة, ولازمه أن الله غير موجود, وليس بحي, ولا هو يعلم ولا هو مستو على العرش, ولا ولا.... إلخ إلى ما هنالك من أساليب معروفة يقول بها الفلاسفة, وبعض من تأثر بهم من المعتزلة وعلماء الكلام نقول هذا الأن الشيخ -هدانا الله وإياه قال: "إن هذه الألفاظ وضعت في أصل معناها لهذه المعاني الحسية" ووجوده الله وعلمه وحياته وسائر صفاته ليست حسية وعليه فلا تطلق عليهما كما قال إلا مجازا فهل أحس الشيخ أين طوحت به كلمته هذه؟ فإن كنت لا تدري ... فأقول: قد عرفنا معنى الوجود المحسوس والحياة المحسوسة والعلم المحسوس,

(1/43)

________________________________________

والاستواء المحسوس, فما هو معنى هذه الأسماء إذا أضيفت إلى الله تعالى وهو غير محسوس؟ فالجواب: إنه لا معاني لها وإنما هي أسماء له فقط كما تقوله المعتزلة تماما كما حكاه الشيخ نفسه عنهم فإنه قال في "المذاهب" "ص303":

"نفى المعتزلة الصفات كما قررنا, وأثبتها الأشعري وقالوا إنها شيء غير الذات, فقد أثبتوا القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام وقالوا: إنها غير الذات وقال المعتزلة لا شيء غير الذات وإن المذكور في القرآن من مثل قوله تعالى: "عليم وخبير وحكيم وسميع وبصير هو أسماء له تعالى".

أي لا معاني لها, وإنما هي كالأعلام المحضة المترادفة, ولذلك نعى ذلك عليهم العلماء ونسبوهم إلى التعطيل كما هو مبين في كتب شيخ الإسلام وغيره.

فهل يلتزم فضيلة الشيخ أبو زهرة ما لزمه من كلامه السابق من التعطيل الذي حكى مثله عن المعتزلة, فيكون على ذلك مثلهم منكرا لصفات الله تعالى الثابتة بالقرآن والسنة, أم يتراجع عن تلك الكلمة, لأنها زلة لسان, ويلتزم المذهب الذي شرحه ابن تيمية شرحا ليس من السهل الاستدراك عليه فيه, ومنه الاستواء, فيؤمن به على أنه صفة حقيقية لله تعالى تليق به كما ينبغي أن يؤمن كذلك بجميع صفاته عز وجل كالعلم والكلام ولا يصرفها إلى المجاز فيقع في التعطيل؟ كنت أرجو أن أعتبر تلك الكلمة منه زلة لسان صدرت منه ولكن صدني عن ذلك هو نفسه حيث رأيته قد مال كما سيأتي إلى تفسير "الاستواء" بالمعنى المجازي وهو السلطان الكامل وتفسير النزول بفيوض النعم الإلهية دون أن يتنبه الشيخ المسكين أن مثل هذا التفسير لازمه الكفر لأن تمام حديث النزول -كما يعلم- فيقول: ألا هل من داع فاستجيب له ألا ... ألا ... فهل القيوض هي التي تستجيب, وتغفر, وتعطي أم الله عز وجل لا شريك له؟

وجملة القول فيما نقله الكوثري عن ابن تيمية أنه أراد أن يكون معه نزيها

(1/44)

________________________________________

أديبا غير متأثر بموقف صاحبه الكوثري منه, ولكنه -مع الأسف تغلب عليه أثر الصحبة, فأخذ يطعن في عقيدة ابن تيمية, ولكن تلويحا لا تصريحا كما يفعل صاحبه وينسب إليه صراحة ما لم يقله كما تقدم بيانه, ولا أقول إنه فعل ذلك عمدا كصاحبه لا وإنما أتي من سوء فهمه لكلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. ومما يؤكد ذلك قوله عقب ما سبق نقله من كلامه الذي فيه "وعلى ذلك يكون ابن تيمية قد فر من التأويل ليقع في تأويل آخر ... ". فقال "ص277":

" ثم ما المآل وما الغاية من التفسير الظاهري أيؤدي إلى معرفة حقيقة أم لا يؤدي إلا إلى متاهات أخرى إنه يقول "يعني ابن تيمية": إن الحقيقة غير معروفة فيقول: إن الله له وجه غير معروفة الماهية ... وله استواء غير معروف الماهية, ويد ... و

إننا بلا شك إذا فسرنا تلك المعاني "كذا قال ولعله سبق قلم, وإنما أراد الألفاظ" بتفسيرات لا تجعلنا نحمله على مجهولات يكون ذلك التفسير أحرى بالقبول, ما دامت اللغة تتسع له وما دام المجاز بينا فيها, كتفسير اليد بمعنى القوة أو النقمة, والاستواء بمعنى السلطان الكامل, وتفسير النزول

بفيوض النعم الإلهية إلخ, ولا يعترض بأمن ذلك ليس فيه أخذ بالظاهر, لأن الذي اختاره ليس فيه أخذ بالظاهر"!

كذا قال, ولو أردنا أن نبين ما تحته من الخطأ والبعد عن جادة الصواب الذي لا يجوز أن يقع فيه عالم مثله لطال بنا المقام أكثر مما تتحمله هذه المقدمة ولكني أقول للشيخ كلمة موجزة:

ألا يكفيك يا فضيلة الشيخ مآلا وغاية أن تفهم أن الاستواء هو صفة لله غير صفة النزول, وأن هذه الصفة غير صفة السيطرة والإنعام وهكذا, كما يكفيك -فيما أرجو- أن تعتقد أن صفة السمع غير صفة البصر وأنهما غير صفة العلم وأن لا تعطلهما وتنكر وجودهما بتأويلك إياهما بما يعود إلى أن المراد بهما

(1/45)

________________________________________

صفة العلم كما يقوله بعض المعتزلة, وإن كان كثيرون منهم ينكرون جميع صفات الذات لله تبارك وتعالى كما نقلناه عنهم فيما سبق؟

بلى إنه يكفيك هذا وإلا فما الفرق بين تفسيرنا تبعا للسلف لهذه الصفات على ظاهرها مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا المتصف بها سبحانه وتعالى, وبين إنكارك الاستواء مثلا وإيمانك -فيما أظن بتفسيرنا لسائر الصفات ككونه حيا قديرا مريدا حكيما ... إلخ صفاته تعالى تفسيرا لها على ظاهرها دون تأويل أيضا مع اعتقاد أن حقيقتها لا يعلمها إلا الله؟

الذي أعتقده وأقطع به: أن كل عاقل من أهل العلم لا بد من أن يسلم بأنه لا فرق بين هذا وهذا أبدا, إذ الكل يعود إلى صفات ذات الله تعالى, فكما أننا نؤمن بذاته تعالى دون أن نعلم كنهها وحقيقتها, فكذلك القول في صفاته سبحانه ولا فرق, وإذا كان الأمر كذلك فإما أن يؤمن الشيخ معنا بحقائق الصفات ومنها الاستواء على ما شرحنا وإما أن يتأولها كلها, وبذلك يُلزم بإنكار وجود الله تعالى لأنه لا يعرف حقيقته, وكل ما لا يعرف حقيقته كالاستواء فهو يتأوله!!! وهذا ما وقع فيه الباطنية وكثير من الفلاسفة وقارب ذلك المعتزلة ومن تأثر بهم من علماء الكلام كما فصل ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتبه الكثيرة, جزاه الله عن الإسلام خيرا.

وهنا يطيب لي بهذه المناسبة أن أنقل من بعض المخطوطات فصلا رائعا من كلام بعض علماء السلف مما لم يطبع حتى الآن فيما علمت وهو للخطيب البغدادي الحافظ المؤرخ المشهور, وقد ذكر المصنف طرفا منه في ترجمته كما يأتي, فرأيت أن أذكره هنا بنصه, إتماما للحجة على الخلف الذين يتوهم الكثير منهم, أن القول بوجوب الإيمان بحقائق الصفات ومعانيها كما يليق بالله تعالى هو مذهب تفرد به ابن تيمية ومن اقتدوا به فيها, ولم يعلموا أنه رحمه الله تابع لهم في ذلك, وإنما فضله في بيانه وشرحه له وإقامة الأدلة عليه بالمنقول والمعقول, ودفع الشبهات عنه, وإلا فهو سلفي المعتقد, وهو الواجب على كل مسلم, ولذلك

(1/46)

________________________________________

بادرنا إلى نشر كتاب الذهبي هذا الذي بين يديك لتعلم به ما قد يكون خافيا عليك كما خفي على غيرك, فكان ذلك سببا قويا من أسباب الابتعاد عن العقيدة السلفية والطريقة المحمدية.

قال الحافظ الخطيب رحمه الله تعالى:

" أما الكلام في الصفات؛ فإن ما روي منها في السنن الصحاح؛ مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظواهرها, ونفي الكيفية والتشبيه عنها. وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه. وحققها من المثبتين قوم فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف. والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه.

والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع علي الكلام في الذات ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله. فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية, فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف.

فإذا قلنا: لله تعالى يد, وسمع, وبصر؛ فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه, ولا نقول: أن معنى اليد القدرة, ولا إن معنى السمع والبصر العلم, ولا

نقول: إنها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تبارك وتعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقوله عز وجل {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} .

ولما تعلق أهل البدع على عيب أهل النقل برواياتهم هذه الأحاديث ولبسوا على من ضعف علمه بأنهم يروون ما لا يليق بالتوحيد ولا يصح في الدين, ورموهم بكفر أهل التشبيه, وغفلة أهل التعطيل أجيبوا بأن في كتاب الله تعالى آيات محكمات يفهم منها المراد بظاهرها, وآيات متشابهات لا يوقف على معناها

(1/47)

________________________________________

إلا بردها إلى المحكم, ويجب تصديق الكل والإيمان بالجميع؛ فكذلك أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم جارية هذا المجرى, ومنزلة على هذا التنزيل, يرد المتشابه منها إلى المحكم, ويقبل الجميع.

وتنقسم الأحاديث المروية في الصفات ثلاثة أقسام:

أ- منها أخبار ثابتة أجمع أئمة النقل على صحتها, لاستفاضتها وعدالة ناقليها. فيجب قبولها, والإيمان بها, مع حفظ القلب أن يسبق إليه اعتقاد ما يقتضي تشبيها لله بخلقه, ووصفه بما لا يليق به من الجوارح والأدوات, والتغير والحركات.

ب- القسم الثاني: أخبار ساقطة, بأسانيد واهية, وألفاظ شنيعة, أجمع أهل العلم بالنقل على بطولها, فهذه لا يجوز الاشتغال بها ولا التعريج عليها.

ج- والقسم الثالث: أخبار اختلف أهل العلم في أحوال نقلتها, فقبلهم البعض دون الكل, فهذه يجب الاجتهاد والنظر فيها لتلحق بأهل القبول, أو تجعل في حيز الفساد والبطول".

قلت: فاحفظ هذا الأصل من الكلام في الصفات وافهمه جيدا, فإنه مفتاح الهداية والاستقامة عليها, وعليه اعتمد الإمام الجويني حين هداه الله تعالى لمذهب السلف في الاستواء وغيره كما تقدم ذكره عنه, وهو عمدة المحققين كلهم في تحقيقاتهم لهذه المسألة كابن تيمية وابن القيم وغيرهما, قال ابن تيمية في "التدمرية" "ص29": طبع المكتب الإسلامي:

" القول في الصفات كالقول في الذات فإن الله ليس كمثله شيء, لا في ذاته, ولا في صفاته, ولا في أفعاله فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات.

فإذا قال السائل؛ كيف استوى على العرش؟ قيل له كما قال ربيعة ومالك

(1/48)

________________________________________

وغيرهما رضي الله عنهم: "الاستواء معلوم, والكيف مجهول, والإيمان به واجب, والسؤال عن الكيفية بدعة" لأنه سؤال عما لا يعلمه البشر, ولا

يمكنهم الإجابة عنه. وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيته. قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله. إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف وهو فرع له وتابع له, فيكف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره, وتكليمه واستوائه ونزوله, وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟ وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال, لا يماثلها شيء فسمعه وبصره, وكلامه ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزوله واستواؤهم ... ".

وقال في "الحموية" "ص99" بعد أن ذكر مختصر ما تقدم:

"ومذهب السلف بين التعطيل وبين التمثيل, فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه, كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه, ولا ينفون عنه ما وصف بهنفسه, ووصفه به رسوله, فيعطلوا أسماءه الحسنى, وصفاته العليا, ويحرفوا الكلم عن مواضعه, ويلحدوا في أسماء الله وآياته.

وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل, فهو جامع بين التعطيل والتمثيل. أما المعطلون فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق, ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات. فقد جمعوا بين التعطيل والتمثيل, مثلوا أولا, وعطلوا آخرا. وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسماءئه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم, وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة به سبحانه وتعالى, فإنه إذا قال القائل: لو كان الله فوق العرش للزم إما أن يكون أكبر من العرش, أو أصغر, أو مساويا, وكل ذلك من المحال -ونحو ذلك من الكلام- فإنه لم يفهم من كون الله على العرش إلا ما يثبت لأي جسم كان على أي جسم كان. وهذا اللازم تابع

(1/49)

________________________________________

لهذا المفهوم, إما استواء يليق بجلال الله, ويختص به فلا يلزمه شيء من اللوازم الباطلة التي يجب نفيها, كما يلزم سائر الأجسام. وصار هذا مثل قول الممثل: إذا كان للعالم صانع, فإما أن يكون جوهرا أو عرضا, إذ لا يعقل موجود إلا هذا وقوله: إذا كان مستويا على العرش فهو مماثل لاستواء الإنسان على السرير والفلك, إذ لا يعلم الاستواء إلا هكذا. فإن كليهما مثل وكليهما عطل حقيقة ما وصف الله به, وامتاز الأول بتعطيل كل اسم للاستواء الحقيقي, وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين.

والقول الفصل هو ما عليه الأمة الوسط, من إن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به. فكما أنه سبحانه موصوف بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير, وأنه سميع بصير, ونحو ذلك, ولا يجوز أن يثبت للعلم والقدرة خصائص الأغراض التي لعلم المخلوقين وقدرتهم, فكذلك هو سبحانه فوق العرش, ولا يثبت لفوقيته خصائص فوقية المخلوق على المخلوق وملزوماتها.

واعلم أنه ليس في العقل الصريح, ولا في شيء من النقل الصحيح, ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا".

وأقول: أما النقل الصحيح, فهو موضوع مختصر كتاب الحافظ الذهبي الذي بين يديك, فستجد فيه ما يجعلك على مثل اليقين مؤمنا بأن الآيات القرآنية, والأحاديث النبوية والآثار السلفية متفقة كلها على أن الله تعالى فوق عرشه بذاته, بائنا من خلقه, وهو معهم بعلمه. وسترى إنشاء الله تعالى أن أئمة المذاهب المتبعة وأتباعهم الأولين ومن سار على نهجهم من التابعين لهم حتى أواخر القرن السادس من الهجرة قد اتفقت فتاواهم وكلماتهم على إثبات الفوقية لله تعالى على عرشه وخلقه وعلى كل مكان وأن ذلك كما أنه متواتر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم "1" فهو مجمع عليه من السالفين والأئمة الماضين من المحدثين والفقهاء

__________

1 صرح بتواتر ذلك الحافظ الذهبي في "صفات رب العالمين" "1/ 175/ 2 ".

(1/50)

________________________________________

والمفسرين واللغوين وغيرهم, وستراهم بأسمائهم وأقوالهم الثابتة عنهم في ذلك, حتى قاربوا في عددهم المائتين, وهم في الواقع يبلغون المئات, ولكن ذلك ما تيسر جمعه للمؤلف رحمه الله تعالى1, فإذا وقف الطالب المخلص للحق على كلماتهم تيقن أنه يستحيل أن يكونوا قد أجمعوا على الضلال, ولعلم أن مخالفهم هو في الضلال, وما أحسن ما قاله المصنف رحمه الله تعالى في "صفات رب العالمين" بعد أن ذكر قليلا مما أشرنا

إليه من النقول "187/ 1-2":

" ولو ذكرنا قول كل من له كلام في إثبات الصفات من الأئمة لا تسع الخرق, وإذا كان المخالف لا يهتدي بمن ذكرنا أنه يقول: الإجماع على إثباتها من غير تأويلها أو لا يصدقه في نقله فلا هداه الله. ولا خير والله فيمن رد على مثل الزهري, ومكحول, والأوزاعي, والثوري, والليث بن سعد ومالك, وابن عيينة, وابن المبارك, ومحمد بن الحسن, والشافعي, والحميدي, وأبي عبيد, وأحمد بن حنبل, وأبي عيسى الترمذي وابن سريج. وابن جريج الطبري وابن خزيمة وزكريا الساجي وأبي الحسن الأشعري أو يقول مثل قولهم من الإجماع مثل الخطابي وأبي بكر الإسماعيلي وأبي القاسم الطبراني وأبي أحمد العسال ... "فذكر غيرهم مما سيأتي" والشيخ عبد القادر الجيلي "الإمام في كل عصر" -الذين هم قلب اللب ونقاؤه.

قلت: والعقل الفطري السليم يشهد لهؤلاء الأئمة وما معهم من نصوص الكتاب والسنة, وبيان ذلك:

لا خلاف بين المسلمين جميعا أن الله تعالى كان ولا شيء, معه لا عرش ولا كرسي ولا سماء ولا أرض, ثم خلق الله تعالى الخلق. كما سيأتي في حديث عمران بن حصين.

__________

1 وذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "اجتماع الجيوش الإسلامية" جماعة آخرين من العلماء فراجعه إن شئت.

(1/51)

________________________________________

فإذا كان كذلك فمما لا شك فيه؛ أن مخلوقاته تعالى, إما أن يكون خلقها في ذاته تعالى فهي حالة فيه, وهو حال فيها وهذا كفر لا يقول به مسلم, وإن كان هو لازم مذهب الجهمية وغلاة الصوفية الذين يقول قائلهم: "كل ما تراه بعينك فهو الله" تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

وإذا كان الأمر كذلك, فمخلوقاته تعالى بائنة عنه غير مختللطة به. وحينئذ فإما أن يكون الله تعالى فوق مخلوقاته, وإما أن تكون مخلوقاته فوقه تعالى وهذا باطل بداهة فلم يبق إلا أن الله تبارك وتعالى فوقها, وهو المطلوب المقطوع ثبوته في الكتاب والسنة, وأقوال السلف ومن جاء بعدهم من الأئمة على اختلاف اختصاصاتهم, ومذاهبهم كما ستراه مفصلا في الكتاب إن شاء الله تعالى.

ومن هنا نعلم مبلغ ضلال الجهمية ومن تأثر بهم من الخلف الذين أنكروا جميعا أن يكون الله تعالى على عرشه فوق خلقه, ثم انقسم هؤلاء على مذهبين:

الأول: مذهب الجهمية الذين ذهبوا إلى أن الله تعالى في كل مكان مخلوق 1. وقد جادلهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى. فأحسن جدالهم

وكشف به عوارهم, فقال في رسالة "الرد على الجهمية"1:

"وإذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله سبحانه وتعالى حين زعم أنه في كل مكان, ولا يكون في مكان دون مكان, فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فيقول: نعم. فقل له: فحين خلق الشيء خلقه في نفسه أو خارجا عن نفسه؟ فإنه يصير إلى أحد ثلاثة أقاويل:

أ- إن زعم أن الله تعالى خلق الخلق في نفسه كفر, حين زعم أن الجن

__________

1 وحكاه الأشعري في "مقالات الإسلاميين" "ص212" عن بعض المعتزلة, وتبرأ منه في "الإبانة" كما ستراه في ترجمته, وجزم بأنه تعالى مستو على عرشه وهذا خلاف اعتقاد أتباعه المنتسبين إليه كما سترى قريبا.

(1/52)

________________________________________

والإنس والشياطين وإبليس في نفسه!

ب- وإن قال: خلقهم خارجا من نفسه, ثم دخل فيهم, كفر أيضا, حن زعم أنه دخل في كل مكان وحش وقذر.

ج- وإن قال خلقهم خارجا من نفسه, ثم لم يدخل فيهم. رجع عن قوله أجمع, وهو قول أهل السنة"1.

والمذهب الآخر قول بعض غلاة النفاة للعلو:

"الله, لا فوق, ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف لا داخل العالم ولا خارجه" "2" ويزيد بعض فلاسفتهم:

" لا متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه"!

