الأحد، 21 يناير 2024

الشرح المختصر لنظم الورقامصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازميتVC

الشرح المختصر لنظم الورقات

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -01-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -02-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -03-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -04-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -05-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -06-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -07-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -08-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -09-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -10-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -11-

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات -12-

الشرح المختصر لنظم الورقات

ـ[الشرح المختصر لنظم الورقات]ـ

المؤلف: أحمد بن عمر الحازمي

مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي

http://alhazme.net

[ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 12 درسا] _____________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ...

فالموعد المقرر فى هذه الساعة فى هذا الحين مع نظم الورقات للعمريطى, والأصل والنظم مشهوران عند طالب العلم, ويبحث هذا النظم كأصله فى علم جديد ألا هو علم أصول الفقه, وهذا العلم علم أصول الفقه وإن كان من علوم الألة إلا أنه يفتقر إليه كل طالب للعلم الشرعى, يعنى كل من أراد أن يصل إلى مراد الرب جل وعلا كتابا وسنة لابد وأن يكون قد حصل شيئا من علم أصول الفقه يحتاجه المفسر ويحتاجه الفقيه والمحدث وكل من له صلة بالكتاب والسنة إذ الأحكام الشرعية سواء كانت أحكاما فقهية أو أحكاما عقدية ونحو ذلك00 مدارها على هذا العلم لأنه يربى ويعلم كيف نستنبط الحكم الشرعى من الكتاب والسنة وهذه فائدة جليلة وتكفى طالب العلم العلم فى أن يقبل على هذا الفن بكليته من أجل أن يحصل شيئا منه ويكون من أهله، وكذلك يخرجه من حيزالتقليد إلى حيز التحررعن أن يكون قد قلد غيره, لأن أصول الفقه يجعل الناظر فى الأحكام الشرعية إبتداء أوبالنظر فى أقوال الفقهاء كيف اعتمدوا النص ووصلوا إلى هذا الحكم الشرعى0 المذهب الحنبلى أو الشافعى أوالمالكى أو الحنفى كل هؤلاء لهم أصول تختص بذلك المذهب حينئذ يقال هذا حلال هذا حرام هذا مكروه لابدأن يكون ثم طريقة وصل إليها هذا العالم أو هذا المفتى بالنظر فى الكتاب والسنة ثم أطلق هذا الحكم الشرعى 0 بواسطة هذا الفن تكون متحررا عن التقليدوتنظر فى قول كل قائل وكيف استنبط هذا الحكم الشرعى من هذا الدليل ثم قد توافق وقد تخالف0 كذلك يعينك فى فهم مآخذ أهل العلم فى الأحكام الشرعية0والفائدة الأولى هى الفائدة الجليلة التى ينبغى العناية بهاوهى أن هذا العلم هو علم بقواعد وأصول إن عرفهاالناظر حينئذاستطاع أن يتوصل للأحكام الشرعية بواسطة هذه القواعد وبدونها يكون مقلدا يكون عاميا0 وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على أن المقلد ليس من أهل العلم فى شئ , المقلد الذى يتبع غيره سواء كان من المذاهب الأربعة أوغيرها هذا ليس من أهل العلم فى شئ0 وإنما يكون متحررا إذاأخذ حظا وافرا من هذا العلم، ولذلك يفتخر به كل ناظر فيه كما قال الشوكانى رحمه الله تعالى كل من كان من أهل الأصول أو إذا كان ناظرا فى أدلة الفقه لقال قاعدة أصولية سلم لها الجميع لأن لها هيبة فى النفوس, يقول هذه قاعدة أصولية أو اتفق الأصوليون على كذا فلهم مكانة فى النفس وليس المراد كل أصولى وكل مذهب أصولى لا, وإنما المراد الأصولى الذى بنى أصوله على الكتاب والسنة0

نشرع فى هذا النظم ومسائله يأتى بحثها فيه إقرأ المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه أما بعد

قال الفقير الشرف العمريطى ... ذو العجز والتقصير والتفريط

الحمد لله الذى قد أظهرا ... علم الأصول للورى وأشهرا

على لسان الشافعى وهونا ... فهو الذى له ابتداء دونا

الحمد لله مع إحسانه ... ثم صلاة الله مع سلامه ________

هذه غلط وليست من الأصل ,على لسان الشافعى وهونا فهو الذى له ابتداءا دونا وتابعته الناس000قال أحد الطلبة نحذفها قال الشيخ نعم يحذف لأن هذه زادهاعبدالحميد قدس فى شرحه لطائف الإشارات ثم من استخرجها من الشرح وهم وجعلها من المنظومة وليست منها وإنما على لسان الشافعى ثم البيت الذى يليه وتابعته الناس وهذاواضح لأنه يتحدث عن الشافعى0على لسان الشافعى وهونا فهو الذى له إبتداء دونا وتابعته الناس كلام مستقيم لكن إذا جئت بشىء آخر ينفك هذا إذا يحذف 0

وتابعته الناس حتى صار ... كتبا صغار الحجم أو كبارا

وخير كتبه الصغار ماسمى ... بالورقات للإمام الحرمى

وقد سئلت مدة فى نظمه ... مسهلا لحفظه وفهمه

فلم أجد مما سئلت بدا ... وقد شرعت فيه مستمدا

من ربنا التوفيق للصواب ... والنفع فى الدارين بالكتاب

 

بدأ الناظم رحمه الله تعالى بالبسملة ـ وإن لم تذكر فى بعض النسخ

بسم الله الرحمن الرحيم ـ على العادة أهل العلم سواء كتبوا منثورا أو منظوما يبدأون بالبسملة وكلامهم فى البسملة شهير إنما نذكر السبب لبدئهم بهذه الكلمة العظيمة

أولا: اقتداءا بالكتاب العزيز حيث بدأ كتاب القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم

ثانيا: اقتداء وتأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم حيث كان يبدأمراسلته بالبسملة كما جاء فى صحيح البخارى بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم وهذه سنة فعلية عملية للنبى صلى الله عليه وسلم ويحتج بعضهم بالسنة القولية (كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبترأوأقطع أو أجزم) هذه كلها روايات ضعيفة لا يعتمد عليها

ثالثا: تأ سيا اواقتداء بالإجماع العملى الذى عليه المصنفون كل من صنف وألف إبتدأ بالبسملة كل من كتب وصنف إبتدأ بالبسملة

قال الفقير الشرف العمريطى ... ذ والعجز والتقصير والتفريط

(قال الفقير) قال هذا فعل ماض من جهة اللفظ وأما من جهة المعنى فهو مستقبل0 (الفقير) أى المحتاج بمعنى المحتاج إلى الله تعالى 0وفيه إقتباس من قوله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) ... (الشرف العمريطى) يقال هنا أتى بجملة الحكاية 0 اللأصل أن بقول قلت المتحدث عن نفسه يقول ضربتُ ونمتُ وأكلتُ إلى آخره000 أما أن يقول قال فلا ن وتحدث فلان وذهب فلان هذا مخالف للأصل ولكن يعدل إلى جملة الحكاية لأمرما هنا أراد أن يسمى نفسه لأنه لولم يسم نفسه لصار الكتاب مجهولأ والمجهول مرغوب عنه وكذلك من عادة أهل العلم ان يذكروا أشياء فى أوائل المصنفات ومنهاالبداءة بالبسملة كما سبق والحمد لة كما سيأتى وتسمية نفسه يسمى نفسه من أجل أن يكون هذا الكتاب مرغوبا فيه وخاصة إذا كان من أهل العلم المشهورين فإذا سمى نفسه صار له شأنا إذانقول أتى الناظم بجملة الحكايه0

قال الفقير الشرف العمريطى ترغيبا فى كتابه بتعين مؤلفه بلقبه المشهور ليكون أدعى إلى قبوله والاجتهاد فى تحصيله فيثاب مؤلفه حينئذإذ المجهول مرغوب عنه __________

الشرف العمريطى الشرف أى شرف الدين فأ ل نائبة عن المضاف إليه وهذا لقب له (العَمريطى) بفتح العين إشتهر عند البعض العِمريطى بكسر العين وهذا فيه لحن شرف الدين أل فى الشرف نائبة عن المضاف إليه واسمه يحى بن الشيخ بدر الدين موسى ابن رمضان بن عميرةالشهير بالعَمريطى 0 (العمريطى)

نسبة لبلاد عَمريط بفتح العين إذا فينسب إليها كما هى مع زيادة الياء فى أخرها وهى أى عمريط ناحية من نواحى مصر القاهرة وهو فضيه شافعى كان حسن النظم ونظم عدة متون من أشهرها هذا النظم0 كذلك التحرير عند الشافعيه توفى سنة تسع وثمانين وتسعمائة0

ذو العجزوالتقصيروالتفريط (ذو) بمعنى صاحب وهى من الأسماء الستة (العجز) عدم القدرة (والتقصير) كذلك مكمل لسابقه وهو عدم إكمال الشئ على الوجه الحسن (والتفريط) فرط يفرط تفريطا إذا أهمل ولايقال التفريط إلا فيما إذا ترك ما تعين عليه يعنى من الواجب0 وهنا فى الشطر الأول وصف نفسه بالفقيه وفى الشطر الثانى ثلاث كلمات كلها أوصاف للمصنف بأنه عاجز ومقصر ومفرط وهذا من تواضعه رحمه الله تعالى0 كما هو الشأن فى أهل العلم أنهم يحتقرون أنفسهم على الوجه الصحيح الشرعى ثم قال

والحمد لله الذى قد اظهرا ثنى بعد البسملة بالحمد لة كذلك يقال فيه إقتداء بالكتاب العزيز (الحمد لله رب العالمين) إفتتح بالحمد لة وهى أول أية فى سورة فى القرآن كذلك بالسنة القولية النبى صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الخطب ب إن الحمد لله نحمده ونستعينه وأما الحديث الوارد فى ذلك فهو ضعيف كما سبق0 كذلك سنة إتخاذها أهل العلم إمتثالا لما سبق من الكتاب والسنة (الحمد لله) الحمد هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيما يعنى لابد من الاقتران بين الوصف بالكمال مع المحبة والتعظيم فإن خلا عن المحبة والتعظيم صار مدحا لا حمدا يعنى لو وصف زيد عمراً بأوصاف كمال أنت العالم إلى آخره00000

لكنه ليس عن محبة وإنما عن مداهنة ونحوذلك لايكون حامدًا له وإنما يسمى مدحا إذا الحمد وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيما وهذا منسوب لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى خلافا للمشهورعندالكتاب فى مثل هذا الموضع بأنه الثناء على الله تعالى الى آخره (الحمدلله الذى قد أظهر) (الذى) هذا نعت للفظ الجلالة (قد) للتحقيق يعنى شىءمحقق لأنه وُجد بالفعل (وأظهرا) الألف هذه للإطلاق يعنى إطلاق الروى آخر كلمة تكون مفتوحة فيطلق اللفظ لهذه الألف (أظهرا) فعل ماض مبنى على الفتح بمعنى أوجد وأخرج والفاعل هنا ضميرمستتر يعود على الله يعنى الرب جل وعلا (علم الأصول) أظهر الله علم الأصول (علم) بالنصب على أنه مفعول به لقوله أظهروالفاعل ضمير مستتريعود على الله كما سبق (علم الأصول) أصول الحديث أو أصول الكلام أوأصول اللغة أوأو000 نقول المراد به علم أصول الفقه حينئذ تكون أل هنا للعهدالذهنى كأنه قال علم أصول الفقه فأظهر علم اصول الفقه هنا ذكر أصول الفقه فى المقدمة وهذا يسمى براعة إستهلال عندأهل البيان أن يذكرأو يأتى المتكلم فى طالعة كلامه بمايشعر بالمقصود يتحدث عن اى شئ؟ عن أصول الفقه  __________

جاء بالبسملة والحمدلة لله حينئذ يأتى بشئ يختص بالذى سيتحدث به كذلك الخطيب مثلا إذا أرادأن يتحدث عن الربا فيأتى بأية تتعلق بالرباونحو ذلك وهذا يسمى ماذا؟ يسمى براعة إستهلال بمعنى أنه استهل كلامه0إستهل بمعنى بدأ كلامه بشىء يشعر بالمقصود 0علم الأصول (للورى) أظهر للورى إيش المراد بالورى؟ يعنى الخلق كل الخلق أو بعضا من الخلق؟ ولاشك أنه الثانى لأن الذى يستفيد من هذا العلم هم العلماء والورى بمعنى الخلق هذا عام حينئذ يكون من إطلاق العام وإرادة الخاص وهذا له إستعمال فى اللغة وله إستعمال عند أهل الأصول قال الله جل وعلا (الذين قال لهم الناس إن الناس)

المتكلم واحد وهورسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق عليه وهو واحد أنه الناس ولاشك أن الناس لفظ عام يشمل كل الناس حينئذ نقول هذا من إظلاق العام وإرادة الخاص للورى أى للخلق والمراد به العلماء وأهل العلم (وأشهرا) بمعنى نشر والألف هذه للإطلاق والفاعل ضمير مستتر يعود على الرب جل وعلا وأظهرا من المظهر؟ الله0 وأشهرا0من الذى أشهرا؟ الله عز وجل (وأشهرا) يعنى أشهره على حذف الضمير وهو مفعول به0 يعنى اظهرا يقتضى مفعولا به وهو علم الأصول وكذلك اشهرا يقتضى مفعولا به وهوعلم الأصول 0

لكنه كنى عنه بالضميرثم حذفه وحذف المفعول جائز (وحذ ف فضلة أجز إن لم يضر) (وأشهرا) أى أشهر علم الأصول الفقه (على لسان الشافعى) على لسان هذا جار ومجرورمتعلق بقوله أشهروأظهر كذلك على لسان الشافعى0 إذًانقول لفظ على لسان جار ومجرورتنازع فيه عاملان أظهرعلى لسان الشافعى وأشهر على لسان الشافعى لكن نعلقه بالمتاخر وهوأشهر ونقدر للأول على المختار من مذهب الأصوليين0 (على لسان الشافعى) الشافعى الإمام الشافعى محمد بن إدريس الشافعى رحمه الله تعالى الإمام المشهور صاحب المذهب المعلوم توفى أربع بعد المائة الثانية على لسان الشافعى الشافعى بإ سكان الياء للوزن الأصل الشافعىٌ بياء النسبة لكن نقول على لسان الشافعى وهونا اسكان الياء من أجل الوزن (وهونا) الألف هذه للإطلاق بتشديد الواوبمعنى سهله هونه سهله الشافعى رحمه الله تعالى سهل هذا العلم علم أصول الفقه0 (على لسان) هل المراد به اللسان الجارحة أو القلم؟ ها

يعنى هل أول من تكلم بأصول الفقه هو الشافعى؟

أوأول من دون أصول الفقه هوالإمام الشافعى؟

الثانى حينئذ على لسان يكون مجازا مرادا به القلم القلم أحد اللسانين أحداللسانين (وهونا فهو الذى له إبتداءا دونا) فهو

الفاء هذه للتعليل فهو أى الشافعى (الذىله) الضميريعود على علم أصول الفقه 0

(ابتداء) أى فى ابتداء الأمر قبل كل أحد هو السابق ابتداء دونا الألف هذه للإطلاق والواو بالتشديد والمراد بالتدوين المراد به التأليف المراد به التأليف فهو الذى أى الشافعى (له) لعلم أصول الفقه ابتداء دونا أى دونه 0 فالشافعى هو واضع علم أصول الفقه وأول من ألف فيه بالإجماع وإن كان الأحناف يتعصبون للإمام أبى حنيفة رحمه الله تعالى بأنه واضعه أو غيره000 من دونه وهذا ليس بعلم عند أهل العلم وإنما هو الشافعى رحمه الله تعالى 0

أول من الفه فى الكتب ... محمد بن شافع المطلب

(1/4)

________________________________________

وأول من دونه هو الإمام محمد بن إدريس الشافعى فى كتابه الموسوم بالرساله التى أرسلها للإمام ابن مهدى رحمه الله تعالى فدون علم أصول الفقه على سبيل الإستقلال فأملى فيه رسالته المشهورة تكلم فيها على الأوامر والنواهى والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة والقياس وغير ذلك000 وإذا قيل بأن الشافعى هو أول من دون علم أصول الفقه لا يلزم منه نفى علم أصول الفقه عمن سبقه فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يعرف ويعلم كيفية إستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها ولذلك يذكر الأصوليون مسألة هل النبى صلى الله عليه وسلم يجتهد أولا؟

والمجتهد لا يكون مجتهدا إلا إذا أتقن هذا العلم0 حينئذ نقول على الصحيح النبى صلى الله عليه وسلم يجتهد يجتهد ولا تعارض بين هذا الحكم بأن النبى صلى الله عليه وسلم يجتهد مع قوله تعالى (إن هو إلا وحى يوحى) (وما ينطق عن الهوى إن هوإلا وحى يوحى) نقول يجتهد ويقره الرب جل وعلا فصار ماذا؟ صار شرعا لأنه قد يقال بأن النبى صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله عز وجل (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) حينئذ النبى صلى الله عليه وسلم مبلغ كيف تقول إنه يجتهد؟ نقول نعم بجتهد وينظر فى الأدلة ويستنبظ بعض الأحكام الشرعية ثم يقره الله عز وجل فإذا أقره الله تعالى حينئذ صار ماذا؟ صار شرعا منسوبا الى الشرع بل النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه فعله أقواله وتقريراته وتركه يعتبر شرعا بنفسه هو دليل كما تقول الكتاب دليل من أدلة إثبات الأحكام الشرعية كذلك النبى صلى الله عليه وسلم بجوهره بنفسه بكلامه بتروكه يعتبر دليلا شرعيا إذا قيل بأن ... الشافعى هو أول من دون علم أصول الفقه لايلزم منه أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم لايدرى هذا العلم وكذلك الصحابه كبار الصحابة فقهاء وكانوا يستنبطون ويقفون مع النوازل ويلحقون بها وبإصولها وبقواعدهاالعامة نقول هم كذلك علماء بهذا الفن طيب كيف نجمع بين الأمرين؟ نقول الأصول موجود فى طبائع أهل العلم قبل الشافعي وهو مركوز فى طبائعهم العلم موجود لكن الكلام في ماذا فى إخراجه على الورق وإثباته ولذلك الشافعى رحمه الله تعالى لم يكمل علم أصول الفقه كما هوالشأن عليه عند المتأخرين يعنى التبويب والتقسيم والتعاريف ليست فى الرسالة وإن وضع اللبنة الشافعى رحمه الله تعالى إلا أن من بعده كمل هذا العلم فهو المؤسس وضع اللبنة اللأولى ثم جاء بعد ذلك أهل العلم فبوبوا وترجموا وألفوا إلى آخرما يذكر فى التدوين0

أول من ألفه فى الكتب ... حمد بن شافع المطلبى

وغيره كان له سليقه ... مثل الذى للعرب من خليقه

عربا يعنى لسان العرب قبل أن يحكم النحاة هذا فاعل وهو مرفوع وهذا مفعول به وهو منصوب وهذا حال وهذا تميزوهذه حروف جر الى آخره هذه قواعد ما كانت موجودة عند العرب هل عدم علمهم بهذه القواعد وتدوينها يخرجهم عن كونهم أهل هذا اللسان؟ الجواب لا والحكم واحد

(1/5)

________________________________________

(وغيره) أى غير الشافعى كان له سليقة يعنى جبلة وفطرة مركوزة فى النفس بمعنى أنهم يفهمون الأدلة على وجهها الصحيح ولذلك الصحابة كانوا جامعين لهذه اللغة العربيةالتى تعتبر مفتاحاً لعلم أصول الفقه وكذلك هم علماءُ بالقواعد التى يستنبط بها الحكم الشرعى0 إذا على لسان الشافعى وهونا بمعنى سهله0

وهو أى الشافعى الذى له ابتداء دونا يعنى كتبه فى رسالته المشهورة (وتابعته الناس) كل الناس؟ المراد به أهل العلم الذين اعتنوا بعلم الأصول تابعوا الشافعى رحمه الله تعالى فى التدوين فصنفوا كتبا كثيرة ونظموا ونثروا إلى آخر ما هو موجود من تراث العلماءوتابعته الناس أى أفاضل العلماءفى التأليف فى علم أصول الفقه (حتى صار) صار ما ألفوه وكتبوه (كُتبا) أصلها كُتُب بضم التاء لكنه لغة فُعُل وفُعْل لغة لا نقول كما يقول البعض بأنه من أجل الوزن ضرورة لا إذا جاء على لغة سليمة صحيحة حينئذ نقول كتاب يجمع على كُتُب بضمتين وعلى كُتْب بضم فسكون إذا هذا لغة وهو كذلك موافق للنظم (حتى صارا) الالف هذه للإطلاق صار ماألفوه وكتبوه كتبا كثيرة التنوين هنا للتكثير (كتبا صغار الحجم او كبارا) الألف فى كبارا للإطلاق وأوهذه للتنويع إذا تنوع ما ألفه أهل العلم فى الأُصول على مرتبتين كتب كبار وكتب صغار ويمكن إدخال المتوسطة إما فى الكبار وإما فى الصغار كتبا صغار الحجم يعنى حجمها صغير أو كبارا يعنى حجمها كبير وهذه سنة0 سنة أهل العلم فى التعلم والتعليم أن الشىء مقسم الى قسمين صغير وكبير ولا يمكن أن يبدأ الصغير بالكبير يعنى قبل الصغير حينئذ يكون هذا الصغير سلما يوصل به الى إتقان الكبير فمن ولج الكبيردون إتقان الصغير فلن يصل الى البغية والمرادأليس كذلك؟ بلي يعني من بدأ بالكبار قبل الصغار هذا لا يمكن ان يتقن العلم وهذه المتون التى وضعها أهل العلم فى كل فن لا يمكن أن يصل طالب العلم إلى إتقان الكبار حتى تكون هذه الصغار من محفوظاته ومفهوماته بحيث لا يخل بها شيئا ألبته فى كل علم وهذه سنة تجد أهل العلم وهم من كبار أهل العلم يألفون مثل الجوينى الذى معنا 0الجوينى ألف هذا الكتاب الذى هو الورقات ورقات كاسمها قليلة اللألفاظ المباني كثيرة المعانى ولكنه ألف كتبا كبار جدا إعتمد عليها الشافعية وجعلوها من الكتب التى حررت مذهب الشافعى فى أصول الفقه0

هل عند تأليفه لمثل هذا الورقات كان عاجزا عن أن يبدأ كتابا مطولا ككتبه الكبار؟ لا ليس بعاجز وإنما ألفها من أجل ماذا؟

من أجل حكمة وهو أنه يضع فى مثل هذه المتون ما يكون شاملا لجمهرة المسائل التى يحتاجها طالب العلم المبتدئ 0

يعنى الورقات ـ لعلكم تعرفون الآجرومية ـ على وزان الآجرومية0

(1/6)

________________________________________

الآجرومية وضع فيها ابن آجٌروم المسائل التى يحتاجها طالب العلم من أتقن هذه المسائل وضبطها عنده جمهور مسائل النحو تعريف الكلام أقسام الكلمة ثم يذكر لك الفائل معناه وحكمه يذكر المبتدأ معناه وحكمه إن فهم هذه المسائل كلها طالب العلم حينئذ استطاع أن يصل بها الى الكبار كذلك كالمسائل الموجودة فى الورقات جمهور المسائل المبثوثة فيها والمنثورة فيها هى أكثر ما يدور على ألسنة أهل العلم وأكثر ما يحتاجه عمليا ومازاد فى الكتب المتوسطة أو المنتهية وهذا يكون زائدا على هذه وقد يحتاجها الطالب وقد لايحتاجها إذا من يضبط الورقات بضبط جيد وفهم لمسائلها ووضعها على كلام أهل العلم المعتبرين الكتاب والسنة حينئذ عنده علم جمهور مسائل هذا الفن إذا صغار الحجم أو كبار فقدم الصغار على الكبار لأنها وسيلة للوصول إلى الكبار وخير كتبه الصغار0

إذا الصغار كثيرة وليس على مرتبة واحدة بل هى مفاوتة والتفاوت هنا يرجع إلى اعتبار الكاتب نفسه بمعنى أن الذى وضعه عالم إمام فى الفن ليس كغيره من المشاركين (وخير كتبه) يعنى كتب أصول أو علم أصول الفقه خير بمعنى أحسن هو أفعل التفضيل حذفت همزته للضرورة وخير كتبه الصغاربدل من كتبه ما سمي ماسمى باسكان الياءللضرورة لأجل الوزن يعنى المسمى الذى سمى المسمى لأن ما اسم موصول وما بعده معه يكون فى قوة المشتق الحاصل وخير كتبه الصغار ما سمى يعنى المسمى بالورقات جار ومجرور متعلق بقوله سمى0 والورقات هذا جمع مؤنث سالم يعني يدل على شئ قليل جمع قلة ورقات معدودة فهى كثيرة المعانى مع كونها قليلة المبانى ألفاظها قليلة يسيرة لكنها اشتملت علي معان كبيرة جدا جليلة فكل مسألة فيها يدور عليها مئات المسائل كل مسألة فيها يذكرها فى باب الأمر مثلا يدور عليها مئات بل ألوف المسائل والأمريقتضى الوجوب ألوف المسائل كل واجب حكم عليه وهو أمردخل فى هذه القاعدة0

(بالورقات للإمام الحرمى) للإمام يعنى منسوبة للإمام الحرمى أى المنسوب للحرمين وهو أبو المعالى ضياء الدين إمام الحرمين عبد الملك بن الشيخ ابى محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الجوينى نسبةإلى جوين ناحية من نواحى نيسابور الشافعى توفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة 0

(للإمام الحرمى) يعنى إمام الحرمين وهو مشهور بهذه النسبة قال بعضهم لأنه صلى إماما فى المسجدين المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوى بالمدينة النبوية وهذا غلط وليس بصحيح بل لكونه جاور المسجد الحرام وجاور المسجد النبوى فكان يجلس للتدريس يمكثون هذه عادتهم قديما ممن لم يكن من أهل الحرمين يأتى إلى الشام فيبقى أشهرا فى المسجد الحرام فيكون إماما إنما يجاور بمعنى أنه يوقف نفسه على التعليم والتدريس والتأليف ونحو ذلك ويكون مفتى مكه آنذلك ثم يرتحل الى المدينة فيفعل بها ما بفعل بالحرم المكى حينئذ سمى إمام الحرمين وهذا لا يصح أنه أم المسلمين فى المسجدين0

(1/7)

________________________________________

(وقدسئلت مدة فى نظمه) يعنى سألنى بعض الناس (قد) هنا للتحقيق0 سئلت (مدة) يعنى برهة من الزمن طويلة (فى نظمه) أى فى نظم الورقات والنظم هو الكلام الموزون قصدا0 هذاارتكبه أهل العلم وخاصة بحر الرجز لأنه سهل الحفظ يعنى كتب أهل العلم المختصرات والمطولات إما ان تكون منثورة وإما أن تكون مظومة ولا شك أن المنثور أقعد المنظوم لأنه لا تدخله الضرورة0 لكنه لصعوبته من حيث الحفظ انتقل أهل العلم إلى التأليف فى المنظومات على بحر الرجز وهذا فى نوع مسهولة فى نظمه اى فى نظم الورقات0 (مسهلالحفظه وفهمه) يعنى نظمته حالة كونى مسهلا لحفظه وفهمه إذا نظمه من أجل فائدتين: ـ

الفائدة الأولى: ـ تتعلق بالفهم وهوإدراك المعنى0

والفائدة الثانية: ـ تتعلق باللفظ وهو حفظه لماذا؟ لأنه كما نص أهل العلم أن طالب العلم بدون حفظ ليس بشئ طالب العلم اذا لم يكن عنده فى صدره محفوظات ليس بشئ يعنى وجوده وعدمه سواء ولذلك يقولون من حفظ المتون حاز الفنون فلا بد أن يكون عنده متن مبتدئ ومتن منتهى ومتوسط بينهما0 مسهلا لحفظهاى مسهلا له بنظمه إياه0 لحفظه اللام للتعليل يعنى لأجل حفظه أى استحضاره عن ظهر قلب غيبا وفهمه وذلك بالإتيان بعبارة ليس فيها تعقيد إذا لها تين الفائد تين جعل على ذلك المنثور الذى هو الورقات الذى ألفه إمام الحرمين جعله فى قالب النظم من أجل تسهيل حفظه وهذه عادة أهل العلم إنما يعتنون بالمنظومات وتدريسها بل وتأليفها قبل ذلك وشرحها من أجل أن يجفظها والذى لا يريدان يحفظ لا يتعب بنفسه مع النظم لأن النظم فيه تقدم وفيه تأخير قد يكون فيه شئ من الركاكه من حيث المعنى والفهم0 الذى لا يستطيع أن يحفظ أى نظم فليرجع إلى المنثور فهو أيسر ولذلك قال السفارينى: ـ

وصار من عادة أهل العلم ... أن يعتنوا بسبر ذا بالنظم

لأنه يسهل للحفظ كما ... يروق للسمع ويشفى من ظما

يعنى السمع يتلذذ بسماع لماذا؟ للمنظومات خاصة إذا قرئت مع طريقة الرجز وبذلك قيل الرجز ماخوذ من الناقة الرجزاء التى تتلكلأ فى المشى حينئذ الرجز سمى رجزا لذلك والقارئ إنما يقرؤه على طريقة التفعيلات

قاللفقي رششرف لعمريطى ... ذلعجزو تتقصيروتتفريطى

(فلم أجد مما سئلت بُدا) فلم أجدمما سئلت مما سألنى به بعض الناس وهو النظم لهذا النثر الورقات بُدا يعنى فراق أى لافراق ولامنا ص من عدم الاستجابةلهؤلاء وقد يكون من طلاب العلم الذين سألواوقد يكون من أفاضل أهل العلم0 وفيه فى قوله فلم أجد مما سالت بدا فيه اشارة إلى أن الأمرقد تكررعليه وأنه لا فراق ولاخلاص من إستعافه بمطلوبه (وقد شرعت فيه مستمدا) يعنى بدأت وقد للتحقيق شرعت بمعنى إبتدأت فيه أى فى النظم حالة كونى مستمدا السين هنا للطلب مستمد اىطالبا من ربنا من ربنا هذا متعلق بقوله مستمدا والرب هوالخالق المالك المدبر من ربناالتوفيق بالنصب على أنه

مفعول به لقوله مستمدا يعنى طالبا إمداد التوفيق من ربنا وهذا مايسمى بهداية التوفيق وهى الإعانة على تحقيق العمل وهى خاصة بالرب جل وعلا بخلاف هداية الإرشاد والدلالةفانها عامة0

إذاالتوفيق مستمداالتوفيق من ربنا لأى شئ؟ لماذا؟ لأى شئ؟

(1/8)

________________________________________

(للصواب) هذا متعلق بقوله التو فيق لأنه مصدر والصواب هو موافقة الحق وضده وهو الخطأ مخالفة الحق لأنه قد يخطئ فى فهم كلام صاحب الأصل0حينئذ ينظمه على غير وجهه (والنفع) مستمداً التوفيق والنفع إستمد أمرين الأول: ـ التوفيق وهو هداية التوفيق للصواب0 والثانى: ـ طالبا إمداد النفع أى الخير وهوما يتوصل به إلى مطلوب الإنسان سواءكان فى الدنيا أو فى الأخرة ولذلك قال (فى الدارين) يعنى دار الدنيا ودارالأخرة (بالكتاب) الباء سببيه يعنىبلسبب هذا الكتاب ومراده به النظم ليس الورقات0 الورقات ليست من صنعه وإنما الذى يعتبر من صنعه هو هذا النظم ثم قال رحمه الله تعالى:

 

باب أصول الفقه

هاك أصول الفقه لفظا لقبا ... للفن من جزئين فد تركبا

الأول الأ صول ثم الثانى ... الفقه والجزآن مفردان

فالأصل ما عليه غيره بنى ... والفرع ما على سواه يبنى

والفقه علم كل حكم شرعى ... جاء اجتهادادون حكم قطعى

والحكم واجب مندوب وما ... أبيح والمكروه مع ما حُرَّما

مع ما حَرَُمَا مع ما حَرُمَا بالتخفيف مع ضم الراء على وزن فَعُل

والحكم واجب ومندوب وما ... أبيح والمكروه مع ما حَرُما

مع الصحيح مطلقا والفاسد ... من قاعد هذان أو من عابد

حسبك قال رحمه الله تعالى

(1/9)

________________________________________

(باب أصول الفقه) هذا شروع من الناظم ذكر بابا ويذكر بعده أبواب وفصول وهذه من عادة أهل العلم كما أنهم يسروا العلم بنظمه كذلك يسروه بتبويبه لأنهم يكتبون ثم يبوبون ثم يفصلون يذكرون كتابا كتاب الطهارة ثم باب الاستنجاء مثلا ثم قديذكر فصولاتحت ذلك الباب وهذا من تيسير العلم لأن طالب العلم إذا قطع بابا نشط لما بعده فينشط إذا إنتهى من كتاب الطهارة نشط لكتاب الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم إلى آخره000باب أصول الفقه أى هذاباب بيان حقيقة أصول الفقه باب أصول الفقه أى هذاباب أو بابُ بيان حقيقة أصول الفقه أوفى بيان حقيقة هذا الفن المسمى بهذا اللقب لأن أصول الفقه هذ القب وهو فى الأصل كما سيأتى منقول من المركب الإضافى أصول وفقه وهذايشعربماذا؟ يشعر بأهمية هذا العلم لأن علم الفقه الكل يعرفه بأنه علم جليل علم الحلال والحرام سماه بعض الفقهاء بعلم الحلال والحرام حينئذ علم الحلال والحرام هذا علم شريف فإذا قيل بأنه فرع لأصول الفقه دل على ماذا؟ على مكانة وهوهذا العلم وهو أصول الفقه إذ فيه إشعار بكون علم الحلال والحرام مبنيا على هذا العلم الجليل (باب أصول الفقه) أى هذا باب فى بيان الفن المسمى بهذا اللقب المشعر بمدحه بإبتناء الفقه عليه أصول الفقه له معنيان معنى باعتبار كونه مركبا إضافيا أصول الفقه كما نقول غلام زيد غلام زيد هذا مركب إضافى فى وهو كل اسمين نزل ثانيهما من الاول منزلة التنوين مماقبله غلام زيد مضاف ومضاف إليه كذلك نقول أصول التفسير مضاف ومضاف إليه أصول الحديث مضاف ومضاف إليه أصول الفقه مضاف ومضاف إليه قبل جعله علم بالنظر إلى هذا التركيب له معنى ثم نقله الأصوليون فجعلوه لقبا لذلك العلم المستقل الفرق بينهما من حيث اللفظ أن الأول: ـ مركب إضافى مثل غلام زيد والثانى: ـ مفرد الذى جعل علم ولقبا للفن هذا مفرد أصول الفقه قديكون مفرد متى؟ إذا جعلناه علما لذلك الفن وسيأتى فى آخر الباب حده بهذا المعنى أماأصول الفقه معنى بالنظر0000وأمابإعتباركونه مضافا ومضافا إليه فهوالذى قدمه الناظم إذاقوله (هاك أصول الفقه لفظا لقبا للفن من جزئين قد تركبا) الأول أراد ماذا؟ أن نعرف لك أصول الفقه بإعتبار معناه الإضافى ومرادهم بهذا أنه قبل أن يجعل علما فيكون مفردا (هاك) خذ ها اسم فعل أمر والكاف حرف خطاب إذاهاك بمعنى خذ أصول الفقه يعنى لفظ أصول الفقه لأنه قال ماذا؟ هاك أصول الفقه لفظا إيش إعراب لفظا؟ تمييز مثل (وفجرنا الأرض عيونا) اصلها فجرنا عيون الارض هنا الأصل هاك لفظ أصول الفقه حذف المفعول به ثم جئ به منصوبا على التمييز إذا (أصول) هذا مفعول به (ولفظا) هذا تمييز (لقبا) حال كونه علما للفن يعنى على الفن اللام هنا بمعنى على ثم قال (من جزأين قد تركبا) من جزأين (المرادبالجزأين هنا المضاف والمضاف إليه00000000 ... (قد تركبا) الألف هذه فاعل تعود على الجزأين، قد تركبا يعنى ااجزأين والمراد بالجزأين هنا المضاف والمضاف إليه، إذا من جزأين يعنى من مضاف ومضاف إليه (قد) للتحقيق (تركبا) الأول يعنى الجزء الأول الأصول يعنى لفظ الأصول ثم الثانى يعنى ثم الجزء الثانى الفقه أىلفظ الفقه هنا أراد أن يعرف لنا لما ذكر الجزأين جزء أصول

(1/10)

________________________________________

والجزء الثانى الفقه عرفنا أنه يرد ماذا؟ يريد أن يعرف أصول الفقه باعتبار معناه الإضافى يعنى قبل نقله إلى العلمية واضح الكلام هذا أو لا؟ إذاقبل جعله علما هو مركب تركيبا إضافيا مثل غلام زيد أصول الفقه، لايمكن أن نصل إلى المراد بأصول الفقه إلا إذا عرفنا مالمراد بالأصول؟ وماالمراد بلفظ الفقه؟ ثم بعد ذلك نأذ الحكم العام الذى هو الحد، وأما قبل معرفة معنى كلمة أصول ومعنى كلمة فقه لايمكن الوصول إلى المعنى الإضافى0 (الأول) أىلجزء الأول (الأصول) يعنى لفظ الأصول الذى هو الضاف (ثم الثانى) ثم الجزء الثانى (الفقه) يعنى لفظ الفقه والجزآن مفرادان يعنى نشأ من اللفظ الأول الأصول واللفظ الثانى الفقه نشأ ماذا؟ نشأالمركبالإضافى وهو أصول الفقه ثم قال (والجزآن مفردان) والجزآن الذى هو أصول والجزء الثانى مفردان يعنى كل منهما مفرد مفرد باعتبار ماذا؟ باعتبار كونه مقابلا للمركب عندانا مركب زيد لوحده مفرد أليس كذلك؟ بلى 0غلام زيد مركب وغلام لوحده هذا مفرد مقابل التركيب 0الإفراد زيد وزيدان وزيدون 0زيد هذا مفرد ويقابله المثنى والجمع، وليس هو المراد هنا لماذا؟ لأن اللفظ المضاف لفظ اصول وهذا جمع أو مفرد؟ جمع أو مفرد؟ جمع إذاقيل مفرد بمقابلة الجمع حينئذ يفسر المفرد هنا بما قابل التثنية والجمع فزيد واحد هذا مفرد زيدان مثنى 0أصول هذا جمع وأصل هذا مفرد طيب أصول الفقه باعتبار كونه مركبا هذا يسمى مركبا أصول لوحده هذا مفرد قابل التركيب, إذا الخلاصة المفرد قد يقابل المثنى والجمع, وليس هو المراد هنا والمفرد قد يقابل المركب فالذى لم يركب يسمى مفردا سواء كان فى نفسه مفردا وواحدا أومثنى أوجمعا ,إذا قوله والجزآن أى لفظ أصول ولفظ الفقه مفردان من الإفراد المقابل للتركيب وليس من الإفراد المقابل للتثنية والجمع ثم شرع فى بيان حقيقتة كل من اللفظين الجزء الأول والجزء الثانى ما هو الجزء الأول؟ أصول أصول جمع أصل والأصل له معنى لغوى ومعنى اصطلاحى وكذلك الفقه الجزء الثا نى له معنى لغوى وله معنى اصطلاحي سيعرف لنا كل واحد من هذين النوعين فالأصل الفاء هذه تسمى فاء الفصيحة ... فالأصل ما عليه غيره بنى , لما أرادأ ن يعرف لفظ أصول عدل عن الجمع فأتى بالمفرد لأن التعريف إنما يكون للمفرد والجمع لكون (ال) على فالأ صل الذى هو مفرد الجزء الأول المضاف فى اللغه ما عليه غيره بنى مابنى عليه غيره كل شئ بنى عليه غيره ذلك الغيريسمى أصلا كأصل الجدار أى أساسه, أصل الجدار الأساس الذى يبنى أولا ثم يرفع بعد ذلك الجدار أيهما أصل وأيهما فرع؟ الأساس أصل والجدار يعتبر فرعا لماذا؟ لأن هذا الجداربنى على الأساس والأساس يسمى أصل وكل مابنى عليه غيره فهو أصل له ... كأصل الجدار أى أساسه وأصل الشجرة أى طرفها الثابت فى الأرض ولذلك جاء (أصلها ثابت وفرعها فى السماء) اليس كذلك؟ بلى أصلها ثابت فى الأرض وفرعها فى السماء, فالأصل ماعليه غيره بنى هذا معنى الأصل فى اللغة, وقوله ماهذا يشمل الشىء الحسى والشئ المعنوى لأننا عندنا فقه وعندنا أصل يبنى عليه ذلك الفقه, ليس عندنا هنا شئ حسى الجدار مع أساسه شئ يدرك بالحس ,وأما المدلول على دليله نقول هذا شئ معنوى حينئذ

(1/11)

________________________________________

نقول الصلاة واجبة هذا حكم شرعى فقهى أليس كذلك؟ بلى الصلاة واجبة لقوله (وأقيموا الصلاة) عندنا فرع وعندنا أصل ,ما هو الفرع؟ وجوب الصلاة, ما هو الأصل؟ (أقيموا الصلاة) إذا ابتنى هذا الفرع على ذلك الأصل هل هذا حسى أو معنوى؟ هذا معنوى0إذا قوله (ما) هذا يشمل الحسى والمعنوى أى العقلى ,والأصل فى اصطلاح العلماء عرفنا مراده هنا الأصل فى اللغة هو ما يبنى عليه غيره ,وأما فى استعمال الفقهاء والأصوليين يطلق على معان أربعة: ـ

الأول الدليل كقولهم الأصل فى هذه المألة قول الله تعالى أو الكتاب أوالسنة أوالإجماع أوالقياس هذا كثير تجده فى الكتب التى اعتنت بذكر الأقوال بأدلتها, فالأصل فى هذه المسألة الربا محرم والأصل فيه قوله جل وعلا (أحل الله البيع وحرم الربا) إذا دليله فأطلق الأصل مرادا به الدليل إذا الأطلاق الأول فى لفظ الأصول فى الاستعمال أو فى الإصطلاح يطلق ويراد به الدليل كقولهم الأصل فى هذه المسألة الكتاب والسنة000او الدليل ومنه أصول الفقه أدلته إذا عرفنا بأن الأصل المراد به فى الاالدليل صار أصول بمعنى أدلة أصول الفقه حينئذ باعتبار معناه الإضافى أدلة الفقه وهذا الذى يراد به هنا 0

ثانيا الإصطلاح الثانى بمعنى الرجحان كقولهمالأصل فى الكلام الحقيقة لاالمجاز لأن اللفظ يحتمل أنه حقيقةويحتمل أنه مجار, إذا تردد الأمر جعلناه على الأصل وهو الحقيقة

ثالثا: ـالقاعدة المستمرة نحو إباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل ما هو الأًصل؟ حرمةالميتة فنقول إباحة الميتةعلى خلآف الأصل لكنه للمضطر لامطلقا0

الرابع: ـ الإطلاق الرابع الصورة المقيس عليها وهذا يأتينا فى باب القياس , إذا أربع إصطلاحات للإصولين والفقهاء فى كلمة أصل ماالمراد بالأصل؟ إما الدليل ,وإما الرجحان ,وإما القاعدة المستمرة , وإما المقيس عليه ,والذى يتعلق به البحث معنا هو الأول , الأصل بمعنى الدليل , حينئذ أصول الفقه المراد به أدلة الفقه 0

فالأصل ما عليه غيره بنى ... والفرع ما على سواه ينبنى

يعنى الفرع مقابل الأصل ,عندنا أصل وعندنا فرع ,نحن نعرف الجزء الأول المضاف وهو الأصل وجمعه أصول , ما الذى أتى بكلمة الفرع؟ أما قلنا التعريف هنا تعريف بالمركب الإضافى أصول وفقه , أصول جمع أصل وعرفنا الأصل فى اللغة وفى الإصطلاح ,الأصل ان ننتقل إلى الفقه الذى هو الجزء الثانى لماذا جاء بالفرع هنا؟ قيل استطرادا لأنه لم ذكر الأصل يتبادر إلى الذهن ماذا؟ الفرع , فزيادة إيضاح معنى الأصل يعرف بحقيقة الفرع 0 (وبضدها تتبين الأشياء) فإذا عرف الأصل عرف فرعه فحينئذ تمم المعنى فلزيادة الإيضاح ذكرمعنى الفرع (والفرع ماعلى سواه ينبنى) يعنى ماينبنى على سواه كالجدار بالنسبة للأساس ,وفروع الشجرة بالنسبة لأصلها ,وفروع المسائل الفقهية بالنسبة للأدلة يسمى فرعا كما ذكرنا فيما يتعلق بالمسألة السابقة ,وجوب الصلاة ,وجوب الصوم نقول هذا فرع يترتب على أى شىء؟ ينبنى على أى شىء؟ على أصله وهو الدليل 0

(والفرع ما) ما يعنى شىء محسوس أو معقول ليعم لأن الفروع فروع الفقه مبنية على أصولها وهذه ليست بأشياء محسوسة ,وإنما هى شىء مدرك بالعقل أمور معقولة أو معنوية 0

(1/12)

________________________________________

(ماعلى سواه ينبنى) يعنى ماينبنى على سواه كفروع الشجرة لأُصولهاوفروع الفقه لأصوله إذا عرفنا معنى الأصل لغة واصطلاحا أما فى اللغة فهو ما يبنى عليه غيره وأما فى الاصطلاح فله أربعة إطلاقات المراد منها ويفيدنا هو المعنى الأول وهو الدليل 0 وعليه نعرف المعنى الإضافى لكلمة أصول الفقه وهوأدلة الفقه ثم إنتقل إلى الجزء الثانى وهو المضاف إليه وهو لكلمة فقه ولها معنيان معنى لغوى ومعنى اصطلاحى أما المعنى اللغوى فالفقه فى اللغة الفهم الفهم مطلقا سواء كان فهمالما ظهر أولما خفى وبعضهم قيد الفهم هنا لما دق يعنى الأشياء الخفية التى لا تفهم بمجرد إطلاق اللفظ لكن هذا ليس بسديد, الصواب أن الفقه فى اللغة هو الفهم مطلقا سواء لما ظهرأولما خفى ودق, بل قيده إسحاق الشيرازى بالثانى ,لأنه يقال فقهت كلامك ,ولا يقال فقهت السماء والأرض ,إذاالفقه فى اللغة الفهم, ومنه قوله تعالى (قالوا ياشعيب مانفقه كثيرا مماتقول) مانفقه يعنى مانفهم ومايقوله شعيب أكثرمايقوله ماهو؟ التوحيد أحسنت والتوحيد من أوضح الواضحات, ومن أحكم المحكمات, هو التوحيد وكذلك (يفقه قولى) (وإن من شيىء إلا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون) إذا لا تفقهون إذاالفقه فى اللغة هو الفهم وأما فى الاصطلاح فعرفه المصنف هنا بقوله: ـ

علم كل حكم شرعى ... جاء اجتهادا دون حكم قطعى

والفقه علم كل حكم شرعى ,صاحب الورقات قال معرفة والمصنف هنا عدل عنها فقال علم وهل ثم فرق بين العلم والمعرفة؟ كلام طويل ,والأصح عند أهل اللغة أن العلم والمعرفة مترادفان بمعنى واحد ,والمراد بالعلم هو الإدراك مطلق الإدراك يعنى فهم الكلام, فهم الكلام يسمى علما ويسمى معرفة ,حينئذ فى اللغة وهو إستعمال أكثر أهل اللغة أن العلم والمعرفة مترادفان كل منهما يفسر بالآخر0

