الأحد، 21 يناير 2024

المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح اخْتِصَارُ صَحِيحِ الْبُخَارِيّ المسَمَّى: الْمُخْتَصَرُ النَّصِيحُ فِي تَهْذِيبِ الْكِتَابِ الْجَامِعِ الْصَّحِيحِ


المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

اخْتِصَارُ صَحِيحِ الْبُخَارِيّ المسَمَّى:

 

الْمُخْتَصَرُ النَّصِيحُ

فِي تَهْذِيبِ الْكِتَابِ الْجَامِعِ الْصَّحِيحِ

 

تَأليف

الْقَاضِي الْمُحَدِّث الْفَقِيه الْمُهَلَّب بْنِ أبِي صُفْرَةَ التَّمِيمِيِّ الْمَالِكِيِّ الأَنْدَلُسِيِّ

مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ الأَصِيلِيِّ وَالْقابِسِيِّ وَغَيْرِهِمَا

 

(هَذَّبَهُ بِتَحْرِيرِ الأَسَانِيدِ وَجَمْعِ الرِّوَايَاتِ دُونَ إِخْلالٍ بِأَلْفَاظِهِ وَأَسَانِيدِهِ، مَع شَرْح أحَادِيثهِ وَبَيَانِ فِقْهِهِا، وَبَيانِ أَمَاكِنِها في الصَّحِيحِ)

 

ضَبَطَ النُّسْخَةَ وَعَلَّقَ عَلَيْهَا

الدّكتُور: أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ السَّلوم

عَفَا اللهُ عَنْهُ

  ______

[مقدمة المحقق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

أما بعد:

أَلْهَمَنِي الله وإياك الرشد واليقين، ورزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، ونفعني وإياك بهذا الكتاب النصيح الذي هذَّب بهِ القاضي المهلبُ بن أبِي صفرة التميمي الأندلسي صحيحَ الإمام أبِي عبد الله البخاري رحمهما الله تعالى.

فإنَّ هذا الكتاب النصيح مبني على تهذيب روايتين مشهورتين لصحيح البخاري، هما رواية الأصيلي ورواية القابسي، وإن كانت رواية القابسي فرع عن رواية الأصيلي، لاجتماع الشيخين على الأخذ عن أبِي زيد المروزي في مكة المكرمة - شرفها الله - أولًا، ولاعتماد القابسي على أبِي محمد الأصيلي في ضبط النسخة عن أبِي زيد ثانيًا، وعن هذين العالمين الكبيرين والإمامين المحدثين - وعن غيرهما - تلقى القاضي المحدث العالم المهلب بن أبِي صفرة صحيح البخاري، ضبطه

 ______

وسمعه ودرسه على شيخه وأبي زوجته أبِي محمد الأصيلي، ثم أخذه عن أبِي الحسن القابسي, ثم رحل وسمعه في المشرق على أبِي ذر الهروي بروايته عن شيوخه الثلاثة المشاهير.

وليس المقصود من تهذيب واختصار هذا الكتاب ما يتبادر إلى الذهن من حذف للأسانيد، واقتصار على بعض الألفاظ دون بعض، بل هو تهذيب على نحو مبتكر مبني على جمع الطرق في مكان واحد، محافظا فيه على أسانيد الحديث المختلفة، حاشدا ألفاظه ورواياته الكثيرة، كما سنذكره عند الكلام على منهج المصنف فيه.

ولآل أبِي صفرة عناية بصحيح البخاري فائقة، واهتمام به بالغ، والمهلب هو الذي قيل فيه: أَحْيَا كِتَابَ البخاري في بلاد الأندلس.

وللمهلب بن أبِي صفرة على الصحيح كتابان:

الأول: هذا المختصر النصيح، الذي أقدمه لك، نبه مؤلفه عن أهميته بقوله في أوله: «كتابي هذا: يحتاج إليه طبقات العلم الثلاث؛ أعني المسندين، والمتفقهين، والمتحفظين».

هذب فيه صحيح البخاري على نحوٍ حسن بديع، من غير إخلال بمتونه وأسانيده، ولا تطويل بتكريره وتقطيعه، فقرب بذلك الاستفادة منه، وسهل التعامل معه، ولو شئت لقلت إن المفاضلة التي وقعت بين البخاري ومسلم وقيل فيها إن مسلما فاق البخاري بحسن الصناعة وجودة الصياغة من حيث إنه يجمع الروايات في مكان واحد، ويحشد الطرق في أول ورودها، ولا يقطع الحديث، ولا يكرره ونحو ذلك مما تقدم به مسلم على البخاري عند بعضهم، قد أتى به المهلب

 ______

في هذا النصيح على الوجه، مع المحافظة على ما امتاز به البخاري من دقائق الاستنباطات، ولطائف التراجم والتبويبات، وفوائد التصديرات، فجمع في هذا النصيح محاسن المناهج التي هي في الصحيحين مفرقة، كما سأبينه لاحقًا عند الحديث عن منهج المؤلف في هذا الكتاب.

وقد تكلم في هذا النصيح على المشكل، وشرح فقه أحاديثه, وعلل وجرح وصحح وضعف، وذلك كله محرر بقلم فقيه محدث اجتمعت فيه العلوم، واكتملت فيه الأهلية.

الثاني: شرح صحيح البخاري، فإن المهلب رحمه الله لما عمل النصيح وعد بشرحه، وسأل الله تيسير ذلك له، ثم إنه وفى بما وعد، ويسر الله له ما أراد، فعمل شرحا على البخاري، اعتنى فيه ببيان مناسبة الأحاديث للتراجم، وجمع الفوائد الحديثية والفقهية، مع التنكيت على البخاري، وتتبعه في بعض ما أورده في المتابعات، والتنبيه على ما وقع في ألفاظه من زوائد للرواة، إلا أن الكتاب لم يصلنا كاملًا، ولكن تلميذه ابن بطال قد ضمنه شرحه الكبير، المشهور بين الناس بشرح ابن بطال، فمن اطلع على كلام المهلب فيه علم قيمة شرحه، وجودة فهمه، وحسن استنباطه، ويكفيك في معرفة ذلك كله مطالعة هذا المختصر وتعاليقه وتعقباته، فإنك ستستدل بتعاليقه اليسيرة على أفضلية شرحه الكبير, ولم لا يكون كذلك والمهلب ممن فرغ عمره لصحيح البخاري، ووقف وقته عليه، وقطع حياته فيه، فأقرأه ودرسه ورواه دهرًا طويلًا.

قال أَبُوالأصبغ القاضي: كان أَبُوالقاسم من كبار أصحاب الأصيلي، وبأبي القاسم حَيَا كتابُ البخاريِّ بالأندلس، لأنه قُرئ عليه تفقهًا، أيام حياته، وشرحه

 ______

واختصره، وله في البخاري، اختصار مشهور، سماه: كتاب النصيح في اختصار الصحيح، وعلق عليه تعليقًا في شرحه مفيد أهـ.

مع أنَّ الأصيلي والقابسي سبقاه لاختصار الصحيح، لكن ذلك لم يشع عنهما.

وكذلك أخوه الإمام أَبُوعبد الله محمد بن أبِي صفرة له شرح مشهور على مختصر القابسي لم يتصل بنا في هذا العصر، ينقل منه المهلب وغيره، وفي هذا الكتاب وغيره.

وقد ظهر لي أن الحافظ ابن حجر لم يطلع مباشرة على روايتي الأصيلي والقابسي، مع أن في الفتح عبارات قد توهم اطلاعه على الروايتين (1)، ولا على كتابي المهلب النصيح والشرح، وإنما ينقل الروايتين بواسطة بعض الشراح كابن التين وابن بطال وغيرهم، واعتماده على ابن بطال أكثر، وينقل عن المهلب بواسطة ابن بطال غالبا، ولم أجد عنده نقلا عن المهلب ليس في ابن بطال، ويحتاج الأمر إلى استقراء أكثر، وهو ما لم أفعله في هذه الجزئية، وقد نقل الحافظ عن الأصيلي والمهلب مصحفا عندما صحف ابن بطال في النقل عنهما، واعتمده الحافظ ثقةً به، كما سأذكره في موضعه، وذلك مما زادني بهذا النصيح احتفاء.

وشيء آخر ظهر لي بالتتبع والاستقراء، وهو أن ذاك الجزم القاطع الذي يطلقه الحافظ أحيانًا - وغيره - عن نسخ البخاري، - فيقولون مثلًا: في نسخة فلان كذا وقد تفردت به عن سائر النسخ -, قد لا يجوز هذا القطع في أحيان

_________

(1) وقد اطلعت على نسخة الحافظ أبِي زرعة العراقي لصحيح البخاري، وهي من أصح النسخ المخطوطة وأضبطها، وقد ذكر فيها أسانيده، فلم يسند روايتي الأصيلي ولا القابسي، واسند رواية أبِي ذر عن الشيوخ الثلاثة، ورواية الداوودي، ورواية كريمة، وهذه هي الروايات المعروفة في مصر زمن الحافظ ابن حجر، والله أعلم.

 _____

كثيرة، إذ أنه قد ظهر لي خلافه، ولا نشك أن الحافظ جمع من النسخ وحشد من الروايات الشيء الكثير، واحتفى برواية أبِي ذر والنَّسفيِّ ونسخة الصاغاني، إلا أنه فاته من ذلك روايات، نبه على بعضها المزي في أطرافه، فينقلها الحافظ مستغربًا لها، لَمَّا لم يعرفها، وعلى كُلٍ مَنْ قارن نسختنا بما يذكره الحافظ من هذه الأحكام يظهر له هذا الذي أقوله، وقد كنتُ هممتُ أنْ أُنَبه على ذلك في مواضعه، إلا أنني رغبت عنه لَمَّا رأيتُ أن ذلك يطول الكتاب ويكثر الحواشي، فاكتفيت بالتنبيه، والحر تكفيه الإشارة.

والسبب في ذلك: أن أصحاب الروايات لهم نسخ مشهورة تختلف فيما بينها، لأمور قد ترجع إلى السامع أو إلى المسمع أو إلى النسخة المنقول عنها، وعن هؤلاء - أعني أصحاب النسخ - فروع كثيرة كتبها أصحابهم وهي تختلف أيضًا كما اختلفت نسخ شيوخهم، وللأسباب نفسها، فتجد نسخا كثيرة منسوبة لأبي ذر مثلًا بينها ائتلاف واختلاف، والنظر في مجموع نسخ موثوقة يصحح لك روايةً ما.

وهذه مقدمة مختصرة بين يدي الكتاب أتناول فيها ترجمة المصنف ابن أبِي صفرة، وترجمة شيخيه صاحبي الرواية، وأعرج على روايات صحيح البخاري، ثم أبين منهج المهلب في هذا الكتاب النصيح وأعرف به.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أنْ يتقبل مني هذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، عدةً صالحة لي يوم ألقاه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وأن يجعله في ميزان حسناتي، وحسنات مؤلفه، وقارئه، وناشره، والناظر فيه إلى يوم الدين، آمين

===

المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

(التراجم)

روى المهلبُ صحيحَ البخاري عن شيخين عن أبِي زيد المروزي، استفتح بذكر الإسناد قبل الشروع بتهذيب الصحيح, فقال:

«وها أنا حين أبتدئ بتهذيب الكتاب الجامع الصحيح, الذي:

حدثنا به سماعًا الفقيه الحافظ أَبُومحمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن جعفر الأصيلي، رضي الله عنه وأرضاه واللفظ له، ولم ألق مثله.

وحدثنا به أيضا الشيخ الفقيه الفاضل أَبُوالحسن محمد بن خلف القابسي رحمه الله، وأكرم مثواه، إجازةً.

قالا: حدثنا أَبُوزيدٍ محمد بن أحمد المروزي, قال: نا محمد بن يوسف الفربري قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه».

وروى المهلب الصحيح أيضًا من طريق شيخه أبِي ذر، فقال في كتاب المناقب، باب مناقب الزبير:

نا أَبُوذر، نا أَبُوالهيثم، نا الفربري، نا البخاري، ثم ساق حديثا ظننتُ أنه ليس في رواية أبِي زيد، ولأجل ذلك احتاج أن يرويه من طريق أبِي ذر.

واستدرك سقطًا في رواية أبِي زيد من رواية أبِي ذر.

فقال في المغازي، باب معناه ذكر من قتل من المشركين يوم بدر:

سَقَطَ هَاهُنَا مِنْ كِتَابِ أبِي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ وَرَقَتَانِ فَانْقَطَعَ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ.

قال الْمُهَلَّبُ: وَنَا بِهِ أَبُوذَرٍّ بِمَكَّةَ نَا أَبُوالْهَيْثَمِ وَغَيْرُهُ حَدَّثَنَا الْفِرَبْرِيُّ نَا الْبُخَارِيُّ.

 _______

الإمام المهلب بن أبِي صفرة (1)

لم تصلنا أخبار هذا الإمام كما ينبغي، مع شهرته وإمامته وتصدره للتدريس والقضاء، والمصادر التي ترجمته فيها تكرار كثير، وقد لخصت هذه الترجمة وهذبتها من المصادر التي ذكرتها في الحاشية.

 

اسمه وكنيته:

هو أَبُوالقاسم المهلب بن أحمد بن أَسيد، وهو أَبُوصُفْرَة، بن عبد الله الأسدي التميمي الأندلسي.

من أهل الْمَرِّيَّة، وهي مدينة كبيرة من كورة ألبيرة من أعمال الأندلس، كانت هي وبُجَّانة بابي الشرق، منها يركب التجار وفيها تحل مراكبهم (2).

 

يشاركه في الاسم والشهرة:

فارس الأزد، ورجل الدولة الأموية، الأمير المظفر: المهلب بن أبِي صفرة الأزدي، من طبقة التابعين، صاحب الوقائع والحروب، وكاسر الخوارج، وفي أخباره وأخبار أبنائه النابهين كتب على حيالها، وقليل العلم يتوهم أنه صاحب الشرح الذي ينقل منه ابن حجر!.

_________

(1) مصادر ترجمته: جذوة المقتبس 352، ترتيب المدارك 4/ 751، الصلة 2/ 626، بغية المتلمس 471، العبر 3/ 184، السير 17/ 579، شذرات الذهب 3/ 255.

(2) معجم البلدان 5/ 119.

 _______

طلبه للعلم:

صحب أَبُوالقاسم المهلب بن أبِي صفرة أبا محمدٍ الأصيلي، وسمع عليه جملة من كتب العلم، ثم صاهره على ابنته، وأخذ عنه صحيح البخاري وموطأ مالك وسنن النسائي، وأشياء أخرى.

ثم رحل أَبُوالقاسم إلى المشرق في طلب العلم، كما رحل شيخه الأصيلي من قبل، فسمع بالقيروان، ومصر، ومكة، والمشرق، من جماعة من الحفاظ، منهم: أَبُوالحسن القابسي القيرواني (1)، وأبو ذر الهروي، وروى عنهما الصحيح وغيره، ويحيى بن محمد الطحان، وأبو الحسن علي بن محمد القزويني، وأبو الحسن علي بن فهرٍ، وعبد الوهاب بن الحسن بن منير الخشاب، وأخوه عبد الله، وأبو بكر بن يزيد الأنطاكي، ومحمد بن عباس، وأبو جعفر بن مسمار، وأبو عبد الله بن يسار، وأبو بكر بن إبراهيم البغدادي، المعروف بابن الحداد، وأبو إسحاق المصري، وأبو عبد الله بن صالح المصري، ومحمد بن شاكر، وروى عن أبِي الحسن الطائي العابد كتبه.

وقد سمع المهلب أيضا من أخيه أبِي عبد الله محمد, وسمع أَبُوعبد الله منه، واستفاد المهلب من شرح أخيه على ملخص أبِي الحسن القابسي لصحيح البخاري، وقد شحن كتابه هذا بالنقولات عن أخيه أبِي عبد الله صاحب الشرح.

وأخوه محمد هذا توفي في القيروان.

_________

(1) وله نسخة مشهورة من رواية القابسي لصحيح البخاري، وقد انتسخ منها بعض العلماء نسخا للتحبيس 

 _____

ثم عاد المهلب إلى الأندلس، فولي القضاء بمالقة، وتفرغ لصحيح البخاري تحديثًا وتدريسًا وشرحًا، حتى تلقفه الناس عنه، واشتهر الكتاب بسببه في تلك الديار، واشتهر هو بهذا الكتاب، فلا يذكر المهلب إلا ويذكر معه البخاري.

 

الرواة عنه:

حدث عن أبِي القاسم جماعة من أهل العلم في الأندلس, منهم:

أحمد بن رشيق التغلبي، وأحمد بن مروان بن قيصر الأموي, وإبراهيم بن خلف الغساني، وطاهر بن هشام الأزدي، وعيسى بن محمد الرعيني، ومحمد بن أحمد بن حسان البياسي، والقاضي ابن المرابط، راوي هذا الكتاب عنه، وأبو عمر بن الحذاء، وأبو العباس الدلائي، وحاتم الطرابلسي، وابو عبد الله بن عابد.

 

ثناء العلماء على المهلب:

رزق المهلب فطانة وفصاحة، وذكاء وفهمًا، وصفه بذلك كبار أصحابه، وَمَنْ ترجمه من العلماء.

فقال تلميذه أَبُوعمر بن الحذاء: كان أذهن من لقيت، وأفهمهم وأفصحهم.

وقال أَبُوالأصبغ بن سهل القاضي: كان أَبُوالقاسم من كبار أصحاب الأصيلي، وبأبي القاسم حَيَا كتاب البخاري بالأندلس، لأنه قرئ عليه تفقهًا، أيام حياته، وشرحه واختصره، وله في البخاري، اختصار مشهور، سماه: كتاب النصيح في اختصار الصحيح، وعلق عليه تعليقًا في شرحه مفيد.

قال عياض: من أهل العلم الراسخين فيه، المتفننين في الفقه والحديث والعبارة والنظر ..

(1/14)

________________________________________

قال الذهبي: وكان من أهل الذكاء المفرط، والاعتناء التام بالعلوم.

وكذا قال ابن العماد.

وقال الذهبي: كان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء.

وقال ابن بشكوال: وكان من أهل العلم والمعرفة والذكاء والفهم، من أهل التفنن في العلوم والعناية الكاملة بها، وله كتابٌ في شرح البخاري أخذه الناس عنه واستقضي بالمرية.

 

مؤلفاته:

لأبي القاسم على الصحيح كتابان كما ذكرت ذلك أول المقدمة, هذا المختصر النصيح، وشرح صحيح البخاري.

وقد اختصر شرح المهلب على صحيح البخاري القاضي محمد بن خلف بن المرابط الأندلسي الصدفي (ت485) وزاد عليه فوائد.

ولأبي القاسم أيضًا معجم شيوخه، سننقل عنه لاحقًا نصًا في ترجمة شيخه الأصيلي.

فتلك ثلاثة كتب للمهلب، وقد يكون له كتب أخرى لم يصلنا خبرها، فالله أعلم.

 

وفاته:

اختلف في وفاة المهلب، فقيل إنه توفي سنة ستٍّ وثلاثين وأربع مائة (436).

(1/15)

________________________________________

وقال: أَبُوبكر بن رزق: توفي المهلب يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال وقت الظهر، ودفن يوم الثلاثاء بعد العصر سنة خمسٍ وثلاثين وأربع مائة (435).

وقيل سنة ثلاث وثلاثين (433)، وقيل غير ذلك، وقول ابن رزق أصح, والله أعلم.

قال العماد: توفي في سن الشيخوخة.

(1/16)

________________________________________

راويا النسخة الأصيلي والقابسي

1 - أَبُومحمد الأصيلي (1):

هو عبد الله بن إبراهيم بن محمد، أصله من كورة شذونة، ورحل به أبوه إلى أصيلة من بلاد المغرب، فسكنها ونشأ أَبُومحمد بها, ثم ارتحل إلى قرطبة فتفقه بشيخيها اللؤلؤي وأبي إبراهيم.

وقيل: بل ولد بأصيلة, سنة 324هـ.

قال الفرضي: سمعتَهُ يقول: قدمْتُ قرطُبة سنة اثنتين وأرْبَعين (342هـ، أي وله قريب من 18 سنة)، فسمعتُ بها: من أحمد بن مُطَرّفٍ، وأحمد بن سَعيد، ومحمد بن مُعاوية القرشي، وأبي بكر اللؤْلؤيّ، وأبي إبراهِيم، ورحلتُ إلى وادِي الحِجارة إلى وهْب بن مَسَرّة فسمعت منهُ وأقَمْت عنده سبْعة أشْهر.

قال ابن عائدٍ تلميذُ الأصيلي: تفقه أَبُومحمد بقرطبة منذ صباه بشيخيها: اللؤلؤي وأبي ابراهيم، وسمع ابنَ حزم، وابن المشاط، والقاضي ابن السليم، وابن الأحمق، وأبان بن عيسى بن دينار الأصغر ونظرائهم.

وأخذ عن وهب بن مسرة بوادي الحجارة، وعن ابن فحلون ببجانة أهـ.

_________

(1) مصادر ترجمته:

تاريخ علماء الأندلس 1/ 249، طبقات الشيرازي 164، جذوة المقتبس 257، ترتيب المدارك 4/ 642، بغية الملتمس 340، تذكرة الحفاظ 3/ 1024، السير 16/ 560، العبر 3/ 52، الديباج المذهب 1/ 433، شذرات الذهب 3/ 140.

(1/17)

________________________________________

ثم ارتحل أَبُومحمد إلى المشرق, فسمعه الفرضيُّ يقول: كانَت رحْلَتي إلى المَشْرِق: في المحرَم سنة إحدى وخَمْسين وثلاثِ مائةٍ (1/ 351 هـ، وله نحو 27سنة).

فدخل مصر, ولقي فيها القاضي أبا الطاهر البغدادي، وابن رشيق، وحمزة الكناني الحافظ، وأبا إسحاق ابن شعبان، ومحمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري، وغيرهم.

وكان معه في الرحلة أَبُوالحسن القابسي، وأبو موسى عيسى بن سعادة (1).

ففي أول لقاء جمع هؤلاء النفر مع حمزة الكناني جرت لهم قصة، ذكرها ابن بشكوال في ترجمة عمر بن عبيد الله بن زاهر:

قال أَبُوالحسن القابسي: قال لنا حمزة بن محمد الكناني حين دخلت عليه أنا وأبو موسى عيسى بن سعادة وأبو محمد الأصيلي، ووافقناه نازلًا في الدرج، درج مسجد يقال إنه مسجد ابن لهيعة في حضرموت، فقال: من هؤلاء؟ فقيل له: قوم مغاربة، فوقف فسلمنا عليه، ثم رجع فنظر في وجوهنا وقال: ما أرى إلا خيرًا، حدثونا عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عطية العوفي، عن أبِي سعيد الخدري، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إحذروا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله»، وتلا {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}

_________

(1) ليس أَبُوموسى هذا بصاحب النسخة التي يقال لها نسخة ابن سعادة، بل هو آخر متقدم روى عن المروزي والكناني والطبقة، وصاحب النسخة أيضا أندلسي إلا انه متأخر الوفاة، فقد توفي أول سنة 566، وهو من تلاميذ أبِي علي الصدفي، ممن لازمه وصاهره واختص بصحبته، ولما توفي أَبُوعلي آلت إليه نسخه وأصوله، فنسخة ابن سعادة هذه فرع عن نسخة أبِي علي الصدفي المشهورة، ونسخة الصدفي فرع عن رواية أبِي ذر عن شيوخه الثلاثة.

مع أن ابن سعادة رحل إلى مكة وأخذ عن أصحاب كريمة المروزية صاحبة النسخة المشهورة.

(1/18)

________________________________________

قال الفرضي عنه: ودَخَلتُ بَغدادَ وصاحبُ الدّولة بها أحمد بن بُويه الأقْطَع.

قلت: فحج في رحلته تلك قبل أن يدخل بغداد، فلقي بمكة سنة ثلاث وخمسين (353هـ) الراوية أبا زيد المروزي، فسمع منه صحيح البخاري، ولقي بمكة أبا بكر الآجري، ثم سافر إلى المدينة فلقي قاضيها أبا مروان المالكي، ثم سار إلى العراق فلقي بها أبا بكر الأبهري، رئيس المالكية، فأخذ عن الأبهري، وأخذ عنه الأبهري أيضًا، وحدث عن الدارقطني، وحدث عنه الدارقطني أيضا.

وبقي في الرحلة في المشرق قريبا من ثلاثة عشر (13) عامًا.

وهناك قال الدارقطني: حدثني أَبُومحمد الأصيلي ولم أر مثله.

ثم سمع ببغداد عرضته الثانية في صحيح البخاري من أبِي زيد المروزي، سنة 59 وحضر العرضة الثانية أَبُوبكر الأبهري، وابن مجاهد البصري المتكلم (1).

وسمع صحيح البخاري أيضًا من أبِي أحمد محمد بن محمد بن يوسف الجرجاني، وهما شيخاه في صحيح البخاري وعليهما يعتمد فيه، وأكثر اعتماده على أبِي زيد، إذ في الجرجاني ما فيه (2).

 

شيوخه:

قد روى الأصيلي عن جماعة من علماء المغرب والمشرق, فمن شيوخه الذين روى عنهم:

_________

(1) إفادة النصيح 111.

(2) وقع تصحيف في بعض مصادر ترجمة الجرجاني: أَبُوأحمد الجرجاني راوي صحيح البخاري عن التبريزي، فهذا تصحيف، إنما هو: الفربري.

(1/19)

________________________________________

عبد الوارث بن سفيان بن جُبرون بن سليمان يعرف بالحبيب، أسند عنه الأصيلي في غير موضع من كتاب الدلائل، وأبو مروان عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحمن المديني، وعبد الله بن أحمد بن ابراهيم بن إسحاق المعروف بالإبياني، أخذ عنه أول الرحلة، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الفقيه الأبهري، وهو صاحبه في السماع الثاني.

وكانت للأصيلي حظوة عند أبِي زيد المروزي, وكان أَبُوزيد يدنيه، فكان الأصيلي يضبط النسخ عنه، ويقيد السماعات، فممن ضبط اسمه في مجلس السماع على أبِي زيد المروزي وشوهد سماعه بخط الأصيلي في كتابه من صحيح البخاري: أَبُوبكر الأبهري، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي المتكلم، والأبهري الصغير محمد بن عبد الله، وأحمد بن محمد بن زيد القزويني.

فضلا عن رفيقه في الرحلة أبِي الحسن القابسي الضرير، وسماع القابسي مع الأصيلي هو السماع الأول بمكة شرفها الله سنة 353.

ثم انصرف أَبُومحمد بعد طول رحلة إلى الأندلس وكان الحكم قد سمع به وهو بالمشرق مدة طويلة، فأقبل الأصيلي الى الأندلس، فلما وصل المرية مات الحكم، فانعكس أمل الأصيلي وبقي حائرًا هائمًا.

ثم نهض إلى قرطبة ونشر بها علمه، فسار ذكره، وشرق به فقهاء البلد، فبقي مدة مضاعًا، حتى همّ بالانصراف إلى المشرق، إلى أنْ عرفه ابن أبِي عامر فنوه به، وأمر بإجراء الرزق عليه، وكان انصرافه إلى الأندلس: سنة ست وستين (366هـ).

(1/20)

________________________________________

فأقام بقرطبة وابن أبِي عامر على غاية التعظيم له، فانتهت إليه الرئاسة بالأندلس في المالكية، وأقبل الناس على الأخذ منه.

وولي قضاء سرقسطة، وقام بالشورى بقرطبة، حتى كان نظير ابن أبِي زيد بالقيروان.

 

وروى عنه أمم لا يحصون، فممن روى عنه:

أحمد بن عبد الرحمن بن غالب بن حزم، وأحمد بن ثابت بن أبِي الجهم الواسطي، وكان يتولى القراءة على الأصيلي، وأحمد بن محمد بن ملاس الفزاري، وإسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن عباد اللخمي، قاضي إشبيلية، وأصبغ بن سعيد بن أصبغ، وكان صهرًا للأصيلي، وجهور بن محمد بن جهور رئيس قرطبة المشهور، والحسن بن بكر القيسي، وحيون بن خطاب بن محمد، وخلف بن عثمان الأندلسي بن اللجام، وسراج بن سراج بن محمد بن سراج، وابن عمه سراج بن عبد الله بن محمد بن سراجٍ، وسيد بن أحمد بن محمد الغافقي ثم الشاطبي، وداود بن خالد الخولاني، وعبد الله بن أحمد بن قند اللغوي، وعبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي، وعبد الله بن سعيد بن عبد الله الأموي، وعبد الله بن محمد بن سعيد الأموي، المعروف بالبشكلاري، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن قيد، المعروف بالطليطلي، وعبد الله بن غالب بن تمام بن محمد الهمداني, وعبيد الله بن أحمد بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي، وعبد الرحمن بن أحمد الكتامي المالكي، وعبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطين بن أصبغ، وعبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن محمد بن بشر بن غوية، وعبد الرحمن بن مسلمة بن عبد الملك بن الوليد القرشي المالقي، والحاكم أَبُوشاكر عبد الواحد بن محمد بن موهب القبري، وقد

(1/21)

________________________________________

روى ابن عبد البر الحافظ عنه عن الأصيلي، وعثمان بن خلف بن مفرج الأنصاري، وعمران بن عبد ربه بن غزلون المعافري، ومحمد بن عطاء الله النحوي، ومحمد بن أحمد بن يحيى المعروف بابن الفصال، ومحمد بن أصبغ البلوي، ومحمد بن يحيى التميمي، ومحمد بن عبد الله بن ربيع بن بنوش التميمي، ومحمد بن سعيد بن إسحاق بن يوسف الأموي, ومحمد بن جماهر بن محمد بن جماهر الحجري، ومحمد بن عبد الله بن أحمد البكري، ومحمد بن عبد الله بن سعيد بن عابد المعافري، وكان آخر من بقي بقرطبة ممن يحمل عن الشيخ أبِي محمد الأصيلي ويروي عنه، ومحمد بن موسى بن فتح الأنصاري، ومحمد بن أبِي صفرة أخو المهلب، وموسى بن عيسى بن أبِي حاج، ومحمد بن يحيى التميمي المالكي، ومروان بن علي الأسدي القطان، ومفرج بن محمد بن الليث، وسمع منه صحيح البخاري سنة ثمانٍ وثمانين وثلاث مائة، وهشام بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أكدر، والمهلب بن أبِي صفرة صاحب هذا الكتاب، وهشام بن محمد بن هشام، وهارون بن سعيد المرسي، ويحيى بن عبد الله بن محمد القرشي، ويحيى بن يحيى بن عبد السلام، ويوسف بن حمود بن خلف بن أبِي مسلم الصدفي، وآخرون.