قلت: وهذا النفي معناه -كما هو ظاهر- أن الله غير موجود, وهذا هو التعطيل المطلق, والجحد الأكبر, تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وما أحسن ما قال محمود بن سبكتكين لمن وصف الله بذلك: ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم! " ذكره في "التدمرية" "ص41".

وهذان المذهبان الباطلان أحدهما -ولا بد- لازم لكل من أنكر صفة العلو لله على عرشه, كما سبق بيانه.

وإن مما يؤسف له شديد الأسف أن المذهب الأول منهما هو السائد اليوم على ألسنة الناس في هذه البلاد عامتهم وخاصتهم فما تكاد تجلس في مجلس يذكر الله فيه, إلا بادرك بعض الجالسين فيه بقوله: "الله موجود في كل مكان"! وقد يقول آخر: "الله موجود"! في كل الوجود" فإذا سارعت إلى بيان

__________

1 اجتماع الجيوش الإسلامية "ص76-80" ومثله في رسالة "المعرفة" للشيخ عبد الكريم الرفاعي -رحمه الله-

2 كذا في "حاشية البيجوري على "الجوهرة" "ص58" وقد سمعت هذا النفي من بعض المشايخ على المنبر يوم الجمعة يعلم المسلمين الإيمان برب العالمين!

(1/53)

________________________________________

بطلان هذا الكلام, لما فيه من نسبة ما لا يجوز إلى الله من كونه مظروفا لخلقه, وما فيه من المخالفة لصفة علوه على عرشه سارع بعض المتعالمين إلى تأويل ذلك القول بضم جملة "بعلمه" إليه. كأنما هو آية من كتاب الله, أو حديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لا بد من تأويله! ولم يدر هؤلاء المساكين أنها كلمة الجهمية والمعتزلة وعقيدتهم على ما يدل عليه ظاهر هذا القول دون أي تأويل, فإذا سمعت تأويلهم إياه بقولهم "بعلمه" ظننت خيرا, ولكن سرعان ما يخيب ظنك حينما توجه السؤال الموروث عن النبي المعصوم الكاشف عن إيمان المرء أو مبلغ معرفته بالله تعالى أو العكس ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم للجارية: "أين الله" قالت: في السماء. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" - فأنت إذا وجهت مثل هذا السؤال إلى العامة والخاصة وجدتهم يحملقون بأعينهم مستنكرين إياه جاهلين أو متجاهلين أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم هو الذي سنه لنا ثم تراهم مع ذلك حيارى لا يدرون بماذا يجيبون كأن الشريعة الإسلامية لم تتعرض لبيانه مطلقا لا في الكتاب ولا في السنة مع أن الأدلة فيهما متواترة على أن الله تعالى في السماء. ولذلك فالجارية لما أجابت على السؤال بقولها: في السماء شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مؤمنة لأنها أجابت بما هو معروف في الكتاب والسنة فيا ويح من لا يشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان ويا ويل من يأبى بل يستنكر ما جعله صلى الله عليه وسلم دليلا على الإيمان وهذا والله من أعظم ما أصاب المسلمين من الانحراف عن عقيدتهم أن لا يعرف أحدهم أن ربه الذي يعبده ويسجد له أهو فوق خلقه أم تحتهم بل لا يدري إذا كان خارجا عنه أو في داخله حتى صدق فيهم قول بعض المتقدمين من أهل العلم: أضاعوا معبودهم وهم مع ذلك لم يبلغوا في الضلال شأن أولئك الذين حكموا عليه بالعدم حين قالوا: "لا فوق ولا تحت ... " إلخ فحق فيهم قول بعضهم: "المعطل يعبد عدما والمجسم يعبد صنما ". يشير بذلك إلى الجهمية المعطلة النفاة وإلى المجسمة الممثلة الذين يثبتون الصفات مع التجسيم والتشبيه والحل وسط بينهما كما تقدم

ومع خطورة هذه المسألة وبالغ أهميتها, وشدة الخلاف القائم فيها بين أهل السنة من جهة, والجهمية والمعتزلة وغيرهم من النفاة من جهة أخرى حتى

(1/54)

________________________________________

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الجيوش الإسلامية" "ص96":

"بل الذي بين أهل الحديث والجهمية من الحرب أعظم مما بين عسكر الكفر وعسكر الإسلام".

أقول: مع هذا كله, نرى أغلب الدعاة الإسلاميين اليوم, لا يقيمون لهذه المسالة ولا لأمثالها من مسائل الاعتقاد وزنا, ولا يلقون لها بالا, فلا تسمع لها في محاضراتهم ولا في مجالسهم الخاصة فضلا عن العامة ذكرا, ويكتفون من المدعوين أن يؤمنوا إيمانا مجملا, ألا ترى إلى ذلك الدكتور الذي قال في مقدمة رسالة "باطن الإثم" وهو يرسم للمسلمين المتفرقين المتدابرين الدواء بزعمه:

"وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحدا لا شريك له بيده الخير والملك وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"!

نعم نحن مؤمنون بالله ... ولكن إيمان المؤمنين يختلف بعضه عن بعض أشد الاختلاف, وما نحن فيه من صفة العلو أوضح مثال, فإن كان الدكتور يعتقدها على طريقة السلف المثبتين لها بدون تشبيه ولا تعطيل, فالناس الذين وضع لهم هذه الرسالة لا يشاركونه في ذلك الاعتقاد, إن كان هو ليس شريكا لهم في اعتقادهم! فماذا يفيد هذا الإيمان وهو ليس على ما شرعه الله وبينه, وقد أشار إلى هذه الحقيقة الإمام أبو محمد الجويني في مقدمة رسالته السابقة "الاستواء والفوقية" بعد أن ذكر الله تعالى ببعض صفاته كالسمع والبصر والكلام واليدين والقبضتين:

"استوى على عرشه, فبان من خلفه, لا يخفى عليه منهم خافية علمه بهم محيط وبصره بهم نافذ, وهو في ذاته وصفاته لا يشبهه شيء من مخلوقاته,

ولا يمثل بشيء من جوارح مبتدعاته. هي صفات لائقة بجلاله وعظمته, لا تتخيل كيفيتها الظنون, ولا تراها في الدنيا العيون. بل نؤمن بحقائقها وثبوتها, واتصاف الرب تعالى بها, وننفي عنها تأويل المتأولين, وتعطيل الجاحدين, وتمثيل المشبهين, تبارك الله أحسن الخالقين.

(1/55)

________________________________________

فبهذا الرب نؤمن, وإياه نعبد, وله نصلي ونسجد. فمن قصد بعبادته إلى إله ليست له هذه الصفات فإنما يعبد غير الله, وليس معبوده ذلك بإله ".

والإمام الجويني رحمه الله تعالى حينما يقول ذلك, ويصدر هذا الحكم العدل على النفاة إنما تلقى ذلك عن أئمة السلف1, فسيأتي في ترجمة الإمام عبد الله بن المبارك قوله في الجهمية: "إنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء ". في ترجمة عباد بن العوام: "آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء, أرى أن لا يناكحوا أو يتوارثوا". ونحوه في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي, ووهب بن جرير, والقعنبي وأبو

معمر القطيعي وغيرهم من الأئمة, لكنهم لا يكفرون بالجهم بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه كما سيأتي في ترجمة الإمام ابن جرير الطبري.

ولذلك فإني أعتب أشد العتب على الكتاب الإسلاميين اليوم -إلا القليل منهم- الذين يكتبون عن الإسلام كل شيء ما عدا العقيدة السلفية والطريقة المحمدية, وأخص بالذكر منهم أولئك الذين يتولون توجيه النشء الجديد إلى الإسلام, وتربيتهم بتربيته, وتثقيفهم بثقافته, فإنهم لا يحاولون مطلقا أن يوحدوا مفاهيمهم حول الإسلام الذي اختلف فيه أهله أشد الاختلاف, لا كما يظن بعض المغفلين منهم أو المتغافلين أن الخلاف بينهم في الفروع فقط دون الأصول, والأمثلة في ذلك كثيرة يعلمها من كان له دراسة في كتب الفرق, أو كان على علم بأفكار المسلمين اليوم, ويكفينا الآن مثالا على ما نحن فيه من البحث, ألا وهو علو الله على خلقه, فنحن تبعا للسلف نؤمن بها قاطعين جازمين, وغيرنا ينكرها أو يشك فيها تبعا للخلف والشك مما ينفي الإيمان بها قطعا ومع ذلك فنحن جميعا مؤمنون بالله ... كما قال ذلك الدكتور فأينا المؤمن حقيقة؟ أما الجواب فهو معروف لدى كل طائفة وإن كنا لسنا في

__________

1 وهذا معنى ما جاء في رسالة "المعرفة" للشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله "ص12": "ومن اعتقد أعتقادا غير مطابقا للواقع كاعتقاد النصارى بالتثليث والوثنية بالتجسيم, وغير ذلك من المعتقدات الباطلة فهو كافر بإجماع المسلمين".

(1/56)

________________________________________

صدده, وإنما الغرض إبطال تلك الخرافة في الفروع فقط! والنصح بتثقيف الشباب المسلم في دينه أصولا وفروعا على ضوء الكتاب والسنة, ونهج

السلف الصالح.

وإني لن أنسى -ما حييت- تلك المناقشة التي كانت جرت منذ نحو عشر سنين في المدينة المنورة بيني وبين أحد الخطباء والوعاظ, الذين يحبون أن يتصدروا المجالس, ويستقلوا بالكلام فيها, فقد دخل علينا نحن في سهرة لطيفة جمعت نخبة طيبة من طلاب العلم من السلفيين أمثالي, فلم يقم له أحد من الجالسين سوى صاحب الدار مرحبا ومستقبلا, فصافح الشيخ الجالسين جميعا واحدا بعد واحد, مبتدئا بالأيمن فالأيمن, فأعجبني ذلك منه, حتى انتهى إلي وكنت آخرهم مجلسا, ولكني رأيت وقرأت في وجهه عدم الرضى بتركهم القيام له, فأحببت أن ألطف وقع ذلك عليه فبادرته متلطفا معه بقولي وهو يصافحني: عزيز بدون قيام يا أستاذ, كما يقولون عندنا بالشام في مثل هذه المناسبة, فأجاب وهو يجلس وملامح الغضب بادية عليه -بما معناه:

لا شك أن القيام للداخل إكراما وتعظيما ليس من السنة في شيء, وأنا موافق لك على ذلك ولكننا في زمن أحاطت فيه الفتن بالمسلمين من كل جانب, وهي فتن تمس الإيمان والعقيدة في الصميم. ثم أفاض في شرح ذلك, وذكر الملاحدة والشيوعيين والقوميين وغيرهم من الكافرين فيجب أن نتحد اليوم جميعنا لمحاربة هؤلاء ودفع خطرهم عن المسلمين, وأن ندع البحث والجدال في الأمور الخلافية كمسألة القيام والتوسل ونحوهما!

فقلت: رويدك يا حضرة الشيخ, فإن لكل مقام مقالا, فنحن الآن معك في مثل هذه السهرية الأخوية لم نجتمع فيها لبحث خاص, ولا لوضع الخطة لمعالجة المسائل الهامة من الرد على الشيوعيين وغيرهم, وأنت ما كدت تجلس بعد ثم إن طلبك ترك البحث في الأمور الخلافية هكذا على الإطلاق, لا أظنك تقصده, لأن الخلاف يشمل حتى المسائل الاعتقادية, وحتى في معنى شهادة أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. فأنت تعلم أن أكثر المشايخ اليوم يجيزون الاستغاثة بغير

(1/57)

________________________________________

الله تعالى. والطلب من الأموات وذلك مما ينافي معنى شهادة التوحيد عندنا جميعا -أشير إلى أنه في هذه المسألة معنا- فهل تريدنا أن لا نبحث حتى في تصحيح معنى الشهادة بحجة أن المسألة فيها خلاف؟!! قال: نعم. حتى هذا يجب أن يترك موقتا في سبيل تجميع الصفوف وتوحيد الكلمة, لدرء الخطر الأكبر: الإلحاد و ... قلت: وماذا يفيد مثل هذا التجمع -لو حصل- إذا لم يقم على أساس التوحيد وعدم الإشراك بالله عز وجل. وأنت تعلم أن العرب في الجاهلية كانوا يؤمنون بالله تعالى خالقا, ولكنهم كانوا يكفرون بكونه الإله الحق {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} , فلم يفدهم إيمانهم ذلك شيئا, ولم ينجهم من محاربة الرسول إياهم. فقال: نحن نكتفي اليوم بجمع الناس تحت كلمة لا إله إلا الله. قلت: ولو بمفهوم خاطئ؟! قال: ولو

أقول: فهذه المناقشة تمثل لنا في الحقيقة واقع كثير من الدعاة المسلمين اليوم, وموقفهم السلبي تجاه تفرق المسلمين في فهمهم للدين, فإنهم يدعون كل من ينتمي إليهم على أفكاره وآرائه, دون أن يحملوهم بالعلم والحجة من الكتاب والسنة على توحيدها, وتصحيح الخطأ منها, وجل اهتمامهم إنما هو في توجيههم إلى الأخلاق الإسلامية, وآخرون منهم, لا شغل لهم إلا تثقيف أتباعهم بالسياسة والاقتصاد, ونحو ذلك مما يدور عليه كلام أكثر الكتاب اليوم حوله, ونرى فيهم من لا يقيم الصلاة! ومع ذلك فهم جميعا يسعون إلى إيجاد المجتمع الإسلامي, وإقامة الحكم الإسلامي. وهيهات هيهات! إن مجتمعا كهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بدأ الدعاة بمثل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى الله, حسبما جاء في كتاب الله, وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن البديهي, أن مثل هذه الدعوة لا يمكن النهوض بها, بعدما دخل فيها ما ليس منها من طريق الدس على النبي صلى الله عليه وسلم باسم الحديث, والدس على تفسير القرآن باسم التأويل, فلا بد من الاهتام الجدي العلمي لتصفية المصدرين المذكورين مما دخل فيهما لنتمكن من تصفية الإسلام من مختلف الأفكار والآراء والعقائد المنتشرة في الفرق الإسلامية, حتى ممن ينتسب إلى السنة منهم.

وأعتقد أن كل دعوة لا تقوم على هذا الأساس الصحيح من التصفوية فسوف لا

(1/58)

________________________________________

يكتب لها النجاح اللائق بدين الله الخالد.

ولقد تنبه لهذا أخيرا بعض الدعاة الإسلامين, فهذا هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله تعالى, فإنه بعد أن قرر تحت عنوان "جيل قرآني فريد" أن هذه الدعوة أخرجت جيلا مميزا في تاريخ الإسلام كله, وفي تاريخ البشرية جميعه, وأنها لم تعد تخرج من ذلك الطراز مرة أخرى, تساءل عن السبب مع أن قرآن هذه الدعوة لا يزال وحديث الرسول وهديه العملي وسيرته الكريمة كلها بين أيدينا كما كانت بين يدي ذلك الجيل الأول ولم يغب إلا شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب بأنه:

"لو كان وجود شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم حتميا لقيام الدعوة وإيتائها ثمراتها ما جعلها الله دعوة للناس كافة, وما جعلها آخر رسالة, وما وكل إليها أمر الناس في هذه الأرض إلى آخر الزمان".

ثم نظر في سبب عدم تكرر المعجزة عدة عوامل طرأت, أهمها ما أشرنا إليه من اختلاف في طبيعة النبع فقال:

"كان النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن, القرآن وحده, فما كان حديث رسول الله وهديه إلا أثرا من آثار ذلك النبع فعندما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله قالت: كان خلقه القرآن1.

كان القرآن وحده إذن هو النبع الذين يستقون منه, ويتكيفون به ويتخرجون عليه, ولم يكن ذلك كذلك لأنه لم يكن للبشرية يومها حضارة, ولا ثقافة, ولا علم, ولا مؤلفات, ولا دراسات كلا فقد كانت هناك حضارة الرومان وثقافتها وكتبها وقانونها الذي ما تزال أوربا تعيش عليه, أو على امتداده. وكانت هناك مخلفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها وفنها, وهو ما يزال ينبوع التفكير الغربي حتى اليوم, وكانت هناك حضارة الفرس وفنها وشعرها وأساطيرها وعقائدها ونظم حكمها كذلك وحضارات أخرى قاصية

__________

1 أخرجه مسلم, وأبو داود, وأحمد عنها.

(1/59)

________________________________________

ودانية: حضارة الهند وحضارة الصين إلخ. وكانت الحضارتان الرومانية والفارسية تحفان بالجزيرة العربية من شمالها ومن جنوبها. كما كانت اليهودية والنصرانية تعيشان في قلب الجزيرة, فلم يكن إذن عن فقر في الحضارات العالمية والثقافات العالمية يقصر ذلك الجبل على كتاب الله وحده.. في فترة تكونه ... وإنما كان ذلك عن تصميم مرسوم ونهج مقصود. يدل على هذا القصد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة من التوراة, وقوله: "إنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني" 1.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد صنع جيل خالص القلب. خالص العقل. خالص التصور. خالص الشعور. خالص التكوين من أي مؤثر آخر غير المنهج الإلهي, الذي يتضمنه القرآن الكريم.

ذلك الجيل استقى إذن من ذلك النبع وحده, فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد, ثم ما الذي حدث؟

اختلطت الينابيع! صبت في النبع الذي استقت منه الأجيال التالية فلسفة الإغريق ومنطقهم, وأساطير الفرس وتصوراتهم, وإسرائيليات اليهود, ولاهوت النصارى, وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات, واختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم, وعلم الكلام, كما اختلط بالفقه والأصول أيضا. وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك الجيل, فلم يتكرر ذلك الجيل أبدا".

ثم ذكر -رحمه الله- عاملين آخرين ثم قال "ص17":

"نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية ... تصورات الناس وعقائدهم, عاداتهم وتقاليدهم, موارد

__________

1 قلت؛ هو حديث حسن أخرجه الدارمي, وأحمد وغيرهما وقد خرجته في "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" "1589 "

(1/60)

________________________________________

ثقافتهم, فنونهم وآدابهم, شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية, ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية وتفكيرا إسلاميا ... هو كذلك من صنع هذه الجاهلية.

لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا, ولا يتضح تصور الإسلام في عقولنا, ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة.

فلابد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها, ونستمد منها. لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال. النبع المضمون الذي لم يختلط ولم تشبه شائبة, نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق: وجود الله سبحانه ... ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة وقيمنا وأخلاقنا, ومفاهيمنا للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة.

ثم لا بد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية, والتقاليد الجاهلية والتقاليد الجاهلية في خاصة نفوسنا ... ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين بالولاء له, فهو بهذه الصفة ... صفة الجاهلية ... غير قابل لأن نصطلح معه. إن مهمتنا أن نغير من أنفسنا أولا لنغير هذا المجتمع أخيرا.

وسنلقى في هذا عنتا ومشقة, وستفرض علينا تضحيات باهظة, ولكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول الذي أقر الله به منهجه الإلهي ونصره على منهج الجاهلية ".

من أجل ذلك كان لا بد للعاملين من أجل الدعوة الإسلامية أن يتعاونوا جميعا على الخلاص من كل ما هو جاهلي مخالف للإسلام, ولا سبيل إلى ذلك إلا

(1/61)

________________________________________

بالرجوع إلى الكتاب والسنة, كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي, ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ". فإذا هم فعلوا ذلك فقد وضعوا الأساس لقيام المجتمع الإسلامي وبدونه لا يمكن أن تكون لهم قائمة, أو تنشأ لهم دولة مسلحة.