وسيأتى فى تعريف الناظم هنا

(1/13)

________________________________________

(وعلمنا معرفة المعلوم) حينئذ يفسر العلم بالمعرفة إذا والفقه علم ,عبر بالعلم وخالف صاحب الأصل وهو الجوينى رحمه الله تعالى فى الورقات حيث قال: ـ (معرفة الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد) وهنا قال علم (علم كل حكم شرعى) هناك قال الأحكام الشرعية وحذف أل وجاء بدلها بكل فيدل حيينئذ أن المرادبالأحكام الشرعية كلهاـ بمعنى أن الشخص لا يكون فقيها إلا إذا كان عنده علم وتصديق جازم بماذا؟ بجميع الأحكام الشرعية ـ والمراد بالأحكام جمع حكم وهذا الذى سيعرفه فيما سيأتى ,والحكم واجب إلى آخره سبعة أحكام على رأى صاحب الأصل 0 (والشرعية) المنسوبة إلى الشرع والمراد به الكتاب والسنة حينئذ الأحكام الشرعية ,نقول أى الأحكام الصادرة عن الكتاب والسنة ,لأنه لاحكم إلا لله تعالى كما سيأتى (علم كل حكم شرعى) قلنا لايسمى الفقيه فقيها إلا إذا كان عنده علم بجميع الأحكام الشرعية, لكن مرادهم بهذا لأن المسالة هنا مجرد إصطلاح مرادهم أن يكون عنده ملكة بحيث لو أراد أن يصل إلى الحكم الشرعى ولم يكن موجودا عنده لاستطاع أن يأتى به وهذا من أجل ماذا؟ لأنه وجد فى كلام الأئمة الكبار ومن أبرزهم الأئمة الأربعة أنهم سئاوا عن أشياء أحكام شرعية فى المسائل قالوا لاندرى الله أعلم , الإمام مالك سئل عن أربعين مسألة قيل ثمان وأربعين ,قال فى إثنين وثلاثين لاأدرى, والإمام أحمد ما أكثر مايقول لا أدرى 0إذا قلنا علم كل حكم شرعى هل هؤلاء فقهاء؟ ليسوا بفقهاء لأنه لا يدرى بعض المسائل لكن المراد هنا (كل حكم شرعى) الصلاحية حينئذ بعض المسائل بل أكثر المسائل تكون موجودة عنده, لو سألته ما حكم كذا؟ قال كذا وكذا وبعض المسائل تسأله يقول لا أدرى ,لكنه يستطيع أن يذهب وينظر فى أدلة الكتاب والسنة ويبحث ويأتيك بالجواب 0

الأول: ـ يعبر عنه بأنه فقيه بالفعل 0

والثانى: ـ يعبر عنه بأنه فقيه بالقوة 0

كيف بالقوة؟ يعنى عنده ملكة, بواسطة هذه الملكة يستطيع ويقتدر أن يبحث فى الأدلة الشرعية, فيصل إلى الحكم الصحيح ,ولذلك ما نقل عن الأئمة الأربعة أنهم قالوا لاندرى, لو بحثوا ونظروا وتأنوا حينئذ وجدوا الجواب0 إذا قوله (كل حكم شرعى) على بابه يعنى لايكون الفقيه فقيها إلا من علم جميع الأحكام الشرعية لكن بالمرتبتين بالفعل كأن تكون جاهزة عنده يسأل عن مسألة ما حكم قراءة الفاتحة فى الصلاة؟ يقول ركن جاهز الجواب, ما حكم كذا وكذا؟ لا أدرى يعنى الآن, وأبحث وآتيك بالجواب ,الأول يعبر عنه بأنه عالم بالفعل ,فقيه بالفعل ,والثانى يعبر عنه بأنه فقيه بالقوة ,واضح الكلام 0

(1/14)

________________________________________

(والفقه علم كل حكم شرعى) قيدالحكم هنا الحكم بكونه شرعيا, وهذا احتراز عن الحكم العقلى والحكم الاصطلاحى والحكم العادى أو العرفى, حكم عقلى الكل أكبر من الجزء أليس كذلك؟ بلى أيهما أكبر الكل أم الجزء؟ أيهما أكبر؟ الكل أكبر من الجزء هذا حكم عقلى, النار محرقة حكم حسى, الفاعل منصوب الفاعل منصوب أو مرفوع؟ الفاعل مرفوع هذا حكم اصطلاحى، إذا (حكم شرعى) احترز هنا بهذاالقيد وهو كون هذه الأحكام شرعية احترز بها عن الأحكام العقلية وعن الأحكام الاصطلاحية وعن الأحكام الحسية أو عن الأحكام العرفية, فكل حكم ليس مصدره الشرع, فليس داخلا فى مسمى الفقه (جاء اجتهادا) يعنى جاء ثبوته وظهوره بالاجتهاد والاجتهاد بذل الوسع فى بلوغ الغرض هذا المراد, وسيأتى فصل كامل فى الاجتهاد, قوله (جاء اجتهادا) يعنى جاء العلم بالاجتهاد لأن الأحكام الشرعية كما هو معلوم نوعان حكم شرعى قطعى يعنى ليس مداره على البحث والاجتهادكوجوب الصلاة هل يأتى طالب علم يريد أن يبحث مسألة الصلوات الخمس الصلوات واجبة أو ليست بواجبة؟ تفكر هل يبحث طالب علم فى هذا؟ لوقال طالب علم أريد أن أفرد بحث هل الفجر واجبة أو ليست بواجبة؟ هل يقبل منه؟ لايقبل منه , لماذا؟ لأن هذا الحكم قطعى مجمع يعنى مقطوع به ,لايحتمل النقيض البتة ,وليس محلا للبحث والاجتهاد ,كذلك حرمة الربا وحرمةالزنا ووجوب بر الوالدين وتحريم قطع الصلة ونحو ذلك هذه أحكام قطعية ـ بمعنى أنه ليس طريقها الاجتهاد, وليس ثم خلاف فيها, بل إجماع والإجماع معلوم يعلمه الخاص والعامى, يعنى علمه مشترك بين العامى وبين العالم وهذا ما يعبر عنه بالقطعيات ,فوجوب الصلوات وحرمة الزنا ليس خاصا بالعلماء هذا مشترك قدر مشترك يعلمه العامى كما أنه يعلمه العالم , هنا قيد المصنف رخمه الله تعالى بقوله جاء اجتهادا أى هذه الأحكام الشرعية لاتسمى فقهاإلا إذا كان طريقها الاجتهاد والنظر والبحث ,حينئذ الأحكام الشرعية التى ليس طريقها النظر والبحث والاجتهاد ليست بفقه ولاتسمى فقها ,فكل ما اشترك فى علمه العامى والخاص لايسمى فقها عند الناظم كصاحب الأصل ,ولذلك يقيد العلم عندهم بالشىء المكتسب , كما فى حد السبكى صاحب جمع الجوامع (الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العمليةالمكتسب إحترازا من غير المكتسب من أدلتها التفصيلية0وهل هذا مسلم للناظم رحمه الله تعالى أولا؟ نقول الصواب أن الفقه يعم النوعين ,ما كان معلوما من الدين بالضرورة, أوما عبرعنه بالقطعى وما كان طريقه الاجتهاد لأن العلم أو الوصف بالقطع والاجتهاد أو الظن هذا وصف نسبى يعنى يختلف من زمن إلى زمن ويختلف من شخص إلى شخص إذا الحاصل أن المصنف هنا رحمه الله تعالى عرف الفقه بأنه علم كل حكم شرعى جاء اجتهادا, إحترازا عن القطعى ولذلك قال دون حكم قطعى مما يشترك فى معرفتها الخاص والعام فلا يسمى فقها والصحيح أن يسمى فقها كل حكم شرعى سواء علمه الخاص والعامى أو إنفرد به الخاص فهو فقه, والتقسيم الموجود هذا عند الفقهاء أو عند بعضهم بين الذى طريقه الاجتهاد فهو الفقه, وما ليس طريقه الاجتهاد فليس بفقه, هذا مجرد اصطلاح, والفقيه هو الفقيه الذى كان فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وفى

(1/15)

________________________________________

زمن الصحابة رضى الله تعالى عنهم وهذا التفريق يعتبر حادثا 0

والفقه علم كل حكم شرعى ... جاء اجتهادا دون حكم قطعى

إذا عرف لنا الأصل وعرف لنا الفقه, وكل منهما له معنى لغوى ومعنى اصطلاحى, ثم انتقل إلى معرفة الحكم لأنه قال علم كل حكم شرعى ,فما هو الحكم؟ وما هى أقسامه؟ أراد أن يبين لنا فيما سيأتى من البحث وهو بحث مرتب بعضه على بعض ,المراد بقوله (كل حكم شرعى) قال: ـ

والحكم واجب ومندوب وما ... أبيح والمكروه مع ما حرما

مع الصحيح مطلقا والفاسد ... من قاعد فى بعض النسخ من عاقد

وهو أحسن نعم 0

تعرض الناظم للحكم لأنه ذكره فى ماذا؟ ذكره فى حد الفقه ,والفقه علم كل حكم شرعى ,ثم أراد أن يبين لنا حقيقة هذا الحكم ,هو بدأ بتقسيمه ,والصواب أن يحد أولا ثم بعد ذلك يذكر شيئا من أقسامه,

الحكم فى اللغة المنع ومنه قيل للقضاء حكم ,لأنه يمنع من غير المقضى , والحكم هو القضاء ,إذا الحكم فى اللغة المنع ومنه قول جرير: ـ

أبنى حنيفة احكموا سفهاءكم ... إنى أخاف عليكم أن أغضبا

احكموا سفهاءكم يعنى امنعوهم إذا الحكم بعنى المنع ,وأمافى اصطلاح الأصولين فيقال الحكم هو خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف به 0هذا ثلاثة قيود: ـ

أولا: خطاب الله يعنى كلام الله فلا حكم إلا ومصدره كلام الله تعالى

حينئذ أين نضع حكم النبى صلى الله عليه وسلم؟ كما قلنا فى السابق

ماحكم به النبى صلى الله عليه وسلم هوما حكم به الرب جل وعلا

(وما آتاكم الرسول فخذوه) (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله)

إذا ليس فيه إخراج لحكم النبى صلى الله عليه وسلم ,لأن الأحكام الشرعية الحلال والحرام منه ماهو مأخوذ من الكتاب فقط وليس فى السنة ذكر له ,ومنه ما هوموجود فى السنة وليس له ذكر فى الكتاب, ومنه ما هو مشترك يعنى نص عليه فى الكتاب القرآن, ونص عليه كذلك فى السنة, حينئذ ماجاء منصوصا عليه فى الكتاب والسنة واضح بين أن خطاب الله دخل فيه خطاب النبى صلى الله عليه وسلم , ولكن ما اختص به بيان السنة ولم يرد ذكره فى الكتاب ,فإذا قيل الحكم هو خطاب الله نقول وكل ما حكم به النبى صلى الله عليه وسلم ,فهو من حكم الله تعالى لأن النبى صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله وهو مأمور بالتبليغ ,كما ذكرنا فى الأية السابقة (ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) فإذا اجتهد النبى وأقره الرب جل وعلا ,حينئذ يكون منسوبا للرب إذا القيد الأول فى هذا الحكم هوقوله خطاب الله والمراد به كلامه ذو اللفظ والمعنى ,بمعنى أن كلام الله الذى هو القرآن لفظا ومعنى هوالذى يسمى بالخطاب ,والتشريع لايكون إلا من عنده جل وعلا 0

(1/16)

________________________________________

الثانى: ـ القيد الثانى قوله (متعلق بفعل المكلف) والمراد بفعل المكلف ما المراد بفعل المكلف؟ الاعتقاد والقول والفعل هو الذى يتعلق به الحكم الشرعى ,لأن الإنسان يفعل يعتقد شيئا فيقال له هذه العقيدة صحيحة أو فاسدة ,إذا تعلق بها حكم شرعى, هذا حلال وهذا حرام ,كذلك يقول قولا فيقال هذا مأمور به وهذا منهى عنه ,كذلك يفعل بجوارحه أفعالا فيقال هذا مأمور وهذا منهى عنه ,إذا الإنسان من حيث هو الإنسان سواءا اعتقد أو قال قولا أوفعل فعلا وهذه المحل الثلاثة هى متعلق حكم الله جل وعلا ,فيأتى خطاب الله تعالى مبينا هذا الاعتقاد مطلوب إيجاده على جهة الإيجاب مثلا أو على جهة الاستحباب, وهذا الاعتقادمطلوب تركه, إما على جهة التحريم أو على جهة الكراهة, إذا المراد بفعل المكلف القول والاعتقاد والعمل 0

ومن هو المكلف هو البالغ العاقل الذاكر غير المكره, وخرج بهذا القيد خطاب الله المتعلق بفعل المكلف0

هل كل كلام الله تعالى فى القرآن متعلق بفعل المكلف تحليلا وتحريما أو شىء متعلق بذات الرب جل وعلا بأسمائه وصفاته وشىء متعلق بالجمادات وشىء متعلق بفعل المكلف؟ هذه الأنواع كلها موجودة فى القرآن (الله لاإله إلا هوالحى القيوم) هذا متعلق بذاته وبأسمائه وبصفاته وبأفعاله وليست متعلقة بفعل المكلف, لأن المراد هنا بالحكم الشرعى كما نص الشرع 0

الحكم واجب ومندوب وما ... أبيح والمكروه مع ما حرما

إذا لابد من إفعل ولاتفعل وقوله تعالى (الله لاإله إلاهوالحىلقيوم) هذامتعلق بذاته حينئذ خرج بقوله المتعلق بفعل المكلف, وخرج بهذا القيد ماتعلق بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله والجمادات (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة) هذا متعلق بالجمادات وليس متعلقا بفعل المكلف ,كذلك إذا تعلق بفعل الإنسان لا على جهة طلب الفعل أوالترك (يعلمون ما تفعلون) تعلق بفعل المكلف لكن من جهة ماذا؟ من جهة الإخبار بأن الحفظة يعلمون فعل المكلف لكن ليس فيه إفعل ولاتفعل ,والمراد بالحكم الشرعى هنا ما فيه إفعل لمرتبتين الواجب والمندوب, ولاتفعل لمرتبتين المحرم والمكروه 0

الثالث: ـ (من حيث إنه مكلف) خرج به ما تعلق بفعل المكلف لامن حيث إنه مكلف به يعنى من حيث المطالبة بإيجاده أو تركه نحو

((يعلمون ما تفعلون)) هذا هو الحكم فى اصطلاح الأصوليين

خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف, فدخل هنا فى قوله من حيث إنه مكلف ,يعنى مطالب بالفعل إيجادا أو تركا ,دخلت فيه الأحكام الخمسة ولذلك بعضهم يعبر هنا بالاقتضاء أو الوضع أو التخيير ,والاقتضاء المراد به الطلب لأن خطاب الله إذا تعلق بفعل المكلف إما أن يتعلق به على جهة الاقتضاء يعنى طلب الفعل أوطلب الترك أو التسوية بين الأمرين , وهذه ثلاثة أنواع من جهة الإجمال: ـ طلب الفعل ,وطلب الترك ,والتخيير بين الأمرين 0

الشريعة كلها متعلقة بفعل المكلف لاتخرج عن هذه القسمة الثلاثية,

(1/17)

________________________________________

طلب الفعل بمعنى إيجاد الشىء ,وهذا يدخل فيه القول والعمل بالجوارح ,هذا طلب الفعل ثم هذا النوع على مرتبتين لأنه إما أن يقتضى طلبا على جهة الجزم بحيث لايسوغ للعبد أن يترك هذا الفعل ولو تركه لرتب عليه العقوبة وهذا يسمى ماذا؟ يسمى واجبا ,هذا النوع الأول طلب فعل على جهة الإلزام ويكون الطلب جازما هذا يسمى واجبا ,طلب فعل لا على جهة الجزم خير وأعطى المكلف الخيرة فى الترك هذا يسمى ماذا؟ ندبا ,إذا الواجب والمندوب يشتركان فى ماذا؟ فى أن كل منهما مطلوب فعله وإيجاده إلا أن الواجب يختلف عن المندوب مع هذا الإشتراك أنه لايجوز له الترك فلو تركه لترتبت عليه العقوبة ,وأما المندوب يجوز تركه مع الإثم أولا؟ لامع الإثم فلما دل الدليل على أن الرب جل وعلا لم يرتب على هذاالترك عقوبة علمنا أنه مندوب إذا مطلوب يدخل تحته مرتبتان النوع الثانىمطلوب الترك يعنى يردخطاب الله تعالى متعلقابفعل, ويطلب منه الترك لاتفعل لاتقل وهذا على مرتبتين إما أن يكون على جهة الإلزام ,بحيث لو فعل رتب عليه العقوبة ,إما فى الدنيا والأخرة أو فى الأخرة , وهذا الذى يسمى بماذا بالمحرم وإما لا على سبيل الجزم ,بأن لو فعل لم يرتب عليه العقوبة لا فى الدنيا ولا فى الأخرة ,وهذا يسمى ماذا؟ يسمى المكروه , إذا مطلوب الترك على مرتبتين مع الجزم وهو المحرم , لامع الجزم وهو المكروه0 بقى قسم ثالث وهو التسوية بين الأمرين ,جعل الشارع الرب جل وعلا الخيرة للعبد إفعل أو لاتفعل تنام أو لاتنام ,تأكل أو لا تأكل حينئذ نقول هذا سوى بين الفعل والترك لم يرجح الفعل ولم يرجح الترك وإنما سوى بينهما وهو المباح الذى بقى على أصل الإباحة , لذلك كما قلنا من حيث إنه مكلف به يدخل فيه هذا النوع 0

الأحكام الشرعية والحكم الشرعى على نوعين: ـ أحكام تكليفية وأحكام وضعية , (الأحكام التكليفية) هى الخمسة: ـ الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح , وهى ما كلف المخاطب بمقتضاها فعلا أوتركا كلف يعنى طولب ولو فيه مشقة المخاطب بماذا؟ بمقتضاها فعلا أوتركا0 النوع الثانى (الأحكام الوضعية) وهى ماوضعه الشارع من علامات وأوصاف للفعل أو الترك أو النفوذ أو الإلغاء يعنى علامات وأوصاف علقت على الأحكام التكليفية , وهذاما يعبر عنه بالأسباب والشروط والعلل والموانع والصحة والفساد , إذا الحكم الشرعى على ما ذكرناه ثم ينقسم إلى قسمين: ـ الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية 0

والمصنف هنا يرى رأيا خالف جماهيرأهل الأصول وهوأن الحكم التكليفى سبعة أنواع الخمسة المذكورة السابقة وزاد عليها الصحة والفساد, والصحيح أن يقال أن القسمة ثنائية إما حكم وضعى وإما حكم تكليفى , والأحكام التكليفية خاصة بالخمسة وما زاد فهو داخل فى القسم الثانى وهو الصحة والفساد وفى النوع الثانى وهوالحكم الوضعى , لأن الحكم الوضعى ليس المخاطب مكلف بإحداث شىء , يعنى الواجب إذا قيل هذا واجب هذا مندوب يعنى إفعل ,هذا محرم وهذا مكروه يعنى لاتفعل , أما الصحة هذه لايتعلق بها فعل المكلف , فكل ما تعلق به فعل المكلف طولب بالإيجاد أو الترك هذا الذى يعنون له بالحكم التكليفى وأما الحكم الوضعى فلا علاقة له بهذه الأحكام ,

(1/18)

________________________________________

والحكم واجب ومندوب وما ... أبيح مع ما حرما

مع الصحيح مطلقا والفاسد إذا قوله مع هذه للمصاحبة يعنى تصحب الأحكام السابقة الواجب وما أضيف عليه الصحيح وهذا ليس بصحيح لماذا؟ لأن الصحيح هذا من الحكم الوضعى وليس من الحكم التكليفى لأن الحكم التكليفى الخطاب يكون موجها للعبد لإيجاد فعل او ترك, وكون هذا الصحيح صحيح ليس فيه فعل أو ترك وإنما يعنون للصحيح ما استجمع الشروط وانتفت الموانع ,فيقال صلى صلاة صحيحة, متى نقول صلى صلاة صحيحة إذا أتى بالشروط والأركان وانتفت الموانع هذا الذى من فعله هو أتى بالشرط أتى بالركن أتى بالواجبات إنتفت الموانع لم يصل بنجاسة وبنحوها حينئذ نقول صلاته صحيحة, فالأول من فعله ,والوصف بالصحة هذا علامة إن وجدت هذه الشروط وانتفت الموانع حكمنا على فعله بكونه صحيحا إن انتفت الشروط أو بعضها أو وجدت موانع حكمنا على فعله بكونه فاسدا وليس بصحيح إذا زالت الشمس صلى الظهر ,الزوال هذا ليس من شأنك أنت من فعل من؟ فعل الرب جل وعلا ليس من فعلك, هل نقول لك إئت بهذا الوقت وأدخل صلاة الظهر؟ هذا ممتنع حينئذ لم يكن ذلك من فعلك 0

والحكم واجب هذا الحكم الأول, ومندوب هذا الثانى وما أبيح يعنى المباح هذا الثالث والمكروه هذا الرابع مع ما حرماهذا الخامس يعنى مع المحرم والألف فى قوله حرما للإطلاق , مع الصحيح لما جاء بمع علمنا أنه أراد المصاحبة ,فالأحكام التكليفية عند صاحب الورقات وتابعه الناظم هنا سبعة زاد الصحة والفساد وهذا ليس بسديدكما هو مذهب جماهير أهل الأصول 0قوله (مطلقا) هذا حال من قوله الصحيح يعنى سواء كان وصف الصحة لشىء واجب أو مستحب فنقول صلاة الظهرإذا أوقعها على وجهها الشرعى صحيحة إذا وصف الصحةجاء لشىء واجب, كذلك لو صلى الراتبة نقول صلاته صحيحة إذا وصف الصحة على أى شىء وقع؟ على شىء مستحب ,صام رمضان مستجمعا للشروط وانتفت الموانع نقول الصوم صحيح صام تطوعا صومه صحيح على شرطه السابق إذا قوله مطلقا سواء كان واجبا أوغيره, والفاسد هذا مقابل للصحيح وهوالذى يعنون له بالباطل, والفاسد والباطل بمعنى واحد مترادفان

(من قاعد) هكذا فى بعض النسخ والأحسن من عاقد ,عاقد اسم فاعل من العقد والعقد والعقد معلوم أنه المراد به المعاملات ,من قاعد أو عاقد إذاقيل عاقد واضح قاعد يعنى تارك للعبادة وإذا ترك العبادة إشتغل بماذا؟ بالبيع والشراء حينئذ دخل فى ماذا؟ دخل فىلعقود, إذا منقاعديعنى تارك للعبادة, هذان الوصفان الصحة والفساد, (أو) للتنويع (من عابد) فيقال الصلاةصحيحةوالصلاة باطلة, إذا وصف الصحة والفساد يكون فى المعاملات ويكون فى العبادات , ثم شرع الناظم رحمه الله تعالى فى بيان حقيقةالواجب وماسيأتى بحثه والكلام فيه متصل , لكن يرد سؤال هنا قوله والحكم واجب ومندوب قال الشارح هنا فىللطائف الفقه هو العلم بهذه السبعة التى ذكرها أى معرفة جزئياتها لأنه قال الحكم واجب ومندوب إلى آخره, ماهو الفقه هو العلم بالواجبات والمندوبات والمكروهات والمحرمات والأفعال الصحيحة والأفعال الفاسدةإذا علمنا هذه الأشياءحكمنا عليه بأنه فقيه ,ويأتى بحثه إن شاء الله غدا وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين0

(1/19)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد وقفنا عند قول الناظم رحمه الله - تعالى -:

 

فالواجب المحكوم بالثواب ... فى فعله والترك بالعقاب

 

سبق أن مقصود المصنف رحمه الله تعالى من هذا الباب هو تعريف أصول الفقه ولذلك عنون له بقوله: "باب أصول الفقه"، وعرفنا أن أصول الفقه له معنيان: معنى إضافي، ومعنى لقبي، والمعنى الإضافي هذا مأخوذ من إضافة الأول إلى الثاني , لذلك عرفنا أن المركب الإضافي ضابطه: "كل اسمين نُزِّل ثانيهما مُنَزَلة التنوين مما قبله".

فأصول مضاف، والفقه مضاف إليه ولايمكن معرفة المضاف والمضاف إليه - يعنى المعنى اللقبي - إلا بمعرفة كل من الجزأين الجزء الأول: "أصول" له معنى لغوى ومعنى اصطلاحى كذلك الفقه - الجزء الثاني - وهو المضاف اليه له معنى لغوى ومعنى اصطلاحي وعرفنا كلا من النوعين 0خلاصة ما سبق أن الأصول أصول الفقه بالمعنى الإضافى هو أدلة الفقه ثم شرع فى بيان الأحكام الشرعية قال:

الحكم واجب ومندوب وما ... أبيح والمكره مع ما حرما

مع الصحيح مطلقا والفاسد ... من قاعد أو من عاقد هذان

أو من عابد.

والحكم كما سبق بيانه:

"خطاب الله - تعالى - المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف به".

وإن شئت قلت:

"خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع".

"بالاقتضاء": أي الطلب، "والتخيير": أي الاستواء بين الطرفين فعلا وتركا.

"أو بالوضع":

هذا هو النوع الثانى من نوعي الحكم الشرعي وعليه ينقسم الحكم الشرعى إلى قسمين:

"حكم شرعي تكليفي، وحكم شرعي وضعي": الحكم الشرعي التكليفي منحصر في خمسة أقسام على الصحيح عند الأصولين والحكم الشرعى الوضعى هذا مختلف في عده , بعد الاتفاق على أن "الأسباب، والشروط، والموانع" تعتبر من الحكم الشرعي الوضعي وعليه أن الحكم الوضعي يعتبر حكمًا شرعيًا، وهذا هو الصحيح عند جماهير أهل الأصول , خلافا لابن الحاجب وغيره حيث أخرج الحكم الوضعى من كونه حكما شرعيا , ورده إلى العقل.

و"العلل والأسباب والشروط والصحة والبطلان والقضاء والأداء":

كلها أحكام شرعية يعنى المستند أو الإثبات بأن هذا الشىء سبب أو بأن هذا الشىء يكون شرطًا أو صحيحًا أو باطلا إنما مرده إلى الشرع، لا إلى العقل.

وقوله بالاقتضاء المراد بالاقتضاء الطلب. وقوله "أو التخيير": أو: هنا للتنويع هذا فيه إشارة إلى أن الإباحة حكم شرعى وإن لم تكن حكما تكليفيا على الصحيح عند الأصوليين لأن الإباحة وهى الإستواء إستواء الطرفين فعلا وتركا , هو حكم شرعي يعنى مرده إلى الشرع وليس مرده إلى العقل , وقوله:"بالاقتضاء": دخل تحته أربعة أنواع من أنواع الحكم الشرعى التكليفى وجهه أن قوله: "بالاقتضاء": أي بالطلب، والطلب نوعان:

* طلب فعل ... * طلب ترك

(2/1)

________________________________________

والأول:"طلب الفعل": نوعان لأنه إما أن يكون طلب فعل على جهة الإلزام حيث لا يسوغ الشارع للمكلف ترك ذلك المأمور به هذا يسمى بالإيجاب والنوع الثانى مطلوب الفعل لكنه لا على جهة الإلزام بأن سوغ الشارع للمكلف ترك هذا العمل وهذا يسمى الندب إذا دخل تحت قوله مطلوب الفعل نوعان من أنواع الحكم الشرعي التكليفي وهما الإيجاب والندب ومطلوب الترك يعنى العدم أو الانعدام أى لايوجد من المكلف هذا أيضا تحته نوعان من نوعى الحكم الشرعى التكليفى وهما: التحريم والكراهة ووجهه أن مطلوب الترك إما أن يكون على جهة الإلزام بأن رتب الشارع العقاب على الفعل حينئذ يكون تحريما.

والنوع الثاني: مطلوب الترك لا على وجه الإلزام بأن لم يرتب الشارع العقوبة على الفعل وهذا يسمى الكراهة.

إذًا دخل تحت قوله "بالاقتضاء": أربعة أنواع بقى ماذا؟ ... المباح دخل في قوله: "أو بالتخيير" وهذا التخيير المراد به مرده إلى المكلف "افعل" أو "لا تفعل" أنت مخير بين شرب الشاي وتركه. نقول هذا يسمى: "مباحا".

قوله: "أو بالوضع": بعض الأصوليين يسقط هذا النوع - أو بالوضع - لأن مرد الأحكام الوضعية عنده إلى العقل وليست إلى الشرع وهذا غلط والصواب أن: السبب والشرط والمانع مردها إلى الشرع ولذلك قال هنا:

 

والحكم واجب ومندوب وما ... أبيح -يعنى المباح- والمكروه مع ما حرما

 

هذه خمسة يعنون لها بأقسام الحكم الشرعي التكليفي وهل يزاد عليها؟ .... الصواب: لا.

وإن كان ظاهر كلام الناظم هنا كأصله صاحب الورقات بأن الصحيح والفاسد يعتبران من أحكام الشرع التكليفي , وليس الأمر كذلك.

"مع الصحيح مطلقا والفاسد ... ... ... من عاقد هذان .......... "

:

(2/2)

________________________________________

يعنى الفاسد والصحيح يوصف بهما العاقد والعابد يعنى عبادة صحيحة وعبادة فاسدة عقد صحيح وعقد فاسد كل منهما بوصفه يكون للعبادة ويكون للعقد , "والحكم واجب": قال في الشرح الفقه: هو العلم بهذه السبعة التى ذكرها الناظم تبعا للأصل أى معرفة جزئياتها , لفظ واجب هذه نذكرها ومابعدها يتبعها لفظ واجب ليس هو حكم شرعى عرفنا أن مطلوب الفعل على جهة الإلزام هو الإيجاب وليس بالواجب , ما الفرق بين الإيجاب والواجب؟ نقول الحكم سبق حده بأنه:"خطاب الله" هذا جنس إذا هذه الأوصاف تكون أوصاف لأى شئ؟ لخطاب الله والمراد بخطاب الله تعالى هو كلامه المشتمل على اللفظ والمعنى , وليس المعنى دون اللفظ ولا اللفظ دون المعنى كما هو معتقد أهل السنه والجماعة , حينئذ خطاب الله المراد به ذواللفظ والمعنى. وصف الإيجاب ووصف الندب ووصف التحريم والكراهة والإباحة هذه أوصاف لذات كلام - الله تعالى - فقوله - سبحانه -: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} البقرة: 183 نقول نفس اللفظ هو الإيجاب , مدلوله الوجوب , وصف فعل المكلف هو الذى يسمي بالواجب , إذًا أوجب الله الصلاة إيجابا مدلول "أقيموا الصلاة": وجوب الصلاة - حينئذ - وجوب الصلاة هذا وصف للصلاة المعقولة فى الذهن وأما الصلاة الموجودة حسا يفعل المكلف الصلاة قياما وقعودا وسجودا فعله هو الواجب , فالمكلف يفعل الواجب. فالواجب يكون وصفا لفعل المكلف لا وصفا لخطاب - الله تعالى - إذا فرق بين الإيجاب والوجوب والواجب , الإيجاب: صفة كلام - الله تعالى - حينئذ نقول "أقيموا الصلاة": هذا فعل أمر وسيأتى أن "افعل" تدل على الإيجاب.

إذا {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} البقرة: 43 إيجاب. فتقول: أوجب الله الصلاة إيجابا. مدلول قول - الله تعالى - {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} البقرة: 43 وجوب الصلاة. فهو مدلول اللفظ ليس هو عين اللفظ , فعل المكلف للصلاة نقول فعل واجبا , فالذي فعله المكلف هو ما وصف به لفظ الواجب.

(2/3)

________________________________________

إذا قوله: "واجب": كما قال الشارح معرفة جزئيات هذه التى سماها أحكاما هى التى يصير بها الفقيه فقيها لأن لفظ واجب تخيل كم يدخل تحته من الجزئيات؟ الصلاة , الصيام , الزكاة , بر الوالدين .... إلي آخره. ولفظ المحرم كم يدخل تحته من الجزئيات؟ .... الفقيه يعرف ماذا؟ ... يعرف فعل المكلف من حيث إسناد هذه الأوصاف لتلك الأفعال فيقول هذا فعلك واجب، وهذا فعلك حرام، وهذا مكروه، وهذا مباح , حينئذ العلم بهذه الجزئيات هي التى يعنون لها بالفقه , وأما معرفة ما حقيقة الإيجاب؟ وما حقيقة التحريم؟ وما ضابطه؟ هذا الذى يعتنى به الأصولى فثم فرق بين مبحث الأصولي ومبحث الفقيه , الفقه هو العلم بهذه السبعة التى ذكرها أى معرفة جزئياتها أى الواجبات، والمندوبات، والمباحات، والمحرومات، والمكروهات، والأفعال الصحيحة، والأفعال الفاسدة: كالعلم بأن هذا الفعل مثلا واجب، وأن هذا الفعل مندوب، وهذا مباح، وهذا محرم، وهذا مكروه، وهذا صحيح، وهذا فاسد. وليس المراد العلم بتعريفات هذه الأحكام المذكورة فإن ذلك من أصول الفقه لا من علم الفقه , فالعلم بالواجبات وظيفة الفقيه والعلم بحد الواجب وأنواع الواجب، وتقسيماته: باعتبار الزمن، وباعتبار الفعل ... إلى آخره. هذه من وظيفة الأصولي. ففرق بين النوعين.

ثم شرع الناظم تبعا للأصل في تعريف الأحكام التى ذكرها أولا جملة , ثم شرع في بيانها بذكر لازم كل واحد منها , قال: ـ "فالواجب": الفاء هذه تسمى فاء الفصيحة كأن سائلا سأل .... أو كأنه قدر شرطا , إذا أردت معرفة هذه الأحكام السبعة فأقول لك: "فالواجب": الفاء: هذه تسمى فاء الفصيحة: فعيلة بمعنى: مفعلة اسم فاعل لأنها مأخوذة من الإفصاح وهو البيان، والإيضاح وبعضهم يسميها "فاء الفضيحة" لأنها فضحت ما بعدها , على كلٍ هذا توجيه.

فالواجب المحكوم بالثواب ... فى فعله والترك بالعقاب

 

كما ترى الناظم - رحمه الله تعالى - جرى على ما جرى عليه بعض الأصولين من تعريف الواجب , وكذلك الندب , وما يتبعه بذكر اللازم , وهو الحكم والثمرة والأثر, لأن مافعله الثواب والترك مرتب عليه العقاب هذا حكم للواجب , وليس هو عين الواجب , وعند جماهير المناطقة للنظر كما يقال هذا معيب.

وعندهم من جملة المردود ... أن تدخل الأحكام فى الحدود

 

فلا يقال الفاعل هو الاسم المرفوع هذا خطأ , والمفعول به هو الاسم المنصوب هذا خطأ , لماذا؟ لأن النصب حكم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره , فأول تتصور فى الذهن ما معنى الواجب؟ ثم تحكم عليه بعد ذلك بكذا , تصور أولا ما هو الفاعل؟ فتقول هو كذا وكذا ثم تبين حكمه , لأن القاعدة: أن الحكم على الشىء فرع عن تصوره.

حينئذ تقول الواجب له معنيان: معنى لغوى، ومعنى اصطلاحي , أما الواجب لغة: فهو الساقط، والثابت يعني يطلق ويراد به معنى السقوط , ويطلق، ويراد به معنى الثبوت , قال في القاموس:

(2/4)

________________________________________

"وجب يجب وجبة": سقط , "والشمس وجبا ووجوبا غابت" , و"الوجبة": السقطة مع الهدة، أو صوت الساقط , وقال في المصباح: "وجب الحق، والبيع يجب وجوبا ووجبة": لزم، وثبت , إذًا أثبت صاحب المصباح أن وجب يأتى بمعنى لزم وثبت , وجب الحائط أى سقط , وجاء قول الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} الحج: 36 أي: سقطت على الأرض لأن الإبل تنحر وهى واقفة ثم بعد ذلك تسقط , إذًا يأتي لفظ الواجب فى لسان العرب بمعنى الساقط، وبمعنى الثابت.

قبل الدخول فى معرفة هذه الاصطلاحات: المندوب، والمحرم، ونحو ذلك , هذه الاصطلاحات لا ينبغي لطالب العلم أن ينزلها مباشرة على الكتاب والسنة , لا ينبغي لطالب العلم أن يستعجل فإذا وجد لفظ واجب أو حرام أو مكروه فى الكتاب والسنة أن يفسره بمثل هذا المصطلح , وإنما هذه المصطلحات تعبير عما قرره أهل العلم فى كتب الأصول وكتب الفقه , وأما في الشرع فلا، فحينئذ لا يقال بأن الواجب ما طلب الشارع فعله طلبا جازما , ويأتي طالب العلم فيقرأ قول النبى صلى الله عليه وسلم: ـ

"غسل الجمعة واجب على كل محتلم"

فيفسر الواجب هنا بمعنى ما يعاقب تاركه ويثاب فاعله , نقول هذا خطأ لماذا؟ لأن ألفاظ الشرع إن كان لها حقيقة شرعية حينئذ وجب حمل ذلك اللفظ على الحقيقة الشرعية، وإن لم يكن له حقيقة شرعية ننتقل إلى معنى ثان وهو الحقيقة العرفية هل الشرع راعى العرف فى ذلك الوصف أم لا؟ ... فيحمل على الحقيقة العرفية , وإن لم يكن له حقيقة شرعية ولا عرفية وجب حينئذ حمله على الحقيقة اللغوية , ولا نعدل إلى الحقيقة العرفية بمعنى الاصطلاح الخاص عند الأصولين وهذا سيأتى بحثه فى باب الحقيقة والمجاز.

إذًا معنى الواجب فى اللغة: الساقط، والثابت.

وأما في الاصطلاح فله تعاريف عدة وجلها منتقدة ولكن كلها تدور على: "ما طلب الشارع فعله طلبا جازما" أو "ما أمر به الشارع أمرا" جازما كلها تدور على هذين التعريفين: ما طلب الشارع فعله طلبا جازما.

قال: "طلبا جازما": إذا هو من قبيل الطلب فهو داخل فى النوع الأول من قوله: "بالاقتضاء"، "ما": اسم موصول بمعنى الذى وهو مبهم يحتاج إلى تفسير، وهكذا في كل تعريف إذا قلت: "ما": حينئذ تقول هذه على المشهور عند أرباب التعاريف أنها اسم موصول بمعنى الذى، ومعلوم عند النحاة وغيرهم أن الموصولات من المبهمات أليس كذلك؟ ... بلى. من المبهمات يعنى شئ مبهم يحتاج إلى تفسير بماذا نفسره هنا؟ نفسر "ما": في هذا الحد وما يأتى من الحدود بمتعلق خطاب الله - تعالى - سبق معنا خطاب الله المتعلق بفعل المكلف عندنا مُتَعلَق ومُتَعلِق ما هو المُتَعلِق؟ ... خطاب الله، خطاب الله متعلق - بكسر اللام - اسم فاعل ما هوالمتعلق به؟ هو فعل المكلف، وسبق أن المراد بفعل المكلف كل ما يصدر عن المكلف , فيشمل حينئذ الاعتقاد فيتعلق به خطاب الله - تعالى - , لأن الاعتقاد منه ما هو واجب، ومنه ما هو مندوب، ومنه ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح.

(2/5)

________________________________________

إذًا: الاعتقاد تعلق به خطاب الله - تعالى - , فبين حكمه من حيث الإيجاب وعدمه , كذلك القول تعلق به خطاب الله - تعالى - فمنه ما هو واجب، ومنه ما هو محرم، وكل ما سبق , كذلك الفعل منه ما هو واجب، ومنه ما هو حرام، ونحو ذلك.

إذًا هذه الأنواع الثلاثة التى هى صادرة عن المكلف كل واحد منها تعلق به خطاب الله - تعالى - , ولذلك ابن القيم - رحمه الله - تعالى - في مدارج السالكين يقول:

"تدور رحى العبودية على خمس عشرة قاعدة من كملها كمل مراتب العبودية": وبين ذلك بأن المحال التى هى محل للتعبد ثلاثة أنواع وهى: القلب، واللسان، والجوارح. هذه ثلاثة، والأحكام الشرعية التكليفية كم؟ خمسة , خمس في ثلاث بخمس عشرة قاعدة.

يقول: من كملها كمل مراتب العبودية لأن القلب من حيث الاعتقاد وقول القلب تجرى عليه الأحكام الخمسة فمنه ما هو واجب، ومنه ما هو حرام ... كذلك قول اللسان تدور عليه الأحكام الخمسة وكذلك عمل الجوارح , إذًا "ما" نفسرها بماذا؟ ... بفعل المكلف , شىء إذاجعلته نكرة , الذي يعنى فعل المكلف فيدخل فيه: اعتقاد طلب الشارع فعله طلبا جازما , قول طلب الشارع فعله طلبا جازما , عمل بالجوارح والأركان طلب الشارع فعله طلبا جازما.

إذًا كل ما يصدر عن المكلف فهو داخل فى قولنا: "ما طلب الشارع فعله"، الشارع: اسم فاعل من شرع، وهل هو وصف أم خبر؟ إن قلت: وصف حينئذ نحتاج إلى أن يكون لفظ الشارع واردًا في الكتاب، والسنة كالعليم والسميع والخالق ونحو ذلك.

هل ورد في الشرع لفظ الشارع؟ ... الجواب: "لا". بينما هو مأخوذ من قوله: {شرع لكم من الدين مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الشورى: 13 شرع: فعل ماض، واسم الفاعل منه شارع , فيخبر عن الله - تعالى - بأنه شارع من باب الخبر .. لا من باب الصفات كما هو معلوم أن باب الأخبار أو الإخبار أوسع من باب الصفات , وباب الصفات أوسع من باب الأسماء.

إذًا: "ما طلب الشارع": المراد به الرب - جل وعلا - في كتابه العظيم ونبيه - صلى الله عليه وسلم - في سنته الصحيحة. "ما طلب الشارع فعله": يعنى إيجاده. يكون معدوما ثم بعد ذلك يوجد , كأن من شرط التكليف أن يكون المكلف به معدوما , وأما الموجود فلا تكليف به , لأنه من باب تحصيل الحاصل , "ما طلب الشارع فعله": خرج ماذا؟ .. ما طلب الشارع تركه، وهو المحرم والمكروه، والمباح يخرج أو لا يخرج؟ خارجا لأنه: "ما سوي الشارع بين فعله وتركه " , إذًا بقوله: "ما طلب الشارع فعله": خرج المحرم، والمكروه، والمباح. ماذا دخل معنا؟ المندوب لأن الشارع طلب فعله.

"طلبا جازما": طلبا: هذا مفعول مطلق لقوله: "ما طلب" , وهو مفعول مطلق مبين للنوع , لأنه موصوف بقوله: "جازما".

(2/6)

________________________________________

"طلبا جازما": أخرج المندوب لأن المندوب: "ما طلب الشرع فعله طلبا غير جازم" فيشترك الواجب، والمندوب في أن كل منهما مطلوب الفعل، والإيجاد. يشترك الواجب، والمندوب ثَمَّ بينهما قدر مشترك , وثَمَّ بينهما افتراق يشتركان في ماذا؟ فى أن الشارع قد طلب فعله: إيجاد كل من الواجب والمندوب، ويفترقان في جهة الإلزام وعدمه , فالواجب: طلب الشارع فعله طلبا جازما , والمندوب: طلب الشارع فعله لكنه ليس بطلب جازم , متى نحكم على هذا الطلب بكونه جازما أو غير جازم؟ إن رتب الشارع العقوبة على الترك حكمنا عليه بأنه طلب جازم , أو جاء بلفظ "افعل" وليس له قرينة صارفة إلى الندب , فبهاتين الوسيلتين نعلم أن الشارع قد طلب هذا الفعل طلبا جازما , لم يلتبس حينئذ كيف تميزبين الجازم، وغير الجازم، وكل منهما مطلوب الفعل؟ نقول إن جاء بصيغة: "افعل" وليس ثَمَّ قرينة صارفة حينئذ نحكم بأنه واجب , فهو مطلوب الفعل على جهة الإلزام , إن رتب العقوبة على الترك , إن لم تفعل قتلتك مثلا , حينئذ إذا رتب العقوبة على الترك وعدم الإيجاد حكمنا عليه بكونه واجبا , ماعدا ذلك فهو مندوب , ولكن بالصيغة التى يأتى ذكرها.

إذًا: "ما طلب الشارع فعله طلبا جازما" هذا هو حد الواجب , حكمه: ما يثاب فاعله، ويعاقب تاركه على المشهور, ولذلك عرفه بهذا الحد:

فالواجب المحكوم بالثواب ... فى فعله والترك بالعقاب ... فالواجب: هذا صفة , يعنى فالشيء الواجب من حيث وصفه بالوجوب المحكوم فى فعله بالثواب المحكوم بالثواب فى فعله , "في": بمعنى: على، على فعله، لكن نحتاج هنا إلى قيد وهو قيد الامتثال , لأنه لا ثواب إلا بنية كما هو مقعد عند أهل العلم , لا ثواب إلا بنية , لا يستحق الثواب لا على واجب ولا على مندوب ولا على ترك محرم أو مكروه إلا بنية:

"إنما الأعمال بالنيات"

قاعدة: وهى القاعدة الأولى من القواعد الخمس الكبرى: الأعمال بالنيات"إنما الأعمال بالنيات" الأمور بمقاصدها. حينئذ لا عمل يثاب عليه العبد إلا بنية , حينئذ لا ثواب إلا بنية , لكن هل لا إجزاء إلا بنية لايجزىء الواجب إلا بنية؟ نقول هذا فيه تفصيل بمعنى أن الواجب من حيث الاعتداد به، وعدم الاعتداد به أي: باعتبار النية وعدمها على قسمين:

* واجب لا ثواب، ولا صحة، ولا إجزاء إلا بنية:

وهو ما يعبر عنه الأصوليون والفقهاء بالعبادات المحضة كالصلاة والصوم. هل تصح الصلاة بدون نية؟ ما قصد التقرب إلى الله - عز وجل - لا تصح. إذًا هذا واجب، ولم يصح لانتفاء النية , إذا انتفاء النية أثر فى الصحة فضلا عن الثواب , فكل عبادة محضة غير معقولة المعنى كما يعبر عنها الفقهاء - بعض الفقهاء - نقول: لا تصح إلا بنية , هذه العبادة لا تصح، ولا تجزيء، ولا تبرأ الذمة إلا بوجود النية , فإن وجدت النية لزم منها وجود الثواب هذا واضح بين.