قال الفرضي: وكانَ حرِج الصّدر، ضَيِّق الخُلْق، وكان عالِمًا بالكَلام والنّظر، مَنسُوبًا إلى مَعرِفة الحديث.

وقد كتب عنه الفقيه ابن أبِي زيد عن شيوخه الأندلسيين، ثم حصل ما أوجب القطيعة بينهما، بسبب حرج الصدر وضيق الخلق، فحُكيَ أنه ناظر ابن أبِي زيد يومًا في مسألة، فتغير مزاجه، وضاق صدره، فقال له ابن أبِي زيد: قال خلاف قولك فلان، فقال: لو قالها فلان ما صدقته، أو لكان خطأ، أو نحو هذا من

(1/22)

________________________________________

الكلام مما أسرف فيه، وغلا بفرط حرجه، فانتدب له البرادعي وتولاه ووجد للمقال سبيلًا، وأنكر عليه كل من حضر، ولكن تولى ذلك البرادعي، بفرط حرج منه هو أيضًا، فخرج الأصيلي، فكان ذلك سبب مقاطعته مجلس ابن أبِي زيد.

فيقال إن ابن أبِي زيد قال للبرادعي: لقد حرمتنا فوائد الشيخ بإسرافك في الرد عليه.

وكانت بين الأصيلي وبين ابن زرب القاضي وأصحابه مشاحنة، أثارتها النفاسة، وعلو كعب الأصيلي في العلم، وإزراؤه عليهم، فأراد ابن أبِي عامر صلاح حالهم بتفريقهم، فقلد الأصيلي قضاء سرقسطة، فدارت بين الأصيلي وواليها بين يدي ابن أبِي عامر منافسة، ومحارجة لأشياء أنكرها عليه الأصيلي، فاستعفى من القضاء فعوفي، وقيل بل حلف الوالي أن لا يلي معه.

فصرفه ابن أبِي عامر عن القضاء صرفًا جميلًا، فأقام رأسًا في أهل الشورى بقرطبة، ولاسيما بعد وفاة ابن زرب، فإنه استكملت رئاسته، حتى كان بالأندلس نظير ابن أبِي زيد بالقيروان وعلى هديه، إلا أنه كان فيه ضجر شديد، يخرجه أوقات القيظ إلى غير صفته، ذكر بعضهم أنه هنأه بالشورى حين تقلدها، فقال: لعن الله الشورى إنْ لم أرفعها، ولعنني إنْ رفعتني، ونحو هذا!

وكان مقبلًا على إفادة تلاميذه والاستفادة منهم.

جاء في الصلة لابن بشكوال في ترجمة أبِي عبد الله محمد بن أصبغ البلوي: أنه رحل إلى المشرق مع أبِي عبد الله بن عابد، وهما تلميذان للأصيلي، فسمعا هناك من أبِي بكر بن إسماعيل وغيره.

(1/23)

________________________________________

قال ابن عابد: ولما قدمنا معًا بمسند شعبة، تصنيف أبِي بشر الدولابي الذي سمعناه بمصر من أبِي بكر بن إسماعيل أخذه أَبُومحمد الأصيلي فاستغربه، وعظم قدر علو سنده، فقرأه عليه محمد بن أصبغ, وكان تلميذه، وسمعه منه الأصيلي رحمه الله.

 

ثناء العلماء عليه:

قال أَبُوإسحاق الشيرازي: وممن انتهى إليه هذا الأمر من المالكية بالأندلس أَبُومحمد الأصيلي، وانتهت إليه الرئاسة.

قال ابن عفيف: رحل وتفقه فاحتوى على علم عظيم، وقدم الأندلس ولا نظير له فيها في الفهم والنبل.

وقال غيره: كان من جلة العلماء نسيج وحده، رحل الى الأمصار ولقي الرجال وتفنن في الرأي ونقد الحديث وعلله وألف كتبًا نافعة.

قال فيه المهلب بعد أن ذكر مشيخته: فأجلّهم علمًا وفقهًا، وأثبتهم نقلًا، وأصحهم ضبطًا، وأرفعهم حالًا، وأعدلهم قولًا، أَبُومحمد الأصيلي.

وقال ابن حيان: كان أَبُومحمد في حفظ الحديث، ومعرفة الرجال، والإتقان للنقل، والبصر بالنقد، والحفظ للأصول، والحذق برأي أهل المدينة، والقيام بمذهب المالكية، والجدل فيه على أصول البغداديين، فردًا لا نظير له في زمانه.

قال الذهبي: الإمام شيخ المالكية عالم الأندلس.

ولما ورد أَبُويحيى ابن الأشج من أهل المشرق، وكان قد روى كتاب البخاري، سئل إسماعه، فقال: لا يراني الله أحدث به والأصيلي حي أبدًا.

(1/24)

________________________________________

قال أَبُوالوليد: لما دخلت القيروان أتيت أبا محمد ابن أبِي زيد فقال لي: ما حاجتك؟ قلت: الأخذ عنك، فقال لي: ألم يقدم عليك الأصيلي؟ قلت: بلى، قال لي: تركت والله العلم وراءك، فكيف حاله مع أهل بلده؟ فأخبرته بظلمهم له، قال: جهلوا ما أتى به، وأتيت القابسي فجرى لي معه مثل ذلك، وقال لي مثل قوله.

وأحضره ابن أبِي عامر في جملة الفقهاء، فاستشارهم في أرض موقوفة على بعض كنائس أهل الذمة، أراد شراءها، فمنعه جماعة الفقهاء منها، غير الأصيلي وحده فإنه أفتاه بجوازه، واحتج لذلك.

وكان يأخذ بالأثر ويترك المذهب المالكي في مسائله الضعيفة، وكان يخطئ القول بنبوة مريم أم عيسى عليهما السلام، ويقول: هي صدّيقة، ويرد القول بإتيان النساء في إعجازهن كراهة من غير تحريم، على أن الآثار في ذلك شديدة، وقد روي في بعضها التحريم ولعنة فاعله، وكان ينكر الغلو في كرامات الأولياء، ويثبت منها ما صح سنده أو كان بدعاء الصالحين.

قال المهلب: وكان يعمل بالمزارعة على الثلث والربع، ويرى ذلك ولا يقول بمنعها في المذهب، ويقول هي ألين مسائلنا وأضعفها، وحجته حديث معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم عاملهم في أن يزرعوها ويعملوها ولهم شطر ما يخرج منها، وما حكي عن عمر وجماعة أهل المدينة.

قلت: وبذا قال المهلب في هذا الكتاب في ذلك الباب.

وللأصيلي كتاب الدلائل في الاختلاف مشهور، ونوادر الحديث خمسة أجزاء، والانتصار، ورسالة المواعد المنتجزة، ورسالة الرد على من استحل عن

(1/25)

________________________________________

رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسالة الرد على ما شذ فيه الأندلسيون، وغير ذلك.

 

وفاته:

تُوفّي لَيْلَة الخَميس لإحدى عَشْرة ليلة بَقيت من ذي الحجّة سنة اثنتين وتِسْعِين وثلاثِ مائةٍ.

ودُفِنَ يوم الخَميس بعد صَلاة العصرِ بِمَقْبَرة الرّصافة، وصلّى عليه القاضي أحمد بن عبد الله وهوَ ابن ثمانٍ وستين سنة.

وكان جَمْعُهُ مشهودًا، وأوصى أن يكفن في خمسة أثواب، وكان آخر ما سمع منه حين احتضر: اللهم إنك قد وعدت الجزاء على المصيبة ولا مصيبة علي أعظم من نفسي فأحسن جزائي فيها يا أرحم الراحمين، ثم خفت.

وكان أراد ابنه أن يدفنه ليلًا ولا يعلم بجنازته، فرده عن ذلك صهره المهلب بن أبِي صفرة، وأوصى أن يدفن في خمسة أثواب.

وكان قد أعد قبره لنفسه، يقف عليه ويتعظ به، وكان كثيرًا ما يتخوف من سنة أربعمائة، وما يجري فيها من الفتن، فذكر يومًا شأنها في مجلسه، ودعا الله تعالى أن يتوفاه قبلها، وابنه محمدًا، وسأل من حضر التأمين.

وكره ابنه محمد ذلك, ففعل من حضر ذلك، وأجيب دعاؤه، فتوفي عما قريب, وتوفي ابنه بعده بأعوام، ثم كانت سنة أربعمائة، فكان فيها من الفتن، وخراب الأندلس ما كان.

(1/26)

________________________________________

2 - أَبُوالحسن القابسي (1):

هو أَبُوالحسن علي بن محمد بن خلف المعافري.

من أهل القيروان البلد المعروف في تونس، ولد فيها سنة أربع وعشرين وثلاثمائة (324هـ)، وكان ضريرًا.

قال الداني: مولده في رجب لست ليال مضين منه سنة أربع وعشرين وثلاثماية (6/ 7/324هـ).

يعرف بالقابسي، قيل إنها نسبة إلى مدينة اسمها قابس بإفريقية, بين الإسكندرية والقيروان، كَأنَّ أصلهم منها، وقيل: إنما قيل له القابسي لأنَّ عمه كان يشد عمامته شدة قابسية، فاشتهر لذلك بالقابسي، وهذا من غرائب النسب.

قال الداني: ولم يكن أَبُوالحسن قابسيًّا، وإنما كان له عَمٌّ يشد عمامته مثل القابسيين فسمي بذلك، وهو قيرواني الأصل أهـ، وهذا أصح في النسبة، فالداني من خاصته.

سمع أَبُوالحسن أول ما سمع من رجال إفريقية كأبي العباس الإبياني، وأبي الحسن علي بن محمد بن مسرور, ودراس بن إسماعيل الفاسي وغيرهم.

ثم ارتحل عام ثلاثمائة واثنين وخمسين (352هـ وله من العمر28 سنة) قاصدًا الحج, فسمع بمصر ومكة من جماعة من الكبار, كـ: حمزة بن محمد الكناني، وأبي الحسن التلباني، وابن أبِي الشريف، وأبي الحسن ابن حبونه النيسابوري، وأبي

_________

(1) مصادر ترجمته:

ترتيب المدارك 4/ 616، وفيات الأعيان 3/ 20، تذكرة الحفاظ 3/ 1079، السير 17/ 158، العبر 3/ 85، البداية والنهاية 11/ 51، الديباج 2/ 101، غاية النهاية 1/ 567، شذرات الذهب 3/ 168.

(1/27)

________________________________________

الحسن بن أبِي هلال، وأبي الحسن بن شعبان الطحان، وأبي الحسن بن هاشم، وأبي الطاهر محمد بن عبد الغني، وأبي الحسن الأسيوطي، وأبي بكر أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن، وأبي أحمد بن المفسر، وأبي الفتح بن يرمين، وأبي إسحاق عبد الحميد بن أحمد بن عيسى.

ولم يدخل العراق, فكتب إليه من بغداد أَبُوبكر ابن خلاد.

وبمكة سمع من أبِي زيد صحيح البخاري، ضبط له النسخة والسماع رفيقه أَبُومحمد الأصيلي بخط يده رحمهم الله تعالى، وذلك عام 353 كما ذكرت آنفا في ترجمة الأصيلي.

وبمصر عرض على أبِي الفتح بن بدهن المقرئ القرآن، فهو إسناده في القراءة.

قال الداني: وأقرأ القرآن بالقيروان دهرًا، ثم قطع القراءة لما بلغه أن بعض أصحابه استقرأه الوالي فقرأ عليه، ودرس الحديث والفقه إلى أن رأس فيهما، وبرع إلى أن صار إمام عصره وفاضل دهره أهـ.

وقد مكث أَبُوالحسن في الرحلة خمس سنين، ثم عاد إلى القيروان سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، (357 وله من العمر 33 سنة).

وكان أَبُوالحسن رحمه الله واسع الرواية عالمًا بالحديث وعلله ورجاله، فقيهًا أصوليًا متكلمًا مؤلفًا مجيدًا، وكان من الصالحين المتقين الزاهدين الخائفين.

وكان أهل العلم يعظمونه.

وذكر ابن سعدون: أن أبا الحسن لما جلس للناس وعزم عليه في الفتوى تأبّى وسدّ بابه دون الناس، فقال لهم أَبُوالقاسم ابن شبلون: اكسروا عليه بابه لأنه قد وجب عليه فرض الفتيا، هو أعلم من بقي بالقيروان، فلما رأى ذلك خرج إليهم ينشد:

(1/28)

________________________________________

لعمر أبيك ما نُسب المعلى ... الى كرم وفي الدنيا كريم

ولكن البلاد إذا اقشعرّت ... وصوّح نبتُها رُعِي الهشيم

 

قال حاتم الطرابلسي صاحبه: كان أَبُوالحسن فقيهًا عالمًا محدثًا ورعًا متقللًا من الدنيا، لم أرَ أحدًا ممن يشار إليه بالقيروان بعلم إلا وقد جاء اسمه عنده وأخذ عنه، يعترف الجميع بحقه ولا ينكر فضله.

وقال محمد بن عمار الهوزني: متأخر في زمانه متقدم في شأنه العلم والعمل والرواية والدراية، من ذوي الاجتهاد في العباد والزهاد مجاب الدعوة، له مناقب يضيق عنها الكتاب، عالمًا بالأصول والفروع والحديث وغير ذلك من الرقائق.

وذكره أَبُوعبد الله ابن أبِي صفرة فقال: كان فقيه الصدر.

قال أَبُوالحسن: لما رحلت الى الإبياني أنا وأبو محمد الأصيلي، وعيسى بن سعادة الفاسي كنا نسمع عليه، فإذا كان بعد العصر ذاكرنا في المشكل، فتذاكرنا يومًا وطال الذكر فخصني بأن قال لي: يا أبا الحسن، لتضربن إليك آباط الإبل من أقصى المغرب، فقلت له: ببركتك إن شاء الله، ولما نرجوه من النفع بك إن شاء الله.

ثم جرى لي منه ذلك يومًا آخر، ثم ذاكرني يومًا ثالثًا فهمني له، فقال مثل ذلك، فقلت له ببركتك إن شاء الله فقال: والله لتضربن إليك آباط الإبل من أقصى المغرب.

(1/29)

________________________________________

الرواة عنه:

روى عن أبِي الحسن جماعة من العلماء, منهم الحافظ الكبير أَبُوعمرو الداني شيخ الإسلام في علوم القراءات والحديث، وأبو عمران الفاسي، وأبو القاسم البيري، وأبو بكر عتيق السوسي، وأبو القاسم ابن الحساري، وابن سمحان، وابن أبِي طالب العابد، وأبو عمرو ابن العتاب، وابن محرز، وابن سفيان، وأبو محمد اللوبي، وأبو حفص العطار، وأبو عبد الله الخواص، وأبو عبد الله المالكي، ومكي القيسي، وابن الأجدابي.

ومن الأندلسيين سوى من ذكرنا المهلب ابن أبِي صفرة، وأخوه أَبُوعبد الله، وحاتم بن محمد الطرابلسي، وأبو عمرو الداني الحافظ المذكور آنفا أشهرهم.

 

مؤلفاته:

لأبي الحسن تواليف عديدة، أشهرها: ملخص الموطأ، وله من الكتب: المهذب في الفقه، وأحكام الديانة، وكتاب المنقذ من شبه التأويل، وكتابه المنبه للفطن من غوائل الفتن، والرسالة المعظمة لأحوال المتقين، وأحكام المتعلمين والمعلمين، وكتاب الاعتقادات، وكتاب مناسك الحج، وكتاب الذكر والدعاء، ورسالة كشف المقالة في التوبة، وغير ذلك.

ولأبي الحسن أحوال وكرامات مشهورة, ذكر له القاضي عياض بعضها, وكان مجاب الدعوة, يعرف بذلك.

قال أَبُوعمرو المقرئ: توفي أَبُوالحسن بالقيروان سنة ثلاث وأربعماية، ودفن بباب تونس، وقد بلغ الثمانين أو نحوها بيسير.

قال الذهبي: توفي في ربيع الآخر سنة 403.

(1/30)

________________________________________

أبو زيد المروزي راوي الصحيح عن الفربري (1):

هو الشيخ الامام المفتى القدوة الزاهد، شيخ الشافعية، أَبُوزيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد المروزي، راوي صحيح البخاري عن الفربري.

وسمع أيضا من أحمد بن محمد المنكدري، وأبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي، وعمر بن علك، ومحمد بن عبد الله السعدي، وطائفة.

وأكثر الترحال، وروى الصحيح في أماكن.

سُمِعَ أَبُوزيد يقول: ولدت سنة إحدى وثلاث مئة (301هـ)

وسئل أَبُوزيد: متى لقيتَ الفربري؟ فقال: سنة ثماني عشرة وثلاثمائة (318هـ وله من العمر 17 سنة).

حدث عنه بالصحيح وغيره أمم، منهم: الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الحسن الدارقطني وهو من طبقته، وعبد الوهاب الميداني، والهيثم بن أحمد الدمشقي الصباغ، وأبو الحسن بن السمسار، وأبو بكر البرقاني، ومحمد بن أحمد المحاملي، والاصيلي والقابسي, وغيرهم.

قال الحاكم: كان أحد أئمة المسلمين، ومن أحفظ الناس للمذهب، وأحسنهم نظرًا، وأزهدهم في الدنيا، سمعت أبا بكر البزاز يقول: عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة، فما أعلم أنَّ الملائكة كتبت عليه خطيئة.

_________

(1) مصادر ترجمته:

تاريخ بغداد 1/ 314، السير 16/ 313، العبر 2/ 360، طبقات السبكي 3/ 71، شذرات الذهب 3/ 76، والترجمة من السير بتصرف يسير.

(1/31)

________________________________________

وقال الخطيب: حدث أَبُوزيد ببغداد، ثم جاور بمكة، وحدث هناك بالصحيح, وهو أجل من رواه.

قلت: جاور بمكة سبعة أعوام.

 

وأبو زيد صاحب الرؤية المشهورة:

سُمع أَبُوزيد يقول: كنت نائما بين الركن والمقام، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله وما كتابك؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل، يعني البخاري.

وكان فقيرًا يقاسي البرد ويتكتم ويقنع باليسير.

أقبلت عليه الدنيا في آخر أيامه، فسقطت أسنانه، فكان لا يتمكن من المضغ، فقال: لا بارك الله في نعمة أقبلت حيث لا ناب ولا نصاب، وعمل في ذلك أبياتًا.

توفي بمرو في رجب سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة (371 وله من العمر سبعون سنة).

(1/32)

________________________________________

(رُواة صحيح البخاري)

قصد الناس الإمامَ البُخاريَ لسماع الصحيح منه من كل حدب وصوب، وكان البخاري يحدث به أينما حل، فروى الفقيه إبراهيم بن أحمد البلخي قال: سمعت أحمد بن عبد الله الصفار البلخي يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملى يروي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول: سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه عنه غيري (1).

ومع أن هذه الرواية حكاية حال من الفربري، وفيها ما فيها، إلا أن البخاري كان ولا شك وجهة الناس، وقصد الراحلين من أجل السماع, فقد كان صحيحه بلغت شهرته الأفاق، وتنافس العامة والخاصة في سماعه.

وفي رواة صحيح البخاري كتب وبحوث، وسأشير في هذا المبحث إلى أشهر الروايات عنه، التي لها ذكر وإسناد في كتب الروايات.

 

ويتعلق بالرواة عن البخاري مسألة مهمة:

ألا وهي: متى سُمِعَ الكتاب على البخاري، ومتى كان السماع الأخير عليه؟ وهل حدث بالكتاب بعد الفتنة التي تعرض لها، والتعصب الذي أوذي بسببه؟.

وسنبحث هذه المسألة عند ذكر رواية الفربري، لأن هذه المسألة أكثر مماسة لرواية الفربري من غيره، إذ أن على الفربري مدار الأسانيد، وعلى روايته اعتماد العلماء قديما وحديثًا.

_________

(1) القصة في تاريخ بغداد 2/ 12.

(1/33)

________________________________________

روايات صحيح البخاري

1 - رواية حماد بن شاكر أبِي محمد الوراق النسفي (ت 311هـ):

قال الحافظ أَبُوالعباس جعفر المستغفري في تاريخ نَسَف: روى عن محمد بن إسماعيل الجامع، ثقة مأمون، رحل إلى الشام وروى عن جماعة من الشاميين والغرباء، وروى عن أبِي عيسى الترمذي، وعيسى بن أحمد العسقلاني، مات سنة إحدى عشرة وثلاثمائة (1).

 

قلت: الرواة عن حماد أربعة:

* أحمد بن محمد بن رميح بن وكيع, أَبُوسعيد النسفي (ت 357هـ):

له ترجمة مطولة في تاريخ بغداد وتاريخ دمشق، وهو ثقة مشهور، وهو شيخ أبِي عبد الله الحاكم, روى الحاكم من طريق صحيح البخاري، وعن الحاكم رواه البيهقي.

قال الحاكم: قدم نيسابور في سنة خمسن وثلاثمائة، فعقدت له مجلس الإملاء، في مسجد يحيى بن صبيح، وقرأت عليه صحيح البخاري أهـ (2)، ثم أثنى عليه ثناء طيبًا.

_________

(1) التقييد 1/ 258، السير 15/ 5.

وانظر كلام المستغفري في مقدمة فضائل القرآن 1/ 65.

(2) الجزء المطبوع من تاريخ نيسابور للحاكم ص166.

(1/34)

________________________________________

وفي السنن الكبرى للبيهقي سبعة عشر حديثًا من رواية حماد بن شاكر, إلا انه لما كان كتابه كالمستخرج على الصحيحين؛ فإنه يخرج أحاديثه من طرق أخرى يلتقي بها مع الشيخين في شيوخ شيوخهما أو في شيوخهما (1).

وينقل الحافظ في الفتح هذه الرواية من مصنفات البيهقي، ومن كتب الأطراف التي اطلع عليها، فإنَّ خلف الواسطي قد اعتمد في أطرافه رواية حماد بن شاكر.

 

* أحمد بن مُحتاج بن روح بن صديق بن بشير النسفي الصيرفي (ت 375هـ):

وهو سبط حماد بن شاكر، ابن ابنته، روى عن جده صحيح البخاري وجامع الترمذي.

رواهما عنه الإدريسي، وقال: حدثنا بهما عن جده حماد من أصول جيدة، وسماعه عنهما صحيح أهـ (2).

 

* بَكر بن محمد بن جعفر بن راهب بن إسماعيل، أَبُوعمرو المؤذن (ت380):

سمع الحافظ المستغفري عليه الصحيح بروايته عن حماد سنة 370.

_________

(1) هذه مواضعها في السنن الكبرى: 1/ 30، 2/ 128، 208، 4/ 200، 5/ 78، 298، 6/ 79، 97، 112، 159، 349، 7/ 171، 187، 8/ 21، 9/ 119، 229، 230.

وقد تنبهت إليها في مجالس قراءة السنن الكبرى على شيخنا عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي وفقه الله تعالى.

(2) التقييد لابن نقطة 1/ 211.

(1/35)

________________________________________

* أَبُوأحمد قاضي بخارا:

لم أهتد لمعرفته، إلا أنه أحد رجلين روى عنهما المستغفري صحيح البخاري، فقال: حدثني عن حماد بكر بن محمد بن جعفر بالجامع من أوله إلى آخره، وأبو أحمد قاضي بخارى أهـ.

(1/36)

________________________________________

2 - رواية أبِي طلحة منصور بن محمد بن علي بن قرينة:

ويقال: مزينة، بن سوية البزدوي النسفي (ت 329هـ) , ويصححون قول من قال: مزينة، كالمستغفري وابن ماكولا وغيرهما.

وهو آخر من حدث بصحيح البخاري عن صاحبه (1)، وروايته فرع عن رواية حماد بن شاكر.

قال أَبُوالعباس المستغفري: يضعفون روايته من جهة صغره حين سمع، ويقولون: وجد سماعة بخط جعفر بن محمد مولى أمير المؤمنين دهقان توبن، فقرؤوا كل الكتاب من أصل حماد بن شاكر.

وسمع منه: أهل بلده، وصارت إليه الرحلة في أيامه.

ثم قال المستغفري: حدثنا عنه أحمد بن عبد العزيز المقرئ، ومحمد بن علي بن الحسين أهـ (2).

وقال المستغفري أيضا في ترجمة منصور بن عبد الله بن خالد الحافظ, المعروف بأبي علي الذهلي الخالدي: روى عن منصور بن محمد البزدوي, يعني صاحب البخاري، ثم قال: مات في المحرم سنة اثنتين وأربعمائة، وقيل توفي سنة إحدى وأربعمائة أهـ (3).

لعله أشار بذلك إلى روايته عنه الجامع الصحيح فالله أعلم.

_________

(1) انظر: السير، ومقدمة فتح الباري ص493.

(2) السير 15/ 279.

انظر كلام المستغفري في مقدمة فضائل القرآن، في ترجمة البزدوي، والتقييد 2/ 259.

(3) السير 17/ 115.

(1/37)

________________________________________

فالرواة إذًا عن البزدوي هم:

* أحمد بن عبد العزيز المقرئ.

* ومحمد بن علي بن الحسين، وهذان روى عنهما المستغفري.

* ومنصور بن محمد البزدوي، كما أشار المستغفري، والله أعلم.

فالبزدوي آخر من روى الجامع عن البخاري وفاة.

وقد بقي بعده ممن روى عن البخاري أشياء غير الجامع الصحيح القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي البغدادي المتوفي سنة 330هـ، وقد خرج من طريقه الخطيب في تاريخ بغداد حديثًا عن البخاري في ترجمة البخاري.

قال السيد صدق حسن خان: لم يكن عند المحاملي الجامع الصحيح وإنما سمع منه مجالس أملاها ببغداد في آخر قدمة قدمها البخاري، قد غلط من روى الصحيح من طريق المحاملي المذكور غلطًا فاحشًا أهـ (1).

_________

(1) الحطة في ذكر الصحاح الستة ص310، وهو منقول عن الحافظ وعن غيره.

(1/38)

________________________________________

3 - رواية إبراهيم بن معقل النسفي (ت 295هـ):

قال الحافظ: ومن رواة الجامع أيضا ممن اتصلت لنا روايته بالإجازة إبراهيم بن معقل النسفي، وفاته منه قطعة من آخره رواها بالإجازة أهـ.

وقد ذكر في الفتح ما يفيد أنه اطلع على هذه النسخة وذلك في شرح حديث جابر: إذا كان يوم عيد خالف الطريق، قال الحافظ: ثُمَّ رَاجَعْت رِوَايَة النَّسَفِيِّ فَلَمْ يَذْكُر قَوْله: وَحَدِيث جَابِر أَصَحّ ... أهـ.

ولم يتفق لابن معقل أن يسمع الجامع كله من البخاري، فسمع أكثره وبقي له في آخره ورقات أجازه البخاري بروايتها عنه، كما قال الحافظ.

لكن ما اشتهر عند بعض الناس من أن روايته أنقص الروايات, ومن أنها تنقص عن الفربري نحو ثلاثمائة حديث غير صحيح.

قال العلامة أَبُوعلي الغساني: روينا عن أبِي الفضل صالح بن محمد عن شاذان الأصبهاني عن إبراهيم بن معقل: أن البخاري أجاز له آخر الديوان, من أول كتاب الأحكام إلى آخر ما رواه النسفي من الجامع, لأن في رواية أبِي إبراهيم النسفي نقصان أوراق من آخر الديوان عن رواية الفربري، قد أعلمتُ على الموضع في كتابي، وذلك في باب قوله تعالى (يريدون أن يبدلوا كلام الله) روى النسفي من هذا الباب تسعة أحاديث آخرها بعض حديث عائشة في الإفك, ذكر منه البخاري كلمات استشهد بها، وهو التاسع من أحاديث الباب، وروى الفربري زائدا عليه من أول حديث قتيبة عن مغيرة .. إلى آخر ما رواة الفربري عن البخاري، وهو تسع أوراق من كتابي (1).

_________

(1) تقييد المهمل 1/ 63 - 64، وعنه إفادة النصيح ص19، والحطة 310.

(1/39)

________________________________________

وقال ابن خير: حدثني بها الشيخ أَبُوبكر محمد بن احمد بن طاهر القيسي، قال: نا أَبُوعلي حسين بن محمد بن احمد الغساني، قال: حدثني بها القاضي حكم بن محمد بن حكم الجذامي إجازة، قال: نا أَبُوالفضل احمد بن أبِي عمران الهروي بمكة سنة (382)، سمعت بعضه وأجاز لي سائره، قال: نا أَبُوصالح خلف بن محمد بن إسماعيل الخيام البخاري، نا إبراهيم بن معقل ابن الحجاج النسفي، قال: نا البخاري.

قال ابن خير: وروينا عن أبِي الفضل صالح بن محمد بن شاذان الأصبهاني، عن أبِي إسحاق إبراهيم بن معقل النسفي، أن البخاري أجاز له آخر الديوان، لأن في رواية محمد بن يوسف الفربري زيادة على الموضع من كتابي نحوًا من تسع أوراق من نسختي، وقد أعلمت على الموضع من كتابي.

قلت: فالأوراق التسعة أدرجها النسفي في روايته إجازة، وعلى فرض أنه لم يروها فلا يمكن أن تحتوي الأوراق التسعة على ثلاثمائة حديث!

 

وقد اتصلت رواية النسفي من طريق واحد، وهو:

* أَبُوالفضل خلف بن محمد بن إسماعيل الخيام البخاري:

ومن طريق الخيام روى العلامة الخطابي صحيح البخاري، وقال: وقد سمعنا معظم هذا الكتاب من رواية إبراهيم بن معقل النسفي, حدثناه خَلفُ بن محمد الخيام, قال: حدثنا إبراهيم بن معقل, عنه. وقال: سمعنا سائر الكتاب إلا احاديث من آخره من طريق: محمد بن يوسف الفربري, حدثنيه محمد بن خالد بن

(1/40)

________________________________________

الحسن, قال: حدثنا الفربري، عنه، قال: ونحن نبين مواضع اختلاف الرواية في تلك الأحاديث إذا انتهينا إليها أهـ (1).

_________

(1) أعلام الحديث 1/ 105. وكذلك رواه من طريقه الغساني في التقييد ص63.