وإني لأعجب أشد العجب من بعض الكتاب والدكاترة الذين يؤلفون في معالجة بعض أمراض النفوس, كمؤلف رسالة "باطن الإثم الخطر الأكبر

في حياة المسلمين" ثم لا يقنع بذلك حتى يكشف عن جهل كبير بالخطر الحقيقي الذي يحيط بالمسلمين وهو ما أشار إليه الأستاذ سيد قطب -رحمه الله تعالى- في كلامه المتقدم:

فإن الدكتور المشار إليه لم تعجبه هذه الحقيقة, فأخذ يغمز منها ومن المذكر بها تحت عنوان له في الرسالة المذكورة "ص85":

" مشكلتنا أخلاقية وليست فكرية ". قال:

" ومعنى كل هذا الذي ذكرناه أننا نعاني من مشكلة تتعلق بالخلق والوجدان وليس لها أي تعلق بالقناعة أو الفكر "

كذا قال! ثم تعجب من الناس الذين يشعرون بمشكلته, ويتنبهون إلى ما سماه بالخطر الأكبر في حياة المسلمين, ولكنهم بدلا من أن يعالجوه بالسبل التي ذكرها هو في رسالة يعالجونه بمزيد من الأبحاث الفكرية ... ثم قال مشيرا إلى كلام سيد قطب رحمه الله:

" فماذا يجدي أن نسهب في شرح "المجتمع الجاهلي" أو نتفنن في كشف المخطات العدوانية التي يسير عليها أعداء الإسلام وأرباب الغزو الفكري, أو نهتم بعرض المزيد من منهجية الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية, وأن البلاء الذي يعانيه المسلمون ليس الجهل بشيء من هذا كله "1""" وإنما هو المرض العضال الذي يستحكم بنفوسهم"؟!

(1/62)

________________________________________

ليس بالمسلمين حاجة بعد اليوم إلى أي مزيد من هذه الدراسات الفكرية, فالمسلمون على اختلاف ثقافاتهم أصبحوا يملكون من الوعي في هذه النواحي ما يتيح لهم الحصانة الكافية لو أن الأمر كان موكولا إلى الوعي وحده.

وإنما هم بحاجة بعد اليوم إلى القوة الهائلة التي تدفع إلى التنفيذ, وهيهات أن يكون أمر التنفيذ بيد الفكر أو العقل وحده.

والقوة الهائلة التي يحتاجوها إنما هي قوة الأخلاق".

هكذا يقول الدكتور العليم "! " وفي كلامه من المغالطات والخطيئات ما لا يتسع المجال لبسط القول في بيانها, فإن أحدا من الإسلاميين لا يتصور أن يقول أن الوعي والفكر وحده يكفي لحل المشكلة, خلافا لما أوهمه كلامه, ولكن المشكلة التي أنكرها الدكتور هي الأصل لقوة الأخلاق ألا وهو الإيمان والتوحيد الصحيح والعقيدة الصحيحة, ولذلك كانت الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم أول ما يبدؤون من الدعوة إنما هو توحيد الله عز وجل, فلم يكونوا يعالجون بادئ الأمر المشاكل الأخلاقية ولا الاقتصادية وغير ذلك مما افتتن بمعاجلته كثير من الكتاب اليوم مع الغفلة عن المشكلة الأساسية, وهي انحراف الكثير من المسلمين اليوم وما قبل عن العقيدة الصحيحة, ولكتب الكلام التي يسمونها بكتب التوحيد ضلع كبير في ذلك, وأنا أسأل الدكتور العليم سؤالا واحدا: هل يمكن لفرد أو أفراد أو جماعة أو أمة أن يحظوا بالقوة الهائلة التي يحتاجونها اليوم وهي قوة الأخلاق إذا كانت عقيدتهم غير صحيحة فإذا أجاب بعدم الإمكان فنسأله فهل الذي يعلمه هو أن هناك أمة مسلمة لا تزال عقيدتهم صحيحة, كما كانت عليه في عهد السلف على الرغم من أن فيهم من هو على عقيدة المعتزلة النفاة والجبرية وغلاة المتصوفة الذي منهم اليوم, وفي بلدنا خاصة من يقول بأن المسلم ليس بحاجة إلى أن يتعلم الكتاب والسنة والعلوم التي تساعد على فهمهما, وإنما يكفي في ذلك تقوى الله ويحتجون من القرآن بما هو حجة

(1/63)

________________________________________

عليهم لو كانوا يعلمون كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} وبناء على ذلك ينكرون كثيرا من الحقائق الشرعية كالشفاعة الثابتة للأنبياء والرسل وبخاصة نبينا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ونزول عيسى وخروج الدجال وغير ذلك كثير, وفي مصر والهند أناس يسمون بالقرآنيين الذين يفسرون القرآن دون الاستعانة على تفسيره بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين, بل وبدون التزام للقواعد العلمية العربية.

فإن أجاب الدكتور بأن عقيدة المسلمين اليوم هي كما كانت في عهد السلف, فنسأله هل هذا الذي ذكرته من العقائد الباطلة موجود اليوم وفي بلده خاصة, فإن أجاب بالإيجاب كما هو الظن به, فكيف يتجرأ على القول المتقدم: "ليس بالمسلمين حاجة بعد إلى أي مزيد من هذه الدراسات الفكرية, فالمسلمون اليوم على اختلاف ثقافاتهم أصبحوا يملكون من الوعي في هذه النواحي ما يتيح لهم الحصانة الكافية"؟!

وإذا كابر وجحد ورجع إلى القول بأن المسلمين فيهم الخير والبركة من هذه الحيثية سقطت مخاطبته لأن الأمر كما قال الشاعر:

وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ ... إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دَلِيلٍ

وأخيرا لا بد من أن أواجه إلى حضرة الدكتور السؤال الذي يكشف له إن شاء الله عن خطئه الذي وضع له ذلك العنوان الخاطئ إن كان لم يتبين له حتى الآن, نحن نسألك بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية: أين الله؟ فإن أجبت بالجواب الذي نؤمن به وجعله الرسول صلى الله عليه وسلم دليل إيمان الجارية ألا وهو قولنا: في السماء وفهمه على الوجه الذي فهمه السلف أنه تبارك وتعالى على العرش, فقد أصبت الحق, واتفقت معنا في هذه المسألة التي علاقتها بالأفكار والعقائد, وليس بالأخلاق! ولكنك في الوقت نفسه خالفت جماهير المسلمين حتى المشايخ والأساتذة والدكاترة الذين درست عليهم الشريعة, فإنهم لا يوافقونك على هذا الجواب الحق, وما عهدك بالكوثري وأبي زهرة ببعيد.

(1/64)

________________________________________

وإن أنت أنكرت توجيه هذا السؤال الذي سنه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيت أن تجيب عليه بجواب إيجابي, أو أجبت بجواب المعتزلة: الله موجود في كل مكان. وهذا معناه القول باتحاد الخالق والمخلوق, وهو الكفر بعينه, أو تجيب بما في "الجوهرة" وحاشيتها وغيرها من كتب الكلام التي درستها وتثقفت بثقافتها حتى "أصبحت تملك من الوعي ما ينسج لك الحصانة الكافية"! فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة كما سبق أن أشرنا إلى بعض النقول عن بعض الأئمة الموثوق بهم عندنا جميعا ونحن على مذهبهم في ذلك وباختصار فسواء كنت معنا أو ضدنا في هذه العقيدة, فكل من الطائفتين يمثل ملايين المسلمين منذ مئات السنين حتى اليوم, وفي الطائفة التي تؤمن بالسؤال والجواب الوارد في الحديث

المشار إليه آنفا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه المحقق ابن قيم الجوزية, وجميع إخواننا الحنابلة اليوم الذي هم من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وكل من الطائفتين هم بلا شك مما يشملهم ظنك الواسع الذي عبرت عنه بقولك في الرسالة السابقة "ص9":

" وما أظن إلا أننا جميعا مؤمنون بالله إلها واحدا لا شريك له بيده الخير ... "

وأما أنا فأعتقد أن كلا من الطرفين إذا تمسك بآداب الإسلام سيقول بلسان حاله أو قاله للطائفة المخالفة: "وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين".

والدكتور يعلم فيما أعتقد أن إحدى الطائفتين أيا كانت فهي على ضلالة, وليس هي, بلا شك من حيث الخلق, وإنما من جهة الفكرة والعقيدة

وكل من الطائفتين يمثل ملايين المسلمين اليوم في هذه المسألة وغيرها من مسائل الاعتقاد, أفليس هؤلاء المختلفون بحاجة يا دكتور إلى الدراسات

الفكرية, ولا أقول كما قلت: "إلى مزيد من الدراسات الفكرية"؟! لأن الإنسان العاقل يطمع في المزيد عندما يجد المزيد عليه فكيف وهو مفقود أو في حكم المفقود,

(1/65)

________________________________________

فهو يطمع فيه ثم في المزيد عليه! أليس هؤلاء جميعا بحاجة ملحة إلى تلك الدراسات حتى يتبين الحق للطائفة الضالة أيا كانت هذه الطائفة, فتنضم إلى الطائفة المحقة, وتزداد هذه إيمانا على إيمان بحقها وصوابها, ومعرفة بملتها والدعوة إليها, وبذلك نسير إلى المجتمع الإسلامي المنشود, وهو لا ينافي إذا قام به بعض الدعاة, أن يقوم آخرون بمعالجة أمراض النفوس وأخلاقها كما فعل الدكتور في رسالته السابقة الذكر "باطن الإثم" ولكن بشرط أن لا ينكر على الأولين جهادهم الأكبر ولا أن يدعوهم بأن يسلكوا سبيلهم في معالجة المشكلة المدعاة "ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات".

(1/66)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

باب: شبهات وجوابها

الشبهة الأولى: التشبيه

...

شبهات وجوابها:

لقد اشتهر عند الخلف نسبة كل من يثبت الفوقية لله تعالى إلى أنه مشبه أو مجسم, أو إلى أنه ينسب لله الجهة والمكان. فهذه ثلاثة أمور لا بد من

إزالة الشبه عنها.

الشبهة الأولى: التشبيه.

يمكن أخذ الإجابة عن هذه الشبهة مما تقدم من النقول عن الأئمة, ومما سنراه في نصوص الكتاب الآتية, أذكر الآن بعضها:

1- قال نعيم بن حماد الحافظ: من شبه الله بخلقه, فقد كفر, ومن أنكر ما وصف به نفسه فقد كفر, وليس ما وصف به نفسه, ولا رسوله تشبيهاً.

2- قال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد مثل يدي أو سمع كسمعي فهذا تشبيه, وأما إذا قال كما قال الله: يد وسمع وبصر فلا يقول: كيف ولا يقول: مثل, فهذا لا يكون تشبيها, قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

ولو كان إثبات الفوقية لله تعالى معناه التشبيه, لكان كل من أثبت الصفات الأخرى لله تعالى ككونه حيا قديرا سميعا بصيرا مشبها أيضا, وهذا ما لا يقول به مسلم ممن ينتسبون اليوم إلى أهل السنة والجماعة خلافا لنفات الصفات والمعتزلة وغيرهم قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" "2/ 75":

"فالمعتزلة والجهمية ونحوهم من نفات الصفات يجعلون كل من أثبتها مجسما مشبها, ومن هؤلاء من يعد من المجسمة والمشبهة الأئمة المشهورين كمالك والشافعي وأحمد وأصحابهم, كما ذكر ذلك أبو حاتم صاحب كتاب "الزينة" وغيره.

(1/67)

________________________________________

وشبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ويقولون: أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق, ويقولون: إن الله يرى في الآخرة". هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم.

ثم قال ص80:

"والمقصود هنا أن أهل السنة متفقون على أن الله ليس كمثله شيء, لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله, ولكن لفظ التشبيه في كلام الناس لفظ مجمل, فإن أراد بنفي التشبيه ما نفاه القرآن, ودل عليه العقل فهذا حق, فإن خصائص الرب تعالى لا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من

صفاته.., وإن أراد بالتشبيه أنه لا يثبت لله شيء من الصفات, فلا يقال له علم, ولا قدرة ولا حياة, لأن العبد موضوف بهذه الصفات فيلزم أن لا يقال له: حي, عليم, قدير لأن العبد يسمى بهذه الأسماء, وكذلك في كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك, وهم يوافقون أهل السنة على أن الله موجود حي عليم قادر, والمخلوق يقال له: موجود حي عليم قادر, ولا يقال: هذا تشبيه يجب نفيه".

(1/68)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

الشبهة الثانية: الجهة

والجواب عنها ما قاله ابن تيمية في "التدمرية" "ص45": قد يراد بـ"الجهة" شيء موجود غير الله, فيكون مخلوقا كما إذا أريد بـ"الجهة" نفس العرش, أو نفس السماوات, وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى, كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم. ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه, كما فيه إثبات العلو والاستواء والفوقية والعروج إليه ونحو ذلك, وقد علم أن ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق, والخالق سبحانه وتعالى مباين للمخلوق, ليس في مخلوقاته شيء من ذاته, ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.

(1/68)

________________________________________

فيقال لمن نفى: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلا في المخلوقات, أم تريد بالجهة ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق العالم. وكذلك يقال لمن قال: الله في جهة. أتريد بذلك أن الله فوق العالم, أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق, وإن أردت الثاني فهو باطل "

ومنه يتبين أن لفظة الجهة غير وارد في الكتاب والسنة وعليه فلا ينبغي إثباتها, ولا نفيها, لأن في كل من الإثبات والنفي ما تقدم من المحذور, ولو

لم يكن في إثبات الجهة إلا إفساح المجال للمخالف أن ينسب إلى متبني العلو ما لا يقولون به, لكفى.

وكذلك لا ينبغي نفي الجهة توهما من أن إثبات العلو لله تعالى يلزم منه إثبات الجهة, لأن في ذلك محاذير عديدة منها نفي الأدلة القاطعة على العلو له تعالى. ومنها نفي رؤية المؤمنين لربهم عز وجل يوم القيامة, فصرح بنفيها المعتزلة, والشيعة, وعلل ابن المطهر الشيعي في "منهاجه" النفي المذكور بقوله: "لأنه ليس في جهة"! وأما الأشاعرة أو على الأصح متأخروهم الذين أثبتوا الرؤية فتناقضوا حين قالوا: "إنه يرى لا في جهة"

يعنون العلو قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" "2/ 252":

" وجمهور الناس من مثبتة الرؤية ونفاتها يقولون: إن قول هؤلاء معلوم الفساد بضرورة العقل, كقولهم في الكلام, ولهذا يذكر أبو عبد الله الرازي أنه لا يقول بقولهم في مسألة الكلام والرؤية أحد من طوائف المسلمين.

ثم أخذ يرد على النفاة من المعتزلة والشيعة بكلام رصين متين فراجعه فإنه نفيس.

وجملة القول في الجهة أنه إن أريد به أمر وجودي غير الله كان مخلوقا, والله تعالى فوق خلقه لا يحصره ولا يحيط به شيء من المخلوقات, فإنه بائن من

(1/69)

________________________________________

المخلوقات, كما سيأتي في الكتاب عن جمع من الأئمة.

وإن أريد بـ"الجهة" أمر عدمي, وهو ما فوق العالم, فليس هناك إلا الله وحده.

وهذا المعنى الأخير هو المراد في كلام المثبتين للعلو والناقلين عن السلف إثبات الجهة لله تعالى كما في نقل القرطبي عنهم في آخر الكتاب. وقال ابن رشد في "الكشف عن مناهج الأدلة" "ص66":

" القول في الجهة" وأما هذه الصفة لم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه, حتى نفتها المعتزلة, ثم تبعهم على نفيها متأخروا الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله, وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى: "ثم ذكر بعض الآيات المعروفة ثم قال" إلى غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا, وإن قيل فيها إنها من المتشابهات, عاد الشرع كله متشابها, لأن الشرائع كلها متفقة على أن الله في السماء, وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين ... ".

(1/70)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

الشبهة الثالثة: المكان

وإذا عرفت الجواب عن الشبهة السابقة "الجهة", يسهل عليك فهم الجواب عن هذه الشبهة وهو أن يقال:

إما أن يراد بالمكان أمر وجودي, وهو الذي يتبادر لأذهان جماهير الناس اليوم, ويتوهمون أنه المراد بإثباتنا لله تعالى صفة العلو. فالجواب: أن الله تعالى منزه عن أن يكون في مكان بهذا الاعتبار, فهو تعالى لا تحوزه المخلوقات إذ هو أعظم وأكبر, بل قد وسع كرسيه السموات والأرض, وقد قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} , وثبت في "الصحيحين" وغيرهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وسلم أنه قال: "يقبض الله

(1/70)

________________________________________

بالأرض, ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ ".

وأما أن يراد بالمكان أمر عدمي وهو ما وراء العالم من العلو, فالله تعالى فوق العالم وليس في مكان بالمعنى الوجودي, كما كان قبل أن يخلق المخلوقات.

فإذا سمعت أو قرأت عن أحد الأئمة والعلماء نسبة المكان إليه تعالى. فاعلم أن المراد به معناه العدمي, يريدون به إثبات صفة العلو له تعالى, والرد

على الجهمية والمعطلة الذين نفو عنه سبحانه هذه الصفة, ثم زعموا أنه في كل مكان بمعناه الوجودي, قال العلامة ابن القيم في قصيدته "النونية"

- "2/ 446-447 - المطبوعة مع شرحها "توضيح المقاصد" طبع المكتب الإسلامي "

والله أكبر ظاهر ما فوقه ... شيء وشأن الله أعظم شان

والله أكبر عرشه وسع السما ... والأرض والكرسي ذا الأركان

وكذلك الكرسي قد وسع الطبا ... ق السبع والأرضين بالبرهان

والله فوق العرش والكرسي ... لا تخفى عليه خواطر الإنسان

لا تحصروه في مكان إذ تقو ... لوا: ربنا حقا بكل مكان

نزهمتوه بجهلكم عن عرشه ... وحصرتموه في مكان ثان

لا تعدموه بقولكم: لا داخل ... فينا ولا هو خارج الأكوان

الله أكبر هتكت أستاركم ... وبدت لمن كانت له عينان

والله أكبر جل عن شبه وعن ... مثل وعن تعطيل ذي كفران

إذا أحطت علما بكل ما سبق, استطعت بإذن الله تعالى أن تفهم بيسر من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية, والآثار السلفية التي ساقها المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب الذي بين يديك "مختصره" أن المراد منها إنما هو معنى معروف ثابت لائق به تعالى ألا وهو علوه سبحانه على خلقه واستواؤه على عرشه على ما يليق بعظمته, وأنه مع ذلك ليس في جهة ولا مكان, إذ هو خالق كل

(1/71)

________________________________________

شيء, ومنه الجهة والمكان, وهو الغني عن العالمين وأن من فسرها بالمعنى السلبي, فلا محذور منه, إلا أنه مع ذلك لا ينبغي إطلاق لفظ الجهة والمكان ولا إثباتهما, لعدم ورودهما في الكتاب والسنة, فمن نسبهما إلى الله فهو مخطئ لفظأ, إن أراد بهما الإشارة إلى إثبات صفة العلو له تعالى, وإلا فهو مخطئ معنى أيضا إن أراد به حصره تعالى في مكان وجودي, أو تشبيهه تعالى بخلقه. وكذلك لا يجوز نفي معناهما إطلاقا إلا مع بيان المراد منهما لأنه قد يكون الموافق للكتاب والسنة, لأننا نعلم بالمشاهدة أن النفاة لهما إنما يعنون بهما نفي صفة العلو لله تعالى من جهة, ونسبة التجسيم والتشبيه للمؤمنين بها, ولذلك ترى الكوثري في تعليقاته يدندن دائما حول ذلك, بل يلهج بنسبة التجسيم إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في كل مناسبة, ثم تابعه على ذلك مؤلف "فرقان القرآن" في مواطن منه, قال في أحدها "ص61" أن ابن تيمية شيخ إسلام أهل التجسيم {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} .

واتهام أهل البدع وأعداء السنن أهل الحديث بمثل هذه التهم قديم, منذ أن نشب الخلاف بينهم في بعض مسائل التوحيد والصفات الإلهية, وسترى في ترجمة الإمام أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى قوله:

" وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر, وعلامة الجهمية أن يسموا أهل السنة مشبهة, وعلامة القدرية "المعتزلة" أن يسموا أهل السنة مجبرة, وعلامة الزنادقة أن يسموا أهل الأثر حشوية".

وإن افتراءهم على شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال بعد أن روى قوله "صلى الله عليه وسلم": "يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ... " كنزولي هذا, معروف وقد بين بطلان هذه الفرية شيخي في الإجازة الشيخ راغب الطباخ في بعض أعداد مجلة المجمع العلمي بدمشق, ثم صديقنا العلامة الأستاذ الشيخ محمد بهجة البيطار في كتابه "ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية".