(2/7)

________________________________________

* قسم ثان من نوعى الواجب يجزئ ويصح وتبرأ الذمة ولو لم توجد النية, لكن ينتفى الثواب , والفعل نفسه وإن كان واجبا حينئذ لا يطالب العبد بإعادته , مَثَّل لذلك الأصوليون والفقهاء برد الودائع , رد الدين ما حكمه؟ واجب. إذا ردَ الدين، ونوى أنه ممتثل لأمر الله - تعالى- , لأن هذا وفى معه , ويريد الإحسان إليه , ووفى بوعده , حينئذ نقول: يثاب. لو رَدَ الدين خوفا من المدين هل وجدت النية؟ ... ما وجدت النية ... لماذا؟ لأن الخوف من غير الله - تعالى - في مثل هذا الموضع ليس بنية صالحة , حينئذ نقول أجزأ الفعل وهو رد الدين , وبرأت ذمة الدائن , وانتفى الثواب مع صحة العمل، وكذلك النفقة على الزوج واجبة أو لا؟ واجبة. لكن هل يشترط فى صحة إسقاط الطلب، وهو وجود النفقة النية؟ الجواب: "لا"، وإنما لا تكون هذه النفقة يثاب عليها العبد إلا إذا نوى بها القربى إلى الله - تعالى - فمثل هذا النوع الثانى الذى يصح وهو واجب بدون نية، النية شرط في الثواب لا في صحة العمل.

إذًا الواجب نوعان: واجب لا يعتد به إلا بنية , وهذا ما يسمى بالعبادات المحضة كالأركان الخمسة , فلا حج إلا بنية، ولا صلاة إلا بنية , ولا زكاة إلا بنية , ولا صيام إلا بنية , فإذا انتفت النية انتفى العمل: لا يصح , فضلا عن الثواب، قسم ثاني: وهو ما يصح وتبرأ به الذمة ولو لم توجد النية كرد الديون، والودائع، والنفقة على الزوجات، ونحو ذلك. نقول: هذه الذمة برئت وأجزأ العمل , مع عدم وجود النية , لكن هل يثاب؟ الجواب: "لا" لا يثاب .... لماذا؟ لعدم النية. فلا ثواب إلا بنية مطلقا بدون تفصيل.

 

وليس في الواجب من نوال ... عند انتفاء قصد الامتثال

فيما له النية لا تشترط ... وغير ما ذكرته فغلط

 

إذًا قوله: "بالثواب في فعله": لابد من التقييد , بأن تقول بالثواب فى فعله قصدا وامتثالا , فإن امتثل حينئذ أثيب على ذلك، وإن لم يمتثل: لم ينوِ القربى حينئذ لا ثواب , والنظر في صحة العمل ترجع إلى التفصيل السابق.

"فالواجب المحكوم بالثواب في فعله": يعنى إذا فعله أثابه الرب - جل وعلا - تفضلا منه لا وجوبا كما هو مذهب المعتزلة وغيرهم. "والترك بالعقاب": يعنى المحكوم بالعقاب فى تركه , إن تركه عوقب وهذا مما يفرق به بين الجازم وغير الجازم , قلنا إن رتب الشارع العقوبة على ترك العمل , حكمنا عليه بأنه جازم , إن رتب الشارع العقوبة على الترك حكمنا عليه , بأنه واجب.

"والترك بالعقاب": هل كل واجب إذا ترك يعاقب عليه العبد؟ لا شك .. لا. إن تركه بعذر فهو معذور, ثم إذا كان يستدرك استدرك وإلا, فإن الفعل والترك نقيده بلا عذر, لأنه إن تركه بعذر لا يترتب عليه العقاب.

(2/8)

________________________________________

"والترك بالعقاب": هل كل من ترك الواجب بلا عذر عوقب أم أنه مستحق للعقاب ثم بعد ذلك هو داخل تحت المشيئة؟ ... لاشك أنه الثاني، ولذلك اعترض على مثل هذه العبارات بقوله: "والترك بالعقاب": ينبغي أن تعدل ويقال بترتب أواستحقاق العقاب على الترك , والظاهر أننا لانحتاج لمثل هذا القيد لماذا؟ .. لأننا نعرف الواجب من حيث هو واجب ما ضابطه فى الشرع أما كونه يعفى عنه أولا يعفى عنه فليس الأمر إلينا بل هو لله - عز وجل- لكن الواجب من حيث هو من أجل الاصطلاحات قد ذكرنا أننا نبحث فى ماذا؟ فى اصطلاحات لا فى أمور شرعية أو حقائق شرعية الحقائق الشرعية شىءآخر, يعنى لفظ فسره الشرع الصلاة لفظ شرعي , من الذي فسر معنى الصلاة؟ التعبد لله بأقوال ..... إلى آخره , الشرع نفسه فليس هو من صنع العلماء أو الفقهاء أو الأصوليين , وأما الواجب فهو ليس بحقيقه شرعية , والواجب ما يثاب فاعله إلى آخره , إنما هو اصطلاح أصولي, ولذالك قلنا إذا عرفنا هذا الحدود , لا نأتي نهجم على الكتاب والسنة نفسر كل لفظ بهذه الاصطلاحات هذا يعتبر من الغلط.

إذًا "والترك بالعقاب": الظاهر - والله أعلم - أن العبارة مستقيمة , ولا اعتراض عليه لكونه قد يعفى عنه فى الآخرة , لأننا نبحث فى اصطلاح نضبطه بضوابط نرى أنها مناسبة , حينئذ بر الوالدين واجب , الأصل فيمن تركه أنه يعاقب , هذا الأصل , نحكم على هذا الفعل بكونه واجبا , لا على من تلبس بالفعل , نحكم على نفس الفعل بأنه واجب , وأن من ضابطه أن من تركه يعاقب , لا على من تلبس بالفعل لأن ذلك أمره إلى الرب - جل وعلا - إذا الاعتراض ليس فى محله.

فالواجب المحكوم بالثواب ... فى فعله والترك بالعقاب

 

"الثواب": المراد به مقدار مخصوص من الجزاء يعلمه الله - تعالى -

و"العقاب": هو التنكيل على المعصية.

من المسائل التى تذكر فى هذا المحل , أن الواجب والفرض بمعنى واحد.

 

والفرض والواجب ذو ترادف ... ومال النعمان إلى التخالف

 

يعنى جماهير الأصوليين على أن الفرض والواجب بمعنى واحد , وأما عند أبى حنيفة فرق بينهما , الفرض: ما ثبت بدليل قطعى كالقرآن , والواجب: ما ثبت بدليل ظنى , وجماهير الأصوليين على أن الخلاف لفظى

لكن هذا الخلاف لفظى عند الأصوليين ليس عند الفقهاء , وما يتعلق بالتقسيمات الواردة فى حد الواجب هذه تعلم من المطولات , ثم قال:

 

والندب ما فى فعله الثواب ... ولم يكن فى تركه عقاب

 

"والندب": هذا مصدر لكن مراده به بمعنى المندوب , "والندب": هنا مصدر بمعنى اسم المفعول , والمندوب أصله المندوب إليه ,وهذه سنة أو مندوب أو مستحب أو نحو ذلك وهذه ألفاظ كلها مترادفة , فالمندوب إليه إليه توسع بحذف حرف الجر فاستكن الضمير, والمندوب مشتق من الندب , والندب: بمعنى الدعاء , والمندوب يكون بمعنى المدعو إليه:

 

لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... فى النائبات على ما قال برهانا

 

لا يسألون أخاهم حين يندبهم: يعنى حين يدعوهم , إذًا الندب بمعنى الدعاء حقيقة عندهم على وزان ما سبق في بيان الواجب , فما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم هو الندب , ويقال في "ما": ما ذكرناه فى الواجب أن المراد به فعل المكلف فيدخل فيه الاعتقاد والقول وفعل الجوارح.

(2/9)

________________________________________

"ما طلب الشارع فعله": خرج به المحرم، والمكروه، والمباح , وبقى ماذا؟ الواجب، والمندوب كلاهما داخلان فى هذا الجزء.

"ما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم": خرج به الواجب , وأما باعتبار ما ذكره الناظم هنا , باعتبار الأثر حكمه: ما في فعله الثواب، "ما": هذا جنس بمعنى شيء , شيء قول أو عمل أو اعتقاد , في فعله الثواب أى: الثواب في فعله , "في فعله": هذا خبر مقدم , و"الثواب": هذا مبتدأ مؤخر, الذي يكون في فعله الثواب: خرج به المباح فليس في فعله ثواب ولا في تركه وخرج به المحرم: فليس في فعله الثواب بل العقاب عكسه , كذلك المكروه ليس فى فعله ثواب , ولم يكن في تركه عقاب , "يكن": بمعنى يوجد فكان هنا تامة , يعنى تفتقر إلى فاعل، ولا تحتاج إلى اسم وخبر:

"وذو تمام ما برفع يكتفي"

"ولم يكن": يعنى بمعنى لم يوجد في تركه، "في": هنا في الموضعين بمعنى: على , "في تركه عقاب": خرج به الواجب , لأن الواجب يكون فى تركه العقاب , إذا عرفنا حقيقة المندوب في اللغة , وفى اصطلاح الأصوليين , وعرفنا حكمه فهو فى اللغة بمعنى الدعاء , المدعو إليه

 

وفى الاصطلاح: "ما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم" , وحكمه: ما أثيب على فعله , كذلك تقيده بقصدا وامتثالا , لأنه لا ثواب لا في الواجب , ولا في المندوب , إلا بنية فإذا انتفت النية لاثواب , ولم يكن في تركه عقاب , المندوب مأمور به حقيقة على الصحيح عند الأصوليين , هل المندوب مأمور به أو لا؟ الصحيح أنه مأمور به لأنه طاعة , وكل طاعة فهي مأمور بها: ... {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسول} المائدة: 92

فكل طاعة هي مأمور بها , فالواجب مأمور به ولا خلاف بين الأصوليين فى ذلك، وإنما الخلاف في المندوب هل هو مأمور به؟

هل أمر به الشرع أو لا؟ الصحيح عند الأصوليين أن الشارع قد أمر به , فهو مأمور به حقيقة لا مجازا , ويسمى المندوب مستحبا، ونفلا، وسنة، وتطوعا، ومرغبا فيه: كلها ألفاظ مترادفة تصدق على حد واحد:

ما طلب الشارع فعله طلبا غير جازم , أو ما أثيب فاعله امتثالا ولم يعاقب تاركه , وقد حصل عند أرباب المذاهب الحنفية وغيرهم تنويع فى مثل هذه المصطلحات وكلها تنويعات حادثة ليس عليها دليل صحيح وإنماهى خاصة بأرباب المذاهب فلا تشغل نفسك بهذه التفريقات.

الندب ما فى فعله الثواب ... ولم يكن فى تركه عقاب

 

هل يجب إتمام المندوب؟ ... الجواب: "لا". يعنى لو شرع فى المندوب حينئذ له قطعه , ولا يجب عليه إكماله خلافا للحنفية

"والنفل ليس بالشروع يجب"

لماذا؟ ... لأنه جائز الترك هو ابتداء يجوز تركه، وجماهير أهل العلم على هذا , فمن شرع فى نافلة جاز له قطعها سواء كانت صياما أو صلاة أوغيرها , ولحديث:

"المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر"

ويقاس على الصوم غيره من المندوبات , وهذا كما ذكرنا قول جماهير أهل الأصول.

ثم قال - رحمه الله -:

وليس فى المباح من ثواب ... فعلا وتركا بل ولاعقاب

(2/10)

________________________________________

هذا هو النوع الثالث من أنواع الحكم الشرعى التكليفي , إذا ذكر المباح فى ضمن الأحكام الشرعية التكليفية , وما وجهه؟ .. لأنه ليس فيه تكليف , المباح ليس فيه تكليف , لأن التكليف": هو إلزام ما فيه مشقة وكلفة , والمباح ليس فيه مشقة ولا كلفة , بل الشارع خيَّر المكلف بين الفعل والترك , والمباحات أكثر من الأوامر الشرعية الواجبات والمندوبات , حينئذ سوى له الشارع بين الفعل والترك , وما وجه إدخاله فى الأحكام التكليفية؟ ثم خلاف بين الأصولين , وأشهر ما ذكر أنه من باب التغليب يعنى ذكر هذا النوع مع بقية الأحكام الأربعة , لأنه لا يمكن التمايز بينها , فإذا ذكر الواجب، والمندوب، والمكروه، والمحرم , لزم أن نذكر معه المباح , وإذا نفى عن المباح أنه حكم تكليفى , لا يلزم أن ينفى عنه أنه حكم شرعي , انتبه: بعض الطلاب يخطىء إذا قيل المباح ليس حكما تكليفيا يظن أنه ليس حكما شرعيا , هذا غلط بل هو حكم شرعي , ولذلك قلنا ما هوالحكم؟ الحكم هو: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع , هذه ثلاثة أنواع جنس عام , إذًا التخيير داخل في خطاب الله - تعالى - , فهو حكم شرعي , فإذا نفى وصف التكليف عن الإباحة , لا يلزم منه أن ينفى عنه الحكم الشرعي , بل هو حكم شرعى , ولكنه ليس تكليفيا , كما نقول الصحة ليست بحكم تكليفي , لا يلزم منه أن ننفى عنه الحكم الشرعي.

 

وليس في المباح من ثواب

المباح - في اللغة -: المعلن والمأذون فيه , يقال باح بسره: إذا أعلنه , أباح وباح: تعدى بنفسه بدون همزة وبالهمزة , أباح بسره، وباح بسره: إذا أعلنه، وأباح ماله: إذا أذن في استعماله.

وأما في الشرع أو الاصطلاح فالمباح:

مالا يتعلق به أمر ولا نهى لذاته

"ما": نفسرها بماذا؟ اسم موصول بمعنى الذى يصدق على الاعتقاد , والقول , والفعل , يعنى فعل المكلف , كل ما يصدر عن المكلف فهو داخل فى قولنا: "ما لا يتعلق به أمر": خرج ما تعلق به أمر, وهو نوعان: ـ الواجب، والمندوب , إذًا قولنا: "ما": هذا جنس يدخل فيه فعل المكلف , وإن شئت قل يدخل معه كذلك الأحكام الخمسة.

(2/11)

________________________________________

"ما لا يتعلق به أمر": خرج ما تعلق به أمر, وهو الواجب والمندوب , "ولا نهي": خرج ما يتعلق به نهي, وما هو الذى تعلق به النهى؟ ... المحرم والمكروه , إذا خرجت الأنواع الأربعة ماذا بقى؟ الخامس لكن قوله: "لذاته": أراد به أن المباح على نوعين: ـ مباح باق على أصل إباحته , وهذا الذي عناه الناظم وغيره فى هذا الموضع: مباح باق على أصله , على وصف الإباحة , النوع الثاني لم يبق على أصله , بل خرج يعنى فصار مأمورا به أو منهيا عنه , وذلك هو المباح الذى صار وسيلة لأمر أو نهي. المباح قد يكون وسيلة لمأمور به , وقد يكون وسيلة إلى منهي عنه سواء هذا أو ذاك , صار المباح قد نقل عن أصله وهو وصف الإباحة إلى ما صار وسيلة إليه , فإن كان المباح وسيلة إلى واجب , صار المباح واجبا , لأن الوسائل لها أحكام المقاصد , ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب , ما كان من المباح وسيلة إلى المندوب , صار هذا المباح مندوبا , لماذا؟ ... لأنه وإن كان فى الأصل مباحا إلا أنه لما صار وسيلة إلى مندوب أخذ حكمه , وإذا كان المباح وسيلة إلى منهي عنه محرما , صار المباح محرما , وإذا كان وسيلة لمنهي عنه لا على جهة التحريم وإنما الكراهة التنزيهية , صار المباح ماذا؟ منهيا عنه , يعنى مكروها - حينئذ - وصف الإباحة قبل أن يكون هذا المباح وسيلة لمأمور به أو منهي عنه قد زال وانتقل من وصف الإباحة إلى وصف الإ يجاب أو الندب أو التحريم أو الكراهة، قوله: "لذاته": أخرج هذا النوع وهو المبا ح الذى لم يبق على وصف الإباحة بأن صار وسيلة إلى مأمور به أو منهي عنه وهذا ما يعنون له بالقاعدة العامة عند الأصولين وغيرهم: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وأحسن من هذه العبارة كما ذكره الفتوحي وغيره: (ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به) فيشمل ماذا؟ الواجب والمندوب وهو الذى يعنون له بالقاعدة الفقهية: (الأمور بمقاصدها) أو (الوسائل لها أحكام المقاصد) لكن انتبه إلى أمر لا بد من التنبيه عليه , وهو أن بعضهم يظن أن ما كان وسيلة من المباح إلى عبادة انقلب المباح بذاته , فصار عبادة , وينقلون أقوال لبعض السلف , أحتسب نومتي وقومتي , إلى آخره لأن النوم صار عبادة , وأن شرب الماء بنفسه صار عبادة , لا ليس كذلك , العبادات توقيفية , لابد أن يكون الشيء مأمورا به ابتداء , فالعبادات محصورة قولية كانت أو عملية , والنوم يبقى على أصله أنه مباح , إن اتخذه وسيلة إلى ترك واجب , كالنوم عن الصلاة عمدا مثلا , صار هذا النوم محرما , يعاقب على ماذا؟ على فعل النوم أو على نيته؟ ..... إن قلنا بما سبق بأن النوم انقلب فى نفسه صار محرما , - حينئذ - يعاقب على نفس النوم وليس الأمر كذلك , بل يعاقب على النية وإذا اتخذ هذا النوم وسيلة إلى الطاعة والعبادة يتقوى به على العبادة , - حينئذ - لا نقول النوم نفسه عبادة .. لا , وإنما يثاب على نيته , وأما النوم فهو كاسمه نوم ليس بعبادة , إذًا المباح على مرتبتين: مباح باق على أصل الإباحة، وهو الذي يعنيه الأصوليون بماذا؟ بهذه الحدود , ومباح انتقل عن وصف الإباحة فأخذ حكم ما صار وسيلة إليه , والأمثلة كثيرة ولعلها معلومة عندكم.

(2/12)

________________________________________

"وليس في المباح من ثواب": من ثواب إيش إعراب ثواب؟ من: هذه زائدة , أحسنت قربت من هذه زائدة , وثواب اسم ليس مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد , من هذه صلة , وأصل التركيب وليس ثواب فى المباح ,"في المباح": متعلق بمحذوف خبر ليس مقدم , ولا إشكال في هذا وليس فى المباح من ثواب , ليس ثواب في المباح فعلا وتركا , يعنى إن فعله لا يثاب ولا يعاقب كذلك , وإن تركه , لا يثاب ولا يعاقب , فاستوى فيه الأمران , ولذلك عبر الأصوليون بالتخيير, والتخييرالمراد به استواء الأمرين فعلا وتركا , فالثواب والعقاب ينفيان عن الفعل كما أنهما ينفيان عن الترك , "فعلا وتركا": منصوبان على التمييز, والتمييز عوض عن المضاف إليه فعله وتركه , فعلا وتركا وبعضهم جوز أن يكون منصوبا بنزع الخافض بفعله وتركه , والنصب على التمييزأولى لأن الثانى هذا مختلف فيه , "بل ولا عقاب": بل: هذه للانتقال. إذًا المباح ليس فى فعله ولا تركه ثواب ولا عقاب , قوله: ثواب ولا عقاب: متعلق بالفعل: بكل من الفعل، وبكل من الترك , وليس فى المباح من ثواب ولاعقاب فعلا , وليس في المباح من ثواب ولاعقاب تركا , إذًا الثواب والعقاب متعلقان بالفعل كما أنهما متعلقان بالترك , ثم قال: ـ

وضابط المكره عكس ما ندب ... كذالك الحرام عكس ما يجب

هذا النوع الرابع أين الخامس؟

وضابط المكروه عكس ما ندب , وضابط يعنى حد أو تعريف , وإن كان الضابط يطلق بمعنى القاعدة والأساس والقانون والأصل , وكلها مترادفة للصلة , أما فى المعنى اللغوي فبينهما خلاف , وضابط المكروه يعني قاعدة المكروه والأساس الذى ينبنى عليه معنى المكروه , المكروه عكس ما ندب , المكروه ضد المندوب, وهو لغةً: ضد المحبوب , أخذا من الكراهة , وقيل من الكريهة وهى الشدة فى الحر يقال يوم الحر يوم الكريهة.

وأما في الاصطلاح فنقول: ـ

(2/13)

________________________________________

المكروه: ما طلب الشارع تركه طلبا غير جازما , "ما": اسم موصول بمعنى الذي دخل فيه فعل المكلف بأنواعه الثلاثة , وشمل الأحكام التكليفية الخمسة , "طلب الشارع": عرفنا المراد بالشارع بأنه خبر عن الله - تعالى - وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - , "تركه": خرج ما طلب الشارع فعله , وهو الواجب والمندوب، "طلبا غير جازم": دخل معنا فى قوله طلب الشارع تركه: المحرم وكذلك المكروه , ونحن نريد أن نحد ونعرف المكروه , "طلبا غير جازم": أخرج به المحرم , إذًا الطلب - طلب الترك - على مرتبتين طلب ترك غير جازم , وطلب ترك يعتبر جازما , كيف نفرق؟ نفرق هنا إذا جاء النص بصيغة النهى دون قرينة صارفة للنهى من التحريم , يعنى جاء بصيغة لا تفعل وليس ثَمَّ قرينة صارفة فنقول لا تفعل دل على الجزم - حينئذ - نحمله على التحريم , أو رتب العقوبة على ماذا؟ على الفعل إن فعلته فرتب عليه عقوبة دنيوية كحد مثلا أوأخروية نقول هذا طلب ترك يعتبر جازما لأن لا تفعل دون قرينة محمولة على التحريم أوالنهى المطلق والنهى للتحريم وكذلك ترتيب العقوبة الدنيوية أو الأخروية أو هما معا على فعل فى الدنيا يعتبر ماذا؟ يعتبر محرما , ماعدا هذين النوعين فهو طلب غير جازم , ويوصف بالكراهة التنزيهية عند جماهير الأصوليين.

"وضابط المكروه عكس ما ندب": ضابط هذا مبتدأ , وعكس هذا خبره , والعكس المراد به هنا العكس اللغوى وليس العكس الاصطلاحي الذي يذكره المناطقة وغيرهم , عكس يعنى خلاف ما ندب , يعنى خلاف المندوب , "ما": هذه اسم موصول، و"نُدب": هذا فعل مغير الصيغة وصلة الموصول عند البيانيين أهل البلاغة الموصول مع صلته فى قوة المشتق , يعنى يفسر باسم فاعل أو باسم مفعول , يعنى تأتى في محل الصلة مع موصولها باسم المفعول , هنا عكس ما ندب عكس المندوب , يعني تأخذ ما ندب وتأتى فى موضعه بمشتق إما اسم فاعل وإما اسم مفعول , وإنما تفك هذه الصفة ويرجع إلى أصله لأغراض معلومة عند البيانيين , عكس ما ندب , ماهو المندوب على ماذكره الناظم؟

ما يثاب فاعله امتثالا ولا يعاقب تاركه , وهنا عكس المكروه , وهو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله , ونحتاج إلى التقييد لأن الامتثال شرط وقيد فى الفعل كما أنه شرط وقيد فى الترك , يعنى لا ثواب إلا بنية , كما قال هناك: ـ

ومثله الترك لما يحرم ... من غير قصد ذا نعم مسلم

فإذا ترك المحرم أو ترك المكروه لا ثواب إلا بنية , لكن هل تبرأ الذمة؟ نقول: نعم , {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} الإسراء: 32 ترك: ما خطر بباله الزنى مأجور يؤجر؟ ... ما خطر بباله أبدا يؤجر أو لا يؤجر؟ ... ترك المحرم أولا؟ ... ترك المحرم قطعا برئت الذمة , يعنى لا يحاسب على فعل شىء إن لم يفعله , لأن المحرم إنما يكون على شيء قد أوقعه وأحدثه هو لم يفعل الزنا ولم يرابى إلى آخره , فإذا لم يحصل منه المحرم - حينئذ - برئت الذمة , نعم ذا مسلم , مسلم من الإثم , لكن هل يثاب؟ الجواب: لا

لابد أن يترك هذه المحرمات قاصدا القربى وامتثالا لنهى الله - تعالى -

(2/14)

________________________________________

ولذلك نقول على مثل هذا الموضع كم وكم من إنسان يضيع على نفسه من الثواب العظيم؟ كم يترك من المحرمات؟ سماع الأغانى ربا إلى آخره لكن قد لايحتسب أنه ما تركها إلا من أجل الله - تعالى - , يعنى خوفا من الله تعالى , أما إذا لم يحدث نفسه , ولم يخطربباله ولم يعلم به أصلا هذا لا ثواب ,لا يثاب لماذا؟ لأنه لاثواب إلا بنية فعلا وتركا

ومثله الترك لما يحرم ... من غير قصد ذا نعم مسلم

نعم هو مسلم من الإثم , لكنه لا ثواب ,يعنى برئت الذمة بمجرد ترك المعاصي , والحكم في المكروهات والحكم فى المحرمات سيان كل منهما ترك فلا ثواب إلا بنية.

إذًا: "وضابط المكروه عكس ما ندب": يثاب تاركه امتثالا , وأما إذا لم يمتثل لا ثواب ولا يعاقب فاعله, لو فعله لا يعاقب , ولا يسمى فاسقا بخلاف المحرم لو فعله فإنه قد يحكم عليه بالفسق.

 

"كذلك الحرام عكس ما يجب": المكروه كما ذكرنا فيما سبق , أن المراد به الكراهة التنزيهية , وهو مجرد اصطلاح عند الأصوليين فلا يفسر به الكتاب والسنة , بل أطلق المكروه مرادا به المحرم , ولذلك هو عند الأحناف على مرتبتين: ـ مكروه كراهة تحريم , ومكروه كراهة تنزيه , وهذا أقرب إلى الشرع , وأما عند جماهير الأصوليين فلا فرق بين المحرم والمكروه كراهة تنزيهية، قال تعالى:

{كل ذَلِكَ كان سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} الإسراء: 38 يعنى محرما فالمكروه هنا بمعنى التحريم , وكذلك هو فى عبارات كثير من السلف المتقدمين , المكروه بمعنى المحرم - حينئذ - لابد من أن يقف طالب العلم إذا وجد مثل هذه المصطلحات أوهذه الألفاظ لا يحملها على المصطلح الخاص ومثله القضاء والأداء:

{گ گ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا} النساء: 103 قضيتم: الصلاة يعنى القضاء بمعنى إخراج الفعل عن وقته؟ الجواب: "لا".

"كذلك الحرام عكس ما يجب": كذلك: هذا حال مقدم , والحرام هذا مبتدأ , وعكس ما يجب يعنى عكس الواجب , والعكس هنا بمعنى المخالف , وما يجب كما ذكرنا فى ما ندب , بمعنى الواجب , والحرام - في اللغة - هو المنع أو الممنوع ويسمى المحظور {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} الأنبياء: 95 {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} القصص: 12 جاء التحريم بمعنى المنع , وأما في الاصطلاح: فهو ما طلب الشارع تركه طلبا جازما , والشرح كما سبق , وحكمه: قال الناظم هنا "عكس ما يجب"

فهو ما يثاب على تركه امتثالا ويعاقب على فعله , هناك الواجب ما يعاقب على تركه , وهنا الحرام يعاقب على فعله , هناك يثاب على الفعل امتثالا وهنا يثاب على الترك امتثالا , إذا هو عكسه , والمراد بالعكسية هنا باعتبار تقسيم أحكام التكاليف يعنى التى سبقت , وأما فى الشرع فلا , الحرام فى المقابل الحلال:

{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} النحل: 116 إذا هذا معنى الحرام ويسمى محظورا , ثم قال - رحمه الله تعالى - بعدما انتهى من الأحكام التكليفية الخمسة على ما سبق بيانه بشيء من الاختصار.

وضابط الصحيح ما تعلقا ... به نفوذ واعتداد مطلقا

(2/15)

________________________________________

وضابط الصحيح كما سبق فى ضابط المكروه بمعنى القاعدة والأساس , أراد أن يُعرف معنى الصحيح , وعرفنا الصحيح أنه من الأحكام الشرعية الوضعية ليس التكليفية , خلافا لظاهر كلام الناظم كأصله , المراد به الحكم الشرعى التكليفى وليس هو من الحكم التكليفى , بل هو من الحكم الوضعى , الصحيح فعيل: صفة مشبهة , مأخوذ من الصحة وهو السليم ضد المريض , وأما في الاصطلاح فعرفه بقوله: ما تعلق به نفوذ واعتداد مطلقا , ما تعلق، "ما": يعنى الذي يعنى فعل المكلف , "تعلقا": هذه الألف للإطلاق تعلق به ماذا؟ .... "نفوذ": أصله من نفوذ السهم نفوذ فعول أصله مأخوذ نفوذ السهم , وهوبلوغ المقصود من الرمى , وكذلك العبادة , والعقد وإن كان فى اصطلاح الأصوليين لا يعبر عن العبادة بأنها نافذة , وإنما هو يختص بالعقد , يقال عقد نافذ بمعنى أنه ترتب عليه أثره فى الشرع , إذا ترتب أثر العقد على العقد من حل الانتفاع مثلا , أو انتقال الملكية أو استعمال المنفعة ونحو ذلك , يقال العقد نافذ ومعتد به , وأما العبادة فإنها توصف بالاعتداد ولا توصف بالنفوذ , فيقال هذه صلاة معتد بها متى؟ .... إذا استجمعت الشروط وانتفت الموانع , تقول هذه صلاة معتد بها ,يعنى صحيحة , وهذا عقد معتد به , وأما النفوذ فهو خاص بالعقد دون العبادة , "ما تعلقا": هذه الألف للإطلاق , "نفوذ": فاعل تعلق , "واعتداد به": في الشرع , بأن يكون قد جمع ما يعتبر فيه شرعا عبادة أو معاملة , ولذلك قال الناظم: "مطلقا": فالإطلاق المراد به هنا أن هذا الوصف ليس خاصا بالعبادات دون المعاملات ولا المعاملات دون العبادات فالصحة وصف عام واعتداد مطلقا ثم قال: ـ

 

والفاسد الذي به لم تعتدد ... ولم يكن بنافذ إذ عقد

الفاسد ضد الصحيح , الصحيح ما ترتب عليه الأحكام الشرعية , الفاسد عكسه , إما لاختلال شرط أو وجود مانع , - حينئذ - نقول هذا العقد باطل فاسد , هذه العبادة أي الصلاة فاسدة باطلة , والفساد والبطلان بمعنى واحد عند جماهير أهل الأصول - حينئذ - نقول هذه عبادة فاسدة لماذا؟ لعدم استجماع الشروط أو وجود الموانع , أو مانع واحد , فنحكم على الصلاة بأنها فاسدة أو باطلة كذلك العقد إذا لم يستجمع الشروط أو يوجد مانع - حينئذ - نحكم عليه بكونه فاسداً أو باطلا , وهما مترادفان , والفاسد من حيث وصفه بالفساد وهو فى اللغة: الذاهب ضياعا وخسرا , "الذي به لم تعتدد": يعنى الذي لم تعتدد به أنت , ولم يكن بنافذ , الباء: هذه زائدة {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} التين: 8 يعنى واقعة في خبر يكن , وهو قياس مضطرد , ولم يكن نافذا "ولم يكن بنافذ": هذا تأكيد، "إذ عقد".

(2/16)

________________________________________

إذًا نقول النفوذ قال بعضهم من فعل المكلف والاعتداد من فعل الشارع ,وقيل معناهما واحد, على خلاف بين الأصولين وغيرهم , الصحة في العبادة الإجزاء وإسقاط الطلب هذاهو المشهور, خلاف ما عبر به الناظم تبعا لأصله , الصحة في عبادة الإجزاء وإسقاط الطلب , نقول هذه عبادة مجزئة , بمعنى أن المكلف لا يطالب بالإعادة ... لو صلى الظهر مثلا صلاة مستجمعة للشروط وانتفت الموانع , هل يطالب بالإعادة؟ لا يطالب بالإعادة نقول هذه صلاة مجزئة صحيحة - حينئذ - برئت الذمة وأسقط الطلب يعني انتهى طلب الرب - جل وعلا - من العبد المكلف بفعل العبادة الصحة فى المعاملات ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد , ما المقصود من البيع؟ هو أن يمتلك المشترى السلعة , ويمتلك البائع الثمن , وهذا مرده إلى الشرع وليس إليهما , إن حكم الشرع بأن الملكية ملكيةالثمن انتقلت من المشترى إلى البائع , وملكية السلعة انتقلت من البائع إلى المشترى - حينئذ - نقول هذا العقد صحيح , لأن الثمرة والأثر ترتب , كذلك عقد النكاح , إذا ترتب حل الانتفاع بالمرأة - حينئذ - نقول هذا النكاح صحيح , إذًا الصحة في المعاملات ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد , الفساد في العبادة عكس الصحة فى العبادة عدم الإجزاء ... وعدم إسقاط الطلب إذا لم تكن هذه العبادة مجزئة وصار المكلف مطالبا بالإعادة , قلنا هذه العبادة الفاسدة , الفساد في المعاملات عدم ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد

وضابط الصحيح ما تعلقا ... به نفوذ واعتداد مطلقا

والفاسد الذى به لم تعتدد ... ولم يكن بنافذ إذا عقد

هذان الحكمان من الأحكام الشرعية الوضعية وليسا بحكمين من الأحكام الشرعية التكليفية هذا هو المشهور عند أهل العلم.

ونقف على هذا وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(2/17)

________________________________________

الحمدُ لله والصلاة والسلام علي رسُول الله وعلى اله وصحبه أجمعين

قال الناظم رحمه الله تعالى:-

وَالْعِلْمُ لَفْظٌ لِلْعُمُومِ لَمْ يَخُصْ (1)

وَعِلْمُنَا ... مَعْرِفَةُ المَعومِ ... إنْ طَابَقَتْ لِوَصْفِهِ الْمَحْتُومِ

وَالْجَهْلُ قُلْ تَصَوُّرُ الْشَّيءِ عَلَي ... خِلافِ وَصْفِهِ الَّذي بِهِ عَلاَ

وَقِيلَ حَدُّ الجَهْلِ فَقْدُ الْعِلْمِ ... بَسِيطًا أو مُرَكَّبَا قَدْ سُمِّي

بَسِيطُهُ فِي كُلِّ مَا تَحْتَ الْثَرَى ... تركيبُه فِي كُلِّ مَا تُصُوِّرَا

وَالْعِلْمُ إمَّا بِاضطِرارٍ يَحْصُلُ ... أَوْ بِاكْتِسَابٍ حَاصِلٌ فَالأولُ

كَالْمُسْتَفَادِ ... بِالْحَوَاسِّ ... الْخَمْسِ ... بالشمِّ أَوْ بالذَّوقِ أَوْ بِاللَّمْسِ

وَالسَّمْعِ وَالإِبْصَارِ ثُمَّ الْتَّالِي ... مَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَي اسْتِدْلاَلِ

وَحَدُّ الاسْتِدْلالِ قُلْ مَا يَجْتَلِبْ (2) ... لَنَا دَلِيلاً مُرْشِدًا لِمَا طُلِبْ

وَالظَّنُّ تَجْوِيزُ امرىء أَمْرَيْنِ ... مُرَجِّحًا لأحدِ الأَمْرَيْنِ

فَالرَّاجحُ الْمَذْكُورُ ظَنَّا يُسْمَى ... وَالطَّرَفُ المَرْجُوحُ يُسْمَى وَهْمَا

والشَّكُّ تَجْويزٌ (3) ... بِلاَ رُجْحَانِ

أَمَّا أُصُولُ الْفِقْهِ مَعنًى بالنَّظَرْ ... لِلْفنِّ في تَعْرِيفِهِ فالْمُعْتَبَرْ

في ذَاكَ طُرْقُ الْفِقْهِ أعْني الْمُجْمَلَهْ ... كَالأَمْرِ أَوْ كَالْنَّهْي لا الْمُفَصَّلَة

وَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بالأُصُولِ ... وَالْعَالِمُ الذِي هُوَ لأُصُولِي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله والصلاة والسلام علي نبينا محمد وعلي اله وصحبه أجمعين أما بعد:

بَيَّنَ لنا الناظم - رحمه الله تعالى - تبعا للأصل الحكم الشرعي وأقسامه إنه سبعة علي رأيه، وبين ضابط كل واحد من هذه السبعة شرع في بعض المصطلحات التي يمكن أن يكون لها ارتباط بالحد السابق وهو بيان العلاقة والنسبة بين العلم والفقه ... ما حقيقة العلم، ما حقيقة ضد العلم - نقيضَ العلم - وهو الجهل ما هي أقسام الجهل ثم الإدراكات غير الجازمة الظن والوهم والشك ثم خَتَمَ الباب بما بدا به الباب باب أصول الفقه:

__________

(1) - والعلمُ لفظ للعموم لم يَخُص في بعض (الكتب يُخَصْ) بفتح الياء لم يَخُصْ للفقه مفهوماً لو كان يُخَصْ ما صح أن يقال ... للفقهِ مَفْهُومَاً بَلِ الْفِقْهُ أَخَصْ ...

مفهوماً بالنصب.

(2) - ما يَجْتَلِب مبني علي الفاعل بفتح الياء إذ قال دليلا لو قال يُجْتَلَب ما صح دليلاً.

 

(3) - في النسخ (تحرير) والصحيح تجويزٌ (والشَّكُّ تَجْويزٌ بِلاَ رُجْحَانِ لِوَاحِدٍ حَيْثُ اسْتَوى الأمْرَانِ) تحرير وإن كان صاحب اللطائف والإشارات أثبتها لكن الظاهر أنها تجويز معنى أدق وجدتها في بعض المخطوطات تجويز كذلك، للأسف الأصل الإخوة كانوا يصوروا لكم النسخة التي صححتها علي بعض المخطوطات موجودة في الموقع وهذه النسخة مصححة جيدا علي بعض المخطوطات. ... لِوَاحِدٍ حَيْثُ اسْتَوى الأمْرَانِ

(3/1)

________________________________________

"هاك أصول الفقه لفظا لقبا للفن من جزأين قد تركبا"

عرف أصول الفقه من حيث كونُه مركباً إضافياً ثُم خَتَمَ الباب بالمعنى الثاني لأصول الفقه، وذكرنا أن أصول الفقه له معنيان: معنى إضافي - سبق بيانُهُ - ومعنًى باعتبار كونِه لقباً وعلماً لهذا الفن بدا بالأول في أول الباب، وختم في آخر الباب بالثاني.

"والعلمُ لفظٌ للعمومِ": لفظ العلم عام، والعام هو: ما استغرق أفراداً لا حصر لها ولفظ العلم لفظ عام بمعنى انه يَصدُقُ علي التفسير أنه علم، ويصدق علي الحديث أنه علم، ويصدق علي النحو أنه علم، ويصدق علي البلاغة أنها علم، والهندسة علم، والطب علم. إذاً له أفراد سواء كانت الأفراد هذه علوما شرعيه أو علوما دنيوية - حينئذٍ - نفهم من هذا أن العلاقة بين الفقه، وبين العلم الفقه بالمعني الشرعي السابق العلاقة بينهما العموم، والخصوص المطلق: فكل فقهٍ علمٌ، ولا عكس ... صحيح كل فقهٍ علم الفقه لا يخرج عن حد العلم هو فرد من أفراده كما أن التفسير فرد من أفراد العلم لكن هل كل علم هو فقه؟ هل كل علم هو فقه؟ الجواب: "لا". من العلم ما هو تفسير، وليس بفقه، والمراد بالفقه هنا بالمعنى الشرعي الذي عرفه المصنف بقوله:

 

"والفقه علم كل حكم شرعي **** جاء اجتهاداً دون حُكمٌ قطعي"

 

وان شئت: قل العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، ونحن نسقط قولهم المكتسب لأن المكتسب هذا أرادوا به الاحتراز عن القطعي، وهذا ليس بصحيح بل الصواب أن الفروع سواء كانت قطعية ثبوت الدلالة أو كانت ظنية فهي فقه، وتخصيص الفقه بالشيء الظني ليس عليه دليل واضح.

"والعلم لفظ للعموم": فهو عام يشمل الفقه، ويشمل غيره من سائر العلوم.

"لم يخص للفقه": بالمعنى الشرعي الذي ذكرناه سابقا العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية - علي المشهور - أو الذي قدمه في جمع الجوامع وتبعه السيوطي في الكوكب الساطع لم يَخُصْ للفقه بالمعني الشرعي "مفهوماً لم يَخُص": يعني هذا العلم لفظُهُ من حيث المفهوم، والمعنى لم يخص بالفقه يعنى لا يُعتبرُ مقصورا على علمِ الفقه لأنه سبق أن العلم أُخذَ جنسا في حد الفقه نعم، والفقه علم كل حكم شرعي وعند المناطقه أن المحدود والحد الذي هو الجنس لابد أن يكون بينهما علاقة، وهي العموم والخصوص المطلق بمعنى أنهما يجتمعان في مادة وينفرِد أحَدُهُما عنِ الأخر في مادة أخري، والأخص لا ينفرد عن العام ألبته، والأعم ينفرد عن الأخص بصورة لا يَشْرَكُه فيها الأخص ... إذا قيل: بين العلم، والفقه العموم والخصوص المطلق فكل فقه علم - حينئذٍ - لا يمكن أن يوجد الفقه ولا يَكُونُ علما .... هل يُتَصور أن يوجد الفقه، ولا يكون علماً؟ ... "لا". إذًا لا يوجد الأخص إلا ومعه الأعم، لكن هل يتصور أن يوجد العلم، ولا يكون فقها؟ ... "نعم". التفسير هذا علم، وليس بفقه. إذاً انفرد بصورة لا يَشرَكُه فيها الأخص، ولذلك نقول:

(3/2)

________________________________________

كُلَما وجِدَ الأخص وجد الأعم، ولا عكس: يوجد الأعم وهو العلم ولا يلزم منه أن يوجد الفقه، ولكن: إذا وجد الأخص - وهو الفقه - حينئذٍ - لزم وجود الأعم وهو العلم فنسبة العموم والخصوص المطلق كما بين الإنسان والحيوان هكذا مثل الأصوليون فكلُ فقهٍ علم، وليس كلُ علمٍ فقها، وكل فَقِيه عالم، وليس كل عالمٍ فقيهاً.

"والعلم لفظٌ للعموم لم يَخُصْ للفقه": يعنى بالمعنى الشرعي، "مفهوما بل الفقهُ أخص": من العلم بالمعنى العرفي العام.

ثم لما بين العلاقة من حيث اللفظ وما يصدق عليه لفظ العلم أراد أن يبين لنا حد العلم ما هو العلم؟ ...

وعِلْمُنَا مَعْرِفَة المَعْلُومِ ***** إنْ طَابَقت لِوصفِه المحتومِ

 

قال: "وعِلْمُنَا": أضافَهُ إلى "نا" دل علي المتكلم ومعه غيرُه، وهذا نستفيد منه أنه أراد أن يبين العلم الذي يُوصفُ بِكونِه علما حادثا، وليس بالعلم الأزلي الذي يكون صفهً للرب - جل وعلا - حينئذٍ - هذا الحد إنما يختص بالعلم البشري - علم المخلوق - "وعِلْمُنَا معرفةُ المعلوم":ِ والعلم له معنى لغوي، ومعنى اصطلاحي.

العلم في اللغة: ما تُعرَفُ به الأشياء، وهو نقيض الجهل - فهما نقيضان - "وعَلِمَ بالشيء، وشَعَرَ به وعلم بالأمر": تعلمه، وأتقنه، وعَرَفَهُ والمشهور عند الكثير أن المعرفة أخصُ من العلم هذا المشهور عند الكثير أن المعرفة، والعلم متغايران، والمعرفة أخص من العلم، والصواب: أن العلم، والمعرفة عند أكثر أهل اللغة مترادفان، ويجمعهما أنهما بمعنى الإدراك، ولذلك قال في الكليات والمعنى الحقيقيُ لِلفظ العلم هو الإدراك، والإدراك المراد به: وصول النفس إلي المعنى بتمامه إذا وصلت النفس التي بها العقل والإدراك إلي معنى اللفظ بتمامه من غير شك فيه يسمى ماذا؟ ... يسمى إدراكا. عندنا إدراك، وعندنا مُتَعَلَق الإدراك - حينئذٍ - إذا أدرك معنى لفظ السماء، ومعنى لفظ الماء - حينئذٍ - إذا علم المراد باللفظ: السماء ... ما المراد به؟ ... كذا وكذا، ما المراد باللفظ: الأرض؟ ... كذا وكذا، ما المراد بلفظ: الماء؟ ... كذا وكذا. إذا عَرَفَ المعنى المراد من هذه المفردات هذا يسمى ماذا يسمى إدراكا، فالإدراك هو الذي يحصل في النفس، ومتعلق الإدراك هو هذه الألفاظ، وانظر الإدراك هنا حصل بماذا؟ ... بلفظ مفرد وهو لفظ السماء - مثلا - أو لفظ الأرض - مثلا -، وقد يكون مُتَعَلَق الإدراك المُرَكَبَات وهو - بالاختصار من أجل إيصال فائدة -: ما يسمى بالجملة الاسمية، والجملة الخبرية عند النحاة، فإذا كان مُتَعَلَق الإدراك: الجملة الاسمية زيدٌ قائمٌ عَرَفتَ المراد به، وأدركتَ وقوع النسبة التي هي: قيام زيد في الواقع في الوجود - حينئذٍ - إذا أدركتها يُسمى ماذا؟ ... يُسمى تصديقا عندهم، والأول يُسَمى تصورا قامَ زيدٌ: فعل، وفاعل إذا عَرَفَتَ المراد بهذه الجملة، وأدركت النسبة التي هي نسبة القيام إلي زيد في الزمن الماضي، وأنها واقعة بالفعل أو عدم وقوعِها بالفعل هذا يسمى تصديقا:

 

إدراكُ مفردٍ تصوراً عُلِمْ ***** ودرك نسبة بتصديق وسِم

(3/3)

________________________________________

إذاً مراد هذا التعريف أن الصحيح - لأن قل من نبه علي هذا - تم خلط عند الأصوليين، وغيرهم، وممن قلدهم في معنى العلم، والمعرفة الصحيح أن العلم يُفَسَرَ بالإدراك هذا الذي ذكره في الكليات، والمعني الحقيقيُ للفظِ العلم هو: الإدراكُ، ثُم الشيء المدرك الذي تعلق به الإدراك إما أن يكون مفرد، وإما أن يكون جملة، فان كان مفرداً سُمِّي تصورا، وإن كان جملة اسمية أو جملة فعلية سُمِّي تصديقا:

إدراكُ مفردٍ تصوراً عُلِمْ ***** ودرك نسبة بتصديق وسِم

 

أي وسم بتصديقه، والمعنى الحقيقي للفظ العلم هو الإدراك، ولهذا المعنى مُتَعَلَقٌ وهو المعلوم يعني: ثَمَ عِلم، وَثَمَ معلوم. العلم: هو الإدراك نفسه: وصول النفسِ إلي المعني بِتَمَامِه، متعلق الإدراك: أدركت ماذا أدركت؟ .. معنى قام زيد فمعنى قام زيد: أي قام بالنفس، وهذا هو العلم، وتعلق هذا العلم بالشيء المُدرِك، ويطلق علية أنه المعلوم. فَثَمَ تغاير بين العلم، والمعلوم وله تابع في الحصول يكون وسيلة إليه في البقاء وهو المَلَكَة، ولذلك يطلق في كثير من الشروحات يُقال العِلمُ إما يُفَسَر بالإدراك، وإما أن يفسر بالملكة، وإما أن يفسر بالمسائل كثر من أرباب الشروح، والحواشي يقول: المراد بالعلم هنا إدراك المسائل، ولذلك تجده في: - مثلا - حد الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية إدراك الأحكام الشرعية أو مَلَكَةٌ يقتدر بها علي تحصيل الجزئيات من تلك القواعد أو المسائل أنفُسُهَا، ولكن الصواب أن إطلاق العلمِ علي الإدراك حقيقة، وعلي غيره إما أنه اصطلاح، وإما أنه من قبيل المجاز، هنا قال: "وعلمنا": نحن مخلوقون.