(1/41)

________________________________________

4 - رواية حاشد:

ذكره الحافظ في الفتح في كتاب الطب، في باب هل يستخرج السحر، قال: ثُمَّ وَقَفْت عَلَى صِفَة النُّشْرَة فِي (كِتَاب الطِّبّ النَّبَوِيّ) لِجَعْفَرٍ الْمُسْتَغْفِرِيّ قَالَ: وَجَدْت فِي خَطّ نَصُوح بْن وَاصِل عَلَى ظَهْر جُزْء مِنْ (تَفْسِير قُتَيْبَة بْن أَحْمَد الْبُخَارِيّ) قَالَ: قَالَ قَتَادَة لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيِّب: رَجُل بِهِ طِبّ أُخِذَ عَنْ اِمْرَأَته أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُنَشَّر؟ قَالَ لَا بَأْس, وَإِنَّمَا يُرِيد بِهِ الْإِصْلَاح, فَأَمَّا مَا يَنْفَع فَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ.

قَالَ نَصُوح: فَسَأَلَنِي حَمَّاد بْن شَاكِر: مَا الْحَلّ وَمَا النُّشْرَة؟ فَلَمْ أَعْرِفهُمَا, فَقَالَ: هُوَ الرَّجُل إِذَا لَمْ يَقْدِر عَلَى مُجَامَعَة أَهْله وَأَطَاقَ مَا سِوَاهَا فَإِنَّ الْمُبْتَلَى بِذَلِكَ يَأْخُذ حُزْمَة قُضْبَان وَفَأْسًا ذَا قِطَارَيْنِ وَيَضَعهُ فِي وَسَط تِلْكَ الْحُزْمَة ثُمَّ يُؤَجِّج نَارًا فِي تِلْكَ الْحُزْمَة حَتَّى إِذَا مَا حَمِيَ الْفَأْس اِسْتَخْرَجَهُ مِنْ النَّار وَبَالَ عَلَى حَرّه فَإِنَّهُ يَبْرَأ بِإِذْنِ الله تَعَالَى, وَأَمَّا النُّشْرَة فَإِنَّهُ يَجْمَع أَيَّام الرَّبِيع مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ وَرْد الْمُفَارَة وَوَرْد الْبَسَاتِين ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي إِنَاء نَظِيف وَيَجْعَل فِيهِمَا مَاء عَذْبًا ثُمَّ يَغْلِي ذَلِكَ الْوَرْد فِي الْمَاء غَلْيًا يَسِيرًا ثُمَّ يُمْهِل حَتَّى إِذَا فَتَرَ الْمَاء أَفَاضَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأ بِإِذْنِ الله تَعَالَى: قَالَ حَاشِد: تَعَلَّمْت هَاتَيْنِ الْفَائِدَتَيْنِ بِالشَّامِ.

قُلْت -أي ابن حجر-: وَحَاشِد هَذَا مِنْ رُوَاة الصَّحِيح عَنْ الْبُخَارِيّ أهـ.

قلت: هو حاشد بن إسماعيل بن عيسى، وهو من أقران البخاري وزملائه في الرحلة، ويقال له: الغزال، وكان يسكن الشاش.

روى عنه الفربري وابو جعفر الوراق وغيرهما.

قال أَبُوجعفر المسندي: حفاظ بخارى ثلاثة محمد بن إسماعيل، وحاشد بن إسماعيل، ويحيى بن سهيل.

(1/42)

________________________________________

روى حاشد أخبارًا وقصصًا عن البخاري كثيرة، رواها الوراق في سيرة البخاري.

مات حاشد في سنة إحدى أو اثنتين وستين ومائتين.

وفي الطبقة نفسها حاشد بن عبد الله البخاري، من أصحاب الحديث ببخارى، قال الذهبي: معدود في طبقة صاحب الصحيح.

قال أَبُوأحمد الحاكم: فيه نظر أهـ، ولم يعرفه صاحب اللسان، وقد نقل عنه أَبُوجعفر الوراق شيئا يسيرًا في ترجمة البخاري أيضًا.

ولم أر أحدا من المتقدمين نص على أنَّ حاشد بن إسماعيل روى الصحيح عن البخاري إلا الحافظ، ولأجل ذلك ذكرته.

ولم أذكر أبا جعفر وراق البخاري مع أن له زيادات سيأتي ذكرها، لأنه لم ينص أحد على أنه روى الصحيح، بل كان يورق للبخاري فحسب، وقصدنا برواة الصحيح: الذين سمعوه ورووه، وليس كل من سمعه ولم يروه، فهؤلاء لا يحصيهم إلا الله، والله أعلم.

ولسبب آخر: أني اطلعت على نص في هامش القطعة الموجودة من رواية أبِي زيد المروزي يفيد أن هذه الزيادات ربما كانت في أصل الفربري مقيدة في الهامش، أي أنها ليست سوى فوائد نقلها الفربري عند مواضعها وليست من أصل الرواية، وأدخلها المتأخرون في صلب الكتاب، فقد كان رواق البخاري يخرج الكتاب لمن أراده ثم يقرؤونه على البخاري, فربما وجد الفربري بعض الفوائد فينقلها ولا يقرؤها على البخاري لأنها ليست من الكتاب.

(1/43)

________________________________________

ونص العبارة كما جاءت في هامش النسخة المخطوطة مايلي:

قت: قال محمد بن يوسف الفربري: وجدت في كتاب أبِي جعفر: قال أَبُوعبد الله: الزبير بن عدي كوفي، والزبير بن عربي بصري أهـ.

فقول الفربري: أنه وجده في كتاب أبِي جعفر يدل على أن هذه الزيادات إنما هي فوائد نقلها الفربري من كتاب أبِي جعفر أو سمعها منه عن البخاري أو غيره، ولم تكن أصلا في الرواية، والله أعلم.

(1/44)

________________________________________

5 - رواية طاهر بن محمد بن مخلد النسفي.

6 - رواية أبِي الحسن علي بن أحمد بن عبد العزيز الجرجاني.

وهذان ذكرهما الحافظ محمد بن طاهر في جملة رواة الصحيح عن البخاري, قال: روى الصحيح عن البخاري جماعة غير الفربري، منهم: ... طاهر بن محمد بن مخلد النسفي (1).

وأَبُوالحسن علي بن أحمد بن عبد العزيز الجرجاني (2).

_________

(1) انظر التقييد 1/ 9.

(2) التقييد 1/ 111.

(1/45)

________________________________________

7 - رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح الفربري (ت 320هـ):

سمع الصحيح مرتين، مرة بِفَِرَبْر - ولك أن تفتح الفاء أو تكسرها (1) - في دخلات البخاري إليها سنة 248، وأخرى في بخارا سنة 252 أي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.

هكذا قال أَبُونصر الكلاباذي الحافظ، واشتهر هذا القول عند كثيرين.

ورواه ابن حمويه عن الفربري، وهو مذكور في إسناد أبِي الوقت السجزي بروايته عن الداودي عن الحمويي عن الفربري - اعتمادًا -.

فقد رواه ابن حمويه: بحق سماعه من أبِي عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري سنة ست عشرة وثلثمائة (316)، بحق سماعه من مؤلفه الحافظ أبِي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري مرتين، إحداهما سنة ثمان وأربعين ومائتين (248) , والثانية سنة اثنتين وخمسين ومائتين (252) أهـ.

لكن غنجارًا الحافظ روى عن الكشاني عن الفربري قال: سُمع الجامع من البخاري بفربر في ثلاث سنين, في سنة 253, وسنة 254، وسنة 255.

ذكره ابن نقطة (2)، وهذا إسناد صحيحٌ عالٍ، ولا يعارض الذي قبله، وقد يكون الفربري اكتفى بذكر التاريخين في رواية ابن حمويه، ولا يعني هذا أنه لم يسمع بعد ذلك، أو أن البخاري لم يحدث به بعد ذلك.

وفي رواية أبِي زيد عن الفربري اعتمد تاريخ سنة 253 للسماع، هكذا رواه المتقنون من الحفاظ كالغساني وابن خير وغيرهم.

_________

(1) وقد أطال ابن رشيد في ضبط هذه الفاء، انظر: إفادة النصيح: 11.

(2) التقييد ج1 ص132.

(1/46)

________________________________________

وفي هامش إفادة النصيح طرة عن التُجيبي, صورتها ما يلي:

قرأت بخط شيخنا عبد المؤمن الدمياطي: قال الفربري: أنا البخاري بالجامع الصحيح في سنة ثلاث وخمسين ومائتين أهـ فعلى هذا يكون سماعه للكتاب ثلاث مرات والله أعلم.

اخبرنا ابن الفراء بقراءتي عليه بالجامع المظفري في الصالحية, عن ابن نقطة الحافظ: أنه ذكر عن الفربري أنه سمع الصحيح من البخاري بفربر في ثلاث سنين، في سنة 53، و54، و55، وذكر القول الأول أيضا، فتأمل ذلك.

ثم وقفت على ذلك في المجلس الخامس من أمالي أبِي بكر محمد بن منصور السمعاني, في نسختي التي بخط عيسى الرعيني الضابط, ونص ما ذكر: قال الفربري: سمعت الجامع الصحيح من أبِي عبد الله بفربر، وكان يقرأ عليه في ثلاث سنين، في سنة 35، و54، و55 أهـ (1).

ويستفاد من هذه النصوص أنَّ البخاري كان مقبلًا على رواية كتابه إلى قبيل وفاته سنة 256, أي أنه كان يحدث بعد الفتنة التي حصلت له مع محمد بن يحيى الذهلي والشغب الذي صار عليه منه ومن حزبه، لما قدم عليهم بخارا سنة 252 قبل وفاته بأربع سنين.

وهذا النص العزيز من رواية الكشاني عن الفربري يصحح ما وقع في فهرست ابن خير في سوق إسناد رواية أبِي علي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ قال: نا محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر بفربر, من ناحية بخارى, قال:

_________

(1) إفادة النصيح ص17.

(1/47)

________________________________________

نا أَبُوعبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري سنة 253 أهـ فهذا صحيح لا غبار عليه, وكذلك وقع مثله للغساني.

فليصحح هذا الخطأ الذي نفق على كثير من مشايخنا في تاريخ سماع الفربري صحيح البخاري.

ورواية الفربري أشهر الروايات، وأحسنها سوقا، وأكملها عدة، ولها طرق كثيرة عن الفربري، من أشهرها:

(1/48)

________________________________________

* رواية أبِي زيد المروزي المترجم آنفًا:

سمع الصحيح سنة 318 رحل إليه لأجل ذلك، فبين سماعه والسماع الأخير لشيخه 66 سنة، وعن أبِي زيد رواه جماعة:

** منهم: الأصيلي والقابسي وسماعهم جميعًا عليه بمكة سنة 353.

وللأصيلي سماع آخر في بغداد في سنة 359, والله أعلم.

وتوجد من نسخة أبِي زيد قطعة تزيد على الخمسين بورقتين، ضمن مجموعة منجانا، وهي من أحسن قطع الصحيح وأقدمها، وقد قابلتها على أصلنا هذا, في كتاب الزكاة والحج، وسيأتي الحديث عليها عند ذكر النسخ والفروع.

** ورواه عن أبِي زيد الرحلة عبدوس بن محمد الثغري، أَبُوالفرج الحافظ صاحب الرحلتين إلى المشرق، الأولى سنة 56، والثانية 71 بعد الثلاثمائة، وتوفي سنة 390، وقد ذكره تلميذه ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس: أنه سمع من أبِي زيد بعض الكتاب، وأجاز له بعضه أهـ.

قلت: واحتفل القاضي عياض برواية عبدوس فذكرها مقارنةً في مشارقه.

** ورواه عن أبِي زيد أيضا الحافظ أَبُونعيم الأصفهاني، واتصلت الرواية من طريقه لأهل دمشق، فقد رواه المقدسي عن أبِي موسى المديني عن الحداد عن أبِي نعيم بإسناده.

** ورواه أَبُوالحسين عبد الوهاب بن جعفر الميداني، وأبو محمد عبد الواحد بن أحمد بن مشماش الهمداني، وأبو الحسن علي بن موسى بن السمسار.

(1/49)

________________________________________

وقعت روايتهم لابن عساكر فخرج من طرقهم شيئًا في التاريخ.

(1/50)

________________________________________

* رواية محمد بن أحمد بن مُت الإشتيخي، أَبُوبكر السغدي (ت 388):

وهو من فقهاء الشافعية الكبار، جاء عنه أنه قال: سمعت من الفربري كتاب الجامع بفربر، وأنا ابن ثلاث وعشرين سنة، وذلك في سنة 317 (1) أهـ

قلت: روى عنه الجامع الصحيح الحافظ الإدريسي, وأبو كامل البصري - وسيأتي خبره عند ذكر الحاجبي - وغيرهم، والله أعلم.

_________

(1) التقييد 1/ 32.

(1/51)

________________________________________

* رواية أبِي إسحاق إبراهيم بن احمد بن إبراهيم بن احمد بن داود البلخي المستمليّ (ت376هـ) (1).

رحل إلى الفربري في سنة 314هـ.

** وروى عنه الصحيح الحافظ أَبُوذر، وهو أحد شيوخه الثلاثة في الصحيح, وسماعه منه سنة 374 ببلخ.

وعن أبِي ذر رواه أمم لا يحصون، منهم الباجي, وقال: وقد أخبرنا أَبُوذر عبد بن أحمد الهروي الحافظ رحمه الله، حدثنا أَبُوإسحاق المستملي إبراهيم بن أحمد، فذكر كلامًا (2).

** وكذلك حدث عنه بالصحيح: عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن مسافر أَبُوالقاسم الهمداني الوهراني البجاني، يعرف بابن الخراز، رواه عنه الأئمة كابن عبد البر وغيره.

** ورواه عنه أَبُوالمحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الطبري.

ذكرهما ابن رشيد وغيره (3).

_________

(1) قيل له المستملي: لأنه كان يستملي على ابن طرخان (انظر: إفادة النصيح ص25).

(2) التعديل والتجريح (1/ 287).

(3) إفادة النصيح 28

(1/52)

________________________________________

* رواية أبِي محمد عبد الله بن احمد بن حمُّويه بن يوسف بن أعين الحمُّويي (1) السرخسي (ت381هـ):

سمع الصحيح من الفربري سنة 315، على شك في التاريخ (2).

** وهو أحد شيوخ أبِي ذر الثلاثة، وأول من سُمِع منه الصحيح، وذلك سنة 373 بهراة.

** وهو شيخ أبِي الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم بن شيرزاد الداودي, سمع منه الصحيح في صفر سنة 381, وتوفي الداودي في بوشنج سنة 467.

وعن الداودي رواه:

علي بن شافع بن علي الصابوني, سمعه ببوشنج, ذكر سماعه الفارسي (3).

والمختار بن عبد الحميد بن المنتصر, أَبُوالفتح بن أبِي المعالي الخطيب البوشنجي, ورواه عن المختار:

**** أَبُوروح عبد المعز بن محمد بن أبِي الفضل الهروي، وأبو النضر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي, بقراءة الفامي على المختار سنة 530 بهراة (4).

_________

(1) انظر في ضبطه: إفادة النصيح 29 - 31

(2) إفادة النصيح ص33.

(3) انظر المنتخب ص397.

(4) كما في التقييد ج 2ص274.

(1/53)

________________________________________

وأشهر من رواه عن الداودي قاطبة الراوية الكبير أَبُوالوقت عبد الأول بن عيسى بن إبراهيم بن إسحق بن شعيب السجزي الهروي الصيرفي, ولد سنة 458، وسمع الصحيح سنة 465 وله سبع سنين، وتوفي سنة 553.

قال عنه الفارسي: هو آخر من روى الصحيح عن الداودي أهـ (1)، مع أن الفارسي مات قبله.

وعن أبِي الوقت رواه أمم لا يحصون كثرة، فبحق لم يروِ البخاريَّ أحد كما رواه أَبُوالوقت، ولئن كان الفربري راويته الأول، فابو الوقت راويته الثاني.

****فممن رواه عنه: محمد بن أحمد بن عمر القطيعي، ومحمد بن محمد بن البلدي (سمع منه ابن نقطة, وتوفي سنة 611) (2) , ومحمد بن النفيس بن محمد بن عطاء أَبُوالفتح، ومحمد بن هبة الله بن المكرم أَبُوجعفر البغدادي (وهو شيخ ابن خلكان, ساق إسناد البخاري من طريقه في ترجمة أبِي الوقت من وفيات الأعيان.

قال الشيخ ابن خلكان: سمعت صحيح البخاري بمدينة إربل في بعض شهور سنة إحدى وعشرين وستمائة (621) على الشيخ الصالح أبِي جعفر محمد بن هبة الله بن المكرم بن عبد الله الصوفي البغدادي، بحق سماعه في المدرسة النظامية ببغداد من الشيخ أبِي الوقت المذكور، في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة (553) ثم ساق الإسناد، وتوفي أَبُوجعفر في سنة 621 في آخرها).

_________

(1) المنتخب ص313.

(2) التقييد 1/ 18.

(1/54)

________________________________________

**** وأحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن هبة الله النرسي، وأحمد بن شيرويه الهمذاني، واحمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن عبد الرزاق أَبُوالقاسم السلمي (ت 615) , وأحمد بن يحيى أَبُوالمعالي الخازن (ت 603).

**** وإبراهيم بن عبد الرحمن بن أبِي عبد الله القطيعي (ت 622)، وأسعد بن هبة الله بن وهبان أَبُومحمد الحديثي، وأخوه النفيس, ذكرهما ابن نقطة (1).

**** وثابت بن مشرف أَبُوسعد الأزجي (ت 619)، والأخوان المباركان الحسن والحسين ابنا مبارك بن محمد الزَّبيدي, سمعاه في تاريخين مختلفين (2)، والحسن بن إسحق بن موهوب الجواليقي (ت 625) وأظنه آخر الرواة عن أبِي الوقت وفاة، والله أعلم.

**** وداود بن معمر بن عبد الواحد الأصبهاني, وداود بن أحمد بن محمد الوكيل البغدادي (ت617)، وزيد بن يحيى بن أحمد الأزجي أَبُوبكر (ت 621)، وسعيد بن محمد بن سعيد بن محمد الرزاز أَبُومنصور (ت616)، وعبد الله بن نصرالله بن الحسن أَبُوجعفر الهاشمي سمعه بقراءة ابن شافع, وتوفي سنة 622، وعبد الرحمن بن أبِي البركات المبارك بن محمد المعروف بابن المشتري (ت619) , وعبد الرحمن بن عبد الله أَبُومحمد البغدادي وقد حدث بالصحيح في مصر، وتوفي 608، وعبد الرحمن بن عمر بن أبِي نصر الواعظ المعروف بابن الغزال, وعبد الرحمن بن أبِي العز بن أبِي البركات البزار المعروف بابن الخبازة (ت623)

_________

(1) 1/ 259.

(2) التقييد 1/ 294.

(1/55)

________________________________________

وعبد السلام بن عبد الله بن احمد أَبُوالفضل الخراز، وعبد العزيز بن محمود بن المبارك أَبُومحمد الحافظ شيخ ابن نقطة (ت 611) , وعبد العزيز ين أحمد بن مسعود الناقد أَبُومحمد (ت616)، وعبد الجليل بن أبِي غالب بن أبِي المعالي بن مندويه الاصبهاني (ت 610)، وعبد البر ابن الحافظ أبِي العلاء الهمذاني العطار، وعمر بن كرم بن أبِي الحسن بن عمر أَبُوحفص الحمامي, وعلي بن طبيب بن سلمة أَبُوالحسن الكرخي, وعلي بن أبِي الكرم بن علي أَبُوالسعادات الضرير (ت 609)، وعلي بن أبِي بكر بن روزبة الصوفي, والمهذب بن أبِي الحسن علي بن قنيدة أَبُونصر، ومشرف بن علي بن أبِي جعفر أَبُوالعز الخالصي (ت 618)، ومسمار بن عمر بن محمد أَبُوبكر المقري (ت619)، ويحي بن المظفر بن علي بن نعيم أَبُوزكريا البدري (ت607)، ويونس بن يحي الشريف أَبُومحمد البغدادي وحدث بالصحيح في مكة (ت608)

ولاشتهار رواية أبِي الوقت صارت روايته نسخة مشهورة، يرمز لها من قابل عليها غالبا بـ: قت.

(1/56)

________________________________________

* رواية أبِي الهيثم محمد بن مكي بن محمد بن مكي بن زُرَاع بن هارون بن زُراع الكُشْمِيهَنِي (1) (ت389هـ):

وقد نقل ناقلٌ لابن طاهر المقدسي أن وفاته كانت سنة 395هـ قال: فإنْ صح فهو آخر الرواة عن الفربري وفاة، ولكنه لم يصح، فقد توفي سنة 389, لكنه آخر من حدث عن الفربري بالصحيح بمرو.

وقد سمع الصحيح من الفربري سنة 320 في ربيع الأول منها، أي قبل وفاة الفربري بستة أشهر وعشرين يوما.

قال أَبُوذر: وأرجو أن يكون ثقة أهـ.

قلت: وفي روايته أشياء يوهمونه فيها ولأجل ذلك لم يجزم أبو ذر بتوثيقه، فقد كان له راي فيه بآخرة.

قال الحافظ في الفتح في شرح حديث (الأعمال بالنيات1/ 17): لفظة دنيا مقصور غير منون، وحكي تنوينها، وعزاه ابن دحية إلى رواية أبي الهيثم الكشميهني، وضعفها، وحكى عن ابن منور أنا ابا ذر الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرا من رواية أبي الهيثم، حيث ينفرد لأنه لم يكن من أهل العلم.

قال الحافظ: وهذا ليس على إطلاقه، فإن في رواية أبي الهيثم مواضع كثيرة أصوب من رواية غيره، كما سيأتي مبينا في موضعه أهـ.

_________

(1) انظر في ضبط نسبته هذه إفادة النصيح ص36.

(1/57)

________________________________________

ورواه عنه أمم، منهم:

** الحافظ أَبُوالعباس جعفر المستغفري، روى من طريقه أحاديث في كتاب فضائل القرآن، وهو كتاب قيم في بابه (1).

** والحافظ أَبُوذر الهروي, وهو أحد شيوخه الثلاثة في الصحيح، سمعه منه سنة 387 بكشميهن.

** وإبراهيم بن حمير بن الحسن بن حمير أَبُوإسحاق العجلي الخيارجي.

** وأبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد البحيري النيسابوري, سمعه بمرو (ت: 451).

** ومحمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الحاكم العدل المزكي أَبُوعبد الرحمن الفامي الشاذياخي (ت: 440) ذكره الفارسي فيمن روى الصحيح عن الكشميهني (2).

** ومحمد بن أبِي سعيد بن سختويه الاسفرايني أَبُوبكر العدل المجاور, وابنه الحجاج بن محمد أسمعه أبوه من الكشميهني في مكة.

** ومحمد بن عبد الرحيم بن الحسن بن سليمان أَبُوالحارث الخبوشاني, توفي سنة نيف وثلاثين واربعمائة.

** ومحمد بن أحمد بن علي بن حمدان بن حمويه العثماني أَبُوطاهر الرازي.

** وأحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان أَبُومسعود الرازي الحافظ (ت 499).

_________

(1) انظر فضائل القرآن للمستغفري ح426، 434، 653، 819، 903، 1042، 1122،

(2) المنتخب ص39.

(1/58)

________________________________________

** وإسماعيل بن أحمد بن عبد الله الاستاذ، أَبُوعبد الرحمن الضرير الحيري توفي بعد 430.

**وعلاء بن محمد بن محمد بن يعقوب أَبُوالحسن الناطفي، والحسين بن علي بن الحسن بن سلمة أَبُوطاهر الهمذاني الشريف (1).

** وكريمة المروزية صاحبة النسخة المشهورة، روى عنها إجازة أَبُوبكر الأنصاري محمد بن عبد الباقي بن محمد (ت535)، والحسين بن علي بن الحسين أَبُوعبد الله الطبري (ت498)، وأبو طالب الزينبي, وسيأتي ذكرها في النسخ.

** وأبو طاهر محمد بن أحمد بن علي بن حمدان.

** وأبو الخير محمد بن أبِي عمران موسى بن عبد الله الصفار المروزي:

وهو آخر أصحاب الكشميهني وفاة, قاله ابن طاهر (2).

وقال أيضا: واشتهر من روايته بآخرة - يعني من رواية الكشميهني - رواه عنه جماعة، آخرهم وفاة أَبُوالخير محمد بن أبِي عمران الصفار بمرو، فظهر سماعه على الأصل فقرئ عليه مرة تمامه، ومرة استحضره الصاحب الأجل نظام الملك فسقط عن دابته وحمل إلى بيته, ومات في ذلك الشهر في رمضان سنة 471, وكنت إذ ذاك في بغداد في رحلتي الثانية أهـ (3).

_________

(1) المنتخب ص200.

(2) انظر التقييد: 1/ 109.

(3) التقيد 1/ 109.

(1/59)

________________________________________

روى عنه:

محمد بن إسماعيل بن أبِي بكر أَبُوعبد الله الخراجي المروزي، وعنه روى أَبُوسعد السمعاني والحافظ ابن عساكر.

ومحمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن القاسم أَبُوجعفر الهمذاني الحافظ، سمعه بمرو (ت 531).

****رواه عنه: أَبُوالفضل عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن المعزم الهمذاني, وهو شيخ ابن نقطة سمع منه ثلاثيات البخاري (1).

**** ورواه عنه أيضا عبد الباقي بن عثمان بن محمد بن جعفر أَبُوالعز الهمذاني (ت 602).

وأبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن أبِي توبة الخطيب أَبُوالفتح الكشميهني (ت 548)، سمعه بقراءة أبِي جعفر الحافظ، وهو آخر من روى عن أبِي الخير بن أبِي عمران.

رواه عنه:

**** ابنه محمد بن محمد، وأبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني، وشريفة بنت أحمد المروزية.

**** وعبد الملك بن فضل الله بن محمد الأنصاري الذي روى البخاري سنة 602 فسمعه منه أَبُوالعباس أحمد بن علي النفزي.

_________

(1) التقييد 2/ 98.

(1/60)

________________________________________

**** ومسعود بن محمود بن مسعود بن حسان أَبُوسعد المنبعي (ت 606).

** ومحمد بن علي بن محمد بن الحسن الخبازي أَبُوعبد الله النيسابوري (ت 449).

روى عنه: أَبُوعبد الله محمد بن الفضل الفراوي, وشيخ الإسلام الصابوني (وهما ممن حصل الصحيح بروايات مختلفة)، قال ابن طاهر: كان الاعتماد في وقته على سماعه على الكشميهني وعلى نسخته أهـ.

** وإسماعيل بن أحمد بن عبد الله أَبُوعبد الرحمن الضرير الحيري النيسابوري (ت بعد 531) سمعه في ثلاث مجالس, رواه عنه الخطيب البغدادي.

** وأَبُوسهل محمد بن أحمد بن عبيد الله الحفصي (ت466) قال عبد الغافر: هو آخر من رواه عن الكشميهني فيما أظن أهـ (1).

أشخص الحفصي إلى المدرسة النظامية ليقرأ عليه صحيح البخاري قبل سنة من وفاته، أي سنة 465، فسمع عليه الصحيح في محفل عظيم, وجمع كبير، سمي ذلك المجلس: (الجمع العظيم).

وقد حضر هذا الجمع أئمة وأعلام منهم:

عبد الغافر الفارسي (ت530)، وعلي بن أحمد بن محمد الغزال أَبُوالحسن (ت516)، وأبو الحسن الفقيه (ت513) , وغيرهم كثير سمعوه بقراءة العالمين أبِي سعيد الحيري وأبِي الحسن علي بن سهل بن العباس المفسر (ت491).

_________

(1) منتخب السياق ص60.

(1/61)

________________________________________

قال عبد الغافر: كان صحيح اللفظ يريد أبا الحسن المفسر, سمعنا بقراءته بعض صحيح البخاري عن الحفصي مناوبة بينه وبين أبِي سعيد الحيري، في الجمع العظيم، في المدرسة النظامية سنة 465 هـ اهـ (1).

وممن رواه عن الحفصي أَبُوعبد الله محمد بن الفضل الفراوي النيسابوري (ت530)، وقد أجاز به حفيده منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد الفراوي, وحدث به هذا.

وعبد الوهاب بن شاه بن أحمد أَبُوالفتوح الشاذياخي (ت 535) وعنه: منصور الفراوي والمؤيد الطوسي واسماعيل المغيثي وزينب بنت عبد الرحمن الشعري، وأبو سعد السمعاني.

ووجيه بن طاهر الشحامي المسند المشهور أخو زاهر بن طاهر, (ت 541) , روى عنه أَبُوسعد السمعاني وفضل الله بن عثمان الجوزداني الأصبهاني، ومنصور بن عبد المنعم الفراوي أَبُوالفتح النيسابوري, رواه عن الفراوي ابن نقطة وغيره، فهؤلاء الرواة الثلاثة عن الحفصي أخذ عنهم كلهم عبد المنعم الفراوي فقد تقعد في رواية الحفصي.

هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري, وربما كتب اسمه في الطباق: أسعد, توفي سنة 546, وهو من شيوخ أبِي سعد السمعاني.

_________

(1) المنتخب ص394.

(1/62)

________________________________________

محمد بن أحمد بن محمد أَبُوبكر الطوسي توفي بعد 500، والمظفر بن عبد الملك الجويني ابن إمام الحرمين، سمع الصحيح من الحفصي في صباه, (ت 493)، والموفق بن محمد بن هبة الله البسطامي (ت479)، وطاهر بن عبد الله بن علي بن اسحق أَبُوالحسن الرئيس، وعبد الرزاق بن عبد الله بن علي بن اسحق أَبُوالمحاسن (ت515).

(1/63)

________________________________________

* رواية أبِي علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السّكن الحافظ (ت353هـ):

من أهل مصر، أقرأ بها صحيح البخاري دهرا، وينقل الحافظ فوائد من نسخته (1).

وتمتاز نسخته بأنه قيد فيها المهمل، وضبط فيها المتشابه، فهي من أنفس النسخ وأحسنها، وإنما معتمد أبِي علي الجياني في ضبطه عليها، والله أعلم.

وقد وقعت روايته للجياني, ومن طريقه لابن خير، فقال في فهرسته: فحدثني بها شيخنا أَبُوالحسن يونس بن محمد بن مغيث رحمه الله, قراءة مني عليه, قال: حدثني بها القاضي أَبُوعمر احمد بن محمد بن الحذَّاء التميمي, سماعًا عليه بقراءة أبِي علي الجياني, قال: نا بها أَبُومحمد عبد الله بن محمد بن أسد الجهني, قراءة عليه (سنة 394)، قال: نا أَبُوعلي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ في منزله بمصر (سنة 343)، قال: نا محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر بفربر, من ناحية بخارى, قال: نا أَبُوعبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري سنة 253 أهـ (2).

وقد سبق التنبيه على قوله سنة 353 وأنه صحيح لا غبار عليه.