(1/72)

________________________________________

ومن أسوأ ما افتراه بعضهم على الإمام شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي الأنصاري ما ذكره الحافظ المؤلف في ترجمته من "تذكرة الحفاظ" "3/ 358":

" لما قدم السلطان ألب أرسلان "هراة" في بعض قدماته, اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه, ودخلوا على أبي إسماعيل, وسلموا عليه وقالوا: ورد السلطان, ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه, فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك, وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنما من نحاس صغيرا, وجعلوه في المحراب, تحت سجادة الشيخ, وخرجوا, وقام إلى خلوته, ودخلوا إلى السلطان, واستغاثوا من الأنصاري لأنه مجسم, وأنه يترك في محرابه

صنما يزعم أن الله على صورته "" وإن بعث السلطان يجده فعظم ذلك على السلطان وبعث غلاما ومعه جماعة فدخلوا الدار وقصدوا المحراب

فأخذوا الصنم ورجع الغلام بالصنم فبعث السلطان من أحضر الأنصاري فأتى فرأى الصنم والعلماء والسلطان قد اشتد غضبه. فقال السلطان له

: ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبهة اللعبة. قال: لست عن هذا أسألك. قال: فعم تسألني؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد

هذا وأنك تقول إن الله على صورته فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} . فوقع في قلب السلطان أنهم

كذبوا عليه فأمر به فأخرج إلى داره مكرما وقال لهم اصدقوني -وهددهم- فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة فأردنا أن نقطع شره عنا فأمر بهم ووكل "لعله: فكل" بكل واحد منهم وصادرهم "

وختاما أنقل إلى القراء الكرام فصلا نافعا من كلام الإمام أبي محمد الجويني في آخر رسالة "الإستواء والفوقية" في تقريب هذه المسألة إلى الأفهام بمعنى من علم الهيئة والفلك لمن عرفه قال:

" لا ريب أن أهل العلم حكموا بما اقتضته الهندسة, وحكمها صحيح لأنه ببرهان, لا يكابر الحسن فيه بأن الأرض في جوف العالم العلوي, وأنكرة

(1/73)

________________________________________

الأرض في وسط السماء كبطيخة في جوف بطيخة, والسماء محيطة بها من جميع جوانبها, وأن سفل العالم هو جوف كرة الأرض, وهو المركز, وهو منتهى السفل والتحت, وما دونه ولا يسمى تحتا بل لا يكون تحتا ويكون فوقا, بحيث لو فرضنا خرق المركز وهو سفل العالم إلى تلك الجهة لكان الخرق إلى جهة فوق ولو نفذ الخرق جهة السماء من تلك الجهة الأخرى لصعد إلى جهة فوق1.

وبرهان ذلك أنا لو فرضا مسافرا سافر على كرة الأرض من جهة المشرق إلى جهة المغرب, وامتد مسافرا لمشى مسافرا على الكرة إلى حيث ابتدأ بالسير, وقطع الكرة مما يراه الناظر أسفل منه, وهو في سفره هذا لم يبرح الأرض تحته, والسماء فوقه, فالسماء التي يشهدها الحس تحت الأرض هي فوق الأرض, لا تحتها, لأن السماء فوق الأرض بالذات, فكيف كانت السماء كانت فوق الأرض من أي جهة فرضتها. قال:

" وإذا كان هذا جسم وهو السماء -علوها على الأرض بالذات فكيف من ليس كمثله شيء وعلوه على كل شيء بالذات كما قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وقد تكرر في القرآن المجيد ذكر الفوقية {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} ... لأن فوقيته سبحانه وعلوه على كل شيء ذاتي له, فهو العلي بالذات, والعلو صفته اللائقة به, كما أن السفول والرسوب والانحطاط ذاتي للأكوان عن رتبة ربوبيته وعظمته وعلوه. والعلو

والسفول حد بين الخالق والمخلوق يتميز به عنه هو سبحانه علي بالذات وهو كما كان قبل خلق الأكوان وما سواه مستقل عنه بالذات وهو سبحانه العلي على عرشه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج الأمر إليه فيحيي هذا ويميت هذا ويمرض هذا ويشفي هذا ويعز هذا ويذل هذا وهو الحي القيوم القائم بنفسه وكل شيء قائم به.

__________

1 قلت: وقد ذكر نحو هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة "العرشية".

(1/74)

________________________________________

فرحم الله عبدا وصلت إليه هذه الرسالة, ولم يعالجها بالإنكار, وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل [وأطراف] النهار, وتأمل النصوص في الصفات وفكر بعقله في نزولها, وفي المعنى الذي نزلت له, وما الذي أريد بعلمها من المخلوقات؟ ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفة

الرب تعالى بها والتوجه إليه منها وإثباتها له بحقائقها وأعيانها كما يليق بجلاله وعظمته, بلا تأويل ولا تعطيل, ولا تكييف ولا تمثيل, ولا جمود ولا وقوف. وفي ذلك بلاغ لمن تدبر, وكفاية لمن استبصر, إن شاء الله تعالى".

وقال رحمه الله تعالى وأثابه خيرا مبينا أثر هذه العقيدة في قلب المؤمن بها:

" العبد إذا أيقن أن الله فوق السماء, عال على عرشه بال حصر ولا كيفية, وأنه الآن في صفاته كما كان في قدمه, صار لقلبه قبلة في صلاته وتوجهه ودعائه ومن لا يعرف ربه بأنه فوق سماواته على عرشه؛ فإنه يبقى ضائعا لا يعرف وجهة معبوده, لكن لو عرف بسمعه وبصره وقدمه ,

وتلك بلا هذا [الإيقان] معرفة ناقصة بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء, فإذا دخل في الصلاة وكبر, توجه قلبه إلى جهة العرش منزها ربه تعالى عن الحصر مفردا له, كما أفرده في قدمه وأزليته, عالما أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا, ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قدمه

وأزليته إلا بها, لأنا محدثون, والمحدث لا بد له في إشارته إلى جهة, فتقع تلك الإشارة إلى ربه, كما يليق بعظمته, لا كما يتوهم هو من نفسه, ويعتقد أنه في علوه قريب من خلقه, هو معهم بعلمه وسمعه وبصره, وإحاطته وقدرته ومشيئته, وذاته فوق الأشياء, فوق العرش, ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة أو التوجه أشرق قلبه, واستنار, وأضاء بأنوار المعرفة والإيمان, وعكسته أشعة العظمة على عقله وروحه ونفسه فانشرح لذلك صدره وقوي إيمانه ونزه ربه عن صفات خلقه من الحصر والحلول وذاق حينذاك شيئا من أذواق السابقين المقربين بخلاف من لا يعرف وجهة معبوده وتكون الجاذبة راعية الغنم أعلم بالله منه فإنها قالت: "في السماء" عرفته بأنه على السماء, فإن "في" تأتي بمعنى "على", فمن

(1/75)

________________________________________

تكون الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده, فإنه لا يزال مظلم القلب, لا يستنير بأنوار المعرفة والإيمان.

ومن أنكر هذا القول فليؤمن به, وليجرب ولينظر إلى مولاه من فوق عرشه بقلبه, مبصرا من وجه, أعمى من وجه, مبصرا من جهة الإثبات والوجود والتحقيق, أعمى من جهة التحديد والحصر والتكييف, فإنه إذا عمل ذلك وجد ثمرته إن شاء الله تعالى, ووجد نوره وبركته, عاجلا وآجلا "ولا ينبئك مثل خبير". والله سبحانه الموفق والمعين ".

دمشق/ 8 جمادى الأولى سنة 1392

محمد ناصر الدين الألباني

(1/76)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

مختصر العلو للعلي العظيم للذهبي

باب: كتاب العلو

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"لا إله إلا الله عدة للقاء الله, رب يسر وأعن وتمم واختم بخير في عافية يا كريم" الحمد لله العلي العظيم, رب العرش العظيم, على نعمه السابغة, الظاهرة والباطنة, والحمد لله على نعمة التوحيد, وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له, شهادة توجب من فضله المزيد.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء, والشفيع في اليوم الشديد1, صلى الله عليه وعلى آله صلاة أدخرها ليوم الوعيد.

أما بعد فإني كنت في سنة ثمان وتسعين وستمائة جمعت أحاديث وآثارا في مسألة العلو. وفاتني الكلام على بعضها, ولم أستوعب ما ورد في ذلك, فذيلت على ذلك مؤلفا أوله: "سبحان الله العظيم وبحمده على حلمه بعد علمه" والآن فأرتب المجموع وأوضحه هنا, وبالله أستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل. قال الله تعالى- ومن أصدق من الله قيلا {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وقال تعالى {ووَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} وقال تعالى في وصف كتابه العزيز {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال تعالى {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} إلى غير ذلك من آيات الاستواء.

وقال تَعَالَى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين}

وقال تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} , وقال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ

__________

1 في المخطوطة: وأشرف العبيد بدل "والشفيع في اليوم الشديد".

2 في الأصل: "إحدى" والتصحيح من المخطوطة.

(1/79)

________________________________________

فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} , وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}

وقال تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} وقال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} وقال تعالى في الملائكة {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} ,

وقال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} , وقال تعالى: {ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}

وقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا}

إلى غير ذلك من نصوص القرآن العظيم جل منزله وتعالى قائله.

فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف, فقف مع نصوص القرآن والسنن, ثم انظر2 ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الآيات, وما حكوه من مذاهب السلف, فإما أن تنطق بعلم, وإما أن تسكت بحلم, ودع المراء والجدال, فإن المراء في القرآن كفر, كما نطق بذلك الحديث الصحيح

وسترى أقوال الأئمة في ذلك على طبقاتهم بعد سرد الأحاديث النبوية. جمع الله قلوبنا على التقوى" وجنبنا المراء والهوى", فإننا على أصل صحيح, وعقد متين, من أن الله تقدس اسمه لا مثل له, وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة "أو الصفات تابعة للموصوف فنعقل وجود الباري ونميز ذاته المقدسة" عن الأشباه من غير أن نتعقل الماهية, فكذلك القول في صفاته, نؤمن بها, ونعقل وجودها, ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نشبهها أو نكيفها أو نمثلها, بصفات خلقه, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا, فالإستواء -كما قال الإمام مالك وجماعة- معلوم, والكيف مجهول.

فمن الأحاديث المتواترة3 الواردة في العلو:

__________

1 قال الإمام أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين في رسالته في "الاستواء" "1/ 177- منيرية": "وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء، ولهذا قال: "وإني لأظنه كاذاب". وراجع هذه الرسالة فإنها مهمة.

2 في المخطوطة: "وانظر" لعله الصواب.

3 في مختصر لوامع الأنوار "ص142" عن المؤلف: المتوافرة. ولعله الصواب.

(1/80)

________________________________________

1- أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه جمع كما بينته في "المشكاة" منهم في "التخليص"، وفيما يأتي ص58 فقد جزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

1- حديث معاوية بن الحكم السلمي قال:

كانت لي غنم بين أحد والجوانية1 فيها جارية لي2, فاطلعتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة -وأنا رجل من بني آدم- فأسفت, فصككتها3, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له, فعظم ذلك علي فقلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ادعها" فدعوتها, فقال لها: "أين الله؟ " قالت: في السماء, قال: "من أنا؟ " قالت: "أنت" رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ".

هَذَا حَدِيثٌ صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وغير واحد من الأئمة في تصانيفهم، يمرونه كما جاء ولا يتعرضون له بتأويل ولا تحريف.

وهكذا رأينا كل من يسأل: أين الله؟ يبادر بفطرته ويقول: في السماء. ففي الخبر مسألتان:

إحداهما شريعة: قول المسلم: أين الله؟

وثانيهما: قول المسئول: في السماء. فمن أنكر هاتين المسألتين، فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم.

2- ورد هذا الحديث من طرق، وكأنه لذلك قال المصنف إنه من الأحاديث المتواترة، وفيه نظر، وفي بعضها أن الجارية أعجمية وأنها أشارت إلى السماء بدل قوله: "قالت في السماء". كما في "المسند". لكن في إسناده المسعودي واسمه عَبْدُ الرْحَمْنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة ابن مسعود الكوفي، وكان اختلط، وهذا رواه في الاختلاط لأنه في "المسند" "2/ 291" وسنن البيهقي "7/ 388" من رواية يزيد بن هارون عنه، فقد قال ابن نمير: كان ثقة، واختلط بآخره، سمع منه ابن مهدي ويزيد بن هارون أحاديث مختلطة. فقول الذهبي في "الأصل":

__________

1 موضع شمال المدينة المنورة.

2 في نص رواية وصفها بالأمة السوداء. أخرجه الدارمي في "الرد على المريسي" "ص95" بسند صحيح.

3 قال في القاموس: صك: ضربه شديدا بعريض.

(1/81)

________________________________________

"إسناده حسن" غير حسن، ومما يؤكد ضعف هذه الزيادة "أعجمية"، أن الطرق الأخرى خلو منها، وقد ساقها المصنف في "الأصل" وبعضها صحيح، وسائرها لا بأس بها في الشواهد.

والحديث قد خرجته في "صحيح أبي داود" "862" و"الإيمان" لابن أبي شيبة رقم الحديث "84"، و"تخريج السنة" لابن أبي عصام "489".

وهذا الحديث صحيح بلا ريب، لا يشك في ذلك، إلا جاهل أو مغرض من ذوي الأهواء الذين كلما جاءهم نص عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يخالف ما هم عليه من الضلال، حاولوا الخلاص منه بتأويله بل تعطيله، فإن لم يمكنهم ذلك؛ حاولوا الطعن في ثبوته، كهذا الحديث، فإنه مع صحة إسناده وتصحيح أئمة الحديث إياه دون خلاف بينهم أعلمه، منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في "صحيحه" وكذا أبو عوانة في "مستخرجه عليه" والبيهقي في "الأسماء" حيث قال عقبه "ص422": "وهذا صحيح، قد أخرجه مسلم".

ومع ذلك نرى الكوثري الهالك في تعصبه يحاول التشكيك في صحته بادعاء الاضطراب فيه، فقد علق على هذا الحديث فيما سوده على كتاب "الأسماء" بقوله "ص441-442".

"انفرد عطاء بن يسار برواية حديث القوم "كذا قال عليه ما يستحق" عن معاوية بن الحكم، وقد وقع في لفظ له كما في "كتاب العلو" للذهبي "! " ما يدل على أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع الجارية لم يكن إلا بإشارة، وسبك الراوي ما فهم من الإشارة في لفظ اختاره "! " فلفظ عطاء الذي يدل على ما قلنا هو: "حدثني صاحب الجارية نفسه. الْحَدِيثُ" وَفِيهِ: فَمَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَيْهَا مُسْتَفْهِمًا: مَنْ فِي السَّمَاءِ؟ قَالَتْ: الله، قال: فمن أنا، فقالت: رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مسلمة". وهذا من الدليل على أن "أين الله" لم يكن لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم"! "وقد فعلت الرواية بالمعنى في الحديث ما تراه من الاضطراب".

كذا قال، عامله الله بعدله، وأنت إذا تذكرت ما بيناه لك من صحة الحديث، وإذا علمت أن حديث عطاء عن صاحب الجارية نفسه لا يصح من قبل إسناده لأنه من رواية سعيد ابن زيد، فهو وإن كان في نفسه صدوقا، فليس قوي الحفظ، ولذلك ضعفه جمع، بل كان يحيى ابن سعيد يضعفه جدا، وقد أشار الحافظ في "التقريب" إلى هذا فقال: "صدوق له أوهام".

زد على هذا أن ما جاء في روايته من ذكر اليد والاستفهام، هو مما تفرد به دون كل من روى هذا الحديث من الرواة الحفاظ ومن دونهم. فتفرده بذلك يعده أهل العلم بالحديث منكرا بلا ريب.

فتأمل عصمني الله وإياك من الهوى، كيف اعتمد هذا الرجل "الكوثري" على هذه الرواية المنكرة، وليس هذا فقط، بل ضرب بها الرواية الثابتة المتفق على صحتها بين المحدثين. واعتبر الرواية المنكرة دليلا على ضعف واضطراب الرواية الصحيحة، فماذا يقول المؤمن عن

(1/82)

________________________________________

هذا الرجل الذي يستغل علمه واطلاعه لتشكيك المسلمين في أحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم؟ عامله الله بما يستحق.

ثم إنه لم يكتف بهذا التضليل بل أخذ ينسب إلى الراوي "وهو ثقة أيا كان هذا الراوي لأن كل رواة هذا الحديث ثقات" أخذ ينسب إليه الكذب عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وهو يعلم، لأن معنى كلامه السابق أن الراوي اختار أن ينسب إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال للجارية: "أين الله" والواقع عند الكوثري أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك، وإنما الراوي وضعه من عنده مكان رواية سعيد بن زيد "فَمَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يده إِلَيْهَا مُسْتَفْهِمًا: مَنْ فِي السَّمَاءِ؟ ".

فأنا من واجبي أن أحذر المسلمين من هذا الكوثري وأمثاله الذين يتهمون الأبرياء، بما ليس فيهم مذكرا لهم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ... } الآية.

2- حديث جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبتة يوم عرفة: "ألا هل بلغت" فقالوا: نعم-"فجعل" يرفع إصبعه إلى

السماء وينكتها1 إليهم- ويقول: "اللهم اشهد" أخرجه مسلم.

3- هو طرف من حديث جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مخرج في جزء لي خاص بها مطبوع في المكتب الإسلامي.

3- حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الملائكة يتعاقبون فيكم, ملائكة بالليل, وملائكة بالنهار, ويجتمعون في صلاة الفجر, وصلاة العصر, ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم, وهو أعلم بهم, كيف تركتم عبادي"؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون, وتركناهم وهم يصلون "

. متفق عليه.

4- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ, ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ".

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ

__________

1 في المخطوطة: "ويكبها".

(1/83)

________________________________________

4- قلت: وصححه غيره أيضا، وإنما هو صحيح لغيره كما بينته في "الأحاديث الصحيحة" "922".

5- حديث جَرِيرٍ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ لَمْ يَرْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ، لَمْ يَرْحَمْهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ" رُوَاتُهُ ثقات.

5- قلت: أخرجه الطبراني كما بينته هناك.

6- حديث أَنَسٍ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي الله من فوق سبع سماوات. وفي لفظ: كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ.

وَفِي لَفْظٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

زَوَّجَنِيكَ الرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ.

هَذَاْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ البخاري.

6- قلت: في "التوحيد" باللفظين الأولين، وكذلك أخرجهما ابن سعد في "الطبقات" "8/ 103، 106"، وللترمذي "2/ 210" الأول منهما وقال: "حسن صحيح"، وعند النسائي "2/ 76" وأحمد "3/ 226" ثانيهما، لكنهما قالا: "من السماء": وهو لفظ ابن سعد.

وأما اللفظ الثالث، فهو في توحيد "البخاري"، من حديث أنس أيضا ذكره الحافظ في "الفتح" "13/ 348" من مرسل الشعبي وقال: "أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي "! " في كتاب "الحجة والتبيان له".

وهو في "تفسير الطبري" 22/ 11" بلفظ آخر نحوه.

7- حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً" متفق عليه.

8- حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها". أخرجه مسلم.

(1/84)

________________________________________

9- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وَسَلَّمَ قَالَ:

"إِنَّ الْمَيِّتَ يَحْضُرُهُ الْمَلائِكَةُ, فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ, أَبْشِرِي بَرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ, وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ, فَلا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ, ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ, فَيُسْتَفْتَحُ لها, فيقال: من هذا؟ فَيُقَالُ: فُلانٌ, فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ, فَلا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ تَعَالَى". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" وَالْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" وَقَالَ: هلو على شرط البخاري ومسلم.

7- قلت: وهو كما قال، وقد خرجته في "الترغيب" 4/ 188-189".

10- حديث أبي هريرة أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كان ملك الموت يأتي الناس عياناً, فأتى موسى عليه السلام فلطمه, فذهب بعينه, فعرج إلى ربه عزوجل فقال: يا رب بعثتني إلى موسى فلطمني فذهب بعيني, ولولا كرامته عليك لشققت عليه. قال ارجع إلى عبدي فقل له: فليضع يده على ثور, فله بكل شعرة وارت كفه سنة يعيشها, فأتاه فبلغه ما أمره, فقال: ثم ماذا بعد ذلك؟ قال: الموت قال: الآن فشمه شمة قبض فيها روحه, ورد الله على ملك الموت بصره ".

وفي لفظ: "فلطم عينه ففقأها فرجع فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه, وقال ارجع إلى عبدي فقل له: إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور" -وفيه- "قال يا رب, فالآن وقال: رب أدنني من الأرض المقدسة رمية بحجر- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر ". متفق على ثبوته.