 

وعِلْمُنَا مَعْرِفَة المَعْلُومِ ***** إنْ طَابَقت لِوصفِه المحتومِ

 

هذان قيدان معرفة المعلوم ثَمَ دَوْرٌ في هذا التعريف لماذا؟ .. لأنه اخذ وصفاً من لفظ المحدود جعله فصلاً أو جنساً في الحد لأنه يُقال مثلاً ما هو العلم تقول معرفة المعلوم ما هو هذا المعلوم؟ المعلوم اسم مفعول كذلك مشتق من العلم لا يمكن أن تعرف المعلوم إلا إذا عَرَفْتَ معنى العلم كما تقول: زيدٌ مضروب هل يمكن أن تَعْرِفْ معني مضروب دون أن تَعْرِفْ معنى الضرب؟ ... يمكن؟! .... لا يمكن.

إذاً لابد أن تعرف أولًا ما اشتق منه لفظ مضروب حتى تعرف معنى مضروب كذلك هنا معرفة المعلوم ما هو المعلوم؟ ... المتصف بالعلم، ما هو العلم؟ ... معرِفَةُ المعلوم ما هو المعلوم؟ .... الشيء المتصف بالعلم ما هو العلمُ معرفة ... هذا يسمي ماذا؟ ... دَوْرَاً يعني تجلس من العشاء إلي الصباح وأنت علي هذا المنوال ما هو العلم؟ ... معرفة المعلوم، ما هو المعلوم؟ ... المتصف بالعلم، ما هو العلم؟ .... معرفة المعلوم.

هذا يُسَمَى ماذا؟ ... يُسَمَى دَوْرَاً. يسمى دورا عند المناطقة فلا يصح اخذ ما اشتق منه المحدود في الحد، ولذلك صار هذا التعريف منتقداً، ولكن الجواب عنه أن يقال بأن المرادَ بالعلمِ هُنا ما من شأنه أن يُعْلَىَ يعنى شيء بالإمكان أن يعلي لم يقع العلم بالفعل حتى يحصل ماذا الدور إنما هو شيء من شأنه ومن صفته انه لو توجه إليه الإنسان بقوته لأدركه وليس المراد أنه الشيء المتصف بالعلم بالفعل "وعِلْمُنَا مَعْرِفَة المَعْلُوم":

(3/4)

________________________________________

معرفة: المراد بها عندهم: الإدراك الجازم المتعلِق بما من شأنه أن يُعْلَمَ، "إنْ طَابَقت لِوصفِه المحتومِ":

إنْ طابقت لوصفه: إنْ: هذه شرطية يعني ليس كل معرفة فعندنا هذه المعرفة مقيدة .... مقيدة بماذا؟ ... بشرط المطابقة .. مطابقة لأي شي؟ .. للواقع - فحينئذٍ - معرفة المعلوم الإدراك قد يكون مطابقا للواقع، وقد لا يكون أليس كذلك؟ ... نحن في يوم ماذا؟ .. - مثلا - نحن في ليلة الأربعاء - مثلا - لو قلت أنا هكذا: نحن في ليلة الأربِعاء نقول: هذا معرفة، وهو إدراك وجَزمتُ به لكن هل طابق الواقع لم يطابق الواقع لا يسمي علما ... لا يسمي علماً لماذا؟ .. لفقد شرط المعرفة، وهي أن تكون هذه المعرفة مطابقة للواقع يعني للشيء الخارج عندهم داخل، وخارج ليس داخل البلد، وخارج البلد، وإنما داخل العقل، وخارج العقل ما كان داخل العقل الذي يُعَبَرَ عنه بالذهنيات والمعقولات والمعلومات .. إلي آخره، وما كان خارجا عن العقل وهو الشيء الواقع فإذا قلت - مثلا - خارج الواقع الليلة - مثلا - ليلة الثلاثاء، وليس ليلة الأربعاء قلت الليلة هذه ليلة الأربعاء - حينئذٍ - أقول هذا إدراك، وجازم لكنه لم يطابق الواقع، ولذلك قال الناظم: إن: هذه شرط، وإذا جيء بإن علمت أن ما بعدها وهي بنفسها كذلك تكونُ شرطاً لِمَا قبلها، والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه - حينئذٍ - إذا انتفي هذا الشرط - ولو وجدت معرفة المعلوم - لا يسمى علما.

"إن طابقت": هذه تاء التأنيث، والضمير هنا يعود علي المعرفة إن طابقت هذه المعرفة "لوصفه": اللام: هذه زائدة، وهذا استعمال شاذ عند أهل اللغة لأن الفعل لا يتعدي بنفسه لا يصح أن يتقوي بحرف يُوصَلُ به لما بعده إلا إذا تقدم تقول: ضربتُ زيداً. زيدا: هذا مفعول به - حينئذٍ - ضرب تعدي بنفسه لا يحتاج إلي واسطة لذلك إذا قلتُ: ضربت لزيدٍ وجعلتَ زيداً مفعولا به، واللام زائدة سُمِعَ هذا لكنه شاذ، والقياس أنه إذا تقدم المفعول علي عامله جاز أن يُتَوَصَل إليه العامل بحرف جر زائد لو قلت: زيداً ضربته هنا تقدم المعمول علي عامله - أصول الفقه والنحو قرينان إذا أردت فكاك احدهما من الأخر هذا محال - زيدا ضربته: زيدا: هذا مفعول به وضربته عامل متأخر بمثل هذا التركيب جائز القياس أن تدخل اللام علي زيد - حينئذٍ - يجر في اللفظ فقط فتقول: لزيدٍ ضربته ضربت: فعل وفاعل، واللام: هذه حرف جر زائد، وزيدٍ: مفعول به منصوب ونصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

هنا: "إن طابقت لوصفه": هل جاء على القياس أو على الشاذ؟ .. على الشاذ لأن الأصل طابقت وصفه - حينئذٍ - جيء باللام هنا نقول: هذا فيه نوع شذوذ، ولعل الناظم أتي بها من اجل النظم:

{إن كنتم للرؤيا تعبرون} يوسف: 43

علي أي نوع؟ على الأصل ... نعم.

(3/5)

________________________________________

لا يقال إن القران شاذ في استعماله إن قيل وهو صحيح أنه قد يأتي فيه ما هو شاذ قياسا لا استعمالا فرق بين الشاذ الاستعمالي والشاذ القياسي الشاذ القياسي المراد به المخالف للقواعد الصرفية، والنحوية، والشاذ استعمالا مخالف للسان العرب من أصله هذا يكون شاذا، ولا يجوز القول به في القرآن، وأما الشاذ قياسا المخالف للقواعد فهو موجود - حينئذٍ - نقول هذا ما يستدرك من القاعدة، وإما أنه يُبْطِل القاعدة من أصلها {إن كنتم للرؤيا تعبرون} يوسف: 43 - إن كنتم تعبرون الرؤيا هذا الأصل تعدي بنفسه لماذا عُدىَّ باللام نقول لكون المعمول تقدم علي عامله، وإذا تقدم المعمول علي عامله ضَعُفَ العامل فاحتاج إلي تقويته فجيء بحرف تقوية هذا يسمى تأكيد عند البيانيين، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} البروج: 16 الأصل فعالٌ ما يريد لأن العامل هنا فعال صيغة مبالغة، وهي فرع في العمل ليست أصل لأن الأصل للعمل للفعل - حينئذٍ - لما جاء العملُ فرعاً احتاج إلي تقويه.

الحاصل: "إن طابقت لوصفه": يعني إن طابقت وصفه. "وصفه": هذا مفعول به والفتحة تكون مقدرة، واللام: هذه زائدة لكنها ليست قياسا بل هي علي جهة الشذوذ، "إن طابقت لوصفه المحتوم":

كأنه قال: وعلمنا معرفة المعلوم المطابقةُ لوصفه فاشترط في هذه المعرفة أن تكون مطابقة لوصفه يعني لهيئته في الواقع وفي الخارج. " المحتوم":

هذا اسم مفعول من الحَتْمِ، والحتم واللازم بمعني واحد فكأنه جعل قيدا في المعرفة وهو كونها إدراكاً جازماً لأن الإدراك قد يكون إدراكا جازما، وقد يكون إدراكا ليس بجازم. الإدراك الجازم عند كثير من الأصوليين وكثير من المناطقه جَرُوا علي أن الإدراك الجازمُ هو العلمُ وما عاداه من سائر الإدراكات فإما أن يكون جهلا مركبا، وإما أن يكون ظنا، وإما أن يكون وهما، وإما أن يكون شكا فالإدراكات لا تخرج عن هذه الأربعة لأن الجهل البسيط لا يريدُ معنى لأنه عدم الإدراك بالكلية فلا يتعلق به إدراك. الإدراك الجازم هو العلم إدراك الشيء علي خلاف ما هو عليه هذا جهل مركب وهو إدراك - إدراك الراجح هذا ظن

إدراك المرجوح هذا وهم - استواء الطرفين مع إدراكهما هذا يسمي شكا إذاً المحتوم هذا اسم مفعول مأخوذ من الحتم والمراد به الجزم إذن كأن المصنف قال - رحمه الله تعالي - العلم معرفة المعلوم علي ما هو به في الواقع فالقيد الأول معرفة المعلوم أخرج به الجهل البسيط لأن الجهل البسيط ليس فيه إدراكٌ بالكلية ما حكم كذا؟ قال: لا ادري لا أعلم نفي الإدراك فهذا يُسمي ماذا؟ يسمى جهلا بسيطا لماذا؟ لأن الجهل هنا ليس فيه إدراك أصلا معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع القيد الثاني أخرج ماذا؟ .. أخرجَ الجهلَ المركب، وهو معرفة المعلوم علي غير وجهه في الواقع يعني لم يكن مطابقا للواقع وهذا يسمي جهلا مركباً، وسيأتي ذكره في التعريف.

وعلمنا معرفة المعلوم ... إن طابقت لوصفه المحتوم

والجهل قل تصور الشيء على ... خلاف وصفه الذي به علا

(3/6)

________________________________________

لماذا عَرَّفَ الجهل؟ نقول: لأن الشيء يتبين بضده وبضدها تتميز الأشياء فلما عرف العلم - حينئذٍ - قلنا القيد الأول أخرج الجهل البسيط، والقيد الثاني أخرج الجهل المركب فاحتجنا إلي معرفة ماذا؟ ... نقيض العلم. الجهل في اللغة: نقيض العلمِ، والجهالة: أن يفعل المرء فعلاً بغير علم، والمجهلة: ما يَحمِل المرء علي الجهل بفعل لا يليق بمثله، والجاهل: الذي لا يعرف، الجاهل في الأصل هو المتصف بنفس الفعل هو المتصف بصفة الجهل فهو الذي لا يعرف وقد يأتي الجاهل بمعني الذي لا خبرة له:

{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} البقرة: 273 الجاهل: هنا المراد به مَنْ لا خبرة له، وليس المراد به هنا الجهل الذي هو الجهل الاصطلاحي. "والجهل قل": في تعريفه "تصور الشيء على خلاف وصفه الذي به علا"

قل أنت هذا من باب تكميل التصور عرفنا المراد بالتصور وهو إدراك المفرد هذا الأصل وقد يطلق التصور عند أهل المناطقه بالمعنى العام يعني سواء أكان مفرداً أو كان أعماً من ذلك لأننا لو قلنا مثلا الليلة هذه الليلة ليلة الأربعاء أو ليلة الخميس هذا في جملة اسمية، وجملة فعلية كذلك، وقد ذكرنا أن الإدراك إذا تعلق بإحدى الجملتين فهو تصديق - حينئذٍ - كيف نعبر عن الجهل المركب وهو إدراك لمركب بأنه تصور نقول التصور المراد به هنا المعنى الأعم فيطلق التصور في مقابلة التصديق فيختص بالمفرد، ويطلق التصور بإطلاقٍ عام فيدخل فيه نوع من أنواع التصديق وهذا بحث منطقي يرجع إليه في موضعه "والجهل قل تصور": أي التصور المطلق فيشمل التصديق، والتصور الساذج الذي لا حكمة معه تصور الشيء المعلوم أي ما من شأنه أن يُعْلَم.

"علي خلاف وصفه": على خلاف هيئته في الواقع عندنا معرفة وعندنا معلوم أليس كذلك؟ ... معرفه المعلوم حصلت هنا ولكن هذا التعريف للجهل إنما المراد به مقابل القيد الثاني في العلم وهو معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع هنا معرفة المعلوم علي غير ما هو به في الواقع - حينئذٍ - نقول هذا يسمي ماذا؟ ... يسمي جهلاً مركبا وعليه - حينئذٍ - يختص هذا الحد بالجهل المركب، وليس عندنا جهلٌ بسيط ألبته فعلى هذا الحد لا ينقسم الجهل إلي قسمين: لا بسيط، ولا مركب مع كون المشهور كما ذكرناه سابقا أن الجهل نوعان: جهل بسيط، وجهل مركب وعلي هذا الحد اختص الجهل بالجهل المركب، وليس عندنا جهل بسيط، وعليه نقول: هذا الحد مُسَلَمٌ أو لا؟ ... غير مُسَلَم لأن الحد إذا لم يشمل، ويجمع أنواع المحدود يعتبر منقوضاً لابد أن يكون الحد جامعا مانعا، وهذا ليس بجامع وإن كان مانعا.

"قل تصور الشيء علي خلاف وصفه": يعني علي خلاف هيئته.

(3/7)

________________________________________

"الذي علا به ": به علا: جار ومجرور متعلق بقوله: علا يعني ارتفع به متى يرتفع؟ ... إذا أدرك علي وجهه وإذا يدرك علي غير وجهه - حينئذٍ - لم يرتفع به واضح هذا؟ .. قال هنا: "تصور الشيء علي خلاف وصفه": أي علي خلاف هيئته إن تصوره علي هيئته الموجودة في الواقع - حينئذٍ - ارتفع بهذا الوصف وبقي الموصوف على صفته، وإذا لم يتصوره علي هيئته نزل به عن درجته إذا تصورت أن رجل زيد من الناس - مثلا - هو عالم، وتصورت أنه ليس بعالم أنزلته أو رفعته زيد من الناس عالم، وتصورت أنه ليس من أهل العلم في شيء أنزلته إذن بتصور هذا لم يوافق الواقع الذي به يرتفع عما تصورته أنا في نفسي وأما إذا تصورته على ما هو عليه في الواقع - حينئذٍ - يرتفع بتلك الصفة.

"والجهل قل تصور الشيء": تصور: يعني تصور مطلق فيشمل التصديق ويشمل إدراك المفرد فلو قال قائل: ما معني الماء؟ ... قال الماء هو شيء سائل يوضع بداخله معه سكر - مثلا - نقول هذا ليس تفسيرا للماء وإنما هو تفسير للشيء آخر فقد فسر المفرد بغير معناه نقول هذا جهل أو لا؟ ... نقول: هذا جهل مع كونه مُتَعَلَقَهُ مفرد أو جملة اسمية أو فعلية؟ مفرد إذن دخل في قوله تصور وما ذكرنا من الأمثلة السابقة يكون مثال للجهل المركب.

 

والجهل قل تصور الشيء على ***** خلاف وصفه الذي به علا

 

وقيل هذا صيغة تضعيف بل هو المرجح كأنه يرى أن الأول هو مُقَدَم، والصواب هو العكس أن الثاني هو المقدم علي الأول، وقيل: أي قال قائل حد الجهل يعني تعريف الجهل فَقْدُ العِلْمِ: عدم العلم، وهذا يدخل تحته النوعان: الجهل البسيط عدم الإدراك بالكلية إذن فقد العلم يعنى عدم العلم كذلك، والذي أدرك الشيء على خلاف وجهه انتفي عنده العلم أو لا؟ .. انتفي عنده العلم إذن فقد العلم عدم العلم يدخل تحت هذا الحد مع أنه من كلمتين يدخل تحته نوعان من أنواع الجهل، وهو محصور فيهما الجهل بسيط لأنه لم يدرك شيئا أصلا: ما يدري. يعني أمور تحتاج إلي سؤال فيقول: لا ادري فحكم قراءة الفاتحة في الصلاة - مثلا - فيقول: ما أدري. جزاك الله خيرًا - حينئذٍ - نقول: هذا عدمٌ للعلم مِنْ أصله لأنه ليس فيه إدراك، وإذا قال بأنها مستحبة هذا فيه تفصيل إن كان مقلدا أو من أهل العلم فله دَلِيلَه، وإن كان من رأسه - حينئذٍ - يكون جاهلا جهلا مركبا لأن القول بالاستحباب موجود لبعض أهل العلم علاوة أنها ركن، والصحيح أنها ركن.

حد الجهل: فقد العلم يعني عدم العلم بالشيء.

(3/8)

________________________________________

هل كل ما يُفْقَدُ العلمُ به يسمي فاقد العلم جاهلا؟ ... يعني لو ما تدري ما تحت الفرش الآن هذا ما تدري إيش تحته صحيح تكونوا جاهلين. الذي لا تقصده النفس لا يُطْلَب من أجل أنْ يُدْرَك أن يُعْلَى نقول: هذا الشيء لمَّا لم تطلبه النفس، ولم يكن مقصودا للنفس عدم العلم به لا يسمى جهلا في الاصطلاح، ولذلك نقول هنا: فقد العلم يعني انتفاء العلم بالمقصود يعني ما من شأنِهِ أنْ يقصده الإنسان أما ما الذي تحت الفرش؟ نقول هذا لا يقصده إلا من بعقله شيء وأما الإنسان السوي هذا لا يتتبع مثل هذه المسائل فلا يحتاج أن يَعرِف هل هنا شيء آخر أو كذا نقول عدم العلم بمثل هذه الأشياء علمٌ، وليس بجهل، وأما الشيءُ الذي يُقْصد ويَطلبه الإنسان ويفتقده نقول: هذا الذي يسمي جهلا. إذن فقد العلم انتفاء العلم بالمقصود أي ما من شأنه أن يُقصد فيُدرك أما الذي لا يقصد كمعرفة الحشرات التي تسير تحت الأرض أو عدد الأموات أو ما نوع الأموات فهذا كله لا يَقصِدُه الإنسان فعدم العلم بهذه الأشياء فنقول: لا يسمى جهلا إما بِأن لا يُدرك أصلاً وهو الجهل البسيط أو بأن يُدرك علي خلاف ما هو عليه في الواقع وهو المركب، ولذلك قال الناظم "بسيطا أو مركبا قد سمي": قد سمي الجهل بسيطا مفعول له أو بالتنوين مُرَكَّبًا معطوفاً علي الأول.

"سُمِّي بسيطا": بسيطا: هذا مفعول، وسُمِّي: تعدي إلي مفعولين أول وثان سُمِّي هذا المفعول الثاني أين مفعوله الأول؟ ... نائب الفاعل لأن سَمَّي هذا الأصل وهنا سُمي - حينئذٍ - نقول هذا مُغَير الصيغة نائب الفاعل هو الذي كان مفعولاً أول ثم بسيطا هذا يكون مفعولا ثانيا أو بالتنوين مركبا قد سُمِّي.

سُمِّي المُرَكَّبُ مُرَكباً لأن فيه جهلين تركب من جهلين ذاك يقول: لا ادري ... ما حكم كذا؟ ... لا أدري نفى - حينئذٍ - هذا جهلٌ واحد بسيط مُسَمَّاهُ شيءٌ واحد، وأما هذا فقد ادعى علمَ شيء لم يعلمه فهو جاهل هذه أولاً لأنه لم يوافق الواقع ويجهل أنه جاهل، وأما إذا عَلِمَ أنه جاهل ومع ذلك يتكلم فتلك مصيبة لأن فيه جهلين: جهل بِالمُدرَك، وجهل بأنه جاهلٌ، وأيهما أخف: الذي يدرى أنه جاهل أو الذي لا يدرى؟ كلٌ له مصيبة من جهة قد لا توجد فيه الأخرى.

 

بسيطه في كل ما تحت الثرى ***** تركيبه في كل ما تصورا

 

"بسيطه": أراد أن يمثل للبسيط بمثال، ويمثل للمُرَكَّبَ بمثال آخر، "بسيطه": هو ... الضمير يعود إلى الجهل يعني بسيط الجهل من باب: ذكر الموصوف لا صفته35 يعنى الجهل بسيط، "بسيطه في كل ما تحت الثرى": كل ما تحت التراب لا يدركه الإنسان يسمى جهلاً الآن .... يُسَلَمَ أولا يُسَلَمَ؟ قلنا: لا يُسَلَمَ له فالمثال هذا ليس بصحيح - حينئذٍ - نقول ليس كل ما تحت الثرى يكون الجهل أو عدم العلم به يوصف صاحبه بكونه جاهلا تأتي مقبرة ولا تعرف من تحت القبور التراب - حينئذٍ - تسمى جاهلا .. لا تسمي جاهلا لا يحتاج أن يوصف لآن هذا اصطلاح فإذا كان كذلك - فحينئذٍ - لا يصح الوصف بكونه جاهلا.

(3/9)

________________________________________

"بسيطه في كل ما تحت الثري تركيبه": يعنى تركيب الجهل. يعني الجهل المركب من باب: إضافة الموصوف إلي صفته، "في كل ما تصورا": مثالٌ "تصورا": الألف: هذه للإطلاق تصور فيه المعلوم علي خلاف هيئته كل مثال: أأتي بما شئت من الأحكام الفقهية القديمة والحديثة ويتكلم المتكلم في شيء لا يحسنه، وما أكثر الأمثلة في هذا ثم قال الناظم إذا عرفنا حد الجهل أنه عدم العلم علي الصحيح انتفاء العلم، والمراد هنا انتفاء العلم المقصود يعنى ما انتفاء بشأنه إن يُعْلَم ثم هذا الجهل قسمان: جهل بسيط، وهو عدم الإدراك بالكلية، وجهل مركب، وهو إدراك الشيء علي خلاف وجهه يعني في الواقع.

ثم انتقل المصنف - رحمه الله تعالى - إلي بيان، وتقسيم العلم والمراد به هنا العلم الحادث لأنه سيقسم لنا العلم إلي قسمين إلى: ضروري، ونظري وهو المُكتسب وعلم الله - تعالى - لا يوصف بكونه ضروريا، ولا نظريا لأن أوصافه - سبحانه - وتعالى - توقيفية نثبت له العلم ثم هذه الأقسام لم يرد بها سمعٌ - فحينئذٍ - نتوقف فيها، والعلم هذا مُرَتَبُ على محذوف التقدير العلم الحادث قسمان ضروري ومكتسب، "والعلم إما": هذا حرف تفصيل يستعمل مكررا يعني بعدها إما كذا وإما كذا، وإما الثانية هذه قد تترك يعني يجوز تركها:

{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ} آل عمران: 7:

ما جاءت بعدها {أما}

والعلم إما باضطرار يحصل ***** أو باكتساب حاصل فالأول

قسم لك العلم باعتبار الطريق المُوصِل إليه لأن العلم له تقسيمان مشهوران عند الأصوليين وهم تبعاً للمناطقة علم ينقسم إلى تصور، وتصديق - ذكرناه فيما سبق - والعلم هنا بمعنى الإدراك، والعلمُ ينقسم إلى ضروري، ونظري قد يقول الطالب ما الفرق بينهما كيف تقول العلم ينقسم إلي تصور وتصديق، وينقسم كذلك إلي نظري وضروري نقول ذاك العلمُ الأول المُنقسِم إلي تصور وتصديق باعتبار المُدرَك ما يتعلق به الإدراك أدركت ماذا مفرد فهو تصور أدركت جملة اسمية أو جملة فعلية فهو تصديق هنا في الطرق المُوصِل من أين أخذنا هذا العلم إما أن يكون بطريق متواتر أو مُجْمَع عليه .. .. إلى آخره أو بطريق النظر والتأمل والفكر، وهذا ما يسمي بتقسيم العلم باعتبار الطريق الموصل إليه فثَمَ فرق بين النوعيين.

(3/10)

________________________________________

"والعلم إما باضطرار يحصل": قوله: "باضطرار": هذا متعلق بقوله يحصل. إما يحصل باضطرار، والاضطرار الاحتياج إلي الشيء: اضطره إليه: أحوجه وألجئه. يحصل باضطرار، وهو الذي تدركه الأذهان بمجرد التوجه إليه أو الانتباه له فلا يُمكِنَه دَفْعُه عن نفسه بحال وعبر بعضهم بقولهم: ما لم يقع عن النظر والاستدلال فالعلم إما أن يقع عن نظر استدلال يعني بتأمل وفكر وبحث فَيَنْتٌج العلم إما يقينا، وإما ظنا وقد يكون يَحْصُلُ دَفْعَةً واحده الثاني يُسَمَّى العلم الضروري الذي لا يمكن دَفْعُه عن النفس والأول يسمى علماً نظريا، والنظر ما احتاج إلي تأمل وعكسه هو الضروري الجلي إذا ما احتاج إلي التأمل والفكر والنظر، والبحث يُسَمَّى علما مكتسبا يُسَمَّى علما نظريا وما لا يحتاج إلي تأمل وفكر، وبحث يُسَمَّى علما ضروريا فمثلا حكم قراءة الفاتحة في الصلاة علم نظري، وكل مسألة خلافية هي عِلمٌ نظري، وكل مسألة مجمع عليها هي علم ضروري .. حرمة الزنا لا يحتاج إلي بحث كما ذكرناه سابقا، وجوب صوم رمضان، وجوب الحج، صلاة الفجر ركعتان، صلاة الظهر أربعة للمُقيم نقول هذه كله لا تحتاج إلي نظر، ولا إلى بحث العلمُ بها ضروري يستوي فيه الخاص والعام.

"والعلم إما باضطرار يحصل أو": "أو": هذه جاءت في مقابلة "إما": وهى للتفصيل:

{? كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} البقرة: 135: هذا مثله

"أو باكتساب حاصل": "اكتساب": افتعال مأخوذ من الكسب كسب واكتسب: طَلَبَ الرزق، واكتسب: تصرف، واجتهد.

"اكتسب": هذا فيه شيء من الزيادة في النظر، والتأمل، ولذلك جاء قوله - تعالى -:

{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} البقرة: 286: ولولا لم يحصل جهد فبمجرد النية يثبت الثواب، {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} البقرة: 286:يعني اجتهدت في تحصيلها .. هناك فرق بين: افتعل، وفعل هذا من فوائد علم الصرف فرق بين: فعل، وافتعل هنا قال باكتساب إذا فهو المُكْتَسَب اكتساب افتعال من اكتسب فيه زيادة نظر، وفيه زيادة بحث "أو باكتساب حاصلٌ": فهو المُكتَسَبُ وهو الذي يقع عن نظر، واستدلال كما سيأتي في كلام الناظم.

"فالأوَلُ": هذه تسمي فاء الفصيحة، "والأول": المراد به هنا إشارة إلي قوله: ما يحصل باضطرار الذي هو العلم الضروري مَثَلَ له بِمِثَالٍ واحد وهو المستفاد من الحواس الخمس مع وجود خلاف كبير طويل عريض بين الأصوليين وغيرهم في إفادة الحواس للعلم الضروري، ومجمل ما يذكره الأصوليين، وغيرهم:

أن طرق العلم الضروري محصورة في أربع:

(3/11)

________________________________________

* الأول:- ما يعلمه الإنسان من حال نفسه وهذا ما يسميه المناطقه بالعلم الحضوري يعني شيء حاضر الآن في نفسك أنت الآن في مسجد آية - مثلا - مسجد كذا أنت تعلم وجودك في هذا المسجد هذا يسمي علم حضوري لا يمكن دفعه عن نفسك كذلك تعلم أنك جالس الآن، ولست بواقف فالعلم الذي يكون في حالك من الوجدانيات، وغيرها يسمى علما حضوريا وهو نوع من أنواع العلم الضروري ما يعلمه الإنسان من حال نفسه مثل الفرح والسرور فهو يَعْرٍف أهو الآن فرحٌ أم لا والغم والحزن، والصحة والمرض، والقيام والقعود، وغيرُها من أمور النفس هذا يسمى علما ضروريا، ويعبر عنه بعض المناطقة بالعلم الضروري الحاضر الآن.

* النَوع الثاني:- ما يعلمه كل إنسان علي البداهة من غير تكلف مقدمات مثل علمه أن الواحد نصف الاثنين هذه العقليات المُسَلَّمة التي لا جدال فيها الواحد نصف الاثنين لا يحتاج إلي جدال، وعدم اجتماع الضدين لا يجتمعان، ولا يرتفعان: عدم وجود الجسم في مكانين هذه كلها أمور بديهية لا يمكن أن تكون الآن في قطر، والمملكة في وقت واحد ... يمكن؟ .. لا يمكن إلا إذا انفكت الجهات تكون هنا بجسمك، وهناك بصوتك .. .. يمكن؟ يمكن. يمكن أن تكون هنا في شهر، والشهر الآخر في بلد آخر إذن عدم وجود الجسم في مكانين هذا معلوم بالضرورة.

* النوع الثالث:- ما يعلمه بواسطة الحواس الخمس كعلم البرودة، والحرارة، والرطوبة، والنعومة، والخشونة، ونَحْوِهَا ... هذا الذي ذكره الناظم، وسيأتي.

* رابعاً:- ما يعلمه الإنسان من الأخبار المتواترة لذلك كثير بل يكاد يكون اتفاقا أن المتواتر ما أفادَ العلم اليقيني وما يعرف من الدين بالضرورة، والحكم بأسماء البلدان النائية، ولذلك ذكر بعض الأصوليين في مثل هذا الموضع أن قصة أصحاب الفيل ما أدركها النبي - صلي الله عليه وسلم - كذلك.

أدركها: وعاها؟ ... ولد في عام الفيل لكن هل أدركها ورآها وهو بالغ عاقل؟ الجواب: لا. لكن لَمَّا بلغته مبلغ التواتر قال الله - تعالى - له:

{الم تري كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} الفيل: 1

تري: الرؤية البصرية كيف فعل ربك بأصحاب الفيل نَزَّلَ العلم الضروري الحاصل بالتواتر منزلة المشاهدة بالعين فهما سيان فكل منهما يفيد العلم الضروري ولذلك لا يمكن دفعه: {الم تري كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} الفيل: 1 فعبر بالرؤية فنَزَّلَ المتواتر منزلة المشاهد القطعي.

(3/12)

________________________________________

قال الناظم: "فالأول": يعني الضروري "كالمستفاد بالحواس الخمس": كالمستفاد: يعني كالعلم مِثلُ العلم الكاف: هنا تمثيلية سواء قيل حرفا أو اسما فهي بمعنى: مثل، وعلى حذف المضاف، "كالمستفاد": ما هو المستفاد؟ ... لابد من تقدير شيء محذوف كالعلم المستفاد، والحاصل للنفس بالحواس الخمس جمع هنا هل المراد كل الحواس أو إحدى الحواس؟ ... إحدى الحواس إذن "ال": هذه يُعَبَّرُ عنها بالجنسية "ال"الجنسية فتصدق بالواحد وما زاد كأنه قال كالمستفاد باحدي الحواس الخمس التي فطر الله عليها أجزاء الإنسان بما أودع بها فتنتقل صورة الإحساس بالواقع على ما هو به إلى ذهن الإنسان بغير حاجة لنظر يعني تضع يدك فإذا به بارد - حينئذٍ - انتقل باللمس الحكم ببرودة الماء إلى العقل أو القوة الباطنة هذا يُسَمَّي ماذا؟ يُسَمَّي علما ضروريا تشاهد شخصا رجل تعرفه وتحكم عليه بأنه زيد وهو عن قرب فهذا إدراكٌ بالبصر، تسمع صوت زيد تعلمه ... إلى آخره فكل ما يدرك باحدي الحواس الخمس - حينئذٍ - إذن يفيد العلم الضروري، وهذا يُقَيَد بماذا؟ .... بما لا يحتمل الخطأ يعني ما تأتي تقول تشاهد بعينيك رجل بعيد ويحتمل أنه زيد أو عمرو رجل أو امرأة ثم تقول هذا مُدرَك بالحواس ... لا، ما لا يحتمل الخطأ يعنى بمعنى أنك تدركه ببصرك وهو أمامك، وأما إذا كان ثُمَّ اشتباه أو ثُمَّ تخيل هذا ليس مراد الأصوليين، ولا غيرهم بأنه يفيد العلم الضروري.

"كالمستفاد بالحواس الخمس": يعني بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، الحواس: جمع حاسة بمعني القوة الحاسة، وهي سبب للإدراك فالبصر سبب للإبصار - وهذا علي عقيدة أهل السنة - له تأثير، الإبصار له تأثير في الإدراك ولا نقول حصل الإدراك عند الإبصار كما هو مذهب الأشاعرة نقول: لا ... هذا باطل فالأسباب لها تأثيرها فلا تستقل الأسباب بالتأثير خلافاً للمعتزلة، ولا يُنْفَى أثارُها بالكلية خلافا للأشعرية، فنقول: البصر سبب للإبصار ولا نقول حصل الإبصار أو حصل العلم عند الإبصار: انكسر الزجاج بالحجر أو انكسر عند الحجر؟ بالحجر يعني الحجر سبب له تأثير بقدرة الله - عز وجل - فالله المؤثر الأول مسبب، ولكن جعل خاصية لهذه الأحجار، ولذلك تنتبهون في بعض الفقهاء يقولون انتقض الحدثُ عندَ خروجِ الريح ِ ... لا، به آه الأحداث الآن أسباب أو لا؟ أسباب رتب عليها الشرع ماذا؟ ... حكم بانتقاض الوضوء بعض الأشاعرة عنده دقه حتى في مثل هذه المواضع يُدخِل مثل هذه المسألة فيقول ينتقض الحدثُ عند النوم لا بالنوم فرقٌ بينهما أو لا؟ فرق بينهما إذا قال عند النوم - حينئذٍ - النوم ليس له تأثير، وإنما حكم الله - تعالى - بأن هذا الوضوء قد انتقض لوجود النوم المُقارن له لا به، هذا فرق بين المسألتين على كلٍ "كالمستفاد بالحواس الخمس": يعني بسبب الحواس (فاء) السببية علي بابها، وأما الأشاعرة الشراح مثل هذا الناظم، وغيره لهم تخليط في مثل هذا الموضع، "بالشم أو بالذوق أو باللمس والسمع والإبصار":

بالشم: هذا إعرابه بَدل مُفصل من مجمل أين المجمل؟ بالحواس الخمس،

(3/13)

________________________________________

"بالشم": هذا بدل من الحواس، وان جعلته من الخمس لا إشكال فيه أو للتنويع في كل المواضع، والسمع، والإبصار ... "الواو": هنا بمعنى: أو وحينئذٍ يكون الناظم قد ذكر نوعا واحدا من أنواع وصول العلم الضروري قد ذكرنا ثلاثا زيادة علي ما ذكر.

"ثم التالي ما كان موقوفا على استدلال": ثم: للترتيب الذكري بعدما ذكر لك أولًا العلم الضروري انتقل إلي النوع الثاني، وهو العلم المكتسب.، "ثم التالي": التالي: اسم فاعل من تلا يتلو بمعنى: التابع يعني الذي تبعه، والذي تبعه هو قوله:

"أو باكتساب حاصل": يعنى المكتسب. حَدُهُ: ما كان موقوفا علي استدلال، "ما": اسم موصول بمعنى الذي لابد أن يُفَسَر بشيء معلوم لأن الاسم الموصول مبهم.

"ما كان موقوفا على استدلال": بحثُنا في أي شيء؟ .. في العلم إذن "ما" نُفَسِرُهَا بماذا؟ ... علم. نعم.

نقول المراد هنا "ما": أي العلم الذي كان موقوفا علي الاستدلال فـ"ما" جنس دخل فيه العلم الضروري، والعلم النظري، واحتجنا إلي إخراج العلم الضروري فقال: "ما كان موقوفا على استدلال"، قوله: "ما كان موقوفا على استدلال": في الأصل - الورقات - علي النظر والاستدلال، وفَرْقٌ بين النظر والاستدلال، ولذلك كان ينبغي زيادتها ولكن لعل الناظم من أجل النظم أسقطها.

"ما كان موقوفا": العلم الذي كان موقوفا من حيث حصولُه ووجودُه على استدلال يعنى علي النظر، والاستدلال قولك العلم بأن العالم حادث العالم حادث هذا ما فيه إشكال عندنا أمر فطري لكنهم هم يمثلون بمثل هذا عالم حادث ما الدليل قالوا تَغَيُره العالم يدل علي أي شيء؟ يدل علي أنه حادث فانتقلنا من النظر في تَغَيُرِه إلي كَونِه حادث فجعلوا ثَمَّ مقدمات يقينية، وبعضُها نظرية كالعلم بأن العالم حاث فإنه موقوف علي النظر في العالم ومشاهدة تغيره فينتقلُ الذِهن من تَغَيُره إلي الحكم بحدوث العالم حادث، وكل متغير حادث هكذا العالم متغير، وكل متغير حادثٌ، والعالم حادث مقدمتان صغرى وكبرى ثُم النتيجة لكن انتبه لقولهم كل متغير حادث هنا دخل الأشاعرة في نفي الصفات - صفات الأفعال -.

ما كان موقوفا على النظر، والاستدلال .. النظر.

"النظر": هو الفكرُ في حال المنظور فيه ليؤدي إلي علم أو ظن مطلوب التصديق أو التصور، والبعض يقتصر علي الفكر المؤدي إلي علم أو ظن، والمراد بالفكر: حركة الناس في المعقولات يعني: الأشياء العقلية، يعني: إذا تحركت النفس من المبادئ إلي المطالب وصارت النتائج يُسَمَّى ماذا؟ ... يُسَمَّى فكرا: حركة النفس في المعقولات.

النظر ما هو؟ الفكر المؤدي إلي نتيجة: إلي علم أو ظن يعني لا يُشترط في النظر أن يكون قَطْعِياً بل قد يكونُ ظنيا.

"ما كان موقوفا علي استدلال": لما قال استدلال استفعال: طلب الدلالة احتجنا إلي معرفة ما هو الاستدلال ولذلك قال:-

 

وحد الاستدلال قل ما يجتلب ****** لنا دليلا مرشدا لما طلب

(3/14)

________________________________________

"وحد الاستدلال": يعني الاستدلال الذي ذكره جزء في حد العلم النظري، ما هو الاستدلال؟ ... قال في تعريفه: "ما يَجْتَلِب لنا دليلا": ما: شيء يطلب لنا دليلا "يَجْتَلِبْ": بفتح الياء يعنى يَطلب لنا دليلا - دليلا لنا - ثم لما ذكر الدليل في حد الاستدلال احتاج إلي ذكر معنى الدليل، فقال: "مرشدا لما طلب": يجتلب دليلا لنا حال كون الدليل مرشدا كأنه قال:

الدليل في اللغة هو: المرشد، لأن الدليل فعيل بمعنى الإرشاد لأن الدلالة هي الإرشاد مشتق من الدلالة، ولذلك قيل الدليل لغةً: المرشد حقيقة أي يُطلَق عليه حقيقة، وعلي ما به الإرشاد مجازا يعني مثلا أنا الذي وضعت هذه الإشارة والإشارة تدلك علي شيء إذا أنا واضع الإشارة أنا دليل المرشد حقيقة، وهذه الإشارة دلتك أيضا .. أنا دليل، وهذه دليل. ما حصل به الإرشاد بالفعل يسمى دليلا مجازا، والذي وضع هذه الإشارة ابتدءا يسمى دليلا، وهو المرشد حقيقة فالمرشد هو الناصب للعلامة أو الذاكر لها، والذي يحصل به الإرشاد وهو العلامة هذه تُسمَّي دليلا مجازاً.

"وحد الاستدلال قل ما يجتلب": الاستدلال: طلب الدليل ليؤدي إلي مطلوب تصديقي، فالنظر أعم من الاستدلال، "دليلا": حال كون الدليل مرشدا لما طلب قد سبق أن "ما" وما بعدها في قوة المشتق يعني للمطلوب ثُم لما أنهى ما يتعلق بالعلم، ونقِيضِه الجهل، وقسم لك العلم إلي ضروري وإلى نظري، وعرفنا الضروري: ما لا يقع عن نظر واستدلال، والنظري: ما وقع عن نظر واستدلال - حينئذٍ - كمَّل لك بقية الإدراكات لأن الإدراك قلنا وصول النفس إلي المعنى بتمامه، والإدراك قد يكون مع جزم أو لا كذلك الأول العلم الثاني الذي لا يكون بجزم إما مع الترجيح أو لا، الثاني الشك، والأول الراجح يُسَمَّى ظنا، والمرجوح يُسَمَّى وهما. إذاً الإدراك من حيث التأصيل الإدراك إما أن يكون بجزم أو لا كذلك إن كان بجزم فهو العلم .. معي؟ ..... فالإدراك يكون إما بجزم أو لا ... الأول: العلم، الثاني: الذي لا يكون مع جزم إما أن يكون مع الترجيح أو لا الثاني: الشك لأنه ليس فيه ترجيح مع استواء الطرفين الأول: الذي يكون مع الترجيح إدراك الراجح يسمي ظنا، وإدراك المرجوح يسمي وهما ... واضح؟ ... هذه ماذا نقول هذا السؤال سؤال الليل، والوهم والظن وشك ما احتمل لراجح أو ضده أو ما اعتدل هذه الأبيات الثلاثة جمعها صاحب المراقي في بيت واحد.

والوهمُ والظنُ وشك ما احتمل ... لراجحٍ أو ضِده أو ما اعتدل

 

والظن تجويز امرئ أمرين ****** مرجحا لأحد الأمرين

"والظن تجويز امرئ": يعني شخص هذا يكون في الأمور الممكنة لا في الواجبات، ولا في المحالات "تجويز امرئ": يعني شخص، "أمرين": اثنين هما طرفا الممكن لان التجويز يكون في الممكنات يعني الشيء الذي يمكن وجوده أو لا يعني ما تقول الخالق يمكن وجوده أو لا. بل واجب الوجود

كذلك تعدد الآلهة لا يمكن أن تقول يوجد أو لا لأنه ممتنع فما امتنع وجوده وما امتنع انتفائه لا يَدْخُله تجويز إنما يكون في الشيء الممكن زيد من الناس يمكن أن يوجد، ويمكن ألا يوجد هذا الذي يتعلق به التجويز.

(3/15)

________________________________________

إذاً: "تجويز امرئ": شخص "أمرين": هما طرفا الممكن كوجود زيد، وعدم وجوده يجوز- زيد من الناس يجوز أن يكون موجودا، ويجوز ألا يكون موجودا نقيضان - حينئذٍ - إدراك أحَدِهِمَا قال: "مرجحا لأحد الأمرين": مرجحا: تجويز امرئ حال كونه مرجحا هذا حال من المضاف إليه "مرجحا لأحد الأمرين": بأن يكون أحَدُهُما أظهر من الآخر وافق الواقع أو لا مرجحا لأحد الأمرين إذاً إذا وجد التجويز في الممكن ورجَحَ أحدَ الأمرين فهذا هو الظن لكن ليس مطلق التجويز وإنما استدرك في البيت الثاني لأنه في الأول قد يظن الظانُّ مجرد التجويز هذا يُسَمَّي ظَنا لا إدراك الراجح الأظهر من الاحتمالين هو الذي يسمى ظنا وإدراك المرجوح هو الذي يُسَمَّي وهما - مثلا - كما ذكرنا في السابق وجوب الوتر - مثلا - هذا مَثَلُ مُخْتَلَفٌ فيه بين أهل العلم الأحناف يرون الوجوب ... سنية الوتر هل هي مقطوع بها اَسأَل؟ علم يقيني ضروري لا يحتمل الخلاف؟ .. لا نقول مقطوع بها. الأحناف خالفوا المعقول، والمنقول لكن نقول إن المسألة مُحتَمِله للوجوب والسنية، كذلك قراءة الفاتحة في الصلاة مسألة محتملة السنية، والركنية إذن تجويز امرئ أمرين في هذه المسألة أحدهما اظهر من الآخر ما هو الأظهر سنية الوتر - مثلا - عندي فنقول: إدراك سنية الوتر يسمي ظناً إدراك الراجح، ولا نقطع بكون المرجوح باطلاً لأنه يحتمل أن أدلتهم هي الصواب - حينئذٍ - إدراكَ الطرَفَ الراجح يُسَمَّي ظنا، وإدراك الطرف المرجوح بمعنى أنك تلاحظه يسمى وهْمَا فكل مسالة ترجحها أنت أن الصواب كذا، وما عداه خطأ، فالأول يسمى: ظنا، والثاني: يسمى وهما، يعني باعتبارك أنت لا باعتبار أخر لأنك لو قلت بأني أعتبر إدراكي لسنية الوتر هو الظن ورؤية الأحناف وهم إذن حكمت بكون الأحناف حكموا بالوهم لا بالظن هذا باطل، وليس هذا مراد، وإنما المراد باعتبارك أنت أنا رجحت السنية باعتبار تَرجِيحِ عدم السنية وهمٌ بالنسبةِ لي لا بالنسبة لغيري.

 

والظن تجويز امرئ أمرين ... مرجحا لأحد الأمرين

فالراجح المذكور ظنًا يسمى ... والطرف المرجوح يسمى وهمًا

 

"فالراجح": الفاء: فاء الفصيحة الراجح المذكور في البيت السابق يُسْمَي ظناً يعني ظناً يُسْمَى مُسَمَاهُ بسيط فالظن مسماه شيء واحد، وهو إدراك الراجح، والطرف المرجوح المقابل له في نفس المسألة يُسْمَى وَهْمَا يعني يُسَمَّى وَهْمَا يُسْمَى ويُسَمَّى خُفِضَ من أجل الوزن، فالوهم - حينئذٍ - مُسَماه بسيط، وهو شيءٌ واحدٌ.

 

والشك تجويز بلا رجحان ****** لواحد حيث استوى الأمران

(3/16)

________________________________________

"والشك تجويز": ولا تقل تحرير، تجويز لأمرين فأكثر بلا رجحان يعني بغير ترجيح، "استوى الأمران": عندك فإذا لم يترجح عندك قول في مسألة ما نقول استوي كل منهما لا تدري أي الحكمين أرجح من الآخر هل الوتر واجب أم سنة وإذا التبس عليك فأنت شَاكٌ - حينئذٍ - مُسَمَّى الشك مركب أو بسيط مسمى الشك ما يصدق عليه الشك شيء واحد أو مُرَكَب؟ مركب لأنه لاحتمالين فأكثر لأنه ممكن أن يحتمل البعض يرى انه سنه، والأخر يرى أنه مكروه، والثالث يرى أنه بدعة - حينئذٍ - صار ماذا؟ صار ثلاثة قد يكون مُسَمَّى الشك اثنين فأكثر، مُسَمَّى الظن شيء واحد، وهو إدراكَ الراجح قول واحد، الوهم إدراك المرجوح، وهو شيء واحد، وأما الشك فمُسَمَّاه مركب لأنه من شيئين فأكثر الشك: ما احتمل النقيض مع تساوي الاحتمالات.