ويقال إن ابن السكن أول من حدث بالصحيح عن الفربري سنة 343 أي بعد وفاة الفربري بنحو 23 سنة.

قال الذهبي: وحدث عن الفربري بالصحيح أَبُوعلي سعيد بن السكن الحافظ بمصر في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة، فهو أول من حدث بالكتاب عن الفربري، وأعلمهم بالحديث أهـ.

_________

(1) كأن الحافظ كانت عنده نسخة أبِي السكن ينقل منها ويطالع فيها، إلا أنه أحيانا ينقل منها بواسطة أبِي علي الجياني (هدي الساري219).

(2) تقييد المهمل 1/ 62.

(1/64)

________________________________________

* إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب أَبُوعلي الكشاني:

وهو آخر الرواة عن الفربري موتًا، توفي سنة 391 في قول الأكثر أو 392 في قول المؤتمن الساجي, فبين وفاته ووفاة الفربري 71 أو 72 سنة، ومن طريقه يعلو صحيح البخاري جدًا، وروايته مشهورة بنسف وسمرقند وسرخس وتلك النواحي.

سمع من الفربري وهو صغير, فقال أَبُوكامل البصري: سمعت الفقيه أبا نصر الداوودي يقول: دخلت على ابن مُت - مر ذكره آنفا - باشتيخن، فقال لي: أسمعت جامع البخاري؟ قلت: نعم، قال: ممن؟ قلت: من إسماعيل الحاجبي، فقال: اسمعه مني، فإني أثبت فيه، فإني كنت ادرس الفقه وكنت كبيرا حين سمعته، وكان إسماعيل صغيرًا يُحمل على العاتق ولا يقدر على المشي، أفسماعي وسماعه يستويان؟ قال: فسمعته من ابن مت (1).

روى البخاريَّ عنه جماعة, منهم:

** الحافظ أَبُوالعباس جعفر المستغفري (2) , وأبو حفص بن خنب, وأبو القاسم بن مهران.

** وأبو سعد منصور بن إسحاق بن محمد الخزرجي السرخسي، ورواه عن أبِي سعد أَبُوالقاسم عبيد الله بن محمد الحصيري البلخي (ت 527)، وعن البلخي رواه أَبُوسعد السمعاني.

_________

(1) السير 16/ 521.

(2) انظر فضائل القرآن للمستغفري ح 426، 434، 819، 903، 1042، 1122،

(1/65)

________________________________________

** وأبو عبد الله الحسين بن محمد الخلال، سمعه بالكشانية سنة 389.

** وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد الأردستاني (ت 424 أو 427) , وروى عنه الصحيح أَبُوالحسن بن حميد وسمعه الناس بقراءة ابن حميد، ومات الأردستاني بداره.

وقد حدث عنه بصحيح البخاري صاحبه عبد الغافر بن طاهر بهمذان سنة 493 أي بعد وفاة الأردستاني بنحو 69 سنة.

** وأبو سهل أحمد بن علي الابيوردي:

ورواه عن الأبيوردي فقيه الأحناف شمس الأئمة أَبُوالفضل بكر بن محمد البخاري فتفرد شمس الأئمة وعلا سنده وقصد لسماع الصحيح وغيره، وتوفي سنة 512.

** وأبو طاهر محمد بن علي الشجاعي، وأبو عبد الله غنجار البخاري صاحب التاريخ، وعمر بن أحمد بن شاهين السمرقندي.

** ورواه عنه من الغرباء أَبُومحمد عطية بن سعيد الأندلسي الحافظ فقد رحل إليه وسمع منه، ثم جاور بمكة وحدث فيها بصحيح البخاري عن الكشاني, مات أَبُومحمد مجاورا سنة 407.

** وقد زعم قاضي حلب أَبُوجعفر محمد بن أحمد البيكندي المعتزلي أنه سمع الصحيح من الكشاني في سنة 397، وإنما توفي الكشاني سنة مولد البيكندي أي 91 أو 92 كما قاله المؤتمن، فافتضح البيكندي واشتهر أمره.

(1/66)

________________________________________

* أَبُوحامد أحمد بن عبد الله بن نعيم بن الخليل النعيمي السرخسي، نزيل هراة (ت 386هـ).

روى الصحيح عنه جماعة، منهم:

** أَبُوالفتح محمد بن أحمد بن أبِي الفوارس, ورواه عنه جماعة, منهم:

الفقيه أَبُويعلى الحنبلي.

وأبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله الخطيب, وعنه محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد أَبُوبكر الأنصاري.

** وأبو عمر عبد الواحد بن أحمد بن أبِي القاسم بن محمد المليحي الوراق الهروي (1) (ت463).

قال المؤتمن: سمع الصحيح من النعيمي بقراءة ابن أبِي الفوارس، ورأيت الكتاب والتسميع عليه بهراة أهـ (2).

رواه عن أبِي عمر جماعة، منهم:

خلف بن عطاء بن أبِي عاصم أَبُوبكر الهروي الماوردي, سمعه سنة 456، ورواه عن خلف: ابن عساكر، وأبو روح عبد المعز بن محمد الهروي الصوفي, سمعه سنة 530 في رمضان بقراءة أبِي النضر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي (3).

_________

(1) ترجمته في السير 18/ 255.

(2) التقييد 2/ 158.

(3) التقييد 2/ 168.

(1/67)

________________________________________

ومحمد بن إسماعيل بن الفضل بن محمد أَبُوالفضل المزكي الهروي (ت534)، وإسماعيل بن منصور بن محمد المقرئ، والحسين بن مسعود الفراء أَبُومحمد البغوي الإمام المشهور (ت516).

** وأبو منصور الحسين بن علي بن أبِي طالب، رواه عنه إسماعيل بن منصور المقرئ, قرنه بالمليحي, وحدث بالكتاب سنة 512 وسمعه الناس بقراءة حمزة بن محمد بن بحسول الهمذاني في تلك السنة (1).

_________

(1) التقييد 1/ 250.

(1/68)

________________________________________

* رواية أبِي أحمد محمد بن محمد بن يوسف بن مكي الجرجاني (ت373 أو بعدها بسنة):

حدث بصحيح البخاري في البصرة.

وقع في التقييد تصحيف في سياق إسناده حيث قال: كان عنده الصحيح عن البخاري عن زرارة عن الفربري عنه أهـ.

فقوله عن زرارة إقحامٌ لا معنى له.

وكذلك وقع في لسان الميزان في ترجمة أبِي أحمد: راوي الصحيح عن التبريزي أهـ، وهذا تصحيف أيضًا، وعلى الصواب هو في أصله ميزان الاعتدال، وكذلك عرفه بالرواية عن الفربري الذهبي في وفيات عام 73.

وقد رواه عنه جماعة, منهم:

** أَبُونعيم صاحب المستخرج على صحيح البخاري, وهو إسناده فيه (1).

** وهو كذلك ثاني شيخين لأبي محمد الأصيلي في صحيح البخاري، وسماع أبِي محمد منه قبل سنة 359، منتهى رحلته إلى الشرق، ولعله كان سنة 357.

وهذان سمعا منه الصحيح من أصل الكتاب.

** ورواه كذلك محمد بن الحسن الأهوازي.

ولأبي أحمد ترجمة حافلة في تاريخ دمشق.

_________

(1) فتح الباري 9/ 473.

(1/69)

________________________________________

* أَبُوعلي محمد بن عمر بن شَبَّوَيه المروزي الشَّبَّويِيّ (؟):

لم يذكروا وقت وفاته، إلا انه حدث بالصحيح سنة 378 هـ، وكان سماعه على الفربري سنة 316هـ، معدود في فقهاء الشافعية بمرو.

قال أَبُوسعد السمعاني في أماليه: كان صحيح البخاري يسمع قبل أبِي الهيثم بمرو من أبِي زيد الفاشاني (يعني المروزي) , فلما توفي سمعوه من أبِي علي الشبويي، فلما توفي سمعوه من أبِي الهيثم الكشميهني أهـ (1).

قلت: قد يمكن تحديد وفاة الشبويي من هذا النص، إذ كانت وفاة أبِي زيد سنة 371، والسماعات القديمة على الكشميهني مؤرخة في سنة 376, إلا أن الشبويي سمع عليه البخاري سنة 378, وهو آخر سماع ظهر عليه، فلعله توفي في هذه السنة أو بعدها بقليل والله أعلم.

الرواة عنه:

** روى الصحيح عنه سعيد بن أبِي سعيد أحمد بن محمد بن نعيم بن إشكاب أَبُوعثمان النيسابوري الصوفي، المعروف بسعيد العيار, سمعه منه سنة 378، وتوفي سنة 457 وقد جاوز المائة، وهو راوية الشبويي ومن طريقه وقعت رواية ابن شبويه لأصحابها كالسمعاني وابن عساكر.

_________

(1) انظر التقييد 1/ 78، 111.

(1/70)

________________________________________

فممن رواه عن العيار:

محمد بن إسماعيل بن محمد بن الحسين بن القاسم أَبُوالمعالي الفارسي النيسابوري (ت539) , رواه عنه: منصور بن عبد المنعم الفراوي، وإسماعيل بن علي بن حمك المغيثي، وزينب بنت عبد الرحمن الشعري.

والحسين بن عبد الملك بن الحسين الأثري السني أَبُوعبد الله الخلال (ت 532)، قدم بغداد فحدث بها بالصحيح، رواه عنه: عبد الرحمن بن جامع، وعبد الخالق بن عبد الوهاب الصابوني، وقرأه عليه الحافظ محمد بن ناصر السلامي (1).

وغانم بن أحمد بن الحسن أَبُوالوفاء الجلودي (ت 538)، رواه عنه أسعد بن أبِي الفضائل محمود العجلي (ت 600).

وفاطمة بنت محمد بن أحمد أم البهاء البغدادية (ت 539) , وقد حدث به عنها وعن غانم جميعا داود بن معمر بن عبد الواحد بن الفاخر الأصبهاني.

وأبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي الفقيه النيسابوري (ت 530) , راوية صحيح مسلم وغريب الخطابي، سمع البخاري من العيار وغيره.

وإسماعيل بن عبد الرحمن شيخ الإسلام أَبُوعثمان الصابوني (ت 507).

_________

(1) التقييد 1/ 299.

(1/71)

________________________________________

وعبد الكريم بن عبد الرزاق بن عبد الكريم أَبُوالطاهر الحسنابادي, والمحسن بن محمد بن عمر بن واقد أَبُوالوفاء السكري، وقد رواه عنهما وعن الخلال: يحيى بن محمود بن أبِي الفرج أَبُوالفرج الثقفي الأصبهاني (ت 583).

وسعيد بن هبة الله بن محمد بن الحسين أَبُوعمر جمال الإسلام البسطامي (ت502).

وسهل بن أحمد بن علي بن أحمد أَبُوالفتح الحاكم الأرغياني (ت 499).

**ورواه عن ابن شبويه: أَبُوالقاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني, مر ذكره في السامعين من المستملي، رحل إلى ابن شبويه، وقال: لما وصلت إلى مدينة مرو من مدائن خراسان سمعت الجامع الصحيح على محمد بن عمر بن شبوية المروزي أهـ.

وقد طالع الحافظ نسخة ابن شبويه واستفاد منها في مواضع (1).

_________

(1) انظر هدي الساري حيث استفاد تعيين بعض المهملين من الرواة 220، 224، 225، 226، 233، 236.

(1/72)

________________________________________

* أَبُوبكر محمد بن خالد بن الحسن المطوعي البخاري المعروف بابن أبِي الهيثم، (362).

من مشايخ بخارى، وأولاد المشايخ، سمع منه أَبُوعبد الله الحافظ، وقال: قدم علينا نيسابور حاجًا سنة تسع وأربعين وكتبنا عنه، ثم انتقيت عليه ببخارى سنين، وجاءنا نعيه سنة اثنتين وستين وثلاث مئة (1).

** وهو شيخ الخطابي أخذ عنه الجامع الصحيح بروايته عن الفربري, وقد مر آنفا.

_________

(1) تاريخ نيسابور ص406.

(1/73)

________________________________________

* محمد بن حم بن ناقب البخاري (ت: 381هـ).

ضبطه الأمير ابن ماكولا في الإكمال, فقال: وأما ناقب بالنون والقاف وآخره باء معجمة بواحدة فهو محمد بن حم بن ناقب، أَبُوبكر الصفار البخاري، حدث عن محمد بن سعيد بن حاتم الزندي، والحسين بن إسماعيل الفارسي، وروى عن الفربري كتاب الصحيح للبخاري، وتوفي بسمرقند في ربيع الاول من سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.

قال الحافظ الذهبي: أحد من حدث بصحيح البخاري من الفربري أهـ ثم ذكر وفاته كما ذكرها الأمير.

(1/74)

________________________________________

فروع روايات الفربري:

نتج عن هذه الروايات الكثيرة عن الفربري نسخ نسبت إلى أصحابها الذين ضبطوها ورووها بأسانيدهم إلى الفربري، بعضها للآخذين عن أصحاب الفربري مباشرة كالأصيلي أخذ عن أبِي زيد، وبعضها للآخذين عمّن أخذوها بواسطة أو واسطتين أو أكثر، وهذه الفروع كثيرة إذ أن كل نسخة مسندة وموثقة ومقابلة على أصول صحيحة يصدق أن يطلق عليها ذلك الوصف، وسأشير باختصار إلى أشهر هذه الفروع والنسخ.

(1/75)

________________________________________

1 - نسخة أبِي زيد المروزي:

يوجد منها قطعة محفوظة ضمن مجموعة منجانا، كتب منجانا دراسة عنها باللغة الإنجليزية، ونشرها عام 1936 في كامبريدج، ساعده في بعضها المستشرق مرجليوث.

الموجود من هذه النسخة اثنتان وخمسون ورقة، ثبت في الورقة الأولى ما صورته:

الجزء الثاني من الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه.

تصنيف أبِي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.

واستفدنا اسم الكتاب كاملا، وأنه: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وسننه، هكذا ثبت في هذه نسخة القديمة.

يشتمل هذا الجزء على كتاب الزكاة، ثم كتاب الصوم, ثم الحج، إلا أن في كتاب الصوم سقط، ففي آخر اللوحة الأولى من ورقة 45 باب الصوم من آخر الشهر, ثم ساق إسناد حديث عمران بن الحصين، وفي اللوحة التي يليها باب من أين يدخل مكة، وهذا من كتاب الحج، وآخر النسخة باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف ..

وقد بدأ الناسخ أول الجزء بالتصريح بالسماع من أبِي زيد وكذلك أوائل الكتب، وهذا ما أعلمنا بنسب النسخة وإسنادها وقدمها.

(1/76)

________________________________________

قال أول الجزء: أخبرنا أَبُوزيد محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن يوسف قال أخبرنا البخاري ...

ثم يبدأ في أول إسناد كل حديث بقوله: أخبرنا البخاري قال ..

لم يتضح لي من هو كاتب النسخة, ولا يوجد في النسخة ما يدل عليه، إلا انه متقن للغاية، فقد قابلها وراجعها، كما تدل على ذلك التصحيحات على هامش النسخة، والعلامات الدالة على بلوغ المقابلة.

ولم أستطع كذلك تحديد تاريخ نسخها إلا أن السماعات والأسانيد المثبتة على طرة النسخة، والتملكات في أولها قد دلت على الحقبة التي تلي كتابتها، كما ستراه قريبا، وبشكل عام فإن الخط أشبه ما يكون بخطوط القرن الرابع، والله تعالى أعلم.

وأما ما ورد في دراسة منجانا وتبعه سزكين وغيره من تحديد تاريخ كتابتها سنة 370 فهذا لم أجد في النسخة ما يدل عليه، وقد استنتجه منجانا استنتاجا كما يظهر من دراسته ولم يجده نصا، حيث جعله قبل تاريخ وفاة أبِي زيد بسنة واحدة, فإن ابا زيد توفي سنة 371, فافترض أن النسخة مكتوبة في زمانه لأجل التصريح باسمه فيها فجعله قبيل وفاته بسنة.

ولكن قدم الخط أولا، وسوق الإسناد من أبِي زيد ثانيا قد يدل على هذا التاريخ, وعلى أن النسخة كتبت في حياة أبِي زيد أو على الأقل في حياة راوٍ عن أبِي زيد، والأول أرجح لأن النسخة لو كانت لراوٍ عنه لصرح باسمه، مع أنه لا يمكننا الجزم بشيء لأن الكتاب ناقص, فربما كان في الأوراق الساقطة ما يحدد تاريخ النسخ واسم الناسخ والراوي.

(1/77)

________________________________________

إلا أن أقدم سماع على النسخة مقروء مؤرخ في رمضان من عام 464 أي بعد وفاة أبِي زيد بنحو94 سنة.

 

السماعات:

على النسخة سماعات عدة, بعضها على الصفحة الأولى وبعضها في تضاعيف الكتاب.

السماع الأول قديم جدا، مكتوب أسفل العنوان مباشرة، وصورته ما يلي:

[سمع مني هذا الجزء من أوله إلى آخره بقراءة الشيخ أبِي الحجاج (اسمه واسم أبيه غير واضحين) المصري: أَبُوالفتوح ناصر بن موهوب، والفقيه أَبُومحمد عبد الباقي بن الحسين بن مسافر, وأبو محمد عبد الغني بن عبد الرحمن القرطبي (لعله) وعبد السلام بن محمد (لعله) ... ، وأحمد بن إبراهيم بن الفرات (لعله)، وأبو الأشبال بن علي الأنماطي، والسري بن حسن بن علي العباسي، وأبو البركات حسن بن علي الأنماطي، وابو الوفاء عبد الكريم بن علي بن عبيد الله, وعلي بن بركات الأنماطي، وعبد العزيز بن علي بن عطية الصواف, وابو الحسن علي بن .. العراقي وابنه، والله عليه وحده ..

وكتب .. في رجب سنة ثلاث .. ]

هكذا طمس اسم الشيخ المسمع وتاريخ السماع.

إلا أن منجانا اختصر هذا السماع وأثبت منه ما يلي:

[سمع مني هذا الجزء من أوله إلى آخره بقراة الشيخ ابن الحجاج ... في رجب سنة 618]

وفيه نظر من وجوه:

(1/78)

________________________________________

الأول: أن الخط أقدم من الذي تحته، وقد أرخ السماع الذي تحته سنة 464.

الثاني: أن التاريخ مطموس، والذي ثبت منه لا يدل على ما أثبته منجانا.

الثالث: أن التاريخ مكتوب بالحروف وليس بالأرقام وأول حرف منه واضح جدا، وهو حرف الثاء ملتصق باللام مباشرة ليس بينهما نبرة تدل على الميم ليقول: ثمانية عشر مثلا، وهو أقرب ما يكون للرقم ثلاثة، وتكملته لا أعرفها إلا إن كانت الكتابة واضحة في الأصل واعتمد عليها منجانا، وإلا فإن التصوير لا يدل على ما ذهب إليه البتة.

ولو استطعنا الوقوف على تراجم المذكورين في السماع لأمكننا معرفة التاريخ على وجه التقريب، إلا أنني لم أجد لهم ترجمة في المصادر القليلة المتاحة لي وقت كتابة هذه الورقات.

وتحت هذا السماع سماع آخر لكن بخط مغاير، صورته ما يلي:

[سمع مني أَبُومحمد عبد الله بن (عبد السلام - هكذا قرأها منجانا وهي في التصوير مطموسة-) بن شجاع, وكتابه هذا ممسك به إلى آخره كتابي الذي سمعته على الشيخ أبِي حفص عمر بن الحسن الهوزني بقراءة ولدي مروان، في أصل نسختي وذلك بثغر الاسكندرية حماه الله (ثم شطر سطر مضروب عليه لا يمكن قراءته، لكن نقله منجانا كما يلي: كتب عثمان بن محمد بن مروان بن عبد السلام) في شهر رمضان سنة أربع وستين أربعمائة.

وهذا السماع على الشيخ هو بعد استشهاد الهوزني بأربع سنين، فإن الهوزني قتل سنة 460، وكانت رحلته إلى المشرق من الأندلس سنة 444 كما يعلم ذلك

(1/79)

________________________________________

من مصادر ترجمته، كالصلة وغيرها، وصورة السماع تثبت أن النسخة قرئت على الهوزني، والله أعلم.

والهوزني يروي عن الباجي والطبقة.

وفوق العنوان إلى اليسار سماعٌ مختصرٌ صورته ما يلي:

[قرأت جميعه على صاحبه (هكذا قرأه منجانا بمساعدة الصليبي الحاقد مرجليوث، والأقرب لقراءة اللفظة: منتخبه أو شيخه) وكتب الفقير إلى ربه: جبريل (قرأها منجانا وصاحبه: حرمل، وهو تصحيف) بن جميل الحنفي، بتاريخ ذي الحجة سنة أربع وسبعين وخمسمائة].

وجبريل علم مشهور، توفي سنة 600 مرجعه من الحج، أي أنه تملك النسخة قبل وفاته بـ25 سنة، له ترجمة في تكملة المنذري والوافي بالوفيات والطبقات السنية وغيرها.

ثم سماع أسفل منه غير مؤرخ، صورته:

[سمع جميعه وما قبله أَبُوالفضل بن الصقلي الحنفي العثماني]

ثم سماع أسفل منه على شاكلته، صورته:

[مسموع عبد الحق بن هبة الله بن طاهر بن حمزة القضاعي وأوله إلى الجزء (لعله) قبله غفر الله له ولوالديه]

وإلى يمين الصفحة سماع آخر على هذا المنوال، صورته:

[سمعه وما قبله عبد العزيز بن صالح بن حمزة الحنفي]

وفي تضاعيف الكتاب سماعات مؤرخة على شيخ واحد صورتها مايلي:

(1/80)

________________________________________

[سمعت على القاضي الأجل تاج الدين محمد بن عثمان بن عمر البُلبيسي التاجر من أول كتاب الصوم إلى هنا فسمع .. بقراءتي .. الفقيه الإمام جمال الدين حمزة بن عمر بن احمد الهكاري بسماعه من العز الحراني بسماعه من ابن البيع بسنده وأجاز لنا وصح ذلك ثالث شهر رجب الفرد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وكتب أحمد بن عبد الرحيم بن المتيحي]

وعلى يمينه سماع بخط دقيق، صورته:

[بلغت قراءته من أول كتاب الصوم إلى باب الصوم في السفر على القاضي تاج الدين المذكور .. بسماعه لجميع الكاب من العز الحراني بسماعه من البيع بسماعه من أبِي الوقت فسمع ذلك .. محمد بن ابراهيم بن عرفات وولد ولده ناصر الدين بن محمد .. ونوار بنت علي بن شمس الدين .. والشيخ شمس الدين محمد بن بدر الدين .. وصح ذلك بمنزل المسمع بالثغر بقراءة كاتب الحروف احمد بن عبد الرحيم بن المتيحي في شهر ربيع الأول سنة .. وأربعين وسبعمائة والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا محمد .. ]

ثم في ورقة أخرى سماع على الشيخ نفسه، صورته:

[بلغت قراءة من أول كتاب الصوم على الشيخ الجليل الرئيس تاج الدين محمد بن عثمان بن عمر البلبيسي التاجر بسماعه من العز الحراني أنبا ابن البيع انبا أَبُوالوقت بسنده (لعله) فسمعه الشيخ المحدث الفقيه العدل شهاب (الدين، سقطت وأكملتها أنا) ابو العباس أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن المتيحي وصح في سابع عشر رمضان سنة اربع وأربعين وسبعمائة بمنزل المسمع بثغر الاسكندرية, وأجاز لنا.

(1/81)

________________________________________

وكتب عبد الله بن محمد بن إبراهيم الوالي والحمد لله وحده]

والشيخ المسمع تاج الدين محمد بن عثمان بن عمر بن كامل البلبيسي توفي في الطاعون في ليلة الثامن والعشرين من صفر سنة 749, من أقران الامام الذهبي والمزي والطبقة فهؤلاء كلهم لهم سماع من العز الحراني.

وأما الهكاري فقد ذكره ابن رافع في وفيات شهر رجب سنة 749، وقال: وفي يوم الخميس ثاني عشري الشهر توفي المحدث الخير عز الدين أَبُويعلى حمزة بن عمر بن أحمد الهكاري الدمشقي بها وصلي عليه من يومه بجامعها ودفن بمقابر باب الصغير، سمع من الجزري وبنت الكمال وجماعة وكتب بخطه وقرأ بنفسه.

أي أنه توفي بعد الشيخ المسمع بقليل.

وقد أحصيت على النسخة ثلاث تملكات في الورقة الأولى، لكنها غير مفيدة في تأريخ النسخة لأنها غفل من التاريخ, ولأعلام غير معروفين:

الأول صورته: تملكه محمد بن محمد بن عبد السلام المنوفي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.

الثاني صورته: في نوبة الفقير محمد الشافعي ابن شرف الدين عفا الله عنه.

الثالث متأخر، صورته: تملكه محمد بن حسين ... سنة 810 إلا أنني غير متأكد من الرقم الأول، فالثمانية والواحد يلوحان بوضوح، والصفر غير واضح من أجل السواد في التصوير.

علاقة النسخة بابن دحية الكلبي:

هذه النسخة بالإضافة إلى أنها نسخة أبِي زيد المروزي فهي نسخة العلامة الحافظ ابن دحية الكلبي صاحب التصانيف المشهورة.

(1/82)

________________________________________

فقد ثبت إسناده في أولها، وجاء في الورقة الأولى ما يلي:

(طمس أول السطر ويمكن تخمينه: قال ذو النسبتين العلامة ابن دحية ... ) ... الفاطمي الحسني .. أيده الله:

قرأت جميعه بالأندلس على جماعة من العلماء (لعله هكذا الصواب, بينما في دراسة منجانا: قرأت جميعه بالأندلس على أحمد بن محمد بن ... رحمهم الله منهم المقرئ الحسين ... وخدمني به!) رحمهم الله منهم (أبي بكر محمد بن خير الاشبيلي الاسم مطموس لكن الاشبيلي قد تكون واضحة, وقد نص الذهبي على أن ابن دحية أخذه عن ابن خير) ... وحدثني به عن جماعة من شيوخه أقربهم إسنادا الإمام أَبُوالاصبع عيسى بن محمد بن أبِي البحر الزهري الشنتريني (في دراسة منجانا الإمام ابن الاصبع قصي بن محمد بن أبِي أسير الزهري الشنتري, تصحيف كله!).

ورحلت به (لعله) وسمعته على الفقيه القاضي بأوكش بقية المحدثين بقرطبة أبِي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الأنصاري، قال: نا به جماعة منهم: الشيخ أَبُوالعباس أحمد بن عبد الله القونكي يعرف بالعطار.

قالا: حدثتنا الحرة الفاضلة كريمة بنت أحمد الكشميهينية بالحرم الشريف قالت: سمعته على الأديب أبِي الهيثم الكشميهني.

قال ذو النسبتين أيده الله:

وأجازنا (به) إجازة عامة أَبُوالوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي الصوفي، قال: نا جمال الإسلام أَبُوالحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر

(1/83)

________________________________________

الداودي قراءة عليه وأنا اسمع ببوشنج سنة خمس وستين واربعمائة أنبأنا أَبُومحمد عبد الله بن محمد بن حمويه السرخسي.

قالا: أنبأ أَبُوعبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري أنبا الحافظ أَبُوعبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري.

والمغيرة هو الذي أسلم من المجوسية على يدي اليمان الجعفي والي بخارا.

وتوفي رحمه الله منفيا عن وطنه ممتحنا بقرية خرتنك على نحو من ثلاثة أميال من سمرقند ليلة عيد الفطر ويوم السبت سنة ست وخمسين ومائتين وله اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوما اهـ.

فالشيخ المسمع صاحب الإسناد هو ذو النسبتين العلامة أَبُوالخطاب عمر بن الحسن بن علي الأندلسي، ولد أَبُوالخطاب ابن دحية في ذي القعدة سنة سبع - أو ثمان - وأربعين وخمسمائة, وقيل سنة 544 وقيل غير ذلك وتوفّي في انفجار الفجر ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، وهو إمام مشهور, قد حدث في رحلته بصحيح البخاري وغيره.

وهذا المجلس أستظهر أنه في مصر، لما قدمها وبنيت له دار الحديث فيها, والنسخة مكتوبة بخط أقدم من الخط الذي كتب به الإسناد، وكلا الخطين مشرقي، فالسماع في المشرق، والنسخة مكتوبة في المشرق أيضا.

فالسماع وإن لم يكن مؤرخا إلا أنه لا شك قبل أن يصرف عن التدريس في دار الحديث.

ولابن دحية في البخاري إسنادان عن كريمة, وإسنادان عن الفربري.

(1/84)

________________________________________

أما روايته عن كريمة, فقد ذكر الإسناد الأول من طريق الشنتريني شيخ شيخه:

وهو عيسى بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن مؤمل بن أبِي البحر الشيخ العالم المعمر أَبُوالأصبع الزهري الشنتريني.

سمع من كريمة، والحبال، وأبي معشر الطبري، وأبي الوليد الباجي، وابن دلهاث، وعدة.

أخذ الناس عنه، وسكن العدوة.

قال ابن بشكوال: كتب لي القاضي أَبُوالفضل أنه توفي نحو سنة ثلاثين وخمس مئة، وأنه أخذ عنه.

قال الذهبي: وروى عنه أَبُوبكر بن خير, وقد روى ابن دحية عن ابن خير عنه، عن كريمة من الصحيح أهـ.

والثاني: من طريق أبِي العباس العطار القونكي, نسبة إلى قونكة مدينة بالأندلس.

وأما عن الفربري، فطريق كريمة عن الكشميهني عنه، وطريق الداودي عن السرخسي عنه.

وهذان الإسنادان غير إسناد النسخة، فإنها نسخة أبِي زيد المروزي عن الفربري.

المقابلات والمراجعات:

ثبت في الصفحة الأولى من النسخة ما صورته:

(1/85)

________________________________________

قال محمد بن أحمد المصعولي (في دراسة منجانا المصعوبي): قابلت نسختي هذه بنسخة مقابلة بأصل عليه خط أبِي الوقت وعلمت له: قت، ولماسقط عنده: س قت، هكذا ليعلم ذلك.

وكان معنا نسخة بأصل أبِي ذر فما كان فيه أيضا من الخلاف عليه: ذ فإنه له، وما كان عليه خ فإنه له نسخة, والله الموفق.

فالمصعولي هذا قابل النسخة، وليست النسخة الأصل بخطه، بل حشاها بالمقابلة على روايتين أخريين, هما رواية أبِي الوقت وأبي ذر، وخطه في النسخة مميز من خط الأصل.