(1/85)

________________________________________

8- كذا في "المخطوطة" وفي المطبوعات كلها: "متفق عليه"، وفيه نظر، فإنه ليس عندهما اللفظ الأول، وإنما أخرجه أحمد في "المسند" "2/ 533" وإسناده جيد. وله عنده طرق أخرى "2/ 269، 315، 351" بنحو اللفظ الآخر، وهو مخرج في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم "801، 802"، ولقد كان تعبير ابن القيم في تخريج الحديث أدق من تعبير المصنف فقال في "جيوشه" "ص37": "حديث صحيح، أصله وشاهده في الصحيحين".

11- حديث أبي هريرة أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا طيب، فإنها يتقبلها بيمينه، ويربيها لصاحبها، حتى تكون مثل الجبل". هذا حديث صحيح أخرجه البخاري.

12- حديث أبي موسى الأشعري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن الله لا ينام، ولا ينبغي أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور1 "أو النار" لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره" أخرجه الشيخان.

13- حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ, فَإِنَّهَا تَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ". غريب وإسناده جيد ".

9- قلت أخرجه الحاكم وغيره كما بينته في "الصحيحة" "869".

14- حديث أبي سعيد الخدري: قال قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةَ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ, وَلا يَقْبَلُ الله إِلا طَيِّبًا, وَلا يَصْعَدُ إِلَيْهِ إلا الطيب, فَيَأْخُذُ التَّمْرَةَ فَيُرَبِّيهَا حَتَّى يَجْعَلَهَا مثل الجبل".

__________

1 قلت: هذا الحجاب هو الذي يحجب الأبصار كلها أن تراه سبحانه وتعالى في الدنيا، وهو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله حين سئل: هل رأيت ربك؟ نور، أنى أراه. كما سيأتي.

(1/86)

________________________________________

صحيح/ 10

10- قلت: هو كما قال، وإسناد المصنف في الأصل صحيح، ولكن لم أره فيما لدي من المراجع من حديث أبي سعيد الخدري، وهو بمعناه في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا، نحوه وقد مضى لفظه في الكتاب "11"، وله في "مسند أحمد" طرق عنده "2/ 268، 328، 404، 418، 431، 528، 541" وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" "824".

15- حديث سعد ابن أَبِي وَقَّاصٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ من فوق سبع سموات" صحيح، أخرجه النسائي

11- قلت: وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" "ص420" وإسناده حسن، فيه محمد بن صالح التمار، قال الحافظ: "صدوق يخطئ"، وأورده المؤلف في "الميزان"، وحكى خلاف الأئمة فيه. لكن الحديث شاهد من مرسل علقمة بن وقاص. رواه ابن إسحاق كما في "الفتح". وذكره المؤلف في الأصل من روايته أيضا عن محمد بْنِ مَالِكٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ معاذ.. الحديث وقال: هذا مرسل.

والحديث أصله في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري مختصرا.

16- حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ:

"فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي وَهُوَ على عرشه تبارك وتعالى".

فيه زائدة بن أبي الرقاد ضَعِيفٌ، وَالْمَتْنُ بِنَحْوِهِ فِي "الصَّحِيحِ" للبخاري عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: "فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي في داره فيؤذن لي"

وَأَخْرَجَهُ أَبُو أَحْمَدُ الْعَسَّالُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ:

"فَآتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لِي، فَآتِي رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَوْ سَرِيرِهِ فَأَخِرُّ لَهُ ساجدا" وذكر الحديث.

(1/87)

________________________________________

12- قلت: لكنه عنده في صورة التعليق وقد ساقه المصنف في الأصل بعد "ص82-86" بسنده إليه بأتم مما هنا، لكن ذكر الدار فيه شاذ كما حققته في تعليقي على مختصري لـ"صحيح البخاري" في أوائل "كتاب التوحيد"، وهو على وشك التمام يسره الله تعالى لي يمنه وكرمه. وحديث ثابت عن أنس له طريق أخرى عنه تأتي في الكتاب "81" وأخرجه الدارمي في "رده على المريسي" "ص14" وأحمد في "مسنده" " / 281-282، 295-296" عن ابن عباس ونحوه وأخرجه أبو جعفر في "العرش" "ق113/ 1". وله شاهد آخر عن أبي هريرة في حديث طويل له في الحشر. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "ق66/ 1، 72/ 1".

17- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَالِكَ بْنَ صعصعة حدثه أن نبي الله حَدَّثَهُ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ:

"بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ -وَرُبَّمَا قَالَ قَتَادَةُ: فِي الْحِجْرِ: مُضْطَجِعٌ إِذْ أَتَانِي آتٍ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ: - ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمِارِ أبيض يقع خطوه عند انقضاء طَرْفِهِ -قَالَ: - فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ بي جبرائيل حَتَّى أَتَى بِيَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جبرائيل قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. فقيل: مرحبا به ولنعم المجئ وجاء. قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا فِيهَا آدَمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ. قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يحيى وعيسى هما ابْنَا الْخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا السَّلامَ، وَقَالا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إلى السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هذا؟ قال: جبرائيل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ المجيئ جَاءَ. قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:

(1/88)

________________________________________

مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ ونعم المجئ جَاءَ، قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قَالَ: ثُمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ المجئ جَاءَ. قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فبسلم عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ المجئ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ ثُمَّ قَالَ، مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، قَالَ: فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي. ثُمَّ صَعَدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مِنْ هَذَا؟ قال: جبرائيل، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَنِعْمَ المجئ جَاءَ، قَالَ: فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قَالَ: ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، ثم رفع إلي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، قَالَ: ثُمَّ فُرِضَتْ علي الصلاة خسمين صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسِى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ فقلت: بِخَمْسِينَ صَلاةً كَلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاةً، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِأَرْبَعِينَ صَلاةً كَلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ أَرْبَعِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أسد الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ

(1/89)

________________________________________

فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسِى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِثَلاثِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ ثَلاثِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِعِشْرِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ عِشْرِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأمتك، قال: فرجعت فأمرت بعشر صلوات في كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، قلت: قد سألت ربي حتى استحييت ولكني أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَلَمَّا نَفَدْتُ نَادَى منادي: قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عبادي" متفق عليه1.

18- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إِنَّ للَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ فُضُلا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تعالى تنادوا: تَعَالَوْا هَلُمُّوا إلِىَ بُغْيَتِكُمْ، فَيَحُفُّونَ بهم، فَإِذَا تَفَرَّقُوا، صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَيَّ شَيْءٍ تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك، فيقول:

__________

1 قلت: وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في "الجيوش الإسلامية" "ص29" أن قصة المعراج متواترة. وقد جمع الحافظ ابن كثير كثيرا من طرقها، واستقصى ذلك السيوطي في كتابه "الآية الكبرى في المعراج والإسراء" ولا شك في تواتر أصل القصة، وأما تفصيلها ففيها الصحيح الكثير الطيب، وفيها ما دون ذلك.

(1/90)

________________________________________

هَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لا، فَيَقُولُ: كيف لَوْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا لَكَ أَشَدَّ تَحْمِيدًا وَتَمْجِيدًا وذكرا، فيقول: فأي شَيْءٍ يَطْلُبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: يَطْلُبُونَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا، فيقول: فكيف لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كانوا أشد طَلَبًا وَأَشَدَّ حِرْصًا. فَيَقُولُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَتَعَوَّذُونَ؟ فَيَقُولُونَ: يَتَعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ. فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فيقولون: لا، فيقول: لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا هَرَبًا، وَأَشَدَّ منها تعوذا وخوفا. فيقول: إني أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَيَقُولُونَ: فِيهِمِ فُلانٌ الْخَطَّاءُ لَمْ يُرِدْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُ: هُمُ الْقَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جليسهم -مرتين-". متفق عليه.

19- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ليلة إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ:

"مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِذَا رُمِيَ بِمِثْلِ هَذَا؟! " قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيْلَةَ عَظِيمٌ أَوْ مَاتَ عظيم، فقال: "فإنها لا يرمى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ إِذَا قضى أمرا سبح حَمَلَةُ الْعَرْشِ حَتَّى يُسَبِّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ: مَاذَا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، فَيَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حتى يبلغ الأمر أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيُلْقُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَمَا جاؤوا به على وجه فَهُوَ الْحَقُّ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ1 وَيَزِيدُونَ.

20- حديث محفوظ ثابت عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا أحب الله عبداً نادى جبرائيل فقال: إني أحب عبدي فأحبوه، فينوه بها جبرائيل في حملة العرش، فتسمع أهل السماء لغط حملة العرش، فيحبه أهل السماء السابعة، ثم سماء سماء حتى ينزل إلى السماء الدنيا، ثم يهبط إلى الأرض فيحبه أهل الأرض".

__________

1 أي: يبغون ويكذبون.

(1/91)

________________________________________

وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقال، واختلف العلماء في قبوله وتأويله، فإنا لا نتعرض له بتقرير، بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث1 إنما سقناه لما فيه من تواتر من علو الله تعالى فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب.

13- قلت: أخرجه الشيخان والترمذي بنحوه مختصرا، وهو مخرج في "الأحاديث الضعيفة" "2207".

14- قلت: وهو موقوف حسن الإسناد.

21- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ:

"لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غضبي" وفي لفظ:

"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العرش" وفي لفظ آخر:

"لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رحمتي تغلب غضبي".

15- حديث صحيح، وبعض ألفاظه عند الشيخين، واللفظ الأخير للترمذي، وقد خرجته في "الصحيحة" "1629"، وفي "تخريج السنة" لابن أبي عاصم "810، 811".

22- عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيَّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟ -قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، "فرددها مرارا ثم" قال "أبي": "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الحي القيوم" -فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ: "لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لِهَذِهِ الآيَةِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تقدس الملك عند ساق العرش".

__________

1 يعني حديث الأطيط، وقد تعمدت حذفه على القاعدة.

(1/92)

________________________________________

16- قلت: حديث صحيح، أخرجه أحمد "5/ 141-142" بسند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في "صحيحه" "2/ 199" عن أبي بكر ابن أبي شيبة دون الشطر الأخير منه، لكن قال المنذري في "الترغيب" "2/ 221":

"رواه ابن أبي شيبة في كتابه بإسناد مسلم وزاد ... " فذكره.

"تنبيه" أورد ابن القيم في "جيوشه" "ص34" حديث ابن عباس المشار إليه من رواية أحمد بلفظ: "على كرسيه أو سريره جالسا" فزاد "جالسا" وليست هذه الزيادة عند أحمد ولا عند غيره ممن ذكرنا، فأظنها مصحفة، ولا أعلم في جلوس الرب تعالى حديثا ثابتا.

23- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"مَا طَرَفَ1 صَاحِبُ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدًا يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ" أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

17- قلت: ووافقه المؤلف في "تلخيصه" "4/ 559" وزاد: "على شرط مسلم". وهو كما قال. وأخرجه أبو الشيخ أيضا "في "العظمة" "73/ 1". وذكر له شاهدا من حديث ابن عباس.

24- عن أبي ذر قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تحت العرش عند ربها وتستأذن" وذكر الحديث.

أخرجه البخاري.

25- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ حَسَرَ2 عَنْ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى يُصِيبَهُ الْمَطَرُ، وَيَقُولُ: "إِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ" أَخْرَجَهُ مسلم.

18- قلت: ولفظه "3/ 26": قال أنس: أصابنا ونحن مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال:

__________

1 أي: ما غفل لحظة ترقبا لأمر الله وانتظارا له.

2 أي: كشف ثوبه.

(1/93)

________________________________________

لأنه حديث عهد بربه. وكذا رواه أبو داود في "الأدب" وأحمد "3/ 133، 267"، واللفظ الذي في الكتاب هو للحافظ أبي القاسم البغوي، رواه المصنف بإسناده عنه. والحديث عند ابن أبي عاصم في "السنة" "823" والدارمي في "الرد على الجهمية" "ص25".

26- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي صَدْرِي. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَكْذِيبٌ؟ قَالَ: مَا هُوَ بِتَكْذِيبٍ وَلَكِنِ اخْتِلافٌ. قَالَ: فَهَلُمَّ مَا وقع في صدرك1. فقال له الرَّجُلُ: أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ -فَذَكَرَ أَشْيَاءَ ثُمَّ قَالَ-: وَفِي قَوْلِهِ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، والأرض بعد ذلك دحاها} فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ الأَرْضِ، وَقَالَ فِي الآيَةِ الأُخْرَى: "وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ. ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دخان" الآيَةُ، فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا قَوْلُهُ "أَمِ السَّمَاءُ بناها، رفع سمكها فسواها" الآيَاتُ، فَإِنَّهُ خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ قَبْلَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ فَدَحَاهَا، قَالَ: وَدَحْيُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى.

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ2.

27- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل:

"أنا عند حسن ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إليه بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"3. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفِيهِ التفريق بين الكلام النفسي وَالْكَلامِ الْمَسْمُوعِ، فَهُوَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ بِهَذَا وَبِهَذَا، وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَ موسى تكليما وناداه من

__________

1 في المخطوطة: "نفسك" بدل: صدرك.

2 قلت: تعليقا ومسندا، وكذا البيقهي في "الأسماء" "ص379" مسندا، وأبو الشيخ في "العظمة" "100/ 1".

3 في المخطوطة: "أهرول".

(1/94)

________________________________________

جانب الطور وقربه نجيا.

19- قلت: أخرجه البخاري "13/ 328-329- فتح" ومسلم "8/ 62" وأحمد "2/ 251، 413، 480"، وصححه الترمذي "4/ 290". وله في المسند "2/ 354، 405، 482" ثلاث طرق أخرى عن أبي هريرة به نحوه. وأخرجه ابن منده في "التوحيد" "ق77/ 1"، ثم روى له "ق100/ 1" شاهدا عن أنس مرفوعا.

28- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصديق قالت: قال رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي انْتَهَيْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.

20- قلت: عزاه السيوطي في "الخصائص الكبرى" "1/ 438" لابن مردويه عنها بنحوه. وللحديث شواهد كثيرة في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أنس وغيره تراها في "الخصائص"، فراجعها إن شئت، وقد خرجت حديث أنس في "تخريج السنة" لابن أبي عاصم "791".

29- عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ فِي القدر. قال: يكذبون بالكتاب، لئن أَخَذْتُ بِشَعْرِ أَحَدِهِمْ لأَنْصُوَنَّهُ1، إِنَّ اللَّهَ "كَانَ" عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَخَلَقَ الْخَلْقَ فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يوم القيامة. فإنما يُجْرِي النَّاسَ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فرغ منه.

21- قلت: ساق المصنف في الأصل إسناده وهو صحيح، وقد أخرجه الآجري في "الشريعة" "ص293" واللالكائي في "السنة" "1/ 91/ 2" وابن قدامة في "العلو" "169/ 1".

30 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو قال: قال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بْالْمُكَافِئِ 2 وَلَكِنْ "مَنْ" إِذَا قَطَعَهُ ذُو رَحِمِهِ وصله" إسناده قوي.

__________

1 أي: لآخذن بناصيته، يقال: تناصي القوم تآخذوا بالنواصي في الخصومة.

2 أي: الذي يصل من بدأ بوصله.

(1/95)

________________________________________

22- أخرجه أحمد "2/ 163، 193" وسنده صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجه في "صحيحه" دون قوله "الرحم معلقة بالعرش" وصححه الترمذي، ولهذه الزيادة شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة منهم عائشة عند الشيخين.

31- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: نَزَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم شَهْرًا، فَارْتَقَبْتُ عَمَلَهُ فَرَأَيْتُهُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَلَوْ كَانَ فِي يده عمل الدنيا رَفَضَهُ وَإِنْ كَانَ نَائِمًا فَكَأَنَّمَا يُوقَظُ، فَيَقُومُ فَيَغْتَسِلُ أَوْ يتَوَضَّأُ ثم يركع ركعات يتمهن ويحسنهن يتمكن فِيهِنَّ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:

"إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَأَبْوَابَ الْجِنَانِ تُفْتَحُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، فَلا ترتج حتى نصلي هَذِهِ الصَّلاةُ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ مني إلى ربي تلك الساعة خير".

رواه آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ فِي "كتاب الثواب" وإسناده ضعيف.

23- قلت: لكن لموضع الشاهد منه، ما يشهد له من حديث عبد الله بن السائب به مختصرا بلفظ "إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح". أخرجه الترمذي وحسنه وأحمد "3/ 411" وسنده صحيح، فلو آثره المصنف بالذكر لأصاب، لصحة سنده واختصار متنه.

32- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا "فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ وَالتَّهْلِيلَةِ يَتَعَاطَفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ أَلا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ الرَّحْمَنِ1 مَا يُذَكِّرُ بِهِ؟ "

24- قلت: حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه "3809" والحاكم "1/ 503" وقال: "صحيح على شرط مسلم" ووافقه المصنف.

33- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:

"يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرَأَسُهُ بيده وأوداجه تشخب يقول: يارب قَتَلَنِي، حَتَّى يُدْنِيهِ مِنَ الْعَرْشِ".

__________

1 في المخطوطة: عند الله.

(1/96)

________________________________________

25- حديث صحيح، أخرجه أحمد وغيره بسندين صحيحين عنه، وقد خرجته في "المشكاة" "3465".

34- وعنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

"يُؤْتَى بِالْمَقْتُولِ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا حَتَّى يَنْتَهِي بِهِ إِلَى الْعَرْشِ يَقُولُ: يارب سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ ".

35- حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:

"جَعَلَ اللَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْمَاءَ، وَجَعَلَ فَوْقَ الْمَاءِ الْعَرْشَ، والذي نفسي بيده إن نفسي وَالْقَمَرَ لَيَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا سَيَصِيرَانِ إِلَى النار يوم القيامة".

هذا حديث موقوف.

26- قلت: ذكره المصنف من رواية روح بن عباد وهو من شيوخ أحمد بسنده عن ابن عمرو، وهو إسناد صحيح.

36- عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:

خَرَجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ فِي الرُّوحِ: "حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيِقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعِيدُوهُ".

إِسْنَادُهُ صالح.

27- قلت: هو مخرج في "أحكام الجنائز".

37- عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه يدعوه أن يردهما صفراً ليس فيهما شيء".

28- حديث صحيح، مخرج في "المشكاة" "2244" و"صحيح أبي داود" "133" و"الترغيب "2/ 273".

(1/97)

________________________________________

هذا حديث مشهور رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً علي بن أبي طالب وابن عمر وأنس وغيرهم.

38- حديث قتادة بن النعمان سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه".

رواته ثقات، رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له1.

39- حديث أخرجه البخاري في كتاب الرد على الجهمية: من "صحيحه" في "باب قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب" عن ابن عباس قال:

بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأخيه: اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء.

40- حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:

"اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ" قَالُوا: "قَدْ" بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. قَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ" قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَاقْضِ لَنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ كَيْفَ كَانَ؟ فَقَالَ:

"كَانَ اللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَكَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَكَتَبَ فِي اللَّوْحِ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَدْ خرجه البخاري في مواضع2/ 29

29- قلت: لقد جمع المصنف رحمه الله تعالى في تخريجه لهذا الحديث بين تصريحه بصحته، وعزوه إياه للبخاري في "صحيحه"، بينما الغالب عليه الإشارة إلى صحته بعزوه للشيخين أو أحدهما كما سبق غير مرة، ويأتي أيضا، ففي صنيع هذا الإمام ما يدل على جواز

__________

1 وذكر ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص34" أن إسناده صحيح على شرط البخاري.

2 قلت: وسيأتي برقم "44" نحوه من روايته أيضا أتم منه.

(1/98)

________________________________________

الجمع المذكور، الذي جرينا عليه في بعض تخريجاتنا، فأنكره بعض الحاقدين من متعصبة الحنفية، واتهمنا بما لم يخطر لي على بال، وقد شرحت ذلك ورددت عليه بما يكفي ويشفي في مقدمتي لتخريج "شرح العقيدة الطحاوية" الطبعة الرابعة للمكتب الإسلامي فلتراجع فإنها هامة.

41- عن ثابت البناني قال: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة ثم يركع ثم يرفع رأسه إلى السماء ثم يقول: "إليك رفعت رأسي يا عامر السماء، نظر العبيد إلى أربابها يا ساكن السماء". إسناده صالح.