هنا قال: "بلا رجحان": يعني بغير ترجيح لواحد من الأمرين، "حيث استوى الأمران": حيث: هذه تعليلية استوى الأمران: كأنه قال: لأنه استوى الأمران فلا مَزِّيَة لأحدهما علي الآخر. إذن عَرَّفَ لنا الظن، والوهم، و، الشك ثم ختم الباب بما بدأ به الباب، وما قد سبق أن أصول الفقه له معنيان معنى إضافي يعني باعتبار كونه مركبا إضافيا فنظرنا فيه إلي الجزء الأول وهو أصول عرفناه لغة، واصطلاحا، والنظر إلي الجزء الثاني مضاف إليه، وهو الفقه، وعرفناه لغةً، واصطلاحا وخرجنا من ذلك بأن أصول الفقه باعتبار كونه مركبا تركيباً إضافيا أدلةُ الفقه، وهنا أراد أن يُعَرِّف أصول الفقه بالمعني الثاني، وهو المعنى اللقبي - حينئذٍ - نقول الفرق بينهما: المعنى اللقبي، والمعني التركيبي أن الأول مركب مثل غُلامُ زيد بقي علي حاله ما نُقِلْ، وأما الثاني فهو منقول صار مُفرَداً علم:

ومنه منقولٌ كفضل وأسد ........

 

عَلَم قد يكون منقولا من جملة اسمية: تَأبَّطَ شرا هذا اسم رجل، شَابَ قرناها هذه جملة فعلية تأبط شرا جملة فعلية مركب من فعل، وفاعل، ومفعول رجل اسمه: تأبط شرا تقول: جاء تَأبَّطَ شرا، ورأيت تَأبَّطَ شرا، ومررت بتَأبَّطَ شرا - مثل -، ما تقول: جاء زيد، ورأيت زيدا، ومررت بزيد .. الحكم واحد لا فرق بين زيد وبين تأبط شرا مع كون تأبط شرا جملة فعلية لكن متى هي جملة فعلية؟ ... قبلَ النقلِ، وأما بعد النقلِ، وجَعْلُهُ عَلَما هذا لا يُسَمَّي جملة فعلية، وإنما يُقال باعتبار الأصل لذلك قال: ومنه المنقول.

ثم قال: وجملة وما لمزج رُكِبِا: الذي هو مِثل سيبويه - حينئذٍ - أصول الفقه كان مركبا تركيبا إضافيا ثم أُخذ ونُقِل وجُعِل عَلما على المُسَمَّى الذي سيذكره الناظم - رحمه الله تعالى - تبعا لغيره، وعليه نقول:

هذا أصولُ الفقه باعتبار الأول تقول: هذا مبتدأ، وأصول خبر، وهو مضاف، والفقه مضاف إليه مثل تقول: هذا غلامُ زيدٍ، وعلى الثاني تقول: هذا أصول الفقه: هذا مبتدأ، وأصول الفقه: خبر - كُلُها خبر - مِثلُ ما تقول: هذا زيد: خبر مرفوع ورفعه ضمة مقدرة علي آخره الفقه كسرة مَنَعَ من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية هناك فرق بينهما من حيث المعني والإعراب.

 

أما أصول الفقه معنى بالنظر ***** للفن في تعريفه فالمعتبر

 

"أما": هذه مُقابل لقوله:

(3/17)

________________________________________

هاك أصول الفقه لفظا لقبا ***** للفن من جزأين قد تركبا

 

عَرَف لك الأول، ثم قال: أما التعريف الثاني: "أما أصول الفقه معنًى": يعني من حيث معناه اللقبي المُشْعِر بمدحه باعتماد الفقه عليه مدحوه بكون هذا العلم قد صار ماذا؟ ... أصولا لهذا الفقه معنى أصولا بالنظر: أي من جهة المعنى الحاصل بالنظر للفن في تعريفه "فالمُعْتَبَر": فالمعتبر "في تعريفه": في تعريفه: متعلق بقوله: فالمعتبر في ذاك": باعتبار معناه اللقبي "طرق الفقه": أعني: المجمل كأنه قال: أصول الفقه باعتبار كونه لقبا لهذا الفن هو أدلة الفقه المجملة أدلة الفقه نوعان دليل إجمالي، ودليل تفصيلي دليل الجملي هذا الذي لا يُعَينُ مسألة جزئية بل هو دليل كلي، والدليل الجزئي: هو الذي يُعَينُ مسألةً جزئية.

إذن نقول: أدلة الفقه علي نوعيين دليل إجمالي - وهو الذي لا يفيد مسألة جزئية -، ودليل تفصيلي - وهو الذي كان مُتَعَلَقََهُ خاص يعني يثبت به مسألة - فَفَرقٌ بين الشيء الجملي الذي لا يُعَيِنُ مسألة خاصة، وبين الذي يكون متعلقه مسألة خاصة.

 

هنا قال: "في ذاك طرق الفقه":. طرق بإسكان الراء هذا ليس ضرورة إنما هو لغة لأن كل ما كان علي وزن فُعُل سواء كان مفردا أو جمعا ففيه لغة ثانية، وهي تسكين عينه فيقال: "كُتُب وكُتْب"، "وطُرُق وطُرْق" لغتان فيجوز هذا، ويجوز ذاك، ولا نحمل مثل هذا الكلام الذي وقع في النظم علي الضرورة لماذا لأن الضرورة معيبة هذا قصور في الناظم لأنه سَكَّنَ شيئا ليس بساكن هذا معيب، وحمله علي اللغة يكون من باب إحسان الظن بالناظم في ذاك.

"طرْق": جمع طريق، والمراد به الدليل، "طرق الفقه" لما كانت أدلة الفقه علي نوعيين قال: "أعني المجملة": احترازً عن المفصلة، ولذلك قال: "لا المفصلة" - حينئذٍ - ما هو أصول الفقه؟ نقول أصول الفقه هو الأدلة الفقهية الإجمالية هو نفسها نفس الأدلة، وليس المراد معرفة الأدلة، والمراد بالدليل هنا سواء كان الدليل متفقاً عليه كالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس أو مختلف فيه كحجية الصحابي ن قول الصحابي أو الأمور المستصحبة أو نحو ذلك أو كان ما يُسَمَّى بالقواعد الكلية عند الأصوليين فقولنا الدليل أو الأدلة يشمل المتفق عليها،

والمختلف فيها، وكذلك القواعد الكلية كما مَثَّل الناظم بقوله: "كالأمر أو كالنهي"

، وقوله: "أعني": اقصد بهذه الطرق أدلة الفقه المجملة أي غير المُعَيَنة مثل ماذا يبحث الأصولي في الكتاب، ويبحث في السنة، ويبحث في الإجماع، ويبحث في القياس. ما وجه البحث عنده الكتاب دليل سمعي كُلي إنْ كان المُخَاطَب أو الذي قرر له الدليل يشكك في صحة الدليل فيُثبِتَ له الكتاب وهذا يظهر في السنة فيُثبِتَ له الكتاب كونه دليلا يصلح التمسك به، وهذا يُبْحَث في النبوات، وغيرها ثم هذا الدليل الكتاب من أوله إلي آخره هل هو متساوي الأطراف بمعني أن كله أوامر لا نواهي فيه أو أنه مشتمل علي الأمر والنهي، والعام، والخاص، والناسخ والمنسوخ، والمُطْلَق والمُقيد، والمُجْمَل، والظاهر والمؤول إلى آخره ...

أليس الكتاب الواحد الذي هو الدليل السمعي الكلي أنواع يشتمل علي هذا

وذاك نقول:

(3/18)

________________________________________

الأصولي يبحث في الأصل من حيث إثباته وهو الكتاب كونه دليل استدلوا به في استنباط الأحكام الشرعية ثم هذا الكتاب ليس علي مرتبة واحدة بل هو أنواع والأمر مُغَاير للنهي، والنهي مغير للعام، والعام مغاير للخاص إذاً هذه أنواع تسمي أنواع الدليل ثم هذه الأنواع لها أحوال ما هو العام ما هو الخاص ما هو المطلق ما هو المقيد ما هو الأمر ما معني مُطْلَق الأمر يبحث الأصولي في جَعْل هذه الأنواع أدلة عامة تُثْبَت بها الأحكام الخاصة، ولذلك قال: "كالأمر"، والمراد بقوله كالأمر ليس افعل فقط، وإنما مطلق الأمر المبحوث عنه بأنه للوجوب قاعدة أصولية متفق عليها عند السلف أما الخلف فلا مُطْلَق الأمر للوجوب قاعدة أو لا؟ ما المراد بمطلق الأمر؟ هذه تحتاج إلي بحث نقول مطلق الأمر المراد به صيغة افعل يعني فعل الأمر عند الأصوليين لا عند النحاة ففرق بينهما ليفعل لينفق هذا أمر عند الأصوليين، وليس بأمر عند النُحاة:

{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} الحج: 29:

هذا أمر عند الأصوليين وليس بأمرعند النحاة ففرق بين الأمر عند الأصوليين والأمر عند النحاة ثم مطلق الأمر نقول: افعل في الكتاب أو في السنة تأتي علي ثلاثة أوجه:

* إما أن يكون مقيدا بما يدل علي مدلوله الأصلي.

* وإما أن يكون صارفا.

* وإما أن لا يكون ذاك ولا ذاك.

مثلا:- صلِ وإلا قتلناك .. نقول: صلِ لوحدِها يدل على ماذا؟ علي الوجوب ما أُثيب فاعله امتثالا واستحق العقاب تاركه، قوله: وإلا قتلناك .. هذا يؤكد أن افعل للوجوب لا خلاف بين الأصوليين السلف، والخلف علي أن هذه الصيغة تفيد الوجوب افعل: صلِ وإلا قتلناك بالإجماع - لا خلاف - فيه أي لا خلاف في هذا التركيب في أنها للوجوب فكل صيغة افعل جاءت في الكتاب، والسنة مقرونة بما يدل علي تَرَتُبْ العقاب علي الترك فهي للوجوب بالإجماع

وليست محل خلاف، صلِ إن شئت هه؟ ... لا خلاف بين الأصوليين أن افعل هنا ليست للوجوب بالإجماع لكن لو قال: صلِ وسكت لم يأتِ بقرينه تدل على أن افعل للوجوب أو قرينه تدل علي أن افعل ليست للوجوب هذا يسمى ماذا؟ ... مُطْلَق الأمر هو المراد بهذه القاعدة مُطْلَق الأمر للوجوب ليس افعل وإلا قتلناك، افعل إن شئت: صلِ إن شئت ... لا هذه ليست بِداخِلَه، الأولى مُجْمَع على أنها للوجوب، والثاني متفق على أنها للاستحباب، وإنما افعل فقط هذه التي وقع فيها نزاع وقل نزاع للمتأخرين يعني إجماع السلف على أنها تفيد الوجوب كل صيغة جاءت بكتاب أو سنة حملها الصحابة باتفاق على أنها للوجوب، وهذا في مُطْلَقِ الأمر وأما عند المتأخرين وهو ما حكاه صاحب المراقي:

 

وافعل لدى الأكثر للوجوب ******* .......... إلى آخره

(3/19)

________________________________________

هذا خلاف حادث فلا يُلْتَفَتُ إليه ألبتة. إذن "كالأمر": أي مُطْلَقِ الأمر، والكاف: هنا للتمثيل المبحوث عنه بأنه للوجوب، "أو كالنهي": يعني مُطْلَقِ النهي المبحوث عنه بأنه للتحريم فيقال في مطلق النهي كما قيل في مُطْلَقِ الأمر فما قُُيد بصيغة: لا تفعل بما يدل علي التحريم فهو للتحريم اتفاقا، وما قُيد بأنه للتنزيه كراهة تنزيه فهو كراهة تنزيه باتفاق، وما أطلق هكذا: لا تفعل ولم تأتِ قرينة على أنه للتحريم أو على أنه مصروف عن التحريم فهذا الذي وقع فيه نزاع كذلك عند المتأخرين، وليس عند السلف، وإجماع السلف على أنها للتحريم فانتبه لذلك إذا قيل مطلق الأمر للوجوب نقول هذا دليل فقهي إجمالي أو تفصيلي؟ إذا قلت إجمالي بمعنى أنه دخل تحته ما لا حصر من الأوامر:

{أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} الأنعام: 72، {وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43،

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} البقرة: 183 {وَأَشْهِدُوا (282)} البقرة: 282 ... إلى آخره، إلي أخره نقول هذه الصيغة مُطْلَق الأمر ما تعينت بالصلاة ليست خاصة بالصلاة، وليست خاصة بالصيام، ولا خاصة بالحج بل هي عامة يدخل تحتها ما لا حصر من الأوامر ... هذه قاعدة كلية - دليل كلي - أما أقم الصلاة، وأقيموا الصلاة هذا أمرٌ بالفعل، ولكنه عَيَّن مسألة جزئية، وهي الصلاة تعلق بمسألة معينة من مسائل الفقه، الفقه ليس هو الصلاة فحسب ليس هو وجوب الصلاة وهذه الآية دلت علي وجوب الصلاة - حينئذٍ - نقول: هذه الآية هي مُتَعَلَقُهَا خاص فهي دليل تفصيلي لا يتعرض لها الأصولي إلا على جهة التمثيل فيقول لك قياس.

أقيموا الصلاة: أمرٌ. يعني باعتبار كونه نحْويا، ومطلق الأمر للوجوب فالصلاة واجبة - حينئذٍ - يتعرض لمثل هذا الدليل من جهة التمثيل فحسب لا من جهة التقعيد والتأصيل كذلك صيغة النهي: لا تفعل مطلق النهي للتحريم يدخل تحته ما لا حصر من المسائل لا المُفَصَله يعني لا التفصيلية لأن النظر فيها من وظيفة الفقيه هذا أهم ركن يدخل معنا في حد أصول الفقه بالمعني اللقبي العلم أنه أدلة الفقه الإجمالية النظر في الكتاب في أنواعه من حَيثُ كَونُه أمراً، نهيا، عاما، خاصا يبحث الأصولي في معني العام ما هي الألفاظ التي تدل علي العموم؟ .. ما هي الألفاظ التي تدل علي الخصوص؟ ... الناسخ أحواله المنسوخ أحواله ... إلى غير ذلك، ولا يَتَكَلَّم في مسائل مفصلة كذلك يبحث في السنة حجة أو ليست بحجة؟ ... يثبت لك أن خبر الآحاد حجة في العقائد وغيرها أن السنة قولية وفعلية، وتَرْكِية، ويدخل تحتها في كل نوع من الأنواع ما لا حصر له.

كذلك الإجماع ما هو؟ إجماع سكوتي، إجماع قولي، إجماع ظني، إجماع قطعي، ما ضابط الأول؟ ... ما ضابط الثاني؟ ... يتكلم في أصول عامة ثم بعد ذلك الفقيه يُنَزِلُها علي هذه المسائل الفرعية لذلك بعضهم يقول كأن الأصولي يُقدم لك طبق مشحون بالقواعد العامة، وأنت تأخذ هذا الطبق جاهز ثم بعد ذلك تركبه علي المسائل الفرعية وتدرس الأحكام الشرعية.

الأمر الثاني من معني أصول الفقه:

(3/20)

________________________________________

"وكيف يُستدل بالأصول": يعني كيفية الاستدلال بهذه الأدلة، وهذا يَظهر متى؟ .. عند التعارض يأتينا عام يدل علي حكم عام ثم يأتي لفظ خاص يُخالف الحكم العام ماذا نصنع؟ ... يرتبك الفقيه لكن يقول له مثلا الأصولي لا تعارض بين عام

وخاص إذا وجد عام ووجد خاص - حينئذٍ - يُحْمَلُ العام علي الخاص، يُوجد ناسخ ومنسوخ متى نُقَدم هذا ما هو ضوابطه المُطْلَق، والمُقيد عند التعارض يُحمل المُطْلَق علي المُقيد عند التعارض بين تلك الأنواع جاءت وجوه الاستدلال وهذا له الكتاب السادس من جَمْع الجَوَامِع وهو كتاب مهم العناية به وهو كتاب التراجيح وهذا يستفيد منه طالب العام عند التعارض.

"وكيف": هذا معطوف على "طرق الفقه"، كيف يستدل بالأصول: أي بطرق الفقه الإجمالية لا من حيث إجمالها لكن من حيث تفصيلها عند تعارضها في إفادة الأحكام ثم قال:

"والعالم الذي هو الأصولي": هذا هو الجزء الثالث، ومُختَلِف فيه هل هو داخل في مسمى الفن أو لا ... إذا عرفنا أن أنواع الكتاب يحصل فيها، وبينها تعارض - حينئذٍ - نحتاج إلي تقديم وتأخير من الذي يُقَدِمُ ويُؤَخِر كل من هب، ودب لابد من رجل توجد فيه صفات مُعَيَنَة يبلغ بها المرتبة هو الذي يقول هذا مقدم علي هذا وليس كل من طلع علي فضائية يأتي ويرجح ويقدم هذا علي ذاك حينئذٍ نقول وجوه الترجيح هذه لا يُحْكِمُها إلا من أشار إليه الناظم بقوله: "والعالم الذي هو الأصولي": هذا هو الركن الثالث وهو ما يُعَبَرُ عنه بالمجتهد، والعالم بطرق الفقه الإجمالية الذي هو الأصولي هذا المرء منسوب إلي الأصول كنسبة الأنصاري إلى الأنصار.

إذاً خُلاصة ما ذكره الناظم - رحمه الله تعالى - أن أصول الفقه هو دلائل الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد ثم الموضوع أصول الفقه الأدلة المُوصِلة إلي الفقه، وغايتها معرفة أحكام الله - تعالى - والعمل بها حُكْمُه فرض كفاية هذا في المذهب عندنا حنابلة فرض كفاية، وقيل فرض عين، والمراد به للمجتهد يعني إذا أراد أن يرجح بين مسالة فلا ترجح بعد أن تعرف حكم الترجيح في مثل هذه المسألة هل يقدم العام علي الخاص هل يحمل المجمل علي المقيد لأن ليس كل مطلق ومقيد يحمل لا ثَمَ شروط، وثَمََ تفصيلات يحتاج إلي الرجوع إليها والله اعلم.

وصلي الله وسلم علي نبينا محمد وعلي اله وصحبه أجمعين

(3/21)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين قال الناظم - رحمه الله تعالى -:-

 

أبواب أصول الفقه (1)

أَبْوَابُها عِشْرُونَ بابًا تُسْرَدُ ... وفي الْكِتَابِ كُلُّها سَتُورَدُ

 

وتِلْكَ أَقْسَامُ الْكَلاَمِ ثُمَّا ... أمرٌ ونهيٌ ثُمَّ لَفْظٌ عمَّا

 

أَو خَصَّ (2) أو مُبَيَّنٌ أو مُجْمَلُ ... أو ظَاهِرٌ مَعْنَاهُ أو مُؤَوَّلُ

 

وَمُطْلَقُ الأَفْعَالِ ثُمَّ مَا نَسَخْ ... حُكْمًا سِوَاه ثُمَّ مَا بِهِ انْتَسَخْ

 

كَذَلِكَ الإِجْمَاعُ والأَخبارُ مَعْ ... حَظْرٍ ومَعْ إباحةٍ كُلٌّ وقَعْ

 

كَذَا (3) الْقِيَاسُ مُطْلَقًاً لِعِلَّهْ ... في الأَصْلِ والتَّرْتِيبُ للأَدِلَّةْ

 

وَالْوَصْفُ في مُفْتٍ ومُسْتَفْتٍ عُهِدْ ... وَهَكَذَا أَحْكَامُ كُلِّ مُجْتَهِدْ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد:-

 

هذا بابٌ جمع فيه الناظم - رحمه الله تعالى - تبعا للأصل أبواب أصول الفقه على جهة الإجمال ثم سيذكُرها بابا بابًا تفصيلاً وهذا الإجمال ثم التفصيل هذا أسلوب عربي محفوظٌ في لسان العرب وهو نَوعٌ مِنْ أنواع البيان.

"أبواب أصول الفقه": أي مضمون أبواب أصول الفقه.

"أبوابها": أي أصول الفقه.

"عِشْرُونَ بابًا تُسْرَدُ": أبوابها: هذا مبتدأ، عشرون بابا، عشرون: هذا خبر المبتدأ، "تُسْرَدُ": أي اسردها لك يعنى آتيك بها متتالية متتابعة.

 

"وفي الْكِتَابِ": يعنى وفي هذا الكتاب عنى بالكتاب هنا النظم فـ"أل": هنا للعهد الحضوري: {اليوم أَكْمَلْتُ} (4) أي هذا اليوم هذه"أل": تسمى"أل" للعهد الحضوري

وتكون "أل": الجنسية وتكون للاستغراق، والاستغراق قد يكون عاما، وقد يكون عُرفيا إلى آخره، و"أل": هنا للعهد الحضوري.

"وفي الْكِتَابِ كلها": مبتدأ مؤخر، كتاب خبر مُقدَم.

"كُلُّها": يعني كل هذه الأبواب ستورد ستذكر، وأحضرها لك

"وتِلْكَ أَقْسَامُ الْكَلاَمِ": أشار بتلك إلى الأبواب العشرين، وإن شئت قُلْ الأبوابُ العشرون، "تلك": هذا مبتدأ، "أقسام الكلام": وما عطف عليه خبر "تلك" هذا مَصْدَقُه عشرون، و"أقسام": خبر، أقسام الكلام هذا شيء واحد ومن شرط الأخبار عن المبتدأ التطابق إفرادا، وتثنية، وجمعا هنا "تلك": مدلوله عشرون، و"أقسام الكلام": هذا واحد، ولذلك لا يصح بأن يقال بأنه خبر إلا على التأويل فيقال: تلك مبتدأ أقسام، وما عطف عليه خبر - حينئذ - يكون التطابق بين المبتدأ والخبر وكذلك القول في قول ابن آجروم هناك، وأقسامه ثلاثة اسم لا يصح إلا أن يكون خبر لمبتدأ محذوف أولها اسم على كلٍ، "وَتِلْكَ أَقْسَامُ الْكَلاَمِ":، تلك الأبواب العشرون أولها أقسام الكلام.

"ثُمَّا": الألف هذه للإطلاق وثم حرف عطف المراد به الترتيب.

__________

(1) - التبويب ساقط في بعض النسخ

(2) - في النسخة خُصَّ والصحيح أو خَصَّ بفتح الخاء وليس بضمها.

(3) - كذا القياس لا مد في كذا.

(4/1)

________________________________________

"أمرٌ ونهيٌ ثُمَّ لَفْظٌ عمَّا": أمر: يعنى الأمر هذا الباب الثاني، ونهي: يعنى والنهي

"ثُمَّ": حرف عطف - بضم الثاء - وفرق بين ثُمَّ وثَمَّ، ثَمَّ ظرف مكان، وثُمَّ حرف عطف ذاك اسم، وهذا حرف، "لفظ عما": الألف: هذه للإطلاق يعني لفظ عام المراد به العام ولماذا قال لفظ عام؟ لأن العموم على الصحيح وصف للألفاظ لا للمعاني إنما يُطلق على المعاني مجازا، حقيقة هو في اللفظ، ولذلك قال: "لفظ عما": فالعموم وصف للألفاظ حقيقة، وللمعاني مجازا، "أو": بمعنى الواو، "خص": بالبناء للفاعل يعني: والخاص، وسيذكر فيه المطلق والمقيد.

"أو مُبَيَّنٌ أو مُجْمَلُ": أي مبين المجمل سيجمع بينهما في باب واحد، و"أو": هنا كلها فيما سيأتي بمعنى الواو.

"أو ظَاهِرٌ مَعْنَاهُ أو مُؤَوَّلُ": يعني باب الظاهر والمؤول سيأتي بحثه وتعريفه.

"وَمُطْلَقُ الأَفْعَالِ ثُمَّ مَا نَسَخْ": أي باب الأفعال: أفعال طه سيأتي - إن شاء الله تعالى -، لكن قوله: "مطلق الأفعال": مطلق: هذا حشو، حشو ليس له معنى وإنما أراد به أفعال النبي صلي الله عليه وسلم، قوله: مطلق الأفعال: "أل": هذه للعهد الذهني يعني أفعال النبي صلي الله عليه وسلم

والموقف هو الذي يُبَينُ ذلك، "ثُمَّ": حرف عطف، "ما نسخ حكما سواه":

"ما": اسم موصول بمعنى الذي، و"نسخ": هذه جملة الصلة، وسبق أن الموصول مع صلته في قوة المشتق يعني ثم الناسخ حكما سواه يعني غيره هذا واضح.

"ثُمَّ مَا بِهِ انْتَسَخْ": ثم الذي انتسخ به، "به": جار ومجرور متعلق بقوله انتسخ، و"ما": اسم موصول بمعنى الذي، و"انتسخ": هذه جملة الصلة والموصول مع صلته بقوة المشتق يعني ثم المنسوخ، الأول الناسخ وهذا المنسوخ يعني بابُ الناسخ والمنسوخ، "كَذَلِكَ الإِجْمَاعُ والأَخبارُ مَعْ": الإجماع: هذا مبتدأ مؤخر، كذلك: خبر مُقدم أي مثل ذاك المشار إليه أبوابِ أصول الفقه يعني من أبواب أصول الفقه العشرين الإجماع، وسيأتي باب الإجماع، و"الأخبار": جمع خبر المراد به السنة ثََمَّ مباحث فيما مضي أبحاث مشتركة بين الكتاب والسنة كالعام، والخاص، والمبين، والمطلق .... إلى آخره.

وثَمَّ أبحاث خاصة بالكتاب، وثَمَّ أبحاث خاصة بالسنة يعني مبحث الآحاد - مثلا - هل يحتج به أو لا؟ ... هذا يتعلق بالسنة، ولا يتعلق بالكتاب أفعال النبي - صلي الله عليه وسلم - ما هي الحجة منها .... إلى آخره على أي شيء يدل الوجوب، المستحب هذا كله بحثه في السنة وليس في الكتاب.

"مع حَظْرٍ ومَعْ إباحةٍ كُلٌّ وقَعْ": يعنى مع الحظر، والإباحة سَيُذكرُ باب أو فصل يجمع بينهما: الحظر والإباحة.

"كُلٌّ وقَعْ": كل ذلك وقع، التنوين هنا عوض عن المضاف إليه

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) (1) أي كل إنسان يعمل على شاكلته.

ومن أنواع التنوين تنوين العوض عن كلمة.

"كل وقع": هذا تتميم للبيت.

 

كَذَا الْقِيَاسُ مُطْلَقًاً لِعِلَّهْ ***** في الأَصْلِ والتَّرْتِيبُ للأَدِلَّةْ

 

يعني من الأبواب العشرين القياس، مطلق بأنواعه الثلاثة التي سيذكرها الناظم - رحمه الله تعالى -.

__________

(1) - الإسراء: 84

(4/2)

________________________________________

"مطلقا لعلة في الأصل": في الأصل: الذي هو المَقِيس عليه، وسبق أن الأصل يُطلق في الاصطلاح على أربعة معاني النوع الرابع قلنا المقيس عليه كالخمر - مثلا - نبيذ يقاس عليه بجامع السكر، قوله: "مطلقا": كون القياس لعلة، "في الأصل": يعني في المقيس عليه أو للدلالة أو للشبه كما سيأتي أنواع القياس كما يذكرها المصنف الناظم ثلاثة: قياس العلة، قياس الدلالة، وقياس شبه.

"والترتيب للأدلة": يعني ترتيب الأدلة، وذلك يكون عند التعارض المنطوق مقدم على المفهوم حصل تعارض الخاص مُقدَّم على العام.

"وَالْوَصْفُ في مُفْتٍ ومُسْتَفْتٍ عُهِدْ": عهد ببيان شروطهما في هذا الموضع وهو ما يعنون له بصفة المفتي والمستفتى هذه مسألة عظيمة أفردها بعضهم بالتصنيف "والوصف في مفت": يعني صفة المفتي، "ومستفت": كذلك له صفة وله آداب عهد الوصف مبتدأ قوله عهد خبره يعنى عهد بيان شروط المفتى والمستفتي في كتب أصول الفقه، وفي باب ما يتعلق بصفة المفتي والمستفتي.

"وَهَكَذَا أَحْكَامُ كُلِّ مُجْتَهِدْ": وهكذا: أي مثل ذا ما سبق من الأبواب العشرين

"أحكام كل مجتهد": يعني أحكام المجتهد، المجتهد المطلق، والمجتهد المقيد، وما شروط كل واحدٍ منهما، وهكذا بيان أحكام كل مجتهد والمجتهد والمفتي واحد مجتهد ومفتي وهذا يَعْقِد له فصلا يأتي - بإذن الله تعالى - إذاً هذه عشرون بابًا كلها ستأتي بابا بابا، وكل بابٍ منها له مسائل تختص به دون غيرها من الأبواب.

 

باب أقسام الكلام

أقل مَا مِنْهُ الْكَلامُ رَكَّبُوا ... اسْمَاِن أو اسْمٌ وفعلٌ كارْكَبوا

كَذَاكَ مِنْ فعلٍ وحرفٍ وُجِدَا ... وجاء مِن اسم (1) وحرفٍ في النِّدَا

وقُسِّمَ الْكَلامُ لِلأَخْبَارِ (2) ... والأمْرِ والنَّهْيِ والاسْتِخْبَارِ

ثُمَّ الكلامُ ثانيًا قَدِ انْقَسَمْ ... إلى تَمَنٍّ ولعَرْضٍ وقََسَمْ

وثالثًا إلى مَجَازٍ وإلَى ... حَقِيقَةٍ وحَدُّهَا ما اسْتُعمِلاَ

مِن ذاك في مَوضُوعِهِ وقِيلَ مَا ... يَجْري خِطَابًا في اصْطِلاحٍ قَدُمَا (3)

أَقْسَامُهَا ثَلاَثَةٌ شَرْعيُّ ... واللُّغَويُّ الوَضْعِ (4) والعُرْفُّي

ثُمَّ الْمَجَازُ مَا بِهِ تُجُوِّزَا ... في اللفظِ عَنْ مَوْضُوعِه تَجَوُّزَا

بِنَقْصٍ أَوْ (5) زِيَادةٍ أَو نَقْلِ ... أَو اسْتِعَارٍة كنَقْصِ أَهْلِ

وَهْو الْمُرَادُ فِي سُؤالِ الْقَرْيَة ... كَمَا أَتى فِي الذِّكْرِ دُونَ مِرْيَهْ

وكَازْدِيَادِ الْكَافِ في كَمِثْلِهِ ... والغائطِ المَنْقُولِ عَنْ مَحَلِّهِ

رَابِعُها كَقَوْلِهِ تعالى ... يريد أن ينقض يَعْنِي مَالاَ

__________

(1) - وجاء من اسم قطع الهمز، الهمز هي همزة وصل لكن من اجل الوزن هنا تقطع من اسم.

(2) - أَخبَار. بالفتح.

(3) - قَدُومَا، في اصطلاح قدوما على وزن فَعُل.

(4) - واللُّغَويُّ الوَضْعِ مضاف ومضاف إليه، الوضع قُرِأت بضم العين والصحيح بكسرها الوضعِ.

(5) - بنقص أو زيادة أو نقل، تسهيل الهمزة الأولي من وتحقيق الثانية.

(4/3)

________________________________________

هذا هو الباب الأول من الأبواب العشرين، وهو ما يتعلق بأقسام الكلام، ويرد السؤال هذا مبحث لغوي بحت لأنه مشتمل على مسائل نحوية، ومسائل لغوية، ومسائل بيانية يعني تتعلق بعلم البلاغة والبيان، وجرت عادة الأصوليين أن يذكروا في مقدمات كُتبِهِم ما يتعلق بشيء من هذه المسائل، وهذا يدل على ارتباط علم أصول الفقه باللغة بمعنى أنه لا غنى لطالب علم أصول الفقه عن إتقان هذه المباحث وهذه علوم ثلاثة وأكثر لابد من العناية بها، ولكن من باب أنْ يُعلَم أَنَّ هذه فنون ثلاثة قد اجتمعت في هذه المحل - حينئذ - لا يمكن إتقانها أو أن يتقنها طالب لعلم إلا بالرجوع إلى مظانها فَيَدْرُس النحو في مظانه كتب النحو، ويدرس الصرف في مظانه، والاشتقاق في مظانه، والمنطق في مظانه، والبيان والبلاغة في مظانها ثم يقرا كتب أصول الفقه أما إذا أراد أن يتأصل في هذه الفنون من هذه الأبحاث التي يذكرها الأصوليون فلن يجد إلى ذلك سبيلا يعني متعب لطالب العلم أن يتأصل في علم النحو بمثل هذه الأبيات النحو واسع له أول وآخر وله كتب ابتدائية ومتوسطة وانتهائية، وكذلك علم البيان، وغيرها - حينئذ - إذا أراد طالب العلم أن يتقن هذه المسائل فلن يتقنها من هذا الباب وإنما ثَمَّ فارق بين عِلْمَّين: علم النحو وما يتعلق به عند الأصوليين لأن ثَمَّ فروق في بعض الأحكام التي قد يكون استنبطها الأصوليون ولم يقف عليها النحاة هذه هي التي يعتني بها طالب العلم فثَمَّ أبحاث ثَمَّ نظر ثَمَّ تحقيق ثم غَوص في المعاني كما يُعبِر بعضُهم لأن الأبحاث مشتركة، ولأن الأصوليين لهم غوص في المعاني قد لا يدركه النحاة - حينئذ - يأخذ هذا الفارق، وأما التأصيل فيأخذه من مظانه وإذا أراد أن يتأصل لابد من الرجوع إلى كتب العلوم التي ذكرناها سابقا وذَكَر الشاطبي - رحمه الله تعالى - في الموافقات أن ثَمَّ علاقة وارتباط بين علوم اللغة ومسائلها وإدراك الشريعة ... ثم جهل عند بعض طلاب العلم ما قيمة اللغة العربية بالنسبة لطالب العلم الشرعي يظن أن العلم الشرعي تقرأ حديث، وتحفظ، وتقرأ - مثلا - في الفقه وتحفظ وانتهى العلم الشرعي ... لا ليس كذلك إن كان يريد أن يكون مقلدا فلا إشكال لا خلاف معه، وهذا النوع ليس معنيا بكلامنا إنَّما طالب العلم الذي يريد أن يتحرر من التقليد، وأن يكون له باع في الاجتهاد والنظر وأن يقف بين أقوال أهل العلم وأدلتهم بنظر الأصولي الذي يقول هذا وافق الدليل الشرعي فنأخذ به، وهذا خالف الدليل الشرعي فلا نأخذ به وهذه المنزلة ليست بالسهلة أن يقف طالب العلم بين مالك، والشافعي، وأحمد أو الصحابة، ونحوهم فيقول هذا قول مرجوح وهذا قول راجح ... لا، هذا لا يأتي إلا لمن تمكن من علوم الآلة على الوجه الصحيح الذي قعده أهل العلم، ولن يكون طالب العلم على القوة المتينة التي نرجوها في مثل هذا الزمن إلا إذا كان متشبعا بعلوم اللغة سائر علوم اللغة، ولذلك الشاطبي قارن بين من يُدرك علوم اللغة، وبين من يُدرك الشريعة بثلاث مراتب اطويها بالمعنى قال:

الضعيف في علوم اللغة فهو ضعيف في الشريعة، والمتوسط في علوم اللغة فهو متوسط في الشريعة، والمنتهي في علوم اللغة فهو المنتهي في الشريعة.

(4/4)

________________________________________

ترابط لا انفكاك عنه ألبتة مَنْ أراد أن يكون متمكنا بمعنى كلمة متمكن لا مُقلِد إنما أن يكون متمكنا في علوم الشريعة لن يصل إليه إلا بإتقان هذه العلوم التي هي علوم اللغة النحو وهو أبوها وأمها كما يقول البعض ثم يأتي الصرف بعده ثم يأتي البيان فالحديث مُفْتَقِر إلى لسان العرب، والتفسير مفتقر إلى لسان العرب، وإذا وقفت مع الحديث الذي هو السنة والتفسير الذي هو الكتاب، وكل منهما بلسان عربي مبين - حينئذ - لا يمكن إدراك ما فيه من الأحكام الشرعية، والغوص في المعاني إلا بإتقان ذلك اللسان فجدير بطالب العلم أن يجعل له النصيب والحظ الأوفر من إتقان هذه العلوم على وجهها يتمكن فيها تمكن واسع ثم بعد ذلك فليتبحر فيما شاء من العلوم وقد وجد في الأزمنة المتأخرة بدعة مُحدثة، وهي بدعة التخصص هذه، وهذه لم تكن موجودة في سالف الأمة - هذا خروج عن الدرس لكنه مفيد - أقول وجدت بدعة وأمر مُحدث وسببه ما وجد نحن وجدنا ووجدت معنا هذه الأمور جامعات والمعاهد ونحوها هذه فيها تخصصات هذه شرعية هذا كتاب وسنة هذا قضاء إلى آخره، وهذا لغة، وهذا أصول فقه، وكل واحد يدخل هذه الجامعة ويخرج على مذكرات وبعض الكتب التي يُدرسُ أولها ولا يُنتهي من آخرها ثُمَّ بعد ذلك يُخْتَم على شهادته بأنه مُتخرج من فن أو قِسم الفقه أو أصول الفقه إلى آخره فصار يُعنْوَن له بأنه معه شهادة بكالوريوس أو غيرها في أصول الفقه أوفي الكتاب والسنة أو نحو ذلك وهذا جعل البعض يتصور أن العلم الشرعي هو هذا لقلة من ينبه على أن هذه الطريقة الموجودة لن تخرج طالب علم متخرج فضلا عن مُنتهي فضلا عن عالم يخدم الأمة بالعلوم الشرعية، وإنما يكون طلب العلم على الجهة التي صار عليها العلماء السابقون، وهي الطريقة الجادة التي ينبغي العناية بها أن يتأصل طالب العلم ويعرف أن ثم علوم هي علوم آلة كاسمها آلة لابد منها لماذا سَمُّو النحو آله، وأصول الفقه آلة، وسائر علوم الفقه علوم آلة؟ ... لأنها وسيلة توصل إلى أي شيء؟ ... لإتقان الكتاب والسنة.

(4/5)

________________________________________

إذا إن لم تتسلح بهذه العلوم - علوم الآلة - كيف تتقن الكتاب والسنة، والآن عندنا مشكلة وهي التقليد المغلف يعنى من لم يكن متأصلا بعلوم الآلة يجلس ويظن أن الفقه إذا اختار هكذا بنفسه أو أنه قلد شيخَهُ أو بعضهم قد يجعل له طريقه إما أنه يختار أقوال شيخ الإسلام بن تيمية لأنها محررة، وهو قول ما اختاره أبى العباس: ابن تيمية وابن القيم .. إلى آخره فيكون هذا على جهة التقليد يعني قد لا يدرك حجة ابن تيمية - رحمه الله تعالى - ابن تيمية قد يُسرد الصفحات في الدليل على قوله لإثبات هذا القول لكنه لا يدركه إلا مَنْ كان عالما بما يقوله بن تيمية - رحمه الله تعالى - - حينئذ - علوم الآلة لابد منها ثُمَّ إذا أتقن هذه العلوم ولا باس أن يجعل معها أو قبلها المبادئ التي لابد منها لا نقول أن الإنسان لا يقرأ التوحيد ألبتة لا يعرف التوحيد على جهة العموم الأصول الثلاثة القواعد الأربع أو الواسطية كتاب التوحيد كل هذه تُدرَس في أقل من سنة ثم يأخذ ما يتعلق بالعبادات ويصحح عبادته ثم بعد ذلك يتأصل في علوم الآلة ثم يلج الباب وإذا أتقن هذه الفنون خاصة لغة العرب - حينئذ - فليشمر عن ساعديه، وسيتبحر في كل فن وهذا كان الذي عليه السابقون يأخذون من كل علم أحسنه، وأحسنه يعنى ما يكون مرتبة العليا في السُلم يعني يدرس الآجرومية، والملحة، والقطر ثم الألفية بشروحها، وهذا الذي يحتاجه طالب العلم يدرس الورقات، وشيء بين الورقات الكوكب الساطع - مثلا - مراقي السعود، وبشروحها ثم بعد ذلك يكون قد اخذ حاجته من هذا العلم يدرس في الصرف الشافية ... إلى آخره فيكون قد اخذ حاجته من علم الصرف عقود الجُمَان - مثلا - في البيان والاشتقاق وغيره - حينئذ - يكون قد تسلح بهذه العلوم علوم الآلة ثم بعد ذلك إذا أراد أن يَدرُس علوم الشريعة فقها، وحديثا، وتفسيرا قد تميل نفسه إلى علم منها هذا الذي يعنيه المتقدمون بقولهم هذا قد برع في فن كذا وله مشاركة في كذا كم عشرات التراجم تجدها في سير أعلام النبلاء يقول وله مشاركة بكذا، وكذا وكذا وهذه التي نقرأها من هؤلاء نزلوا من السماء؟! ... لا. هؤلاء منا وفينا يعني جرَّوا على ما عليه الإنسان فدرسوا جميع العلوم يحفظ القرآن ثم القراءات السبع إن كان أمكن ثم يَدْرُس ما ذكرنا شيء منه ثم بعد ذلك تميل نفسه إلى الحديث فيتخصص في الحديث تميل نفسه للتفسير فيتخصص في التفسير يكثر من تدريسه يكثر من التأليف يكثر من البحث فيه ... إلى آخره - حينئذ - يكون متخصصا بهذا المفهوم.

(4/6)

________________________________________

وليس هو المفهوم الذي وجد في هذا العصر هذه مفهوم مُحدث ومن كان عليه عند بعض أهل العلم لا يسمى عالماً ألبتة بل حُكِيَّ الإجماع عليه أنه من كان لا يعرف إلا الفقه، ولا يحسن أصول الفقه لا يُعدُ عالما في الفقه فضلا عن غيره لماذا؟ ... لأنه مقلد، والمقلد بالإجماع على أنه ليس من أهل العلم فليس حفظ الأقوال بأدلتها هو الفقه، وليس حفظ الأقوال بالاستنباط ويكون محفوظا هو الفقه ... لا، لابد أن يكون متحررا، وأن يعرف قواعد أهل العلم في الترجيح وفي الاستنباط ثم بعد ذلك يجعل له الميزان بين أقوال أهل العلم لأن البعض قد يخطئ في فهم معنى التقليد يظن أن التقليد لا تتقيد بأبي حنيفة، ولا بالشافعي، ولا بأحمد، ولا غيره ثم بعد ذلك تأتي قضية ماذا قضية التقليد في الاستدلال وهذه التي يخطئ فيها الكثير يَظُنَ أنه إذا لم يقلد شيخا ما أو مذهبا ما وتحرر كما يدعي البعض فأخذ تارة بقول مالك، وتارة بقول الشافعي، وثالثا أحمد، وخامسة، وسادسة بالشوكاني، وعاشرا بابن حزم، وغيره يظن أنه قد خرج من التقليد .. لا، ليس الأمر كذلك، وإنما تخرج عن قول معين إلى قول آخر هذا نوع تحرر نعم لم تتقيد بشخص معين لكن تبقي مسألة أهم من هذا وهو أنك تعرف لماذا قال فلان - مثلا - بالتحريم؟ لدليل كذا ما وجه الاستنباط؟ ... ما العَلاقةَ بين هذا الحكم وهذا الدليل؟ .... هذا هو المَحَك، وهذا هو الذي يعتني به الأصولي ما الرابطة بين قولِنا حرام وبين هذا النص القرآني أو النص الحديثي ما الوجه بينهما ما الجمع بينهما كيف أخذنا التحريم من هذا؟ .. البعض يقلد أولا يقلد في الأول الاختيار، ولكنه يقلد في وجه الاستدلال.

الحاصل: أن المصنف ذكر هذا الباب ونبهنا على أهميته، وأن من تمكن في علم اللغة بأنواعها فهو الذي سيتمكن بإذن الله - تعالى - في علم الشريعة والضعيف ضعيف، ولا أحد يضحك عليك يعني الضعيف ضعيف إذا لم تكن أنت تعرف الآن كل واحد يعرف نفسه أنت الحاكم، وأنت المحكوم عليه إن كنت لا شيء في النحو، والصرف، والبيان فاعلم أنك في دراستك الشرعية ليس بشيء وهذا كلام الشاطبي وهو صاحب الاعتصام، وهو صاحب الموافقات، وهو صاحب شرح الألفية ألفية بن مالك فلا فراق بينهما أصول من أعظم ما كتبه الأصوليون ما يتعلق بالمقاصد وجاء، وشرح الألفية بأعظم شرح للألفية كذلك ليس أصوليا وهجر النحو، وليس نحويا وهجر أصول الفقه بل كُلها مُترابطة ولذلك عجيب أن بعضهم لا يرى هذا المنهج ويقرأ لابن تيمية وابن تيمية بحر تفسير، وينتقل إلى منطق، وينتقل إلى أصول فقه ويعارض ويقطع الرازي ويرد على سيبويه إلى آخره ترى علوم جامعة كاملة في شخص واحد شخص واحد هو عندنا عدة علماء كذلك نعم هذا موجود لكن وجود شخص واحد لا يحسن إلا فنا واحدا هذا لا يعد من أهل العلم ألبتة وإن كَثُر في هذا الزمان لكن الحق أحقَ أن يتبع.

 

باب أقسام الكلام

(4/7)

________________________________________

أقسام الكلام لها حيثيات أولها من حيثية ما يتركب منه قال الناظم - رحمه الله تعالى - كلام في تعريف الكلام طويل جدا، وتقسيمات الكلام هذا الذي اعتني به الناظم لكن كأنه قال لك أن الكلام هو الذي سيذكره دون ما يذكره النحاة شاع عند النحاة أن الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع ... أليس كذلك؟

 

إن الكلام عندنا فلتستمع ***** لفظٌ مُركب مُفيدٌ قد وضع

 

هذا أحسن وأصح ما يُعَرَّفُ به الكلام لابد من التنصيص على هذه الأمور الأربعة: "لفظ مركب مفيد بالوضع"، "مفيد": يعني فائدة تامة، "بالوضع": المقصود به الوضع العربي خلافاً لمن قال: القصد فهو قول ضعيف، وابن مالك اختصر هذا التعريف قال: كلامُنا لفظ مفيد كاستقِم، مختلف في التوجيه كاستقَم: هل هو قيد أم مثال لكن التعريف الأول أولى، وهو ما عرفه به المُعْطفي في الفصول الخمسون، وهو الذي قدمه ابن آجروم في الآجرومية.

هنا لم يعرفه وإنما ذكر أقسام الكلام لأن البحث هنا في التراكيب كما سبق معنا عندنا تصور، وعندنا تصديق، والتصديق المراد به الجملة الاسمية والجملة الفعلية - حينئذ - أقل ما تتألف منه الجملة الاسمية أقل ما تتألف من الجملة الفعلية هذا الذي يبحث عنه الأصوليون أما حقيقة الكلام فهذا بحثه هناك.

 

أقل مَا مِنْهُ الْكَلامُ رَكَّبُوا ***** اسْمَاِن أو اسْمٌ وفعلٌ كارْكَبوا

 

"أقل": هذا مبتدأ، "ما": اسم موصول بمعنى الذي.