 

2 - نسخة أبِي ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي:

من أشهر النسخ وأحسنها، ورواية أبِي ذر في الأصل قريبة من رواية الأصيلي والقابسي، قال ابن خير: وهذه الروايات كلها متقاربة، وأقرب الروايات إلى رواية أبِي ذر رواية أبِي الحسن القابسي عن أبِي زيد المروزي أهـ (1).

قلت: وأكثر الروايات ائتلافا فيما رأيته رواية أبِي ذر عن الكشميهني والأصيلي عن أبِي زيد إلا فيما شذ به الكشميهني.

ولأبي ذر شيوخ ثلاثة أخذ عنهم الجامع الصحيح, وهم أخذوه عن الفربري، فبحق إن نسخة أبِي ذر أضبط النسخ وأولاها بالصواب في الرواية عن الفربري، وقد احتاط أَبُوذر غاية الاحتياط لما أخذها عن ثلاثة سمعوا في أوقات مختلفة عن الفربري وقيد اختلافهم في الألفاظ والترتيب وما إلى ذلك.

_________

(1) الفهرست 98.

(1/86)

________________________________________

قال الباجي (1): واسانيد ما ذكرت فيه عن صحيح البخاري، فحدثنا به أَبُوذر قراءة عليه قال أخبرنا أَبُومحمد الحموي وابو اسحاق المستملي، وابو الهيثم الكشميهني.

قالوا: أنبانا محمد بن يوسف الفربري، قال: أنبانا محمد بن اسماعيل البخاري.

وقيد ابن خير تاريخ السماعات فقال (2): أما رواية أبِي ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الهروي الحافظ رحمه الله فحدثني بها:

شيخنا الخطيب أَبُوالحسن شريح بن محمد بن شريح المقرئ رحمه الله، قراءةً عليه بلفظي مرارًا وسماعًا مرارًا، قال: حدثني به أبِي رحمه الله، سماعًا من لفظه، وأبو عبد الله محمد بن احمد بن عيسى بن منظور القيسيُّ رحمه الله تعالى، سماعًا عليه، قالا: حدثنا بها أَبُوذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي سماعًا عليه، قال محمد بن شريح: سمعته عليه في المسجد الحرام عند باب الندوة سنة (404).

وقال ابن منظور: سمعته عليه في المسجد الحرام عند باب الندوة سنة (431)، وقرئ عليه مرة ثانية وأنا أسمع والشيخ أَبُوذر ينظر في أصله وأنا أصلح في كتابي هذا في المسجد الحرام عند باب الندوة، في شوال من سنة (431).

قال أَبُوذر: أخبرنا أَبُومحمد عبد الله بن احمد بن حمُّويه السرخسي بهراة سنة (373) , وأبو إسحاق إبراهيم بن احمد بن إبراهيم المستملي ببلخ سنة (374) , وأبو الهيثم محمد بن المكي بن زُراع الكشميهني بها سنة (387)، قالوا كلهم: أخبرنا

_________

(1) في أول التعديل والتجريح 1/ 244.

(2) في الفهرست ص94.

(1/87)

________________________________________

أَبُوعبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري, قال: أخبرنا أَبُوعبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي رحمهم الله.

 

3 - نسخة أبِي الوقت عبد الأول السجزي (ت 553):

وقد ذكرنا آنفا الرواة عنه وشهرته في رواية الصحيح.

 

4 - نسخة أبِي محمد الأصيلي:

وقد ذكرنا إسناده في ما مضى، ورواية المهلب عنه.

قال ابن خير في الفهرست: وأما رواية الأصيلي، فحدثني بها الشيخ الفقيه أَبُوالقاسم احمد بن محمد بن بقي رحمه الله، قراءة مني عليه، والشيخ الفقيه أَبُوالحسن يونس بن محمد بن مغيث، رحمه الله، سماعًا لجملة منه، ومناولة لي لجميعه، قالا: حدثنا بها الفقيه أَبُوعبد الله محمد بن فرج، مولى محمد بن يحيى البكري المعروف بابن الطلاع، أما ابن بقي فقال: سمعت جميعه عليه، وأما ابن مغيث فقال: حدثنا به قراءة منه علينا لأكثر الكتاب، وإجازة لسائره، قال: سمعت جميعه على الفقيه أبِي عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عابد المعافري، في سنة (423)، بقراءة أبِي محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي سنة (383)، قال: قرأتها على أبِي زيد محمد بن احمد المروزي بمكة سنة (353)، قال أَبُومحمد الأصيلي: وسمعتها على أبِي زيد أيضًا ببغداد في شهر صفر سنة (359)، قرأ أَبُوزيد بعضها، وقرأت أنا بعضها حتى كمل جميع المصنف، قال: أنا أَبُوعبد الله محمد بن يوسف الفربري بفربر سنة (318) , قال: أنا أَبُوعبد الله محمد بن إسماعيل البخاري سنة (252).

(1/88)

________________________________________

قال الأصيلي: وقرأتها على أبِي أحمد محمد بن محمد بن يوسف الجرجاني، قال: نا محمد بن يوسف الفربري، قال: نا محمد بن إسماعيل البخاري.

قال ابن خير: وحدثني أيضا بهذه الرواية الشيخ أَبُومحمد ابن عتاب رحمه الله، إجازةً فيما كتب به إليّ، قال: حدثني بها الفقيه أَبُوعبد الله محمد بن عابد المذكور إجازة، فيما كتبه لي بخط يده، قال: نا أَبُومحمد الأصيلي بالإسناد المتقدم.

 

5 - نسخة أبِي الحسن القابسي:

وهو صاحب الأصيلي في الرحلة، وروايته متحدة مع الأصيلي إلا في أشياء قليلة.

قال ابن خير: حدثني بها الشيخ أَبُومحمد ابن عتاب رحمه الله إجازة، قال: حدثني بها أَبُوالقاسم حاتم بن محمد الطرابلسي، قراءةً عليه، قال: أنا أَبُوالحسن علي بن محمد بن خلف القابسي الفقيه، قال: نا أَبُوزيد محمد بن احمد المروزي, بالسند المتقدم.

وحدثني بها أيضا الشيخ أَبُوبكر محمد بن أحمد بن طاهر القيسي، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز اللخمي، وغيرهما من شيوخي رحمهم الله، قالوا: حدثنا بها أَبُوعلي حسين بن محمد بن أحمد الغساني ثم الجياني رحمه الله، قال: قرأتها على أبِي القاسم حاتم بن محمد الطرابلسي رحمه الله مرات، وحدثني بها عن أبِي الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي الفقيه، عن أبِي زيد محمد بن احمد المروزي، عن أبِي عبد الله الفربري, عن البخاري رحمه الله.

(1/89)

________________________________________

6 - نسخة أبِي سهل محمد بن أحمد بن عبيد الله الحفصي.

وقد تقدم ذكره في الرواة عن الكشميهني، وقد استفاد من هذه النسخة الحافظ في الفتح في مواطن.

 

7 - نسخة ابن سعادة.

وهي فرع عن رواية أبِي علي الصدفي وهي فرع عن رواية أبِي ذر الهروي، وقد سبق التنويه بها.

 

8 - نسخة كريمة المروزية:

منسوبه للمسندة: كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية, المجاورة بمكة.

أخذت الصحيح عن الكشميهني، لأنها أصلا من كشميهن فأسمعها أبوها الصحيح هناك ثم ارتحل بها حتى استقرت في مكة، وعمرت طويلا.

قال أَبُوالغنائم النرسي: أخرجت كريمة إلي النسخة بالصحيح، فقعدت بحذائها وكتبت سبع أوراق، وقرأتها وكنت أريد أن أعارض وحدي، فقالت: لا حتى تعارض معي، فعارضت معها أهـ.

وقد قصدها الكبار لسماع الجامع الصحيح منها، فممن أخذه عنها: الخطيب البغدادي الحافظ، والشريف أَبُوطالب الحسين بن محمد بن علي بن حسن الزينبي الحنفي، قال عنه الذهبي: وحج، فسمع الصحيح من كريمة المروزية، وتفرد به عنها، وقصده الناس أهـ (1)، وأبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني، والقاضي أَبُوالقاسم عبد الملك بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن المعافي

_________

(1) السير 19/ 353.

(1/90)

________________________________________

سمعه منها سنة 459هـ، وأَبُويعلى محمد بن الحسين بن عليّ بن محمد بن محمود الهمذاني السّراج، وعبد الله بن محمد الغزال، والحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين، وابو الأصبع الشنتريني شيخ ابن خير صاحب الفهرس إلا أن ابن خير لم يذكر روايتها، فلعله لم يسمع الصحيح كاملًا منها، فقد قال الذهبي: وقد روى ابن دحية عن ابن خير عنه، عن كريمة من الصحيح أهـ (1) , وقد مر إسناد ابن دحية آنفا.

 

9 - نسخة أبِي محمد الصغاني:

وهي فرع عن نسخة أبِي الوقت، وتسمى النسخة البغدادية، صَحَّحَهَا الْعَلَّامَة أَبُومُحَمَّد ابْن الصَّغَانِيّ اللُّغَوِيّ بَعْد أَنْ سَمِعَهَا مِنْ أَصْحَاب أبِي الْوَقْت وَقَابَلَهَا عَلَى عِدَّة نُسَخ وَجَعَلَ لَهَا عَلَامَات.

وله تهميشات على نسخته، نقل عنه الحافظ في باب ما جاء في العلم (وقل رب زدني علما): وَقَالَ الصَّغَانِيّ فِي الْهَامِش: هَذَا الْحَدِيث سَاقِط مِنْ النُّسَخ كُلّهَا إِلَّا فِي النُّسْخَة الَّتِي قُرِئَتْ عَلَى الْفَرَبْرِيّ صَاحِب الْبُخَارِيّ وَعَلَيْهَا خَطّه أهـ.

فهذا النص يفيد اطلاع الصغاني على نسخة عليها خط الفربري.

وتمتاز نسخته بأن فيها زيادات من أقول أبِي عبد الله البخاري، فيها فوائد.

 

10 - نُسخة الحافظ أبِي الحسين عليّ بن محمد بن الحسين اليونيني:

وهي نسخة جامعة لعدة روايات، فقد نسخ الجامع الصحيح وقابله على أصول معتمدة ثم قعد لإسماعه وتصحيحه، فقال الذهبي: حدثني أنه قابله في

_________

(1) السير 19/ 629.

(1/91)

________________________________________

سنة واحدة واسمعه إحدى عشرة مرة, وقد ضبط رواية الجامع الصحيح، وقابل أصله الموقوف بمدرسة آقبغا آص بسويقة العزي خارج باب زويلة من القاهرة المعزية بأصل مسموع على الحافظ أبِي ذرِّ الهروي، وبأصل مسموع على الأصيلي، وبأصل الحافظ مؤرخ الشام أبِي القاسم ابن عساكر، وبأصل مسموع عن أبِي الوقت، وذلك بحضرة الإمام اللغوي النحوي جمال الدين أبِي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله ابن مالك الطِّائيِّ الجيِّانيِّ الشِّافعيِّ صاحب الألفية في النحو.

وقرأ البخاري على ابن مالك تصحيحا وسمع منه ابن مالك رواية وأملى عليه فوائد مشهورة.

وهذه النسخة اعتمدها القسطلاني متنا لشرحه، وكذلك اعتمدت أصلا للنسخة السلطانية التي أمر السلطان عبد الحميد الثاني بطباعتها سنة 1311هـ ثم أعاد العلامة أحمد شاكر طباعتها لاحقًا، وقد أعادت بعض دور النشر طباعتها.

قلت: والنسخة الهندية المطبوعة قديمًا في الهند أجود منها، وأكثر إيرادًا لاختلاف النسخ، وهي منقولة عن النسخة المصطفائية المطبوعة سنة 1305، وهي جيدة للغاية، والله أعلم.

(1/92)

________________________________________

تراجم أبواب البخاري وفقهها

الإمام البخاري رحمه الله محدث فقيه، مطلع على مذاهب الفقهاء، عارف بمآخذهم وحججهم، وكتبه تدل على ذلك، وقد ذكره بالفقه والمعرفة من عرفه وجالسه، بل قال أَبُومصعب: البخاري أفقه عندنا وأبصر من ابن حنبل أهـ (1).

وقال نعيم بن حماد: البخاري فقيه هذه الأمة أهـ (2).

ولما كان البخاري صاحب حرفة وطبعٍ فقهي فإنه قد صبغ صحيحه بصبغة فقهية، واشتهر عند العامة والخاصة أنَّ فقه البخاري في تراجمه، بل قد ألفت في فقه تراجم أبوابه كتب على حيالها، منها: كتاب ابن المنير (المتواري على أبواب البخاري) , وكتاب الشاه ولي الدهلوي (تراجم أبواب البخاري)، و (شرح تراجم أبواب البخاري) للكاندهلوي.

وقال الحافظ: وقد جمع العلامة ناصر الدين أحمد بن المنير خطيب الاسكندرية من ذلك أربعمائة ترجمة، وتكلم عليها، ولخصها القاضي بدر الدين بن جماعة، وزاد عليها أشياء، وتكلم على ذلك أيضا بعض المغاربة، وهو محمد بن منصور بن حمامة السجلماسي، ولم يكثر من ذلك، بل جملة ما في كتابه نحو مائة ترجمة، وسماه: فك أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة، وتكلم أيضا على ذلك زين الدين على بن المنير أخو العلامة ناصر الدين في شرحه على البخاري، وأمعن في ذلك، ووقفت على مجلد من كتاب اسمه ترجمان

_________

(1) تهذيب التهذيب 9/ 50.

(2) التهذيب 9/ 52.

(1/93)

________________________________________

التراجم، لأبي عبد الله بن رُشيد السبتي، يشتمل على هذا المقصد، وصل فيه إلى كتاب الصيام، ولو تم لكان في غاية الإفادة، وأنه لكثير الفائدة مع نقصه، والله تعالى الموفق.

ذكره الحافظ في هدي الساري (ص13) في آخر فصل ذكر فيه: الكلام على تراجمه البديعة المنال، المنيعة المثال، التي انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه.

وقال الإمام المهلب كاشفا عن فقه تراجم البخاري: فرحم الله مؤلفه الفاضل محمد بن إسماعيل العالم المرضي، والحبر الزكي، الناهج لسبيل النجاة، والدليل الماهر في مهامه الرواة، والنجم الهادي في الظلمات.

إلى أنْ قال: العارف بعدالة الرجال الحاكم فيهم بتغليب الحال، المنكت بجواهر العلم بتبويباته، والمنبه على خفيه بإشاراته، فهو يصدر في أول الباب بوجه الحديث ليفهم، ويميز المعنى الذي به ترجم، ويكرر الأحاديث بكثرة المعاني التي فيها، فمن وهب الله له فهمها ودَّ تكثيرها، ومن خفت عليه كره تكريرها ...

قال: فلو اختصر على ما ظنه الراغبون فيه، واحتمل على رأي المستنبطين له, لذهبت بهجة الكتاب، وطمست أعين المعاني, وعدم من فوائد الحديث الأكثر التي ترجم بها، واستنبطها من خَفِيِّ أماكنه فجلاها للعقول، ونبه عليها من جوامع كلام الرسول فإنه عليه السلام قال: (بعثت بجوامع الكلم).

ثم قال: ثم إني تدبرت هذا الكتاب الصحيح الذي جعله الله في آخر الزمان عصمة للمختلفين, وحكما للمتفرقين، ورحمة للعالمين، فألفيت مؤلفه رحمه الله على ضمان الصحة، وجامعه عن أهل الثقة، لم يبلغ من تهذيبه ما أراد، ولا تمكن

(1/94)

________________________________________

فيه من كل ما أمل، واستدللت على أنه أعجل عنه بأجل، أو غالب شغل، بأنه يبوب أبوابًا كثيرة وتركها فارغة لم يخرج فيها أحاديثها وبعضها يفهم من الترجمة، ولا يفهم من بعض، ومن تلك الأبواب الفارغة ما صدر فيها الأحاديث بما يدل على المعنى ثم لم يخرج فيها غير التصدير, وأبواب كثيرة قال فيها: باب، ثم ذكر أحاديثها ولم يترجم لها بالمعنى ...

وقد يترجم بعض الحديث لبيان معناه، ويترجم بطرف منه ليدل عليه، وفي كثير من الأبواب خرج فيها أحاديث يخفى معنى ذلك التبويب من نصها إلا باستدلالٍ خفيٍ وغوص ذكي، ولو أمهل - والله أعلم - لأردف تلك النصوص بما هو أجلى لوجوه المعاني وأظهر لها.

ومنه أبواب لا يفهم ما أراد منها إلا بدليل التصدير, مثل باب قوله عَزَّ وَجَلَّ {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} ثم أدخل حديث ابن مسعود أن قريشا لَمَّا أبطؤوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عليهم بسبع كسبع يوسف، ثم صدر في الباب قوله {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} فبلغ إلى موضع الفائدة ثم لم يذكرها وهو قوله تعالى {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} وفي معنى ذلك تبويبه والله أعلم.

فشرح وجه ذلك, ثم قال: فأراد البخاري رحمه الله أن يريك أن العفو عن الظالم إذا أتى تائبا أو متوسلا سنة النبيئين، وسنة رب العالمين في عباده التائبين والمتوسلين، فأراد تناسب ما بين الآيتين بالمعنى على بعد الظاهرين منهما، ومثل هذا فِي كِتَابِه كثير، مما قد عابه به من لم يفتح الله عليه بفهمه.

(1/95)

________________________________________

وأكثر ما شنع عليه به رحمه الله ما ترجم به في أول باب من كتابه ثم أدخل غير ما ترجم به عندهم, وهو أنه قال: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أدخل حديث الأعمال بالنيات، زعموا أن ليس فيه شيء مما تضمنت الترجمة حتى بلغني أن بعض المتقدمين وضع في هذا الباب وشبهه مما لم ينفك له منه معنى الترجمة في سائر الكتاب وضعا يشنع به على البخاري رحمه الله.

وذلك الحديث والله أعلم نفس ما ترجم به, وأولى الأحاديث بنصه، ثم ذكر وجهه، ثم قال: فأي معنى أولى بهذه الترجمة من هذا الحديث، وأشد مشاكلة ومطابقة لها عند من فتح الله عليه الفهم، فبحث عن العلم, واقتبس من أهل التقدم.

ولقد ينبغي لأهل الطلب والتفقه أن يعرفوا وكيد حاجتهم إلى علم معاني الحديث الصحيح، ووجوه مطابقته للمسائل الصحيحة، المتوفرة بينهم في الفتوى, فيستنبطون منها ما لم يتقدم فيه قولٌ لعالم، ويفرقون منها بين الوهم والصواب من الاختلاف.

قال: ولقد هممت أيدك الله أن أذكر في آخر كل حديث من كتابي هذا ما أدركت من معانيه، والفقه الذي فيه، لكني أظن أن فيما أمللت عندما قرئ علي هذا الكتاب الصحيح وكتب عني بلاغا وفتح باب إلى استخراج بقية ما تركت أو غاب عني من معاني الأحاديث لمن بحث عن ذلك إنشاء الله, والله هو الفتاح العليم أهـ

فهذا كلام من خبر البخاري وعالجه طويلًا.

(1/96)

________________________________________

ونقل ابن حجر عن الإمام النووي رحمها الله تعإلَى قَوْلِهِ: ليس مقصود البخاري الاقتصار على الأحاديث فقط، بل مراده الاستنباط منها، والاستدلال لأبواب أرادها، ولهذا المعنى أخلى كثيرًا من الأبواب عن إسناد الحديث، واقتصر فيه على قوله: فيه فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو نحو ذلك، وقد يذكر المتن بغير إسناد، وقد يورده معلقًا، وإنما يفعل هذا لأنه أراد الاحتجاج للمسألة التي ترجم لها، وأشار إلى الحديث، لكونه معلوما، وقد يكون مما تقدم، وربما تقدم قريبا، ويقع في كثير من أبوابه الأحاديث الكثيرة، وفي بعضها ما فيه حديث واحد، وفي بعضها ما فيه آية من كتاب الله، وبعضها لا شئ فيه البتة، وقد ادعى بعضهم أنه صنع ذلك عمدا، وغرضه أن يبين أنه لم يثبت عنده حديث بشرطه في المعنى الذي ترجم عليه، ومن ثمة وقع من بعض من نسخ الكتاب ضم باب لم يذكر فيه حديث إلى حديث لم يذكر فيه باب فأشكل فهمه على الناظر فيه (1) أهـ.

أما الباجي فقد سلك مسلكًا آخر، فقال (2): وقد أخبرنا أَبُوذر عبد بن أحمد الهروي الحافظ رحمه الله، حدثنا أَبُوإسحاق المستملي إبراهيم بن أحمد قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله كان عند محمد بن يوسف الفربري، فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة، منها تراجم لم يُثبت بعدها شيئا، ومنها أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض.

ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبِي إسحاق المستملي ورواية أبِي محمد (الحمويي) ورواية أبِي الهيثم الكشميهني ورواية أبِي زيد المروزي؛ وقد

_________

(1) هدي الساري ص10.

(2) التعديل والتجريح (1/ 287).

(1/97)

________________________________________

نسخوا من أصل واحد؛ فيها التقديم والتأخير، وإنما ذلك بحسب ما قَدَّرَ كل واحد منهم في ما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضعٍ مَا فأضافه إليه، ويبين ذلك: أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث.

وإنما أوردتُ هذا لما عُني به أهل بلدنا من طلب معنىً يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها، وتكلفهم في تعسف التأويل ما لا يسوغ، ومحمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله وإن كان من أعلم الناس بصحيح الحديث وسقيمه؛ فليس ذلك من علم المعاني وتحقيق الألفاظ وتمييزها بسبيل، فكيف وقد رَوى أَبُوإسحاق المستملي العلة في ذلك، وبينها: إنَّ الحديث الذي يلي الترجمة ليس بموضوع لها ليأتي قبل ذلك بترجمته، ويأتي بالترجمة التي قبله من الحديث بما يليق بها أهـ.

قلت: نقل ابن رشيد إسناد أبِي الوليد، ثم قال: ثم أتبع أَبُوالوليد هذا الكلام بما كان الواجب عليه تركه أهـ (1).

فهذا الذي رواه الباجي إنما يصلح لتوجيه ما مر آنفًا من أن البخاري ذكر أبوابًا فأخلاها من الأحاديث، ثم أعقبها بأحاديث لم يذكر لها أبوابًا، لكن هذا ممتنع، إذ لم تتفق الروايات في الصحيح على باب خلا من حديث أعقبه بحديث خلا من تبويب، حتى يصح ما توهمه الباجي.

وتتبع الروايات في مثل هذه الحالات مفيد جدًا، فإن الأحاديث إن تداخلت في رواية قد تأتي على الصواب في رواية أخرى، وليس التداخل بلازم في كل الروايات.

_________

(1) إفادة النصيح ص26.

(1/98)

________________________________________

مثاله: حديث عائشة في قصة خروج النساء إلى المساجد في الفجر متلفعات بمروطهن، (انظر ح196) رواه البخاري في باب كم تصلي المرأة من الثياب، ومناسبته واضحة، وباب وقت الفجر، ومناسبته واضحة، وباب سرعة انصراف النساء من الصبح، ومناسبته كذلك واضحة، لكن وقع في بعض النسخ في باب انتظار الناس قيام الإمام, هكذا هو في رواية كريمة ونسخة الصغاني، وهو من التداخل في نسختيهما، لأن الروايات اتفقت على ذكره في باب خروج النساء إلى المساجد، كما ذكره المهلب في تخريجه، وهو محله الذي هو أليق به.

ولذلك قال الحافظ آخر الباب المذكور: وَقَعَ فِي رِوَايَة كَرِيمَة عَقِب الْحَدِيث الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَاب بَاب اِنْتِظَار النَّاس قِيَام الْإِمَام الْعَالِم، وَكَذَا فِي نُسْخَة الصَّغَانِيّ, وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُعْتَمَدٍ إِذْ لَا تَعَلُّق لِذَلِكَ بِهَذَا الْمَوْضِع, بَلْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعه مِنْ الْإِمَامَة بِمَعْنَاهُ أهـ.

على أن هذا الذي ذكره المستملي ينبغي أن يعد في الشاذ الذي لا يعول عليه، وهو إنما ذكره على وجه الظن والتوهم، ومع ذلك فلا يفيد ما توهمه الباجي وبنى عليه.

وقوله: من أصله، يريد من أصل الفربري الذي سمعه من البخاري أو نقله من وراق البخاري وسمعه على البخاري، لا أنَّ أصل البخاري كان عند الفربري، فهذا شيء لم يسمع به، ولم يقل أحد إن أصل البخاري آل إلى الفربري، فأين وراق البخاري وهو حافظ نبيه من أهل العلم والرواية، إنما كان الفربري كغيره من رواة الصحيح سمعوه من البخاري وانتسخوا نسخهم من نسخته.

(1/99)

________________________________________

والدليل على ذلك أن الصغاني قد اطلع على نسخة الفربري التي هي بخطه محبسة في بعض مساجد بغداد، وهي النسخة التي كان يروي منها, وينسخ الناس منها، فنسبها للفربري بخطه لا للبخاري، وقد ذكرت ذلك مفصلا في رسالة كتبتها للتعريف بنسخة الصغاني رحمه الله.

وما استدل به الباجي من اختلاف النسخ عن الفربري ليس بدليل على حصول هذا التداخل المزعوم الذي أورث إشكالا في تناسب الأحاديث مع تراجم أبوابها، لأمور، منها: أن الاختلاف في الغالب إنما هو في الكلمة بعد الكلمة، في ضبطها أو هيئتها، ونحو ذلك من الأمور التي قد يزيدها الراوي من تلقاء نفسه، مثل اختلافهم في كتاب التفسير، فبعضهم يذكر اسم السورة مجردة، وبعضهم يزيد تفسير سورة كذا أو باب سورة كذا، ونحو زيادة البسملة في أول الكتب وحذفها، وليس اختلافهم من قبيل زيادة باب بأجمعه مع أحاديثه أو حذفه.

ومنها: إن النسخ قد اختلفت عن الرواة عن الفربري, كأبي زيد المروزي اختلف الرواة عنه، فالأصيلي الذي ضبط نسخة القابسي, اختلف مع القابسي في ألفاظ، فهل يقال في أبِي زيد المروزي كما قال في الفربري، وهذا الاختلاف له اسباب, منها جواز تطرق التصحيف في المكتوب، ومنها اختلال السمع من فم الشيخ ونحو ذلك, ومنها عدم المحافظة على الكتاب.

وقد صرح المهلب في كتاب المناقب أنه سقط من كتاب أبِي زيد ورقتان فأكمله من رواية أبِي ذر.

ومنها: أن النسخ عن البخاري متفقة في إيراد التراجم المشكلة مع أحاديثها، فهل اتفقوا كلهم - الفربري مع رواته والنسفي وحماد وغيرهم - على ضم أوراق

(1/100)

________________________________________

الصحيح وترتيبها على نسق قريب متشابه، هذا مما لا تقبله العقول، ولو قيل: إن هؤلاء ما اجتمعوا في مجلس واحد لسماع الصحيح لما استبعدت صحة ذلك، بل دليل تأريخ السماع يدل عليه.

مثاله:

أن الراويات اتفقت كلها على أن البخاري بدء كتابه بحديث النيات، وترجم له كيف كان بدء الوحي، وهذا من الإشكال عندهم على ما سيذكره المهلب في هذا النصيح ويحله، فهل قاعدة التداخل التي ذكرها الباجي تحل هذا الإشكال.

وعلى كل هذا التعقيب السمج الذي ذكره الباجي وغمز به البخاري من أنه ليس له إلى تحقيق الألفاظ والمعاني سبيل، فما هو وقول الناس: فقه البخاري في تراجمه، ولعل المهلب عناه لما ذكر عن بعض أهل زمانه ما ذكر من تشنيعهم على البخاري، وتصديهم للرد عليه.

ومع هذا فقد استحسن ابن حجر هذا النقل عن المستملي وجعله قاعدة يروغ إليها إذا أعياه الجمع بين الحديث وترجمته، فقال: وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة جدا ستظهر كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.

ثم ظهر لي أن البخاري مع ذلك فيما يورده من تراجم الأبواب على اطوار، إن وجد حديثا يناسب ذلك الباب ولو على وجه خفي ووافق شرطه أورده فيه بالصيغة التي جعلها مصطلحة لموضوع كتابه، وهي حدثنا وما قام مقام ذلك، والعنعنة بشرطها عنده، وأن لم يجد فيه الا حديثا لا يوافق شرطه مع صلاحيته

(1/101)

________________________________________

للحجة كتبه في الباب مغايرا للصيغة التي يسوق بها ما هو من شرطه، ومن ثمة أورد التعاليق كما سيأتي في فصل حكم التعليق، وأن لم يجد فيه حديثا صحيحا لا على شرطه ولا على شرط غيره وكان بما يستأنس به وقدمه قوم على القياس استعمل لفظ ذلك الحديث أو معناه ترجمة باب، ثم أورد في ذلك اما اية من كتاب الله تشهد له أو حديثا يؤيد عموم ما دل عليه ذلك الخبر أهـ

وهذا الذي ظهر للحافظ أخيرًا خير من تلك القاعدة التي نصبها معيارًا لكتاب لم تعتني الأمة بكتاب بعد كتاب الله كعنايتها به، والله أعلم.

ثم وجدت القسطلاني قد تنبه لشذوذ هذه الرواية التي نقلها الباجي فقال (في إرشاد الساري1/ 34): وهذا الذي قاله الباجي فيه نظر، من حيث إن الكتاب قرئ على مؤلفه ولا ريب أنه لم يقرأ عليه إلا مرتبا فالعبرة بالرواية لابالمسودة التي ذكر صفتها أهـ (انظر الحطة أيضا ص298 - 300).

قلت: وهذا كاف في رد ما رواه الباجي عن المستملي، ولو سلمنا جدلا صحة ذلك في رواية المستملي, فما له ولرواية الاثبات كأبي زيد وابن السكن وغيرهم، والله أعلم.

ثم عقب ابن رشيد بقوله: إنما وقع للبخاري هذا لما كان عليه من النفوذ في غوامض المعاني، والخلوص من مبهماتها، والغوص في بحارها، والاقتناص لشواردها، وكان لا يرضى إلا بدرة الغائص، وظبية القانص، فكان يتأنى ويقف وقوف تخير لا تحير، لازدحام المعاني والألفاظ في قلبه، ولسانه فحم له الحمام, ولم تمهله الأيام, لا لما قاله أَبُوالوليد من قوله الخطأ الذي ضربنا عن ذكره.