اعلم أن الله عز وجل قد أخبرنا وهو أصدق القائلين بأن عرش بلقيس عرش عظيم فقال: "ولها عرش عظيم" ثم ختم الآية بقوله: "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رب العرش العظيم" فكان عرشها عظيماً بالنسبة إليها وما نحيط الآن علماً بتفاصيل عرشها ولا بمقداره، ولا بماهيته، وقد أتى به بعض رعية سليمان عليه السلام إلى بين يديه قبل ارتداد طرفه، فسبحان الله العظيم، فما ينكر كرامات الأولياء، إلا جاهل، فهل فوق هذه كرامة؟ فيقال: إنه دعا باسم الله الأعظم، فحضر في لمح البصر من اليمن إلى الشام، فما ثم إلا محض الإيمان والتصديق، ولا مجال للعقل في ذلك، بل آمنا وصدقنا، فهذا في شيء صغير صنعه الآدميون، وجلبه في هذه المسافة البعيدة بشر بإذن الله تعالى، فما الظن بما أعد الله تعالى من السرر والقصور في الجنة لعباده؟ الذي كل سرير منها طوله وعرضه مسيرة شهر أو أكثر، وهو من درة بيضاء أو من ياقوتة حمراء، الذي كل باع منها خير من ملك الدنيا "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" آمنا بالغيب والله، وجزمنا بخبر الصادق، ففي الجنة "قطعاً" ما لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بشر، فما الظن بالعرش العظيم الذي اتخذه العلي العظيم لنفسه في ارتفاعه وسعته، وقوائمه وماهيته وحملته، والكرويين الحافين من حوله، وحسنه ورونقه وقيمته؟ فقد ورد أنه من ياقوته حمراء ولعل مساحته مسيرة خمسمائة ألف عام لا إله إلا هو الحليم الكريم، لا إله إلا هو رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش الكريم، الحمد لله رب العالمين، سبحان الله وبحمده عدد خلقه وزنة

(1/99)

________________________________________

عرشه، ورضى نفسه ومداد كلماته، ضاعت الأفكار وطاشت العقول، وكلت الألسنة عن العبارة عن بعض المخلوقات، فالله أعلا وأعظم "آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مسلمون" تبا لذوي العقول الخائضة، والقلوب المعطلة، والنفوس الجاحدة، فما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركونه. اللهم بحقك عليك، وباسمك الأعظم وكلماتك التامة، ثبت الإيمان في قلوبنا، واجعلنا هداة مهتدين، نعم ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة في فلاة وما الكرسي في العرش العظيم إلا كحلقة في فلاة، اسمع وتعقل ما يقال لك وتدبر ما يلقى إليك، والجأ إلى الإيمان بالغيب، فليس الخبر كالمعاينة.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} وقال تعالي: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} وقال تعالي: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} وقال تعالي: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} .

والقرآن مشحون بذكر العرش -وكذلك الآثار- بما يمتنع أن يكون مع ذلك أن المراد بذلك الملك، فدع المكابرة والمراء، فإن المراء في القرآن كفر، ما أنا قلته بل المصطفى صلى الله عليه وسلم قاله.

30- قلت: أخرجه الإمام اللالكائي في "السنة" "1/ 92/ 2" وعنه ابن قدامة المقدسي في جزئه "إثبات صفة العلو لله تعالى" "ق162/ 1" ومن طريقه ساقه المصنف، ووقع في سنده سقط في الأصل يستدرك من "ابن قدامة" وصححه المؤلف عن ثابت البناني في "الأربعين" له "178/ 1".

31- قلت: عرش الرحمن تبارك وتعالى، نؤمن به، ونصفه بما ثبت في الكتاب والسنة فقط، فليت المؤلف رحمه الله تعالى وقف عندهما، ولم يزد عليهما وصفا تظننا ورجما بالغيب، لا سيما وهو قد ذكر فيما يأتي من الأصل عن وهب بن منبه أنه قال: "العرش مسيرة خمسين ألف سنة" فقال خمسين، ولم يقل خمسمائة! وهو على كل حال من الإسرائيليات التي لا فائدة من ذكرها إلا للتنبيه، ولذلك حذفته من هذا المختصر.

(1/100)

________________________________________

32- يشير إلى الحديث الوارد في ذلك من طرق تكلمت عليها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" "109" وسيأتي في الكتاب برقم.

33- جزم المصنف رحمه الله تعالى بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وحق له ذلك، فإنه صحيح ثابت من طرق، وقد صححه جمع كما سبقت الإشارة إليه برقم "1".

42- عن حسان بن عطية قال: حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت حسن رخيم، فيقول أربعة منهم: سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك. ويقول أربعة: سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك. إسناده قوي

34- ذكره المصنف من طريق الوليد بن يزيد العذري: حدثنا الأوزاعي عنه. وهذا سند قوي كما قال، وتابعه رواد بن الجراح عن الأوزاعي به. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة". "ق88/ 1- مصورة المكتب الإسلامي".

43- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ:

"مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها" قالوا: يا رسول الله: أفلا نبشر الناس بذلك؟ قال: "إن في الْجَنَّةَ مِائَةُ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كما بين السماء والأرض، إذا سألتم الله عز وجل فسألوه الفردوس فإنه في وسط الجنة وأعلا الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ1.

قال البخاري في أواخر صحيحه باب قوله عز وجل "وَكَانَ عرشه على الماء" وهو رب العرش العظيم، ثم قال: وقال مجاهد: استوى "علا" على العرش.

35- وصله الفريابي بسند صحيح عن مجاهد. قلت: وفيه رد على بعض الكتاب المعاصرين الذين يوهمون الناس أن السلف يتكلموا في آيات الصفات ولم يفسروها إطلاقا،

__________

وكذا أحمد، وفي إسناده اختلاف بينته في "الصحيحة" "921".

(1/101)

________________________________________

وأنهم اكتفوا بقراءتها دون تدبرها وتفهمها. وهذا مما أبطله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتبه، نعم لم يفسروها تفسيرا مقرونا بالتشبيه والتكييف، بل نهوا عن ذلك أشد النهي، كما ستراه في الكتاب عن مالك وغيره، وقد روى اللالكائي في "السنة" "1/ 91/ 2" عن بشر بن عمر الثقة المتوفى "207" قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: على العرش ارتفع.

44- ثم روى بسنده عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ". قالوا: بشرتنا فأعطنا. فدخل ناس مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: "اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ" قَالُوا: قَبِلْنَا جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ: "كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ" ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدَدْتُ أَنَّهَا ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ.

أنا أُعِدُّ "إِيرَادَ" نُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلاحْتِجَاجِ عِيًّا، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْقَائِلِ:

وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الأَذْهَانِ شَيْءٌ ... إِذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إِلَى دليل

45- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ، وَالْعَرْشُ لا يُقَدِّرُ أحد قدره. رواته ثقات. 36

36- صحيح موقوف، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "التَّوْحِيدِ" "ص71-72" والدارمي في "الرد على المريسي" "ص71، 73-74" وأبو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "العرش" "114/ 2" وعبد الله بن أحمد في "السنة" "ص71" عن سفيان عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عنه.

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.

وتابعه يوسف بن أبي إسحاق عن عمار الدهني. أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "33/ 1" وله عنده شاهد "36/ 21" من حديث أبي ذر مرفوعا.

46- عَنْ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّامَ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ وَهُوَ

(1/102)

________________________________________

عَلَى بَعِيرِهِ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ رَكِبْتَ بِرْذَوْنًا يَلْقَاكَ عُظَمَاءُ النَّاسِ وَوُجُوهُهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: ألا أريكم ههنا، إنما الأمر من ههنا، فأشار بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ.

إِسْنَادُهُ كَالشَّمْسِ. 37

37- قلت: أخرجه الدارمي "ص105" وفي "الرد على الجهمية" "ص26" ومن طريقه المصنف بإسناده إليه، وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين.

47- عن عبد الرحمن بن غنم قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: ويل لديان الأرض من ديان السَّمَاءِ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ، إِلا مَنْ أَمَرَ بِالْعَدْلِ، فَقَضَى بِالْحَقِّ، وَلَمْ يَقْضِ عَلَى هَوًى، وَلا عَلَى قرابة، ولا على رغبة ولا رهب، وَجَعَلَ كِتَابَ اللَّهِ مِرْآةً بَيْنَ عينيه، قال ابن غنم: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا عُثْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وعبد الملك.

رواه سمويه في "فوائده".

38- قلت: ورواه المصنف بإسناده عنه. وأخرجه الدارمي "ص104" مختصرا، وإسنادهما صحيح، ورجاله ثقات إن كان سعيد بن عبد العزيز التنوخي حدث به قبل اختلاطه، وهذا هو الراجح عندي لأن الراوي له عنه أبو مسهر، مع أنه هو الذي أخبرنا باختلاطه، فغالب الظن أنه لا يروي عنه في حالته هذه، لا سيما وهو معظم له جدا، فقد قال أبو حاتم: كان أبو مسهر يقدم سعيد بن عبد العزيز على الأوزاعي، ومن البديهي أن هذا التقديم منه لا يكون إلا في روايته قبل الاختلاط، فكذا روايته عنه لا تكون إلا في هذه الحالة والله أعلم.

48- حديث ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "الْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ".

رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي السُّنَّةِ" لَهُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو أَحْمَدَ الْعَسَّالُ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْلالَكَائِيُّ، وَأَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في تواليفهم. وإسناده صحيح.

(1/103)

________________________________________

39- يعني في "الأسماء والصفات" "ص 401" ورواه أيضا ابن خزيمة "ص70" والدارمي "ص105" وأبو الشيخ في "العظمة" "ق34/ 2" واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" "1/ 91/ 2" وسنيد بن داود صحيح كما قال ابن القيم في "جيوشه" "ص100"، وسندهم جيد.

49- وأخرج أبو أحمد العسال بإسناد صحيح عن ابن مسعود أنه قال:

"من قال سبحان الله والحمد لله والله أكبر، تلقاهن ملك فعرج بهن إلى الله عز وجل فلا يمر بملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بهن وجه الرحمن عز وجل".

50- حديث ابن مسعود قال: "إن العبد لَيِهَمُّ بِالأَمْرِ مِنَ التِّجَارَةِ وَالإِمَارَةِ حتى إذا تيسر له نظر اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ فَيَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: اصْرِفُوهُ عَنْهُ فإنه إن يسرته له أدخلته النار".

أخرجه اللالكائي بإسناد قوي1./ 40

40- أخرجه اللالكائي في "السنة" "ص65" بسند ضعيف كما أشار إليه المصنف، ومن طريقه ساقه المؤلف.

51- عن ابن مسعود قال: "إن الله تعالى يبرز لأهل جنته في كل جمعة في كثيف من كافور أبيض فيحدث لهم من الكرامة ما لم يرو مثله، ويكونون في الدنو منه كمسارعتهم إلى الجمع". أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبري بإسناد جيد.

52- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لأَخْشَى لَوْ كنت أحب قتله لقتلت -يعني عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَلَكِنَّ عِلْمَ اللَّهِ فَوْقَ عَرْشِهِ أَنِّي لم أحب قتله. / 41

41- قلت: أخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية" "ص27" وإسناده صحيح.

__________

1 قلت: وقال ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص100": بإسناد صحيح. وأخرجه الدارمي في "الرد على الجهمية" "ص26" بنحوه.

(1/104)

________________________________________

53- حديث مُجَاهِدٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: خَلَقَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ بِيَدِهِ: الْعَرْشَ وَالْقَلَمَ وَآدَمَ وَجَنَّةَ عَدْنٍ, ثُمَّ قَالَ لِسَائِرِ الْخَلْقِ: كُنْ, فَكَانَ

إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

42- أخرجه الدارمي "ص35، 90" وأبو الشيخ في "العظمة" "35/ 2 و209/ 2" واللالكائي "1/ 97/ 1" بسند صحيح على شرط مسلم.

54- نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا قَبْلَ الْمَاءِ, فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ أَخْرَجَ مِنَ الْمَاءِ دُخَانًا فَارْتَفَعَ, ثُمَّ "أَيْبَسَ" الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضًا, ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرْضِينَ, إِلَى أَنْ قال: فلما فرغ الله عز وجل مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ"

أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطبري في "تفسيره" والبيهقي في "الصفات"

43- قلت: إسناده جيد، وهو عند البيهقي "ص379-380" وأخرجه ابن خزيمة أيضا "ص243".

55- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيَهْ وَسَلَّمَ قَالَ:

"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ.." وَسَاقَ الحديث.

أخرجه البخاري1.

56- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "إِنَّ اللَّهَ تعالى يَقُولُ: "أَيْنَ" الْمُتَحَابُونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّ عَرْشِي، يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي" وَقَدْ وَرَدَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ أَحَادِيثُ تبلغ التواتر.

44- حديث صحيح، أخرجه أحمد "2 338، 370، 523" من طريق فليح عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أَبِي طُوَالَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يسار عن أبي هريرة به. ومن هذه الطريق

__________

1 قلت: وكذا مسلم وأحمد وغيرهما, وهو مخرج في "الإرواء" "887".

(1/105)

________________________________________

أورده المؤلف في الأصل، وقد أبعد النجعة، لأن مالكا أخرجه في "الموطأ" "2/ 952/ 13" عن ابن معمر به. ومالك أوثق من مائة من مثل فليح، ولذلك أخرجه من طريقه مسلم في "صحيحه" "8/ 12" وكذا أحمد "2/ 237، 535" والدارمي "ص371 - هند".

57- حديث الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُونَ بِجَلالِي فِي ظِلِّ عَرْشِي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي" إِسْنَادُهُ حسن.

45- أخرجه أحمد "4/ 128" وقال المنذري في "الترغيب" "4/ 48": "بإسناد حسن".

58- حديث ابن مسعود في قوله: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قال:

"أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقالوا: أرواحهم في أجواف طير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك إطلاعة فقال: سلوني ما شئتم".

أخرجه مسلم والترمذي والقزويني.

59- حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ مُهَاجِرَاتُ الْبَحْرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال:

"ألا أتحدثون بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ " فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ مَرَّتْ عَلَيْنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِهِمْ تَحْمِلُ قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا عَلَى رُكْبَتِهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ التفتت فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بما كانوا يكسبون أتعلم أَمْرِي وَأَمْرَكَ عِنْدَهُ غَدًا فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: "صَدَقَتْ, كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ قويهم؟ " إسناده صالح.

46- كذا قال، فإن كان يعني أنه صالح لغيره فمقبول، وإلا فقد ساقه من طريق مسلم ابن خَالِدٍ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أبي الزبير عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه علتان:

الأولى: عنعنة أبي الزبير فإنه كان مدلسا، وقد ترجمه بذلك المؤلف نفسه في "الميزان".

(1/106)

________________________________________

والأخرى: ضعف مسلم بن خالد وهو الزنجي، ترجمه المؤلف أيضا وحكى أقوال الأئمة فيه، وأكثرهم على تضعيفه لغلطه، ثم ساق له أحاديث، ثم ختم الترجمة بقوله:

"فبهذه الأحاديث وأمثالها ترد بها قو الرجل ويضعف". ومن هذه الطريق أخرجه ابن حبان "2584".

لكن مسلما لم يتفرد به، فقد قال ابن ماجه "4010": حدثنا سعيد بن سويد ثنا يحيى بن سليم عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خثيم ويحيى وسعيد فيهما ضعف أيضا، لكن لا بأس بهما في المتابعات. وتابعه في المرفوع منه الفضل بن العلاء حدثنا ابن خثيم به. أخرجه ابن حبان أيضا "1554" والخطيب في "التاريخ" "7/ 396". وللمرفوع طريق أخرى عن جابر عند البيهقي في "الشعب" "2/ 432/ 2" وله شاهد من حديث أبي سعيد في قصة أخرى مخرج في "المشكاة" "3004"، وفي "الترغيب" "3/ 138" شواهد أخرى، وآخر عند الحاكم "3/ 256". فبقيت العلة الأولى وهي العنعنة في القصة. لكنها قد جاءت من طريق أخرى عند البيقهي في "الأسماء والصفات" "ص404" و"شعب الإيمان" "2/ 432 ك1" عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال:

"لما قدم جعفر رضي الله عنه من الحبشة قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: ما أعجب شيء رأيته ثم؟ قال ... " فذكرها.

وإسناده صحيح لولا أن عطاء بن السائب كان اختلط، ولكنه يستشهد به فالحديث به صالح إن شاء الله تعالى.

60- حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:

"الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ, وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلاهَا دَرَجَةً وَمِنْ فَوْقِهَا الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ الله فاسألوه الفردوس" رواته ثقات. قد مر نحوه في الحديث رقم "43" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَصَحُّ.

47- قلت: بل إسناده صحيح كما قال الحاكم ووافقه المؤلف في "تلخيصه"، وإن أشار إلى ترجيح حديث أبي هريرة المتقدم "43" فالراجح عندي تبعا للحافظ أن كلا الحديثين صحيح كما بينته في "الصحيحة" "921"، والحديث أخرجه أحمد أيضا والترمذي.

61- حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، وَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى

(1/107)

________________________________________

مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ وَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ، فذهب اليهودي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"لا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مِنْ يُفِيقُ فَإِذَا بموسى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أكان مِمَّنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وجل".

وفي طريق آخر عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَحْوِهِ، وَفِيهِ:

فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "لا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ" وَفِيهِ: "فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَةِ يَوْمَ الطُّورِ أَوْ بُعِثَ قبلي" وفي لفظ: "فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ من بعث "أو في أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ" فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ" الْحَدِيثُ. مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ.

62- حَدِيثُ أبي سعيد قال: ذكري يَهُودِيٌّ مُوسَى فَكَأَنَّهُ فَضَّلَهُ عَلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلطمه أنصاري، فجء الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُوهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا مُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العرش، فلا أدري أفي الصعفة الأُولَى بُعِثَ أَمْ بَعْدِي؟ ".

رَوَى مِنْهُ مُسْلِمٌ "لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأنبياء"

48- كذا قال، وقد أخرجه مسلم "7/ 102" بتمامه نحوه، ولكنه أحال في لفظه على حديث أبي هريرة الذي قبله عنده أيضا. وكذلك أخرجه البخاري بتمامه في موضعين "2/ 89، 4/ 327" وأحمد أيضا "3/ 33"، ورواه أبو دواد "468" مختصرا وهو رواية لأحمد "3/ 31".

63- حديث جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وجنازة سعد بن معاذ بن أَيْدِيهِمْ: "اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ" لفظ مسلم.

ومن طريق أخرى عن جابر قال: جاء جبريل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

(1/108)

________________________________________

"من هذا العبد الصالح الذي مات؟ فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش". قال، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سعد، فجلس على قبره ... " وذكر الحديث.

أخرجه النسائي.

49- وأخرجه البخاري أيضا وهو مخرج عندي في "تخريج السنة لابن أبي عاصم" "562" والطريق الأخرى هي عند أحمد أيضا "3/ 327" وسنده جيد، وأخرجه أبو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "العرش" "ق113/ 1".

64- حديث أَنَسٍ قَالَ: "قَالَ" رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَنَازَةُ سَعْدٍ مَوْضُوعَةٌ:

"اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرحمن" هذا صحيح

50- أخرجه مسلم وغيره. "تخريج السنة" "561".

65- حديث أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

"اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ" هذا حديث صحيح

51- أخرجه أحمد وابن سعد. "تخريج السنة" "564-567".

66- حديث أسيد بن حضير قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَقَدِ اهتز العرش لوفاة سعد" إسناده حسن.

67- حديث رميثة: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ -وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أُقَبِّلَ الْخَاتَمَ مِنْ قُرْبِي لَفَعَلْتُ -وَهُوَ يَقُولُ:

"اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" يُرِيدُ بِذَلِكَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. هَذَا إِسْنَادٌ صَالِحٌ، صَحَّحَهُ ابْنُ مَنْدَهْ. وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وحذيفة، وأبي هريرة، وأسماء بنت يزيد، ومعيقيب.

فهذا متواتر أشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله.

(1/109)

________________________________________

52 و53- كذا قال، وفيه نظر بينته في "تخريج السنة" "567"، وفي "التوحيد" لابن منده باب خاص في هذا الحديث جمع فيه طرقه "ق137/ 1-138/ 1".

68- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

"إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَلَ الرَّبُّ إِلَى الْعِبَادِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَأَحَادِيثُ نزول الباري متواترة قد سقت طرقها وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا1 بِمَا أُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلا قُوَّةَ إِلا بالله العلي العظيم.