"أقل ما منه الكلام ركبوا اسمان": "اسمان": هذا خبر المبتدأ، وأقل: هذه ملازمة للإضافة، وقد قيل: إن أقل وما يضاف إليه قد لا يكون له خبر: أقل رجل يقول ذلك هذا ليس له خبر مبتدأ لا خبر له هذا ليس له مثال إلا هذا يرد السؤال عند النحاة وبعض المحشين هل كل مبتدأ له خبر؟ الجواب: لا ... ليس كل مبتدأ له خبر لكن الغالب هو هذا قد يكون للمبتدأ ما يغني عن الخبر، وهو الفاعل إذا سَدَّ مَسَدَّ الخبر في نحو: أقائم الزيدان، وكذلك نائب الفاعل يَسُدُّ مَسَدَّ الخبر إذاً وجد ما يفيد فائدة الخبر وهنا ليس عندنا ما يفيد فائدة الخبر لا فاعل، ولا نائب فاعل أقل رجل يقول ذلك أين الخبر؟ ... لا وجود له وجملة: يقول ذلك وقعت بعد نكرة، والنكرة أشد احتياجا إلى الصفة من الخبر، ولذلك تعرب هذه الجملة: يقول ذلك صفة لرجل، وأين المبتدأ؟ أقل، أين الخبر؟ ... لا خبر له.

إذاً: "أقل اسمان": هذا خبر المبتدأ، أقل الذي ركبوا الكلام منه اسمان، إذا: ً "منه": جار ومجرور متعلق بقوله: "ركبوا"، و"الكلام": بالنص على أنه مفعول به مقدم لركبوا، والواو هنا ضمير لابد له من مرجع ما هو مرجعه؟ .. معهود بالذهن من الذي رَكَّبَ إما العرب، وإما النحاة إما العرب حقيقة قولا ونطقا ووضعا، وإما النحاة حكما يعنى حكموا بذلك ركبوا يعني حكموا بكون الكلام لابد وان يتركب من اسمين أو اسم وفعل - حينئذ - يرجع الضمير إما إلى العرب، وإما إلى النحاة لكن حكموا بذلك.

(4/8)

________________________________________

"أقل ما": قلنا "ما": هذه اسم موصول بمعنى الذي، والموصولات من المبهمات - حينئذ - لابد من مُفَسِر يعني تأخذ لفظ "ما" وتضع مكانها كلمة لها معنى أقل؟ ايش رأيكم؟ .. "ما": اسم بمعنى الذي، والذي اسم مبهم أختها. أقل الكلام ركبوا منه الكلام هذا ما يصح عندهم أقل شيء هذا عام أقل الكلمات. ما هو الكلام؟ .. اللفظ.

أقل لفظ ركبوا الكلام منه

ومَنْ جعل القول هو الجنس في حد الكلام قال: قول، والأحسن أن يكون لفظ أقل: لفظ ركبوا أي ألفوا، وهذه الجملة فعل وفاعل صلة ما يعني لا محل لها من الإعراب، أقل لفظ ركبوا يعني العرب منه من هذا اللفظ الضمير يعود على ما، الكلام

اسمان أو اسم وفعل. إذاً صورتان إما أن يتركب الكلام ويتألف من اسمين أو من

اسم وفعل ... كم صورة؟ صورتان. الصورة الأولى: من اسمين، وهذه التي يعنون لها بالجملة الاسمية أو اسم وفعل يعني من اسم وفعل، والذي يعنون له بالجملة الفعلية لكن قوله: "اسمان": هذا في الجملة، وتحته أربع صور لأنه إما أن يكون مبتدأ وخبر، مثل: "زيدٌ قائم" تألف من اسمين: زيد: مبتدأ، وقائم: خبر، أو من اسمين الأول: مبتدأ، والثاني: فاعل سد مسد الخبر: "أقائم الزيدانِ": قائم: مبتدأ ليس له خبر، وإنما له فاعل سد مسده، وهذا تأخذونه من هناك أومن اسمين الأول مبتدأ والثاني نائب فاعل سد مسد الخبر "أمضروب الزيدان أو العمران" مضروب: اسم مفعول يحتاج إلى نائب فاعل، أو من اسمين الأول: اسم فعل، والثاني فاعل مثل: "هيهاتَ العقيقُ" هيهات: اسم فعل ماضي، و"العقيق": هذا خبر. إذاً اسمان تحته كم صورة أربع صور: مبتدأ وخبر، ومبتدأ ونائب الخبر فاعل سد مسد الخبر، مبتدأ ونائب فاعل سد مسد الخبر، اسم فعل ماضي وفاعله.

قوله:" أو اسم وفعل": يعني تألف من اسم وفعل، وهو ما يعنون له بالجملة الفعلية وتحته صورتان لأن الفعل إما أن يكون مبنيا للفاعل وما بعده فاعل، وإما أن يكون مبنيا للمفعول وما بعده نائب فاعل: "قام زيدٌ": فعل وفاعل، "ضُرِبَ زيدٌ": فعل

ونائب فاعل. إذًا أقل ما يتألف منه الكلام هو هذا الذي ذكره.

قال:: "كاركبوا": يعني مثل اركبوا، اركبوا: هذا فعل أمر مبني على حذف النون لأنه اتصل به الواو فاعل - حينئذ - ينظر فيه نظر المضارع الذي اتصل به واو الفاعل مثل: يركبان، اركبوا: فعل أمر مبني على حذف النون والواو هذه فاعل والكاف هنا إما اسمية أو حرفية، اسمية بمعنى: مثل أو حرفية - حينئذ - لابد من التقدير كقولك اركبوا.

إذاً بَيَنَ لنا المصنف - الناظم - تبعا للأصل في هذا البيت أن أقل ما يتألف منه الكلام إما من اسمين، وتحته أربع صور أومن اسم وفعل، وتحته صورتان.

قوله: "أقل": مفهومه أنه قد يتألف من أكثر أليس كذلك؟ ... نعم أقل معناه أن الكلام قد يتألف أكثر من اسمين أو اسم وفعل وهذا لا خلاف فيه.

"كَذَاكَ مِنْ فعلٍ وحرفٍ وُجِدَا":

الكلمة تنقسم ثلاثة أقسام: اسم، وفعل، وحرف. الكلمة التي يتألف منه الكلام اسم وفعل وحرف هذه ثلاثة طيب سبق في البيت السابق أنه

(4/9)

________________________________________

قد يتألف من اسمين أو اسم وفعل هذا باتفاق لا خلاف بين النحاة ولا الأصوليين أن الكلام يتألف من اسمين هذه صورة، ويتألف من اسم وفعل وبالإجماع كذلك من الطائفتين أن الكلام لا يتألف من حرفين، ولا من فعلين بقي ماذا؟ ... اسم وحرف، فعل وحرف هذا محل نزاع بينهم محل نزاع بين النحاة، ولذلك قَدَّم في البيت الأول ما حصل الاتفاق عليه ثم قال: "كذاك من فعل وحرف" ... ما الفائدة؟ أرباب الشروح والمتون إذا جاءوا بالكذلكه - حينئذ - ثم خلاف ما بعدها عما قبلها هنا قال: "اسمان أو اسم وفعل كذاك" ما قال: ومن فعل وحرف، ما عطف بالواو أو بأو وإنما فصله بكذاك هذا الفائدة منه يشير بأن ما بعد كذاك مخالف لما قبلهم فالأول متفق عليه، والثاني مختلف فيه، ولذلك لا يُعترض على الناظم ولا على غيره كيف يُسوي بينهما الأول اسمان أو اسم وفعل متفق عليه كيف يقول وكذاك من فعل وحرف وجدا نقول فرَّق بينهم لو عطف بالواو جاء الاعتراض لكن لمَّا جاء بالكذلكه يعني: كذلك دل أن ثَمَّ فرق بين النوعين الأول متفق عليه، والثاني مختلف فيه، "كذاك": أي مثل ما سبق، "من فعل وحرف وجدا": وجدا: الألف هذه للإطلاق وجدا كذاك من فعل وحرف هذا مذهب الشلوبين أنه قد يتألف الكلام في أقل ما يكون من حرف وفعل: ما قام، لم يقم .. ومحل الخلاف ماذا؟ في الضمير المستتر ما قام زيدٌ ما قام، ما قام هذا حرف وفعل هل له فاعل؟ على هذا الكلام ليس له فاعل لأنه ليس بكلمة ضمير مستتر هنا ليس بكلمة لا يعد وهذا مُخَالف لما عليه جماهير النحاة إن لم يكن إجماعا عندهم أن الضمائر المستترة تُعد كلمات وأنها من الألفاظ بالقوة، ولذلك في تعريف الكلام يقول الكلام هو اللفظ ثم اللفظ قسمان لفظ بالفعل وهو المنطوق به ولفظ في قوة الملفوظ به وهو الضمير المستتر ولذلك قلنا - مثلا - {اسكن} هذا كلام والكلام عند النحاة لا يكون كلاما إلا إذا وجدت فيه الفائدة التامة، والفائدة التامة باتفاق لا تكون إلا مع التركيب، وهنا وجدت الفائدة التامة، وإذا وقفنا مع الظاهر اسكن: كلمة واحدة، فكيف وجد ت الفائدة التامة مع لفظ واحد ولم يوجد التركيب قالوا دل هذا على أن الضمير المستتر هُنا معتبر ولذلك جاء في القران:

{وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} الأعراف: 19

زوجك: بالرفع معطوف على ماذا؟ ... على الضمير المستتر، فلما جاء في القرآن وهو على سَنَنِ لسان العرب تأكيده بانت. إذاً دل على أنه في قوة الموجود إذ كيف يؤكد بلفظ ما ليس بلفظ فقولنا أنت ليس بفاعل اسكن فعل أمر فاعله باتفاق لا يكون اسما ظاهراً، وإنما يكون ضميرا مستترا باتفاق النحاة محل إجماع فلذلك إذا جاء:

{وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} الأعراف: 19

أنت: نُعربه تأكيد لأي شيء؟ للضمير المستتر لو لم يكن الضمير المستتر موجودا كيف يؤكد بالمفهوم هذا ممتنع ثُمَّ عُطِف عليه فلما عُطِف عليه دل على أنه

يُرَاعى فيه قوة المفعول كأنه موجود على كلٍ الصحيح والذي يكاد أن يكون إجماع

أن الضمير المستتر يُعد كلمة - حينئذ - ما قام نقول قام هذا فعل، وكل فعل لابد له من فاعل لا يوجد فعل إلا مع فاعل لذلك قال بن مالك:

(4/10)

________________________________________

"وبعد فعل فاعل فان ظهر ***** فهو وإلا فضمير مُستَتَر"

 

إما هذا وإما ذاك إن ظهر ونُطق به فهو الفاعل ما وجدته ضمير مستتر مباشرة لماذا؟ لأن الفعل والأفعال أحداث أوصاف، ولا يمكن أن يوجد الحدث أو الوصف إلا بفاعل بِمُحْدِث، وبعد فعل فاعل فان ظهر فهو وإلا: يعني إن لم يظهر فضمير مُستَتَر إذن فقولهم من "فعل وحرف وجدا": مذهب ضعيف، وهو منسوب إلى الشلوبين.

"وجاء مِن اسمٍ وحرفٍ في النِّدَا": هذا منسوب لأبي علي الفارسي يقول: قد يأتي الكلام ويتألف من حرف واسم لكنه خصه بالنداء تقول: "يا زيدُ" حصلت به الفائدة التامة، ولا تحصل الفائدة التامة إلا بتركيب إذن يا زيد حصل به فائدة تامة حصل التأليف بين حرف واسم ورُدَ عليه بأن هذا فرع، والتقعيد إنما يكون بالأصل والأصل يا زيدُ أصلها أدعو زيداً والذي يدل على ذلك أن أصله جملة فعلية وليس بجملة مركبة من حرف واسم الذي يدل على ذلك أنك إذا أعربت زيد تقول: يا: حرف ندا، وزيد: مبني على الظرف في محل نصب من أين جاء محل النصب؟ في محل نصب مفعول به لأي شيء لأدعوا المُقَدم إذن صار قوله يا زيد فرعا وليس بأصل، والتقعيد والتأصيل إنما يكون بالأصول لا بالفروع ارتقبوا هذا القول إذن من قال بان الكلام قد يتألف من فعل وحرف قول ضعيف وكونه يتعلق بالاسم وحرف كذلك قول ضعيف، "وجاء من اسم": - بقطع الهمزة - من أجل الوزن، "وحرف": حالة كونه في الندا يعني بمعنى المنادى. ثم ذكر حيثية أخري.

"وقُسِّمَ الْكَلامُ لِلأَخْبَار":ِ إذن التقسيم الأول باعتبار ماذا؟ .. باعتبار ما يتركب منه كأنه قال لك الكلام هو اللفظ المُتألِف من فعلين أومن فعل واسم. وقسم الكلام من حيثية أخري باعتبار مدلوله الأول باعتبار التركيب هنا باعتبار المدلول

"لِلأَخْبَارِ والأمْرِ والنَّهْيِ والاستخبار": ثم زاد على ذلك: "تمني ولعرض وقسم": هذا قول لبعض البيانيين أن الكلام ينقسم لهذه الأنواع، والصحيح - اختصارا - نقول أن الكلام منحصر في نوعيين لا ثالث لهما، وهما: الخبر والإنشاء قال السيوطي في عقود الجُمَان:

"مُحتَمِلٌ لصدق أو كذب الخبر ***** وغيره الإنشاء ولا ثالث قر"

يعني: استقر هذا القول ولا ثالث لهما "مُحتَمِلٌ لصدق أو كذب الخبر وغيره الإنشاء ولا ثالث": يعني لهذا القول "قر": يعنى استقر هذا الاختيار، ولذلك قال في همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي حاك للسبكي في جمع الجوامع، وجمع الجوامع للسبكي جمعه من زهاقة مائة مصنف، وهو أجل وأعلى كتب أصول الفقه ومن كانت له عناية فليعتني بالجمع الأصل أو بنظمه: الكوكب الساطع للسيوطي حكاه السيوطي فألف جمع الجوامع في النحو ما ترك قولا ولا مسألة إلا ذكرها في هذا الكتاب وشرحه في كتاب في شرح سماه همع الهوامع - مطبوع - قال في همع الهوامع: وهو ما عليه أهل البيان قاطبة والحذاق من النحويين يعني أن الكلام ينحصر في اثنين لا في ثلاثة، وهما خبر وإنشاء، ما هو الخبر؟ ما احتمل الصدق والكذب لذاته يعني ما يحتمل أن يقال له صدقت أو كذبت قام زيد. كذبت، يحتمل؟ نعم تقول قام زيدٌ، وما قام زيدْ، صدقت قام زيد، كذبت لم يقم زيد

(4/11)

________________________________________

فكل ما احتمل أن يقال لقائله للمتكلم بأنه صادق في خبره أو كاذب فيسمى ماذا؟

يسمى خبرا.

محتمل للصدق والكذب الخبر لكن قالوا لذاته يعني بذات الجملة لا باعتبار المُتكلِم لأننا لو نظرنا باعتبار المتكلم فالأقسام ثلاثية إما أنه لا يحتمل إلا الصدق كخبر الله

وخبر النبي صلي الله عليه وسلم أولا يحتمل إلا الكذب كخبر مُسَيلِمة إني رسول الله كذاب ما يحتمل الصدق ألبتة هذا عند المسلمين، وإما أنه يحتمل الصدق أو الكذب وهذا ... في غير ما قُطِع بصدقه أو بكذبه فقلنا بذاته يعنى بالنظر إلى ذات الجملة فقط دون اعتبار القائل لأنك لو قلت باعتبار القائل لزم منك أن تقول القرآن ليس فيه خبر

أليس كذلك؟ إذا قلت باعتبار القائل فالقرآن ليس فيه أخبار لأن الخبر ما احتمل أن يُقال لقائله كذبت والقرآن لا يُقال لقائله كذبت - حينئذ - قالوا لذاته يعني ذات التركيب انتبهوا افهموا عني صحيح: ... (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

باعتبار ذاته خبر يحتمل الصدق والكذب لكن باعتبار كونه من الله - تعالى - لا يحتمل إلا الصدق واضح لا أحد يقول: ... (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) كذب انتبهوا - حينئذ - نقول باعتبار التركيب نفسِه احتمل باعتبار القائل لا يحتمل إلا الصدق ما عداه الذي لا يحتمل أن يُقال لقائله صدقت أو كذبت فهو الإنشاء كالتمني: ليت لي مالا فافعل به كذا وكذا لا يقال له صدقت وكل ما ذكره الناظم غير الأخبار فهو نوع من أنواع الإنشاء، الإنشاء أنواعه ثمانية.

"وقُسِّمَ الْكَلامُ لِلأَخْبَار":ِ جمع خبر عرفنا معناه.

"والأمر": يعني نوع يسمى الأمر، وهو ما يدل على طلب الفعل نحو: قُُم، الأمر عند النحاة محصور في ما يدل على طلب الفعل نحو: قم، وبعضهم يقول كلام مشتمل على نحو افعل دال بالوضع على طلب فعل أوترك نحو قم أو اترك.

"والنَّهْيِ": هذا النوع الثالث ما يدل على طلب الترك نحو: لا تقم أو إن شئت قل كلام مُصدَّر بـ ـلا: الناهية دال بالوضع على الترك نحو: لا تقم

"والاسْتِخْبَار"ِ: استخبار استفعال من الخبر المراد به الاستفهام هل زيد قائم؟ فيقال نعم أو لا، لا يُقال له صدقت أو كذبت؟، قُم: لا يقال له صدقت أو كذبت، لا تقم: لا يُقال له صدقت أو كذبت.

"ثُمَّ الكلامُ ثانيًا قَدِ انْقَسَمْ إلى تَمَنٍّ":. ثم الكلام: أي إن الكلام كما انقسم أولا إلى ما ذُكر فقد انقسم ثانية إلى تمنٍ وهو كلام دالٌ على طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر:

 

ليتَ الشبابَ يعودُ يوما ***** ً فاخبره بما فعل المشيبُ

مسكين!! .. ليت الشباب يعود: ما يعود الشباب أليس كذلك؟ - حينئذ - نقول هذا تَمَنَي شيئا لا يمكن أن يقع، أو ما فيه عسر: فقير يقول ليت لي مليارا، فقير ما عنده ما يأكله ويتمني مليارا نقول هذا طلب شيئا ليس بمتنع، ليس بممتنع ما تدري الأيام دُول ولكنه فيه عسر إذاً "تمنٍّ": كلام دال على طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر فيكون في الممتنع والممكن الذي فيه عُسر

(4/12)

________________________________________

"ولعَرْضٍ وقََسَمْ": ولعرض: بإسكان الراء وليست عرَض (1) والعرضُ مصدر بألا، ألا تزورُنا فنُكرِمَك هذا فيه طلب بالا دال بالوضع على طلب برفق ولين ومثله التحضيض إلا أنه طلب بحث وإزعاج، هلا زُرتنا إلى آخره ....

ولعرض وقسم: القسم: هو كلام دال على اليمين، والمراد به الحلف اليمين القسم الحَلِف والمراد به صيغة القسم لا المقسوم عليه القسم إنشائي يعني والله أنه لكذا

والله إنه لصادق جملة: والله: إنشاء، إنه لصادق: خبر، والله يحلف والله كذبت، صدقت لا يحتمل فهو إنشاء أنه لصادق المقسم عليه المحلوف عليه هذا خبر لأنه يحتمل

والله إن زيدا لصادق: تقول لا .. كذبت زيد ليس بصادق بل هو كاذب إذاً حاصل البيتين أن المصنف عنى هنا شيئا لكنه لم يأتِ بالقول الصواب، وهو أن الكلام ينقسم باعتبار مدلوله إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما: وهما الخبر، والإنشاء .. الخبر: ما احتمل الصدق والكذب لذاته، والإنشاء: ما لا يحتمل الصدق والكذب لذاته، ويدخل تحته الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والعرض، والقسم.

__________

(1) - بإسكان الراء وليس بالفتح.

(4/13)

________________________________________

"وثالثًا إلى مَجَازٍ وإلَى حَقِيقَةٍ": يعني ينقسم الكلام باعتبار آخر انقساما ثالثا مُغايراً لما سبق وهو باعتبار استعماله في مدلوله. انظر الحيثية الأولى: باعتبار ما يتركب منه، الحيثية الثانية: باعتبار مدلوله هو، الحيثية الثالثة: باعتبار هل يُستعملُ في مدلوله أم في غير مدلوله فينقسم إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما، وهما الحقيقة والمجاز وهذا التقسيم فيه نزاع طويل عريض عند المتأخرين وحاصله أن المجاز هل هو موجود في لسان العرب أو لا؟ وإن قلنا بوجوده في لسان العرب هل هو موجود في القرآن أو لا؟ .. ثَمَّ أقوال واختلاف بين أهل العلم يقرر قاعدة عامة أولا وهي: أن الصفات للرب - جل وعلا - وأسمائه - جل وعلا - لا مجاز فيها ألبتة مقطوع به وهذا عند السلف وأتباع السلف أن أسماء الرب - جل وعلا - والصفات فهي حقائق ولا مجاز فيها ألبتة ولا جدال في هذا لا نزاع في هذا ما عدا ذلك فهو مختلف فيه، ولذلك بعض ممن قرر عقيدة السلف يقول بالمَجَاز ابن قدامة - رحمه الله تعالى - على المشهور أنه قرر عقيدة السلف في اللمعة (1) وفي غيرها ومع ذلك دافع عن المجاز في الروضة وأيده ورد على من أَوَلَ أو كما قال بعضهم حرف كلام الإمام أحمد أنه من مجاز اللغة يعني مما يُتَجَوز به في اللغة - حينئذ - لا تنافي بين القول بالمجاز وبين أن يكون سلفيا في المعتقد إذا منعنا دخول المجاز في الأسماء والصفات فيصير الخلاف - حينئذ - خلافا مستساغا بمعنى من قرر عقيدة السلف على وجهها وقال بالمجاز لا ينبغي أن يُشدد في مثل هذه المسائلة ولا ينبغي أن نجعله من أهل البدع أو أنه قد وافق المبتدعة أو غير ذلك لأن كما ذكرت أن بعض أو كثيرا ممن يقرر عقيدة السلف هو على القول بالمجاز وشيخنا محمد على آدم الإثيوبي - حفظه الله تعالى - يقرر المجاز بشدة ومع ذلك هو على عقيدة السلف على جادة السلف - حينئذ - نُقرر ما يذكره الناظم - رحمه الله تعالى - وأما رأيي فهذا احتفظ به لنفسي وأقرر ما ذكره المصنف - رحمه الله تعالى -.

وثالثًا إلى مَجَازٍ وإلَى ***** حَقِيقَةٍ وحَدُّهَا ما اسْتُعمِلاَ

مِن ذاك في مَوضُوعِهِ ***** ...............................

"وحدها": يعني بدأ بالثاني، وهو الحقيقة، وهذا يُسمى: لفاً ونشرا غير مُرتب لأنه قال: إلى مجاز وإلى حقيقة قَدَّمَ المجاز، وثنى بالحقيقة ثم لما أراد أن يُفَصِّل بدأ بالثاني دون الأول والأصل أن يبدأ بماذا؟ بالأول، وهذا لا إشكال فيه بل هو أسلوب عربي واضح بَيِّن وجاء استعماله في القرآن:

{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} آل عمران: 106

بدأ بالثانية مثل الذي معنا، وهو أسلوب من أساليب العرب.

"وحَدُّهَا": يعني وحد الحقيقة، وهي فعيلة من الحق قال ابن فارس:

"الحقيقة من قولنا حق الشيء إذا وجب واشتقاقه من الشيء المحقق وهو المُحكم تقول هذا ثوب مُحقق النسج أي مُحْكَمٌ وقيل هي من حق الشيء يحق بالكسر والضم إذا ثبت ووجب"

__________

(1) - هوكتاب لمعة الاعتقاد لابن قُدامة المقدسي في العقيدة وله شرح لفضيلة الشيخ بن عثيمين - رحمه الله - تعالى - -.

(4/14)

________________________________________

على كلٍ هي بمعنى الثبوت وعليه حقيقة فعيلة إما بمعنى فاعل، وإما بمعنى مفعول يَحتمِل هذا وذاك وجوز الشيخ الأمين أو تلميذه محمد ولد سيدي حبيب في شرح النثر المراقي إما يكون بهذا أو يكون بذاك أوله ليس من شرح الشيخ الأمين - رحمه الله تعالى - إما أن يكون بمعنى ثابت، وإما أن يكون بمعنى مُثْبَت، فعيلة بمعنى فاعل ثابتة أو فعيلة بمعنى مُفعَلة مُثبَتَه فهو فعيل بمعنى فاعل كعلوم بمعنى عالم أي ثابت أو بمعنى مفعول إن حققته إذا أثبته قال هنا: "وإلى حقيقة وحدها": عَرَفنا حدها في اللغة.

"ما اسْتُعمِلاَ مِن ذاك في مَوضُوعِهِ": ما: أي لفظ اُستُعمِلَ، الألف: هذه للإطلاق والاستعمال إطلاق اللفظ وإرادة المعنى عندنا ثلاثة أشياء اصطلاحات وضع واستعمال، وحمل الوضع جَعْلُ اللفظ دليلا على المعنى يعني الواضع الذي وضع كلمة سماع على المعنى المراد هذا الوضع (1)، والمشهور عند الجمهور أن واضع اللغة بل اللغات هو: الله عز وجل:

واللغة الربُ لها قد وضعا ***** وعزوها للاصطلاح سُمِعَ

واللغة: يعني اللغة العربية، "الرب لها قد وضعا": بل عمم السيوطي في الكوكب توقيف اللغات عند الأكثرين، ومنهم بن فورك والأشعري توقيف اللغات، اللغات توقيف كل اللغات فهي توقيفية بمعنى أن الله - تعالى - هو واضعها.

إذن الواضع أو الوضع هو: جعل اللفظ دليلا على المعنى، ثم استعمال وهو إطلاق اللفظ وإرادة المعنى، ثم الحمل وهو اعتقاد السامع مراد المتكلم من كلامه فثلاثة أشياء: وضع وحمل واستعمال أيهما اسبق؟ الوضع سابق، والحمل لاحق، والاستعمال متوسط، هنا قال: "وحدها": أي الحقيقة "ما استعملا": يعني لفظ استعملا، "الألف": للإطلاق يعني أُطلق هذا اللفظ وأُريد به المعنى الذي وُضِعَ له في لسان العرب.

"من ذاك": أي من اللفظ السابق أو من الكلام.

"في موضوعه": أي على معناه الذي وضع له في اللغة يعنى كأنه قال: الحقيقة هي اللفظ المستعمل في موضوعه الأصلي، فاللفظ جنس يشمل المهمل والمستعمل.

قولنا المستعمل: هذا اخرج المهمل، وهو جنس في نفسه لأن المجاز مستعمل والحقيقة كذلك مستعملة.

__________

(1) - الواضع: هو واضع كلمة ما على المعنى المراد.

(4/15)

________________________________________

قوله: في موضوعه الأصلي: اخرج المجاز - حينئذ - صارت الحقيقة منحصرة في هذا التعريف الفظ المستعمل في موضوعه الأصلي - حينئذ - وضعت العرب لفظ الأسد للحيوان المفترس فإذا أُستعمِل في ما وضع له في لسان العرب فهو حيوان مفترس - حينئذ - نقول هذا استعمال اللفظ في حقيقته، فإذا أُستعمل في غير مدلوله في لسان العرب وهو الحيوان المفترس كأن يقال أو يحمل على أنه الرجل الشجاع نقول استعمل في غير موضوعه الأصلي لو قال: رأيت أسدا يخطب هذا مجاز حكمت أفتيت - حينئذ - نقول رأيت أسدا، أسدا: في الأصل لو وقف إلى هنا حملناه على المعنى الحقيقي وهو حيوان مفترس لما قال: يخطب الأسد ما يخطب عرفنا أن هذه قرينة صارفة دالة على أن لفظ الأسد لم يُستعمَل في موضوعه الأصلي الذي وضع له في لسان العرب بل نُقِل إلى معنى آخر وهذا الذي عناه بالحد الأول "ما اسْتُعمِلاَ مِن ذاك في مَوضُوعِهِ": على هذا التعريف الحقيقة نوع واحد فقط ليس عندنا حقيقة شرعية، ولا حقيقة عُرفية فانحصرت الحقيقة في اللغوية ما عداها فهو مجاز، فالصلاة عبادة ذات أقوال ... إلى آخره مجاز على هذا القول، الدابة من ذوات الأربع مجازا على هذا القول لأن ليس عندنا حقيقة عُرفية، وليس عندنا حقيقة شرعية بل الحقيقة منحصرة في اللغوية كل ما استعمل فيما وضع له في لسان العرب فهو الحقيقة استعمل في غير ما وضع له في لسان العرب فهو مجاز سواء الذي استعمله الشارح أم غيره إذن الحقيقة منحصرة في نوع واحد التعريف الثاني الذي أورده المصنف يشمل الأنواع الثلاثة يعني الحقائق بأنواعها المتغايرة.

"وقِيلَ مَاَ يَجْري خِطَابًا في اصْطِلاحٍ قَدُمَا": وقيل: هذا فيه تضعيف لكن الظاهر أنه هو المرجح عند الناظم كأصله لأنه فَرَّع عليه أقسامها ثلاثة: شرعي ... الخ.

لما فرع على التعريف الثالث دل على أنه هو المعتبر لأن جماهير أهل العلم على أن الحقائق ثلاثة، وعليه نقول: أن المُرجَح هو الثاني وإن ضعفه الناظم بقوله: قيل، وقيل: "ما": ما: لفظ أو قول يجري بمعنى استعمل خطابا في اصطلاح قدما، "خطابا": يعني التي وقع التخاطب بها، وإن لم يبقَ على موضوعه الأصلي، "في اصطلاح": اصطلاح: أصلها اصتلاح بالتاء قُلِبت التاء طاء، اصطلح زيد وعمر: إذا اتفقا هذا الاصطلاح في اللغة الاتفاق اصطلح زيد وعمرو اصطلاح فردي أو جماعي - حينئذ - يكون بمعنى الاتفاق.

والاصطلاح - في الاصطلاح -: اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى ما أطلق انصرف إليه، اتفاق: واضح، طائفة مخصوصة: أي كان نوعها مهندسين، أطباء، أوصوليون، نحاة، فقهاء، فلكيون ... إلى آخره. كل طائفة مخصوصة تصطلح على شيء مُعَيَّنٍ عندهم معنى من المعاني يوضع له لفظ إن أُطلق هذا اللفظ انصرف إلى ذلك المعنى في اصطلاح هذه الطائفة المخصوصة فإذا قال اللغوي النحوي - مثلا -: الفاعل يفهم ماذا الفاعل الاصطلاحي إذا أطلق الفاعل اللغوي يفهم المعنى اللغوي - حينئذ - نقول قوله في اصطلاح المراد به اتفاق طائفة مخصوصة على أمر معهود بينهم متى م أُطلق هذا اللفظ انصرف إليه.

(4/16)

________________________________________

"في اصْطِلاحٍ قَدُمَا": قدما: أي مُتقدِم بهذا الحد، وهو الذي عَبَّرَ عنه صاحب الأصل: ما استعمل فيما اصطُلِحَ عليه من المُخاطِب وهذا أوضح التعريف دائما في النظم تكون فيه نوع إبهام.

"ما استعملا": يعني لفظ استعمل، وعَرَفْنَا معنى الاستعمال فيما اصطلح عليه من المُخَاطِبة يعني من الجماعة المخاطبة بعضها لبعض متخاطبة فكل جماعة إن كان

لهم اصطلاح في لفظ معين انصرف إليه فجماعة الفقهاء طائفة الفقهاء إذا أطلقوا لفظ الصلاة انصرف إلى الهيئة المخصوصة، وإذا أطلق اللغوي لفظ الصلاة انصرف إلى الأصل وهو الدعاء بالخير أو غيره، كذلك الدابة في لسان العرب كل ما يدب عي الأرض سواء كان برجلين أربع بدون .. إلى آخره:

{وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها} هود: 6

- فحينئذ - نقول هذا اللفظ: دابة كل ما يدب على الأرض فهو دابة لكن خصه العُرف بماذا؟ بذوات الأربع - حينئذ - نقول إذا استعمله أهل العُرف انصرف إلى المعنى الذي أطلقوه عليه وهو ذوات الأربع {وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها} هود: 6

ما استُعمِلَ فيما اصطلح عليه من المُخَاطِبة - حينئذ - على هذا التعريف المُخَاطِبة أو الجماعة المتخاطبة إما أن يكون أرباب الشرع، وإما أن يكونوا أرباب لغة، وإما أن يكونوا أرباب عرف فانقسمت الحقيقة باعتبار الواضع إلى ثلاثة أقسام، ولذلك قال الناظم

أَقْسَامُهَا ثَلاَثَةٌ شَرْعيُّ **** واللُّغَويُّ الوَضْعِ والعُرْفُّي

 

"أقسامها": أي الحقيقة، "ثلاثة": باستقراء كلام أهل العلم شرعي، واللغوي الوضعي والعرفي": هذه ثلاثة أنواع:

الأول: الشرعي وهو ما وضعه الشارع يعني اللفظ المستعمل فيما وضع له شرعا

مثل الصلاة، والصيام، والزكاة، والطهارة، والحج كلها ألفاظ شرعية لها حقائق شرعية - حينئذ - كل ما كان مصدره من الشرع فلابد من الوقوف معه في إثبات اللفظ، والمعنى شرعا - حينئذ - لا يكفي إثبات اللفظ من الشرع ثم نأتي ونأخذ ما اصطلح عليه الفقهاء كما ذكرناه بالأمس.

إذا قوله: "شرعي": مراد به الذي أو التي وضعها الشارع كالصوم وما ذكرناه معه.

"واللغوي الوضعي": يعني التي وضعها واضع اللغة، وهذا هو الأصل فيها هذا هو الأصل في لسان العرب قبل ورود الشرع، "واللغوي الوضعي": مضاف ومضاف إليه يعني التي وضعها واضع اللغة بإضافة الصفة إلى الموصوف.

"والعرفي": يعنى التي وضعها أهل العرف سواء أكان العرف عاما أو كان العرف خاصا عاما في كل البلدان - مثلا - أو خاصة يكون لطائفة كالنحاة - مثلا - يكون العرف عندهم أو يكون ببلد دون بلد، والعرفي ما خُص عُرفا ببعض مُسمياته، والعرف نوعان: عرف عام وهو ما لا يتعين ناقله، وعرف خاص وهو ما تعين ناقله على هذا نحصل أن:

الحقيقة تنقسم ثلاثة أقسام حقيقة لغوية، وحقيقة شرعية، وحقيقة عرفية ... ما الفائدة من هذا؟ الفائدة انك إذا نظرت في كتاب الله أول ما تبحث في الحقائق الشرعية فإذا بحثت عن الحقائق اللغوية أو الحقائق العرفية أخطأت.

فكل لفظ يعتبر باعتبار واضعه فإذا كان الواضع هو الشرع - فحينئذ - تنظر في استعمال الشرع لهذا اللفظ:

واللفظ محمول على الشرعي ***** إن لم يكن فمطلق العرفي

(4/17)

________________________________________

فاللغوي على الجلي ***** ..............................

 

على هذا الترتيب عند جماهير أهل العلم يحمل الأول على الشرعي إن كان له حقيقة شرعية إن لم يكن له حقيقة شرعية من الكتاب والسنة هل هناك عرفي عهد النبي صلي الله عليه وسلم أو لا؟ ... إن لم ينقل أولم يكن ثَم عرف - حينئذ - رجعنا إلى لسان العرب، ونبحث في مدلول هذا اللفظ، إذاً أول ما نحمل الألفاظ على الحقائق الشرعية، ولذلك تجد الفقهاء يقولون: الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار، واصطلاحا ارتفاع الحدث .... إلى آخره. لماذا يعرف أولا الطهارة في اللغة ثم يأتون بتعرف الشرع ويُعَرَّفَ الصيام في اللغة ثُم الشرع، والحج ... إلى آخره؟ ليبينوا لك أن هذه الألفاظ الشرعية قد نُقِلت من معناها اللغوي إلى معنى خاص - حينئذ - إذا نظرت في الكتاب والسنة ليس كل ما وجدت لفظ الطهارة حملت على النظافة والنزاهة لا وإلا ما بقي وضوء ولا غسل لماذا؟ لأن النظافة والنزاهة لا تتقيد بهيئة معينة لا بغسل ولا بوضوء وإنما المراد بها الطهارة الصغرى والكبرى إذن هذه حقيقة الحقيقة، ثم قال:-

ثُمَّ الْمَجَازُ مَا بِهِ تُجُوِّزَا ****** في اللفظِ عَنْ مَوْضُوعِه تَجَوُّزَا

 

إذا عَرَفَنا الحقيقة اللغوية السابقة إن عَرَّفنا الحقيقة بأنها اللفظ المستعمل لما وضع له ابتداء أولا أوفي موضوعه الأصلي - حينئذ - عَكْسُه المجاز فهو ما استعمل في غير موضوعه الأصلي، وعليه يكون المجاز مجازا لغويا فقط لأنه يقابله، وإذا قلنا الحقيقة ما استعمل فيما اصطلح عليه من المُخَاطِبة - حينئذ - انقسم المجاز إلى ثلاثة أقسام مجاز عُرفي، ومجاز شرعي، ومجاز لغوي، وهذا المعتمد عند المتأخرين أن المجاز قد يكون شرعيا، وقد يكون عرفيا، وقد يكون لغويا.

"ثم المجاز": ثم النوع الثاني المقابل للحقيقة المجاز. الأصل مَجْوَز على وزن مَفْعَل

اكتُفيَّ بجزء العلة وقلبت الواو ألفا وقيل مجاز وصف مكان من الجوازه.

"مَا بِهِ تُجُوِّزَا في اللفظِ عَنْ مَوْضُوعِه تَجَوُّزَا": ما: لفظ تُجُوِّز تَجَوَّزا مُتَجَوِز، تُجُوِّزا يَجُوز فيه الوجهان أن يبني للفاعل أو يبني للمفعول.

(4/18)

________________________________________

"ما به": الذي به تُجُوِّزَا، "به": هذا مُتَعَلِق بقوله تُجُوِّزَا، والألف: هذه للإطلاق "تُجُوِّزَا": أي تُعُدِي يعني عُدِّي المعنى، قلنا المجاز مأخوذ من الجواز بمعنى العبور يعني عُبِِرَ بهذا المعنى عن معناه الأصلي لا معنى آخَر فبدلا من أن نستعمل الأسد في حيوان مفترس عَبَرْنَا به، وجُزْنَا به عن معناه الأصلي إلى معنى ثاني هذا المعنى الثاني لابد أن يكون موضوعا لكن وضعا نوعيا يعني المجاز عند أربابه ليس كل لفظ يُسْتَعْمَل في المجاز لكن لابد من أن يكون موضوعا وضعا ثانويا فالوضع نوعان: عندهم وضع أولي وعليه الحقائق اللغوية، ووضع ثانوي وعليه المجاز ولكن مراده بالوضع الأولي هناك المفردات فلابد أن يُنْقَل كل لفظ استُعمِل فيما استُعمِل فيه وأما المجاز فلا، لا يشترط في أن يكون كل لفظ استعمل لا إذا نُقِلَ لفظ الأسد عن معناه الأصلي إلى معنى فرعي ثاني لا يُشتَرط في كل تركيب أن يُستَعمَل معنى الأسد فيما استعمل فيه أولا لكن لك أن تقيس على الأسد فتأتي فتقول: رأيت نَمِرًا يخطُب - مثلا - ما نقل نمر لكن نقل أسد لماذا؟ لأن النوع إذا نقل جاز القياس عليه من حيث الأفراد هكذا عندهم.

"ثم المجاز ما": لفظ، "تجوز به": يعني تُعُدِيَّ به من معناه الأصلي الذي وضع له في لسان العرب إلى معنى ثانوي كذلك موضوع لكن وضعا ثانويا لا وضعا أوليا ليكون ثَمَّ تغاير بين الحقيقة اللغوية والمجاز اللغوي، تُجوز "في اللفظ": يعني في استعمال اللفظ عن موضوعه يعني عما وضع له في أصل معناه اللغوي، "تَجَوزَّا": هذه زيادة وتكمله يعني تعدي صحيحا بأن يكون لعلاقة.

إذن حقيقة المجاز هو ما ذكره بقوله: ما به تجوزا في اللفظ عن موضوعه تجوزا، هذا على الحد الأول للحقيقة سبق أنها ما هي؟ ... ما استعمل من ذاك في موضوعه اللفظ المستعمل في موضوعه الأصلي إذا عَرَّفنَا المجاز بهذا المعنى نذكره بما ذكره الناظم هنا وهو ما به تجوزا في اللفظ عن موضوعه، وأما إذا عرفنا المجاز باعتبار التعريف الثاني ليشمل الأقسام الثلاثة وهو قوله ما يجري خطابا في اصطلاح قدوما - حينئذ - نقول:

المجاز ما استعمل في غير ما اصطُلح عليه من المُخَاطِبة بكسر الطاء.

وعليه يكون المجاز ثلاثة أقسام مجازا لغويا، ومجازا شرعيا، ومجازا عُرفيا فإذا استعمل كل لفظ فيما استعمله الطائفة الثالثة - حينئذ - نقول هذا يعتبر مجازا قال الناظم:-

"بِنَقْصٍ أَو زِيَادةٍ أَو نَقْلِ أَو اسْتِعَارٍة": المجاز له أبحاث طويلة لابد من اشتراط العلاقة، والقرينة الصارفة، ونحو ذلك وهذا بحثه في المطولات لا نستطيع أن نجول في مثل هذا الأمر لكن هذه حجة عليهم في جعل المجاز أنه داخل في باب الأسماء

والصفات لأن المجاز لابد من قرينة صارفه كقولنا: رأيت أسدا يخطب لابد من كلمة: يخطب لو أُسقِطت هذه الكلمة حملنا اللفظ على المعنى الحقيقي - المعنى اللغوي - لو

قلت: رأيت أسدا لو سكت نقول أسد هنا المراد به الحيوان المفترس لكن يخطب لابد من قرينه مذكورة لفظية، في باب الأسماء والصفات عندهم قرينة هي الاستحالة وهذه لا يُسَلَّم بها لأنها قرينة فاسدة:

(4/19)

________________________________________

{يَنْزِلُ رَبُّنَا - تَبَارَكَ وَتعالى -} (1)

قالوا: يستحيل. من قال لكم أنه يستحيل من أين؟ ... هذه عقول فاسدة وعقول خربة لم تتصور حقيقة الباري - جل وعلا - مع قوله - تعالى -:

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (2)

وهو مقرر ذلك قال في المراقي:

وحيثما استحال الأصل يُنْتَقَل إلى المجاز

يعني باتفاق المجازيين أنه لا يمكن استعمال المجاز في الأسماء والصفات لكن مع ذلك أبَوْ واستعملوها لماذا؟ لأنه لا يُعدَلُ عن الحقيقة إلا عند تعذر حمل اللفظ على حقيقته هذا باتفاق المجازيين لا خلاف بينهم أنه لا يجوز أن يقال هذا اللفظ استعمل في مجازه وليس في المعنى اللغوي إلا إذا تعذر يعني لا يمكن حمل اللفظ على معناه اللغوي.

وحيثما استحال الأصل (3) ... ***** يُنْتَقَل إلى المجاز أو لأقرب حصل

فنقول هذا ممكن حمله في كلام الرب - جل وعلا - في صفاته وأسمائه ينزل ربنا مع قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الشورى: 11 تخيلت شيئا في ذهنك الفاسد، وأسقطت نظرك عن بقية الأدلة وحملت تلك على المجاز، ولذلك لا يظن الظان بعض الطلاب قد يخطئ في فهم شيء ما وهو أن من نفى المجاز قد رد على الأشاعرة وأبطل أدلتهم عن بَكرَة أبيها لا، الأشاعرة وغيرُهُم ممن قال بالتأويل أو التحريف على الصحيح تحريف الصفات لم يقولوا ابتداء أنه مجاز، وإنما عندهم مقدمة أولية هي التي أوقعتهم في التحريف أولا قالوا نصوص الصفات ليست على ظاهرها ينزل ربنا لا نفهم منه إلا النزول الذي ندركه من المخلوق أليس ذلك؟ ... هذا هو أول مبتدأ عندهم أنهم فهموا من النصوص ما يفهمه المخلوق من نفسه {الرَّحْمَنُ على العرش اسْتَوَى} (4)

__________

(1) - الحديث رواه البخاري رقم (1145) باب الدعاء من أخر الليل، ومسلم برقم (1808) باب الترغيب في الدعاء وكلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَ - تعالى - كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ».

(2) - الشورى (11).

(3) - الأصل هنا الذي هو الحقيقة.

(4) - طه (5).

(4/20)

________________________________________

لم يفهموا من الاستواء إلا الذي يليق بالمخلوق قالوا: محال أن يقال أو يُحمل هذا اللفظ على ما نعرفه من أنفسنا هل يُسَلم لهم أو لا هذا؟ قبل أن يقولوا ما المخرج في هذا الفهم قالوا مجاز قبل أن نقول لهم أو ننقاشهم في المجاز نقول تعالوا أولاً من قال لك ينزل ربنا أن هذا اللفظ لا يفهم منه إلا ما فهمته أنت؟ لماذا لم تضع ينزل ربنا بجوار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}؟ لو وضع هذه بجوار هذه ما فهم ما فهمه بعقله الناكس، وإنما ترك عقله ليفهم أن هذه الظواهر لا يُدرِك منها إلا ما يُدركَه من نفسه ثم بعد ذلك بحث عن المخرج وقال: مجاز، لو أنكرت المجاز ما حللت المشكلة عنده لأنه لم يفهم من ظاهر النصوص إلا ما يفهمه من نفسه هذه المقدمة الأولي فلا يظن الظان أنه إذا أنكر المجاز فأنه إذاً قضي على أدلة الأشاعرة وغيرها ولذلك يستبعد أن بن تيمية - رحمه الله تعالى - أبطل المجاز من أجل هذا ... بعيد جدا، وإنما أنكره لكونه لم يوجد في لسان العرب أصلا ... لا لكونه ردا على الأشاعرة لأنه ضعيف مسلك ضعيف، ابن تيمية - رحمه الله تعالى - اكبر من ذلك.

 

ثُمَّ الْمَجَازُ مَا بِهِ تُجُوِّزَا ... **** في اللفظِ عَنْ مَوْضُوعِه تَجَوُّزَا

بِنَقْصٍ أَو زِيَادةٍ أَو نَقْلِ ... **** أَو اسْتِعَارٍة كنَقْصِ أَهْلِ

وَهْو الْمُرَادُ فِي سُؤالِ الْقَرْيَة ... **** كَمَا أَتى فِي الذِّكْرِ دُونَ مِرْيَهْ

 

"بنقص": هذا النوع الأول كأنه قال لك المجاز أنواع مجاز بالنقص، ومجاز زيادة

، والنقل، والاستعارة.

"بنقص": الباء: سببية يعني بسبب نقص، "أو زيادة": يعني زيادة في اللفظ،

"أو نقل": يعني نقل اللفظ عن معناه الأصلي إلى معنى آخر لمناسبة لابد من المناسبة بين المنقول عنه إلى المنقول إليه، "أو استعارة": هذا النوع الرابع وهو مجاز علاقته المشابهة كل مجاز مبني على التشبيه فهو مجاز بالاستعارة، وكل مجاز لم يبنَ على التشبيه فهو مجاز مرسل ثم مثل لهذه الأربع، "كنقص أهل وهو المراد في سؤال القرية": (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) (1) في لسان العرب أطلق القرية مرادا بها الأبنية المجتمعة يعني ليس أهلها قال: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)، القرية ما تُسأل وإنما المراد ماذا؟ اسأل أهل القرية إذن عندنا مضاف محذوف كل مضاف حذف لابد وأن يكون ثَمَّ دليل عليه لأنه لا يجوز الحذف باتفاق النحاة وغيرهم لا يجوز حذف لفظ من التركيب إلا إذا دل عليه دليل والدليل الذي يبقي هو القرينة الدالة على أنه مجاز

"وحذف ما يُعلم جائز" هذا قاله ابن مالك، فما تقول زيد بعد من عندكما يعني فلابد من قرينة إما يكون جواب سؤال، وإما أن يكون مضاف دل عليه دليل.