(1/102)

________________________________________

ومن تأمل كلامه فقها واستنباطا وعربية ولغة رأى بحرا جمع بحارا، إل ما كان عليه من حسن النية وجميل الفعلة في وضع تراجم هذا الكتاب (1).

نعم، قد ذكر المهلب أن البخاري عجل عن كتابه بالوفاة، وكان يريد أن يحققه وينقحه ويزيد شرح أحاديثه وأبوابها بيانا، وهذا الذي ذكره محل نظر، فقد حدث البخاري بكتابه سنين كثيرة، ودهورا عدة، حدث به من سنة 248 إلى 255 قبيل وفاته بقليل، ومع ذلك فالروايات مؤتلفة في الجملة, متفقة على إيراد هذه الأحاديث في أبوابها إلا ما شذ وندر، والله الموفق.

_________

(1) إفادة النصيح ص26.

(1/103)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

 

المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

المختصر النصيح

اسمه:

لم يثبت اسم الكتاب أول المخطوط، ولكن جاء على الصفحة الأولى أن الغافقي كان يثني على هذا المختصر النصيح.

والمهلب قد ذكر اسم كتابه في أوله فقال: «ولعل الله يمهل في الأجل لهذا الأمل ويعين على شرح هذا المختصر النصيح» ثم قال: «وها أنا حين أبتدئ بتهذيب الكتاب الجامع الصحيح».

وقد مر بنا أن تلميذ المصنف القاضي ابن سهل قال: وله في البخاري اختصار مشهور سماه: «كتاب النصيح في اختصار الصحيح».

فتلخص من هذا وذاك أن الشق الأول من اسم الكتاب هو: المختصر النصيح كما نص مؤلفه في المقدمة.

وأن تتمته: بتهذيب الكتاب الجامع الصحيح، كما نص أيضا هو.

فيكون اسم الكتاب: المختصر النصيح بتهذيب الكتاب الجامع الصحيح، والدليل على هذه التتمة أمران:

الأول: أن بها تتم السجعة، وعادة المصنفين ولا سيما في القرون المتقدمة سجع العناوين.

الثاني: أن بها يتم وصف الكتاب والتعريف به، فإذا قيل ما المختصر النصيح؟ قيل: تهذيب الكتاب الجامع الصحيح، وقد جاء ذلك على لسان مؤلفه في المقدمة، والله أعلم.

(1/104)

________________________________________

سبب تأليفه:

قد بينه المهلب في مقدمة كتابه، فقال بعد أن ذكر البخاري بما هو أهله, وذكر كتابه بما يستحقه: «فلذلك رغب إلي منكم راغبون كثير في اختصار تكراره، وتحرير آثاره، حرصًا على قرب أمره، وتأتي حفظه».

 

الراويات التي اعتمدها المهلب:

اعتمد المهلب على رواية شيخه أبِي محمد الأصيلي, فأتى بألفاظها، إلا أنه لم يخل النسخة من بعض الفروقات اليسيرة مع رواية القابسي.

والقابسي والأصيلي شيخان للمهلب، مرد روايتيهما إلى أبِي زيد المروزي، ولأن القابسي اعتمد على صاحبه الأصيلي في ضبط نسخته عن أبِي زيد قل الفارق بين النسختين.

وأكثر الروايات موافقة للأصيلي والقابسي رواية الكشميهني كما ظهر لي من مقارنة الروايات بعضها ببعض، وذكرته آنفًا.

 

فوائد روايات صحيح البخاري:

تقوم النسخة من صحيح البخاري مقام الراوي الثقة عن الشيخ، فاجتماع عامة الروايات عن البخاري على شيء ثم مخالفة رواية عنه لمجموع هذه الروايات هو من قبيل الشاذ الذي يحكم بتخطئته، ولا يعول عليه، ولا سيما إذا لم يكن له خارج البخاري ما يعضده.

(1/105)

________________________________________

مثاله في روايتنا هذه، أعني رواية الأصيلي ما وقع عنده ووافقه عليه الكشميهني من رواية حديث أبِي هريرة في الجهاد «اِنْتَدَبَ اللهُ» الحديث، بلفظ: «ائْتَدَبَ».

فقال الحافظ رحمه الله تعالى: «اِنْتَدَبَ الله» هُوَ بِالنُّونِ, أَيْ سَارَعَ بِثَوَابِهِ وَحُسْن جَزَائِهِ، إلى أن قال: وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ هُنَا «ائْتَدَبَ» بِيَاءٍ تَحْتَانِيَّة مَهْمُوزَة بَدَل النُّون مِنْ الْمَأْدُبَة, وَهُوَ تَصْحِيف, وَقَدْ وَجَّهُوهُ بِتَكَلُّفٍ.

لَكِنْ إِطْبَاق الرُّوَاة عَلَى خِلَافه مَعَ اِتِّحَاد الْمَخْرَج كَافٍ فِي تَخْطِئَته أهـ.

ومن فوائد النسخ: تقييد المهمل، فقد يذكر البخاري الراوي ولا ينسبه، وأشهر من في البخاري على هذه الصفة، شيخه محمد، الذي قيل فيه أقاويل كثيرة، فبعض النسخ يكون محمد هذا منسوبًا، فيستفاد منها هذه المعرفة.

وأكثر النسخ اعتناء بتقييد المهمل نسخة ابن السكن الحافظ، وقد روى عنه ابن خلفون في آخر كتابه في شيوخ الشيخين ما يفيد أن كل ما في الصحيح عن محمد عن شيوخ عراقيين هو محمد بن سلام, وما فيه محمد عن عبد الله أو عن المراوزة فهو أَبُوالحسن بن مقاتل، وهذه قاعدة حسنة، والله اعلم.

وفي بعض النسخ أيضا فوائد زائدة عن النسخ الأخرى، قد تكون من زيادات أصحابها أو مما استفاده الرواة عن غير البخاري، فقد نقل الفربري عن وراق البخاري في أماكن عدة.

فَحَكَى الْفَرَبْرِيُّ بعد حديثٍ للزُبَيْرِ بْنِ عَرِبِيٍّ أَنَّهُ وَجَدَ فِي كِتَاب أبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أبِي حَاتِم وَرَّاق الْبُخَارِيّ - قَالَ: قَالَ أَبُوعَبْد الله يَعْنِي الْبُخَارِيّ: الزُّبَيْر بْن عَرَبِيّ هَذَا بَصْرِيّ, وَالزُّبَيْر بْن عَدِيّ كُوفِيّ، اِنْتَهَى.

(1/106)

________________________________________

هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أبِي ذَرٍّ عَنْ شُيُوخه عَنْ الْفَرَبْرِيِّ.

وغالب زيادات الفربري عن أبِي جعفر رواها أَبُوذر.

قال الحافظ في شرح حديث ابن عمر: «مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ»: قَوْلُهُ: (قَالَ الْفَرَبْرِيّ: قَالَ أَبُوجَعْفَر) هُوَ مُحَمَّد بْن أبِي حَاتِم الْبُخَارِيّ وَرَّاق الْبُخَارِيّ, وَقَدْ ذَكَرَ عَنْهُ الْفَرَبْرِيّ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَوَائِد كَثِيرَة عَنْ الْبُخَارِيِّ وَغَيْره, وَثَبَتَتْ هَذِهِ الْفَائِدَة فِي رِوَايَةِ أبِي ذَرّ عَنْ مَشَايِخِهِ الثَّلَاثَةِ وَسَقَطَتْ لِغَيْرِهِ أهـ.

وقوله: سقطت لغيره فيه نظر.

وربما لم يسمِّ الفربري عمن أخذ الفائدة، ففي بعض النسخ بعد حديث «فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ»، الحديث, قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ: ذُكِرَ عَنْ أبِي عَبْدِ الله عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ هُمْ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُوبَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ.

وربما زاد الفائدة عن البخاري، كما ثبت في بعض النسخ في الأطعمة قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُولُ: إِذَا كَانَ الْقَوْمُ عَلَى الْمَائِدَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَةٍ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى وَلَكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي تِلْكَ الْمَائِدَةِ أَوْ يَدَعُ أهـ.

(1/107)

________________________________________

منهج المهلب في هذا الكتاب النصيح:

ذكر المهلب أن البخاري لا يكرر الحديث إلا لفائدة، ولذلك كان لا بد من تكرار الحديث في أكثر من باب، وقال لمن سأله اختصار الصحيح على معنى حذف المكرر وترك الزوائد:

ولو كان تكرره على كل باب على نص واحد لأمكن ما رغبوه، وساغ ما أرادوه، ولكن يكرره بألفاظ مختلفة يدل على وجوه، وبزيادات الرواة على غيرهم تنفس المعاني للناظر الفقيه.

ولذلك فإنَّ اختصار البخاري لا بد أنْ يكون على طريقة خاصة تحافظ على روعة هذا الصحيح وبهجته، كما قال المهلب منبهًا على ذلك:

فلو اختصر على ما ظنه الراغبون فيه، واحتمل على رأي المستنبطين له, لذهبت بهجة الكتاب، وطمست أعين المعاني, وعدم من فوائد الحديث الأكثر التي ترجم بها، واستنبطها من خفي ما ... فجلاها للعقول، ونبه عليها من جوامع كلام الرسول فإنه عليه السلام قال: (بعثت بجوامع الكلم).

قال ابن فارس: ولذلك نزلت قيمة معظم مختصرات البخاري، لما أهمل المختصرون ما تنبه إليه القاضي.

فاختصره المهلب على منهج آخر وفق له بعد إعمال النظر، قال مخبرًا عن ذلك: فأعملت النظر أيدكم الله فيما رغبه الآملون لتحفظه، والراغبون في التفقه منه مع تهذيبه، فلم يمكنني فيه غير اختصاره بإسقاط تكراره، إلا ما ضنت الحاجة إليه، واشتملت المتون من اللفظ عليه، فأبقيه لفائدة فيه.

وباختصار أقول، إن منهج المهلب في هذا الكتاب يتضح في هذه المباحث:

(1/108)

________________________________________

الأول: أعمل المهلب إسقاط المكرر باعتماد موضع واحد يذكر فيه طرق الحديث الواردة في الصحيح, فيسوق الأسانيد، ثم يتبع بالمتون، فيأتي بأكمل المتون وأشمل الألفاظ.

والبخاري في تكريره يرى أنَّ المحدث الفقيه العارف لما يروي يجوز له اختصار الحديث والاقتصار منه على ما يريده المصنف أو الفقيه، ولذلك وقع له في الصحيح أن كرر الحديث في مواضع بإسناد واحد زاد في ألفاظه بما يحتاج إليه بحسب كل ترجمة.

مثاله:

حديث «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» خرجه في ثلاث مواضع قال فيها: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله نا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أبِي الْغَيْثِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ (رقم: 2766، 5764, 6857) , وفي موضعين ساقه بتمامه لاحتياجه في الترجمة لذلك، لكن في كتاب الطب لم يحتج لمتنه كاملا, فرواه بإسناده, بلفظ: «اِجْتَنِبُوا الْمُوبِقَاتِ: الشِّرْكَ بِاللهِ وَالسِّحْرَ».

وكذلك: حديث سَعِيدُ بْنُ أبِي مَرْيَمَ عن مُحَمَّد بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ

(1/109)

________________________________________

عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى, قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا».

هكذا ساقه بتمامه في الحيض (304) وساق إسناده في الشهادات (2658) وقال فيه: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا».

وهذا من فقه البخاري رحمه الله وقدرته على التصرف في المتون، فهو من فقهاء المحدثين وأئمة الدنيا.

الثاني: يَذْكر المهلب الحديث في الباب الذي هو أولى به، وأجدر أن يحتوي عليه.

الثالث: يسوق المهلب لفظ راوٍ ينص عليه، ثم يبين ما زاده كل راوٍ ساق إسناده أول الحديث، ولذلك فإنه لا يأتي إلا بالأسانيد التي احتوت متونها على ألفاظ زائدة للمتن الكامل الذي اختاره.

ومع تنوع الأسانيد وتشعبها فإنَّ المُهَلَّبَ ينص على من عليه مدار الحديث.

قال المهلب: «فظهر إلي أن أخرج من كل حديث على أكمل ما أجده في الأبواب التي ذكره فيها ليُريَ فوائده، وتنوِّع أسانيده، وأتوخى أولى الأبواب به ما أمكن، وأذكر فيه ما زاده الضابط من الرواة على غيره في موضعه من نصه، بعد تقديم شعوب سنده إلى من عليه مدار الحديث، لكيما يكمل المتن مسند الألفاظ مقيد الزوائد».

(1/110)

________________________________________

مثال ذلك:

حديث عبد الله بن عمرو في صيامه وقيامه، فقد كرره البخاري في سبعة عشر موضعا في كتاب الصلاة والصيام والنكاح والقرآن والتفسير والأدب، لم يكرر البخاري إسنادًا واحدًا مرتين إلا ويأتي بزيادة في الإسناد أو المتن.

وقد رواه في مواضع عن شيخين مختلفين عن شيخ اتفقا عليه، وقد كتب إسنادًا واختصر متنه، فذكر المهلب عامة الطرق التي استوعب بها عامة لفظ الحديث، فخرجه من اثني عشر إسنادًا للبخاري، استوعب ما في الحديث من ألفاظ مدخلها في الصلاة أو الصيام أو النكاح .. إلى آخر فوائد الحديث.

ومازَ زيادات الرواة على ما اشترط.

وكحديث عائشة في حجة النبي صلى الله عليه وسلم, كرره البخاري في خمسة وثلاثين موضعا، في كتب عدة، تبدأ بالحيض وتنتهي بالأدب، وقد لخصه المهلب بطريقة بديعة ليرفع ما فيه من إشكالات، فحصر الرواة له عن عائشة فإذا هم أربعة، فساق أسانيد البخاري إلى هؤلاء الأربعة وشعب عنهم طرقًا كثيرة، واقتصر على ستة عشر إسنادًا احتوت متونها عامة ألفاظ حديث عائشة ولم تغادر منه شيئا.

الرابع: مذهب المهلب أنه يجب على الراوي إذا روى حديثا عن شيخين ثقتين أن يبين لفظ هذا من هذا، وفي المسألة قولان، إلا أن المهلب تشدد فيها، واعتمد القول الأصعب، والتزم به في هذا النصيح.

(1/111)

________________________________________

قال: «وإن كان ابن شهاب الزهري رضي الله عنه وغيره من الأئمة قال في حديث الإفك، وحديث موسى مع الخضر عليهم السلام وفي غيرهما حين كثرة عليه زيادات الرواة في الحديث، فقال في آخر الاسناد: وكلٌّ حدثني طائفة من الحديث، وبعضهم يزيد في الحديث على بعض، ولم يذكر المزيد ولا الزائد، ثم ساوى الحديث على نص واحد ولم يعين لكل راوٍ منهم زيادته».

قلت: ومذهب البخاري مذهب الزهري، وقد انتقده الإسماعيلي في بعض ذلك.

قال البخاري في كتاب المغازي، باب (ويوم حنين): نا أَبُوالنُّعْمَانِ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ الله, ح، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أنا عَبْدُ الله أنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَائِهِ.

فَقَدْ عَابَ عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ جَمْعهمَا لِأَنَّ قَوْله: «لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ» لَمْ يَقَع فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن زَيْد أَيْ أن الرِّوَايَة الْأُولَى مُرْسَلَة.

وهذا مما يسجل في منهجية البخاري رحمه الله تعالى في التدوين، وقد أخذ به صاحبه مسلم بن الحجاج.

إلا أنَّ المهلب لم يرتض هذا المذهب، واختار أن يفصل رواية هذا عن هذا، وقال: «ولم أسمح أنا في ذلك ولا قنعت به لأن ابن معين رحمه الله قد تكلم في مثل هذا، فرأيت الخروج عن موضع التكلم أولى، وإن زادت الأسانيد، لكني ربما ذكرت زيادة الراوي في المتن وفصلتها بتحويقة.

(1/112)

________________________________________

وربما كررت اسم الأول الذي له اللفظ».

ولأنَّ الناسخ لم يعرف قيمة تلك التحويقة فأخل بها فقد حافظت أنا على جهد المهلب، فميزتُ الزيادات وفصلتها بأن وضعت في آخرها فاصلة هذا رسمها (,) وربما فصلت بوضع كل زيادة بين علامتين هذا رسمهما («») وذلك إذا كانت الزيادة في النص المرفوع، وربما استأنفت سطرا جديدا.

الخامس: بعد ذكر الحديث كاملًا يتبع المهلب بتخريج الحديث في أبوابه التي ذكره البخاري فيها.

فقال: «ثم إني ذكرت في آخر الحديث كل باب خرجه البخاري رضي الله عنه فيه ليستدل الدارس له المتفقه بتلك التراجم على لطيف المعاني التي تضمنت ويتعلم كيف وجه الاستنباط لها إن خفيت واستخراجها إن غمضت, والله يلقي الحكمة من أراد به الخير بفضله.

ولما خرجت من الأحاديث الأكمل، وركبت منها المشتت فاتصل، ألفيت الذي صدَّر به من الحديث في أوائل الأبواب مقطوعا وأكثرها في الكتاب مسندًا في غير تلك الأبواب المصدر بها فيها فخرجتها حيث أجدها وتركت ذكرها في مواضع التصدر بها».

السادس: لم يكرر المهلب الأبواب المكررة الواردة في كتب مختلفة, فقال: «وهممت أيضا بترك الأبواب التي هي بمعنى واحد في أواخر الأحاديث، مثل قوله باب تزويج المحرم، وقال في النكاح: باب نكاح المحرم، وباب المرأة تحيض

(1/113)

________________________________________

بعد الإفاضة، وقال في الحج: باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، وخرج فيها حديثًا واحدًا، وغيرها كثير فتركت الأقل، وذكرت الأكثر».

السابع: وصل المهلب ما في الصحيح من معلقات لم توجد في البخاري مسندة، واعتذر عما وقع في البخاري من ذلك بأن المنية حالت بين البخاري وبين تهذيب كتابه، فقال: «إني تدبرت هذا الكتاب الصحيح الذي جعله الله في آخر الزمان عصمة للمختلفين, وحكما للمتفرقين، ورحمة للعالمين، فألفيت مؤلفه رحمه الله على ضمان الصحة، وجامعه عن أهل الثقة، لم يبلغ من تهذيبه ما أراد، ولا تمكن فيه من كل ما أمل، واستدللت على أنه أعجل عنه بأجل، أو غالب شغل، بأنه يبوب أبوابًا كثيرة وتركها فارغة لم يخرج فيها أحاديثها وبعضها يفهم من الترجمة، ولا يفهم من بعض، ومن تلك الأبواب الفارغة ما صدر فيها الأحاديث بما يدل على المعنى ثم لم يخرج فيها غير التصدير, وأبواب كثيرة قال فيها: باب، ثم ذكر أحاديثها ولم يترجم لها بالمعنى, وأحاديث مقطوعة لم يسندها، كحديث «إِنْ لَقِيتُمْ فُلانًا وَفُلانًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ» , وحديث ابن عباس: لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِسُنَّةٍ، قال فيهما البخاري: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، ولم يذكر من حدثه عنه.

وكذلك قال في حديث الخشبة، وحديث أسماء رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة، وحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر سردا لحديثه كسردكم، قال فيها كلها: وقال الليث, ولم يذكر من حدثه عن الليث.

وسأسندها إنشاء الله تعالى.

(1/114)

________________________________________

وقد يترجم بعض الحديث لبيان معناه، ويترجم بطرف منه ليدل عليه، وفي كثير من الأبواب خرج فيها أحاديث يخفى معنى ذلك التبويب من نصها إلا باستدلالٍ خفي ٍ وغوص ذكي، ولو أمهل - والله أعلم - لأردف تلك النصوص بما هو أجلى لوجوه المعاني وأظهر لها».

الثامن: اعتاد المهلب في نصيحه عادة البخاري في صحيحه، من حيث إنه يعتمد سياقة متن آخر إسناد يورده، والبخاري إذا ساق إسنادين لمتنٍ واحد فإن المتن هو للفظ الآخر من الإسنادين ما لم ينص على خلاف ذلك.

مثاله في البخاري حديث «إِنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ».

رواه في كتاب الديات (6880) قال: نا أَبُونُعَيْمٍ نا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أبِي سَلَمَةَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ, وَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ رَجَاءٍ نا حَرْبٌ عَنْ يَحْيَى نا أَبُوسَلَمَةَ نا أَبُوهُرَيْرَةَ.

ثم ساق متنا واحدا لم يبين لفظ من هو.

وعلمنا أنه حديث عبد الله بن رجاء لما رأينا سوق البخاري لحديث أبِي نعيم مفردًا في كتاب العلم (112) فإذا غير متن ابن رجاء.

ومثله أيضًا:

قصة مقتل اليمان أبِي حذيفة يوم بدر، فقد رواها البخاري في باب العفو في الخطأ (6883) من حديث فَرْوَةُ بْنُ أبِي الْمَغْرَاءِ بإسناده عَنْ عَائِشَةَ ثم قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ فساق إسناده أيضا إلى عَائِشَةَ، والمتن الذي أعقب به إنما هو لمحمد

(1/115)

________________________________________

بن حرب, وإن لم يقل البخاري: لفظه، فقد أخرج حديث فروة في الأيمان (6668) مفردا لم يقرن إسناده بآخر وساق متنه غير متن ابن حرب.

ومثله أيضًا:

حديث أسماء رضي الله عنها: «لا تحصي .. »

فقد رواه في الهبة (2590) فقال: حَدَّثَنَا أَبُوعَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ, ح, وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا تُوعِي فَيُوعِيَ الله عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ».

فهذا لفظ محمد بن عبد الرحيم، لأنه ساق في كتاب الزكاة حديث أبِي عاصم (1434) فقال: حَدَّثَنَا أَبُوعَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله مَا لِيَ مَالٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ فَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: «تَصَدَّقِي وَلَا تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ».

ومثله: حديث ابن عباس في السبعين ألفا.

رواه البخاري في الرقاق بَاب يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ (6541) قال: نا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ نا ابْنُ فُضَيْلٍ نا حُصَيْنٌ، ح, وحَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ نا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ» الحديث، فهذا إنما هو لفظ

(1/116)

________________________________________

حديث أسيد بن زيد، فقد وجدنا البخاري خرج حديث عمران في كتاب الطب بَاب مَنْ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيْرَهُ وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ (ح 5705) فإذا لفظه غير هذا اللفظ.

قال البخاري: نا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ نا ابْنُ فُضَيْلٍ نا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ, فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: نا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ» الحديث (1).

إلا أنّ المهلب خالف في موضع واحد وهو في تفسير قوله عز وجل {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} من سورة المائدة، فقد ساق إسناد البخاري فقال: نا أَبُوالْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا أهـ.

والبخاري أخرج حديث أبِي اليمان مرتين, مرة مفردا لم يسق إسنادا آخر معه وذلك في الصلاة باب وقت الظهر عند الزوال, والموضع الثاني في باب ما يكره من كثرة السؤال، الباب، لكنه قال في الموضع الثاني: نا أَبُوالْيَمَانِ أَخْبَرَنَا

_________

(1) وانظر مثالا له على نحو ما شرحت حديث " أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ" وهو في موضعين في الصحيح، الأول: برقم 2348، والثاني: برقم 7519، فقارن بين الإسنادين والمتنين.

وكذلك حديث سهل: اتهموا الرأي، قارن بين هذين الموضعين (3181) (7308).

وحديث "ويل للعرب"، قارن بين رقم (6218) و (7069).

وحديث مشهد المقداد يوم بدر، قارن بين الموضعين (3952) (4609).

وحديث البراءة من صنع خالد بن الوليد في بني جذيمة، قارن بين الموضعين والإسنادين (4339) (7189).

(1/117)

________________________________________

شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ, ح، وحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، ثم ساق المتن كما ساقه المهلب.

ومتن أبِي اليمان الأول فيه نقص يسير عن هذا المتن, فقد يجوز أن يكون المهلب ساق الإسناد كما هو عند البخاري لكن سقط على الناسخ, مع أن عادته الاقتصار في مثل هذا على الإسناد الثاني، والله أعلم.

التاسع: لم يلتزم المهلب في تخريج الحديث الاكتفاء بحديث الصحابي الذي خرجه فيه، ففي أحيان كثيرة يخرج المهلب حديث الباب بذكر شواهده التي في الكتاب, فمثلا حديث الساعدي الطويل في قصة سفرهم إلى تبوك, وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى أُحُدًا: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» فقد ذكر في تخريجه أن البخاري رواه في باب أحد يحبنا في غزوة أحد, وليس هناك إلا حديث أنس في جبل أحد, ورقمه في الصحيح (4083) , وهكذا يفعل المهلب في باقي الأحاديث.

العاشر: إذا كان الحديث طويلًا وكرره البخاري في مواضع عدة فإنه حينما يذكر لفظ الباب المخرج به لا يعزو إلى أصل الحديث كله سواء منه ما احتوى على اللفظ المقصود أم لا, بل يخرجه من الباب الذي فيه نفس اللفظ والشاهد.

كحديث شعبة الطويل الذي كتب به إلى معاوية رضي الله عنهما وفيه أذكار بعد الصلاة وجملة مما أمر به ونهى عنه, وقد كرره البخاري في مواضع عدة ومن طرق عدة أرقامها في الصحيح هكذا: (844) (1477) (2408) (5975) (6330) (6473) (6615) (7292).

(1/118)

________________________________________

وفي الحديث المختص بالزكاة ورقمه (1477) وفيه النهي عن إضاعة المال خرجه المهلب بقوله: وخرجه في باب عقوق الوالدين من الكبائر (5975) , اقتصر على ذلك ولم يزد لأن هذا الباب هو الذي يشاكل لفظه لفظ باب الزكاة ويقاربه، ولم يعرج في التخريج على أصل الحديث, وإلا كان خرج عن مقصوده, إذ أن هذا ليس هو الموضع الأول الذي يمر فيه الحديث، فقد سبق في الصلاة, وهناك ذكر حديث شعبة تاما مطولًا، لأنه أول موضع يمر فيه, ورقمه في الصحيح (844) , وخرجه هناك بأوسع فقال: خرجه في باب الدعاء بعد الصلاة, وخرج الآخر في باب النهي عن كثرة السؤال وتكلف ما لا يعني, وفي كتاب الدعاء، وباب لا مانع لما أعطى الله, والأول: في باب ما يكره من قيل وقال أهـ.

الحادي عشر: قد يعيد المهلب الحديث في موضعين من كتابه، ويخرجه في كل موضع, كحديث عائشة «لكن أفضل الجهاد» لاحتياجه إليه في الترجمة.

الثاني عشر: تعامل المهلب مع الكتاب تعامل المحدث والفقيه.

أما نظر المحدث:

فهو في الكتاب في مواضع عديدة, يتكلم على الموافقة والمخالفة، والتفرد والشذوذ، ويصحح يضعف، ويعدل ويجرح, ويبين من تفرد بين الرواة ومن زاد عليهم، وله تعقبات على البخاري لم يسبق إليها وليست من نوع تتبع الدارقطني وإلزاماته.

(1/119)

________________________________________

وقد حكم على أحاديث بالشذوذ وعلى أخرى بالاضطراب، كحديث ابن عباس في من مات وعليه صوم فقد حكم باضطرابه ولم يجد بدا من تخريجه بعد أن تبرأ منه البخاري, كما قال ..

وأما نظر الفقيه:

فالمهلب مالكي المذهب، متقن لفقه السادة المالكية، مطلع على مذاهب أصحاب المذاهب، ومع أنه بدأ كتابه بالاستدلال العام على تفوق مذهب مالك وأهل المدينة على من سواهم ولا سيما مذهب أهل الكوفة والعراق، وعقد لذلك مفاضلة غير خالية من التحيز للمذهب، فإنه لا يخفى على طالب العلم أن مواطن العلم التي خرج منها العلم - وهي الحجازان مكة والمدينة، والعراقان البصرة والكوفة، والشام - تتساوى في الأصل الذي فاضل به, فكلها نزل فيها من الصحابة جم غفير, وكان فيها من العلم ما أنار مشارق الأرض ومغاربها، وقد حشد المهلب هذا الكتاب بالمناقشات الفقهية, والاستدلالات المذهبية, ينتصر فيها غالبا لمذهبه، وإن خالفت مذهب المصنف البخاري.

قال المهلب: «ولعل الله يمهل في الأجل لهذا الأمل ويعين على شرح هذا المختصر النصيح بأوجز ما يتهيأ, فيكون بعون الله شرحه على قد كتاب البخاري أو قدره، وتكون الفائدة في شرحه أجدى على الناس من ما اختصرت من تكرير نصه، غير أني قد تكلمت فيه على نبذ من الأحاديث المشكلة التي أدخلها رحمه الله على اضطراب الرواة فيها، ونثرها فيه غير مرتبة ولا مبينة, على ما نبين وجوهها، وأشرت فيها بما ينفي الاضطراب عنها فلا تتعارض، ويقف الوهم في أسانيدها

(1/120)

________________________________________

أو متونها على من حكم به النظر عليه من ناقليها، وكذلك فعلت في تأويل معانيها.

ومنها ما هذبت أسانيدها، وطرحت الوهم الظاهر فيها، كحديث صفة عيسى وموسى في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم لهما في منامه عند الطواف، وكحديث الإفراد والقران في الحج، وقد تكلمت عليه، وكحديث رافع في المزارعة، وحديث جابر فيما دون الحد من العقوبة، وحديثه في بيع الجمل واشتراط ظهره، وغيرها كثير، كلها أعجل البخاري رحمه الله عن تهذيبها, وتقليب الصواب لأهللها، ولم أتقصها كلها كيلا يكثر الكتاب فيمل الشارح والكتاب، وتبقى الإطالة, فلا تعدم الملامة».

إلا أن بعض هذه المواضع غفل من التعليق والتبيين، فلا أدري أنسي المهلب أم أخل الناسخ فيها.

الثالث عشر: هذا الكتاب مصنف لطوائف الطلبة كلهم، المتفقهين منهم والحديثيين وطلبة الحفظ.

قال المهلب منبهًا إلى ذلك: «وقد يسوغ لمن أراد تحفظ متون الأحاديث خاصة أن يختصر ذكر أسماء المختلفين في ألفاظها بالزيادة والنقصان، فيكون متن الحديث أسمح لقراءته، وأيسر لتحفظه، كما يسوغ له أيضا أن يختصر ذكر الأبواب من آخر كل حديث، إذا لم يرد التفقه فيه منها، وقدم تحفظها، فيكون قد خفف عن نفسه مؤونة كبيرة من ذكر الأسماء التي يحتاج إليها أهل الإسناد، والأبواب التي منها تفقه أهل العلم.