54- قلت: عزوه لمسلم وهم، فإنه لم يخرجه بهذا اللفظ أصلا، وإنما أخرج بالسند الذي ذكره المؤلف في الأصل لفظا آخر "6/ 47". وأما هذا، فإنما أخرجه الترمذي "2/ 61" وابن خزيمة "ق250/ 2" والحاكم "1/ 418" من طريق آخر عن أبي هريرة، وصححوه.

69- حديث ابن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال:

"يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء يَنْتَظِرُونَ فَصْلَ الْقَضَاءِ، وَيَنْزِلُ اللَّهُ في ظلل من الغمام من الْعَرْشِ إِلَى الْكُرْسِيِّ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: أَيُّهَا النَّاسُ أَلْم تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ نَاسٍ مَا كَانَ يَتَوَلَّى وَيَعْبُدُ فِي الدُّنْيَا؟ أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلا مِنْ رَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى فَيَنْطَلِقُونَ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ أَشْبَاهُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الشَّمْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى القمر، وإلى الأوثان، ويتمثل لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى، وَلِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شيطان عزير، ويبقى محمد وَأُمَّتُهُ، فَيَتَمَثَّلُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فَيَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: مَا لَكُمْ لا تَنْطَلِقُونَ كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: بَيْنَنَاَ وَبَيْنَهُ عَلامَةٌ فَإِذَا رَأَيْنَاهُ عَرَفْنَاهُ، فَيَقُولُ: مَا هِيَ؟ فَيَقُولُونَ: يَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ. فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَخِرُّونَ، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَيَاصِيِّ الْبَقَرِ يريدون السجود فلا يستطيعون ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم، فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، وَالرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ أَمَامَهُمْ" وَذَكَرَ الحديث إسناده حسن.

__________

1 قلت: يعني أنه جمعها في جزء له كما سيأتي "ص336" ولم أقف عليه.

(1/110)

________________________________________

55- هو كما قال أو أعلى. وقد ذكره مختصرا من طريق جمع من المخرجين منهم عبد الله ابن أحمد، ثم أخرجه بأتم منه هكذا بتمامه بسنده المتصل إلى ابن مسعود، وقد أخرجه بتمامه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي "السنة" "ص177" وقال المؤلف في "الأربعين" "186/ 1": وهو حديث صحيح.

70- رَوَى بَعْضَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وفيه:

"فيتمثل الله لخلق، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ فِي صُورَتِهِ" وَهَذَا الْحَرْفُ مَحْفُوظٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ.

وَكَانَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُ فِيمَا نَقَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ الطَّبَّاعِ عَنْهُ وقيل له: إن اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرَى فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، فَقَالَ: يَا أَحْمَقُ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ يَتَغَيَّرُ عَنْ عَظَمَتِهِ1 وَلَكِنْ عَيْنَاكَ يُغَيِّرُهُمَا حَتَّى تَرَاهُ كَيْفَ شَاءَ.

56- قلت: أخرجه عنهما الشيخان في "صحيحيهما" في الرؤية في الآخرة الطويل، وكذلك أخرجه جمع آخر منهم ابن خزيمة في "التوحيد" "ص113-115" والبيهقي في "الأسماء" "ص291-296".

71- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ:

"يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ الله خلق السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، يَوْمَ السَّابِعِ، وَخَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَالشَّجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَالشَّرَّ2 يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَالنُّورَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ، وَالدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَآدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ بَعْدَ الْعَصْرِ، خَلَقَهُ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ بِأَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا وَطَيِّبِهَا وَخَبِيثِهَا، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ مِنْ آدَمَ: الطيب والخبيث".

أخرجه النسائي في تفسيره "السجدة" والأخضر بن عجلان وثقه ابن معين.

__________

1 كذا في الأصول كلها، وفي "الأربعين" للمؤلف "190/ 2" "صفته". ولعله أصح.

2 في المخطوطة بدل "الشر" كلمة الثعن".

(1/111)

________________________________________

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَيَّنَهُ الأَزْدِيُّ. وَحَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ الأربعة.

57- قلت: تليين الأزدي إياه؛ لا تأثير له، لأن الأزدي نفسه متكلم فيه كما هو معلوم، لا سيما وقد وثقه ابن معين كما ترى وكذا الإمام البخاري والنسائي وابن حبان وابن شاهين كما في "التهذيب" فهو متفق على توثيقه لولا قول أبي حاتم: يكتب حديثه. لكن هذا القول إن اعبترناه صريحا في التجريح فمثله لا يقبل لأنه جرح غير مفسر، لا سيما وقد خالف قول الأئمة الذي وثقوه، على أنه من الممكن التوفيق بينه وبين التوثيق بحمله على أنه وسط عند أبي حاتم، فمثله حسن الحديث قطعا على أقل الدرجات، وكأنه أشار إلى ذلك الحافظ بقوله فيه في "التقريب":

"صدوق".

وبقية رجال الإسناد ثقات كلهم، فالحديث جيد الإسناد على أنه لم يتفرد بذكر خلق التربة يوم السبت، وغيرها في بقية الأيام السبعة، فقد أخرجه مسلم وغيره من طريق أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه مرفوعا، وقد خرجته في "الصحيحة" رقم "1833"، وقد توهم بعضهم أنه مخالف للآية المذكورة في أول الحديث، وهي أول سورة "السجدة"، وليس كذلك كما كنت بينته فيما علقته على "المشكاة" "5735"، وخلاصة ذلك أن الأيام السبعة في الحديث هي غير الأيام الستة في القرآن وأن الحديث يتحدث عن شيء من التفصيل الذي أجراه الله على الأرض، فهو يزيد على القرآن، ولا يخالفه، وكان هذا الجمع قبل أن أقف على حديث الأخضر، فإذا هو صريح فيما كنت ذهبت إليه الجمع. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

72- حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

"أَلا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ: "يُتِمُّونَ الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصف" أخرجه مسلم.

73- عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَقُولُ:

"الْمُتَحَابُونَ فِي اللَّهِ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ".

58- حديث صحيح، أخرجه أحمد "5/ 229، 236-237" وابن حبان "2510" والحاكم "4/ 169-170" وكذا ابن المبارك في "الزهد" "715" من طريقين صحيحين عنه،

(1/112)

________________________________________

وصحح أحدهما الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وفيه نظر ذكرته في "تخريج الترغيب" "4/ 47".

"تنبيه" أحد الطريقين المشار إليهما هو عن أبي إدريس عن معاذ، وعنه أورده المصنف بصحة سماعه منه الحافظ ابن عبد البر، وهو الأولى بالترجيح، فإن حديثه هذا بالذات قد سمعه منه، ثبت ذلك من طريقين عنه:

الأولى: عن شعبة عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس الخولاني قال: جلست مجلسا فيه عشرون من أصحاب مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فيهم شاب حسن الوجه ... فإذا هو معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما كان الغد جئت فإذا هو يصلي عند سارية، فحذفش صلاته، ثم احتبى، فسكت، فقلت: إني لأحبك من جلال الله، فقال: آلله؟ فقلت: آالله. فقال: فذكر الحديث موقوفا على معاذ. أخرجه أحمد والحاكم.

والأخرى: عن عطاء الخراساني قال: سمعت أبا إرديس الخولاني يقول: دخلت مسجد حمص فجلست في حلقة كلهم يحدث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وفيهم شاب.. الحديث نحوه. أخرجه الحاكم.

وله عنه طريق ثالث بحديث آخر، يرويه مالك في "الموطأ" "2/ 953/ 16" وعنه ابن حبان "2510" عن ابي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال:

"دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب برق الثنايا، وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه، فقيل هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي، قال: فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟.. الحديث مثلما تقدم في الطريق الأولى إلا أن متنه: قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في".

قلت: فاتفاق هؤلاء الثقات الثلاثة على إثبات سماع أبي إدريس من معاذ بن جبل من الصعب جدا عدم الاعتداد به ونسبتهم إلى الوهم فيه. والله تعالى أعلم.

74- حديث أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وكان ابنها الحارث ابن سُرَاقَةَ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ حَارِثَةَ، فَإِنْ كَانَ فِي

(1/113)

________________________________________

الْجَنَّةِ احْتَسَبْتُ وَصَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصِبِ الْجَنَّةَ اجْتَهَدْتُ فِي الدُّعَاءِ. فَقَالَ: "يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى، وَالْفِرْدَوْسُ ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها، "يَعْنِي" وَفَوْقَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وجل".

وفي طريق أخرى عنه قال: خَرَجَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَّارًا، لَمْ يَخْرُجْ لِقِتَالٍ، كَانَ غُلامًا، فَجَاءَهُ سَهْمٌ فِي نَحْرِهِ فَقَتَلَهُ. الحديث.

59- لم أقف على قوله في هذا الحديث "فوقها عرش الرحمن"، فيما لدى من المصادر، أو فيما رجعت إليها الآن، والمصنف أورده في الأصل من حَدِيثُ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عن أنس، ولم يعزه لأحد من المصنفين كما هي غالب عادته، وقد أخرجه الترمذي "2/ 210" من هذا الوجه إلى قوله "وأفضلها" دون الزيادة وقال: "حديث حسن صحيح". وكذلك أخرجه أحمد "3/ 260" من طريق شيبان عن قتادة به إلا أنه جعل الجملة الأخيرة منه مدرجة في الحديث فقال:

"قال قتادة: والفردوس ربوة الجنة، وأوسطها، وأفضلها". ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في "الجهاد" "2/ 204" لكنه لم يذكر الزيادة المدرجة، ولا أنها من قول قتادة.

وتابعه أبان ثنا قتادة به. أخرجه أحمد "3/ 283". وتابعه حميد قال: سمعت أنسًا يقول: فذكره. أخرجه أحمد -والبخاري في "المغازي" "3/ 59" و"الرقاق" "4/ 241".

وتابعه ثابت البناني عن أنس باللفظ الآخر المذكور في الكتاب. أخرجه أحمد "3/ 124، 215، 272، 282".

قلت: فكل هذه الطرق ليس فيها الزيادة المدرجة، ولا الزيادة الأولى أصلا، فأخشى أن تكون وهما من المؤلف رحمه الله تعالى، وإنما هي في آخر حديث أبي هريرة المتقدم رقم "14" وهو مخرج في "الصحيحة" "918". ثم تبين أنها زيادة من المصنف على سبيل الشرح والبيان بقوله "يعني وفوقها ... " لكن سقط من الطابع لفظة "يعني" فعرض الإشكال ثم لما استدركتها من المخطوطة زال والحمد لله.

75- حديث عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مائة سنة". إسناده صحيح.

(1/114)

________________________________________

60- قلت: وهو كما قال، أخرجه أبو داود وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" "151".

76- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ:

"يَمِينُ اللَّهِ مَلأى لا يَغِيضُهَا نَفَقَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى الماء، وبيده الأخرى القبض والميزان يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ" مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ.

77- حديث أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان" أخرجه البخاري.

61- قلت: وصححه الترمذي، وله شاهد من حديث ابن مسعود، وقد خرجتهما في "الصحيحة" "1293".

78- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:

"يَنْزِلُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ1 فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ له؟ فلا يزال كذلك" 2 رواه أحمد وإسناده قوي.

__________

1 وفي رواية: حَيْنَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ. وهو الأصح كما قال الترمذي. "الإرواء" "450".

2 قلت: اشتهر تأويل هذا الحديث عند نفاة الصفات، بأن المراد بالنزول نزول أمر الله تعالى ورحمته، ومع أن هذ التأويل باطل من وجوه كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: "شحر حديث النزول". من ذلك سياق الحديث، فإن قوله: "أنا الملك ... إلخ ... صريح في أن الله تعالى هو الذي ينزل.

قال شيخ الإسلام "ص36": "وقد سئل بعض أئمة نفاة العلو عن النزول فقال: ينزل أمره، فقال له السائل: فممن ينزل؟ إن عندك فوق العالم شيء فممن ينزل الأمر؟ من العدم المحض؟ فبهت".

ومن أغرب التأويلات التي رأيتها لبعض النفاة قول الشيخ "أبو زهرة" في "المذاهب الإسلامية" "ص325"" "ويصح أن يفسر النزول إلى السماء الدنيا بمعنى قرب =

(1/115)

________________________________________

وقد ألف أَحَادِيثُ النُّزُولِ فِي جُزْءٍ، وَذَلِكَ متواتر أقطع به.

ومن عقد أئمة السنة "السلف والخلف" أن نبينا صلى الله عليه وسلم عرج به إلى السموات العلى عند سدرة المنتهى، فكان مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.

وفرض الله حينئذ عليه الصلوات الخمس، فنزل ومر على موسى فأخبره فقال: إني قد خبرت الناس قبلك، إن أمتك لا تطيق خمسين صلاة فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ.

وأحاديث المعراج تقدم بعضها وهى طويلة مشهورة، جمعها الحافظ عبد الغني، رأيتها في جزأين له، فلو كان معراجه مناماً، ورقيه إلى عند سدرة المنتهى في عالم السنة وغلبة الفكر، كوقائع العارفين، لما كان للمصطفى صلوات الله عليه في ذلك كبيرة مزية على كثير من صالحي أمته، ولما قرر الحق معراجه ونوه بذكره بأنه يقظة عياناً بقوله تعالى: "إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وما طغى" قال حبر هذا الأمة ابن عباس: هي رؤيا عين رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فصل: في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلتئذ اختلاف، فذهب جماعة من السلف إلى أنه رأى ربه عز وجل، وذهب آخرون كأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وغيرها إلى أنه لم يره بعد، وذهب طائفة إلى السكوت والوقف. وقال قوم: رآه بعين قلبه.

وَقَدْ سَاقَ ابْنُ خُزَيْمَةَ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ؟ " وَعَدَّ ابْنُ خُزَيْمَةَ هذا منكرا. ثُمَّ قَالَ:

وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا مَا حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عن قتادة

__________

= حسابه تعالى"!!! فعلى هذا التأويل فحساب الله يقرب كل ليلة، ثم لا حساب! فلا نزول حتى على هذا التأويل. وهكذا يكون التعطيل للنصوص وإنكار معانيها الحقيقية اللائقة به تعالى ...

(1/116)

________________________________________

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي ذَرٍّ: لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسَأَلْتُهُ. قَالَ: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أسأله: هل رأيت ربك؟ فقال أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: "رَأَيْتُ نُورًا".

قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: "أنى أراه" أين أراه، وكيف أراه، وإنما أَرَى نُورًا.

قُلْتُ: هَذَا بِعَيْنِهِ يَنْفِي الرُّؤْيَةَ حَيْثُ يُقَرِّرُ: إِنَّمَا أَرَى نُورًا.

قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فعائشة نفت، ومن أثبت فمعه زيادة علم.

ونقل المروزي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَسَأَلَهُ: بِمَ تَدْفَعُ قَوْلَ عَائِشَةَ؟ قَالَ: بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "رأيت ربي".

62- قلت: وأخرجه مسلم من حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ معا، وهو مخرج مع طائفة من أحاديث النزول التي أشار إليها المصنف في كتابي "إرواء الغليل" "450"، وقد ذكره ابن القيم في "الجيوش" "ص35" من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن المسيب عن أبي هريرة نحوه بزيادة "جلس على كرسيه". وهذه زيادة منكرة عندي لم أرها في غير هذا الطريق، وهو منقطع بين معمر وابن المسيب. وقد رأيت الحديث في "المسند" "2/ 267، 283" من طريق عبد الرزاق عن معمر بإسنادين آخرين له عن أبي هريرة دون الزيادة. ورواه غيره عن سعيد عن أبي هريرة دونها. أخرجه أحمد "2/ 433".

63- قلت: يشير إلى ما رواه سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ عَنْ شَرِيكِ بن عبد الله ابن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.. قلت: فذكر حديث الإسراء الطويل فيه.

"وَدَنَا الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى، فأوحى إليه ما شاء ... ".

لكن هذه الجملة من جملة ما أنكر على شريك هذا مما تفرد به عن جماير الثقات الذين رووا حديث المعراج. ولم ينسبوا الدنو والتدلي لله تبارك وتعالى، بل روت عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما ما يدل على أن قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} إنما المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام، روى مسلم "1/ 111" عن مسروق قال: قلت: لعائشة: فأين قوله {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ؟ قالت: إنما

(1/117)

________________________________________

ذاك جبريل صلى الله عليه وسلم وانظر "الأسماء والصفات" للبيهقي "ص438-441".

وقد كان المصنف رحمه الله تعالى أورد في الأصل "ص50" الجملة المذكورة من حديث شريك ثم أورده بطوله "ق21/ 1-2 مخطوطة"، فحذفته لما أشرت إليه من النكارة، وقال المصنف في الموضع الثاني: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ" اسْتَنْكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنَّهُ قَفَزَ الْقَنْطَرَةَ وَتَقَرَّرَ في "الصحيح". قلت: هذا مسلم فيما لم تظهر فيه عادة قادحة، وليس كذلك هنا، فتأمل.

64- أخرجه أحمد "1/ 374" والبخاري والترمذي وغيرهم.

65- قلت: فإذا ضم إلى هذا ما تقدم من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحديث "12": "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ينتج من ذلك أن هناك مانعا من رؤيته تعالى وهو النور الحاجب، وهذا هو المعنى الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المتقدم:

"نور أنى أراه؟ ". أخرجه مسلم "1/ 111"، وإن كان باللفظ الآخر أيضا "رأيت نورا" وهو أصح كما بينته العلامة اليماني في "إيثار الحق" "ص182-183". ثم رأيت ابن القيم في "جيوشه" "ص7" نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى الحديث نحو ما ذكرته. فالحمد لله على توفيقه.

66- قلت: هذه قاعدة مسلمة في علم أصول الفقه، لكن وضعها هنا لا يستقيم عندي، لأن الذي أثبت وهو ابن عباس لم يثبت ذلك عنه صراحة، ولو أثبت، فلم يرفعه إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فهو رأي له، معارض برأي عائشة النافي للرؤية، فتعارضا، فتساقطا، كما تقول الحنفية، ولو أنهم لا يحسنون حين يقولون ذلك في الأحاديث النبوية! وحينئذ يجب الرجوع إلى الأصل وهو النفي، والإثبات لا بد له من دليل خاص وهذا غير موجود، وحديث ابن عباس يأتي قريبا بيان ما فيه مما يمنع الاحتجاج به، على أن الأصل يؤيده حديث أبي ذر المتقدم. والله أعلم.

79- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:

"رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ". إِسْنَادُهُ جيد

67- قلت: نظر المصنف رحمه الله تعالى إلى ظاهر إسناده فقواه، لأنه ساقه من طريق أحمد حَدَّثَنَا أَسْوَدُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابن عباس ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لكن حماد بن سلمة مع جلالة قدره في حديثه عن غير ثابت شيء، ولذلك لم يخرج له مسلم إلا ما كان من روايته عن ثابت، ولذلك قال الحافظ في "التقريب".

"ثقة عابد، أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره. وقد خالفه هشام الدستوائي في

(1/118)

________________________________________

إسناده ومتنه فقال: عن قتادة عن أبي قلابة عن خالد اللجلاج عن عبد الله بن عباس مرفوعا بلفظ: "رأيت ربي عز وجل، فقال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى ... " الحديث، وفي رواية: "رأيت ربي في أحسن صورة ... " وهذه رؤيا منامية كما في بعض الروايات الأخرى على ما هو مشروح في كتابي "تخريج السنة لابن أبي عاصم" "388، 433، 469" فليراجع. والدستوائي أوثق من حماد في قتادة، فيبدو أنه لم يضبط إسناده، وحفظ متنه مختصرا، وإنما هو رأى ربه في المنام، وحديث معاذ بن جبل صريح في ذلك فإنه بلفظ:

"إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي، فنعست في مصلاي، حتى استثقلت فإذا أنا بربي في أحسن صورة.." الحديث. أخرجه ابن خزيمة "ص143" وغيره وسنده صحيح كما حققته في المصدر السابق "388".

ومما يؤكد أن الحديث مختصر، أن ابن أبي عاصم أخرجه في "السنة" "440" عن شيخ أحمد فيه الأسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة به زاد في آخره: "ثم ذكر كلاما".