"كنقص أهل": يعني مجاز بالنقص وهو مجاز الإضمار وشرطه أن يكون في المُظهَر دليل على المحذوف وهو أي هذا النقص المراد في سؤال القرية سؤال القرية إذ استحالة أن تسأل الأبنية اسأل القرية أولاد يعقوب قالوا لأبيهم:

(وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) (2) القرية هي البيوت، مساكن

ولذلك جاء قوله - تعالى -:

{قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين} العنكبوت: 31

__________

(1) - يوسف (82).

(2) - يوسف (82).

(4/21)

________________________________________

فدل على أن ثم فرق بين القرية وأهلها، فإذا قيل: اسأل القرية، السؤال لا يتوجه إلى جمادات

وإنما يتوجه إلى الأحياء فدل على أن ثم محذوفا وهو لفظ أهل حذف المضاف

وأقيم المضاف إليه مُقَامه والقرينة الدالة على ذلك توجه السؤال إلى هذه الجمادات واسأل القرية وهو المراد في السؤال، السؤال هو القرينة العقلية.

كما أتي ذلك المثال في الذكر في القرآن، دون مرية يعني بغير شك .. تكملة.

"وكازدياد الكاف في كمثله":

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (1)

هذا خلاف مشهور بين أهل العلم، والصحيح في هذه الآية: "ليس كمثله" أن الكاف زائدة وزيادتها هنا لتأكيد المعنى والقول بالزيادة قول معتبر في لسان العرب بل كثير في لسان العرب وأما إطلاقه في القرآن فهذا ينبغي أن يُحَرَر معنى ما المراد بالزيادة؟ هل مراد النحاة أو البيانيين بأن الزيادة هي دخولها وخروجها سواء يعني لو حذف الحرف ولم يبقَ استوي التركيبان؟ ليس مرادهم هذا وإنما مرادهم أن اللفظ قد استعمل في غير ما وضع له في لسان العرب ليس كمثله شيء الكاف للتشبيه وما دلت عليه كاف التشبيه هو الذي دل عليه لفظ مثله أليس كذلك؟ مثلية ثابتة - حينئذ - ليس كمثله ليس مثل مثله وهذا ليس المراد، وإنما المراد نفي المثيل لا نفي مَثيل المَثيل فيلزم منه إثبات المثيل هذا ليس مرادا والحق في هذا بأن يقال أن الكاف هنا زائدة وزيادتها لتأكيد النفي، ولا مانع من القول بالزيادة .. نعم. قد لا يُسَمى زائدة تسمى صله تسمى تأكيدا لا بأس في الاصطلاحات لكن المراد هنا بالزيادة ليس المراد زيادة اللفظ دخوله وخروجه سواء وإنما كونه استعمل في غير ما وضع له في لسان العرب وهو إفادة التأكيد.

(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله) (2) أكثر النحاة على أن لفظ خالق هذا مبتدأ، ودخلت عليه مِنْ

وهنا مِنْ دخلت على نكره وهي نص في العموم.

(مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ) (3) بشير هذا أكثر النحاة على أنه فاعل لجاء، ودخلت عليه من إذاً دخول حرف الجر كثير في لسان العرب ويدل على ذلك

قوله - تعالى -: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (4) فهي كالحجارة أو أشد: هنا استعملت استعمالا اسميا ليس في هذا الموضع.

وسم ما يزاد له صله أو قل مؤكدا وكل قيل لكن زائد لفظ اجتنب إطلاقه في منزل

كذا وجب يعني يُسمى زائد ويسمى تأكيد لكن لا يسمى لفظا لأنه إذا قيل لا هذه لفظ - حينئذ - فيه نوع امتهان للقرآن.

"وكازدياد الكاف": حرف الكاف في قوله - تعالى -: {ليس كمثله} - حينئذ - الكاف هذه زائدة

والعرب إذا زادت حرفا في التركيب دل على أنه مؤكد يعنى مقرر عندهم مرتين فأكثر ليس مثله شيء إذاً زيد كاف كأنه قال ليس مثله شيء، ليس مثله شيء، ليس مثله شيء، وكل حرف يزاد للتأكيد فهذا معناه إن زيدا قائم معناه زيد قائم، زيد قائم، زيد قائم، لأن الحرف هنا يدل على ماذا يدل على التوكيد وكل حرف تدخله العرب للدلالة على التأكيد فهو في قوة تكرار الجملة مرتين أو ثلاثة.

__________

(1) - الشورى (11).

(2) - فاطر (3).

(3) - المائدة (19).

(4) - البقرة (74).

(4/22)

________________________________________

"والغائطِ المَنْقُولِ عَنْ مَحَلِّهِ": الغائط: يعني لفظ الغائط هذا يستعمل في المكان المنخفض كل مكان مطمئن منخفض يسمى غائطا، لكن العرب لما كانت إذا أرادت التغوط ذهبت إلى مكان منخفض - حينئذ - سمي الحالُّ باسم المحل يعني هو مجاز مرسل علاقته إطلاق المحل على الحال فسُمي الخارج نفسه من الدبر سُمي ماذا؟ سُمي غائطا باعتبار المحل، وهذا نُقل اللفظ من غاط يغوط الأصل أنه إذا نزل وهبط - حينئذ - نقل هذا اللفظ سُمي به الحال ما العلاقة كأنه لم يفعل هذا ويقضي حاجته إلا في مثل هذا الموضع

"والغائطِ المَنْقُولِ عَنْ مَحَلِّهِ": محله: يعني الذي اعتبر الأصل وهو المكان المطمئن

رَابِعُها كَقَوْلِهِ - تعالى - ... يريد أن ينقضَّ يَعْنِي مَالاَ

"رابعها": يعني رابع الأقسام.، ما لا، جدارا يريد لأن ينقض هنا هذه استعارة مجاز علاقته التشبيه يعني المشابه وهذا يُنَازع فيه أرباب المجاز ليس كل ما قيل فيه مجاز يسلم لهم، ولذلك لو حُرر بابا المجاز ونُقِّح وهُذِّب لسلم كثير منهم ولا اعتراض عليهم فيه، "جدار يريد أن ينقض": اثبت الرب - جل وعلا - أن الجدار وهو جماد وهو خالقه، وهو أعلم به أثبت له إرادة لماذا نقول هو مجاز والعقل لا يتصور ذلك بل الظاهر أنه على حقيقته قال - تعالى -

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (1)

إذاً لا داعي أن نقول هذا لا يصدر من الجمادات فقد تثبت بعض الصفات التي للأحياء للجمادات، ولذلك بكي الجذع، والشجرة دعاها النبي - صلي الله عليه وسلم - وخطت الطريق وأتت، ثوبي حجر ثوبي حجر ... إلى آخره ما ذُكر في كتب المعتقد

لكن ما أراد المصنف هنا أن يمثل به الاستعارة التصريحية التبعية جدار يرد أن ينقض شبه ميل الجدار إلى السقوط بإرادة السقوط التي هي من صفات الحي لذلك بجامع القرب من الفعل في كل ثُمَّ استُعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ثم اشتق منه يريد بمعنى يميل على سبيل الاستعارة التصريحية.

"رابعها كقوله - تعالى - يريد": يعني الجدار "أن ينقض": يعني يميل، ولذا قال "يعني مالا": هذا الجدار ففيه تشبيه الجدار بالحي الذي له إرادة أن يميل كأنه أراد أن يميل فشبه الجدار بالإنسان وهذه الإرادة من خصائص الإنسان ومن قال لكم أنها من خصائص الإنسان الله - عز وجل - أمر السماوات والأرض (ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (2) أن آتيا قالتا: نطقت أو لا؟ ... قالتا القول هنا القول اللفظ لأن القول مرادف عند بعض النحاة للفظ إذاً فيه لفظ قالتا على ظاهره نطقتا، ولا يلزم من ذلك أن يكون لهما لسان الله أعلم كيف نطقتا؟ قالتا آتينا طائعين إذاً نؤمن بهذا نؤمن بهذا قالتا آتينا طائعين وأما التحريف لظواهر النصوص لقصور في الفهم والعقل ونحو ذلك هذا كله باطل يعني لا نسترسل في خلف كل ما قيل في أنه مجاز أنه ليس بمجاز أو أنه مجاز لابد من تحرير كل موضع بحسبه وكما ذكرت أن هذا الباب لابد من الرجوع إلى مظانه والله أعلم.

وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.

__________

(1) - الاسراء (44)

(2) - فصلت (11).

(4/23)

________________________________________

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه قال الناظم رحمه الله - تعالى -:-

 

بَابُ الأَمْرِ

وَحَدُّه استِدعَاء فِعْلٍ (1) وَاجِبِ

بِالقَولِ مِمَّنْ كَانَ دُونَ الطَّالِبِ

بِصِيغَةِ افْعَلْ فَالوُجُوبُ حُقِّقَا

حَيثُ القَرِبنَةُ انتَفَتْ وَأُطْلِقَا

لَامَعْ دَلِيلٍ دَلَّنَا شَرْعًا عَلَى

إِبَاحَةٍ فِي الفِعْلِ أَوْ نَدْبٍ فَلَا

بَلْ صَرْفُهُ عَنِ الوُجُوبِ حُتِمَا

بِحَمْلِهِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُمَا

وَلمَ ْ يُفِدْ فَورًا وَلَا تَكْرَارَا

إِنْ لمَّ ْيَرِدْ مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَا

وَالأَمْرُ بِالفِعْلِ الْمُهِمِّ الْمُنْحَتِمْ

أَمْرٌ بِهِ وَبِالَّذِي بِهِ يَتِمْ

كَالأَمْرِ بِالصَّلَاةِ أَمْرٌ بِالوُضُو

وَكُلِّ شَيءٍ لِلصَّلَاةِ يُفْرَضُ

وَحَيثُمَا إِنْ جِيءَ (2) بِالْمَطْلُوبِ

يَخْرُجْ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الوُجُوبِ

بَابُ النَّهِي

تَعْرِيفُهُ اسْتِدْعَاءُ تَرْكٍ قَدْ وَجَبْ

بِالقَوْلِ مِمَّنْ كَانَ دُونَ مَنْ طَلَبْ

وَأَمْرُنِا بِالشَيءِ (3) نَهْيٌ مَانِعُ

مِنْ ضِدِّهِ وَالعَكْسُ أَيضًا وَاقِعُ

وَصِيغَةُ الأَمْرِ الَّتِي مَضَتْ تَرِدْ

وَالقَصْدُ مِنْهَا أَنْ يُبَاحَ مَا وُجِدْ

كَمَا أَتَتْ وَالقَصْدُ مِنْهَا التَّسْوِيَهْ

كَذَا لِتَهْدِيدٍ وَتَكْوِينٍ هِيَهْ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

 

الشرح المختصر لنظم الورقات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:-

قال الناظم رحمه الله - تعالى -: ... باب الأمر

هذا شروع في المقصود من هذا الفن العظيم الجليل الذي ذكرنا فيما سبق أنه لا استنباط من الكتاب والسنة إلا بِفَهم هذا العلم، وباب الأوامر والنواهي من أعظمأبواب أصول الفقه.

"باب الأمر": يدخل تحته الواجب، والمندوب، "والنهي": يدخل تحته المحرم، والمكروه. إذاً سائر أفعال العباد دخلت في هذين البابين ينبغي العناية بهذين البابين معرفة الأمر ومعرفة صيغ الأمر وما يدل عليه وما يتعلق بالمسائل التي يذكرها المصنف رحمه الله - تعالى - ذكر في هذا الباب أَشْهَر المسائل التي يحتاجها طالب العلم سواء كان هذا مبتدأ أو غيره، كذلك ذكر في باب النهي كما ذكرنا في السابق أن هذه المتون إنما تعتني بجمهرة المسائل التي يحتاجها من يدرس هذا الفن فكل مختصر ابتدأ إنما يذكر المصطلحات العامة، ويذكر المسائل العامة التي يفتقر إليها طالب العلم في هذا الفن.

__________

(1) وفي نسخة أَمْرٍ

(2) وفي نسخة إِنْ جَاءَ

(3) وفي نسخة لِلشَّيءِ

(5/1)

________________________________________

"باب الأمر": ذكرنا أنه أحد شقي التكليف إذ سبق أن خطاب متعلق بفعل المكلف بالاقتضاء، والاقتضاء عرفنا أنه: طلب يعني طلب فعل أو طلب ترك، والأول إما أن يكون طلباً للفعل على سبيل الجزم فهو الواجب أو على سبيل عدم الجزم وهو المندوب، والثاني طلب الترك إما أن يكون على سبيل الجزم فهو التحريم أو لا وهو الكراهة باب الأمر: أمرَ: هذه فيها كلام للأصوليين قد لا نحتاجه في هذا الموضع ولكن عرفه الناظم بقوله:-

وحَدُّهُ اسْتِدْعَاءُ فِعلٍ واجبِ **** بالقولِ مِمَّنْ كان دُونَ الطَّالِبِ

 

كذا بالأصل: استدعاء فعل بالقول على وجه الاستعلاء. هذا هو المشهور عند الأصوليين في التعبير عن الأمر، وإن كانت العبارات تختلف لكن المؤدَّى هو هذا

ويُصَدِّرون حد الأمر كالنهي وغيره بالاستدعاء، "وحده": الضمير هنا يعود إلى الأمر

وحد بمعنى: تعريف يعني تعريف الأمر في الاصطلاح.

"اسْتِدْعَاءُ فِعْلٍ": السين هذه للتأكيد، وليست للطلب لأنه لو كانت للطلب بمعنى الدعاء صار طلب الطلب، وليس هذا المراد وإنما المراد أن يكون هذا الأمر مُسْتَدعًا - حينئذ - تكون هذه السين للتأكيد دون الطلب، والدعاء بمعنى الطلب كما سبق بيأنه "استدعاء": هذا خبر المبتدأ حده وهو مضاف فعل، مضاف إليه استدعاء طلب وعرفنا أن الطلب نوعان: طلب فعل وطلب ترك إذا في قوله استدعاء دخل ماذا؟ دخل النهى والأمر لأن كل منهما استدعاء - حينئذ - نحتاج إلى إخراج النهي لأن النهي استدعاء لكنه ليس استدعاء فعل فأضافه هنا إضافة تقييد من باب الاحتراز - فحينئذ - قوله استدعاء فعل أخرج استدعاء الترك وهو النهي بنوعيه سواء كان نهي تحريم أو نهي تنزيه إذاً قوله: "استدعاء فعل": أخرج النهي، والفعل المراد به هنا هو ما سبق في حد الحكم المتعلق بالفعل المكلف عرفنا أن الفعل هناك يشمل القول، والفعل بالجوارح، والاعتقاد، والنية فكل ما كان محلا لتعلق حكم الله - تعالى - به سواء كان قولا قلبيا أو عملا قلبيا أو كان باللسان أو كان بعمل الجوارح فهو داخل في هذا الأمر - حينئذ - "استدعاء فعل": استدعاء اعتقاد، استدعاء نية، استدعاء قول، استدعاء فعل بالجوارح، وهذه كلها قد تكون كلها محلا للواجب إذ الاعتقاد منه واجب، ومنه غير واجب، وكذلك قول اللسان يُسَمَّى فعلا حتى في لسان العرب ولذلك جاء في قوله - تعالى -:

(وكذالك جعلنا لكل نبيِّ عدوَّا شياطين الإنس والجن ِّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك مافعلوه فذرهم وما يفترون) (1)

ما فعلوه: يعني ما قالوه فأطلق على القول أنه فعل.

إذاً استدعاء فعل: أي طلب ما يعد فعلا لغة أو عُرفاً فشمل القول، والنية، والاعتقاد.

"اسْتِدْعَاءُ فِعْلٍ": أي طلب فعل عرفنا أن طلب الفعل على وجهين إما أن يكون على جهة الجزم، وإما أن يكون على جهة عدم الجزم، وهل الأمر خاص بالأول دون

__________

(1) - الأنعام (112)

(5/2)

________________________________________

الثاني أو هو شامل لهما؟ - حينئذ - يكون الأمر على نوعين أمر استحباب وأمر إيجاب. المصنف هنا - الناظم - كالأصل قيد هذا الاستدعاء بكونه واجبا بمعنى أن مفهوم الأمر اختص بماذا؟ ... يختص بالواجب، وعليه يكون المندوب ليس مأمورا به وهذا خلاف المشهور، والصواب أن المندوب مأمور به - حينئذ - قوله "واجب": يعني على سبيل الوجوب فهو مُخرِج للأمر على سبيل الندب بأن يجوز الترك، وعليه المندوب ليس مأمورا به، والصحيح أن المندوب مأمور به لأنه طاعة، والطاعة هي امتثال المأمور والمندوب طاعة أليست سنة الفجر الراتبة طاعة، أليس السواك طاعة؟ ... والطاعة هي امتثال المأمور - حينئذ - دل ذلك على أن المندوب مأمور به إذ كل منهما استدعاء فعل سواء كان على جهة الإيجاب فهو مأمور به أو كان على سبيل عدم الإيجاب يعني يُجَوَّز الترك فهو المأمور به خلاف لما ذهب إليه الناظم تبعا للأصل فأكثر الأصوليين على أن المندوب مأمور به.

إذاً قوله: "فعْلٍ واجبِ": واجب: احترز به عن المندوب فليس المندوب مأمورا به على ما ذهب إليه المصنف رحمه الله - تعالى -، والصواب خلافه.

قال: "بالقول": المعروف أن القول يكون باللفظ، وهذا جار ومجرور متعلق بقوله: "استدعاء" يعني هذا الطلب كائن بالقول - حينئذ - إذا حصل الاستدعاء - استدعاء الفعل - بالإشارة لا يُسَمَّى أمرا على ما ذهب إليه المصنف فإذا قال زيد لعمرو .... ماذا يفهم؟ اجلس، اجلس فهمنا الطلب والاستدعاء لفعل أو لا؟ استدعاء فعل لا شك

نقول لهم هذا استدعاء فعل على كلام الناظم رحمه الله - تعالى - لا يسمى أمرا لماذا؟ لأن الأمر لا يكون أمرا إلا إذا كان ملفوظا به فإذا كان بالإشارة استدعاء فعل ولو كان واجب لا يسمى أمرا كذلك خرج الطلب بالكتابة، كتب إليه كتابا قال له: اسلم تسلم هذا لا يسمى أمرا على ما ذهب إليه الناظم رحمه الله - تعالى - لماذا؟ لأن خصوصية هذا الأمر مأخوذَةٌ من لسان العرب، ولا شك أن الكلام سبق ينقسم ويتنوع إلى خبر وإنشاء ومن الإنشاء الأمر - حينئذ - الكلام هو المُنقَسِم ولا يكون الكلام إلا لفظا فما لم

يكن كلاما - حينئذ - لا ينبغي إدخاله في هذا الحد، "استدعاء فعل واجب بالقول": خرج به الطلب بالإشارة، والكتابة، وكذلك القرائن المُفْهِمَة - حينئذ - إذا قررنا هذا على ما ذهب إليه الناظم ما ورد في السنة النبوية بكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الصحابة لما جلس قال: اجلسوا، وأشار إليهم في الصلاة لا يُعد أمرا، وما كتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - للبعض بالرسائل: أسلم تسلم لا يُعد أمرا إذا لم يأمرهم بالتوحيد، ولم يأمرهم بالإسلام، ولذلك نقول: الأمر اللغوي يُخالف الأمر الشرعي فالأمر الشرعي أمر لغوي وزيادة فما جاء فيه الطلب في الشرع ولو كان بالإشارة كالمثال الذي ذكرناه أو بالكتابة كالمثال الذي ذكرناه فهو أمر شرعاً.

- وحينئذ - نقول بالقول هذا احتراز ينبغي أن يُلغَى ولا يعتبرا قيدا في الحد كما سيأتي تلخيصه بالقول إذًا هذا جار ومجرور متعلق بقوله استدعاء ممن كان دون الطالب اشترط المصنف هنا أن يكون الطلب من أعلى إلى من هو دون.

(5/3)

________________________________________

"ممن": هذا جار ومجرور متعلق بقوله: "استدعاء"، "ممن كان دون الطالب": يعني استدعاء فعل واجب وقع من رجل أعلى لمن هو دونه - حينئذ - إذا وقع من مساوي لمساوي لا يسمى أمرا، لو وقع من أدنى إلى أعلى لا يسمى أمرا أليس كذلك؟ أحد أفراد الرعية للحاكم افعل كذا لا يسمى أمرا، وإنما يُسمَّى دعاء، والصاحب لصاحبه، والزميل لزميله لو قال: افعل كذا - اجلس -، قم .... .... إلى آخره لا يسمى أمرا وإنما يسمى التماسا -

أمر مع استعلا وعكسه دعا ****** وبالتساوي فالتماس وقع

هنا اشترط المصنف أن الأمر لا يكون أمرا إلا إذا كان من أعلى إلى أدنى، ولذلك قال:-

"ممن كان": أي وجد، "دون الطالب": في الرتبة فخرج به لطلب من المساوي والأعلى لما ذكرناه سابقا فلا يَصدُق الأمر إلا به أن يكون الطالب أعلى رتبة من المطلوب منه - حينئذ - إذا لم يكن كذلك لا يُسَمَّى أمرا. هذا هو حد الأمر عند المصنف وعليه كثير من الأصوليين، وأكثر الأصوليين اشترط الاستعلاء وهنا اشترط العلو وإن خالف الكثير. إذاً: استدعاء فعل واجب بالقول ممن كان دون الطالب هذا كما ذكرنا هو المشهور والصحيح في تعريف الأمر إن أرادنا التعميم نقول: هو ما دل على استدعاء الفعل

ما:- اسم موصول بمعنى الذي فيشمل القول، ويشمل الإشارة، ويشمل الكتابة هو داخل في الكل نحن نُعَرِّف الأمر الشرعي لكن الأمر الشرعي له حقيقة شرعية رأينا النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه وهو مشرع عليه الصلاة والسلام فالصلاة بالإشارة أمرهم بذلك لو لم يمتثلوا قلنا عصوا أليس كذلك؟

فدل على أنهم عصوا وخالفوا ماذا؟ خالفوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كونه بالإشارة كذلك كونه كتب لبعض ملوك الأرض: اسلم تسلم لو قيل بأنه لم يأمرهم وما دعاهم إلى التوحيد وهذا باطل وعلى هذا نقول يجب أن نُفَسِّر الأمر الشرعي بأنه عام يشمل الأمر اللفظي وهو الذي يَخُصُه النحاة وأهل اللغة ويشمل الأمر بالإشارة ويشمل الأمر بالكتابة.

(5/4)

________________________________________

ما دل على استدعاء الفعل: دل على استدعاء: هذا خرج كل ما دل على غير الاستدعاء من التمني، والترجي .... إلى آخره لأن البحث فيما يدل على الطلب استدعاء الفعل اختص به الأمر دون النهي لأن النهي استدعاء الترك إذاً فسرنا الأمر بكونه لفظا أو إشارة أو كتابة وما ذهب إليه الناظم بأنه الاستدعاء هذا فيه نظر لماذا؟ لأن الأمر هو قسم من أقسام الكلام هذه مسألة مهمة عقدية انتبه الأمر قسم من أقسام الكلام - حينئذ - كل كلام لا يكون إلا لفظا ومعلوم هنا أن البحث في ماذا؟ بحث في الكتاب، وبحث في السنة يعني أمر شرعي هذا الأصل فيه - حينئذ - أمر الرب - جل وعلا - ما هو؟ هو نوع من أنواع الكلام، والكلام هذا وقع فيه نزاع عند المتأخرين وجماهير الأصوليين على عقيدة الأشاعرة ومن شاكلهم - حينئذ - لما فسروا الأمر في الأصل قسموا الأمر إلى نوعين أمر نفسي، وأمر لفظي، والأمر النفسي هو الذي يعرفونه بالاستدعاء، ولذلك أول ما يبدأ في الحد بقوله اقتضاء فعل أو استدعاء فعل إذا رأيت هذه الكلمة فاحذر لأن إما أن تكون أشعرية واضحة بينه أو أشعرية مغلفة، أشعرية بينه واضحة متى؟ ... إذا حذف لفظ القول، وأشعرية مغلفة إذا ذكر لفظ القول كما هو الشأن في هذا الموضع استدعاء فعل ما هو الأمر هو الاستدعاء وهذا الاستدعاء أمر معنوي، ونحن نقول الأمر قسم من أقسام الكلام، والكلام هو: اللفظ المفيد .. فكيف يكون استدعاء نقول هذا فيه خلل - وحينئذ - نبين أن الحد الصحيح إما أن يُصَدَّر باللفظ الدال على طلب الفعل هذا إن أخرج الإشارة والكتابة، ولم ير أنها أمر وإما أن يأتي بلفظ أعم من كلمة لفظ ليشمل الإشارة والكتابة، ولذلك أدل ما يدل عل ما ذكرته وهذا ليس من كيسي لما عَرَّف الأمر في مراقي السعود قال: هو اقتضاء فعل مرادف لقوله استدعاء بمعنى الاقتضاء هو الاستدعاء

هو اقتضاء فعل غير كَفِّ ... دُل عليه لا بنحو كُفِّ

هذا أمر هذا الذي حُد به النفسي ... وما دل عليه دل قل لفظي

فعندهم أمر لفظي وهو صيغة افعل، وهذا مخلوق عندهم ليس بكلام الله - عز وجل - وليس هو الذي يُعرفونه، وإنما يُطلِقون عليه الأمر مجازا ويطلقون عليه كلام الرب - جل وعلا - مجازًا، الأمر الحقيقي هو الأمر النفسي وهو الذي يُعَرَّف بقولهم اقتضاء فعل غير كَفِّ وهو الذي ذكره الناظم هنا وعليه نقول هذا التعريف وسائر التعاريف الموجودة في كتب الأصول ينبغي التَنَبُه عليها أو التَنَبُه لها لماذا؟ ... لأن الأمر نوع من الكلام - كلام الله - - عز وجل - والنهي كذلك نوع من الكلام والعام والخاص .... إلى آخره، ولذلك يذكرون سؤالا بدعيا إذا عرفوا الأمر هل للأمر صيغة أم لا ... هل الأمر له صيغة أو لا؟ هل النهي له صيغة أو لا؟ كل باب بعد ما يُعَرَّف يذكرون مسألة ويذكرون الخلاف فيها - أنا اذكر هذه المسألة قد تكون كبيرة على البعض لكن لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا لكن باب التنبيه - فأقول:

(5/5)

________________________________________

يعرفون العام ثم يقولون هل له صيغة أو لا؟ .. يعرفون النهي ثم يقولون هل له صيغة أو لا؟ ... الأمر هل له صيغة أو لا؟ هذا بناءً على ماذا؟ ... بناء على إثبات الكلام النفسي وأن الأصل في العام هو اللفظ النفسي كذلك النهي هو النهي النفسي والأمر هو الأمر النفسي وما دل عليه هذا يُسمى أمرا مجازا، ونهيا مجازا، وعامًا مجازا فانتبه فإذا مر بك هل الأمر له صيغة أو لا أقول كف عني سؤالك هذا سؤال بدعي ولا أصل له في الكتاب والسنة لأن عين افعل هي الأمر أقم الصلاة أقم: اللفظ نفسه مجموع اللفظ والمعنى هو الأمر فليس عندنا أمر نفسي وشيء يدل عليه هذا تفريق أحدثه الأشاعرة وغيرهم.

إذاً "استدعاء فعل واجب بالقول": أراد به أن يستدرك ما ذكره بقوله: استدعاء بأن المراد هنا هو الأمر اللفظي - وحينئذ - نقول الأولى تحرير الألفاظ في مثل هذا المقام والعدول بهذا الحد عما ذكرته سابقا إما أن يقال: لفظ دال على استدعاء فعل وهذا أجود ولا بأس به، والأولى أن يُدخِل الإشارة والكتابة ونقول: ما دل على استدعاء فعل.

حده: استدعاء فعل واجب بالقول ممن كان دون الطالب هنا اشترط المصنف الاستعلاء، والبعض اشترط العلو، وجماهير الأصوليين يشترطون الاستعلاء والمصنف اشترط العلو والمراد بالعلو أن يكون أعلى رتبة في شرف الآمر ممن هو دونهم والمراد بالاستعلاء أن يكون اللفظ فيه غلظة وترفع وقهر - حينئذ - صار العلو صفة في المتكلم - الآمر - وصار الاستعلاء صفة في الكلام نفسه هل يشترط في تحقيق الأمر أن يكون صادرا إما بعلو أو استعلاء؟ المشهور عند الأصوليين أربعة مذاهب الجمهور على اشتراط الاستعلاء ثم ذهب الناظم كأصله إلى اشتراط العلو والصحيح في المسألة أن لا يشترط فيه لا علو، ولا استعلاء وهذا الذي قرره في المراقي بقوله:-

وليس عند جل الأذكياء ***** شرط علو فيه واستعلاء

فلا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء خلافا لكثير من الأصوليين. لماذا نقول هذا؟ ... لأن البحث هنا بحث لغوي شرعي يعني مشترك بين اللغة وبين الشرع فما جاء به الأمر من جهة اللغة أثبتناه وهو اللفظ وزدنا عليه الإشارة والكتابة ويبقى ما عداه على أصله في وضعه في لسان العرب لم نجد في لسان العرب من صرح من أهل اللسان بأن الأمر لا يكون أمرا إلا إذا كان من أعلى إلى من هو دونه وهذه مجرد اصطلاحات عند البيانيين لا برهان عليها ألبتة وقول صاحب السُلَّم بقوله:-

وأمر مع استعلا وعكسه دعا ****** وبالتساوي فالتماس وقع

(5/6)

________________________________________

هذا غلط بينَّا غلطه بالتفصيل في محله في شرح السلم المنورق من أراد فليرجع إليه. إذاً الصحيح لا يشترط لا علو ولا استعلاء لا يشترط في حد الأمر علو من كون الطالب أعلى مرتبة من المطلوب منه ولا يشترط فيه الاستعلاء من كون الطلب بغلظة بل يصح من المساوي، والأدون، والاستعلاء هيئة من الأمر في الترفع وإظهار القهر والعلو هيئة في الأمر من شرفه وعلو منزلته وهذا مذهب الحذاق من الأصوليين وكذلك أهل اللغة بل لا أعرف أحد من أهل اللغة اشترط في الأمر أن يكون لابد على وجه الاستعلاء أو العلو، وإن كان جمهور الأصوليين على اشتراط الاستعلاء وهذا يحتاج إلى دليل ولا دليل عندهم وبعضهم ذهب إلى اشتراط العلو وهذا مذهب المعتزلة وقد وافقهم المصنف هنا رحمه الله - تعالى -.

ثم قال: "المصنف بصيغة افعل": وهذا يُعَنْوَنُ له هناك هل الأمر له صيغة أو لا؟ ثم المُرحج عندهم أنه له صيغة عند جماهير الأشاعرة أن له صيغة لكن هذه الصيغة مخلوقة وهي صيغة: افعل، وهذا كلام باطل معروف في موضعه بل الصيغة: افعل وافعل هي الصيغة، والصيغة هي افعل يعني إذا عُبِّر بلفظ الصيغة لا يلزم منه أن يكون المتحدث يوافق الأشاعرة، وإنما تكون هنا الإضافة على معنى البيان إضافة بيانية صيغة هي افعل فعين الأمر هو "أقم الصلاة"، أقيموا: هذا فعل أمر أليس كذلك؟ أقيموا الصلاة نقول أقيموا هو بعينه - لفظا ومعنى - هو صيغة وليس الصيغة شيء مُغَاير عن الأمر فاللفظ والمعنى مُتَحِدان كالجسد والروح بالنسبة الإنسان فلا نقول الكلام هو اللفظ دون المعنى ولا المعنى دون اللفظ هذه كلها خرافات المعتزلة ومن شَاكَلَهُم.

"بِصِيغَةِ افعل": أي بالصيغة الدالة على الأمر "افعل"، وليس المراد هذا الوزن بخصوصه بل كون اللفظ دال على الأمر بهيئته يعني كل ما دل على طلب فعل من جهة لسان العرب فهو أمر افعل، افعلى، افعلا، افعلوا، افعلن هذه كلها تدل على ماذا؟ ... على الطلب وهي أفعال أمر عند النحاة وكذلك: تَفَعَّل، استَفْعِل، افعل ... كل هذه تدل على الأمر وهل هو خاص بهذه الصيغة افعل فقط نقول: لا .... ثَمَّ صيغ أخرى تدل على الأمر ولكنها قد لا تكون دالة على الأمر عند النحاة لأن البحث كما ذكرنا بحث شرعي لغوي فلابد أن ننظر إلى ما جاء به الشرع وجدنا أن الشرع أمر بالفعل المضارع مقرون باللام - لام الأمر - قال: - تعالى -:

(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) وهذا عند النحاة ليس بأمر يعني لا يُسمى فعل أمر وإن كانت اللام دالة على الأمر.

بِصِيغَةِ افعل فَالْوُجُوبَ حُقَّقا ... حيثُ القرينةُ انْتَفَتْ وأُطْلِقَا

لا مَعْ دليلٍ دَلَّنَا شَرْعًا على ... إِباحةٍ في الفعلِ أو نَدْبِ فَلاَ

إذاً نرجع إلى ما ذكرناه أن الصيغ الأمر أربعة على المشهور:

الأول:- فعل الأمر نحو"أقم الصلاة".

الثاني:- الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (1).

ثالثا:- اسم فعل الأمر كقوله: (ياأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لايضرُّكم من ضلََّ إذا اهتديتم) چ (2)

__________

(1) - الحج (29)

(2) - المائدة (105)

(5/7)

________________________________________

رابعا:- المصدر النائب عن فعله نحو: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ) (1) أي: اضربوا الرقاب.

زاد بعضهم لفظ: وجَبَ، وكَتَب، وحتَمَ كما سبق في صيغ الواجب كذلك ترتب العقاب على عدم الفعل - حينئذ - أو إحباط العمال ونحو ذلك يدل على أنه واجب.

"بصيغة افعل": إذا عرفنا حد الأمر وعرفنا أن له صيغًا متعددة في الشرع.

على أي شيء تدل افعل إذا أطلقها الشارع الشرع على أي شيء نحمل مدلول هذا اللفظ صيغة افعل كما ذكرناه سابقا قد يكون مقيدا، وقد يكون مطلقا قد يكون مقيدا بقرينة تدل على الوجوب - وهذا محل وفاق بين السلف والخلف أنه محمول على الوجوب -: "صلِ وإلا قتلتك " دل على ماذا؟ على أن الصلاة واجبة لأنه رتَّب ماذا؟ رتَّب العقوبة وهي القتل على ترك الفعل، وهذا دل على أنه واجب "صلِ وإلا قتلتك" لا خلاف بين السلف والخلف على أنه محمول على الوجوب، "صلِ إن شئت" مستحب لأن الواجب متحتم الفعل لابد أن يكون على سبيل الجزم، وما عُلِقَ بالمشيئة هذا رده إلى الفاعل فدل على أنه ليس مجزوما بطلبه وهذا شأن المندوب إذاً" صلِ إن شئت":

"صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب" قال "لمن شاء" (2)

دل على ماذا؟ ... على أنه مقيد بالمشيئة فهو مندوب لا خلاف بين السلف والخلف على أنها للندب، إذا قال: "صلِ" ولم يقيده بقرينة تدل على الوجوب أو بقرينه تدل على عدم الوجوب هذا الذي يُعَبَّر عنه بمطلق الأمر فإذا مر بك مطلق الأمر للوجوب لا تحمله على "صلِ وإلا قتلتك" وإلا تستشكل كيف نقول هذا للوجوب، و"صلِ إن شئت" هذا للاستحباب؟ ... لا. نقول مطلق الأمر يعني الأمر المطلق عن قيد يدل على الوجوب أو عدم الوجوب هذا الذي وقع فيه نزاع وهذا النزاع كما ذكرت سابقا نزاع مُحدَّث عند المتأخرين وإلا السلف الصحابة - رضي الله - تعالى - - عنهم أجمعين

كلهم على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أطلق هذه الصيغة حملوها على الوجوب وما جاء بقرينة فليس داخل فيما ذكرناه ولذلك قال الناظم:

"فَالْوُجُوبَ حُقَّقا حيثُ القرينةُ انْتَفَتْ وأُطْلِقَا": فالوجوب حققا: عند جمهور العلماء من أرباب المذاهب الأربعة.

"حيثُ القرينةُ": حيث: هذه للتقييد حيث تأتي تقيدية، وتأتي تعليلية، وتأتي إطلاقية يعني يحتمل هذا، ويحتمل ذاك - مر معنا -.

"حيث استوى الأمران": يعني لأنه استوى الأمران فجاءت للتعليل، وهنا جاءت لماذا؟ ... للتقييد حيث القرينة انتفت إذا افعل للوجوب متى؟ إذا انتفت القرينة، القرينة الدالة على الوجوب أو القرينة الدالة على عدم الوجوب، عمم من أجل تعميم الفائدة القرينة الدالة على الوجوب أو القرينة الدال على عدم الوجوب.

__________

(1) - محمد (4)

(2) - هذا حديث رواه البخاري وغيره عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فال " صلوا قبل المغرب ركعتين صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء"

(5/8)

________________________________________

"حيثُ القرينةُ انْتَفَتْ وأُطْلِقَا": الألف: هذه كقوله حققا الألف للأول والثاني للإطلاق إطلاق لغوي في الأصل أي عند الإطلاق، والتجرد عن القرينة هكذا في الورقات عند الإطلاق والتجرد عن القرينة، وكلاهما بمعنى واحد التجرد عن القرينة يعني أُطلِق صيغة افعل وأُطلِق بمعنى تجرد عن القرينة أي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة عطف على الإطلاق من عطف بعض أفراد الشيء عليه بين به أن الإطلاق المراد منه الإطلاق من شيء مخصوص وهي القرينة الصارفة على كلٍ ظهر من إن المعنى واحد "حيث القرينة": انتفت: هو بمعنى أطلقا. إذاً افعل تدل على الوجوب ذكر الأصوليون أدلة على ذلك لأن المسألة مختلف فيها بعضهم يرى أنها محمولة على الندب مطلقا

وبعضهم يقول هي بالقدر المشترك محتملة هذا لذاك، وهي مجمل فنقف حتى يرد دليل يُقيد أو يُعَيِّن أحد الاحتمالين، وبعضهم يرى التفصيل فيرى أن أمر الرب - جل وعلا - للوجوب، وأمر من أرسله للندب، وهذا كذلك تفصيل بغير دليل، والصواب أنها للوجوب مُطلقا سواء كانت من الرب - جل وعلا - يعني في الكتاب أوفي السنة وسواء كانت متعلقة بالعبادات أو متعلقة بالآداب مطلقة لأن الدليل الدال على الوجوب لم يُقًيِّد ولم يُفَصِّل - حينئذ - من فَصَّل من الفقهاء في كثير من المسائل أن هذا الأمر يدل على الوجوب لأنه في العبادات، وهذا يدل على الندب لأنه في غير العبادات بل في الآداب والسلوك هذا تفصيل بغير دليل ليس عليه برهان.

أو لا:- قوله - صلى الله عليه وسلم -: {لوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أمتي- أَو عَلَى النَّاسِ- لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ} (1) وهو ما أمرهم لماذا؟ لأن لولا هنا تفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة انتفي الأمر لوجود المشقة لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك. إذاً لوجود المشقة انتفي الأمر والندب والاستحباب ثابت من فعله - صلى الله عليه وسلم - لأنه استاك، وأمر به ولكن هنا لم يأمر به أمر إيجاب، وليس أمر ندب، وقد ذكرنا فيما سبق أن المندوب مأمور به - حينئذ - لا إشكال إذاً: لولا تفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة والندب والاستحباب ثابت في السواك فدل على أن الأمر لا يصدق على الندب بل على ما فيه مشقة وهو الوجوب إذاً هذا النص النبوي يدل على أن صيغة افعل تدل على الوجوب لأنه نفى أن يأمرهم ومع ذلك ثبت بدليل آخر أنه أمرهم إذاً ما الذي نفاه هو الوجوب فدل على أنه لو أمرهم لوجب ولكن لم يأمرهم أمر إيجاب هذا واضح بيِّن

- ثانيا:- قوله - تعالى -: (قال ما منعك ألَّا تسجد إذ أمرتك قال أنا خيٌر مّنه خلقتني من نَّار وخلقته من طين) ... (2)، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (3)

__________

(1) - رواه البخاي. باب السواك يوم الجمعة وفي رواية {لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ} ولمسلم في باب السواك {لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صلاة}

(2) - الأعراف (12)

(3) - البقرة (34)

(5/9)

________________________________________

أمرهم بالسجود ومعهم إبليس وبخه الرب - جل وعلا - وذمه قال القرافي - رحمه الله - والذم لا يكون إلا في ترك واجب أو فعل محرم. {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} الأعراف: 12 وأوضح من هذا قوله: {ألَّا تتَّبعنِ أفعصيت أمرى} طه: 93

والمعصية: إنما تكون في ماذا؟ ... في ترك واجب فصرح بأنه قد عصى ربه لأنه لم يستجب لأمره قال القرافي:" والذم لا يكون إلا في ترك واجب أو فعل محرم" هذا ما يذكره أكثر الأصوليين في الاستدلال على أن افعل تدل على الوجوب ونزيد ذلك بأن نقول إجماع الصحابة رضي الله - تعالى - عنهم فإنهم اجمعوا على وجوب طاعة الله - تعالى - وامتثال أوامره من غير سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عما عنى بأوامره إذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يقف الصحابي يقول ماذا تريد هل أمرك هذا أمر إيجاب أو أمر استحباب فصل لنا وإنما يحملون أوامره على الامتثال مطلقا دون تفصيل.

رابعا:- نزيد - وهو يؤكد - ما سبق إجماع أهل اللغة واللسان فإنهم عقلوا من إطلاق الأمر الوجوب لأمرين الأول فإن السيد لو أمر عبده فخالفه حسن عندهم ذمه ولومه

وحسن العذر في عقوبته لمخالفتة أمره قال اسقني ماء فتركه ومشى عاقبه السيد هل يُلام السيد ... يلام؟ لا يُلام لو لامه أحد أخطا في لومه لماذا؟ ... لأنه قد عاقبه على

ترك شيء وجب عليه فدل ذلك على أن استعمال افعل في لسان العرب يدل على الوجوب إذ لو لم يكن للوجوب لما حسن أن يعاقبه السيد.

ثانيا:- لأن مخالفة الأمر معصية والمعصية موجبة للعقوبة

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (1) أمرهم لا يعصون الله دل على عدم امتثال الأمر معصية

{ألَّا تتَّبعنِ أفعصيت أمرى} طه: 93 دل على أن ترك الامتثال معصية إذاً نقول خلاصة البحث أن القول بأن صيغة افعل تدل على الوجوب قول مُجمَع عليه بين الصحابة، ولا يضرك أن يكون ثَمَّ خلاف عند المتأخرين وهذه النصوص كما ترى ليس فيها تفريق بين العبادات، وبين الآداب والسلوك بل هي عامة فالذي يستثني من هذه النصوص السلوك والآداب نقول له هذا مُخَصِص ائت بمُخَصِص وإلا بقينا على العموم ولا مخصص وإنما هو اجتهاد من الفقهاء بأن ما جاء من السلوك والآداب محمول على الندب وكذلك في النهي محمول على الكراهة - كراهة تنزيه - وما جاء في العبادات فهو محمول على الوجوب وهذا ليس بسديد.

بِصِيغَةِ افعل فَالْوُجُوبَ حُقَّقا ***** حيثُ القرينةُ انْتَفَتْ وأُطْلِقَا

لكن مذهب الأئمة الأربعة على أن افعل للوجوب وإنما حصل عند المتأخرين وقع

قد علل الأكثر للوجوب ... وقيل للندب أو المطلوب

وقيل للوجوب أمر الرب ... وأمر من أرسله للندب

كلها تفصيلات ما أنزل الله بها من سلطان.

لا مَعْ دليلٍ دَلَّنَا شَرْعًا على ... إِباحةٍ في الفعلِ أو نَدْبِ فلاَ

هذا تابع لما سبق وأشبه ما يكون بالتفصيل يعني فالوجوب حققا يعني ثبت

 

لا مَعْ دليلٍ دَلَّنَا شَرْعًا على ****** إِباحةٍ في الفعلِ أو نَدْبِ فَلاَ

__________

(1) - التحريم (6)

(5/10)

________________________________________

يعني إذا جاءت صيغة افعل فالأصل فيها أنها محمولة على الوجوب إلا إذا دل الدليل الشرعي - لا العقل .. لا الهوى ... لا الرأي ... لا التقليد ... لا المذهبية - نقول دليل شرعي يدل على أن هذه الصيغة مصروفة يعني مُغَيَّرة، محمولة من دلالته على الوجوب إلى دلالته على الإباحة أو الندب أو غير ذلك، "لا مَعْ دليلٍ دَلَّنَا": لا مع دليل هذا استثناء منقطع لأن الدليل هنا هو القرينة نفسها السابقة ويمكن أن يكون متصلا وتختص القرينة بما كان متصلا صيغة يعني يمكن أن نحمل كلام المصنف على التفصيل فنقول الدليل هو القرينة، ويمكن أن يكون متصلا يعني ما كان متصلا بصيغة افعل كقوله - صلى الله عليه وسلم - ((صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ)) قال في الثَّالِثَةِ: ((لِمَنْ شَاءَ)) (1).في دليل واحد، في سياق واحد هذا يُسمى قرينة، وما كان منفصلا بدليل آخر يُسمى دليلا على كلٍ هذا مجرد اصطلاح من أجل تصحيح عبارة الناظم كأصله - صاحب الأصل - وإلا القرينة لا تكون إلا قرينة شرعية دليل من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى - (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) (2) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - باع واشترى ولم يُشهد

دل على أن هذا الأمر محمول على الاستحباب هذا واضح .. نعم.

"لا مَعْ دليلٍ دَلَّنَا شَرْعًا": شرعا: لابد تنبه على كلمة شرعا لأن البعض إذا مرت به المسائل فالأصل أن يُحمَل النهي على التحريم، والأصل أن يُحمل افعل على الوجوب ليس كل قرينة يدعيها من قال بالأمر وصرف الأصل عن أصله للفرع ليس كل قرينة تكون مقبولة قد يكون الحديث ضعيف قد تكون القرينة مستنبطة أو التعليل أو القياس غير صحيح لكن لابد من النظر في كون هذه القرينة دليلا صالحا كما أننا لا نُخَصِص العام إلا بدليل صالح يعني بدليل شرعي كذلك لا نَصرِف افعل عن الوجوب إلا بدليل شرعي صالح للصرف، "على إِباحةٍ": كقوله - تعالى - {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (3) اصطادوا: هذا فعل أمر، والأصل فيه أنه للوجوب، ولكن هنا قالوا الأمر بعد الحظر يدل على الإباحة كون هذا الأمر افعل بعد نهي جعلنا هذا النهي صارفاً له، وقرينه صارفة من دلالته على الوجوب إلى دلالته على الإباحة والمسألة هذه فيها بحث والصحيح أن الأمر بعد النهي يَرُدُ الأمر إلى ما كان عليه إن كان واجبا فواجب، وإن كان مستحبا فمستحب، وإن كان مباحا فمباح.