(1/121)

________________________________________

فكتابي هذا إذًا:

يحتاج إليه طبقات العلم الثلاث أعني المسندين، والمتفقهين، والمتحفظين.

فلكل واحد منهم فيه بغيته ملخصة، وحاجته معينة، ومطالبه مقربة، وليس لمن صفرت يداه من بضاعة الحديث وعلم إسناده ومعانيه».

(1/122)

________________________________________

منهج المهلب في شرح الحديث وتفسيره:

لما كان من منهج المهلب في هذا النصيح أن يجمع الروايات والأسانيد في مكان واحد، فإنَّ ذلك قد أفاد القارئ فائدتين عظيمتين لا يمكن الكشف عنهما إلا بهذا الحشد والجمع، وهما:

معرفة علل الأسانيد، ومعرفة شرح الحديث ومعناه على الوجه الصحيح.

أما معرفة العلل:

فإن هذه المعرفة غير معرفة الصحيح من الضعيف، حتى لا يظن ظان أن هذا النوع غير موجود في صحيح البخاري، لاقتصار البخاري في كتابه على الصحيح، فإن العلة إنما تدخل على الحديث الصحيح.

قال أَبُوعبد الله الحاكم رحمه الله: وانما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل, فإن حديث المجروح ساقط واه, وعِلَّة الحديث يكثر في أحاديث الثقات, أن يحدثوا بحديث له علَّة, فيخفى عليهم علمه, فيصير الحديث معلولا, الحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير أهـ.

وقد أجمل الحاكم أوجه العلل في أحاديث الثقات فقال: فان المعلول ما يوقف على عِلَّتِه أنه دخل حديث في حديث, أو وهم فيه راو, أو أرسله واحد فوصله واهم اهـ وزاد غيره أوجهًا أخرى.

إلا أنه لا يمكن الكشف عن علة حديث ما إلا بجمع طرقه ومقارنة أسانيده وألفاظ رواته بعضها ببعض.

قال يحي بن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه (1).

_________

(1) المدخل إلى الإكليل 14.

(1/123)

________________________________________

وقال ابن المديني: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه (1).

فاستفاد المهلب من جمعه للحديث الواحد معرفة علته، وحكم في كتابه هذا على حديث ابن عباس في المرأة التي ماتت وعليها قضاء فقضت عنها ابنتها، وعلى حديث رافع في المساقاة بالاضطراب, وعلله سندًا ومتنًا.

قال عن حديث رافع:

إِنَّ فِي حَدِيثِ رَافِعٍ فِي كِرَاءِ الأَرْضِ مِن الاضْطِرَابِ فِي أَسَانِيدِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يَجِد الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بُدًّا مِنْ إِدْخَالِهِ بِاضْطِرَابِهِ لِيَتَدَبَّرَ أَهْلُ الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ أَمْرَهُ سَنَدًا وَمَعْنَىً.

فَأَمَّا السَّنَدُ فَمَرَّةً حَدَّثَ رَافِعٌ عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَمَرَّةً عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرٍ بْنِ رَافِعٍ عَنْهُ, وَمَرَّةُ عَنْ عَمَّيْهِ وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ أهـ

ولئن كان الشاذ في اصطلاح المتقدمين نوع آخر من غير جنس العلل كما فرق بينهما الحاكم أَبُوعبد الله في المعرفة فذكر الشاذ بعد العلل, إلا أن بينهما ارتباطًا وثيقًا من حيث كون الشاذ لا يكون إلا في الحديث الصحيح، وطريق معرفة الشاذ هي طريق معرفة الحديث المعلل.

وقد رد المهلب ألفاظا عديدة في الصحيح بحجة الشذوذ، كلفظة القضاء الواردة في حديث ابن شهاب، وحديث هشام بن حسان في المتلاعنين، ولفظة محمود بن غيلان في الصلاة على المحدود، وحديث سعيد بن عبيد في القسامة وهمه في ألفاظه الثلاثة، وفي حساب تركة الزبير، ولم يضف الوهم فيه لأحد, وغير ذلك إنما أردت التمثيل.

_________

(1) مقدمة ابن الصلاح: ص 82

(1/124)

________________________________________

وبعض ما يحكم عليه المهلب من الشذوذ مصيب فيه، وبعضه محل نزاع.

وأما معرفة شرح الحديث ومعناه:

فإنَّ المعرفة الأولى مفيدة جدا في شرح الحديث، إذ كانت جسارة المهلب تحمله على رد الألفاظ التي يحكم بشذوذها أو اضطرابها، قانعًا بالألفاظ الصحيحة التي يتفق عليها عامة الرواة، وإن كان بعض الشراح المتأخرين يميل دائمًا للجمع بين الألفاظ ولو بالتعسف الشديد, واللي المستكره أحيانًا، والحافظ ابن حجر في شرحه يجمع بين القولين, قول من وفق بينهما على تكلف ومن رد لفظًا وقنع بآخر، لكنه لا يختار أحيانًا بين الأقوال التي ينقلها.

فهذه السمة الأولى من سمات منهج المهلب في شرح الحديث.

والسمة الثانية وهي مهمة جدًا، وجدتها بينةً في كتابه، لم أرها على هذا البيان في كتاب آخر، وذلك أن المهلب يفسر الحديث بالحديث، فالرواية في صحيح البخاري يبحث عن تفسيرها في رواية أخرى في الصحيح، وهذا المنهج قد طربت له كثيرًا، ورأيته أصلحَ المناهج في تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمها، فإنَّ الروايات يفسر بعضها بعضًا، بمثابة تفسير القرآن بالقرآن، فإنَّ القراءات سواء المتواتر منها أو ما يسمى بالقراءات التفسيرية أو حتى ما يطلق عليها بالشاذة تفسر القرآن، وخير ما فسر به القرآن القرآن.

ليس عبثًا ولا تقطيعًا للحديث حينما يفرق المهلب بين أجزاء الحديث الواحد بألفاظ رواته، وقد يضيق صدر الجاهل أحيانًا بهذا التقطيع إلا انه للعالم بردًا وسلامًا.

(1/125)

________________________________________

انظر إلى المهلب كيف يفسر حديث البخاري بحديث البخاري، ويحمل متشابه الألفاظ على محكمها:

قال البخاري: نا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ نا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِالله، ونا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا.

وقال زائدة: قَسَمَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا.

فقَالَ المهلب:

فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ, فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ.

ويستفيد كذلك تعيين المبهمين:

قال البخاري: نا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ومُسَدَّدٌ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ.

فأعقبه المهلب بالقول:

وخرجه في باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه مفسرا، فقال البخاري: نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ نا أَيُّوبُ ذُكِرَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ عِكْرِمَةَ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَمَلَ قُثَمًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ, أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ وَالْفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ, فَأَيُّهُمْ شَرٌّ وَأَيُّهُمْ خَيْرٌ.

(1/126)

________________________________________

وتظهر لك نجاعة هذا المنهج في تفسير الرواية بالرواية في كتاب الحج, وكيف رتبه المهلب وفسر ألفاظه من ألفاظه، وأزعم أن ترتيبه لكتاب المناسك شرح للكتاب على حياله، فمن ارتاب فيما أقول فلينظر فيه أولًا.

وقد صرح هو فيه بمنهجه في تفسير الأحاديث وأنه يرتب الألفاظ على مواطنها وأوقاتها، ويجمع الروايات, ويركب الألفاظ على المواطن.

قَالَ الْمُهَلَّبُ:

إن هذا الحديث من الإشكال بحيث قد اعتمد (!) على حفاظ النقل وأئمة الفقه مساق نصه وتأويله، حتى تكلف كثير من العلماء المتقدمين تأليف الكتب والدواوين في اختلاف نصوصه واضطراب ألفاظه، رغبة منهم رحمهم الله في تلخيص سبيله والتسيب إلى تأويله.

فمنهم من وقف اضطراب ألفاظه على أمنا عائشة رضي الله عنها، ومنهم من جعل ذلك من قبل ضبط الرواة عنها على قدر تقدم المتقدم منهم في الحفظ والضبط وتأخره، وهذا الوجه كان آدب وأقرب، لولا أن الله بفضله قد فتح لنا في تصحيح معناه على نصه بترتيبه على مواطنه وأوقات إخبارها عنه صلى الله عليه وسلم من جمع الروايات فيه, وتركيبها على لفظه في المواطن التي ابتدأ الإحرام فيها, ثم أعقب حين دنا من مكة بما أمر به من لم يسق الهدي, إذ أوحى الله عز وجل إليه بتجويز الاعتمار في أشهر الحج, فسحة منه تعالى لهذه الأمة، ورمة لهم بإسقاط أحد السفرين عنهم, ومنع عز وجل في كتابه من إحلال الهدي بقوله عز وجل {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ} فأمر عليه السلام من لم

(1/127)

________________________________________

يكن معه هدي بالإحلال بعمرة ليُريَ أمته جوازها، ويعرفهم بنعمة الله عليهم بها عيانًا، عملًا بحضرته صلى الله عليهوسلم  لا خبرًا.

فأوجب الاعتبار للأحاديث وصحح النظر في إحرامه أولًا وفيما أمر به آخرًا تخليص المعنى من الاشكال بحمد الله كما نشير إليه من ترتيب ذلك على المواطن في هذا الباب إنشاء الله عز وجل، ولم نستغن عن تكرير الحديث، لكثرة من رواه من الصحابة رضي الله عنهم مع أم المؤمنين رضي الله عنها، لما في نصوص أحاديثهم من موافقة هذا الترتيب بحديث عائشة، والشاهد على صحته، وتصديق الترتيب فيه, والتأويل فيه.

ثم طفق سوقًا للأحاديث وقرنًا للألفاظ المجملة بالمبينة.

وأما حديث البخاري: «إِنَّ الله لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ».

فلم يجد تفسيره في صحيح البخاري فراغ إلى بحر السنة الزخار وقال:

قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لِقَيْلَةَ بنتِ مَخْرَمَةَ الوافدة عليه، حين ذكرت ولدا لها قاتل معه عليه السلام يوم الربذة، ومات بخيبر، فبكت عليه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ لم تَكُونِي مِسْكِينَةً لجَرَرْنَاكِ اليَوْمَ عَلَى وَجْهكِ, أَيُغْلَبُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَاحِبَ صُوَيْحِبَهُ فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا, فَإِذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَنْ هُوَ أَوْلى بِهِ اسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: رَبِّ آسِنِي مَا أَمْضَيْتَ، وَأَعِنِّي عَلَى مَا أَبْقَيْتَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ أَحَدَكُم لَيَبْكِي، فَيَسْتَعِيرُ إليه صُوَيْحِبَهُ، فَيَا عِبَادَ الله لا تُعَذِّبُوا إِخْوَانَكُم»

حَدَّثَنَا بِهِ .. ثم ساق إسناده.

(1/128)

________________________________________

وبعد، فإن تفسير الحديث بالحديث طريقة الحفاظ والمحدثين، ومنهج الإمام البخاري رحمه الله في شرح السنة.

قال في صحيحه:

نا سَعِيدُ بْنُ أبِي مَرْيَمَ نا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ, وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ».

قال: هَذَا تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ, لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْأَوَّلِ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ, وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ, وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ, كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ بِلَالٌ: قَدْ صَلَّى, فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلَالٍ, وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ أهـ.

والحافظ ابن حجر أكثر الشراح اعتمادًا على هذه الطريقة وأخذًا بها، ولذلك نبل شرحه وكمل، والله أعلم.

(1/129)

________________________________________

النسخ الخطية:

لكتاب النصيح نسختان قابلت عليهما في تحقيق هذا الكتاب المبارك.

النسخة الأولى: هي من محفوظات الخزانة العامة في الرباط، ومنها نسخ مصورة في كثير من المكتبات، وقد صور لي هذه النسخة من مكتبة الجامعة الإسلامية في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم أخي الشيخ بلال أبو قدوم، فجزاه الله خيرًا.

 

وصف النسخة:

عدد أوراقها 318 ورقة في كل ورقة لوحتان، في اللوحة 30 سطرا, في كل سطر قريب من 18 كلمة.

وخطها مغربي جيد, ميز أبواب الكتاب بلون مغاير، وخط عريض.

لم يتبين لي مَنْ كاتبها، ولكنه مجتهد غير ذي خبرة في الحديث، فهو يصحف في أسماء الرجال المشاهير، وقد يكون في كلام المهلب بعد سوق الإسناد ما يضبط اسم الرجل الذي صحفه، ولكنه لا ينتبه لذلك.

وقد أخل الناسخ في مواضع عديدة في هذا النصيح من جراء انتقال النظر، فيترك سطرًا أو سطرين, وقد بينت ذلك ونبهت عليه.

ينقل أحيانا شروحا للغريب من كتابي المشارق والتوشيح, وقد أهملت ذكر ذلك، لقلة جدواه, وسهولة الوقوف عليه، ولأنه ليس من رأس المهلب.

في أول الحديث يكتب الناسخ: خ يرمز به للبخاري, وبين الأسانيد يكتب خ أو ح يهملها أحيانا ويعجمها أخرى، وقد جريت أنا في الكتاب على سنة واحدة:

(1/130)

________________________________________

فأول الحديث أكتب (خ) أي البخاري كما أراد المهلب، كأنه يقول: (قال البخاري: حدثنا .. ).

وعند التحويل بين الأسانيد أكتب (ح) كما هي عاة المحدثين، ولا التفت إلى اضطراب الناسخ في ذلك، وقد أتبع المخطوط أحيانا, والأمر ليس بذي بال.

النسخة الثانية:

وهي من مكتبة الحرم المكي الشريف، إلا انها غير تامة، تبدأ من كتاب النكاح، وتنتهي آخر كتاب الذبائح، وعدد أوراقها 57 ورقة.

وأحد هذين الأصلين منسوخ من الآخر بدلالة المتابعة في السقط وما شابه.

وقد تفضل أخي الشيخ أبو عمر عبد الرحمن الفقيه الغامدي، المشرف العام على ملتقى أهل الحديث، فصور لي هذه النسخة، فجزاه الله خيرا.

 

منهجي في التحقيق:

لما نسخت الكتاب أعدت مقابلته على الأصل الأول، ثم عارضت بالأصل الثاني، ثم قارنت رواية المهلب هذه بنسختين مطبوعتين مختلفتين، ثم قارنت بين روايات البخاري الأخرى وبين رواية المهلب هذه، وذكرت الفروقات بين النسخ, مكتفيًا بما الاختلاف فيه له تأثير، ونبهت على ذلك كي لا يعتقد في نسختنا التصحيف، معتمدا في معرفة الاختلاف على كتب الشروح ولا سيما شرح ابن بطال وشرح ابن حجر رحمهما الله تعالى.

عارضت الكتاب أيضا على نسخة أبي زيد ورمزت لها: ز.

(1/131)

________________________________________

تجد للأحاديث في هذا الكتاب رقمين، الأول الرقم العام في ترتيب هذا المختصر، والثاني رقم الرواية في صحيح البخاري، وكل شيخ للبخاري أذكر رقم حديثه قبل اسمه.

وقد اعتمدت في ترقيم الأحاديث على النسخ المطبوعة التي تعداد أحاديث البخاري فيها 7563 حديثا، وهي أكثر النسخ تعدادا للأحاديث فيما أحسب، لترقيمهم الأحاديث المعلقة التي صدر بها البخاري وأفردها المهلب في بعض الأبواب.

ضبطت الأسانيد والمتون والأبواب بالشكل صيانة لصحيح البخاري من اللحن، وتسهيلًا للراغبين في قراءته من عامة وخاصة، فإنَّ إعرابَ الحديثِ شَطرُ فَهْمِهِ، وقد اعتمدت بضبط الكتاب على النسخة أولًا، إذ أن ناسخها شكل فيها ما أشكل، ثم على كتب الشروح ثانيًا.

أسأل الله أن يتقبل هذا الجهد المتواضع من قليل البضاعة والطاعة، وأن يجعله في ميزان حسناتي ووالديَّ ومشايخي وجميع المسلمين، وأن يجزي المهلب خير الجزاء، وأن يرحمه ويتجاوز عنه، ويجمعنا به في روضات الجنات، والله الموفق والهادي إلى صراط المستقيم، وهو أهل التقوى وأهل المغفرة.

(1/132)

________________________________________

صورة المخطوط

(1/133)

________________________________________

صورة المخطوط2

(1/135)

________________________________________

صورة المخطوط3

(1/136)

________________________________________

صورة المخطوط4

(1/137)

________________________________________

صورة المخطوط5

(1/138)

________________________________________

صورة المخطوط6

(1/139)

________________________________________صورة المخطوط

(1/140)

________________________________________

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( فهرس الكتاب - فهرس المحتويات )

 

 

 

 

 

 

المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا

(*) الإمام الحافظ والحبر العالم أَبُوعبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله بترك تكراره بعد تقصي آثاره، وما دل على فائدة فيه، مما نصح به المسلمين، وهذبه للمتحفظين والمتفقهين، بتأييد رب العالمين: الشيخ الإمام الحافظ الثقة العدل القاضي:

أَبُو القاسم المهلب بن أبِي صفرة رحمه الله ونضر وجهه ورضي عنه.

رواية: الشيخ الفقيه القاضي أبِي عبد الله بن المرابط رحمه الله عنه (1).

رواية: الشيخ الفقيه القاضي الخطيب أبِي عبد الله محمد بن أحمد بن خلف القيسي بالحمراء عنه (2).

_________

(1) توفي في الرابع من شوال سنة خمس وثمانين وأربعمائة (4/ 10/ 485 هـ).

(2) في هامش الورقة أن: عياض بن موسى قَالَ: نَا به القاضي أَبُوعبد الله محمد بن أبِي عبد الله بن المرابط عنه.

وفي الهامش أيضا تملك بالبيع الصحيح لشخص بقي من نسبه: مسعود ..

 

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كأن هنا سقطا، وفي المخطوطة المصورة في المطبوع ما يدل على أن قَصًّا حصل بأعلى الصفحة، وفي ط دار القلم - الرباط، في هذا الموضع: (هذا صحيح)، وضعها المحقق «الشريف ولد عبد الله ولد أباه» بين قوسين، وقال في مقدمته: كل ما هو واقع بين قوسين، هكذا: () فهو ليس من المخطوط، وإنما أثبتناه من نص صحيح البخاري؛ إذ لا يستقيم المعنى - حسب فهمنا - إلا به، واحتمال السهو من الناسخ في أكثره وارد [استفدنا هذا التنبيه من الأخ الفيومي جزاه الله خيرا]

(1/141)

________________________________________

رواية: الشيخ المحدث الثقة الراوية الحافظ أبِي محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري رحمه الله عنه (1).

 

رواية: الشيخ الفقيه القاضي أبِي القاسم أحمد بن يزيد بن بقي رحمه الله عنه (2).

رواية: محمد بن أحمد بن محمد القيسي ثم الزندي اسعده الله ووفقه عنه.

كان أَبُوالحسن محمد بن عبد العزيز بن علي بن علي بن مختار الغافقي الإمام المحدث العدل الثقة شيخ أبِي محمد بن حوط الله (3)، رحمهم الله يثني على هذا المختصر النصيح ثناء جميلا ويفضله على جميع أمثاله.

_________

(1) توفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة (591).

(2) توفي سنة خمس وعشرين وستمائة (625).

(3) ابن حوط الله توفي في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وستمائة (ربيع الأول/612).

(1/142)

________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

(1/143)

________________________________________

وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. (1) وصل فافهم، ومثل فأكمل، .. , وردد القصص .. من القصص, وأطال فما استحال، وأوجز فأعجز، فلا بكلمة مكبوت، ولا فهم إلا بمعانيه ... (2) إلى بيان الرسول كما شرط في محكم التنزيل، فقَالَ عزَّ مِنْ قائل {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

فامتثل النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيان كما أُمر، ونطق عن غير هوى كما بُشر، ما ترك فريضة مجملة إلا فصلها وحددها، ولا سنة منزلة إلا بيَّنها وقيَّدها، ولا فضيلة مرجوة إلا بسطها وفردها، وبالغ في الإبلاغ، وأشهد الله عَزَّ وَجَلَّ يوم حجة الوداع على ذوي الأبصار والأسماع، بما أعلن به وصدع، وبيَّنَ وشرع، فقَالَ: (ألا هل بلغت) فقَالَوا: اللهم نعم، فقَالَ: (اللهم فاشهد) فبرأه الله من ملامة التقصير والإسرار، ورضي منه بالإعلان والإجهار، وأعلمهُ بكمال الدين، وتمام النعمة على المؤمنين.

ثم دعا عَلَيْهِ السَّلاَمُ لمن تسَمَّعَ منه فبلغ عنه، فرب مبلَّغٍ في نازلة عصره أوعى له من سامع نَصِّهِ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ممن أقامهم الله عَزَّ وَجَلَّ لدينه عدولًا من كل خَلَفٍ، ينفون عنه انتحال المبطلين، وتحريف الغالين، إلى يوم الدين.

_________

(1) النقطتان للدلالة على أنه بياض في الأصل المنقول منه.

(2) بياض في الأصل، ولعله أوكل تعالى إلى بيان الرسول أو ما شابه من الكلمات.

(1/144)

________________________________________

ثم آنسَ النُّفُوسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مما آذن به من فيض العلم، حِين تَسُودُ الأُغَيْلِمَةُ (1) الجهلاء، وتراه بَيْنَ الأغبياء، بأن الله عَزَّ وَجَلَّ قد نصر من هذه الأمة الطائفة القائمين بالحجة على أهل الجهالة والبدعة، فقَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ما يضرهم من كذبهم ولا من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).

فجعل إليهم تعالى برحمته استنباط حكم النازلات، وتأويل فقه المشكلات من مفهوم (2) النصوص، وبيان العام والخصوص، وسَوَّغَهُمْ توجيه الأقاويل المختلفة إلى السنن المعروفة, فقَالَ تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

فلا خفاء بعدُ على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن من تبوأ الدار والإيمان, وشهد مواقع نجوم القرآن، وتلقى من الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْم التنزيل في جماعات الرجال والنساء، وأيفاع الولدان والإماء، ومتجالات العيال، وربات الحجال، أولى بضبط الشرائع، وأحق بنقل الحقائق إلى الذين اتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - كافة عن كافة إلى كافة, منصوص على فضل جميعها, ثم إلى عالم من أهلها فقيه المعنى .. مبشر منه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بانتهاء العلم إليه، ووقفه عليه، تضرب إليه آباط الإبل, ويتكلف إليه بعيد السبل، من انقطاع العلم عن أشتات الآفاق وآحاد الشام والعراق، حيث يطلع

_________

(1) لعلهما هكذا فإن الكلمتين غير واضحتين.

(2) لعلها هكذا.

(1/145)

________________________________________

قرن الشيطان للفتنة، ويزلزلها بالفرقة، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، فبهداهم اقتده، فلهم الضبط والفهم، وإليهم يأرز العلم، أبناء طيبة، ونشأة الروضة، تربة الرسول، ومنزل جبريل، ومحل الوحي وملبث الحق، .. ، أرباب الأيمان وعيبة نصح الإسلام, لا جرم أن لهم الحسنى وأنهم هم الفائزون, وحزب الله المفلحون، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

جعلنَا الله من المتبعين سبيل المؤمنين, القائمين بحجة رب العالمين, على منهاج خاتم النبيئين, وأول الشافعين, صلى الله عليه وعلى أهله وأتباعه وأنصاره أجمعين, أفضل صلاة وأزكاها وأطيبها وأرضاها، وسلم تسليما.

النبوءة، وحملة أعباء الرسالة, ومن أوصى بهم الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وخصهم بالصحبة جبريل، يطلبونه .. ما يحجونه.

فإني أوصي نفسي بما به أوصيكم من لزوم الخير والتقى والصبر عن عرض الدنيا فقد أخذ الله عَزَّ وَجَلَّ عليكم الميثاق, وتضمن لكم الأرزاق، وأراد بكم الخير, ووعدكم النصر، حين فقهكم في الدين, .. , وقضى لكم بالسيادة, ... وقلد لكم الآية {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ..

فإنما الأعمال بالنيات، واسلكوا سبيل الجادة، وتنكبوا .. عن مختلف الأقاويل، بالرد إلى الرسول، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم.

(1/146)

________________________________________

فقد حفظ الله عليكم التنزيل، وبين لكم الرسول، وقيد العلماء، واستنبط الفقهاء، ونقلت الأمة، وصححت الأئمة، واجتمعت على هذا الكتاب الجامع الصحيح الآثار، وقنعت به عن أمات أهل الإكثار، واقتصرت قرون الإسلام عليه، ولجأ المخالف والمؤآلف إليه، ولن تجتمع الأمة على ضلال، ولا تتفق على اختلال.

فرحم الله مؤلفه الفاضل محمد بن إسماعيل العالم المرضي، والحبر الزكي، الناهج لسبيل النجاة، والدليل الماهر في مهامه الرواة، والنجم الهادي في الظلمات، .. يتضمن صحيح الحديث على أئمة الأمصار، فما عورض والزعيم يميز صريح الأسانيد ..

العارف بعدالة الرجال الحاكم فيهم بتغليب الحال، المنكت بجواهر العلم بتبويباته، والمنبه على خفيه بإشاراته، فهو يصدر في أول الباب بوجه الحديث ليفهم، ويميز المعنى الذي به ترجم، ويكرر الأحاديث بكثرة المعاني التي فيها، فمن وهب الله له فهمها ودَّ تكثيرها، ومن خفت عليه كره تكريرها.

فلذلك رغب إِلَيَّ منكم راغبون كثير في اختصار تكراره، وتحرير آثاره، حرصا على قرب أمره، وتأتي حفظه، ولو كان تكرره في كل باب على نص واحد لأمكن ما رغبوه، وساغ ما أرادوه، ولكن يكرره بألفاظ مختلفة يدل على وجوه، وبزيادات الرواة على غيرهم تنفس المعاني للناظر الفقيه.

فلو اختصر على ما ظنه الراغبون فيه، واحتمل على رأي المستنبطين له, لذهبت بهجة الكتاب، وطمست [ص/3] أعين المعاني, وعدم من فوائد الحديث

(1/147)

________________________________________

الأكثر التي ترجم بها، واستنبطها من خَفِيِّ أماكنه فجلاها للعقول، ونبه عليها من جوامع كلام الرسول فإنه عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: (بعثت بجوامع الكلم).

فأعملتُ النظر أيدكم الله فيما رغبه الآملون لتحفظه فتقر فيه , والراغبون في التفقه منه مع تهذيبه، فلم يمكنني فيه غير اختصاره بإسقاط تكراره، إلا ما ضنت الحاجة إليه، واشتملت المتون من اللفظ عليه، فَأُبْقِيهِ لفائدةٍ فيه.

فظهر إِلَيَّ أنْ أُخَرِّجَ من كل حديث على أكمل ما أجده في الأبواب التي ذكره فيها ليُريَ فوائده، وينوِّعَ أسانيده، وأتوخى أولى الأبواب به ما أمكن، وأركب فيه ما زَادَه الضابط من الرواة على غيره في موضعه من نصه، بعد تقديم شعوب سنده إلى من عليه مدارالحديث، لكيما يكمل المتن مسند الألفاظ مقيد الزوائد.

وإنْ كان ابن شهاب الْزُهْرِيّ رضي الله عنه وغيره من الأئمة قَالَ في حديث الإفك، وحديث موسى مع الخضر عليهم السلام, وفي غيرهما حين كثرت عليه زيادات الرواة في الحديث، فقَالَ في آخر الاسناد: وكلٌّ حَدَّثَنِي طائفة من الحديث، وبعضهم يزيد في الحديث على بعض، ولم يذكر المزيد ولا الزائد، ثم ساوى الحديث على نص واحد ولم يعين لكل راوٍ منهم زيادته.

ولم أَسْمَحْ أنَا في ذلك, ولا قنعتُ به, لأنَّ ابن معين رحمه الله قد تكلم في مثل هذا, فرأيت الخروج عن موضع التكلم أولى، وإن زَادَت الأسانيد، لكني ربما ذكرت زيادة الراوي في المتن وفصلتها بتحويقة.

وربما كررت اسم الأول الذي له اللفظ, ثم إني ذكرت في آخر الحديث كل باب خرجه البخاري رضي الله عنه فيه ليستدل الدارس له المتفقه بتلك التراجم

(1/148)

________________________________________

على لطيف المعاني التي تضمنت ويتعلم كيف وجه الاستنباط لها إن خفيت واستخراجها إن غمضت, والله يلقي الحكمة من أراد به الخير بفضله.

ولما خرجت من الأحاديث الأكمل، وركبت منها المشتت فاتصل، ألفيت الذي صدَّر به من الحديث في أوائل الأبواب مقطوعا وأكثرها في الكتاب مسندًا في غير تلك الأبواب المصدر بها فيها فخرجتها حيث أجدها وتركت ذكرها في مواضع التصدير بها.

وهممت أيضا بترك الأبواب التي هي بمعنى واحد في أواخر الأحاديث، مثل قوله باب تزويج المحرم، وقَالَ في النكاح: باب نكاح المحرم، وباب المرأة تحيض بعد الإفاضة، وقَالَ في الحج: باب إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، وخرج فيها حديثا واحدا، وغيرها كثير فتركت الأقل، وذكرت الأكثر.

(1/149)

________________________________________

فصل:

ثم إني تدبرت هذا الكتاب الصحيح الذي جعله الله في آخر الزمان عصمة للمختلفين, وحكما للمتفرقين، ورحمة للعالمين، فألفيت مؤلفه رحمه الله على ضمان الصحة، وجامعه عن أهل الثقة، لم يبلغ من تهذيبه ما أراد، ولا تمكن فيه من كل ما أمل، واستدللت على أنه أعجل عنه بأجل، أو غالب شغل، بأنه يبوب أبوابًا كثيرة وتركها فارغة لم يخرج فيها أحاديثها وبعضها يفهم من الترجمة، ولا يفهم من بعض، ومن تلك الأبواب الفارغة ما صدر فيها الأحاديث بما يدل على المعنى ثم لم يخرج فيها غير التصدير, وأبواب كثيرة قَالَ فيها: باب، ثم ذكر أحاديثها ولم يترجم لها بالمعنى, وأحاديث مقطوعة لم يسندها، كحديث (إن لقيتم فلانَا وفلانَا فأحرقوهما بالنار) , وحديث ابن عباس (ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا والمروة بسنة) قَالَ فيهما البخاري: وقَالَ ابن وهب، ولم يذكر من حدثه عنه.

وكذلك قَالَ في حديث الخشبة، وحديث أسماء رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة، وحديث عائشة أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر سردا لحديثه كسردكم، قَالَ فيها كلها: وقَالَ اللَّيْثُ, أو يذكر، ولم يذكر من حدثه عن الليث.