فهذه الزيادة تصرح بأن للحديث تتمة اختصرها أحد الرواة، وغالب الظن أنه حماد، ولعله لم يحفظها، فاكتفى -أداء للأمانة العلمية- بأن يشير إليها، وهذه التتمة هي ما في الروايات الأخرى، وخصوصا حديث معاذ بن جبل، وقد صرح البيهقي بأن ما روي عن ابن عباس هو حكاية عن رؤيا رآها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام، فراجع كلامه في "الأسماء" "ص447"، وقد نقلته في "تخريج السنة" في المكان المشار إليه. والله أعلم.

80- وقال: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مرتين.

68- قلت: هذا صحيح ثابت عن ابن عباس لكن موقوفا عليه. وقد أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "التَّوْحِيدِ" "ص131" بسند صحيح عنه، ورواه مسلم أيضا من هذا الوجه لكنه بلفظ:

"رآه بقلبه". وهو رواية لابن خزيمة من طريق أخرى عن ابن عباس.

ثم أخرجه مسلم من طريق ثالث عنه بلفظ: قال:

" {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ، قال: رآه بفؤاده مرتين". ورواه ابن خزيمة أيضا مختصرا.

قلت: ولا يقال: حديث ابن عباس هذا وإن كان موقوفا، فهو في حكم المرفوع، لأنه لا يقال اجتهادا، فإني أقول: إن قوله إياه مفسرا به الآية المذكورة"، لأكبر دليل على أنه باجتهاد من عنده وليس له حكم المرفوع، لأنه قد صح خلافه في تفسيرها، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها.

(1/119)

________________________________________

"أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ". أخرجه مسلم "1/ 110". وروى نحوه عن أبي هريرة مختصرا بلفظ:

""ولقد رآه نزلة أخرى" قال: رأى جبريل".

وهذا موقوف أولى من موقوف ابن عباس لموافقته لحديث عائشة المرفوع. روى له ابن خزيمة "ص133، 134" شاهدا من حديث ابن مسعود مرفوعا، وسنده حسن.

81- وعنه قال: "ولقد رآه نزله أخرى" قَالَ: دَنَا "مِنْهُ" رَبُّهُ عَزَّ وجل "إسناده حسن". 1/ 69

69- قلت: إسناده حسن كما قال، فإنه ساقه في الأصل "ص82" عن يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سلمة عن ابن عباس. هكذا وقع في الأصول كلها، وفيها المخطوطة "ق19/ 2"، وقد سقط من الإسناد الواسطة بين يحيى ومحمد بن عمرو، وهو سعيد بن أبان الأموي والد يحيى، فإنه أخرجه ابن جرير في "تفسير" "27/ 26" حدثنا يحيى ابن سعيد الأموي قال: ثنا أبي قال: ثنا محمد بن عمرو ...

وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن عمرو وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي وهو مختلف فيه، والذي استقر عليه الرأي عند أهل العلم أنه حسن الحديث. وإليه أشار الحافظ بقوله في "التقريب".

"صدوق، له أوهام".

لكن قد اختلف عليه في إسناده فرواه الأموي عنه هكذا عن ابن عباس موقوفا. ورواه الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو قال: ثنا كثير بن حبيش عن أنس بن مالك مرفوعا: "بينما أنا مضطجع في المسجد ... " فذكر حديث الإسراء والمعراج وفيه:

"فدنا إلى ربه فتدلى". وفي رواية:

"فدنا ربك فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى" ... "الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي "التوحيد" "ص139-140" باللفظ الأول، وابن جرير "27/ 27-28" من طريق النضر وهو ابن شميل قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بن وقاص الليثي به.

وكثير بن حبيش -وقيل: خنيس- فيه ضعف، فإن كان محمد بن عمرو قد حفظه عنه

__________

1 ص7 المستدرك عن المخطوط.

(1/120)

________________________________________

فهو منكر لمخالفته للثابت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن الذي دنا إنما هو جبريل عليه السلام، كما روى ابن جرير "27/ 27" عن مسروق قال:

"قالت لعائشة: ما قوله "ثم دنا فتدلى.. الآية"؟ فقالت: إنما ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجال، وأنه أتاه في هذه المرة في صورته، فسد أفق السماء". وسنده صحيح، وهو عند مسلم بنحوه وقد مضى قريبا. وهو معارض لحديث ابن عباس هذا الموقوف إن ثبت عنه.

82- حديث أَنَسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

"إِنِّي لأَوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وآتي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ حَلَقَتَهُ، فَيَقُولُ: مَنْ هَذَا؟ فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، فَيَفْتَحُونَ لِي، فَأَدْخُلُ، فَأَجِدُ الْجَبَّارَ مستقبلي، فأسجد له".

70- قلت: ساقه المصنف في الأصل "ص83" من حَدِيثُ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عن عمرو عنه. فهذا القدر من إسناده رجاله ثقات معرفون، فإن كان الذين دونهم من الثقات أيضا ولا علة في الإسناد فهو صحيح. ولم أقف حتى الآن على إسناده في أصل من أصول المحدثين، ولكنه بمعنى حديث ثابت عن أنس المتقدم برقم "12" وقد قوى المصنف إسناده هناك، فهو شاهد جيد لهذه الطريق، وقد ذكرت له ثم شاهدا آخر من حديث ابن عباس. والله أعلم.

83- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرِاعُ، وَكَانَتْ تعجبه، فنهش مِنْهَا ثُمَّ قَالَ:

"أَنَا سَيِّدُ الناس يوم القيامة" وذكر الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ:

"فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يارب أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ في الأبواب" الحديث.

و"مما" يدل على أن الباري تبارك وتعالى عال على الأشياء فوق عرشه المجيد، غير حال في الأمكنة، قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} وقوله: "وهو العلي الكبير" وقوله: {عَالِمُ

(1/121)

________________________________________

الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} .

وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا سجدنا: "سبحان ربي الأعلى" وقال تعالى في وصف الشهداء: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وقالت امرأة فرعون: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} .

71- أخرجه أحمد "2/ 435-436" والشيخان وغيرهما.

72- قلت: تأمل هذه الكلمة، فإنها من الحق الذي حمل الجهل به الجماهير على جحد ما دلت عليه هذه الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة من علوه تعالى على عرشه، وعلى الطعن بالسلفيين المؤمنين به، زاعمين أن السلفيين بإيمانهم هذا جعلوا لله عز وجل مكانا فوق العرش، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، فهذا هو المؤلف، وهو من كبار أئمتهم يصرح بتنزيهه تعالى عن الحلول في الأمكنة كلها. وما يحمل أولئك الجماهير على ذلك إلا توهمهم، أن الإيمان بعلوه عز وجل على خلقه، يستلزم أن يكون حالا في مكان، قالوا: وهذا باطل، وما لزم منه باطل فهو باطل، وجهلوا أو تجاهلوا أن المكان أمر وجودي، وأنه ليس فوق العرش وجود حادث، وبالتالي فليس ثمة مكان إطلاقا، فالله تبارك وتعالى فوق عرشه، وليس في مكان أصلا.

ومن العجيب أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بعد بعلوه عز وجل على عرشه فرارا من الإيمان بالمكان المزعوم، قد وقعوا على أم رأسهم في الإيمان بأن الله في الأمكنة حقيقة، وذلك بقولهم: الله موجود في كل مكان. أو الله موجود في كل الوجود! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وأعجب من ذلك أن بعضهم تنبه لما في هذا القول من تشبيه الله عز وجل بمخلوقاته الحالة في الأمكنة، فأرادوا تنزيهه عن ذلك فوقعوا فيما هو شر منه ألا وهو التعطيل المطلق المستلزم نفي وجود تعالى أصلا! فقالوا:

"الله ليس فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام، ولا خلف، لا داخل العالم، ولا خارجه، لا متصلا به، ولا منفصلا عنه"!

ولقد سمعت هذا أكثر من مرة، على المنبر يوم الجمعة من بعض الخطباء الذين يظن بهم الناس العلم والصلاح! فإنا لله وإنا إليه راجعون على غربة الدين وجهل الخاصة بهم فضلا عن العامة، وإني لأحلف بالله تعالى لو قيل لأبلغ الناس وأفصحهم: صف لنا العدم، ما استطاع أن يصفه بأكثر من هذا الذي يصفون به معبودهم، ولقد أجاد من قال من أئمة السلف -ولعله الإمام ابن القيم رحمه الله-: "المشبه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما".

(1/122)

________________________________________

وهذا كله من شؤم الانحراف عن السنة، والإعراض عن اتباع السلف وأئمة الحديث. حشرنا الله تعالى في زمرتهم تحت لواء مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

84- وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لقوم فقال:

"أكل طعامكم الأبرار، وأفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة، وذكركم الله فيم عنده".

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} وقال: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"احتج آدم وموسى عند ربهما" وذكر الحديث

73- هذا حديث صحيح، لكن ليس منه الزيادة التي في آخره: "وذكركم الله فيمن عنده" ولا هو في "الصحيحين" أصلا، كما كنت نبهت عليه في كتابي "آداب الزفاف" "ص85-86 طبع المكتب الإسلامي - الثالثة" وتجد تخريجه هناك بما لا تراه في غيره، والحمد لله على توفيقه.

وأزيد هنا فأقول: إن الزيادة المذكورة، قد جاءت في حديث آخر يرويه أبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بلفظ:

"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله، ويتدراسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".

أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما، وهو مخرج في كتابي "صحيح أبي داود" "1308" فكأن المؤلف دخل عليه حديث في حديث.

74- قلت: وله طرق كثيرة جدا، ساق ابن أبي عاصم في "السنة" طائفة كبيرة منها، وعقد له فيه بابا خاصا، لكن لم يقع في أكثرها موضع الشاهد هنا، وهو قوله: "عند ربهما" انظر الحديث "156" والأحاديث "137-160" من "تخريج السنة" لي.

85- حديث أَبِي مُوسَي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ وَلَهُ أَطِيطٌ كَأَطِيطِ الرَّحْلِ" أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ".

(1/123)

________________________________________

وَلَيْسَ لِلأَطِيطِ مَدْخَلٌ فِي الصِّفَاتِ أَبَدًا، بَلْ هُوَ كَاهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدٍ، وَكَتَفَطُّرِ السَّمَاءِ يَوْمَ القيامة ونحو ذلك. ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل، ثم لفظ الأطيط لم يأت من نص ثابت.

75- قلت: وإسناده موقوف صحيح، عبد الله في "السنة" "ص71" وأبو الشيخ في العظمة "42/ 2" وأبو جعفر بن أبي شيبة أيضا في "العرش" "ق114/ 1-2" ورجاله كلهم ثقات معروفون، وأعله الكوثري المعروف بانحرافه عن أهل السنة في تعليقه على "الأسماء والصفات" "ص404" بأن في إسناده عمارة بن عمير، قال: "ذكره البخاري في "الضعفاء"".

قلت: كذا قال، وهو خطأ محض، ولست أدري إذا وقع ذلك منه سهوا، أم عمدا، فالرجل قد بلونا منه المغالطة التي تشبه الكذب، بل الكذب نفسه، كما بين ذلك العلامة اليماني في رده العظيم عليه المسمى بـ"التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"، أقول هذا لأن عمارة بن عمير تابعي ثقة اتفاقا، وقد أخرج له الشيخان في "صحيحيهما"، وقال الحافظ: "ثقة ثبت" ومثله لا يمكن أن يخفى على مثل الكوثري، وليس هو في "ضعفاء البخاري" كما زعم وإنما فيه عمارة بن جوين وهذا متروك! فغفرانك اللهم.

86- حديث أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ:

"إِنَّ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سورة البقرة أوتيتهن من تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قبلي" رواته ثقات.

87- حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة.... فإن الله أعطانيهما من تحت العرش" إسناده صالح.

76 و77- أخرجهما أحمد وغيره بإسنادين جيدين، كما بينته في "الصحيحة" "1482".

88- حديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أنظر معسراً، أو وضع عنه أظله الله تحت عرشه يوم لا ظل إلا ظله" إسناده صالح.

78- أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح، كما في "تخريج الترغيب" "2/ 37".

(1/124)

________________________________________

89- حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أول من يكسى إبراهيم قبطيتين، ثم يكسى النبي صلى الله عليه وسلم "حلة" حبرة وهو عن يمين العرش" وهذا موقوف

79- قلت: وهو صحيح الإسناد، ذكره في الأصل "ص85" من حديث سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عنه، وقد أخرجه ابن المبارك في "الزهد" "ص105-106 رقم 364 نسخة نعيم بن المبارك". وتابعه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير نا سفيان به.

أخرجه أبو يعلى في "مسند" "1/ 165-166" والبيهقي في "الأسماء" "ص395" من طريقين آخرين عن سفيان به.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وذكر الحافظ في "الفتح" "11/ 332" "أن الأثر هذا أخرجه بن المبارك في "الزهد" مختصرا موقوفا. وأخرجه أبو يعلى مطولا مرفوعا".

قلت: ولم أره في "مسند" أبي يعلى "إلا هكذا مختصرا موقوفا أيضا.

ثم أخرجه البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا نحوه.

قلت: ورجاله ثقات غير أبي قلابة الرقاشي واسمه عبد الملك بن محمد، قال الحافظ في "التقريب".

"صدوق يخطئ تغير حفظه لما سكن بغداد".

وله شاهد من حديث ابن مسعود مرفوعا نحوه.

أخرجه أحمد "1/ 398"، ورجاله ثقات رجال مسلم غير أن سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد قال الحافظ:

"صدوق له أوهام". وتابعه الصعق بن حزن عند الدارمي "2/ 325". فهذان الحديثان المرفوعان يشهدان للحديث الموقوف، ويدلان على أنه في حكم المرفوع. والله أعلم. وله عند الحاكم "4/ 568-569" شاهد آخر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وصححه هو والذهبي.

90- حديث أبي قتادة: سمعت النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

"مَنْ ترك لغريمه أو تجاوز عنه كان في ظل العرش يوم القيامة".

80- قلت: إسناده صحيح، أخرجه أحمد وغيره، وهو في "الترغيب" "2/ 37".

(1/125)

________________________________________

91- حديث عمرو البكالي عن عبد الله بن عمرو قال: "الحرام حرام إلى العرش".

81- بكسر الموحدة وتخفيق الكاف نسبة إلى بني بكال بطن من حمير، وعمرو هذا صحابي على الراجح، يكنى بأبي عثمان، وذكره العجلي وأبو زرعة الدمشقي في ثقات التابعين، والله اعلم، وروى له أحمد "1/ 399" عن ابن مسعود حديثا آخر مرفوعا.

92- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "العرش مطوق بحية والوحي ينزل في السلاسل".

82- قلت: إسناده حسن، وأشار الحافظ في ترجمة "البكالي" من "الإصابة" إلى هذا الأثر وقال:

"رويناه في "النشرانيات"".

83- قلت: إسناده صحيح، أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "33/ 1-2" حدثنا محمد ابن العباس حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ كثير بن أبي كثير عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وأبو عياض اسم عمرو بن الأسود ثم رأيته في السنة" "ص150": حدثني أبي حدثنا أبي حدثنا معاذ بن هشام به.

93- ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ سَمِعَتِ الْمَلائِكَةُ صَوْتًا كَصَوْتِ الحديد" وذكر الحديث.

84- قلت: رجاله ثقات، وأخرجه الدارمي "ص14" وعبد الله بن أحمد "ص63" من طريق أخرى عنه ورجاله موثقون، فهو عنه ثابت، ورواه أبو الشيخ في "العظمة" "28/ 1 من المبارك آخر مرفوعا نحوه.

94- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ- فيسمعه الأَحْيَاءُ وَالأَمْوَاتُ -ثُمَّ يَنْزِلُ اللَّهُ إلى السماء الدنيا" الحديث رواه ابن المبارك، ورواته ثقات:

85- قلت: أورده المصنف من رواية ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عن أبي نضرة عنه.

وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

(1/126)

________________________________________

95- حديث زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَاعٍ فَقَالَ: هَلْ من جزرة؟ فقال: ليس ها هنا رَبُّهَا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ لَهُ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ. قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: فَأَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ أَنْ أَقُولَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ وَاشْتَرَى الرَّاعِيَ وَالْغَنَمَ. فَأَعْتَقَهُ. وأعطاه الغنم.

86- أورده المصنف في الأصل من رواية أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ: حَدَّثَنِي زيد بن أسلم ...

قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْجُمَحِيُّ وهو الحاطبي صدوق كما في "التقريب".

96- حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قَالَ: "بَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ الأَرْضِ، فَخَلَقَ سَبْعَ أَرْضِينَ يَوْمَ الأَحَدِ وَالاثْنَيْنِ، وقدر فيها أقواتها يَوْمِ الثُّلاثَاءِ وَالأَرْبَعَاءِ، وَاسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَخَلَقَهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ"، وَذَكَرَ الحديث. إسناده صحيح. / 86/ 2

86/ 2- كذا قال، وقد أخرجه ابن منده في "التوحيد" "ق27/ 1": أخبرنا الحسن بن يوسف الطائفي بمصر: حدثنا إبراهيم بن مرزوق: حدثنا عثمان بن عمر بن والطرائفي اتهمه العراقي، فراجع "اللسان".

(1/127)

________________________________________

ذكر ما اتصل بنا عن التابعين في مسألة العلو

97- عن كعب الأحبار قال: قال الله عز وجل في التوراة: "أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي، أدبر أمور عبادي، لا يخفى علي شيء في السماء ولا في الأرض" رواته ثقات.

87- أورده المصنف من رواية أبي صفوان الأموي عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان: حدثنا يوسف بن يزيد عن الزهري عن ابن المسيب عنه. وهذا سند صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، إن كان السند إلى أبي صفوان صحيحا، فقد أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "39/ 2" من طريق نعيم بن حماد حدثنا أبو صفوان به. ونعيم ضعيف، لكن يبدو أنه لم ينفرد به، فقد رأيت المصنف في كتابه "الأربعين في صفات رب العالمين" "ق2/ 1" جزم بصحته عن كعب وما أراه يفعل ذلك وهو يرى تفرد نعيم به. وقال ابن القيم في "جيوشه" "ص102": "-رواه أبو الشيخ وابن بطة وغيرهما بإسناد صحيح عنه"، فهذا لعله يؤيد ما ذكرنا عن عدم التفرد.

98- عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة قال: "حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سموات". إسناده صحيح1.

99- حديث عبيد بن عمير قال: "ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى السماء الدنيا فيقول: من يسألني فأعطه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى إذا

__________

قلت: وكذا صححه ابن القيم في "الجيوش الإسلامية" "ص102" ولم يعزه أيضا لمصدر، وفيه رجل لم يسم ولكنه وصف بالثقة. والله أعلم.

(1/128)

________________________________________

كان الفجر صعد الرب عز وجل". أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الرد على الجهمية" تصنيفه.

100- حديث شريح بن عبيد أنه كان يقول: "ارتفع إليك ثغاء1 التسبيح، وصعد إليك وقار2 التقديس، سبحانك ذا الجبروت، بيدك الملك والملكوت، والمفاتيح والمقادير" إسناده صحيح

88- أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" "19/ 1" وقال ابن القيم "ص105": بإسناد صحيح.

101- حديث كَعْبٌ أَنَّ "سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ للَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَهُنَّ دَوِيٌّ حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ".

102- عن كعب أيضا قال: "إن للكلام الطيب حول العرش لدويا كدوي النحل، يذكر بصاحبه" كلاهما ثابت عن كعب الأحبار

89- أخرجهما أبو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي "العرش" "ق162/ 2" بسندين صحيحين.

103- حديث أبي قلابة قال: لما أهبط الله تعالى آدم قال: "يا آدم إني مهبط معك بيتاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي" فلم يزل كذلك حتى كان الطوفان رفع، فكانت الأنبياء تحجه، يأتونه فلا يعرفون موضعه، حتى بوأه الله تعالى لإبراهيم عليه السلام.

وهو ثابت عن أبي قلابة، وأين مثل أبي قلابة في الفضل والجلالة؟ هرب من تولية القضاء من العراق إلى الشام.

104- حديث حكيم بن جابر قال:

"أخبرت أن ربكم عز وجل لم يمس بيده إلا ثلاثة أشياء: عرش الجنة بيده،

__________

1 في القاموس: الثغاء بالضم صوت الغنم والظباء وغيرها عند الولادة والزقاء للصدى وصياح الديكة.

2 الأصل: زرقاء، والتصحيح من المخطوطة وكتاب العظمة لأبي الشيخ.

(1/129)