"على إِباحةٍ في الفعلِ أو نَدْبِ فَلاَ": فلا: أي: فلا نحمله على الوجوب بل نحمله على الندب أو نحمله على الإباحة: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خيرا} (4)

فكاتبوهم: حُكِيَّ القرينة هنا الإجماع على أنه لم يقل أحدا من أهل العلم بوجوب المكاتبة وأصرح من هذا المثال قوله - صلى الله عليه وسلم -:

__________

(1) - رواه البُخَارِيُّ، وغيره بلفظ (صلوا قبل المغرب ركعتين صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء) (أحمد، وأبوداود، والطبرانى عن عبد الله بن مغفل المزنى)

(2) - البقرة (282)

(3) - المائدة (2)

(4) - النور (33)

(5/11)

________________________________________

"صلوا قبل المغرب": فهو محمول على الندب بل هذا للانتقاد صرف يعني صرف افعل تغيره افعل عن الوجوب، "حُتِمَا": لزم، الألف هذه للإطلاق، وحتم هذه مُغَيَّر الصيغة، وقوله: عن الوجوب متعلق بقوله: صرفه لأنه مصدر والمصدر من المتعلقات.

"بَلْ صَرِّفْهُ عَنِ الْوجوبِ حُتِمَا": لزم بحمله يعني بحمل افعل على المراد منهما أي للإباحة أو للندب يعني إذا دل الدليل على أن المراد بافعل الندب وجب صرفه إلى الندب لأن هذا حكم شرعي، وهذا حكم شرعي، والذي صرفه ليس نحن وإنما الرب - جل وعلا - وهو الشارع وكذلك الذي صرفه عن الوجوب إلى الندب هو الشارع وليس نحن - حينئذ - لا خلاف حمله على الوجوب بأمر الشرع متى ما اقتضي الشرع أن نحمله على الوجوب حملناه، متى ما اقتضي الشارع أن نحمله على الندب كذلك على الإباحة كذلك بلا إفراط ولا تفريط لا نقف نكون متجمدين على الوجوب نقول لابد أن يكون للوجوب بل نقول: الإباحة حكم شرعي، والندب حكم تكليفي شرعي، وكذلك الوجوب حكم شرعي تكليفي كلها دائرة بين أحكام الشرع والمُشَرِع هو الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

"بَلْ صَرِّفْهُ عَنِ الْوجوبِ حُتِمَا بِحَمْلِه على المرادِ مِنْهُمَا": إذاً في هذه الأبيات بين لنا

حد الأمر وحقيقته وعرفنا ما عليه ثم بين أن الصيغة هي افعل وزدنا بعض المسائل ... ثم دلالة افعل على الوجوب إلا إذا دلت قرينة صارفه عن الوجوب إلى الإباحة أو الندب أوغير ذلك ثم انتقل إلى مسألة أو مسالتين من مسائل الأمر المهمة وهي هل صيغة افعل تدل على الفور أو لا؟ قال رحمه الله - تعالى -:

وَلَمْ يُفِدْ فَوْرًا ولا تَكْرارَا ***** إن لم يَرِدْ مَا يَقْتَضِي التِّكرارَا

هاتان مسألتان:

المسألة الأولي:-ع نون لها بقوله: "ولم يفد": يعني صيغة افعل بعدما تقرر أنه للوجوب، والحكم ليس خاصا بافعل الدال على الوجوب بل الصواب أن الحكم عام يعني سواء حكمنا على افعل بأنه للوجوب أو بأنه صُرِف عن الوجوب إلى الندب فالفورية وعدمها متعلقة بافعل مطلقا سواء كانت للوجوب أو الندب فالحكم عام.

(5/12)

________________________________________

"وَلَمْ يُفِدْ فَوْرًا": ما المراد بالفورية؟ .... يعني: البدار والامتثال منذ أن نقول صلِ تقوم وتصلِ تمتثل منذ أن تسمع - حينئذ - يجوز لك التأخير بمقدار ما تتهيأ للصلاة أو يأتي وقت الصوم مثلا - حينئذ - نقول هذا معنى الفورية أن يكون امتثالك للأمر أمر الشرع مباشرة عند السماع للأمر ويقال هنا عرفنا معنى الفورية عدم الفورية تراخي صلِ متى ما تشاء بعد سنه بعد سنتين قبل أن تموت .... إلى آخره ولا أن تبقى خمسين سنه وبعد ذلك تصلِ - حينئذ - نقول هذا معنى الفورية وعدمها ويقال هنا ما قيل فيما سبق أن افعل قد يقيد بقرينة إما أن تدل على الفورية أو على عدم الفورية أو ألا يقيد صلِ الآن: ... فورية نعم على الفورية باتفاق، صلِ بعد يومين: ... تراخي - عدم الفورية - باتفاق. صلِ: هذا الذي وقع فيه نزاع، وهو مُطلق افعل هل يدل على الفور أو لا إن اقترن به قرينة تدل على الفورية يكون محمول على الفورية باتفاق إن اقترن به قرينة تدل على عدم الفورية فهو محمول على عدم الفورية باتفاق، بقي ماذا؟ ... إن تجرد عن القرينة لم تقترن به قرينة تدل على الفورية أو عدمها هذا محل نزاع بين الأصوليين وهنا اختار الناظم رحمه الله - تعالى - ماذا؟

"لم يفد فورا": يعني لم يدل على الفورية {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (1) متى تريد أن تحج حُج - وحينئذ - لو أخر ولو عمداً لا يؤثَم ولا يفسق، ولا يحكم عليه بأنه عاص. الأمر المطلق عرفنا ما معنى الأمر المطلق لم يقيد بشيء يدل على الفورية أو عدمها هل يقتضي فعل المأمور به على الفور أو لا يقتضي ذلك فيه خلاف لأهل العلم.

المذهب الأول:- وهو الذي رجحه الناظم أنه لا يقتضي الفور بل يجوز تأخير فعله وعليه أكثر الحنفية، والشافعية، والمغاربة، ونسب للشافعي، رواية عن الإمام أحمد أن مطلق الأمر لا يقتضي الفورية ولهم أدلة ولأنه قول مرجوح لم أذكر أدلة هذا المذهب.

المذهب الثاني:- أنه يقتضي الفورية وهذا هو المُرجح لكن الترجيح هنا ترجيح شرعي لا لغوي بمعنى أن مطلق افعل في لسان العرب في الأصل لا تدل على فورية ولا على عدم الفورية وإنما المراد بها إيجاد الفعل ونقله من حيز العدم إلى الوجود: صلِ أوجد الهيئة المخصوصة بهذا اللفظ، وهي الصلاة زكي نقول أخرج هذا العمل الذي هو الزكاة من حيز العدم إلى حيز الوجود فقط ولا يتعلق ولا يدل بها فورية ولا عدمها ولكن نقول بحثنا بحث شرعي - حينئذ - نقول دل الشرع على أن افعل يقتضي الفورية قال الله - تعالى -: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ ربكم وجنة عرضها السماوات وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (2) وسارعوا: هذا أمر مطلقا ما قيده (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ ربكم) أي وجوب البِدَارِ إلى الفعل ومنع التأخير في أول وقت الإمكان بلا عذر، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} البقرة: 148: انتبهوا يدل على ماذا؟ يدل على التأخير ثم تنام .... لا. لابد أن تفعل وتوقع هذا الفعل بعد سماع الأمر

__________

(1) - آل عمران (97)

(2) - آل عمران (133)

(5/13)

________________________________________

(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (1) مدحهم على المسارعة وعليه يكون ترك المسارعة يُذم عليه وهو الواجب (قال ما منعك ألَّا تسجد إذ أمرتك قال أنا خيٌر مّنه خلقتني من نَّار وخلقته من طين) (2) ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك قد يكون له ماذا متى اسجد أليس كذلك؟ اسجدوا لآدم لو قيل أنه على التراخي مثلا يَسجُد متى شاء كيف يوبخه الرب - جل وعلا - على شيء يجوز له تأخيره {قال مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} أما قلنا هذا الذم والتوبيخ يدل على ترك واجب لو كانت صيغة افعل لا تدل على الفورية ما كان هذا واقع وما كان هذا حاصل لماذا؟ ...

لأنه وبخه على تركه وإذا قيل بعدم الفورية معناه يجوز له التأخير مُطلقا متى شاء سجد ولا كان إبليس وهو أعرف كما قال بعضهم من الجهم وغيرهم لو كان كذلك لقال له إن الأمر لا يقتضي الفورية وأنت أمرتني ولم تُحدد لي ولكنه استجاب ولم يرُد.

الرابع (3) ويقال أنه أحوط وابرأ للذمة رابعا أنه مقتضاه عند أهل اللسان هكذا قال البعض وهذا فيه نظر أنه مقتضاه عند أهل اللسان لو قال اسقيني ماءً - السيد لعبده - اسقيني ماء فذهب يوم الأربعاء ليلة الأربعاء ذهب الأسبوع القادم وجده مات لو عرف الابن أن والده يرجح أن افعل ليست على الوجوب اشترى يذهب بعد أسبوع ويأتيه ليس افعل للفورية ولكنه للتأخير قالوا لسان العرب يدل على ذلك لكن الظاهر - والله أعلم - لسان العرب لا يدل وإنما المراد به إيجاد وإيقاع وإدخال ماهية المأمور به في حيز الوجود فحسب دون أن يكون المراد به الفورية ولا عدم الفورية إنما هي مأخوذة من الشرع.

"ولَمْ يُفِدْ فَوْرًا ولا تَكْرارَا": إذاً ولم يفد فورا الصواب أنه يفيد الفورية وأن دلالة افعل على الفورية مأخوذة من الشرع.

"ولا تَكْرارَا": الألف هذه للإطلاق يعني لا يدل صيغة افعل على التكرار لو قال اسقيني ماء فأعطاه ماء اكتفي به - حينئذ - حصل الامتثال أو لا؟

حصل الامتثال أو يُقال بأنه لا يقف عن الامتثال حتى يُكرِر، اسقيني ماء ثم يذهب

ويسقيه ثم يذهب ويسقيه ثم يذهب ويسقيه ........ إلى آخره

هذا لو قيل بأنه يفيد التكرار بمعنى أنه لا يمتثل الأمر إلا إذا استمر في إنتاج ما أمر به حتى يقال له كُفْ، وهذا قد قال به بعض الأصوليين.

والصواب أن يقال بأن صيغة افعل إنما هي لطلب الماهية فحسب لا تدل على التكرار ولا تدل على عدم التكرار وهذا الذي رجحه الناظم رحمه الله - تعالى -.

الأمر المطلق هل يقتضي فعل المأمور به مرة واحدة أو التكرار وكذلك الأمر المطلق هنا بمعنى أنه لا يُقَيَّد بما يدل على المرة أو المرتين أو التكرار مطلقا يعني صيغة افعل وحدها لو أطلقت هل تدل على التكرار أو لا تدل على التكرار؟ قلنا هذا محل

خلاف المذهب الأول أنه لا يدل على المرة ولا على المرتين وعلى التكرار

__________

(1) - الأنبياء (90)

(2) - الأعراف (12)

(3) - قال الشيخ في الشرح الرابع والثالث هوالذي يتمشى مع الكلام لأنه قال في البادية أربع مذاهب.

(5/14)

________________________________________

إنما يدل على طلب ماهية المأمور به فقط ثم إن المرة الواجبة لابد منها في الامتثال فهي من

ضروريات الإتيان بالمأمور به بمعنى أنه لا يمكن أن يمتثل المأمور به إلا إذا فعله مرة: صلِ يعني: صلِ ركعتين قام صلى ركعتين هل يمكن أن يمتثل صلِ ركعتين دون أن يصلِ ركعتين؟ ما يمكن - حينئذ - صارت المرة الواحدة من ضروريات امتثال صيغة افعل وليست من دلالة صيغة افعل فَفَرْقٌ بين قولين هناك من يقول بأن افعل تدل على المرة الواحدة .... هل دلالة افعل على المرة الواحدة لغة أو التزاما؟ الصواب الثاني أنه التزام لماذا؟ ... لو قيل لغة فأنه يدل على المرة الواحدة وإذا قيل بأنه التزاما نقول لا يدل حتى على المرة الواحدة وإنما لا يُتَصور امتثال المأمور به إلا بإيقاعه مرة واحدة صلِ ركعتين كيف تمتثل إذا لم تقم تصلِ ركعتين هذا ممتنع

لا يُقال بأنك امتثلت إلا بامتثال مرة واحدة فالدلالة صلِ ركعتين على المرة الواحدة صارت من ضروريات الصيغة يعني من مُلتَزمات الصيغة يلزم من هذه الصيغة

وامتثالها أن يقع الحدث مرة واحدة وهل يدا افعل على المرة الواحدة؟ الجواب: لا

أنه لا يدل على المرة ولا على التكرار وإنما يدل على طلب ماهية المأمور به فقط ثم المرة الواجبة لابد منها في الامتثال فهي من ضروريات الإتيان بالمأمور به لأن الأمر المطلق ورد في الشرع مرة للتكرار كقوله - تعالى - (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (1) هذه للتكرار أقيموا الصلاة كلما دخل وقت الفجر وجب عليك الصلاة إذاً هذا فيه تكرار ليس نحتاج أن كل فرد يأتينا خبر عنه لا وإنما تفهم فيما سبق أنه علق على أسباب - حينئذ - المُسَبب يوجد بوجود سببه وعرفا أحسن إلى الناس .... أحسن إلى الناس متى؟

مرة واحدة ثم تسئ أو أنه مُطلقا؟ مطلقا إذا في العرف وفي الشرع استعمل لفظ افعل مرادا به التكرار وورد استعماله في المرة الواحدة شرعا (إن الله كتب عليكم الحج) (2) مرة واحدة ولذلك استدل بعضهم بفهم الصحابي أفي كل عام يا رسول الله لو كان اللفظ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} آل عمران: 97 وكذلك وحجوا لو كان يدل على التكرار هل سؤال الصحابي في محله - هو صاحب لغة، عالم يعني مُحقق في اللغة - هل سؤاله في مَحَلِه؟ ... الجواب: لا. لكنه قال لما سمع (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) آل عمران: 97، حجوا: فعل أمر وكذلك إن الله كتب عليكم الحج فحجوا أفي كل عام يا رسول الله دل على أن هذه الصيغة حجوا .... إلى آخره لا تدل على التكرار إذ لو كان كذلك لقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الذي دل عليه اللفظ ماذا تفهم أنت أعرابي والله قال:

__________

(1) - البقرة (43)

(2) - سنن البيقي الكبري/ باب وجوب الحج مرة وأحدة ولفظ الحديث عن أبي سنان عن بن عباس {قال خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا أيها الناس إن الله كتب علىكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله قال لوقلتها لوجبت ولووجبت لم

تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فتطوع} وانظر مشكاة المصابيح كتاب المناسك الفصل الأول.

(5/15)

________________________________________

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) آل عمران: 97 دل على أنه لا يفهم من هذا اللفظ إلا المرة الواحدة ودلالة هذا اللفظ على المرة الواحدة من مقتضيات الامتثال فحسب لا بلسان العرب إذا ورد الاستعمال في المرة الواحدة شرعا (إن الله كتب عليكم الحج) وفي العرف اشتري اللحمة، اشتري خبزا، اشتري الماء فكل مرة تشتري خبزا تأتي وتشتري .... هكذا؟ ... لا. بل تشتري مرة واحدة فإذا انتهي قد تؤمر بشيء آخر والأصل في الاستعمال الحقيقة إذا الصحيح هو ما ذكره الناظم رحمه الله - تعالى - بقوله: "ولا تكرارا" نخالفه في المسألة الأولى، ونوافقه في المسألة الثانية، وهذا هو الظاهر - والله اعلم - أنَّ افعل لا يدل على المرة، ولا على التكرار بل نحتاج إلى دليل خارجي يدل عليه

ولذلك قال:- "إن لم يَرِدْ مَا يَقْتَضِي التِّكرارَا": الألف: للإطلاق يعني إن دل دليل على أن المراد بهذا المأمور يقتضي التكرار دل على التكرار وذلك فيما إن علق على شرط أوصفة {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1) هذه تكرار أو لا؟ فاطهروا: لو قيل أنه ليس على التكرار - حينئذ - نطهر مرة واحدة من الجنابة وبعد ها انتهي كَفَّ عن الخطاب

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ والله عزيزُحكيم ... ) (2)

هه .. تكرار؟ مرة واحدة يعني سارق واحد نقطع يده ثم البقية خذوا راحتكم؟ ...

لا ... بل كلما وجدت السرقة وجد القطع هذا معنى التكرار كلما وجدت الجنابة وجد الغسل وجب الغسل، وكلما وجدت السرقة - حينئذ - لابد من القطع وإلا إذا كان من مرة واحدة ما حصل به ضمان الأمان لا أن يقطع سارق واحد وانتهينا .. انتهي صلاحية هذا الأمر لكن المراد بالأمر هنا والامتثال لمَّا عَلَّقه على شرط - حينئذ - كلما وُجِدَ الشرط وجِدَ المأمور به، وكلما وجدت الصفة التي علق أو دل عليها قوله (وَالسَّارِقُ) وجد القطع.

إذا قوله: "إن لم يرد ما يقتضي التكرارا": بمعنى إن جاء دليل كالشرط والوصف يدل على التكرار - حينئذ - وجب حمل افعل على التكرار.

 

والأمر بِالْفِعْلِ الْمُهِمِّ المُنْحَتِمْ ***** أمْرٌ به وَبِالَّذِي بِهِ يَتِمْ

هذا سبق مع الإشارة إليه، وهو ما الذي لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

__________

(1) - المائدة (6)

(2) - المائدة (38)

(5/16)

________________________________________

كل واجب أمر به الشارع الوسيلة في تحصيل هذا الواجب إما أن يكون مأمورا به في الشرع أو لا أليس كذلك؟ .... إذا أمر الشارع بواجب لابد من هذا الواجب من وسيلة لتحصيله أمر بالصلاة، أمر بالوضوء، لابد من ثوب يستر لابد من مشي للمسجد لابد من إقامة مسجد لابد من آذان لابد من إقامة لابد .... إلى آخره .... هذه كلها مُكمِلات - حينئذ - إذا أمر الشارع بالصلاة الوسيلة إلى الصلاة على مرتبتين إما أن يأتي نص بخصوصها كالطهارة مثلا فهي وسيلة لا يمكن أن تُقام الصلاة إلا بطهارة، وإما أن لا يرد نص في الوسيلة كشراء الماء للطهارة - وحينئذ - في كِلا النوعين في بهذه القاعدة نستدل على تأكيد ما أمر به الشارع إيجابا وعلى إيجاب ما لم يرد به نص واضح الكلام ولا، لا فمثلا الصلاة الطهارة وسيلة للصلاة هل يمكن أن يصلِ بدون وضوء؟ الجواب لا مع القدرة عليه نقول لا يمكن أن يصلِ إلا بطهارة لو لم يرد النص:

{إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلَاةَ فاغسلوا وجوهكم وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) ... لو لم يرد النص قلنا وجب الوضوء لأن الشارع وقَّفَ صحة الصلاة على الطهارة وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب الواجب الذي هو الصلاة لا يتم إلا بالوضوء فهو واجب لأنك لو لم تحكم بوجوب الوضوء لأسقطت الصلاة من أصلها لأنك تقول أنا لست على طهارة إذا ما وجبت على الصلاة إذا لا يصلِ كل مُحدث إذا سمع الأذان وخرج الوقت نقول ما وجبت عليك الصلاة لماذا؟ ... لأنك غير مطالب أنت ما يُقال لك قم فكبر وصلِ واستقبل القبلة لابد أن تتوضأ أو لا - حينئذ - نقول ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

وهنا قد اجتمع دليلان الأول النص القرآني كذلك حديث:

«لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أحدكُمْ إِذَا أحدثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» (2) وهذه القاعدة تزيد تأكيدا فثم دليلان: دليل نقلي، ودليل عقلي الذي هو القاعدة التي معنا إذا يريد أن يَتوضأ وعنده مال وليس ثم ماء والماء يُباع

ويُشتري - حينئذ - نقول وجب عليك أن تشتري الماء بمثله يعني بسعره المعقول

هل جاء في الشرع يجب شراء الماء من أجل الوضوء؟ ما جاء ولكن تطبيقا لهذه القاعدة ما دام أنه قد أمكنه شراء الماء وهو في قدرته

(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) (3) (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (4) إذا في قدرته تحصيل الماء الذي تصح به الصلاة - حينئذ - نقول وجب عليك شراءُ الماء هل هنا دليل خاص الجواب لا وإنما وجب بهذه القاعدة هذه القاعدة وإن كانت خاصة بالوجوب إلا أنها عامة في الأمر واعم قواعد في هذا الباب الوسائل لها أحكام المقاصد أعم القواعد في هذا الباب الوسائل لها أحكام المقاصد.

والأمر بِالْفِعْلِ المهم المنحتم ****** أمْرٌ به وَبِالَّذِي بِهِ يَتِمْ،

__________

(1) - المائدة (6)

(2) - صحيح البخارى - (23/ 71) عن أبي هريرة طرفه 135 - تحفة 14694

(3) - التغابن (16)

(4) - البقرة (286 ... )

(5/17)

________________________________________

"والأمر بالفعل": أي فعل سواء كان واجبا أو مندوبا إذاً أراد أن يُعَمم وكان النظم ظاهره بالوجوب لأنه قال: "المهم المنحتم" هذا تأكيد أمر به بذلك الواجب وأمر بالذي به يتم إذ لو لم نجعل هذا الذي به يتم الواجب واجبا لسقط الواجب من أصله لو لم نقل اذهب، وامشِ، حرك السيارة لصلاة الجمعة يقول لا كيف أصل إلى المسجد بعيد - حينئذ - ما وجبت على صلاة الجماعة، ولا وجبت عليه صلاة الجمعة، ولا وجب عليه شراء الماء من أجل الوضوء، ولا وجب عليه أن يذهب ويشتري ما يستر به عورته .... إلى آخره سقطت العبادات لو لم نقل بهذه القاعدة لذهب كثير من الأحكام الشرعية.

كالأمر بالصَّلاةِ أمرٌ بالوُضُو ****** وكلِّ شيءٍ للصلاةِ يُفْرَضُ

كل شروط الصلاة التي رُتِبت عليها صحة وعدما - حينئذ - نستدل عليها بإيجابها نستدل بهذه القاعدة كالأمر بالصلاة أمر بالوضوء قوله - تعالى -:

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (1) هذا دل على جميع شروط صحة الصلاة كل شرط قال أهل العلم رُجِح سواء كان متفق عليه على الراجح كل شرط ترتبت عليه صحة الصلاة نستدل بقوله - تعالى -: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} على وجوبه، ومن باب أولى أن نستدل به على طلب العلم في تحصيل هذه الصلاة {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ... ما هي هذه الصلاة؟ ... ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب إذا لم يسال ما هي الصلاة وكيف أصلي؟ ... ما هي الفرائض، ما هي الواجبات؟ .. ما هي السنن كيف يصلِي؟ .. إذًا لا يتم إيجاد الصلاة إلا بالعلم بالصلاة إذا العلم بالصلاة صار واجبا كالأمر بالصلاة أمر بالوضوء وكل شيء للصلاة يفرض ثم ختم الباب بقوله:

وَحَيْثُما إن جِيء بِالْمَطْلوبِ ***** يَخْرُجْ بِهِ عَنْ عُهْدةِ الْوُجُوبِ

__________

(1) - البقرة (43)

(5/18)

________________________________________

"وحيثما إن جيء بالمطلوب": يعني إن فعل الواجب باستكمال الشروط، وانتفاء الموانع أجزاءه أو نقول لابد أن يأتي نص آخر فيُقال له صلاتك صحيحة لا نحتاج إلى نص أخر، ولا إلى خطاب جديد بل الصواب متى ما استكمل الشروط وانتفت الموانع - حينئذ - نقول هذه الصلاة صحيحة وقد خرج عن العهدة، وسقط الطلب، ولا يُطَالب بإعادة، وبرئت الذمة، وأما الثواب فأمره إلى الله يعني كلام في الأجزاء وليس كلام في الإثابة قد يُثاب، ولا تجزئ الصلاة، وقد تجزئ الصلاة ولا يُثاب يعني بينهما افتراق ليس بينهما تلازم قد يُثاب، ولا تجزئ الصلاة رجل خرج من بيته على أنه متوضئ، وجلس، وقرأ القرآن، وانتظر الإمام كبر صلِ الركعة الثالثة تذكر أنه لم يتوضأ خرج هل هذه الصلاة مجزئة؟ هه ... أجيبوا .. الصلاة مجزئة؟ ليست مجزئة لأنه دخل فيها على غير طهارة ولو تذكر بعد ما سلم الإمام تذكر أنه لم يتوضأ هذه الصلاة ليست مجزئة هل يُثاب على الفعل الذي فعله قراءة القرآن، وسبح وصلِى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرأ القرآن بين الأذان والإقامة، ومشى خطوات إلى المسجد كله يثاب عليه ويثاب على الصلاة أيضا كل فعل فعله للصلاة يُثاب عليه لكن ليست إثابة الصلاة التامة الكاملة الشاملة فهنا وجد الثواب ولم يوجد الأجزاء قد يوجد الأجزاء ولا يوجد الثواب كالعبد الآبق (1) مثلا و «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شيء لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» (2).الصلاة مجزئة وهو مطالب بالصلاة، ولكن الصلاة غير مثاب عليها.

وَحَيْثُما إن جِيء بِالْمَطْلُوبِ ****** يَخْرُجْ بِهِ عَنْ عُهْدةِ الْوُجُوبِ

"يخرج به": يخرج هذا المكلف "به": يعني بذلك الفعل عن عهدة الوجوب فتبرأ ذمته - وحينئذ - يتصف بالإجزاء ويصير كافيا في إسقاط الطلب، الإجزاء هو: " براءة الذمة"، والإثابة هي: " الجزاء على الطاعة "، وقال بعضهم يُحكم بالإجزاء بخطاب جديد لابد من خطاب جديد وهذا كلام لا دليل عليه ثم انتقل إلى الباب الثاني وهو باب النهي فقال:

 

بَابُ النَّهِي

تَعْرِيفُهُ اسْتِدْعَاءُ تَرْكٍ قَدْ وَجَبْ

بِالقَوْلِ مِمَّنْ كَانَ دُونَ مَنْ طَلَبْ

وَأَمْرُنِا بِالشَيءِ (3) نَهْيٌ مَانِعُ

مِنْ ضِدِّهِ وَالعَكْسُ أَيضًا وَاقِعُ

وَصِيغَةُ الأَمْرِ الَّتِي مَضَتْ تَرِدْ

__________

(1) - قال في المصباح المنير في غريب الشرح الكبير - (1/ 10)

(ء ب ق): أَبَقَ الْعَبْدُ أَبْقًا مِنْ بَابَيْ تَعِبَ وَقَتَلَ فِي لُغَةٍ وَالْأَكْثَرُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا هَرَبَ مِنْ سَيِّدِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدِّ عَمَلٍ هَكَذَا قَيَّدَهُ فِي الْعَيْنِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْأَبْقُ هُرُوبُ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ وَالْإِبَاقُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْهُ فَهُوآبِقٌ وَالْجَمْعُ أُبَّاقٌ مِثْلُ كَافِرٍ وَكُفَّارٍ (.باب الالف مع الباء وما يثلثهما).

(2) - صحيح مسلم - (15/ 30) باب تحريم الكهانة عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ -- صلى الله عليه وسلم -- عَنِ النَّبِىِّ -- صلى الله عليه وسلم -- قَالَ

(3) وفي نسخة لِلشَّيءِ

(5/19)

________________________________________

وَالقَصْدُ مِنْهَا أَنْ يُبَاحَ مَا وُجِدْ

كَمَا أَتَتْ وَالقَصْدُ مِنْهَا التَّسْوِيَهْ

كَذَا لِتَهْدِيدٍ وَتَكْوِينٍ هِيَهْ

 

باب النهي هذا الشق الثاني من شقي التكليف لأنه يُقابل الأمر وكل ما قيل هناك في حد النهي يُقال هنا فهما متقابلان.

"باب النهي": النهي لغة: المنع

ومنه سمت العقول: نُهى .. أولى النهى: لأنها تمنع صاحبها من سفاسف الأمور نهاه عن كذا أي منعه عنه، ومنه سمي العقل نهية.

وأما في الاصطلاح أوفي الشرع هو تعريفه:

استدعاء ترك قد وجب ... ****** بالقول ممن كان دون من طلب

كل المسائل المذكورة هناك مذكورة هنا.

"استدعاء": أي طلب، "ترك": خرج الأمر لأنه طلب فعل، والسين هنا ليس للطلب التي هي للتأكيد، "قد وجب": أراد به إخراج المكروه فليس منهيً عنه حقيقة والخلاف هنا كالخلاف فيما سبق، والصواب أن المكروه منهي عنه حقيقة لأن الشرع كما ذكرنا إما أن يكون الطلب طلب فعل أو طلب ترك وكلاهما داخلان في حد الحكم السابق.

"استدعاء ترك": أخرج الأمر، "قد وجب": خرج النهي على سبيل الكراهة، قد وجب بألا يجوز له الفعل فخرج الكراهة، "بالقول": جار ومجرور مُتعلق بقوله: "استدعاء": فخرج ما كان النهي بالإشارة أو بالكتابة، والصواب: ما ورد في ذلك من السنة أوفي غيرها لابد من إدخاله في حد النهي فنقول على ميزان ما سبق أن النهي: ... ما دل على طلب ترك

"ما": اسم موصول بمعنى الذي يدخل فيه اللفظ قول يدخل فيه الإشارة، والكتابة يكون عاما، وإن شئت قل: لفظ دال على طلب ترك، وأما التعريف بالاستدعاء وإن قُيد بالقول فالظاهر أنها أشعرية مغلفة فلابد من تحرير الألفاظ في مثل هذه المواضع "بالقولِ": أي اللفظ الدال عليه بالوضع، "مِمَّن كان": أي وجد، "دُونَ مَنْ طَلَبْ": يعني دون الطالب يعني في الرتبة أخرج المساوي للمساوي فأنه يسمى التماسا، وشفاعة، ولا الأدنى إلى الأعلى فإنه لا يُسمى نهيًا، والصواب: أنه لا يُشترط فيه علو ولا استعلاء كما ذكرناه سابقا هل للنهي صيغة؟ نقول السؤال هذا ليس بوارد لماذا؟ لأن النهي نوع من أنواع الكلام، والكلام لفظ فلابد من أن يكون قد وضع له صيغة في لسان العرب، وصيغته: لا تفعل على المشهور - حينئذ - كل نهي إنما يكون دالا عليه بلفظ هولا الناهية ثم يأتي بعدها فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وقد يُدل عليه بلفظ حُرِم:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} (1) هذا دال على التحريم أو ترتيب العقاب على الفعل دل على التحريم أو نحو ذلك دلالة لا تفعل نقول: تدل على التحريم، وإن كان ثَمَّ نزاع كذلك في هذه الدلالة، والصحيح أن صيغة النهي: لا تفعل تدل على التحريم هذا شيء أول، وتدل على فساد المنهي عنه فلها دلالتان لا تصلِ بكذا - حينئذ - لا تصلِ نقول هذا نهي وتصلِ مجزوم بلا دل على أمرين:

الأول: تحريم ما تضمنه الفعل، وثانيا: فساد المنهي عنه مطلقا أما دلالته على التحريم فبدليلين:

__________

(1) - النساء (23)

(5/20)

________________________________________

أولا:- إجماع الصحابة والتابعين، أنا أحكي إجماعا لأنه لم ينقل حرف واحد عن الصحابة في غير دلالته على التحريم، ووجود خلاف عند المتأخرين لا يزلزل طالب العلم ولو كان موجودا في المذاهب الأربعة، وإنما تنظر في هذه المسألة هل وجد نزاع بين الصحابة أو لا يعني تنظر من الأعلى إلى الأدنى لا ترجع بالعكس هذا خطأ لأنه يُصور لك المسألة على غير وجهها، وإنما تنظر هل الصحابة اختلفوا على دلالة افعل هل وجد بينهم حمل لا تفعل - وهي مطلقة - على التنزيه ونحوها؟ الجواب: لا.

والقول هنا كما ذكرناه سابقا لا تفعل إما أن تقترن بما يدل على التنزيه أو تقترن بما يدل على التحريم أو تكون مطلقة، والحديث هنا في مطلق النهي إنما يدل على التحريم الدليل الأول إجماع الصحابة والتابعين حيث أنهم يستدلون بتحريم الشيء بصيغة:

لا تفعل كابن عمر وابن عباس وغيره يحكم بالتحريم ويأتي بنص نبوي أو قرآني فيه: لا تفعل ... دل على ماذا؟ على أنه فهم من هذه الصيغة التحريم فالزنا مُحرم لقوله - تعالى - {ولا تقربوا الزِّنَا} (1) صيغة: لا تفعل نفهم التحريم ما نازع أحد في ذلك ونحو ذلك فكانوا ينتهون عن ذلك بمجرد استماعهم للصيغة فينتهون عن المنهي عنه ويعاقبون المتلبس به.

ثانيا:- إجماع أهل اللغة واللسان في ذلك إذ لو قال السيد لعبده لا تدخل البيت فدخله فعاقبه هل يلام ويذم السيد؟ ... الجواب: لا، لا يلام إذ لو قال: لعبده لا تدخل البيت فإنه يدل على كفه فلو خالف استحق العقوبة كذلك قسموا الكلام إلى أمر ونهي .... إلى آخره وجعلوا الأمر: افعل، وللنهي: لا تفعل، وهذا واضح بيِّن مجمع عليه كذلك قوله - تعالى -:

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) إذاً صيغة النهي تقتضي التجرد للتحريم حقيقة لدليلين إجماع الصحابة، وإجماع أهل اللغة على ما ذكرناه، وذكر بعضهم دليلا ثالثا وهو قوله - تعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ} الأمر بالانتهاء عما نهى عنه يقتضي بوجوب الانتهاء، ومن لازم ذلك تحريم الفعل هذا هو ما يدل عليه صيغة: لا تفعل أولا تحريم المنهي عنه ثم الدلالة الثانية، وهي مسألة مهمة وكبيرة عريضة أُلِفَ فيها على جهة الخصوص وهي فساد المنهي عنه مطلقا سواء كان في العبادات أوفي المعاملات سواء إن كان النهي لذات المنهي عنه أو للازم خارج عنه لوصفه دون تفصيل، والتفصيل الذي وقع عند كثير من المتأخرين هو تفصيل حادث إذاً يدل على فساد المنهي عنه وأعظم حجة في ذلك حديث عائشة رضي الله - تعالى - عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال {مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عليه أَمْرُنَا، فَهْو رَدٌّ} (3).

__________

(1) - الاسراء (32)

(2) - الحشر (7)

(3) - صحيح البخارى (باب إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ أَوالْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ خِلاَفَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ)، وصحيح مسلم باب نقض الأحكام الباطلة، وأنظر كتاب جامع الأحاديث باب حرف الميم

(5/21)

________________________________________

أي مردود عليه، ومن كان مردودا على فاعله فكأنه لم يوجد فان وجد فيبقي مردودا فيما عداه يعني الذات من أثاره وما يتعلق به ثانيا يكاد يكون إجماع من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم استدلوا على فساد العقود بالنهي عنها، واستدلوا على فساد عقود الربا بقوله - صلى الله عليه وسلم -:

(لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل) (1) واحتج ابن عمر على فساد نكاح المشركات بقوله - تعالى -: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (2) وهذا نهي، ولم ينكر عليه أحد، وفي نكاح المحرم بالنهي وفي بيع الطعام قبل خفضه بالنهي، وغير ذلك مما يكون كان الصحابة يستدلون على بطلان تلك البيوع، وتلك العبادات بمجرد النهي عنها لأنه قد أوقع فعلا لم يأمر به الله - جل وعلا - فهو مردود حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مردود عليه إن لم يوجد نقول لا يُجزئ هذا الفعل فهو يتعلق بالوجود وإن وجد إذا فلابد من الحكم - حينئذ - بفساده والكلام في هذه المسألة فيما ذكر ثم قال الناظم:-

 

وأَمْرُنَا بِالشَّيءِ نَهْيٌ مَانِعُ ***** مِن ضِدِّه والعَكْسُ أَيْضًا وَاقِعُ

 

هذه مسألة يذكرها كثير من المتأخرين، والبحث فيها طويل ولكن نختصر ما يتعلق

بحل النظم: "وأَمْرُنَا بِالشَّيءِ": وأمرنا: يعني إذا أمرنا الرب - جل وعلا - أو أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء معين تضمن ذلك الأمر النهي عن ضده

__________

(1) - رواه (مالك، وعبد الرزاق، وأحمد، والبخاري في باب بيع الفضة بالفضة، ومسلم في باب الربا، والترمذي، والنسائي عن أبى سعيد

ولفظ الحديث {لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز، زاد عبد الرزاق فمن زاد أواستزاد فقد أربى} وانظر جمع الجوامع أوالجامع الكبير للسيوطي

(1/ 17769) باب حرف اللام. ومن غريب الحديث: ((تشفوا)): أى تزيدوا وتفضلوا.

(2) - البقرة (221)

(5/22)

________________________________________

"وأَمْرُنَا بِالشَّيءِ نَهْيٌ مَانِعُ مِن ضِدِّه": يعني ضده الوجود الأمر يستلزم النهي عن نقيضه باتفاق لا خلاف قم صلِ قائما أمر بماذا؟ بالصلاة قائما إذاً عدم القيام نقيض فهو نهي عن نقيضه باتفاق وأما عن أضاده فهو يتعلق بمسألة، وهي أشرنا إليها فيما سبق وهي مسألة الأمر النفسي والصواب أو العبارة الصحيحة هنا نقول الأمر بالشيء نهي عن أضاده، وليس الأمر بالشيء نهي عن ضده من حيث اللفظ لأننا قلنا ماذا؟ الأمر هو عين افعل، وكذلك النهي هو عين: لا تفعل - حينئذ - لا يمكن أن يكون افعل بمعنى لا تفعل من حيث اللفظ لا يكون عينه، وإنما من جهة المعنى المثبتون للكلام النفسي عندهم خلاف ونزاع طويل عريض، وأما المنكرون للكلام النفسي كأهل السنة والجماعة يختلفون في دلالة افعل على النهي أما من جهة اللفظ - وحينئذ - نقول هذا متفق عليه وأما من جهة المعنى الذي يعنيه الأشاعرة، وغيرهم وهذا ممنوع لأن النهي والأمر عندهم شيء واحد، وإنما إذا تعلق بطلبه كأنه يقول كلام الله النفسي شيء واحد طريق واحد إن كان المنتهي، والغاية طلب ترك سُمِّي نهي، وإن كان المنتهي طلب فعل سُمِّي أمرا ونحن نقول: لا ذاك أمر لفظ ومعنى يختلف عن النهي لفظاً ومعنى فمن حيث المعنى مختلفان كما أنهما من حيث اللفظ مختلفان

ولكن العبارة الصحيحة المحررة أن نقول من أنكر الكلام النفسي لأن الأمر هو نفس صيغة افعل اتفقوا على أن الأمر ليس نهيا عن ضده ضرورة تغايُر صيغة افعل عن صيغة لا تفعل وإنما اختلفوا هل يستلزم النهي عن ضده من جهة المعنى أو لا من جهة الفحوى من جهة الالتزام من شيء أخر - حينئذ - نقول المغايرة حصلت ولا شك

والعبارة الصحيحة هنا أن نقول الأمر بالشيء نهي عن أضاده يعني عن جميع أضاده إذ لا يتأتى الإتيان بالمأمور إلا بالكف عنها كُلِها والنهي عن الشيء أمر بأحد أضاده إذا أمر الشارع بشيء، شيء ما - حينئذ - قال صلِ قائما ما هي أضاد القيام؟ الجلوس الاضطجاع الميلان مثلا - حينئذ - أمره بالقيام هذا يستلزم لا من حيث المعنى

ولكن من حيث إقامة القيام لا يمكن الامتثال إلا بترك الاضطجاع بترك الجلوس بترك الميلان مثلا إذا - حينئذ - الأمر بالشيء نهي عن جميع أضاده لأنه لا يُمكن أن يقال أمر بالقيام ثم يستلزم النهي عن الاضطجاع فقط يمكن يتكئ هذا مردود بما ذكرناه سابقا والنهي عن الشيء أمر بأحد أضاده قال هنا الأمر بالصلاة قياما عُلم من ذلك النهي عن إقامة الصلاة عن كل الأضداد صلِ قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنبك فالقيام له أضاد {ولا تقربوا الزِّنَا} نهي عن الزنا عدم الزنا له أضاد الزواج ملك اليمين نكاح الأمة الصبر الصوم الاستعفاف لأنه قال {ژ ژ الزِّنَا} هل هو أمر بذلك كلها نكاح وصيام وعفة .... إلى آخره أم أمر بواحد؟ .. بواحد منه وهذا الواحد المأمور به هو الذي يحصل به الكف عن ذلك النهي ولا تقربوا الزنا له أضاد هذه الأضداد مأمور بواحد منها لأن المراد بالنهي ما هو؟ عدم ارتكاب الفعل وقد حصل بالنكاح إذا لا أمر بملك اليمين، ولا بالصيام ولا بغيره ما استطاع أن ينكح ولا ملك يمين نأمره بالصيام لأن هو الذي يتعين به ترك الزنا.

(5/23)

________________________________________

وأَمْرُنَا بِالشَّيءِ نَهْيٌ مَانِعُ ****** عن ضِدِّه والعَكْسُ أيضا وقع

خلاف ما سبق أيضا واقع يعني النهي عن الشيء أمر بواحد من أضداده وأما الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده هذا الذي يُعبَر عنه ثم قال رحمه الله - تعالى -:

وصِيغَةُ الأمر الَّتِي مَضَتْ تَرِد ****** وَالْقَصْدُ مِنْهَا أَنْ يُبَاحَ ما وُجِدْ

 

هذا الأولى أن يُلحقه بما سبق صيغة افعل سبق أنها تأتي بالإباحة، وأنها تأتي بالندب أوصلها بعضهم إلى خمس وثلاثين معنى وصيغة الأمر افعل التي مضت في الباب السابق باب الأمر "تَرِدْ": ترد يعني توجد، "والقصد": منها أي من تلك الصيغة أن يباح ما وجد كما ذكرناه {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (1) هذا أمر بصيغة: افعل يدل على الإباحة أن يباح المباح ما وجد هذه تكمله كما أتت يعني صيغة افعل السابقة والقصد منها من تلك الصيغة التسوية {اصلوها فاصبروا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (2)

المراد بـ اصبروا: هنا تحقيق الصبر أو المراد التسوية بين الصبر وعدمه؟ ... المراد به لا لتسوية يعني اجلس أو لا تجلس الأمر سيان عندي أما يقول الناس هكذا افعل أو لا تفعل "وَالْقَصْدُ مِنْهَا التَّسويَةْ": (فاصبروا أَوْ لَا تَصْبِرُوا) الأمر هنا للتسوية بين الصبر وعدمه "كذا لتهديد": لتهديد كذا يعني تأتي للتهديد (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومن شاء فليكفر) (3) هل أمره بالكفر لا المراد به التهديد ومثُله (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (4)

"وَتَكوينٍ هِيَهْ": يعني تأتي للتكوين يعني الإيجاد عن العدم بسرعة هيه هذه الهاء للسكت كقوله - تعالى - (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (5) كن هنا ليس الخطاب للمكلف إنما هو تكوين .. تكوين إيجاد إذا ذكر لك مع ما سبق بالإباحة هنا أكد ما سبق ثم زاد هنا التسوية وزاد عليه التكوين وذكرنا أمثله كل منهما ثم ذكر فصل فيما يتعلق بالمُكلفين.

وصلِ اللهم وصلِ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

__________

(1) - المائدة (2)

(2) - الطور (16)

(3) - الكهف (29)

(4) - فصلت (40)

(5) - النحل (40)

(5/24)

________________________________________

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وآله وصحبه ومن والاه قال الناظم رحمه الله تعالي:-

 

فَصْلٌ

وَالمؤْمِنُونَ فِي خِطَابِ اللهِ

قَدْ دَخَلُوا إِلَّا الصَّبِي وَالسَّاهِي

وَذَا الْجُنُونِ كُلَّهُمْ لمَ ْيَدْخُلُوا

وَالكَافِرُونَ فِي الخِطَابِ دَخَلُوا (1)

فِي سَائِرِ الفُرُوْعِ لِلشَّرِيعَهْ

وَفِي الَّذِي بِدُوْنِهِ مَمْنُوعَهْ

وَذَلِكَ الِإسْلَامُ فَالفُرُوْعُ

تَصْحِيحُهَا بِدُوْنِهِ مَمْنُوْعُ

 

بَابُ العَامِّ

وَحَدُّهُ لَفْظٌ يَعُمُّ أَكْثَرَا

مِنْ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ مَا حَصْرٍ يُرَى

مِنْ قَولِهِمْ عَمَمْتُهُمْ (2) بِمَا مَعِي

وَلْتَنْحَصِرْ أَلفَاظُهُ فِي أَرْبَعِ

الجَمْعُ وَالفَرْدُ الْمُعَرَّفَانِ

بِالَّلَامِ كَالكَافِرِ وَالِإنْسَانِ

وَكُلُّ مُبْهَمٍ مِنَ الأَسْمَاءِ

مِنْ ذَاكَ مَا لِلشَّرْطِ وَالجَزَاءِ

وَلَفْظُ مَنْ فِي عَاقِلٍ وَلَفْظُ مَا

فِي غَيْرِهِ وَلَفْظُ أَيٍّ فِيْهِمَا

وَلَفْظُ أَيْنَ وَهْوَ لِلْمَكَانِ

كَذَا مَتَى الْمَوضُوْعُ لِلزَّمَانِ

وَلَفْظُ لَا فِي النَّكِرَاتِ ثُمَّ مَا

فِي لَفْظِ مَنْ أَتَى بِهَا مُسْتَفْهِمَا

ثُمَّ العُمُومُ أُبْطِلَتْ دَعْواهُ

فِي الفِعْلِ بَلْ وَمَا (3) جَرَى مَجْرَاهُ

 

بَابُ الخَاصِّ

وَالخَاصُ لَفْظٌ لَا يَعُمُّ أَكْثَرَا

مِنْ وَاحِدٍ أَوْ عَمَّ مَعْ حَصْرٍ جَرَى

وَالقَصْدُ بِالتَّخْصِيْصِ حَيْثُمَا حَصَلْ

تَمْيِيْزُ بَعْضِ جُمْلَةٍ فِيهَا دَخَلْ

وَمَا بِهِ التَّخْصِيْصُ إِمَّا مُتَّصِلْ

كَمَا سَيَأتِي آنِفًا أَوْ مُنْفَصِلْ

فَالشَّرْطُ وَالتَّقْيِيدُ بِالوَصْفِ اتَّصَلْ

كَذَاكَ الِاسْتِثْنَا وَغَيرُهَا انْفَصَلْ