وسأسندها إنشاء الله تعالى.

وقد يترجم بعض الحديث لبيان معناه، ويترجم بطرف منه ليدل عليه، وفي كثير من الأبواب خرج فيها أحاديث يخفى معنى ذلك التبويب من نصها إلا باستدلالٍ خفي ٍ وغوص ذكي، ولو أمهل - والله أعلم - لأردف تلك النصوص بما هو أجلى لوجوه المعاني وأظهر لها.

(1/150)

________________________________________

ومنه أبواب لا يفهم ما أراد منها إلا بدليل التصدير, مثل باب قوله عَزَّ وَجَلَّ {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} ثم أدخل حديث ابن مسعود أن قريشا لَمَّا أبطؤوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عليهم بسبع كسبع يوسف، ثم صدر في الباب قوله {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} فبلغ إلى موضع الفائدة ثم لم يذكرها وهو قوله تعالى {وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} وفي معنى ذلك تبويبه والله أعلم.

ووجه ذلك أنه شبه ما عرض ليوسف عَلَيْهِ السَّلاَمُ مع إخوته ومع امرأة العزيز بما عرض لمحمد عَلَيْهِ السَّلاَمُ مع قومه حين أخرجوه من وطنه وأهله وآذوه، كما أخرج إخوة يوسف يوسف عن أبيه وباعوه ممن استعبده فلم يعنف محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومه كما لم يعنف يوسف إخوته حين أتوهما تائبين معترفين، فقَالَوا ليوسف عَلَيْهِ السَّلاَمُ {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} , وقَالَ أَبُوسفيان لمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنك قد بعثت بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله عَزَّ وَجَلَّ لهم, وقَالَوا ربنَا اكشف عنَا العذاب إنَا مؤمنون فدعا لهم عَلَيْهِ السَّلاَمُ فأخبره تعالى أنه كاشف العذاب وأنهم عائدون يريد إلى التكذيب، حتى ينتقم منهم في البطشة الكبرى يوم بدر، ودعا يوسف لإخوته فقَالَ لهم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم حين أتوه نادمين معترفين، وقَالَوا لأبيهم: {يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}، فقَالَ لهم: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} , فقَالَ الله تعالى لمحمد عَلَيْهِ السَّلاَمُ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [ص/4] أي عجبتَ من حلمي عنهم مع سخريتهم وتماديهم في غيهم، ومن قرأ بقراءة عبد الله برفع التاء من

(1/151)

________________________________________

عجبت فمعناه والله أعلم: بل عجبتُ من حلمك عن قومك حين رأوا العذاب فأتوك متوسلين بالرحم فدعوت لهم بكشف ما كنت دعوت به عليهم كحلم يوسف عَلَيْهِ السَّلاَمُ عن إخوته، إذ أتوه محتاجين, وكحلمه عن امرأة العزيز حين راودته عن نفسه ثم أغرت به سيدها فكذبت عليه فقَالَتْ: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثم عفا يوسف صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها بعد سجنه الطويل بمكرها، وتزوجها على ما جاء الخبر عنها.

فأراد البخاري رحمه الله أن يريك أن العفو عن الظالم إذا أتى تائبا أو متوسلا سنة النبيئين، وسنة رب العالمين في عباده التائبين والمتوسلين، فأراد تناسب ما بين الآيتين بالمعنى على بعد الظاهرين منهما، ومثل هذا فِي كِتَابِه كثير، مما قد عابه به من لم يفتح الله عليه بفهمه (1).

_________

(1) قَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ هَذَا الْفَصْلَ مُختصَرًا عَازِيًا إِيَّاهُ إِلى أبِي الْإِصْبَع عِيسَى بْن سَهْل فِي شَرْحه فِيمَا نَقَله الحافظ مِنْ رِحْلَة أبِي عَبْد اللَّه بْن رُشَيْد، وأَبُو الإصْبَعِ تَجَلَّدَ فِي نَقْلِهِ حِينَ لَمْ يِنْسِبْهُ لِلْمُهَلَّبِ مَعَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَحَافَظَ عَلَى كَلِمَاتِه.

قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ تَكَلَّفَ لَهَا أَبُوالْإِصْبَع عِيسَى بْن سَهْل فِي شَرْحه فِيمَا نَقَلْته مِنْ رِحْلَة أبِي عَبْد اللَّه بْن رَشِيد عَنْهُ مَا مُلَخَّصُهُ: تَرْجَمَ الْبُخَارِيّ: بَاب قَوْله (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتهَا عَنْ نَفْسه)، وَأَدْخَلَ حَدِيث اِبْن مَسْعُود: أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَئُوا، الْحَدِيث، وَأَوْرَدَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي التَّرْجَمَة عَنْ اِبْن مَسْعُود (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ)، قَالَ: فَانْتَهَى إِلَى مَوْضِع الْفَائِدَة وَلَمْ يَذْكُرهَا، وَهُوَ قَوْله: (وَإِذَا ذُكِّرُوا لاَ يَذْكُرُونَ، وَإِذَا رَأَوْا آيَة يَسْتَسْخِرُونَ).

 

قَالَ: وَيُؤْخَذ مِنْ ذَلِكَ مُنَاسَبَة التَّبْوِيب الْمَذْكُورَة، وَوَجْهه: أَنَّهُ شَبَّهَ مَا عَرَضَ لِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ إِخْوَته وَمَعَ اِمْرَأَة الْعَزِيز بِمَا عَرَضَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمه، حِينَ أَخْرَجُوهُ مِنْ وَطَنه كَمَا أَخْرَجَ يُوسُف إِخْوَته، وَبَاعُوهُ لِمَنْ اِسْتَعْبَدَهُ، فَلَمْ يُعَنِّفْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمه لَمَّا فَتَحَ مَكَّة، كَمَا لَمْ يُعَنِّف يُوسُف إِخْوَته حِينَ قَالَوا لَهُ: (تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَك اللَّه عَلَيْنَا)، وَدَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَطَرِ لَمَّا سَأَلَهُ أَبُوسُفْيَانَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ، كَمَا دَعَا يُوسُف لِإِخْوَتِهِ لَمَّا جَاءُوهُ نَادِمِينَ، فَقَالَ: (لاَ تَثْرِيب عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِر اللَّه لَكُمْ).

قَالَ: فَمَعْنَى الآيَة بَلْ عَجِبْت مِنْ حِلْمِي عَنْهُمْ مَعَ سُخْرِيَتِهِمْ بِك وَتَمَادِيهِمْ عَلَى غَيّهمْ، وَعَلَى قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود بِالضَّمِّ بَلْ عَجِبْتُ مِنْ حِلْمك عَنْ قَوْمك إِذْ أَتَوْك مُتَوَسِّلِينَ بِك فَدَعَوْت فَكُشِفَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ كَحِلْمِ يُوسُف عَنْ إِخْوَته إِذْ أَتَوْهُ مُحْتَاجِينَ، وَكَحِلْمِهِ عَنْ اِمْرَأَة الْعَزِيز حَيْثُ أَغْرَتْ بِهِ سَيِّدَهَا وَكَذَبَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ سَجَنَتْهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤَاخِذهَا.

قَالَ: فَظَهَرَ تَنَاسُب هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى مَعَ بُعْد الظَّاهِر بَيْنَهُمَا.

قَالَ: وَمِثْل هَذَا كَثِير فِي كِتَابِهمِمَّا عَابَهُ بِهِ مَنْ لَمْ يَفْتَح اللَّه عَلَيْهِوَاَللَّه الْمُسْتَعَان.

وَمِنْ تَمَام ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: تَظْهَر الْمُنَاسَبَة أَيْضًا بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ مِنْ قَوْله فِي الصَّافَّات: وَإِذَا رَأَوْا آيَة يَسْتَسْخِرُونَ، فَإِنَّ فِيهَا إِشَارَة إِلَى تَمَادِيهِمْ عَلَى كُفْرهمْ وَغَيّهمْ، وَمِنْ قَوْله فِي قِصَّة يُوسُف (ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الْآيَات لِيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) أهـ.

(1/152)

________________________________________

وأكثر ما شنع عليه به رحمه الله ما ترجم به في أول باب من كتابه ثم أدخل غير ما ترجم به عندهم, وذلك أنهم ألفوهم في أول باب ... فاستغنوا به عن إصلاح كثير مما سايروا الكتاب، وهو أنه قَالَ: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أدخل حديث الأعمال بالنيات، زعموا أن ليس فيه شيء مما تضمنت الترجمة حتى بلغني أن بعض المتقدمين وضع في هذا الباب وشبهه مما لم ينفك له منه معنى الترجمة في سائر الكتاب وضعا يشنع به على البخاري رحمه الله.

وذلك الحديث والله أعلم نفس ما ترجم به, وأولى الأحاديث بنصه، ووجهه:

أن الله عَزَّ وَجَلَّ قد اصطفى محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أطيب الأصلاب، وأطهر الترائب، في أكرم الأنساب، وفطره على الأيمان, وزينه في قلبه وكره إليه الفسوق والعصيان وعبادة الأوثان والنيران والنجوم والحيوان، ولم يجد في جاهلية قومه شرعا يعبد الله عليه، ولا حكما يلجأ عند الإشكال إليه، لجأ إلى دعاء ربه تعالى, وتضرع إلى معبوده في الهداية إلى سبيله، والإنعام عليه بدليله،

(1/153)

________________________________________

فوهب له تبارك وتعالى أول أسباب النبوءة, وهو الرؤيا الصادقة، التي قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنها جزء من أجزاء النبوءة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح.

قَالَ بعض أهل العلم: فكان ذلك ترشيحا له من الله عَزَّ وَجَلَّ للنبوءة، فلما رأى ما وهب الله عَزَّ وَجَلَّ من ذلك فأطلعه به على كثير من الغيوب والإنذارات بما يقع، ويفهمه به على كثير مما يضر وينفع، تحقق طمعه في الإجابة، وقوي رجاءه في استكمال ما ابتدأه به, ورشحه له, فأخلص النية لله عَزَّ وَجَلَّ بالعمل، ومحض له الطوية في التعبد والرغبة والانقطاع إليه، وحبب إليه الخلاء، فكان يتعبد في غار حراء عدد الليالي والأيام، ثم يرجع ويتزود لمثلها، حتى فجئه الحق وأتاه الملك بالوحي من ربه, فقبل الله تعالى عمله، لصحة نيته، ووهب له ما نوى كما أمل ورجا، إجابة لخالص دعواته، والله أعلم حيث يجعل رسالاته (1).

فأي معنى أولى بهذه الترجمة من هذا الحديث، وأشد مشاكلة ومطابقة لها عند من فتح الله عليه الفهم، فبحث عن العلم, واقتبس من أهل التقدم، ولقد ينبغي لأهل الطلب والتفقه أن يعرفوا وكيد حاجتهم إلى علم معاني الحديث الصحيح، ووجوه مطابقته للمسائل الصحيحة، المتوفرة بينهم في الفتوى, فيستنبطون منها ما لم يتقدم فيه قولٌ لعالم، ويفرقون منها بين الوهم والصواب من الاختلاف، إذ قد كثر وعورض المتقدم بالمتأخر، ولعله مفسر وقر قوله، وهو لله

_________

(1) وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَا حَكَاه الْمُهَلَّب أيضًا منْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِهِ حِين قَدِمَ الْمَدِينَة مُهَاجِرًا، فَنَاسَبَ إِيرَاده فِي بَدْء الْوَحْي؛ لِأَنَّ الأَحْوَال الَّتِي كَانَتْ قَبْل الْهِجْرَة كَانَتْ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهَا لِأَنَّ بِالْهِجْرَةِ اُفْتُتِحَ الْإِذْن فِي قِتَال الْمُشْرِكِينَ، وَيَعْقُبهُ النَّصْر وَالظَّفَر وَالْفَتْح.

قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا وَجْه حَسَن، إِلاَ أَنَّنِي لَمْ أَرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَخَطَبَ بِهِ أَوَّل مَا هَاجَرَ - مَنْقُولًا أهـ.

(1/154)

________________________________________

أو لرسوله معارض، فلا اعتصام إلا بشاهد الكتاب والسنة, فيهما يتبين محض الصواب، وتنفصل المسائل المشكلة، فيستغنى عن حفظ كثير أشخاصها بضبط حكم أجناسها، لكن العذر قلة وجود المعلم، وعدم الفالح، مع حب بعضنَا للرياسة في العامة، واستعجال الفائدة من عندها فوقفوا أنفسهم على ذكر مسائلها والتحيل لها في وثائقها، بالهروب عن الحدود بزور العقود، فقنعوا منها بالتسويد ونكبوا عنه لأنه عندهم محدود، ولزموا التسوق به فهو المحدود، فنالوا من الدنيا المراتب، وولوا الفهماء فيها المعائب، حتى ضاعت الحقائق وهجر أهلها، وعمت الجهالة وظهر حزبها، تصديقا من الله عَزَّ وَجَلَّ لما أنذر به الرسول عَلَيْهِ السَّلاَمُ من انقطاع العلم وظهور الجهل، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}.

ولقد هممت أيدك الله أن أذكر في آخر كل حديث من كتابي هذا ما أدركت من معانيه، والفقه الذي فيه، لكني أظن أن فيما أمللت عندما قرئ علي هذا الكتاب الصحيح وكتب عني بلاغا وفتح باب إلى استخراج بقية ما تركت أو غاب عني من معاني الأحاديث لمن بحث عن ذلك إنشاء الله, والله هو الفتاح العليم.

ولعل الله يمهل في الأجل لهذا الأمل ويعين على شرح هذا المختصر النصيح بأوجز ما يتهيأ, فيكون بعون الله شرحه على قدر كتاب البخاري أو قدره، وتكون الفائدة في شرحه أجدى على الناس من ما اختصرت من تكرير نصه، غير أني قد تكلمت فيه على نبذ من الأحاديث المشكلة التي أدخلها رحمه الله على اضطراب الرواة فيها، ونثرها فيه غير مرتبة ولا مبينة، على ما نبين وجوهها، وأشرت فيها بما

(1/155)

________________________________________

ينفي الاضطراب عنها فلا تتعارض، ويقف الوهم في أسانيدها أو متونها على من حكم به النظر عليه من ناقليها، وكذلك فعلت في تأويل معانيها.

ومنها ما هذبت أسانيدها، وطرحت الوهم الظاهر فيها:

كحديث صفة عيسى وموسى في رؤيا النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما في منامه عند الطواف.

وكحديث الإفراد والقران في الحج، وقد تكلمت عليه.

وكحديث رافع في المزارعة.

وحديث جابر فيما دون الحد من العقوبة.

وحديثه في بيع الجمل واشتراط ظهره.

وغيرها كثير، كلها أعجل البخاري رحمه الله عن تهذيبها، وتقليب الصواب لأهللها من رواتها، ولم أتقصها كلها كيلا يكثر الْكِتَابُ فَيُمَلُّ القارئ والْكِتَابُ، وتبقى الإطالة، فلا تعدم الملامة [ص/5].

وقد يسوغ لمن أراد تحفظ متون الأحاديث خاصة أن يختصر ذكر أسماء المختلفين في ألفاظها بالزيادة والنقصان، فيكون متن الحديث أسمح لقراءته، وأيسر لتحفظه، كما يسوغ له أيضا أن يختصر ذكر الأبواب من آخر كل حديث، إذا لم يرد التفقه فيه منها، وقنع بِحفظها، فيكون قد خفف عن نفسه مؤونة كبيرة من ذكر الأسماء التي يحتاج إليها أهل الإسناد، والأبواب التي منها تفقه أهل العلم.

(1/156)

________________________________________

فَكِتَابِي هَذَا إِذًا يَحْتَاجُ إِليهِ طَبَقَاتُ الْعِلْمِ الثَّلاَث:

أَعْنِي الْمُسْنِدِينَ، وَالْمُتَفَقِّهِينَ، وَالْمُتَحَفِّظِينَ.

فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهِ بُغْيَتُهُ مُلَخَّصَةٌ، وَحَاجَتُه مُعَيَّنَةٌ، وَمَطَالِبُهُ مُقَرَّبَةٌ، وَلَيْسَ لِمَنْ صَفرَتْ يَدَاهُ مِنْ بِضَاعَةِ الْحَدِيثِ وَعِلْمِ إِسْنَادِهِ وَمَعَانِيهِ.

واخْتِصَارِي لَهُ هَذَا عَلَى قَدْرِ الْوِسْعِ الَّذِي أَعَانَ الله وَامْتَنَّ بِالْهِدَايَةِ إِليهِ، غَيْرُ مُتَبَرِّئٍ مِنْ آفَاتِ الْبَشَرِ وَوَهَلِ الْمُدَّكِرِ، وَمَنْ يَعْتَصِم بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

اللهم بك اعتصمت, وعليك توكلت, ووجهك أردت، وما عندك رجوت، فاجعل لي به صالح ذكر في العالمين, ولسان صدق في الآخرين، وانفعني بمن قرأه وكتبه من المؤمنين، ودعا لي بالرحمة في الغابرين، حتى تدخلني رحمتك في عبادك الصالحين، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد خاتم النبيئين، وآخر المرسلين, وأول الشافعين، وسلم تسليما.

(1/157)

________________________________________

وَهَا أَنَا حِينَ أَبْتَدِئُ بِتَهْذِيبِ الْكِتَابِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ، الَّذِي:

حَدَّثَنَا بِهِ سَمِاعًا الفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُومُحَمَّدٍ عَبْدُالله بْنُ إِبْرَاهِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ جَعْفَرٍ الأَصِيلِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَلَمْ أَلْقَ مِثْلَهُ.

وَحَدَّثَنَا بِهِ أَيْضًا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْفَاضِلُ أَبُوالْحَسَنِ مُحَمَّد بْنُ خَلَفٍ القَابِسِيُّ رَحِمَهُ الله، وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، إِجَازَةُ (1).

قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُوزَيْدٍ مُحَمَّد بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: نَا مُحَمَّد بْنُ يُوسُفَ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلُ الْبُخَارِيُّ رَضِيَ الله عَنْهُ:

_________

(1) هكذا ثبت في النسخة، حدثنا .. إجازة، والأليق أن يقول: أخبرنَا .. إجازة.

(1/158)

________________________________________

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَآلهِ وَسَلَّمَ

 

بَابٌ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُ الله عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (1).

[1]- قَالَ البُخَارِيُّ:

(1) حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، نَا سُفْيَانُ، نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، - عَلَيهِ مَدَارُ الحَدِيثِ -، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَلَى الْمِنْبَرِ يقول: سَمِعْتُ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ.

ح (6953) ونَا أَبُوالنُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، الْسَّنَد،: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الأَعْمَالُ».

_________

(1) هَكَذَا ثَبَتَ فِي الأصْلِ، وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أبِي ذَرٍّ لَفْظَ: بَاب.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَالَ لى أَبُوالْقَاسِم الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِى صُفْرَةَ رَحِمَهُ اللهُ: مَعْنَى هَذِهِ الآيَة أنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، كَمَا أَوْحَى إِلى سَائِر الأَنْبِياءِ، عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ قَبْلَهُ وَحْيَ رِسَالةٍ، لاَ وَحْيَ إِلْهَامٍ، لأَنََّ الْوَحْيَ يَنْقَسِمُ عَلَى وُجُوهٍ.

وَإِنَّمَا قَدَّمُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ حَدِيثَ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ، لِيُعلمَ أَنَّه قَصَدَ في تَألِيفِهِ وَجْهَ الله عَزَّ وَجَلَّ، فَفَائِدَةُ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ تَنْبِيهًا لِكُلِّ مَنْ قَرَأ كِتَابَهُ، أَنْ يَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ الله تَعَالَى كَمَا قَصَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَأْلِيفِهِ.

وَجَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ عِوَضًا مِنْ الْخُطْبَةِ الَّتِى يَبْدَأُ بِهَا المؤلِّفُونَ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ العِوض من عوَّض مِنْ كَلامِهِ كَلامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي مَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى.

 

وقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثُلُثُ الإسْلاَمِ، وَبِهِ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَصَلَ إِلى دَارِ الْهِجْرَةِ وَشَهَرَ الإسِلامَ أهـ.

(1/159)

________________________________________

قَالَ سُفْيَانُ: «بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (1).

زَادَ حَمَّادٌ: «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ».

وَخَرَّجَهُ في: كِتَابِ النِّكَاحِ، فِي بَابِ مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيْرًا لِتَزويجِ امْرأةٍ فَلَهُ مَا نَوَى (5070)، وفِي كِتَابِ النذور، فِي بَابِ النّيةِ في الأَيْمَانِ (6689)، وفِي بَابِ هجرة النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ (2) (3898)، وفِي كِتَابِ العِتْقِ، بَابٌ الْخَطَأُ وَالنِّسْيان (2529)، وفِي كِتَابِ تَرْكِ الْحِيلِ وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى (6953).

_________

(1) هَكَذَا هُوَ في رِوَاية الْبُخَارِيِّ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ في أَوَّلِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ: بِحَذْفِ أَحَد وَجْهَيْ التَّقْسِيم، وَهُوَ قَوْله: " فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَته إِلَى اللَّه وَرَسُوله " وَلِذَلِكَ أَتَمَّهُ الْمُهَلَّبُ مِنْ زِيَادَةِ حَمَّادٍ.

فقَالَ حَمَدُ بنُ سُليمَان الْخَطَّابِيُّ: وَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي رِوَايَتنَا وَجَمِيع نُسَخ أَصْحَابنَا مَخْرُومًا قَدْ ذَهَبَ شَطْره، وَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ هَذَا الْإِغْفَال، وَمِنْ جِهَة مَنْ عَرَضَ مِنْ رُوَاته؟ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ غَيْر طَرِيق الْحُمَيْدِيّ مُسْتَوْفًى، وَقَدْ رَوَاهُ لَنَا الأَثْبَاتُ مِنْ طَرِيق الْحُمَيْدِيّ تَامًّا أهـ.

قُلتُ: هُوَ فِي الْمُسْنَدِ لِلْحُمَيْدِيِّ بِتَمَامِهِ ح31، وَاتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ عَنْ الْبُخَارِيِّ عَلَى هَذَا الإِسْقَاطِ تُقَوِّي فَرَضِيَّةَ أَنَّهُ هُوَ مَنْ أَسْقَطَ شَطْرَ الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَ وَقَعَ مِنْهُ لِسَهْوٍ فَلِلَّهِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةً، فَإِنَّ الْكَمَالَ فِي الْكُتُبِ لا يَكُونُ إِلاَّ لِكِتَابِ اللهِ، وَحَتَّى هَذَا الْكِتَاب الَّذِي هُو أَصَحُّ الْكُتُبِ بَعْدَ الْقُرْآنِ حَصَلَ في أَوَّلِهِ مَا حَصَلَ!.

وَإنْ كَانْ عَمْدًا مِنْ الْبُخَارِيِّ فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ في الْجَواب عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُومُحَمَّد عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن سَعِيد الْحَافِظ فِي أَجْوِبَة لَهُ عَلَى الْبُخَارِيّ، فَقَالَ: لَعَلَّ الْبُخَارِيّ قَصَدَ أَنْ يَجْعَل لِكِتَابِهِ صَدْرًا يَسْتَفْتِح بِهِ، عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ اِسْتِفْتَاح كُتُبهمْ بِالْخُطَبِ الْمُتَضَمِّنَة لِمَعَانِي مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ التَّأْلِيف، فَكَأَنَّهُ اِبْتَدَأَ كِتَابه بِنِيَّةٍ رَدَّ عِلْمهَا إِلَى اللَّه، فَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ الدُّنْيَا أَوْ عَرَضَ إِلَى شَيْء مِنْ مَعَانِيهَا فَسَيَجْزِيهِ بِنِيَّتِهِ، وَنَكَبَ عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْ التَّقْسِيم مُجَانَبَة لِلتَّزْكِيَةِ الَّتِي لاَ يُنَاسِب ذِكْرهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَام. (اِنْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ).

وَلا يُعْتَرضُ بِأَنَّ هَذَا الْخَرْمَ لا يَجُوزُ، فَمَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ يَلُوحُ مِنْ صَحِيحِهِ بِجَوَازِ تَقْطِيعِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَتِهِ بِالْمَعْنَى.

(2) أي من كتاب مناقب الأنصار، واسم الباب كاملا: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة.

(1/160)

________________________________________

[2]- (2) خ نَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ، نَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ، ح, و (3215) نَا فَرْوَةُ، نَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ: «كُلُّ ذَاكَ يَأْتِينِي, الْمَلَكُ أَحْيَانَا مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ».

زَادَ مَالِكٌ: «وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ».

«فَيَفْصِمُ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانَا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ».

قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا.

وَخَرَّجَهُ في: كِتَابِ بِدْءِ الْخَلْقِ، فِي بَابِ ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ (ح3215).

 

[3]- خ (4923) نَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: نَا عَبْدُ الصَّمَدِ, قال: نَا حَرْبٌ, نا يَحْيَى بنُ أبِي كَثِير, قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ: أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ, الْحَدِيث.

 

[4]- (4956، 6982) خ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ, نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ, أَنَا مَعْمَرٌ, عن الْزُهْرِيّ, مَدَارُه.

و (4953) حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ, نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أبِي رِزْمَةَ, قَالَ: نَا أَبُوصَالِحٍ سَلْمَوَيْهِ, قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله عَنْ يُونُسَ, عنه.

(1/161)

________________________________________

و (,4953،4955) (1) نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ, نَا اللَّيْثُ, عَنْ عُقَيْلٍ - لَفْظُهُ -, عَنْ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ, عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ.

وقَالَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: الصَّادِقَةُ.

فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ.

وقَالَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ: حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ.

وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ له: اقْرَأْ.

- وقَالَ مَعْمَرٌ ويونُسُ: فقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ».

قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي (2) الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}».

زَادَ مَعْمَرٌ وَيُونُسُ: إلَى قَوْلِهِ {مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ.

_________

(1) وهذا من الأحاديث التي رواها البخاري رحمه الله بإسناد واحد في مواضع مختلفة بألفاظ مختلفة، ومعنىً متفق، لأنه رحمه الله كان يجيز الرواية بالمعنى للفقيه الحاذق.

(2) هنَا في النسخ: فغطني الثانية، اتفق عقيل مع معمر ويونس في ذكرها وقد تكون سقطت على الناسخ، والله أعلم.

(1/162)

________________________________________

وقَالَ مَعْمَرٌ: بَوَادِرُهُ (1).

فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، فَقَالَ لَهَا: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» , فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ (2).

فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» , فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: وَالله مَا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا.

وقَالَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: كَلاَ, أَبْشِرْ, فوَالله لا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا.

إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ.

زَادَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ.

وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ.

زَادَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: أَخِي أَبِيهَا.

وَكَانَ امْرءًا قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ.

_________

(1) في الهامش: بوادره جمع بادرة، وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق، تضطرب عند فزع الإنسان.

(2) في الهامش: أي الفزع.

(1/163)

________________________________________

وقَالَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَكْتُبَ (1).

وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ (2)، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ الله عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، يا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.

وقَالَ مَعْمَرٌ: حِينَ (3).

قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟» , قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَ عُودِيَ، فَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ.

زَادَ مَعْمَرٌ: حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنَا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ, فَكُلَّمَا أَوْفَى في ذِرْوَةِ جَبَلٍ [لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ الله حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ] (4) تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.

 

[3]- (4) قَالَ عُقَيْلٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُوسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ, وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ, فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ:

_________

(1) كذلك ثبتت هذه الزيادة في حديث عقيل في النسخ المطبوعة، وإنما قَالاَ هنا: وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب .. فلعل الناسخ عجل أراد أن يكتب العربية فكتب العبرانية.

(2) في الأصل: قد أعما.

(3) أي: حين يخرجك قومك ..

(4) سقط على الناسخ مابين العلامتين من انتقَالَ النظر.

(1/164)

________________________________________

«بَيْنَما أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ».

وقَالَ ابنُ أبِي كَثِير: «عَلَى عَرْشٍ».

«بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَرُعِبْتُ مِنْهُ, فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي».

وقَالَ مَعْمَرٌ ويُونُسُ: «زَمِّلُونِي» ثَانِيةً, فَدَثَّرُوهُ, فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.

(4925) قَالَ مَعْمَرٌ: قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ، وَهِيَ الأَوْثَانُ.

فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ.

وَخَرَّجَهُ في: تفسير سورة المدثر فِي بَابِ قوله {قُمْ فَأَنْذِرْ} (4922، 4923، 4924، 4925، 4926) , وفِي كِتَابِ الأنبياء فِي بَابِ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} (3392) , وفي الأدب فِي بَابِ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلى السَّمَاءِ (6214)، وفِي بَابِ ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ (3238)، وفي تَفْسِيرِ سُورَةِ إِقْرَأ باسم ربك (4953، 4954، 4955، 4956، 4957).

 

[5]- خ (7) نَا أَبُوالْيَمَانِ، نَا شُعَيْبٌ، عَنْ الْزُهْرِيّ، هُوَ مَدَارُهُ.

و (4553) نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، (ح, وحَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الْزُهْرِيِّ.

ح (2941) ونَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ) (1)، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ

_________

(1) سقط على الناسخ ما بين القوسين من انتقَالَ النظر، والمتن الذي ساقه المهلب إنما هو لحديث إبراهيم بن حمزة.

(1/165)

________________________________________

عَبَّاسٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلاَمِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ (1) دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ الله عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلاَهُ الله، فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ، لأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُوسُفْيَانَ، قَالَ مَعْمَرٌ: مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ.

قَالَ صَالِحٌ: أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ.

قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ، فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي، حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، عَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فَقَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ نَسَبًا، قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ فَقُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي، وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي، فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ، وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ (عَنْ) (2) الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَني (3) فَكَذِّبُوهُ.

_________

(1) زاد في بعض نسخ الصحيح: مَعَ.

(2) زيادة من الصحيح لا بد منه لإقامة المتن، وقد سقطت على الناسخ.

(3) في الهامش ضبط هذه الكلمة بالتخفيف وكتب:

قَالَ محمد بن إسماعيل التيمي: كذبني بالتخفيف، يتعدى إلى مفعولين، مثل صدق، تقول: كذبني الحديث، وصدقني الحديث، قَالَ الله تعالى: لقد صدق الله رسوله الرؤيا.

وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد، وهما من غريب الألفاظ أهـ.

(1/166)

________________________________________

قَالَ أَبُوسُفْيَانَ: لَوْلاَ الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَحَدّ&#